عبقات مهدوية

عبقات مهدوية
مجموعة من محاضرات السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (قدس سره)

إعداد: حسام عبد الله الغزالي
الطبعة الأولى ١٤٣٩هـ ٢٠١٨م

الفهرس

(١) إحياء أمر الإمام المهدي (عليه السلام)...................٥
لماذا إحياء أمر الإمام؟...................٥
وسائط الفيض الإلهي...................٩
إرادة الرب وقانون الأسباب...................١١
جلب الخيرات والبركات...................١٢
كيف نحيي أمر الإمام؟...................١٣
المجدد الشيرازي وإحياء سامراء...................١٤
ابق عندنا ونحن نحميك...................١٥
نحن حفظناك ولا زلنا وسوف نحفظك...................١٥
(٢) الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام)...................١٧
مقدمات الإيمان...................١٨
١ - الإمكان الذاتي...................١٨
٢ - الإمكان الوقوعي...................١٩
العلم والعمر الطويل...................٢٠
٣ - الوقوع العام...................٢١
٤ - الوقوع الخاص...................٢٣
من هم الأئمة الاثنا عشر؟...................٢٤
المتشرفون بلقاء الإمام...................٢٦
الأمر بالتأليف...................٢٦
السيد الشبر وقلم التأليف...................٢٧
لقاء في الكويت...................٢٨
(٣) المهدي (عليه السلام) والمهدوية - القسم الأول...................٢٩
١ - المعنى العام...................٣٠
٢ - المعنى الخاص...................٣١
آيات حول المهدي المنتظر (عليه السلام)...................٣٢
روايات المهدي في كتب المسلمين...................٣٣
٣ - المعنى الأخص...................٣٤
رؤية الإمام (عليه السلام)...................٣٥
السيد الشاهرودي ورواتب الطلبة...................٣٨
(٤) المهدي (عليه السلام) والمهدوية: القسم الثاني...................٤٠
الاعتقادات أساس الإيمان...................٤١
معاني المهدوية...................٤٢
إثبات المهدوية...................٤٣
التشرف بمحضر الإمام...................٤٦
تشرف الشيخ عبد الزهراء الكعبي...................٤٧
الشيخ الكعبي وقصيدة ابن العرندس...................٤٨
(٥) بركات وجود الإمام المهدي (عليه السلام)...................٥١
الولي الظاهر والمستتر...................٥٢
ما هو دور الإمام الغائب؟...................٥٥
أبعاد بركات الإمام (عليه السلام) \ المقامات التكوينية...................٥٦
مرجعية المعضلات الفكرية...................٥٨
ملجأ المشاكل والملمات...................٥٩
أبو الحسين الكاسب وغضب السلطان عليه...................٦٠
(٦) دور الإمام المهدي (عليه السلام): القسم الأول...................٦٢
فوائد وجود الإمام...................٦٣
نموذج قرآني...................٦٤
قضايا على أرض الواقع...................٦٨
مع المقدس الأردبيلي...................٦٨
(٧) دور الإمام المهدي (عليه السلام): القسم الثاني...................٧١
من هو الملجأ والملاذ؟...................٧٣
نتيجة البحث...................٨١
السيد السبزواري والنجاة من الهلكة...................٨١
السيد حسن وعهده مع الإمام...................٨٢
(٨) دور الإمام المهدي (عليه السلام): القسم الثالث...................٨٣
دور الإمام في عهد الغيبة...................٨٥
الاستفادة من وجود الإمام...................٨٨
الشيخ الدامغاني ومرض السل...................٩٢
الحاج آقا حسين القمي ولطف الإمام...................٩٤
(٩) غيبة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)...................٩٦
غيبة الإمام وجهة الخفاء والبطون...................٩٧
أسماء الله وأقسامها...................٩٨
آية في القرآن حيرتني...................١٠٣
نقاط حول غيبة الإمام...................١٠٥
لن ندع الجدار يسقط، نحافظ عليه بإصبعنا...................١٠٦
(١٠) لماذا يرفضون الإيمان بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه)...................١٠٧
التعصبات العمياء...................١٠٩
عقائديات عامة...................١٠٩
عقائديات خاصة...................١٠٩
كثرة الروايات المهدوية...................١١٠
كلمات من أبناء العامة...................١١٢
نماذج من التعصب...................١١٣
(١١) معطيات الدعاء للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)...................١١٥
لماذا الدعاء للإمام؟...................١١٦
الفرج عن بني إسرائيل...................١٢٠
التوفيق بين الدعاء وبين النهي عن التعجيل...................١٢١
أنواع الاستعجال...................١٢٢
من فوائد الدعاء للإمام...................١٢٣
(١٢) وجود الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه)...................١٢٧
إقرارات علماء العامة بوجود الإمام المهدي (عليه السلام)...................١٣٠
الاعتراف الأول: ابن الصباغ المالكي...................١٣٠
الاعتراف الثاني: سبط ابن الجوزي...................١٣١
الاعتراف الثالث: ابن حجر....................١٣١
الاعتراف الرابع: سليمان القندوزي...................١٣٢
الاعتراف الخامس: الشبلنكي...................١٣٢
الاعتراف السادس: ابن خلكان...................١٣٢
حديث: الخلفاء اثنا عشر...................١٣٤
نقطة مهمة...................١٣٥
من هم الأئمة الاثنا عشر...................١٣٦
الشيخ المتقي وتوسله بالإمام...................١٣٧
(١٣) ولاية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)...................١٣٩
الولاية ومعانيها...................١٤٠
١ - الولاية الاعتبارية...................١٤١
٢ - الولاية الحقيقية الذاتية...................١٤٢
٣ - الولاية الحقيقية المكتسبة...................١٤٣
الدليل القرآني...................١٤٤
استفادة الكل على قدره...................١٤٥
من آثار وجود الإمام...................١٤٦
قصة التنباك...................١٤٦
السيد الفشاركي والمعضلة الفقهية...................١٤٨
(١٤) كلمات مقتبسة حول الإمام المهدي (عليه السلام)...................١٤٩

(١) إحياء أمر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
كلامنا حول موضوع لم يُعطَ حقه من الأهمية، مع أنه يمثل شأناً من شؤون العقيدة، وهذا الموضوع هو: إحياء أمر الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف)، وسنتحدث بإذن الله تعالى حول هذا الموضوع ضمن فصلين:
١ - لماذا إحياء أمر الإمام؟
الفصل الأول: العوامل التي تفرض علينا إحياء ذكر الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وهذه العوامل متعددة، ولكن نكتفي بالإشارة إلى عاملين:

(٥)

العامل الأول:
إن إحياء أمر الإمام المنتظر (عليه السلام) وإحياء ذكره في النفس أولاً، وفي المجتمع ثانياً، يمثل مصداقاً جلياً من مصاديق شكر المنعم، وحتى تتوضح هذه النقطة نذكر ثلاث ملاحظات:
الملاحظة الأولى:
إن إحدى المستقلات التي يحكم بها العقل هي: قضية وجوب شكر المنعم، هذه القضية قضية بديهية، قضية عقلية واضحة، فعقل كل إنسان، وفطرة كل إنسان، ووجدان كل إنسان يحكم بوجوب شكر المنعم، إن القضية ليست قضية حسن عقلي فحسب، أي إن هذا الشيء حسن فقط، لا.. بل القضية أكثر وأكبر من ذلك، وإنما هي قضية وجوب، وقضية فرض، وقضية حسم، هذه هي الملاحظة الأولى.
الملاحظة الثانية:
إن المنعم بالذات وإن كان منحصراً بالله سبحانه وتعالى، أي لا يوجد هنالك منعم بالذات إلَّا الله (عزَّ وجلَّ)، ولكن هذا الأمر لا ينفي وجود منعمين آخرين بالتبع، يعني لا بقدرة ذاتية منهم، وإنما بقدرة أعطاها الله سبحانه وتعالى لهم.
وهذه القضية (منعمون آخرون) يثبتها القرآن الكريم، فالباري (عزَّ وجلَّ) يثبت وجود منعم غير الله تعالى، فالله منعم وغير الله أيضاً منعم لكن بالتبع وليس

(٦)

بالاستقلال.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾(١)، إذن الله تعالى منعم، والنبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً منعم بنص القرآن الكريم.
وفي آية ثانية يقول (عزَّ وجلَّ): ﴿وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾(٢).
وهذه الآية هي التي قال أبو حنيفة فيها: كأني والله ما سمعتها قبل هذا اليوم، فقال له الإمام الصادق (عليه السلام) ما مضمونه: بلى ولكن على قلبك غشاوة.
الله يغني والرسول (صلى الله عليه وآله) أيضاً يغني، ولذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام) عندما جلس على تلك المائدة: (اللهم إنّ هذا منك ومن رسولك)، فقال له أبو حنيفة: أشركت يا أبا عبد الله!..
كلا، هذا ليس بشرك، المغني بالذات والمنعم بالذات هو الله سبحانه وتعالى، ولكن يمكن أن يكون هنالك منعمون آخرون ومغنون آخرون بالتبع.
روى العلامة المجلسي (رحمه الله) عن كَنْزُ الْفَوَائِدِ لِلْكَرَاجُكِيِّ، ذَكَرُوا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَكَلَ طَعَاماً مَعَ الإمام الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) فَلَمَّا رَفَعَ الصَّادِقُ (عليه السلام) يَدَهُ مِنْ أَكْلِهِ قَالَ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ ومِنْ رَسُولِكَ (صلى الله عليه وآله).
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَجَعَلْتَ مَعَ اللهِ شَرِيكاً؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) سورة الأحزاب: ٣٧.
(٢) سورة التوبة: ٧٤.

(٧)

فَقَالَ (عليه السلام) لَهُ: وَيْلَكَ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ﴿وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾(٣) وَيَقُولُ (عَزَّ وجَلَّ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ ورَسُولُهُ وقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ورَسُولُهُ﴾(٤).
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: واللهِ لَكَأَنِّي مَا قَرَأْتُهُمَا قَطُّ مِنْ كِتَابِ اللهِ ولَا سَمِعْتُهُمَا إِلَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): بَلَى قَدْ قَرَأْتَهُمَا وسَمِعْتَهُمَا ولَكِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِيكَ وفِي أَشْبَاهِكَ: ﴿أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها﴾(٥)، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾(٦)،(٧).
الملاحظة الثالثة:
إن هذه العوامل التي تفيض علينا النعمة فيها جانبان:
الجانب الأول: العوامل المنظورة..
الجانب الثاني: العوامل غير المنظورة..
وهذه من نقاط الاختلاف بين الإلهيين والماديين، المادي ينظر إلى العوامل المادية ويلاحظ العوامل المنظورة: هذه العلة، وهذه علة العلة، وهذه علة علة العلة وهكذا وينتهي.. ولكن الإلهيين ينظرون إلى أبعد من ذلك، يعتقدون أن وراء هذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣) سورة التوبة: ٧٤.
(٤) سورة التوبة: ٥٩.
(٥) سورة محمد: ٢٤.
(٦) سورة المطففين: ١٤.
(٧) بحار الأنوار: ج١٠ ص٢١٦ ب١٣ ح١٧.

(٨)

العوامل عوامل أخرى غير منظورة.
آخر عامل من العوامل غير المنظورة في هذه السلسلة الإمكانية - أما الله سبحانه وتعالى فهو خارج عن السلسلة الإمكانية، لا تنطبق عليه موازين الإمكان - فآخر حلقة في سلسلة الممكنات هي التي تقف وراء كل شيء، ويتحرك بها كل شيء، هو: وجود خاتم الأوصياء، نور الله المشرق، وضياؤه المتألق، الحجة ابن الحسن العسكري (عليه السلام)، فهو ولي نعمتنا.
وسائط الفيض الإلهي:
هنالك رواية رواها المشايخ الثلاث (رضوان الله عليهم):
الشيخ الكليني في (الكافي)(٨).
والشيخ الصدوق في (من لا يحضره الفقيه)(٩).
والشيخ الطوسي في (التهذيب)(١٠).
والرواية مروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام).
يقول الشيخ الصدوق: إن هذه الزيارة أصح الزيارات عندي رواية..
لاحظوا هذه المقاطع في الزيارة حيث يخاطب الأئمة (عليهم السلام):
(وَبِكُمْ تُنْبِتُ الْأَرْضُ أَشْجَارَهَا).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨) الكافي: ج٤ ص٥٧٥ باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ح٢.
(٩) من لا يحضره الفقيه: ج٢ ص٥٩٤ ح٣١٩٩.
(١٠) تهذيب الأحكام: ج٦ ص٥٤ ب١٨ ح١.

(٩)

يعني هذه الشجرة التي تنبت، بكم تنبت، (بكم) لا (منكم)، إذ يوجد فرق بين ما به الوجود وبين ما منه الوجود، فما منه الوجود هو الله تعالى، ولكن ما به الوجود هم أهل البيت (عليهم السلام)..
وهذا المطلب يثبته القرآن الكريم، قال (عزَّ وجلَّ): ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾(١١).
(فأخرج) من هو المخرج؟ هو ما منه الوجود أي الله (عزَّ وجلَّ).
لكن من هو ما به الوجود؟
القرآن الكريم يقول: (به) يعني بالمطر، لكن هذا عامل مادي يقع في ذيل الحلقات، وعندما نتقدم هذه الحلقات ونتجاوز الحلقات المنظورة الى الحلقات غير المنظورة، في آخرها هو ولي الله الأعظم، كما ورد (بكم تنبت الأرض اشجارها).
نحن نمشي ونلاحظ الشجر، ولكن المؤمن يلزم أن يفكر كيف تنبت هذه الشجرة، إنها تنبت بعناية ولي الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
(وبكم تخرج الأرض ثمارها) المؤمن الملتفت يرى أن هذه الثمرة هي نعمة من الله سبحانه وتعالى، ولكن واسطة هذا الفيض هو الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
هذا الماء الذي نشربه، نشربه ببركة وجود الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
فكيف يأكل شخص النعمة ولا يذكر المنعم؟!
ألا يوجد في هذه الدنيا من يشربون الماء ولا يشكرون الله تعالى؟ هذا نوع، والنوع الآخر: من يأكل الطعام ويشرب الماء ولا يعرف دوراً لولي الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١) سورة البقرة: ٢٢.

(١٠)

الأعظم في هذه النعم..
(وَبِكُمْ تُنْبِتُ الْأَرْضُ أَشْجَارَهَا، وبِكُمْ تُخْرِجُ الْأَشْجَارُ أَثْمَارَهَا، وبِكُمْ تُنْزِلُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا، وبِكُمْ يَكْشِفُ اللهُ الْكَرْبَ، وبِكُمْ يُنَزِّلُ اللهُ الْغَيْثَ) (١٢).
إرادة الرب وقانون الأسباب:
وهنالك عبارة قيمة جداً وردت في الزيارة، وهي من أقوى العبارات: (إِرَادَةُ الرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُم).
فإن إرادة الله تعالى لا تنفذ عادة في الحياة بشكل مباشر، وأبى الله سبحانه أن يجري الأمور إلا بأسبابها.. فإذا كان شخص يقول: يا الله أريد الدفء منك مباشرة في البرد؟!.. يقول له الباري: لم أجعل هذا مباشرة، اذهب إلى الشمس واتخذ منها الدفء، فإني جعلت الدفء عن طريق الشمس..
وهذه الفقرة من الزيارة: (إِرَادَةُ الرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُم) تدل على أن الإرادة الإلهية لا تأتي إلينا نحن البشر بشكل مباشر، وإنما تهبط على بيت ولي الله الأعظم (عليه السلام) وتصدر من بيته.. والقرآن الكريم يثبت ذلك أيضاً، حيث يقول: (تَنَزَّلُ) وهي ليست فعل ماض، بل فعل مضارع يدل على الاستمرار: ﴿تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾(١٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢) الكافي: ج٤ ص٥٧٥ باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ح٢، من لا يحضره الفقيه: ج٢ ص٥٩٤ ح٣١٩٩. تهذيب الأحكام: ج٦ ص٥٤ ب١٨ ح١، بحار الأنوار: ج٩٨ ص١٥٣ ب١٨ ح٣، وسائل الشيعة: ج١٤ ص٤٩٠ ب٦٢ ح١٩٦٧٢.
(١٣) سورة القدر: ٤.

(١١)

نعم الإرادة هي إرادة الله تعالى، أما الملائكة فهم وسائط الفيض الإلهي وهم حلقة في هذه العوامل غير المنظورة، وهنالك حلقه أخرى وهو الإمام (عليه السلام).
فالإنسان الذي يستفيد من هذه النعم الإلهية بواسطة الإمام (عليه السلام) ويعيش في عمره غارقاً في هذه النعم ثم إذا لم يذكر المنعم، ألا يشكل هذا نوعاً من كفران النعمة؟ وكأنه لا وجود أو لا أثر للإمام في حياته!..
هذا هو العامل الأول، فإحياء أمر المهدي المنتظر (عليه السلام) في النفس أولاً، وفي المجتمع ثانياً، يشكل نوعاً من أنواع شكر المنعم.
جلب الخيرات والبركات:
العامل الثاني: إن التوجه إلى الإمام (عليه السلام) وذكر الإمام (عليه السلام) في النفس والمجتمع، سبب لجلب الخيرات والبركات، فهناك فرق بين من يذكر الإمام (عليه السلام) ومن لا يذكر الإمام (عليه السلام)، فالإنسان إذا ذكر الإمام، فالإمام يذكره.
الشخص الذي يتوجه كل يوم جمعة إلى الإمام المهدي (عليه السلام) ويقرأ دعاء الندبة، والشخص الذي ينام إلى منتصف النهار وهو غافل عن الإمام، هل يمكن أن يكونا على نسق واحد؟
ينقل عن المرحوم الجد (رحمه الله) أنه في كل جمعة قبل الغروب كان يذهب إلى السطح ويدعو ويتوسل بالإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه).
فإن هذه الساعة مباركة وعظيمة جداً، وهذه كلها مؤثرة في حياة الإنسان وسعادته.

(١٢)

في ذهني أنه في رواية: (إذا صلى شخص وخرج بسرعة ولم يدع ولم يطلب شيئاً، تقول الحور العين: إن هذا لزاهد فينا)
نعم يلزم على الفرد أن يتوسل ويطلب من الله (عزَّ وجلَّ)، وهنالك فرق بين من يطلب ومن لا يطلب، هذا هو الفصل الأول.
٢ - كيف نحيي أمر الإمام؟
الفصل الثاني: ونشير إليه بإيجاز، وهو كيف نحيي أمر الإمام وذكره (عليه السلام):
الجواب: المهم هو التوجه، فإذا توجه شخص إلى هذه القضية يعثر على مصاديق الإحياء، المهم في البداية هو التوجه.. نذكر بعض المصاديق..
أولاً: تسميه الأولاد بألقاب الإمام المهدي (عليه السلام)، وتسمية البنات باسم والدة الإمام المهدي السيدة نرجس (عليهما السلام).
ثانياً: تسمية الحسينيات والمساجد والمشاريع الخيرية باسم الإمام المهدي (عليه السلام).
ثالثاً: قراءة دعاء العهد أربعين صباحاً.
رابعاً: قراءة دعاء الندبة في أيام الجمعة.
خامساً: مطالعة الكتب التي تتحدث عن الإمام المهدي (عليه السلام).
سادساً: إحياء الأماكن المرتبطة بالإمام (عليه السلام)، كسامراء، ومسجد جمكران في قم، ومسجد السهلة.

(١٣)

المجدد الشيرازي وإحياء سامراء:
ينقل أن المجدد الكبير الشيرازي (رحمه الله) في إبان مرجعيته العظمى، حيث كان المرجع الأعلى في زمانه ويقطن النجف الأشرف، خرج من النجف وذهب إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في النصف من شعبان، ثم ذهب إلى زيارة الإمامين الكاظمين، ثم ذهب إلى سامراء في آخر شعبان، ثم قال: سأبقى في شهر رمضان في سامراء، وبعد شهر رمضان لم يخرج منها، فطلبه العلماء، فقال: سوف أبقى في سامراء ولن أرجع إلى النجف الأشرف، لأن النجف بحمد الله عامرة بالعلماء وهنا بحاجة إلى الحوزات العلمية.
هذا الموقف موقف شجاع وحكيم، وببركة بقاء المجدد أحييت مدينة سامراء بالعلماء والموالين وكثرة الزوار، وقد كانت قرية بيد أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وكانوا يطاردون الزوار ويؤذونهم، وإذا بها تتحول إلى حضره من الحواضر العلمية، وأصبحت حوزة مهمة لعلوم القرآن والعترة.
يقول السيد الأميني: (زرتها ووجدتها تحف بالزائرين في عهد المجدد الكبير).
وبني فيها سوق كبير بأموال بعض الأخيار، وأنشأوا فيها دوراً عديدة، ومدرسة علمية، فأصبحت مثل النجف وكربلاء وقم أو ما يقرب من ذلك.

(١٤)

ابق عندنا ونحن نحميك:
وأيضاً ينقل في التواريخ المكتوبة حول المجدد الكبير الشيرازي (رحمه الله) أنه في شهر رمضان أو في آخر شعبان رأى الإمام الهادي (عليه السلام) في المنام، فقال له الإمام (صلوات الله عليه): ابق عندنا ونحن نحميك وننصرك.
وفعلاً تجلى هذا النصر المبارك في مواطن مختلفة من حياته، ومنها قضية التنباك التي كانت من القضايا العظيمة والمهمة في التاريخ الشيعي بل في التاريخ الإسلامي.
نعم يلزم على الفرد أن يفكر كيف يحيي أمر الإمام المهدي (عليه السلام) في المجتمع، وفي النفس، وأن يتذكر الإمام (عليه السلام) حتى لا يكون من الكافرين بهذه النعمة.
نحن حفظناك ولا زلنا وسوف نحفظك:
وأختم كلامي بهذه القضية التي نقلها أحد الأخوة الكرام عن السيد الوالد، ومضمونها موجود في الروايات فليس بعجيب.
أحد الأخوة نقل عن الوالد، أنه في فتره من الفترات اشتدت عليه المشاكل والمحن من كل جانب، فضاق قلبه بذلك وخطر في ذهنه خاطر للحظة واحدة، وكان مجرد خطور وليس اعتقاداً ولا قولاً ولا تلفظاً بلسان بل مجرد خطور، فأحياناً يخطر في ذهن الشخص شيء بغير إرادة منه، يقول فخطر ببالي كأن الإمام المهدي (عليه

(١٥)

السلام) غض النظر عنا، ثم بعد ذلك ذهب هذا الخاطر..
يقول: في تلك الليلة رأيت في المنام الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) فقال لي: نحن حفظناك ولا زلنا وسوف نحفظك.. حفظناك في الماضي، ولا زلنا نحفظك الآن، وسوف نحفظك في المستقبل..
وهذه القضية راجعوها في رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) للشيخ المفيد (قدس سره) يقول: (إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَلا نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ ولَوْلا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْوَاءُ واصْطَلَمَكُمُ الْأَعْدَاءُ)(١٤).
و(اصطلمكم) يعني: قلعوكم من جذوركم، فلا يبقى واحد من الموالين على وجه الأرض.
اذن علينا بإحياء أمر الإمام (عليه السلام) وكلما زاد توجهنا وذكرنا وارتباطنا بالإمام (عليه السلام) ازداد منه توجه ولطف وعناية، إن شاء الله.
نسأل الله سبحانه أن يعجّل لإمامنا المهدي (عليه السلام) الفرج، ويسهل له المخرج، ويجعلنا من أعوانه وأنصاره، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤) بحار الأنوار: ج٥٣ ص١٧٤ ب٣١ ح٧، عن الاحتجاج.

(١٦)

(٢) الإيمان بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين..
الإيمان بالمهدي:
إحدى القضايا المحورية في مبحث الإمامة: قضيه المهدي المنتظر (عليه السلام).
الإيمان بهذه القضية يعني الإيمان بجميع الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) الذين تقدموا الإمام المنتظر (عليه السلام)، فإذا آمن الإنسان بالمهدي (عليه السلام) يعني آمن بجميع الأئمة الذين سبقوه، ولكن قد يؤمن الإنسان بإمامة سائر الأئمة ولا يؤمن بالمهدي المنتظر (عليه السلام)، لذلك في هذا اليوم نتحدث بإذن الله تعالى حول وجود الإمام المهدي (عليه السلام).

(١٧)

مقدمات الإيمان:
هنالك أربع مراحل يجب أن نطويها للإيمان بوجود الإمام المنتظر (عليه السلام):
المرحلة الأولى: مرحلة الإمكان الذاتي.
المرحلة الثانية: مرحلة الإمكان الوقوعي.
المرحلة الثالثة: مرحلة الوقوع العام.
المرحلة الرابعة: مرحلة الوقوع الخاص، وهذه المرحلة تتفرع إلى فرعين:
الفرع الأول: الطريق غير المباشر.
الفرع الثاني: الطريق المباشر.
١ - الإمكان الذاتي:
أمَّا المرحلة الأولى: فهي مرحلة الأماكن الذاتي.
فعندما يقال الإمكان الذاتي، فما ذا يعني ذلك، إذا قيل: الظاهرة الكذائية ممكنة بالإمكان الذاتي، نقيض ذلك أن يقال: إنها ممتنعة بالامتناع الذاتي..
فما هو المراد بـ(الإمكان الذاتي)؟
الإمكان الذاتي عبارة عن تساوي نسبة الشيء إلى الوجود والعدم، بلحاظ

(١٨)

ذلك، هذا هو الإمكان الذاتي.
يعني إذا أخذتم شيئاً من الأشياء أو ظاهرة من الظواهر وعرضتموها على العقل في حد ذاتها، بعيداً عن جميع العوامل الخارجية، فإن العقل يقول هذه الظاهرة ممكنة أو ممتنعة، فإذا قال إنها ممتنعة في حد ذاتها، كان الشيء ممتنعاً بالامتناع الذاتي، وإذا قال إنها ممكنة، كان الشيء ممكناً بالإمكان الذاتي، هذه المرحلة الأولى.
٢ - الإمكان الوقوعي:
المرحلة الثانية: الإمكان الوقوعي، ماذا يعني ذلك؟
الممكن الوقوعي: هو الشيء الذي لا يستلزم وجوده باطلاً أو محالاً، يعني لا يلاحظ الشيء في حد ذاته فقط، وإنما يلاحظ بلوازمه، بما يتقدمه ويتأخره، فهل يستلزم وجود هذا الشيء باطلاً؟ وهل يستلزم وجوده محالاً؟ إذا كان كذلك فهو محال بالامتناع الوقوعي.. إما إذا لم يكن محالاً وقوعاً، فالشيء ممكن بالإمكان الوقوعي.
مثلاً: إذا كان يقال لآبائنا قبل مائتي عام، إنه يوجد شخص في الشرق وآخر في الغرب يتكلمون في نفس اللحظة، والصوت ينتقل من المشرق إلى المغرب فوراً، وكذلك الصورة تنتقل، ماذا كانوا يقولون؟ يقولون إنه محال..
الآن تحول ذلك من الأشياء الواضحة والبديهية في حياتنا..
وإذا قالوا: إنه في المستقبل هنالك مركبة فضائية تنزل في الشمس، وينزل

(١٩)

أفرادها على سطحها ويمشون عليها.. هل هذا محال أو ممكن؟
إذا قيل إنه محال فالسؤال أنه لماذا محال؟
فربما من الممكن أن يصنع شيء يقي الإنسان من الحرارة فيتمكن من النزول في قلب الشمس.. هذا ليس بمحال، عندما تعرضون هذه القضية على العقل، هل العقل يراها ممتنعة بالامتناع الذاتي؟ لا.. هل يراها ممتنعة بالامتناع الوقوعي؟ لا.. لأنها لا تستلزم لا باطلاً ولا محالاً.
يمكن أن لا يكون لنا اليوم أدوات تحقق هذا الشيء، ولكن في المستقبل من الممكن أن يجد البشر أدوات تحقق ذلك، فأذن هذا ليس محالاً.
يعني إذا عرضنا القضية على كبار العلماء وسألناهم: هل يمكن في المستقبل أن ينزل الإنسان في قلب الشمس؟
يقولون: ممكن وليس محالاً.. نعم إذا كان يلزمه اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما فهو محال، وإلا فليس بمحال، فإن الأشياء كلها إذا انتهت إلى: اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما استحالت، أما إذا لا، فلا.
العلم والعمر الطويل:
بناءً على ما سبق، فمن الناحية العلمية، إذا تعرض قضية وجود الإمام المهدي (عليه السلام) على عالم من العلماء أو مفكر من المفكرين، يقول بأنها غير ممتنعة.. فمن الممكن أن يعيش شخص ألف عام، نعم نحن البشر لم نجد إلى الآن وسائل تحقيق ذلك، ولكن هذا لا يعني أنه محال.

(٢٠)

ويوجد في أحاديث زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) أن الإنسان يعمر طويلاً، وهذه العبارة موجودة في الروايات: ويولد له ألف نسل من صلبه.
روى المفضل عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا قام (عليه السلام) أشرقت الأرض وذهبت الظلمة، واستغنى الناس عن الشمس، وعمّر الرجل حتى يولد له ألف ذكر، وأظهرت الأرض كنوزها حتى يطلب الرجل منكم من يأخذ منه زكاة ماله فلا يجد أحدا»(١٥).
وهذا ليس فيه إشكال عقلي، بل هو شيء ممكن، فقضية العمر الطويل، لا هي ممتنعة بالامتناع الذاتي، ولا هي ممتنعة بالامتناع الوقوعي.
٣ - الوقوع العام:
المرحلة الثالثة: مرحلة الوقوع العام، بمعنى هل وقعت هذه القضية؟
الجواب: نعم، وقعت هذه القضية في عيسى المسيح (عليه السلام)، فكم عمره الآن؟
قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسيحَ عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾(١٦).
وفي آية أخرى قال (عزَّ وجلَّ): ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وكانَ اللهُ عَزيزاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥) الصراط المستقيم: ج٢ ص٢٥٣ ف٩.
(١٦) سورة النساء: ١٥٧.

(٢١)

حَكيم﴾(١٧) فكم عمره الآن؟
على المعروف: ألفا عام (٢٠٠٠)، بل أكثر لأنه حي إلى الآن، وسيبقى حياً إلى أن يظهر الإمام (عليه السلام)، فكيف يكون لعيسى المسيح (عليه السلام) أكثر من ألفي عام، ولا يكون الإمام المهدي (عليه السلام) حياً لألف عام، هل هذا محال وذلك ليس محالاً.
وكذلك الخضر (عليه السلام) على المعروف فإنه حي إلى الآن.
وفي عمر النبي نوح (عليه السلام) أليس في نص القرآن الكريم:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وهُمْ ظالِمُونَ﴾(١٨).
هذه مدة الدعوة فقط، أما عمره الشريف فكان تقريباً ألفي وخمسمائة عام.
وهنالك حكاية لطيفة حول النبي يونس (عليه السلام)، قال تعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحينَ * لَلَبِثَ في‏ بَطْنِهِ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(١٩).
ففي تلك الظلمات كم كان يبقى؟ كان يبقى إلى يوم القيامة.
واللطيف أن الآية لا تقول ببقائه حياً فقط، بل الحوت أيضا كان يبقى (لَلَبِثَ في‏ بَطْنِهِ) يعني هو كان يبقى والحوت يبقى إلى يوم القيامة.
فإذن الإمكان الذاتي متوفر، والإمكان الوقوعي متوفر، والوقوع العام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧) سورة النساء: ١٥٨.
(١٨) سورة العنكبوت: ١٤.
(١٩) سورة الصافات: ١٤٣ - ١٤٤.

(٢٢)

 متوفر، يبقى الكلام في المرحلة الرابعة.
٤ - الوقوع الخاص:
المرحلة الرابعة: الوقوع الخاص، يعني وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وبقاؤه، وهذا نثبته بطريقين:
الطريق غير المباشر:
الطريق الأول: الطريق غير المباشر.
في الحديث المعروف المتواتر: (الأئمة بعدي اثنا عشر).
هذا الحديث ليس من منفردات الشيعة، بل هو موجود في أهم كتب العامة أيضاً، كالبخاري وغيره(٢٠).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠) روي هذا الحديث المتواتر بألفاظ متقاربة ومضمون واحد، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يكون بعدي اثنا عشر أميرا) أو (خليفة) أو (لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة) أو (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش أو من بني هاشم) أو (الخلفاء بعدي اثنا عشر) أو (الأئمة بعدي اثنا عشر)، أخرجه علماء الاسلام على اختلاف ألفاظه في كتبهم: أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، والترمذي وأبو داود في سننهما، وأحمد في مسنده بطرق كثيرة، ورواه في تيسير الوصول ومنتخب كنز العمال وتأريخ بغداد للخطيب وتأريخ الخلفاء للسيوطي وينابيع المودة والمستدرك للحاكم، نقلوه عن جابر بن سمرة وجحيفة وعبد الله بن عمر وابن مسعود وعائشة، كما نقله في منتخب الأثر: ص١٠ وبعدها، وراجع أيضا أخبار القضاة للوكيع ٣: ١٦، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: ٥١٨، والصراط المستقيم ٢: ٩٨ وما بعدها والصواعق: ٢٠ و١٨٩ وراجع البحار ٣٦: ٢٢٦ وما بعدها، وإثبات الهداة ١: ٤٣٣ وما بعدها فإنهما جمعا الحديث بألفاظه المختلفة من طرق الفريقين بما ينيف على أربعمائة حديث، وراجع مسند أحمد: ج١ ص٣٩٨ و٤٠٦ وج٥ ص٨٦ - ٨٨ و٩٠ و٩٢ بأسانيد وص: ٩٣ و٩٤ و٩٧ و٩٨ بأسانيد وص ٩٩ و١٠١ بسندين وص ١٠٦ بسندين وص ١٠٧ و١٠٨ بأسانيد.

(٢٣)

والعجيب أن البخاري كان قبل عهد الإمام المهدي (عليه السلام).. البخاري كان في عهد الإمام الجواد والإمام الهادي (عليهما السلام)، يعني لا يتمكن شخص أن يقول: إن هذا الحديث انعكاس عن الواقع الخارجي، فهو مروي عندهم قبل الواقع، أي قبل أن يكتمل عدد الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).. والبخاري من علماء العامة المتعصبين، وقد سجل في صحيحه: (الأئمة من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش)، فلا يتمكن شخص أن يقول: إن الواقع الخارجي خلق هذه الفكرة، أي (الاثنا عشر) وأن هذه من روايات الشيعة فقط، بل رواها الكبار من علماء العامة المتشددين، فالبخاري لم يرو حديثاً واحداً عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو دليل على تعصبه، مع ذلك ذكر هذا الحديث..
من هم الأئمة الاثنا عشر؟
ليس لهذا الحديث الدال على أن الأئمة اثنا عشر أي تفسير إلا أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
حتى أن أحد علماء العامة وهو ابن الجوزي ذكر في كتابه، قال: إني لم أجد لتفسير هذا الحديث أي معنى.
فهذا الحديث الشريف، قاله النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو موجود في صحيح

(٢٤)

البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وصحيح الترمذي، وفي عشرات من مصادر العامة، والخاصة، ولا يوجد له أي معنى وأي تفسير بحساب الاحتمالات إلاّ الفكرة التي يعتقد بها الشيعة: من وجود الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام).
وإذا أردتم جربوا، الآن اسألوا أي عالم من علماء العامة، قولوا لهم: من هؤلاء الأئمة الاثني عشر؟
ليس عندهم جواب، أو كل واحد منهم يجيب بجواب مخالف للآخر.
فالواقع الوحيد الذي ينطبق عليه هذا الحديث، هو الواقع الذي تقول به الإمامية الاثني عشرية.
هذا هو الطريق الأول، وهو الطريق غير المباشر.
الطريق المباشر:
الطريق الثاني: الطريق المباشر، إذا نراجع كتاب (المهدي في نهج البلاغة) كتبه أحد العلماء، يذكر في هذا الكتاب أكثر من مائة عالم من علماء العامة الذين صرحوا بولادة المهدي المنتظر (عليه السلام) ووجوده، وهذا طريق مباشر لإثبات وجود المهدي المنتظر (عليه السلام) بالفعل لا أنه يأتي في المستقبل..

(٢٥)

المتشرفون بلقاء الإمام:
ثم ننتقل إلى بحث آخر وهو: التشرف بلقاء المهدي المنتظر (عليه السلام) ومن تشرفوا بذلك.
طبعاً هذا التشرف يحتاج إلى قابلية وبحاجة إلى رياضة دينية، ثم إن الذين تشرفوا بلقاء الإمام (عليه السلام) كانوا على درجات ومراتب، فبعضهم رأى الإمام (عليه السلام) في المنام، وبعضهم سمع صوت الإمام (عليه السلام) ولم يره، وبعضهم رأى الإمام (عليه السلام) ولم يتمكن أن يتحدث معه، وبعضهم رأى الإمام (عليه السلام) وتحدث معه.. هذه مراتب، نذكر ثلاث قضايا منها:
الأمر بالتأليف:
القضية الأولى: أحد العلماء ذهب إلى مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء، وفي خلال هذه الفترة كان يقوم برياضة شديدة مستمرة لأربعين أسبوعاً، مثلاً: كان يأكل الخبز بوحده، وأحيانا الخبز والشاي فقط، وأحيانا الخبز والملح فقط، هذا من ناحية الأكل، وأيضاً المواظبة من الجهات الأخرى الجسمية بل والروحية والمعنوية.
وفي ليلة الأربعاء الأخيرة، تشرف برؤية الإمام (عليه السلام) فقال الإمام (عليه السلام) له: اكتب ألف كتاب، مع أن التأليف لم يكن متداولاً ومتعارفاً آنذاك لمثله، فعاد هذا العالم إلى مدينته وكان عنده سبعة تدريسات أو ثمانية في كل يوم، حيث

(٢٦)

كان ركناً من أركان الحوزة، فترك تدريساته كلها دفعة واحدة، طبعاً ترك ثمان تدريسات لعالم كبير في الحوزة، يؤثر في نظام تلك الحوزة، فضغطوا عليه ضغطاً شديداً ليرجع إلى ما كان عليه فلم يقبل إطلاقا.. وبدأ بالتأليف المكثف، فكان في بعض ليالي الشتاء يجلس من بعد الإفطار إلى قريب أذان الصبح وهو يكتب ويكتب، حتى وفقه الله لكتابة الكثير من الكتب، فكان تلك التأليفات الكثيرة ببركة تلك الكلمة: اكتب ألف كتاب(٢١).
السيد الشبر وقلم التأليف:
نظير هذا ما ينقل عن السيد عبد الله شبر (رحمه الله) وإنه رأى الإمام الكاظم (عليه السلام) في المنام فأعطاه قلماً وأمره بالتأليف.. وكان السيد عبد الله شبر من الأفراد الموفقين في عالم التأليف، حيث كتب خمسمائة كتاب أو أقل أو أكثر..
لقاء آخر:
القضية الثانية: تتعلق بنفس هذا العالم صاحب التأليفات، وهذه القضية كانت في أواخر وجوده في كربلاء المقدسة، حيث كان هنالك موكب يذهب إلى سامراء كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، وذهب مرة مع هذا الموكب إلى سامراء، وتشرف في سرداب الغيبة بلقاء الإمام المهدي (عليه السلام) ولا نعرف تفصيل حول هذا اللقاء الثاني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢١) صاحب هذه القصة هو سماحة المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره).

(٢٧)

لقاء في الكويت:
القضية الثالثة: كانت في الكويت، وذلك بعد رياضة شديدة استمرت عاماً ونصف عام، حيث ترك الأشياء الحيوانية كلها، وترك تلك الولائم العامرة بمختلف الأطعمة التي كانت تقام ويدعى لها، فكان يأكل الخبز والزلاطة، عام ونصف طالت هذه الفترة، وفي ليلة من تلك الليالي أو في يوم من تلك الأيام تشرف باللقاء المقدس، فقال له الإمام (عليه السلام): إن هذه الأمور ليست شيئاً.. يعني لا تهتم بهذه الأشياء فلا دور لها ولا تؤثر، ثم أمره بإنهاء فتره الرياضة..
هذه ثلاث قضايا تشرفية نقلها بعض الثقاة عن الوالد (رحمه الله).
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

(٢٨)

(٣) المهدي (عليه السلام) والمهدوية - القسم الأول
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ﴾(٢٢).
نتحدث في هذا اليوم بإذن الله تعالى حول مفهوم المهدوية..
ماذا تعني المهدوية؟
وما معنى هذه الكلمة؟
المهدوية لها ثلاث معان متدرجة..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٢) سورة القصص: ٥.

(٢٩)

١ - المعنى العام:
المعنى الأول: المهدوية بالمعنى العام:
وهي تعني: أن هنالك منقذاً.. وأن هنالك منجياً، وأن هنالك مخلّصاً، يأتي هذا المنجي في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، هذا معنى المهدوية بشكل عام، وهذا المفهوم للمهدوية محل اتفاق بين جميع الرسالات السماوية القائمة..
يعني اليهودية تقبل هذا المفهوم، المهدوية بالمعنى العام، والديانة المسيحية تقبل هذا المفهوم أيضاً للمهدوية، والديانة المجوسية أيضاً تقبل هذا المفهوم للمهدوية، والديانة الإسلامية أيضاً تقبل هذا المفهوم للمهدوية.
فإذا أنكر شخص المهدوية بهذا المعنى، أي قال: لا يوجد منج، ولا يأتي منقذ، فهذا أسوأ من اليهودية والمجوسية والمسيحية من هذه الجهة، لأن جميع الأديان تقبل المهدوية بهذا المعنى، فمن أنكرها فقد خالف جميع الأديان الإلهية.
اليهودية تقول: إن هنالك منقذاً اسمه: (إيليا) يأتي لينقذ البشرية من الظلم..
والمسيحية تقول: إن هنالك منقذاً أسمه المسيح، سيأتي في آخر الزمان لإنقاذ البشر من الجور.
والمجوسية تقول: إن هنالك منقذاً اسمه زرادش، فيأتي زرادش ويخلص البشرية.
إذن هذا المعنى الأول للمهدوية وهو متفق عليه بين الأديان السماوية كلها.

(٣٠)

٢ - المعنى الخاص:
المعنى الثاني: المهدوية بالمعنى الخاص، وهي تعني: أن هنالك منقذاً، ولكن هذا المنقذ من هذه الأمة المرحومة أي من الأمة الإسلامية، وليس من أمة ثانية، وأسمه المهدي وهو من قريش، يأتي هذا المنقذ فينقذ البشرية.
هذا هو المعنى الثاني للمهدوية، وهو خاص بالنسبة إلى المعنى العام السابق.
وقد اتفق جميع المسلمين شيعةً وسنةً على قبول المهدوية بهذا المعنى.
فالاعتقاد بها لا تخص الشيعة فقط؟ بل هو مورد إجماع جميع المسلمين، فكل المسلمين يقبلون هذا المفهوم، إلا إذا كان شخص جاهل موغل بالجهل أو معاند موغل بالعناد.
فالمهدي الذي هو من قريش، والذي هو من هذه الأُمة المرحومة، يعتقد به جميع المسلمين، وإذا أنكر شخص هذا المعنى للمهدوية (المعنى الثاني) فهو ليس بمسلم حقيقي، ولا يوجد عالم في الأُمة يمكنه أن ينكر ذلك، ولا يوجد متدين يمكنه أن ينكر ذلك.

(٣١)

آيات حول المهدي المنتظر (عليه السلام):
لنلاحظ كم آية عندنا في القرآن الكريم حول الحج الذي من أنكره كان كافراً؟
كل الآيات كما ذكره العلماء: اثنا عشر آية فقط، ليس أكثر من ذلك..
كم آية عندنا حول الصيام؟
أربعة عشر آية فقط..
كم آية عندنا حول الخمس؟
آية واحدة فقط..
كم آية عندنا حول الزكاة؟
ستة وثلاثون أية..
أهم العبادات التي بها تقام الفرائض، وهي عمود الدين، إن قُبِلتْ قُبِل ما سواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها وهي: الصلاة، كم آية عندنا حولها؟
ثمانية وسبعون آية..
ولكن حول الإمام المنتظر (عليه السلام) في القرآن الكريم يوجد أكثر من آيات الحج، وأكثر من آيات الصلاة، وأكثر من آيات الزكاة، وهكذا.
عندنا حول الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) في القرآن الكريم مائة آية.
السيد العم(٢٣) في كتابه (المهدي في القرآن) جمع هذه الآيات، ليس من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٣) هو المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله).

(٣٢)

مصادر الشيعة فقط، بل من مصادر بقية المذاهب.
إذن لا يمكن لشخص مسلم أن ينكر الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، أما إذا أنكر المهدي شخص فهذا إما جاهل موغل بالجهل أو معاند موغل بالعناد، وفي الواقع هذا ليس مؤمن بالقرآن الكريم..
روايات المهدي في كتب المسلمين:
العلماء يعتمدون على رواية واحدة معتبرة لإثبات حكم من الأحكام الشرعية، يمتد الحكم لألوف الأعوام، ويطبق على ملايين الأفراد، كل ذلك برواية معتبرة واحدة فقط وردت عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو عن الأئمة (عليهم السلام)..
وفي كتب المسلمين وردت حول المهدي المنتظر (عليهم السلام) أكثر من ثلاثة آلاف رواية..
إذن مائة آية في القرآن الكريم، وأكثر من ثلاثة آلاف رواية في كتب المسلمين حول المهدي المنتظر (عليه السلام)، فهل يتمكن شخص أن ينكر الإمام المهدي؟!
راجعوا هذه الروايات في كتاب: (الإلهيات) وهو كتاب جيد ضروري للشباب أن يقرأوا هذا الكتاب، ويتكون من مجلدين ضخمين.
فالمعنى الثاني: وجود مهدي في آخر الزمان من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وهو من قريش يأتي ليخلّص البشرية من الظلم والجور، هذا المعنى متفق عليه بين جميع المسلمين.
وهذه كانت المهدوية بالمعنى الثاني..

(٣٣)

٣ - المعنى الأخص:
المعنى الثالث لفكر المهدوية: أن المهدي (عليه السلام) هو رجل منقذ من هذه الأمة المرحومة من قريش، من أولاد علي وفاطمة (عليهما السلام) ومن ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) وهو ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) واسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله) وكنيته كنية النبي (صلى الله عليه وآله) يأتي وينشر العدل في الأرض، وهو الآن حي، ولد ليلة النصف من شعبان عام مائتين وخمسة وخمسين للهجرة، وهو إلى الآن موجود وسوف يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً..
فالمعنى الأول مورد اتفاق جميع الأديان الإلهية: (المنقذ).
والمعنى الثاني مورد اتفاق جميع المسلمين: (المهدي من هذه الأمة).
والمعنى الثالث: محل اتفاق جميع الإمامية وأهل الحق، وهو أنه ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وهذا المعنى الثالث قامت عليه البراهين الكثيرة والأدلة القاطعة.
راجعوا كتاب: (الإلهيات).
أو كتاب: (المهدي في القرآن).
أو: (المهدي في السنة).
وعشرات الكتب الأخرى، هذه الكتب تتكفل بإثبات المعنى الثالث..

(٣٤)

رؤية الإمام (عليه السلام):
الكلمة الثانية في هذه المحاضرة:
هل هنالك أشخاص رأوا الإمام الحجة (عليه السلام) وتشرفوا بزيارته؟
وما هي أهمية رؤية الإمام المهدي (عليه السلام)؟
في العراق كان معروفاً جداً بين المتدينين المؤمنين، أنه من يذهب أربعين ليلة أربعاء إلى مسجد السهلة وبخلوص النية، إنه يحظى بلقاء الإمام الحجة (عليه السلام).
وهو عمل متعب خاصة في ذلك الوقت، حيث لم تكن هذه المواصلات، وفي مختلف الأحوال من حر وبرد، ومشاكل في الطريق واضطرابات، وربما لصوص، أربعين ليلة أربعاء متواصلة بدون أي خلل، أي أن يذهب إلى مسجد السهلة ويقوم بأعماله المأثورة بشكل متواصل..
ما أهمية هذا العمل؟
أولاً: لقاء الإمام الحجة (عليه السلام) ورؤيته في حد ذاته له موضوعية، وهو شرف كبير وفخر عظيم أن الشخص يحظى ويتشرف بلقاء الإمام ويصل إلى خدمته (عليه السلام).
وثانياً: بغض النظر عن الناحية الموضوعية وأنه شرف ذاتي، فإن عناية الإمام (عليه السلام) وتوجهه بشخص وبأي نحو من أنحاء العناية، هذا مفتاح لكثير من الخيرات والبركات.
هنالك بعض الأفراد لا توجد بركة في حياتهم، وبعض العوائل لا ترى بركة

(٣٥)

في عائلتهم، فهنالك من يعيش ثمانين عاماً أو مائة عام أو أكثر أو أقل، وعندما يموت لا يخلف أثراً صالحاً، فماذا كان يعمل خلال هذه المدة؟
الله تعالى يقول: ﴿أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ﴾(٢٤) أي ألم نعطكم عمراً يكفي لعمل الصالحات؟
﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذي كُنَّا نَعْمَلُ، أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فيهِ مَنْ تَذَكَّرَ، وَجاءَكُمُ النَّذيرُ، فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمينَ مِنْ نَصيرٍ﴾(٢٥).
كان هذا الرجل يأكل ويشرب ويتجر.. وانتهى كل شيء بموته، ألهذا خُلق الإنسان؟!
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة:
«فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ، هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا، وتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدًى، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ»(٢٦).
البعض من الناس يكون كالبهيمة، بل أقل منها، لأن البهيمة تقوم بوظيفتها التي عيّن الله لها، فالبهائم تسبّح الله تعالى، وهي سارية في الخط الذي رسمه الباري (عزَّ وجلَّ) لها..
لكن هذا الشخص ماذا عمل في حياته؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٤) سورة فاطر: ٣٧.
(٢٥) سورة فاطر: ٣٧.
(٢٦) نهج البلاغة: الكتاب ٤٥. ومن كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري.

(٣٦)

لا شيء!
هذا يعني أنه لا توجد بركة في حياته، لا يوجد خير في حياته.
ولكن بعض الأفراد نرى بركة في حياتهم:
العلامة الحلي (رضوان الله عليه) كان في حياته البركة، أَلّف ربما ألف كتاب، وهذه معجزة بالمعنى العرفي.
أنتم ألفوا كتاباً واحداً حتى تعرفوا ما معنى تأليف الكتاب، ليس عملية هينة، وكتب العلامة الحلي (رحمه الله) من الكتب العلمية العميقة.
صاحب الجواهر (رحمه الله) كانت في حياته البركة.
الأفراد الذين بنوا هذه الحسينيات والمساجد وقاموا بالأعمال والمشاريع الخيرية، كانت في حياتهم البركة.
فالشخص عندما تناله عناية الإمام المنتظر (عليه السلام) تكون بركة في حياته، يكون خير في حياته، فرؤية الإمام (صلوات الله عليه) تعني البركة، عناية الإمام (عليه السلام) حتى بدون رؤيته تعني البركة تعني الخير تعني التوفيق فكيف إذا تشرف الإنسان بلقائه الشريف.
الذين رأوا الإمام (عليه السلام) كثيرون، الذين شملتهم عناية الإمام (صلوات الله عليه) متعددون، نذكر قضية صغيرة ونختم بها الموضوع:

(٣٧)

السيد الشاهرودي ورواتب الطلبة:
هذه القضية سمعتها من ابنه، وهو نقلها لي مباشرة:
يقول ابن سماحة المرجع الديني السيد الشاهرودي (رحمه الله): لم يكن عندنا شيء في اليوم الأخير من الشهر، وكان اللازم في يوم غده أن نعطي الرواتب للحوزات العلمية ولطلبة العلوم الدينية، يقول ذهبت إلى والدي السيد الشاهرودي وأنا مضطرب وقلق، فقلت له: سيدنا غداً أول أيام الشهر ونحن ما عندنا شيء، ما الذي نفعله مع الطلبة؟
فقال السيد الشاهرودي: هذا ليس متعلقاً بي، بل هو مرتبط بالإمام الحجة (عليه السلام)، فهذه الحوزة حوزته (عليه السلام)، وهو (عليه السلام) إذا أراد الاستمرار فبها، وإذا لم يحب ذلك فالأمر عائد إليه، فالقضية لم ترتبط بنا، ثم قال لنا: يا ضعاف الإيمان لا تستعجلوا..
يقول: فذهبنا.. وحل الليل، والسيد الشاهرودي تناول العشاء وأراد أن ينام وكأنه لم يكن هنالك شيء، يقول: وفي آخر الليل أو منتصفه طرقت الباب، ففتحنا الباب فرأينا رجلاً كبيراً في السن، فقلنا له: ماذا تريد؟
قال: أريد السيد الشاهرودي.
قلنا له: الآن ليس الوقت مناسباً، ولا يمكن زيارة السيد.
قال: عندي شغل مع السيد فأرجو إخباره.
يقول: في نفس الوقت السيد الشاهرودي سمع الصوت، فقال: دعوه

(٣٨)

فليدخل.
فدخل الرجل عند سماحة السيد وقدم إليه أربعة عشر ألف دينار ثم ذهب.
فلم نعرف من هو هذا الرجل وكيف يسّر الله سبحانه وتعالى هذه القضية، ثم نادانا السيد الشاهرودي وقال: يا ضعاف الإيمان ألم أقل لكم إن لنا صاحبا..
الإمام الحجة (عليه السلام) هو صاحبنا، وهو الذي يهتم بشؤوننا، ولولا عنايته للموالين ولأتباع أهل البيت (عليهم السلام) لاصطلمهم الأعداء، مع كثرة هذه المحن التي تأتي على العلماء والمؤمنين، ولكن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) يوماً بعد يوم يزداد علواً، لا يوجد مذهب في التاريخ تعرض لما تعرض إليه مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من قتل أئمتهم وقتل علمائهم وقتل أتباعهم بالتهمة والظنة، مع كل ذلك تجدون هذه العظمة وهذا الرونق وهذه الجلالة لهذا المذهب، نعم لو لم تكن عناية الإمام ونظرة الأئمة (عليهم السلام) ولو لم تكن رعايتهم لم يقم لهذا المذهب قائمة.
من هنا يلزم أن يكون يجعل الإنسان من نفسه محلاً قابلاً لعناية الإمام (صلوات الله عليه) ولطفه وبركاته.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

(٣٩)

(٤) المهدي (عليه السلام) والمهدوية - القسم الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ﴾(٢٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٧) سورة القصص: ٥.

(٤٠)

الاعتقادات أساس الإيمان:
قضية الإمام الحجة (عليه السلام) تمثل قضية عقائدية مهمة، الإيمان بالإمام الحجة (صلوات الله عليه) يعني الإيمان بجميع آبائه (عليهم السلام)، فلابد أن تكون هذه القضية المهمة ماثلة في أذهاننا.
السيد العم (حفظه الله) كان يقول: جاء هنالك مد كافر في العراق، وهو المد الشيوعي، فطبيعي الفرد الذي لم يتسلح بالثقافة الدينية اللازمة وليست عنده بصيرة كافية في دينه، لا يتمكن أن يقف وأن يقاوم أمام الشبهات، فإذا جاءه شخص وقال له: بأي دليل الإمام المهدي (عليه السلام) موجود؟ أو بأي دليل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الخليفة الأول؟ أو بأي دليل الله تعالى موجود؟
ربما لا يعرف الجواب..
هذه أصول الدين ويجب أن يؤمن بها المؤمن عن دليل وبرهان، يعني عندما يقال له: بأي دليل الله موجود؟ يعطيه الدليل، بأي دليل الإمام الحجة (عليه السلام) هو الإمام الثاني عشر؟ يعطيه الدليل..
نعم جاء هذا الموج الإلحادي الكافر وغير العديد من الشباب.
فالسيد العم (حفظه الله) قال: سألت السيد الوالد (رحمه الله) أنه ما هو أفضل شيء نتحدث به للناس في الوقت الراهن؟
فقال السيد الوالد (رضوان الله عليه): القضايا العقائدية.. فتثبيت العقيدة أفضل شيء، لأنه إذا ثبتت العقيدة فكل الفروع تثبت عليها، فأي أشكال فرعي يُحل

(٤١)

بالقضية العقائدية، ولكن إذا كانت عقيدة الفرد غير ثابتة ولا راسخة، فلا يستقيم ولا يثبت، بل تؤثر فيه الشبهات.
معاني المهدوية:
قلنا في البحث السابق: إن المهدوية لها ثلاث معانٍ:
المعنى الأول:
المهدوية بالمعنى العام، وهو يعني: المنقذ، أي الإيمان بوجود منقذ ومنجٍ يظهر فينقذ البشرية من ويلاتها، هذا يطلق عليه المهدوية بالمعنى العام.
فهل هنالك من يقبل هذا المعنى؟
الجواب: نعم إن جميع الأديان الإلهية: اليهودية والمسيحية والمجوسية والإسلامية تقبل هذا المعنى، فمن ينكر هذا المعنى فهو ليس يهودياً ولا مجوسياً ولا مسيحياً ولا مسلماً.
المعنى الثاني:
المهدوية بالمعنى الخاص، وهو يعني: أن هنالك رجلاً من هذه الأمة يقال له: المهدي، يأتي وينقذ البشرية ويملئ الأرض قسطاً وعدلاً..

(٤٢)

المعنى الثالث:
المهدوية بالمعنى الأخص، بمعنى أنه هو الإمام الثاني عشر من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام).
المعنى الأول للمهدوية اتفقت عليه جميع الأديان الإلهية.
والمعنى الثاني للمهدوية اتفق عليه المسلمون قاطبة بجميع مذاهبهم.
والمعنى الثالث للمهدوية اتفقت عليه الشيعة الاثنا عشر قاطبة.
إثبات المهدوية:
ثم إنه ما الذي يثبت هذا المعنى الثالث، إذا شخص طرح هذا السؤال، كيف نثبت الإمام الثاني عشر؟
الأجوبة متعددة مذكورة في الكتب، ولكننا نكتفي بالإشارة إلى جانب واحد فقط، وهو:
أنه أحد الحكّام لم يكن على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يكن يؤمن بالأئمة الاثني عشر، وفي يوم من الأيام سمع هذا الحديث النبوي الشريف: (الخلفاء بعدي اثنا عشر)، فجمع هذا الحاكم علماء المذاهب الأربعة كلهم، وقال لهم: هل هذا الحديث صحيح؟ وهل يوجد في مصادر الأمة؟ أم هو من أحاديث الشيعة فقط؟
قالوا: هذا الحديث صحيح، وليس من أحاديث الشيعة فقط، بل كل المسلمين رووه ويقبلون به: الأحناف والشوافع والحنابل والمالكية، جميعهم يقبلون

(٤٣)

هذا الحديث، لأنه ورد في أصح مسانيد المسلمين.. المسانيد التي لا ينكروهها ولا يشككون فيها..
النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر خليفة).
وفي بعض الروايات: (اثني عشر نقيباً).
وفي بعض الروايات: (اثني عشر إماماً).
وفي بعض الروايات: (اثني عشر قيّماً).
وهذه الروايات موجودة: في صحيح البخاري في الجزء التاسع، في باب الاستحلاف، في الصفحة إحدى وثمانين حسب بعض الطبعات، وموجودة أيضاً في: صحيح مسلم، هذه أصح الكتب عندهم بعد كتاب الله، ولا يتمكن علماؤهم من أن ينكروا هذا الحديث، إذن هذا الحديث ثابت.
فقال الحاكم لهؤلاء العلماء: من هم الاثني عشر خليفة، وقد ورد (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، فهذا الحاكم أراد أن لا يموت ميتة جاهلية، فطلبهم واحداً بعد واحداً.. فجاء الأول فقال له الحاكم: من هؤلاء الاثني عشر؟
قال: الأربعة الأوائل، ثم معاوية، ثم عبد الملك بن مروان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم السفاح! كان من العباسيين ولقب بالسفاح لكثرة ما سفك من الدماء، ثم المنصور، ثم الرشيد، ثم الأمين، ثم المأمون، هؤلاء اثنى عشر!
وهذا لطيف وغريب، فخليفة يقاتل خليفة، حيث قاتل الأمين المأمون، وقتل المأمون الأمين، فهؤلاء خلفاء رسول الله!
قال له الحاكم: جيد، اكتبهم من الأول إلى الثاني عشر.
ثم أتى بالعالم الثاني وقال له: هل هذا الحديث صحيح؟

(٤٤)

قال: نعم.
قال الحاكم: فمن هؤلاء؟
قال: الأربعة الأوائل، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم المنصور، ثم هارون، ثم الأمين، ثم المعتصم، ثم المعتمد، ثم المستعين، ثم المتوكل! هؤلاء خلفاء رسول الله!..
وما قيمة هؤلاء في التاريخ؟
إنهم مجرد حكام، وهناك ألوف من الحكام في التاريخ.
فهؤلاء حكام عادين وهذا أقل ما يقال عنهم، بل كانوا حكاماً ظالمين باستثناء أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنهم كانوا من أشد الظلمة، والأكثر من ذلك إنهم كانوا يظلمون باسم رسول الله وخلافته!، يقتلون الأبرياء باسم رسول الله، وهذه جناية أكبر، إذ قد يكون هنالك شخص يظلم ويقول انا أريد الحكم، ولكن قد يكون هنالك شخص يظلم باسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذه جناية مزدوجة.
لماذا ينظر كثير من الناس في العام إلى الإسلام نظرة سيئة؟
كل ذلك بسبب ظلم هؤلاء، وفي الحقيقة إذا لم يكن أهل البيت (عليهم السلام) لصار الإسلام من أسوء الأديان بسبب تمثيل هؤلاء الطغاة..
فالحاكم سألهم كلهم.. فكل عالم كان يعطي إجابة مختلفة عن الآخر، ثم جمعهم جميعاً وقال لهم: إنكم اختلفتم في معنى هذا الحديث وتناقضتم فيما بينكم، ولكن الفرقة الوحيدة التي لا تختلف والتي يؤيدها نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويشهد لها التاريخ هي الشيعة، وأنا من هذا اليوم أعلن انتمائي إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام).

(٤٥)

أنتم الآن جربوا، اسألوا سائر المذاهب من هؤلاء الاثني عشر؟
لا تجدون جواباً صحيحاً منهم، بل لكل جواب يختلف عن الآخر ويشتمل على بعض الطغاة الذين لا يمكن أن يمثلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويكونوا خلفاءه.
وهذا الحديث لوحده يكفل لنا بإثبات المهدي (عليه السلام) بمعنى الإمام الثاني عشر.
هذه كلمة مختصرة حول الإمام المهدي (عليه السلام).
التشرف بمحضر الإمام:
الكلمة الثانية حول اللقاء بالإمام المهدي (عليه السلام)، وللتشرف مقدمة ونتيجة.
فما هي مقدمة اللقاء؟
الجواب: هي القابلية، فإن هذا الشرف لا يُعطى لكل شخص، وهذا التوفيق لا يناله كل فرد، بل يحتاج إلى قابلية، ويحتاج إلى طهارة في نفسه وقلبه، ويحتاج إلى إخلاص، هذه هي المقدمة..
وما هي النتيجة؟
الجواب: نتيجة اللقاء هي التوفيق، فيصبح الفرد موفقاً في حياته.

(٤٦)

تشرف الشيخ عبد الزهراء الكعبي:
أحد الأفراد الذين كانوا موفقين في حياتهم، هو سماحة الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمه الله)، كان من الخطباء البارزين والناجحين، وكل الخطباء لهم دور، وكلهم يخدم الدين والمنبر الحسيني الشريف، ولكن الشيخ عبد الزهراء له موقع آخر.
فكثيرون الذين قرأوا المقتل، ولكن انظروا إلى مقتل الشيخ عبد الزهراء الكعبي حيث يوضع في مختلف وسائل الإعلام، والملايين يستمعون إلى هذا المقتل ويبكون في عزاء الإمم الحسين (عليه السلام)، حقيقة هذا توفيق عظيم.
كم هي العيون التي أبكاها الشيخ الكعبي على سيد الشهداء (عليه السلام)، ويبكيها في كل عاشوراء وفي كل أربعين؟ ربما الملايين.
لم يتمكن أحد إلى يومنا هذا أن يكون بديلاً للشيخ الكعبي (رحمه الله).
ومن توفيقات الشيخ أنه ربى عدداً من الخطباء والفضلاء، وتلاميذه الذين رأيتهم لم يكونوا فقط تلاميذ علميين له، بل كانوا تلاميذ أخلاقيين له، فقد يكون الأستاذ استاذاً فحسب، وقد يكون مربياً أيضاً، فكان تلاميذ الشيخ الكعبي معجبين بشخصيته الأخلاقية.
نقل لي أحدهم أنه ذات مرة قدّم أحد المؤمنين للشيخ الكعبي مبلغاً ضخماً، وبعد فترة قليلة جاءه فقير طالباً منه شيئاً، فأخذ المال كله وأعطاه للفقير، يقول الراوي: اعترضت على الشيخ وقلت: أنت محتاج لهذا المبلغ فلماذا تعطيه بهذه الكثرة؟! قال: لا تمنع المعروف.
نعم هذه روحية قل أن توجد في الأفراد..

(٤٧)

الشيخ الكعبي وقصيدة ابن العرندس:
كان الشيخ الكعبي (رحمه الله) في بداية تصديه للخطابة، يبحث عن قصيدة يقال لها: (قصيدة ابن العرندس) وقد نقلها العلامة الأميني (رحمه الله) في الغدير وقال: (وقد عرف بين أصحابنا أنه في كل مجلس تقرأ هذه القصيدة يحضرها الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)).
وتبدأ هذه القصيدة المباركة بهذا البيت:
(طوايا نظامي في الزمان لها نشر)
فكان الشيخ يبحث عن هذه القصيدة في الكتب وغيرها، ولم تكن الكتب آنذاك ليست متوفرة، فلم يجد هذه القصيدة، فتوسل بالإمام الحسين (عليه السلام) أن يحصل عليها، وفي يوم من الأيام بعد صلاة الفجر، دخل الشيخ الكعبي صحن الإمام الحسين (عليه السلام) وكان هنالك غرفة في الصحن الشريف فيها شخص يقال له: الحاج عبدالله الكتبي، وكان يجلس فيها ويجلد الكتب، فعندما دخل الشيخ الصحن المبارك وإذا بالحاج عبدالله الكتبي يناديه، فذهب إليه الشيخ الكعبي، فقال له الحاج عبد الله: اشتريت مجموعة من الكتب وأريد تجليدها فهل تريد أن تراها لعلها تنفعك؟
فأخذ الشيخ أحد الكتب، وبمجرد ما فتح الكتاب رأى قصيدة ابن العرنس التي كان يبحث عنها، فقال الشيخ: أريد أن أشتري منك هذا الكتاب فكم ثمنه؟

(٤٨)

قال الحاج عبد الله: ثمنه أن تجلس الآن وتقرأ هذه القصيدة، ولا أريد أكثر من هذا.
وكان الصحن آنذاك فارغاً ولم يوجد عندهما شخص، فبدأ الشيخ الكعبي بقراءة القصيدة: (طوايا نظامي في الزمان لها نشر)
وإذا بسيد جليل له زي الأعراب وله هيبة ونورانية، أتى وسلّم وجلس، يقول الشيخ الكعبي: بمجرد ما جلس السيد أخذتني هيبته ولم أتمكن من القراءة، فأمرني بالقراءة وقال لي: اقرأ، ولعله كان أمراً تكوينياً.
فيقول الشيخ: بدأت أقرأ.. وأقرأ..
إلى أن وصلت إلى هذا البيت:

(أيقتل ظمآناً حسين بكربلاء * * * وفي كل عضو من أنامله بحر
ووالده الساقي على الحوض غداً * * * وفاطمة ماء الفرات لها مهر)

يقول الشيخ: عندما قرأت هذه الأبيات، وقف الرجل وتوجه إلى ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) وكرر ثلاث مرات باكياً: أيقتل.. أيقتل.. أيقتل..
يقول الشيخ: لما سعنا قول السيد، أنا نا والحاج عبد الله أنزلنا رؤوسنا وأخذنا نبكي ونبكي لفترة واستمر بكاؤنا، ثم رفعنا رؤوسنا فلم نر هذا الرجل.
يقول الشيخ: قمنا وبحثا عنه في كل مكان ولم نجد له أثر، يقول الشيخ: في ذلك الوقت لم أكن ملتفتاً إلى هذه القضية وبعد مدة قرأت: أنه ما قرأت هذه القصيدة في مكان إلا وحضرها الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).

(٤٩)

ولعل هذه التوفيقات التي نالها الشيخ الكعبي (رحمه الله) كانت على أثر ذلك التوجه..
نعم يلزم على الإنسان أن يحاول بقدر الإمكان أن يوجد في نفسه هذه القابلية والصلاحية للتشرف بمحضر الإمام (عليه السلام)، وإذا لم يوفق للقاء الإمام، على الأقل يكون محل عنايته (صلوات الله عليه).
نسأل الله تعالى أن يرينا الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

(٥٠)

(٥) بركات وجود الإمام المهدي (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
الولي الظاهر والمستتر:
قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾(٢٨).
أولياء الله تعالى كما يظهر من الآيات والروايات، على نوعين:
النوع الأول: الولي الظاهر: أن يكون الولي ظاهراً مشهوراً، يجلس مع الناس ويتحدث فيهم ويساهم في حل مشاكلهم.. هذا النوع الأول..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٨) سورة هود: ٨٦.

(٥١)

النوع الثاني: أن يكون الولي مستتراً مغموراً: لا يظهر للناس، وإذا ظهر لايعرفونه بعينه.. هذا النوع الثاني..
كل من هذين النوعين وكل من هاتين الحالتين، سواء كان الولي ظاهراً مشهوراً، أو كان مستتراً مغموراً، في كلتا الحالتين أولياء الله مبعث للخيرات والبركات.
هذه الخيرات التي نراها، والبركات التي نشاهدها، بل وتلك البركات التي لانعلم بها، كلها بفضل أولياء الله تعالى.
القرآن الكريم في سورة الكهف يتحدث عن شخصين من نوعين من أولياء الله تعالى:
أحدهما: ولي من أولياء الله ظاهر مشهور.
والثاني: ولي من أولياء الله مستتر مغمور.
جمع الله تعالى في قضية موسى والخضر (عليهما السلام) التي تناولتها سورة الكهف بين ذلك الولي المشهور وبين ذلك الولي المغمور، قال (عزَّ وجلَّ):
﴿وَإِذْ قالَ مُوسى‏ لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾(٢٩).
فموسى (عليه السلام) ولي ظاهر مشهور، يرشد الناس ويصلي بالناس ويتحدث فيهم، وقد أمره الله سبحانه بالتوجه إلى نقطة معينة، وهذه النقطة هي (مجمع البحرين) لكي يلتقي بولي آخر من أولياء الله تعالى، وذلك الولي مستتر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٩) سورة الكهف: ٦٠.

(٥٢)

مغمور.
فيمضي موسى (عليه السلام) فيلتقي بذلك الولي: ﴿فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾(٣٠).
هذا هو الولي المشهور المبعث للخيرات والبركات، وذلك هو الولي المغمور، فمع أنه لا يعرفه أحد، ولا يطلع على أعماله أحد، ولكنه أيضاً مبعث للخيرات والبركات.
الولي المغمور قام بخرق السفينة، لأن هنالك ملكاً معتدياً كان يأخذ كل سفينه غصباً، فالخضر (عليه السلام) وهو الولي المغمور، قد خرق هذه السفينة لكي لايأخذها ذلك الحاكم الظالم.
ثم بعد ذلك، يرى كل من الولي المشهور والولي المغمور غلاماً، وإذا بالولي المغمور يأخذ هذا الغلام فيقتله، وعندما يستنكر عليه الولي المشهور: لماذا تقتل هذا الغلام؟
﴿فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً﴾(٣١).
يقول الولي المغمور: ﴿وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وكُفْراً * فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وأَقْرَبَ رُحْماً﴾(٣٢).
وبعد ذلك يأتي هذا الولي المغمور ويبني ذلك الجدار لأن تحته كنز لأشخاص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٠) سورة الكهف: ٦٥.
(٣١) سورة الكهف: ٧٤.
(٣٢) سورة الكهف: ٨٠ - ٨١.

(٥٣)

أيتام، وأرد أن يبقى ذلك الجدار علامة على ذلك الكنز:
﴿وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتيمَيْنِ فِي المَدينَةِ وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما ويَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْري ذلِكَ تَأْويلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾(٣٣).
إذن الولي المشهور مبعث للخيرات والبركات، وكذلك الولي المغمور مبعث للخيرات والبركات.
ما هو دور الإمام الغائب؟
والآن نبحث عن دور ولي الله الأعظم الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) في هذه الغيبة الكبرى، التي لا نعرفه فيها بعينه، وربما نشاهده ولكننا لا نعلم به، فما هو دوره، وما هو أثره وهو في هذه الغيبة؟
هل هو في جزيرة منقطعة يعيش بعيداً عن الناس ويعبد الله ليله ونهاره؟
هل هو في الجزيرة الخضراء فلا يرتبط بالناس ولا يرتبطون به؟
هل هو في مغارة في جبل يسبح الله ويحمده ولا عمل له ولا شغل له بالناس؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٣) سورة الكهف: ٨٢.

(٥٤)

أبعاد بركات الإمام (عليه السلام):
الجواب: أبداً.. فالإمام المنتظر (عليه السلام) كما يبدو من بعض الروايات وبعض القضايا المنقولة له ثلاثة أبعاد:
المقامات التكوينية:
البعد الأول: الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) له مقام كوني..
فما معنى المقام الكوني؟
وكيف يكون للمهدي المنتظر (عليه السلام) مقام في هذا الكون، ومقام في عالم الوجود، ومقام في عالم الخلق والأمر؟
والمثال العرفي على ذلك: الماء، حيث له مقام تكويني، فإذا لم يكن هنالك ماء، من أين يمكن للإنسان أن يروي عطشه؟ إذن الماء له مقام كوني.. ولكن مقامه الكوني مقام جزئي..
وكذلك الجبال لها مقام كوني، فهي تحفظ توازن الكرة الأرضية، ولو لم تكن الجبال لعمت الزلازل في الكرة الأرضية، فالجبال لها مقام كوني، ولكن مقامها مقام جزئي، يعني تتعلق ببعد من أبعاد الكون، وبجانب من جوانب التكوين..
هذه الشمس التي نراها لها مقام كوني، وكل ذلك بعطاء الله وإذنه طبعاً،

(٥٥)

وإلآ لا يوجد عندنا قوة في الكون تمد عطاءها من ذاتها، بل ﴿هذا عَطاؤُنا﴾(٣٤).
فالكون كله بعطاء الله وبفيض الله وبفضل الله، ولكن مقام الشمس الكوني هو مقام جزئي..
أما الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) فله مقام كوني كلي كبير، فكل حركة في هذا الكون، وكل سكون فيه، وكل رحمة فيه، وكل خير فيه، مرهون بوجود الإمام المهدي (عليه السلام)، فما من قطرة تنزل من السماء إلآ ببركة وجود المهدي المنتظر (عليه السلام)، (بِكُمْ فَتَحَ اللهُ، وَبِكُمْ يَخْتِمُ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الهَمَّ، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ)(٣٥).
هذا هو المقام الكوني للإمام المهدي (صلوات الله عليه)، فعند ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان له هذا المقام الكوني، يقول الله (عزَّ وجلَّ) في القرآن الكريم: ﴿وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فيهِمْ﴾(٣٦).
فما دام رسول الله (صلى الله عليه وآله) موجوداً، الله تعالى لا ينزل العذاب ببركة وجوده الميمون، وبعد أن ارتحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تخل الأرض من حجة، هذا موجود في الروايات، ليست الروايات التي نقلها الخاصة فقط، بل الروايات التي نقلها الآخرون أيضاً:
راجعوا كتاب: (الصواعق المحرقة) الذي كتبه ابن حجر (في الرد على أهل البدع والزندقة)، أهل البدع والزندقة في رأي ابن حجر يعني أتباع أهل البيت (عليهم السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٤) سورة ص: ٣٩.
(٣٥) من لا يحضره الفقيه: ج٢ ص٦١٥ زيارة جامعة لجميع الأئمة (عليهم السلام).
(٣٦) سورة الأنفال: ٣٣.

(٥٦)

راجعوا هذا الكتاب الذي كتبه للرد على أهل الحق، ولكن الله تعالى أجرى الحق على لسانه، في هذا الكتاب والعشرات من كتبهم ينقلون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض)(٣٧).
فبهم (عليهم السلام) يدفع الله العذاب، وبهم يتحقق الأمن، وبهم تكون الخيرات..
هذا هو البعد الأول: الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) وكرسول الله (صلى الله عليه وآله) وبفضل الله تعالى، له مقام كوني كلي..
مرجعية المعضلات الفكرية:
البعد الثاني: إن الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) له مرجعية في حل المعضلات الفكرية للأمة:
عندما نراجع أحوال علمائنا وتاريخ فقهائنا العظام، نرى أنهم عندما كانت تستعصي عليهم الأمور، وعندما كانوا يعانون من مشكلة فكرية أو فقهية تتعلق بمصير الأمة، كانوا يلجؤون إلى المهدي المنتظر (عليه السلام)، فكان يرشدهم إلى الطريق ويدلهم على السبيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٧) وانظر أيضاً هذا الحديث بألفاظ مختلفة: المناقب: ج١ ح٢٥٥، ينابيع المودة للقندوزي: ص١٩ و٢٠ ب٣، ووسيلة المآل للحضرمي: ص١١٤، المستدرك على الصحيحين: ج٣ ص١٤٩. مجمع الزوائد: ج٩ ص١٧٤.

(٥٧)

الإمام المهدي (عليه السلام) حل المشاكل التي كانت في فكر العلامة الحلي (قدس سره)(٣٨)، لقد كان العلامة الحلي من المؤثرين في تاريخ مذهب الحق، لعله إذا لم يكن العلامة الحلي ونشاطاته لم نكن ممن اهتدى إلى الحق، فله فضل علينا وعلى أتباع مدرسة أهل البيت.
وكذلك الشيخ المفيد (قدس سره)، الإمام المهدي (عليه السلام) يقول له: (أيها الشيخ المفيد.. منك الفتيا ومنا التسديد)(٣٩).
وهكذا كثير من علمائنا الأخيار، حيث كان الإمام الحجة (عليه السلام) يوجههم ويهديهم ويرشدهم..
هذا هو البعد الثاني..
ملجأ المشاكل والملمات:
البعد الثالث: الملجأ في المشكلات والملمات:
هل يوجد هنالك بيت لا توجد فيه مشكلة، هل هنالك فرد لا يعاني من مشكلة، الله تعالى مزج هذه الدنيا بالمشاكل والآلام، وقد جعل الله سبحانه الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) ملجأً وملاذاً لهذه الأُمة..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨) في قصة مفصلة حيث توسل العلامة الحلي بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأرشده الإمام وقال له اذهب إلى ولدي المهدي في السهلة.
(٣٩) في قصة رجوع ذوي ميتة حامل، حيث قال لهم أولاً بدفنها، ثم جاءهم شخص وقال: الشيخ يقول بشق بطنها وإخراج الولد ثم خياطة الموضع ودفن الميتة.

(٥٨)

أبو الحسين الكاسب وغضب السلطان عليه:
هنالك شخص يقال له: أبو الحسين الكاسب، غضب السلطان على هذا الرجل وأراد أن يأخذه ويقتله، فهرب أبو الحسين واختفى وبقي مدة طويلة مختفياً..
وفي ليلة من الليالي فكر أبو الحسين أن يلتجأ إلى حرم الإمام الكاظم (عليه السلام)، وفي منتصف الليل ذهب إلى ذلك الحرم المطهر، وعندما وصل إلى الحرم الشريف طلب من القيّم على الحرم أن يغلق الأبواب ولا يسمح لأحد أن يدخل حتى يتفرغ للدعاء والمناجاة، فأغلق القيم الأبواب ودخل أبو الحسين إلى ذلك المكان الطاهر، وأخذ بالدعاء والتضرع والتوسل، ولم يكن في الحضرة أي شخص.
يقول أبو الحسين: في هذه الأثناء فجأة رأيت شخصاً تعلوا عليه معالم الكمال والجلال وهو جالس أو واقف في مكان يزور، فبدأ بالسلام علي آدم، ثم عقب بالسلام على نوح، ثم بالسلام على إبراهيم، ثم بالسلام على موسى وعيسى، ثم بالسلام على النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ثم بالسلام على الأئمة واحداً بعد واحد، إلى أن سلم على الإمام العسكري (عليه السلام) ثم توقف عند هذا الحد.
يقول أبو الحسين: أنا تعجبت لماذا هذا الرجل لا يسلّم على الإمام المهدي (عليه السلام)!
يقول: ثم صلى ركعتين وتوجّه إلي وقال: يا أبا الحسين لماذا لا تدعو الله تعالى بدعاء الفرج؟
فقلت له: سيدي أنا لا أعرفه، فما هو دعاء الفرج؟

(٥٩)

قال: تصلي ركعتين ثم تدعو بهذا الدعاء: (يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وسَتَرَ الْقَبِيحَ يَا مَنْ لَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ ولَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ...).
ثم تقول: (أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهِرِينَ (عليهم السلام) إِلَّا مَا كَشَفْتَ كَرْبِي، ونَفَّسْتَ هَمِّي، وفَرَّجْتَ غَمِّي، وأَصْلَحْتَ حَالِي)(٤٠).
يقول: أنا صليت ركعتين وبدأت بقراءة هذه الكلمات.. في هذه الأثناء اختفى الرجل.. وبعدما أكملت، ذهبت فرأيت الأبواب كلها مغلقه!.
من أين دخل هذا الرجل؟!
نبهت القيم على ذلك.. قلت له هل رأيت رجلاً؟ هل أنت فتحت الباب لأحد؟
قال: لا، أنا لم أفتح الباب لأحد..
فذكرت له القصة، فقال: لابد أن يكون هذا رجلاً خارقاً أو ولياً من أولياء الله تعالى، يقول عدت الى بيتي في الظلام...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٠) ورد في مستدرك الوسائل: ج٦ ص٣٠٩ - ٣١٠ ب١٩ ح٦٨٨٥ هكذا: (فَقَالَ: تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وتَقُولُ: يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ، ولَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، يَا عَظِيمَ الْمَنِّ، يَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ، يَا مُنْتَهَى كُلِّ نَجْوَى، ويَا غَايَةَ كُلِّ شَكْوَى، يَا عَوْنَ كُلِّ مُسْتَعِينٍ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يَا رَبَّاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا سَيِّدَاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا مَوْلَاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا غَيْثَاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا مُنْتَهَى رَغْبَتَاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهِرِينَ (عليهم السلام) إِلَّا مَا كَشَفْتَ كَرْبِي ونَفَّسْتَ هَمِّي وفَرَّجْتَ غَمِّي وأَصْلَحْتَ حَالِي، وتَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ مَا شِئْتَ، وتَسْأَلُ حَاجَتَكَ، ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَرْضِ وتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي سُجُودِكَ: يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ، وتَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَرْضِ وتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ: أَدْرِكْنِي، وَتُكَرِّرُهَا كَثِيراً، وتَقُولُ: الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ، حَتَّى يَنْقَطِعَ النَّفَسُ، وَتَرْفَعُ رَأْسَكَ، فَإِنَّ اللهَ بِكَرَمِهِ يَقْضِي حَاجَتَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى).

(٦٠)

وفي الصباح سمعت: أن السلطان يبحث عني ويسأل عني، وقد كتب مكتوب بالأمان لي، يقول: فخرجت وذهبت إلى السلطان بعد أن رأيت كتاب الأمان، فقال لي: يا أبا الحسين شكوتني إلى صاحب الزمان؟
قلت له: وكيف علمت؟
قال: إني رأيت البارحة الإمام الحجة (عليه السلام) في المنام، فجفاني وعاتبني على موقفي منك، وقال: لماذا أرعبت أبا الحسين وهو من شيعتنا وموالينا..
يقول: فقلت له: أيها السلطان إذا أنت رأيت الإمام الحجة (عليه السلام) البارحة في المنام فإني رأيته البارحة في اليقظة..
نعم هناك ألوف الأشخاص الذين لجأوا وتوجهوا إلى الإمام (عليه السلام) فقضى الله حاجاتهم ببركة التوسل بالإمام.
القضية تحتاج إلى توجه، وإلى اللجوء إلى بابهم، هذه الشمس موجودة ولكن إذا أردت أن تنتفع بها يلزم أن تذهب إليها لكي تنتفع من هذا النور، هذا الفيض وهذا العطاء موجود ولكن يحتاج إلى توجه وإلى مسألة وإلى إلحاح، وإلى توسل بالله وبأوليائه الطاهرين..
نسأل الله أن يفرج عنا وعن جميع المؤمنين بيُمن وجوده، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..

(٦١)

(٦) دور الإمام المهدي (عليه السلام) - القسم الأول
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
فوائد وجود الإمام:
قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾(٤١).
نتحدث في هذا اليوم بإذن الله تعالى حول سؤال كثيراً ما يثار ويطرح،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤١) سورة الكهف: ٦٥.

(٦٢)

وبالذات من قبل المخالفين، الذين حُرموا نعمة الإيمان، والسؤال هو:
ما هي فائدة وجود المهدي المنتظر (عليه السلام)؟
قالوا: يلزم أن يكون النبي والإمام ظاهراً، وأن يكون في الناس حتى يقتدوا به ويستفيدوا من بركات وجوده، فما فائدة وجود إمام غائب لا نراه ولا نسمع كلامه ولا نتعامل معه؟
هذا السؤال نجد جوابه في القرآن الكريم، آيات القرآن كفيلة بالإجابة على هذا السؤال، الآية التي ذكرناها في بداية البحث تدل على وجود نوعين من الأولياء:
النوع الأول: ولي ظاهر مشهور..
النوع الثاني: ولي مستتر مغمور..
الغيبة لا تنافي أن يكون الأنسان ولياً من أولياء الله أو نبياً من أنبياء الله أو إماماً من الأئمة الذين نصبهم الله تعالى.
نموذج قرآني:
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى‏ لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾(٤٢).
إلى أن تقول الآية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٢) سورة الكهف: ٦٠.

(٦٣)

﴿فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾(٤٣).
هذا العبد يقال له: الخضر، وكان ولياً من أولياء الله تعالى، وكان نبياً من أنبياء الله سبحانه، وكان رسولاً من الرسل، أين كان هذا العبد؟ الخضر (عليه السلام) كان عند مجمع البحرين..
﴿قالَ لَهُ مُوسى‏ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾(٤٤).
النبي موسى (عليه السلام) على عظمته يتبع هذا الولي المغمور الذي ربما لم يكن يعرفه أحد، ولم يعلم بمكانه أحد، وحسب ظاهر الآية موسى (عليه السلام) أيضاً لم يكن يعرف مكانه.
﴿قالَ لَهُ مُوسى‏ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى‏ ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً﴾(٤٥).
فهذه الآية تدل على أنه: الغَيبة لا تنافي الولاية، ولا تنافي الإمامة، ولا تنافي النبوة، أساساً الغيبة في حياه الأنبياء (عليهم السلام) ظاهرة ليست بخاصة، وليست بظاهرة فردية، بل تكررت في موارد متعددة..
ألا نقرأ في الآية:
﴿وَواعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثينَ لَيْلَةً وأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٣) سورة الكهف: ٦٠.
(٤٤) سورة الكهف: ٦٦.
(٤٥) سورة الكهف: ٦٦ - ٦٨.

(٦٤)

لَيْلَةً﴾(٤٦).
أين كان موسى؟
هل كان مع قومه؟
هل كان يمارس القيادة الفعلية لقومه؟
كلا.. بل ذهب إلى الجبل ليناجي الله تعالى.
هل في هذه الفترة لم يكن نبياً لأنه كان معتزلاً؟!
هذا منطق يصادم القرآن..
أولم يغب يونس النبي (عليه السلام) عن قومه؟
ألا نقرأ في صلاه الغفيلة حول ذي النون:
﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ﴾(٤٧).
يونس (عليه السلام) كان غائباً في أعماق البحر في بطن الحوت.
فالقضية لا تتعلق بالقيادة الفعلية للأمة، بل إذا اقتضت المصلحة الإلهية أن يقود الأمة قيادة فعلية يكون ذلك، وإذا اقتضت المصلحة الإلهية أن يكون الولي فوق جبل أو في بطن الحوت يكون ذلك أيضاً..
فإذن هذا السؤال: كيف يكون إماماً وهو غائب، هذا يصادم منطق القرآن الكريم..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٦) سورة الأعراف: ١٤٢.
(٤٧) سورة الأنبياء: ٨٧.

(٦٥)

هذا الجانب الأول من البحث هذا الجواب يصطلح عليه بالجواب النقضي.
الجواب الحلي:
البحث الثاني، ويصطلح عليه بالجواب الحلي، وهو أن الغيبة لا تنافي التصرف في شؤون المجتمع، فهناك شخص غائب ولكنه يتصرف في شؤون المجتمع، هذا ممكن..
الخضر (عليه السلام) ألم يكن غائبا؟ ألم يتصرف في شؤون المجتمع؟
نعم كان غائباً وكان يتصرف في شؤون المجتمع.
وفي سورة الكهف إنه (عليه السلام) ركب السفينة وخرق تلك السفينة: لماذا؟
﴿أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَتْ لِمَساكينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعيبَها وكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصْباً﴾(٤٨).
أراد (عليه السلام) أن يحافظ على هذه الثروة فخرق السفينة، هذا تصرف في شؤون المجتمع.
ألم يقتل (عليه السلام) ذلك الغلام؟ لماذا؟
﴿وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وكُفْراً﴾(٤٩).
إذن هذا تصرف في شؤون المجتمع..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٨) سورة الكهف: ٧٩.
(٤٩) سورة الكهف: ٨٠.

(٦٦)

وبعد ذلك ألم يأت إلى ذلك الجدار وأقامه؟
هذا تصرف في شؤون المجتمع..
فالجواب الثاني وهو الجواب الحلي: أن الغيبة لا تعني بالضرورة أن هذا الولي الغائب أو الإمام الغائب لا يتصرف في شؤون المجتمع..
قضايا على أرض الواقع:
البحث الثالث: بيان بعض القضايا المنقولة التي وجد للإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) تصرف فيها، وكان هو الملجأ في المعضلات..
مع المقدس الأردبيلي:
القضية الأولى: حول المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، يقول تلميذه: إنه رأيت في ظلام الليل المقدس الأردبيلي يدخل إلى حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) والأبواب كانت تفتح أمامه، فدخل إلى داخل الضريح المطهر وناجى الإمام بكلمات ما سمعتها، ثم خرج متجهاً من النجف إلى مسجد الكوفة، ودخل في محراب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذ يتكلم كأنه مع إنسان، ثم رجع وأنا أتبعه، وفجأة أخذتني حالة السعال، فالتفت إلي المقدس الأردبيلي وقال: من أنت؟
قلت: تلميذك.
قال: وماذا تصنع؟
قلت: كنت أتبعك.

(٦٧)

قال: منذ متى؟
قلت: من الأول.
ثم أقسمت عليه بأمير المؤمنين (عليه السلام) أن يخبرني بالقضية.
فاشترط عليّ أن لا أخبر أحداً ما دام حياً، وأخذ علي العهود والمواثيق ثم قال: في هذه الليلة واجهت معضلات فقهية لم أتمكن من حلها، فذهبت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وسألته، فقال لي: إن ولدي المهدي (عليه السلام) الآن في مسجد الكوفة، فاذهب إلى مسجد الكوفة فإنه إمام زمانك واسأله.. فذهبت وعرفت حل تلك المشاكل العلمية..
قضية التنباك:
القضية الثانية: قضية التنباك، وهذه القضية ينقلها الميرزا النائيني (قدس سره):
وقصة التنباك هي الفتوى التي أصدرها المجدد الكبير (قدس سره) وكان لها تأثير عجيب على عموم الناس، حتى الفساق الذين لم يلتزموا بالأحكام الشرعية كانوا مقيدين بهذه الفتوى.
وهذه الفتوى حطمت الأطماع البريطانية في إيران، حتى زوجة الشاه أمرت الخدم أن يكسروا القيلون (الناركيلة) الموجود في قصر الشاه، فكسروها كلها، وعندما جاء الشاه وطلب القيون (الناركيلة) قالوا له: كسرناها، قال: من قال لكم أن تكسروها؟ قالوا: زوجتك، فقال لزوجته: لماذا أصدرتي هذا الأمر؟ قالت: إنه حرام..

(٦٨)

فغضب الشاه وقال: من حرّم التنباك؟
فقالت: الذي أحلني عليك هو الذي حرّم التنباك..
فحتى الشاه لم يتمكن أن يسيطر على داخل قصره..
الميرزا النائيني (قدس سره) يقول: في كل ليلة كنا نذهب إلى المجدد الكبير ونجلس عنده لنرى ماذا نفعل في هذه القضية المصيرية، لأن القضية كانت مشكلة جداً، إنها ليست قضية فتوى في مسألة الطهارة والنجاسة، إنها قضية يتعلق بها مصير الأمة ومصير البلاد، قضية ربما يكون فيها قتل، وفيها استعمار، وتصرف في الأموال والأنفس.
يقول: كل ليلة كنا نجلس عند المجدد ونحن مجموعة علماء ومراجع تقليد نتداول هذه القضية ونطلب من الميزرا الفتوى، يقول: وفي ليلة من الليالي، قال لنا المجدد الكبير: كل واحد منكم فليكتب صيغة معينة للفتوى في هذه القضية.
يقول: جئنا ليلة غد وكل واحد منا قد كتب صيغة معينة، فالمجدد كان يقرأ هذه الأوراق واحدة بعد واحدة ويضعها تحت فراشه، إلى أن قرأ الأوراق كلها، ثم أخرج ورقه من تحت الفراش، وقال: هذه الورقة جاءتنا من قبل الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، ثم فتح الورقة وقرأها، ما مضمونها إنه:
(بسم الله الرحمن الرحيم، اليوم استعمال التنباك في حكم محاربة المهدي المنتظر).
فكانت بهذه القاطعية وبهذه القوة، يعني لا يوجد مجال للتردد، يقول: فأقررنا نحن العلماء جميعا هذه الورقة، وكُتب من هذه الورقة في نصف يوم مائة ألف نسخة، حتى الرجل الأمِي الذي لا يعرف القراءة والكتابة كان يكلف شخصاً

(٦٩)

ويقول له: اكتب من هذه الورقة عشرة أوراق مثلاً، حتى أوزعها في إيران ويعطيه مقداراً من المال قبال الكتابة.
هذه الكلمات وهي سطر واحد، قلعت الاستعمار البريطاني من إيران.
فالإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) كان ملجأ ولا زال في المعضلات والمشكلات التي تتعلق بالأمة..
نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا بركات وجوده الشريف، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

(٧٠)

(٧) دور الإمام المهدي (عليه السلام) - القسم الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾(٥٠).
في هذا اليوم نتحدث بإذن الله تعالى عن أن الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) ملجأ وملاذ في المشكلات الفردية أيضاً، مثل مشكلة الفقر، ومشكلة المرض، ومشكلة العدو.. فهذه مشاكل فردية وربما يكون لها بعد اجتماعي، ولكننا نتحدث حولها من الناحية الفردية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٠) سورة هود: ٨٦.

(٧١)

وقبل الدخول في هذا الموضوع، لابد أن نضع القضية في إطارها الكلي، واتضاح هذا الإطار جداً مهم، فهي قضية عقائدية، يجب أن نعرفها نحن واحداً واحداً:
من هو الملجأ والملاذ؟
هل الله هو الملجأ، أم غير الله؟
هل الله هو الملاذ أم غير الله؟
الله تعالى يقول: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ﴾(٥١).
إذن الله هو الكاشف، الله هو الملجأ، فكيف نلجأ إلى غير الله مهما كانت عظمة هذا الشخص؟
كيف نطلب حل المشكلات من غير الله؟
كيف نقول: (يا محمد يا علي، يا علي يا محمد، اكفياني فإنكما كافيان، وانصراني فإنكما ناصران، يا مولانا يا صاحب الزمان الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني، الساعة الساعة الساعة، العجل العجل العجل)
ألا ينافي هذا التوحيد الأفعالي، ألا ينافي هذا: (لا مؤثر في الوجود إلَّا الله)؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥١) سورة الأنعام: ١٧، وسورة يونس: ١٠٧.

(٧٢)

الجواب على هذه الأسئلة:
لا يحتاج أن نذهب بعيداً، لا يحتاج أن نذهب إلى ذلك الكتاب أو هذا الكتاب، حتى يشكك شخص في مؤلف هذا الكتاب أو ذاك، أو يشكك آخر في هذه الرواية أو تلك..
لا، الحل موجود وقريب، وهو بأيدينا، الحل موجود في ذالك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لاحظوا القرآن الكريم ودققوا في هذه الأسئلة:
من هو الشافي؟
السؤال الأول: من هو الشافي؟
الله تعالى يقول: ﴿وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفينِ﴾(٥٢)، إذن الشافي هو الله، وهل غير الله يمكن أن يكون شافياً بتفويض الله وبإعطاء الله وبإذن الله تعالى؟
القرآن الكريم يقول: نعم، الله تعالى يقول: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ﴾(٥٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٢) سورة الشعراء: ٨٠.
(٥٣) سورة النحل: ٦٩.

(٧٣)

هذا العسل لا هو نبي، ولا ولي، ولا إمام، ولا حيوان، ولا نبات، هذا جماد يفرزه حيوان، فيه شفاء للناس، إذن الله هو الشافي الحقيقي، والعسل هو الشافي بإذن الله وبإعطاء الله، لا توجد منافاة، الله له قدرة ذاتية وأعطى شيئاً من هذه القدرة للعسل.. فالله تعالى هو الذي جعل الشفاء في العسل.
وهل هنالك مانع أن يجعل الله الشفاء في تربة الإمام الحسين (عليه السلام)؟
هل هنالك مانع أن يجعل الله الشفاء في كلمة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)؟
إذا كان العسل فيه شفاء للناس، فكلمة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) أولى أن يكون فيها الشفاء.
هذا جواب السؤال الأول: الله هو الشافي، وغير الله هو شافٍ بعطاء الله وتفويضه وإذنه..
من هو المغني؟
السؤال الثاني: من هو المغني؟
الذي يملك قوت سنته يعتبر غنياً، فمن أغناه؟
الله تعالى يقول: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى‏ وأَقْنَى﴾ (٥٤)، إذن الله هو المغني.
وهل يوجد هنالك مُغنٍ غير الله تعالى، وذلك بتفويض الله وبعطاء الله تعالى وبإذن الله سبحانه؟
القرآن الكريم يقول: نعم، الله تعالى يقول: ﴿وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٤) سورة النجم: ٤٨.

(٧٤)

ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾(٥٥)، إذن الله هو المغني والنبي (صلى الله عليه وآله) أيضا مُغنٍ بإذن الله وبعطاء الله..
هذا جواب السؤال الثاني: الله مُغنٍ والنبي (صلى الله عليه وآله) مُغنٍ أيضاً بإعطاء الله وبتفويضه..
من هو الهادي؟
السؤال الثالث: من هو الهادي؟
الله تعالى يقول: ﴿وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ﴾(٥٦).
إذن الله سبحانه هو الهادي.. وهل يوجد هادٍ غير الله تعالى، بتفويض الله سبحانه وبأعطاء الله وبإذن الله (عزَّ وجلَّ)؟
القرآن الكريم يقول: نعم.. قال تعالى على لسان إبراهيم (عليه السلام): ﴿يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَني‏ مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْني‏ أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا﴾(٥٧).
إذن النبي إبراهيم (عليه السلام) هو الهادي بعطاء الله وبتفويض الله تعالى.
وفي آية أخرى: يخاطب الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) ويقول: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ﴾(٥٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٥) سورة التوبة: ٧٤.
(٥٦) سورة الأعراف: ٤٣.
(٥٧) سورة مريم: ٤٣.
(٥٨) سورة الشورى: ٥٢.

(٧٥)

إذن النبي هادٍ أيضاً، هذا هو جواب السؤال الثالث: فالله تعالى هاد وغير الله هادٍ بعطاء الله وبتفويض الله سبحانه.
من هو الزارع؟
السؤال الرابع: من هو الزارع؟ الله تعالى يقول: ﴿أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾(٥٩).
إذن الله تعالى هو الزارع.. وهل هنالك زارع غير الله تعالى، بتفويض الله وبعطاء الله وبإذن الله (عزَّ وجلَّ)؟
القرآن الكريم يقول: نعم، قال الله تعالى: ﴿قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنينَ دَأَباً﴾(٦٠).
فالله سبحانه هو الزارع، وقوم يوسف زارعون أيضاً بتفويض الله.
هذا جواب السؤال الرابع: إن الله تعالى هو الزارع وغير الله هو زارع أيضاً بتفويض الله وبعطاء الله..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٩) سورة الواقعة: ٦٤.
(٦٠) سورة يوسف: ٤٧.

(٧٦)

من هو المتوفي؟
السؤال الخامس: من هو المتوفي؟ الله تعالى يقول: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حينَ مَوْتِها﴾(٦١).
إذن الله تعالى هو المتوفي.. وهل هنالك غير الله متوفٍ، وذلك بتفويض الله وبعطاء الله وبأذن الله سبحانه؟
القرآن الكريم يقول: نعم، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُمْ﴾(٦٢).
إذن الله تعالى متوف وملك الموت متوف أيضاً بتفويض الله وبعطاء الله..
من هو المستغاث؟
السؤال السادس: من هو المستغاث؟ الله تعالى يقول: ﴿إِذْ تَسْتَغيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ﴾(٦٣).
إذن الله تعالى هو المستغاث.. وهل يمكن أن يكون غير الله تعالى مستغاثاً بتفويض الله وبعطاء الله وبإذن الله تعالى؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦١) سورة الزمر: ٤٢.
(٦٢) سورة السجدة: ١١.
(٦٣) سورة الأنفال: ٩.

(٧٧)

القرآن الكريم يقول: نعم، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَاسْتَغاثَهُ الَّذي مِنْ شيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِنْ عَدُوِّهِ﴾(٦٤).
إذن النبي موسى (عليه السلام) مستغاث أيضاً بعطاء الله وبتفويض الله وبأذن الله، فعند ما استغاث ذلك الرجل من بني إسرائيل بموسى (عليه السلام)، هل النبي موسى (عليه السلام) قال له: لا هذا شرك، لابد ان تستغيث بالله فقط؟ أم أغاثه، قال تعالى: (فوكزه)..
فعند ما نقول: يا مهدي أدركني، هذا ليس شركاً، القرآن يثبت ذلك.
هذا جواب السؤال السادس: الله تعالى مستغاث وغير الله مستغاث أيضاً بعطاء الله وبتفويض الله وبأذن الله سبحانه.
من هو الناصر؟
السؤال السابع: من هو الناصر؟ الله تعالى يقول: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزيزِ الحَكيمِ﴾(٦٥).
إذن الله تعالى هو الناصر.. وهل يوجد ناصر غير الله، بتفويض الله وبعطاء الله وبأذن الله تعالى؟
القرآن الكريم يقول: نعم، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ و

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٤) سورة القصص: ١٥.
(٦٥) سورة آل عمران: ١٢٦.

(٧٨)

نَصَرُوهُ﴾(٦٦).
إذن غير الله أيضاً ناصر، بعطاء الله وتفويضه.
هذا جواب السؤال السابع: فالله تعالى هو الناصر وغير الله أيضاً ناصر بعطاء الله وتفويضه وإذنه سبحانه.
من هو مخرج الثمرات؟
السؤال الثامن: من يخرج الثمرات، الله أم المطر؟
الجواب: الله، والمطر أيضاً، لكن المطر بإذن الله تعالى.. قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾(٦٧)، (به) يعني بالمطر، هذه الباء باء السببية، إذن المطر هو سبب أيضاً.
هذا جواب السؤال الثامن: فالله تعالى أخرج الثمرات، والمطر أخرج الثمرات بعطاء الله وبتفويض الله وبإذنه سبحانه..
من هو المعين؟
السؤال التاسع: من هو المعين؟ القرآن الكريم يقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾(٦٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٦) سورة الأعراف: ١٥٧.
(٦٧) سورة البقرة: ٢٢. وسورة إبراهيم: ٢٣.
(٦٨) سورة الفاتحة: ٥.

(٧٩)

إذن الله تعالى هو المعين.. وهل يوجد معين غير الله؟ هل يمكن أن نقول لولي أو نبي أو إمام: أعني؟ أم هذا شرك؟
القرآن الكريم يقول: لا، هذا ليس شركاً، لاحظوا هذه الآية الكريمة: ﴿فَأَعينُوني‏ بِقُوَّةٍ﴾(٦٩)، قال هذا الكلام الإسكندر المقدوني لقومه الذين كان يخرج عليهم يأجوج ومأجوج..
هذا جواب السؤال التاسع: فالله تعالى هو المعين، وغير الله معين أيضاً بعطاء الله وبتفويض الله وبإذنه سبحانه.
من هو الخالق؟
السؤال العاشر: من هو الخالق؟ القرآن الكريم يقول: ﴿هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ﴾(٧٠).
إذن الخالق هو الله تعالى، وهل يمكن أن يكون غير الله خالقاً، بإذن الله وبفضله وعطائه (عزَّ وجلَّ)؟
القرآن الكريم في موطن آخر يقول: نعم.. قال تعالى على لسان عيسى (عليه السلام): ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ﴾(٧١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٩) سورة الكهف: ٩٥.
(٧٠) سورة فاطر: ٣.
(٧١) سورة آل عمران: ٤٩.

(٨٠)

نتيجة البحث:
هذه أسئلة عشرة لم نأت برواية واحدة في الإجابة عليها، ولم نذهب إلى كتاب بعيد، هذا كتاب الله بين أيدينا، يجيب على تلك الأسئلة بوضوح.
فإذا قلنا: إن الإمام المهدي (عليه السلام) هو الملجأ، هذا ليس شركاً، بل هو عين التوحيد.
وإذا قلنا: (يا محمد يا علي، يا علي يا محمد، أكفياني فإنكما كافيان، وانصراني فإنكما ناصران) هذا ليس شركاً، بل هو عين الوحيد..
فالإنسان يجب أن يلجأ إلى الله وإلى من أمر الباري بالالتجاء إليهم، يجب أن يستغيث بالله وبمن أمر الباري بالاستغاثة بهم.
الذين استغاثوا بالإمام الحجة (عليه السلام) كثيرون، وكثير منهم بالعشرات، بالمئات، بالألوف أخذوا الإجابة وحصلوا على ما أرادوا بإذن الله تعالى.
فإذا نحن لم نلجأ ولم نستغث، لم نحصل، وهذا تقصير من عندنا.
السيد السبزواري والنجاة من الهلكة:
من الأفراد الذين استغاثوا بالإمام الحجة (عليه السلام) هو السيد السبزواري (رحمه الله):
كان في طريق الحج حيث انقطعت القافلة ونفذ الوقود وأشرفوا على الهلاك، فاستغاثوا وتوسلوا بالإمام الحجه (عليه السلام).. فجاءهم فارس وأطعمهم وأرواهم،

(٨١)

ثم قال للسائق: حرّك السيارة والتي لم يكن فيها وقود، فحرك السيارة وذهبوا إلى بيت الله الحرام ونجوا من تلك المهلكة..
السيد حسن وعهده مع الإمام:
من الأفراد الذين لجأوا إلى الإمام الحجة (عليه السلام) هو العم الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره):
لما كان في سجن أولئك الطغاة وكان متهماً بتهمة عظيمة، وكان حكم الإعدام قطعياً عليه، فعذبوه بأربعة وأربعين نوعاً من أنواع التعذيب القاسي، بحيث بقيت آثاره إلى أخريات أيام حياته على جلده ووجهه.
وتحت التعذيب القاسي توسل بالإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) وعاهده: إذا خلصتني من الموت أجمع كلماتك في كتاب.
ثم بعد ذلك شملته العناية فأخرجه الله من السجن، وبقي العهد الذي كان بينه وبين الإمام (عليه السلام)، وفي يوم من الأيام جاءه شخص وقال له: رأيت شخصناً في المنام قال لي: قل للسيد حسن أن يفي بما وعد به الإمام المنتظر (عليه السلام). فجمع الشهيد هذه الكلمات في كتاب أسماه: (كلمة الإمام المهدي (عليه السلام)). وكانت هذه هي الوثيقة التي أنقذته من الإعدام.
كل واحد منا له حاجات دنيوية وأخروية، يلزم أن نلجأ فيها إلى الله وإلى باب الله تعالى.
نسأل الله أن لا يحرمنا من بركات وجوده الشريف، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..

(٨٢)

(٨) دور الإمام المهدي (عليه السلام) - القسم الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
إحدى البحوث المهمة التي وقعت محلاً للتساؤل منذ العهود العابرة وإلى هذا اليوم، هي: مسألة دور الإمام المهدي (عليه السلام) في عهد الغيبة.
نتحدث حول بعض أبعاد هذا الموضوع ضمن فصلين:

(٨٣)

١ - دور الإمام في عهد الغيبة:
الفصل الأول: دور الإمام المهدي (عليه السلام) في عهد الغيبة..
وهذا بحث نظري، ولبيان هذا الدور نقدم ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى:
إن القرآن الكريم يثبت أدواراً في أطار عالم الطبيعة لبعض الأشياء كما يثبت أدواراً لبعض الأشخاص، فهنالك أشياء في هذا العالم لها دور، وهنالك أفراد لهم دور، نمثل بمثالين:
المثال الأول: إن الشافي هو الله تعالى، القرآن الكريم يقول: ﴿وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفينِ﴾(٧٢). ولكن في موطن آخر يثبت القرآن الكريم وجود دور الشفاء لبعض الأشياء في هذا العالم، يقول الله تعالى: ﴿فيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ﴾(٧٣)، هذا جماد (أي العسل) يخرج من بطن حيوان: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ﴾(٧٤)، وقد جعل الله تعالى فيه الشفاء، هذا هو المثال الأول: وهو إثبات القرآن الكريم أدواراً للأشياء..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٢) سورة الشعراء: ٨٠.
(٧٣) سورة النحل: ٦٩.
(٧٤) سورة النحل: ٦٩.

(٨٤)

المثال الثاني: القرآن الكريم أيضاً يثبت أدواراً للأشخاص.. الله تعالى هو الذي يقبض الأرواح: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حينَ مَوْتِها﴾(٧٥)، ولكن القرآن الكريم في موطن آخر يثبت: أن ملك الموت هو المتوفي: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾(٧٦).
هذا هو المثال الثاني: وهو أن الله تعالى هو المتوفي، وملك الموت هو المتوفي أيضاً بإذن الله.. هذه المقدمة الأولى..
المقدمة الثانية:
وجود دور لأشخاص في هذا العالم لا ينافي التوحيد الأفعالي، لأن فاعلية الأشخاص فاعلية مكتسبة وفاعلية غيرية، بينما فاعلية الله تعالى فاعلية ذاتية.. هذه المقدمة الثانية..
المقدمة الثالثة:
في ضمن إطار عالم الطبيعة لا تنافي بين فاعلية وبين فاعلية أخرى، كما لاتنافي بين فاعلية الأشخاص والتوحيد الأفعالي لله تعالى، فلا منافاة بين الفاعليتين، إنما تكون المنافاة إذا كانت الفاعليتان عرضيتين ومستقلتين على معلول واحد وهذا محال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٥) سورة الزمر: ٤٢.
(٧٦) سورة السجدة: ١١.

(٨٥)

أما اذا فرضنا أن هاتين الفاعليتين أو هذه الفاعليات كانت فاعليات طولية، بعضها في طول البعض الآخر، فلا منافاة بين فاعلية وفاعلية.
بعد هذه المقدمات الثلاث، نقول باختصار:
إن الإمام المهدي (عليه السلام) يمثل الحلقة الأخيرة في الفاعليات الطولية في إطار عالم الإمكان، يعني هنالك فاعلية جعلها الله تعالى في هذا الكون، ونحن موظفون أن نلجأ إلى هذا الشيء أو هذا الشخص باعتباره سبباً ظاهرياً جعله الله، من الممكن أن تكون خلف هذه الفاعليات فاعلية ثانية أو فاعلية ثالثة، ولكن آخر فاعلية مؤثرة في هذا الوجود في إطار عالم الإمكان هي إرادة المهدي المنتظر (عليه السلام).
وهنالك رواية رواها محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الكافي)، ومحمد بن الحسن الطوسي في كتاب (التهذيب)، وغيرهما من الأعلام، ومن جملة عبارات هذه الرواية أو الزيارة: (إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم، وتصدر من بيوتكم)(٧٧).
الإرادة الإلهية في هذا الكون تصدر من بيت الإمام المهدي (عليه السلام)، أو المكان الذي فيه الإمام المهدي (عليه السلام)..
هذا هو بعض الدور الموجود للإمام المنتظر (عليه السلام) في هذا العالم، وفي هذا الوجود، وهذا لا ينافي أن تكون هنالك فاعليات أخرى في هذا الكون، لما ذكرناه في المقدمة الثانية.
هنالك مثال يمثلونه، يقولون:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٧) الكافي: ج٤ ص٥٧٧ باب زيارة قبر أبي عبد الحسين (عليه السلام) ح٢. وتهذيب الأحكام: ج٦ ص٥٤ ب١٨ ح١، ووسائل الشيعة: ج١٤ ص٤٩٠ ب٦٢ ح١٩٦٧٢. وبحار الأنوار: ج٩٨ ص١٥٣ ب١٨ ح٣، وكامل الزيارات: ص٢٠٠.

(٨٦)

أنتم تقولون: كتبت أصابعي، وبعد ذلك تقولون: كتبت يدي، وبعد ذلك تقولون: كتبت..
هل هنالك منافاة بين هذه العبارات؟
لا توجد منافاة، بل الروح الحقيقية التي تكتب هي روحكم، ولكن هذه في طول هذه.
فللروح فاعليات مؤثرة، ومن الممكن أن تكون هنالك عوامل طبيعية وظاهرية، ولكن الروح الأخيرة الفاعلة هي إرادة الإمام المهدي (عليه السلام)، هذا بحث باختصار حول هذا الموضوع.
٢ - الاستفادة من وجود الإمام:
الفصل الثاني: كيف نستفيد من وجود الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الشخص المعصوم الذي أعطاه الله تعالى مقاليد الكون كيف نستفيد من وجوده؟
نذكر أربع مقدمات:
المقدمة الأولى:
التوجه إلى النقص والقصور والفاقة والحاجة.
هنالك بعض الأفراد ليس عندهم هذا الشعور، إذا عانى شخص من داء في بدنه ولكنه لم يشعر بذلك، فهذا الداء له وجود واقعي ولكن ليس له وجود في عالم الذهن، فهل يتحرك هذا الشخص نحو العلاج؟

(٨٧)

إذا لم يشعر شخص بالفقر والحاجة هل يتحرك لحل مشكلته؟ كلا، إنه لا يتحرك لأنه يشعر بالاكتفاء.
إذا شعر شخص أنه مكتف من الناحية العلمية هل يتحرك نحو طلب العلم؟ كلا.
علماء الأخلاق يقولون: من أعدى أعداء الفرد هو: الشعور بالاكتفاء..
إذا شخص شعر أنه لا يعاني من مشكلة، وليس عنده فاقة، ولا نقص، هذا يبقى في مكانه ولا يمكنه أن يستفيد تلك الاستفادة الكاملة من هذا الوجود.
نحن عادة نشعر بهذا الشعور (الشعور بالفاقة) لحظات الاضطرار، يعني إذا شخص ضاع في الصحراء هناك يشعر بالخطر، إذا شخص عنده مريض أو طفل في العناية المركزة وفي وضع خطر بين الحياة والموت - لا سمح الله - هناك يشعر بالاضطرار.
هذا الشعور يراودنا في بعض الأحيان، ولكن أولياء الله تعالى دائماً يشعرون أنهم في حالة اضطرار، وأنهم في حالة فاقه وحاجة، نحن ننام من أول الليل إلى آخر الليل لأنه لا يوجد هنالك شيء يؤرقنا، أما إذا كان لشخص مشكلة كبيرة فإنه لا يتمكن أن ينام، أو عندما ينام فإنه يقوم من نومه بعد عشر دقائق أو عشرين دقيقة مثلاً لأنه يشعر بالخطر، أولياء الله تعالى دائماً يعيشون هذه الحالة.
نحن نفهم من قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ﴾(٧٨)، أنه إذا كان عندنا مريض، بينما أولياء الله سبحانه يرون أنهم دائماً في حالة اضطرار، هذا الشعور يكمن في أعماقهم..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٨) سورة النمل: ٦٢.

(٨٨)

هذه هي المقدمة الأولى للاستفادة من وجود الإمام المهدي (عليه السلام): بأن يشعر الشخص أنه محتاج وفي حالة فاقة واضطرار..
المقدمة الثانية:
التوجه إلى القوة والقدرة والغنى عند الإمام (عليه السلام).
الإمام (عليه السلام) ليس فرداً عادياً، بل يمكن أن يغير حالنا بنظرةٍ واحدة منه، كما سبق، فإن الله تعالى جعلهم (عليهم السلام) مظاهر مشيئته.. هذه المقدمة الثانية..
المقدمة الثالثة:
محاولة إيجاد القابلية.
القلب الملوث ليس له قابلية، والباطن الملوث ليس له قابلية، والعين الملوثة ليست لها قابلية، والأذن الملوثة ليست لها قابلية.
الإنسان بحاجة إلى القابلية وإيجاد الطهارة في نفسه، في مرتبتها الأولى على الأقل، وهذه المرتبة جداً صعبة ولكنها في ذات الوقت ممكنة، فالفرد على الأقل لا يرتكب الذنوب ولا يعصي الله (عزَّ وجلَّ).
ينقل أن أحد العلماء كان يلاحظ حتى أقل كلماته ليكون مطابقاً للشرع: فعند ما كان يهدد طفله حتى لا يرتكب ما يخالف الأدب مثلاً، لم يقل: إني أدبك أو أضربك، كما يقوله سائر الناس، فهذا العالم كانت في ذهنه شبهة الكذب في هذا

(٨٩)

الكلام، طبعاً شبهة الكذب وليس الكذب، لأنه يقال: (إن الوفاء بالوعيد ليس واجباً) فكان يقول: يا بني لا تعمل هذا العمل، أفرض أتي أدِبك، أو يحتمل أني أضربك..
لاحظوا هذه الدقة في الكلام، حتى إنه لا يرتكب احتمال الكذب.. هكذا كانوا يراقبون أنفسهم.
فلابد من تطهير الظاهر وتطهير الباطن بقدر الإمكان، فإذا كان هنالك مذياع، وكان سلك من أسلاكه مقطوعاً، فإن هذا المذياع ليس له قابلية تلقي الأمواج الموجودة في الفضاء، وهكذا القلب الذي فيه عطب فإنه ليس له قابلية.. هذه هي المقدمة الثالثة..
المقدمة الرابعة:
الإلحاح والتوسل.
إن الشخص لابد أن يلح ويلح ويتوسل إلى أن تشمله عناية الإمام المهدي (عليه السلام)..
هذه مقدمات أربع..
ينبغي للإنسان أن يهتم بجميع شؤونه الدنيوية والأخروية، فإذا أراد شخص الدفء بدون التوجه إلى الشمس وما أشبهها من وسائل الدفء، فهل يمكن ذلك؟ لا يمكن..
الله تعالى يقول: أنا جعلت الشمس في هذا العالم مخزناً للدفء، فإذا أردت

(٩٠)

الدفء فخذ منها، وكذلك يقول: أنا جعلت القضايا بيد الإمام المهدي (عليه السلام) فإذا أردت النجاح فعليك بالتوسل إليه (صلوات الله عليه).
وننقل قضية في هذا المجال:
الشيخ الدامغاني ومرض السل:
كان هنالك أحد العلماء يقال له: الشيخ محمد باقر الدامغاني، هذا العالم ابتلي بداء السل، وهو من الأمراض الخطيرة، وكان المريض يؤذيه كثيراً وخاصة في ذلك الوقت الذي لم يكن فيه العلاجات، واستمر هذا الداء معه أعواماً وأعواماً، وكلما راجع الأطباء والمختصين ليعطوه بعض العلاجات لم يكن يجدي نفعاً، ويوماً بعد يوم كان يضعف بدنه ويذوب جسمه إلى أن قال له الأطباء: لا يوجد أمل في علاجك..
يقول: وفي يوم من الأيام قذفت دماً كثيراً من صدري، وكنت متأذياً جداً، فذهبت إلى أستاذي: الميرزا مهدي الأصفهاني (رحمه الله) وجلست عنده وشكوت له حالتي وضعفي وفقدان أملي.
فقال الميرزا بعد أن جثى على ركبتيه: ألست سيداً؟ فلماذا لا تلجأ إلى أجدادك الطاهرين؟
لماذا لا تلجأ إلى بقية الله في أرضه حتى يحل لك هذه المشكلة؟
ألا تعلم أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم أسماء الله الحسنى؟
ألا تقرأ في دعاء كميل: يا من أسمه دواء وذكره شفاء؟

(٩١)

اذهب الآن إلى بقية الله في أرضه (صلوات الله عليه) وأطلب منه حل هذه المشكلة..
يقول الشيخ: قمت وأنا أبكي، ففكرت أن أذهب إلى حرم الإمام الرضا (عليه السلام)، فذهبت إلى الحرم الشريف وإذا بي أرى وضعاً آخر ليس كما كان (وهذا يسمى بعالم المكاشفة)، فلم أر تلك الجموع الغفيرة من الناس، بل رايت جماعة قليله يمشون وأمامهم رجل ذو هيبة، فألهم في قلبي أن هذا الرجل هو الإمام المهدي (عليه السلام).
فقلت في نفسي: سيذهب الإمام بعد قليل وما نلت بغيتي، ففكرت أن أنادي الإمام حتى يلتفت إلي.
يقول: فبمجرد ما خطر هذا الخاطر في ذهني، وإذا بذلك الرجل يلتفت إلي، وينظر إلي نظرة بجانب عينه الشريفة، - نعم نظرة واحدة فقط بدون أي كلام - وإذا بالعرق أخذ يتصبب من بدني (في لحظة واحدة) وإذا بي أرى الصحن الشريف على حالته الطبيعية، وكثرة الزوار كالمتعارف، ولم أر الإمام ولا تلك الجماعة التي كانوا معه، وقد عدت إلى نفسي فلم أر أثربً لذلك المرض بالمرة..
ثم عاد الشيخ إلى بيته وأصبح وضعه طبيعياً بلا مرض، هذه القضية مر عليها ستين عاماً أو أكثر، فهي ليست قضية تاريخيه قديمة..
نعم إن الإمام (عليه السلام) لا ينسى رعيته، ولابد للإنسان أن يوجد في نفسه القابلية.

(٩٢)

الحاج آقا حسين القمي ولطف الإمام:
وهنالك قضية أخرى تعبر عن لون آخر من لطف الإمام (صلوات الله عليه):
الحاج آغا حسين القمي (رحمه الله) كان من العلماء الورعين جداً حتى في أصغر أعماله، فعندما كان يسألونه: الساعة كم؟ كان يقول: بحسب الظاهر الساعة تكون تسعة إلآ ربعاً مثلاً، لأنه كان يحتمل أن تكون الساعة على خطأ، فكان دقيقاً في كلامه..
نقلوا في أحواله: إنه كان يعتقد ويؤمن بأن أقوى دعامة له في حياته وجود الإمام المهدي (عليه السلام)، ذكروا: إنه كان ذاهباً إلى طهران في قضية الاحتجاج على البهلوي الأول، وفي ضمن جهاده الكبير ضد الظلم والطغيان، فحاصروه في طهران فلم يتركوه يذهب ولا يرجع، ومنعوه من الارتباط بأحد، فأصبح مقطوعاً من الناس ولم تبق له أموال.
عند ذلك بعث البهلوي إليه بشخص مع جماعة، فأتى ذلك الرجل المبعوث مع جماعته وقدموا للسيد شيكاً مفتوحاً أبيض، وهو يعني أنه يسمح للسيد بأن يكتب ويسحب أي مقدار من المال أراد.
فقال الحاج حسين القمي (رحمه الله): أنا لا آخذ من أموال الدولة إطلاقاً.
فقالوا له: إذن كيف تعيش وأنت منقطع عن الناس؟!
قال: إني أعتقد بأن الإمام المنتظر (عليه السلام) لا ينسى رعيته.
فضحك بعض الجماعة ممن كان إيمانه ضعيفاً من منطق السيد.

(٩٣)

ولكن تلك الإرادة التي هي خلف كل شيء تهيؤ الأسباب الظاهرية..
فكان هنالك رئيس شرطة في منطقة ما، وعند ما رأى منهج السيد القمي (رحمه الله) وأسلوبه وإيمانه وما جرى عليه من الظلم، تكلم مع بعض تجار طهران: بأن السيد هكذا في وضع غير مناسب، وهو منقطع عن الناس، فإذا أردتم أن تدفعوا شيئاً للسيد فأنا حاضر بأن أوصله وأغامر بذلك، لأن هذه كانت مجازفة خطرة من هذا الرجل.
فأعطاه التجار مبلغاً جيداً من المال ليوصله إلى السيد، وقام هذا الرجل بأخذ المال ووضعه في جوربه، يقول: لما ذهبت إلى السيد القمي كنت خائفاً، لأنهم إذا فتشوه ووجدوا المال عنده لعلهم كانوا يحكمون عليه بالإعدام، فأتى هذا الرجل إلى السيد القمي وقد المال له.
عند ذلك قال السيد القمي (رحمه الله): إني كنت أعلم أن الإمام (صلوات الله عليه) لا ينسى رعيته..
نعم الإمام (عليه السلام) لا ينسانا، ولكن الآية تقول: ﴿فَاذْكُرُوني‏ أَذْكُرْكُم﴾(٧٩)..
فنحن كم مرة في اليوم نذكر الإمام المهدي (عليه السلام)؟
هنالك للإمام الحجة (عليه السلام) عند بعض المؤمنين حضور دائم في حياتهم، أنا رأيت بعض الطلبة كان في أول بحثه ودرسه وتدريسه وقراءته يبدأ باسم الإمام الحجة (عليه السلام) بعد البدء باسم الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٩) سورة البقرة: ١٥٢.

(٩٤)

هذه الحالة وهي حالة تذكر الإمام (عليه السلام)، مهمة جداً، وينبغي أن ننميها في أنفسنا..
هناك كتاب لطيف عنوانه (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للإمام القائم) ينبغي مطالعته، حتى لا يغفل الفرد عن إمام زمانه، ويدعو دائماً للإمام (عليه السلام)..
نسأل الله تعالى أن نكون مشمولين في عناياته وألطافه الخاصة، وأن لا يحرمنا من فيضه ورأفته، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..

(٩٥)

(٩) غيبة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ هُدىً لِلْمُتَّقينَ * الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾(٨٠).
غيبة الإمام وجهة الخفاء والبطون:
نتحدث بإذن الله تعالى في هذا اليوم حول جانب مهم من جوانب حياة المهدي المنتظر (عليه السلام) وهذا الجانب هو: جانب غيبته، ولكن قبل أن ندخل في هذا الموضوع لا بأس أن نشير إلى مقدمة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٠) سورة البقرة: ٢ - ٣.

(٩٦)

أسماء الله وأقسامها:
والمقدمة هي أن العلماء يقسمون أسماء الله الحسنى إلى:
١ - تقسيمات عامة.
٢ - تقسيمات خاصة.
إحدى التقسيمات الخاصة للأسماء الإلهية تتنوع إلى نوعين:
النوع الأول: ما يشير إلى جهة الظهور والبروز في الذات الإلهية.
النوع الثاني: ما يشير إلى جهة الاختفاء والبطون في الله تعالى.
ما دلَّ على الظهور:
مثال النوع الأول: كلمة (النور)، فالنور من أسماء الله الحسنى: ﴿اللهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ﴾(٨١)، هذه الكلمة تدل على جهة الظهور في الله تعالى.
وهناك أسم آخر من أسماء الله الحسنى تدل على هذه الجهة أيضاً وهو: (الظاهر)، في القرآن الكريم: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ...﴾ (٨٢).
فالله سبحانه وتعالى ظاهر في كل مكان وفي كل شيء، إذا شخص لم ير الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨١) سورة الحديد: ٣.
(٨٢) سورة الحديد: ٣.

(٩٧)

سبحانه وتعالى بقلبه، هذا دليل على أن هذا الإنسان فاقد للبصيرة.. هذا النوع الأول..
ما دل على الخفاء:
مثال النوع الثاني: وهي الأسماء التي تدل على جهة الاختفاء والبطون، فإن الله سبحانه وتعالى في عين كونه ظاهراً هو باطن، أظهر من كل ظاهر، ولكنه أبطن من كل باطن.
هناك أسماء لله تعالى تشير إلى هذه الجهة: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ...﴾(٨٣).
وفي دعاء الجوشن وغيره نقرأ: (يا ظاهرُ يا باطن)(٨٤)، فهذان اسمان متقابلان من أسماء الله سبحانه..
فإذن لله تعالى أسماء تدل على جهة ظهوره، وله أسماء تدل على جهة بطونه.. ومن أسماء الله تعالى التي وردت في الروايات: (الغائب).
هنالك حديث في (بحار الأنوار) مروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطاب الله تعالى: (وغائب غير مفقود) (٨٥)، فالله تعالى غائب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٣) سورة الحديد: ٣.
(٨٤) مصباح الكفعمي: ص٢٦٠ الفصل ٢٨، وص٥٣٣ الفصل٤٣، وص٥٨٢ الفصل٤٥.
(٨٥) بحار الأنوار: ج٤ ص٢٦٤ ب٤ ح١٢ وفيه: (عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): التَّوْحِيدُ ظَاهِرُهُ فِي بَاطِنِهِ، وبَاطِنُهُ فِي ظَاهِرِهِ، ظَاهِرُهُ مَوْصُوفٌ لايُرَى، وبَاطِنُهُ مَوْجُودٌ لا يَخْفَى، يَطْلُبُ بِكُلِّ مَكَانٍ ولَمْ يَخْلُ عَنْهُ مَكَانٌ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَاضِرٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَغَائِبٌ غَيْرُ مَفْقُودٍ).

(٩٨)

وباطن ولكنه غائب غير مفقود، موجود في كل مكان، ظاهر في كل أوان..
فكما أن لله سبحانه أسماء تدل على هذه الجهة وأسماء تدل على تلك الجهة، كذلك لله تعالى أولياء يمثلون جهة ظهوره (عزَّ وجلَّ)، يتجلى فيهم اسم الله الظاهر، وله أولياء أيضاً يمثلون الجانب الآخر من أسماء الله تعالى..
أنبياء وأولياء يمثلون الظاهر، وأنبياء وأولياء يمثلون الباطن، أنبياء وأولياء يمثلون النور، وأولياء وأنبياء يمثلون الغائب..
الذي يمثل في هذا العصر الصفة الثانية من صفات الله تعالى هو سيدنا ومولانا الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)..
الله تعالى هو الغائب، والمهدي المنتظر هو الغيب...
الله تعالى يقول: ﴿الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب﴾(٨٦)، الغيب له مفهوم واسع، ومن جمله مصاديق الغيب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، ولذلك في رواية يرويها المحدثون عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول في هذه الآية: (والغيب هو الحجة الغائب) (٨٧)..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٦) سورة البقرة: ٣.
(٨٧) بحار الأنوار: ج٥١ ص٥٢ ب٥ الآيات المؤولة بقيام القائم (عليه السلام) ح٢٨ وفيه: (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللهِ (عَزَّ وجَلَّ): الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِقِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام) أَنَّهُ حَقٌّ).

(٩٩)

سؤال: هل استفرد المهدي المنتظر (عليه السلام) بهذه الحالة؟
لأنه عند ما يطرح هذا البحث على الآخرين: أن هنالك أماماً غائباً، ربما يكون غريباً عليهم، فكيف يكون إماماً وهو غائب! كيف تتفق الإمامة التي هي قيادة الأمة مع الغيبة؟
وجواب:
الجواب: إن هذه الحالة لا يتفرد بها الإمام المهدي (عليه السلام).. فعلى امتداد التاريخ كان هنالك أنبياء وأولياء يمثلون البعد الأول من أسماء الله الحسنى.. وكان هنالك أنبياء وأولياء يمثلون البعد الثاني من أسماء الله الحسنى.. كان هنالك أولياء مشهورون ظاهرون، وكان هنالك أولياء مغمورون مستترون..
ونمثل بعض الأمثلة:
 المثال الأول:
يونس (عليه السلام) كان نبياً: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلينَ﴾(٨٨)، ولكنه في بعض المراحل كان ظاهراً، وفي بعض المراحل كان مستتراً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٨) سورة الصافات: ١٣٩.

(١٠٠)

يونس (عليه السلام) عندما استتر وعندما ذهب إلى البحر والتقمه الحوت واختفى عن أعين الناس وانقطعت علاقته بهم، هل سقطت عنه مرتبة النبوة؟! هل لم يعد يكن نبياً؟!
قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ...﴾(٨٩)، كان في الظلمات وهو منقطع عن أمته ومنقطع عن العالم، وكان مقام النبوة محفوظاً وباقياً له..
هذا هو المثال الأول، وهذا دليل من القرآن لا يمكن أن يناقش فيه..
المثال الثاني:
موسى (عليه السلام) غاب عن أمته، والقرآن الكريم يقول: ﴿وَواعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثينَ لَيْلَةً وأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعينَ لَيْلَةً﴾(٩٠)، أربعون ليلة كان منقطعاً ومختفياً عن أمته، ولكن هذا الانقطاع وهذا الاختفاء لم يكن يتنافى مع نبوته...
المثال الثالث:
عيسى المسيح (عليه السلام) أين هو، هل صُلب ومات، أم هو حي غائب؟ هل يعيش حياته الدنيوية، أم هو الآن في الآخرة والبرزخ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٩) سورة الأنبياء: ٨٧.
(٩٠) سورة الأعراف: ١٤٢.

(١٠١)

النبي عيسى (عليه السلام) لم يُصلب بنص القرآن الكريم وهو حي.
قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسيحَ عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذينَ اخْتَلَفُوا فيهِ لَفي‏ شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وما قَتَلُوهُ يَقيناً﴾(٩١).
آية في القرآن حيرتني:
في يوم من الأيام كان الحجاج جالساً فقال: إن هنالك آية في القرآن الكريم حيرتني، لا أعرف معناها، والآية هي: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ويَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهيداً﴾(٩٢).
يعني حسب الظاهر: لا يوجد في شرق الدنيا وغربها شخص من أهل الكتاب (اليهود) إلاّ وهو يؤمن بالمسيح (عليه السلام) قبل أن يموت..
فقال الحجاج: هذا خلاف الواقع، لأننا قتلنا بعض اليهود ولم يؤمنوا بالمسيح قبل موتهم، فما هو معنى هذه الآية؟
وكان شخص جالساً يقال له: شهد، قال له: ليس هذا معنى الآية.. الضمير (الهاء في موته) لا يرجع إلى أهل الكتاب، وإنما يرجع إلى المسيح (عليه السلام)، يعني جميع أهل الكتاب (اليهود) يؤمنون بالمسيح (عليه السلام) قبل أن يموت المسيح، وهذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩١) سورة النساء: ١٥٧.
(٩٢) سورة آل عمران: ١٥٩.

(١٠٢)

إنما يتحقق عند ما ينزل المسيح (عليه السلام) من السماء ويصلي خلف الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
فجميع أهل الكتاب الموجودين في ذلك الوقت يؤمنون به (عليه السلام) ويؤمنون بالمهدي (عليه السلام).
فقال له الحجاج: من أين أخذت هذا؟
قال: أخذته من محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).. يعني الإمام الباقر (عليه السلام)..
فقال له الحجاج: أخذته من عين قافية (أي من المنبع الذي لم تشبه شوائب).
فإذن يونس (عليه السلام) كان له فترة اختفاء.
وموسى (عليه السلام) كان له فتره اختفاء.
والمسيح (عليه السلام) كان بنص هذه الآية له فترة اختفاء والتي تمتد إلى الآن (ألفي عام تقريباً).
فالغَيبة ظاهرة في حياة الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) ولا تختص بالإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، هذه ظاهرة متكررة.. هذا هو الفصل الأول.

(١٠٣)

نقاط حول غيبة الإمام:
الفصل الثاني: ملاحظات عابرة حول الغيبة..
الملاحظة الأولى:
غيبة الإمام (عليه السلام) ذات طرف واحد وليست من الطرفين، بمعنى: هو غائب عنا، ولكن نحن لسنا بغائبين عنه، فهو يرانا ونحن لا نراه.
الملاحظة الثانية:
هذه الغيبة ليست غيبة شاملة، وإنما غيبه نسبية، فالأبدال يرونه، الأولياء يرونه، رجال الله المؤهلون يرونه، كثير من الأفراد رأوه في عهد الغيبة الصغرى وفي عهد الغيبة الكبرى، نعم عموم الناس لا يرونه.
الملاحظة الثالثة:
إن الإمام المهدي (عليه السلام) وإن كان غائباً، لكن له دوراً كبيراً، وهذه الغيبة لا تلغي دوره في الحياة..
كان الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) في مضايقة مستمرة من قبل الحكومات، فمعظم الحكومات كانت ولا زالت ضدهم، وحاولت تلك الحكومات الظالمة أن تقلع التشيع وتمحوها، إذا راجعنا التاريخ لعله لا نجد أمة تعرضت للمضايقات والتصفيات والملاحقات من مختلف الحكومات الظالمة بمثل ما لاقته الشيعة، ومع

(١٠٤)

ذلك الشيعة الآن يملؤون شرق الدنيا وغربها، الآن مظاهر أهل البيت (عليهم السلام) تجدونها في كل مكان، علم الإمام الحسين (عليه السلام) يرفرف فوق جبال الهملايا..
كيف حفظت هذه الأُمة، لولا عناية الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) ودوره.. لذلك في رسالته إلى الشيخ المفيد (قدس سره) يقول الإمام (عليه السلام):
(إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَلا نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ ولَوْ لَا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْوَاءُ وَاصْطَلَمَكُمُ الْأَعْدَاءُ)(٩٣)، يعني قلعوكم من جذوركم..
ننقل قضية واحدة في هذا الشأن:
لن ندع الجدار يسقط، نحافظ عليه بإصبعنا:
هذه القضية ينقلها أحد تلامذة الميرزا مهدي الإصفهاني عن المحقق النائيني (رحمهما الله) يقول:
في فترة من الفترات هاجم الكفار إحدى بلاد المسلمين وكان بلداً ضعيفاً في مقابل أعداء أقوياء، فجاءوا وأخذوا يعبثون في ذلك البلد، يفسدون الشباب والفتيات، ويشيعون الفوضى والاضطراب، يقول: فتأثرت جداً وأخذت أتوسل برسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة والإمام الحجة (عليهم السلام) لكشف هذه الغمة عن هذه الأمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٣) بحار الأنوار: ج٥٣ ص١٧٤ ب٣١ ح٧، والاحتجاج: ج٢ ص٤٩٥. والخرائج: ج٢ ص٩٠٢.

(١٠٥)

وفي يوم من الأيام كنت في حالة التوسل بالإمام المهدي (عليه السلام)، وإذا بي في عالم المكاشفة أرى الإمام المهدي (عليه السلام) واقفاً، وبجانبه جدار يشق عنان السماء، يقول: وفجأة أوشك الجدار أن ينهار، ولكنه لم ينهر، يقول: فأشار إليّ الإمام المهدي (عليه السلام) فقال: أنظر إلى هذا الجدار، هذا الجدار هو ذلك البلد، وهو بلد شيعتنا وموالينا، ونحن لم ندع ولن ندع هذا الجدار يسقط، ونحافظ عليه بإصبعنا، وفعلاً ذلك البلد التابع لأهل البيت (عليهم السلام) تعرض لمؤامرات كبيرة ولكن بقي محفوظاً..
نسال الله تعالى أن لا يحرمنا لطف الإمام المهدي (عليه السلام) وعنايته.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

(١٠٦)

(١٠) لماذا يرفضون الإيمان بالمهدي (عجل الله تعالى فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾(٩٤).
نشير اليوم بإذن الله تعالى إلى جانب من جوانب البحث حول الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وهذا الجانب عبارة عن العوامل الكامنة وراء رفض فكرة المهدي المنتظر (عليه السلام) من قبل البعض، نشير إلى أحد هذه العوامل وهو:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٤) سورة هود: ٨٦.

(١٠٧)

التعصبات العمياء:
التعصبات العمياء، ونمهد لهذا العامل بمقدمة:
وهذه المقدمة هي: أن القضايا العقائدية على نوعين:
عقائديات عامة:
النوع الأول: قضايا عقائدية عامة، لا تختص بمذهب معين، وإنما تعم جميع المسلمين، المسلم بما هو مسلم يجب أن يذعن لهذه العقائد، لأن هذه العقيدة ليست عقيدة شيعية أو حنفية أو حنبلية أو شافعية أو مالكية، هذه عقيدة إسلامية عامة..
المسلم بما هو مسلم، باعتبار أنه يؤمن بالله، وبخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) يجب أن يؤمن بهذه العقيدة، هذا النوع الأول..
عقائديات خاصة:
النوع الثاني: القضايا العقائدية الخاصة: التي تختص بمذهب معين..
الذين يظنون أو يتوهمون أن فكرة المهدي المنتظر (عليه السلام) من القضايا العقائدية الخاصة، هؤلاء إما جاهلون (الناس أعداء ما جهلوا)، وأما معاندون:

(١٠٨)

﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا﴾(٩٥).
فإذا رأينا علماً أخضر وقد كتب عليه (يا قائم آل محمد) فهذا ليس شعار الشيعة فقط، وإنما هذا الشعار يجب أن يكون لكل المسلمين بما هم مسلمون، لا للشيعة فقط بما هم شيعة..
كثرة الروايات المهدوية:
كم من خبر وحديث يوجد حول المهدي المنتظر (عليه السلام) من كتب الشيعة ومن كتب غير الشيعة؟
المحققون أحصوا أكثر من ستمائة خبر.
هذا والفقهاء في إثبات الأحكام الشرعية إذا وجدوا خبراً واحداً معتبراً، وإن لم يكن متواتراً، اكتفوا به، فالخبر الواحد المعتبر يكفي لإثبات حكم من الأحكام الشرعية، ووجب على المسلمين أن يعملوا بمضمون هذا الخبر المعتبر..
فكيف بروايات المهدي المنتظر (عليه السلام) وهي بهذه الكثرة.
وأكثر من مائة وسبعة من هذه الأخبار روتها المذاهب الأربعة، رواها رجال المذاهب الأربعة: رواها أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، ومسلم في صحيحه، والبخاري في صحيحه، مع أن البخاري كان رجلاً متشدداً جداً، يعني أي شيء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٥) سورة النمل: ١٤.

(١٠٩)

يرى أو يشم منه رائحة التشيع لا يذكره في كتابه، ولكن في هذه القضية لم يستطع إلا الإذعان بهذا الأمر..
في البخاري، باب نزول عيسى (عليه السلام) تجدون الروايات التي تدل على المهدي المنتظر (عليه السلام).
كثير من علماء العامة ألفوا كتباً خاصة حول المهدي المنتظر (عليه السلام):
أحدهم: الشافعي، عنده كتاب اسمه: (البيان في أخبار صاحب الزمان).
والآخر: السيوطي، عنده كتاب اسمه: (العرف الوردي في أخبار المهدي).
وابن حجر، هذا العالم المعروف بتعصبه ضد الشيعة، عنده كتاب اسمه: (المختصر في علامات المهدي المنتظر).
والتويجري، له كتاب مطبوع في الرياض اسمه: (إقامة البرهان حول الإمام الحجة)..
إذن هذه عقيدة إسلامية عامه، وليست عقيدة شيعية فقط..

(١١٠)

كلمات من أبناء العامة:
نذكر هنا كلمتين من عالمين من علماء العامة، كانا في عصرنا:
أحدهما: المولودي، عنده كتاب عنوانه: (البيانات)، يقول في هذا الكتاب:
(إن روايات خروج المهدي تحمل حقيقة أساسية هي القدر المشترك فيها، وهي أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أنه سيظهر في آخر الزمان زعيم عامل بالسنة يملأ الأرض عدلاً ويمحو عن وجهها أسباب الظلم والعدوان ويعلن فيها كلمة الإسلام).
الثاني: ابن باز، هذا من علمائهم الذي توفي قبل فترة، وكان آخر الذين أفتوا بهدم البقيع، كان هذا الرجل يقول: إن أمر المهدي أمر معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق..
ومع هذه الكمية الضخمة من الأحاديث، ترى يأتي رجل وينكر قضية المهدي المنتظر (عليه السلام) لماذا؟ لأن الشيعة يعتقدون بذلك.. ولذلك ينكرون هذه العقيدة! هذه هي حالة التعصب وهي حالة خطيرة.
وليس التعصب عند البعض في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) فحسب، بل هذا خط عام عند أكثرهم: (لأن الشيعة يعتقدون بهذا، إذن نحن نرفضه)..

(١١١)

نماذج من التعصب:
ونذكر مجموعة من النماذج حتى يتبين أن هذا خط عام عندهم وفي قضايا عديدة:
١. الغزالي، من كبار علمائهم يقول: إن السنة واردة بترفيع القبور، ولكن لما فعلتها الرافضة تركناها وقلنا بالتسنيم.
٢. والغزالي أيضاً يقول: حج التمتع أفضل من حج القران والإفراد، ولكن لما استعملته الرافضة تركناه.
٣. محمد بن علي المغربي، يقول: إن زيداً (ابن علي بن الحسين السجاد عليهما السلام) كبّر خمساً على جنازة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكبرها وقال بها بعض الناس، إلاّ أنه مكروه لأن زيداً علم على الرفض.
٤. الزمخشري: في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ﴾(٩٦)، يقول: بمقتضى هذه الآية يجوز الصلاة على أخيار المسلمين إلا أن جماعة الشيعة لما اتخذوا أئمة وصلّوا عليهم منعنا ذلك.
٥. عبد اللطيف المناوي، يقول: ذكر أبو داود (أحد أصحاب الصحاح الستة) أن النبي (صلى الله عليه وآله) عمم أبا عوف وسدلها بين يديه ومن خلفه وصار اليوم شعار فقهاء الإمامية فينبغي اجتنابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٦) سورة الأحزاب: ٤٣.

(١١٢)

وقالوا: النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين من غير سفر ولا مطر، ولا عذر، ولكن الشيعة يجمعون بين الصلاتين إذن نحن لا نجمع بين الصلاتين.
هل هذا منطق؟!
هذا يعبر عن خط معاند للحق، لا نقول كلهم، ولكن هكذا يكون الذين يعاندون.
العقيدة الإسلامية العامة:
عقيدة المهدي المنتظر (عليه السلام) عقيدة إسلامية عامة، إذا أنكرها شخص يعني أنكر ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى‏ ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبيلِ المُؤْمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصيراً﴾(٩٧).
(من يشاقق الرسول) يعني هو في شق والنبي (صلى الله عليه وآله) في شق آخر، النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: يوجد مهدي، وهو يقول: لا يوجد مهدي!..
هذا الشيء بحاجة إلى إعادة نظر، بحاجة إلى تثبت، فالأعلام الخضراء التي تدعو إلى الإمام الحجة (عليه السلام) لا ينبغي أن تكون شعار الشيعة فقط، بل ينبغي أن تكون شعار غير الشيعة أيضاً، ليس نحن فقط نتحدث عن المهدي المنتظر (عليه السلام)، بل هم أيضاً يلزم أن يتحدثوا عن المهدي المنتظر (عليه السلام)، لأن الله تعالى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٧) سورة النساء: ١١٥.

(١١٣)

تحدث عنه في كتابه الكريم، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) تحدّث عنه، هذا ليس خاص بالشيعة فقط..
النتيجة: ما ذكرناه من التعصبات المذهبية العمياء هي أحد العوامل الكامنة وراء رفض وإنكار فكرة المهدي المنتظر (عليه السلام).
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

(١١٤)

(١١) معطيات الدعاء للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
الرابطة مع الإمام المهدي (عليه السلام) هي مفتاح سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وهذه الرابطة لها شعب مختلفة، نتحدث حول ذلك ضمن محاور ثلاثة:
١ - لماذا الدعاء للإمام؟
المحور الأول: لماذا الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)؟
هل الإمام (عليه السلام) محتاج إلى دعائنا؟
وما هي قيمة دعائنا لولي الله الأعظم؟

(١١٥)

نجيب على ذلك بجوابين على نحو الإجمال والاختصار:
الجواب الأول:
الدعاء للإمام الحجة (عليه السلام) نوع من أنواع شكر المنعم..
وربما يسأل سائل: هل الله تعالى هو المنعم أم الإمام الحجة (عليه السلام)؟
الجواب: إن الله هو المنعم، والإمام الحجة (عليه السلام) هو المنعم أيضاً، ولكن إنعام الإمام الحجة (عليه السلام) في طول إنعام الله تعالى..
وهذا موجود في القرآن الكريم.. حيث يقول الله سبحانه: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾(٩٨).
فأيهما هو المنعم الله أم النبي؟ الجواب: الله والنبي ولا منافاة بينهما...
فالدعاء للإمام الحجة (عليه السلام) شكل من أشكال شكر المنعم..
وجاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام): (وأما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله (عزَّ وجلَّ)).
كم من الأفراد الذين لهم حقوق علينا، كل آبائنا إلى آدم، وجميع أمهاتنا إلى حواء، لهم حقوق علينا، لأن هؤلاء وقعوا في طريق العلل الوجودية لوجودنا، فإذا أردنا أن نؤدي جزءاً من حقهم فيجب أن ندعو لهم.. فنقول مثلاً: اللهم اغفر لوالديّ إلى آدم ولمن وجب حقه علي..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٨) سورة الأحزاب: ٣٧.

(١١٦)

فالذي له حق عليك يلزم أن تشكره وتدعو له حتى وإن كان الحق متواضعاً جداً.. فكيف بالإمام الحجة (عليه السلام) الذي كل ما عندنا منه، حيث ورد في الزيارة المطلقة الأولى لسيد الشهداء (عليه السلام): (إِرَادَةُ الرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ...)(٩٩).
وأيضاً في زيارته (عليه السلام): (وَبِكُمْ تُنْبِتُ الْأَرْضُ أَشْجَارَهَا وبِكُمْ تُخْرِجُ الْأَشْجَارُ أَثْمَارَهَا وبِكُمْ تُنْزِلُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا ورِزْقَهَا...)(١٠٠).
فكل شجرة تنبت ببركة الإمام الحجة (عليه السلام)، وكل نَفَس نتنفسه فهو ببركة الإمام الحجة (عليه السلام)، وكل علم نكتسبه هو ببركة الإمام الحجة (عليه السلام)..
وهذا أقل مظهر من مظاهر شكر المنعم: أن ندعو له..
إذن الجواب الأول هو: الدعاء للإمام الحجة (عليه السلام) كالدعاء لكل منعم، فالدعاء للإمام (صلوات الله عليه) يمثل مظهراً من مظاهر شكر المنعم..
الجواب الثاني:
هو ما ورد في الأحاديث الشريفة:
إن لله سبحانه وتعالى لوحان: لوح المحو والإثبات، واللوح المحفوظ.
وبعبارة أخرى، ربما نتمكن أن نعبر بهذا التعبير: إن في هذا الكون هنالك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٩) الكافي: ج٤ ص٥٧٧ باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ح٢.
(١٠٠) الكافي: ج٤ ص٥٧٥ باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ح٢.

(١١٧)

(قضايا حملية) ونظام الكون يدور حول تلك القضايا الحملية.
فإذا لم يكن عندنا قضايا حملية يختل نظام هذا الكون، مثلاً: الشمس تطلع غداً، هذه قضية حملية.
ولكن إلى جانب القضايا الحملية عندنا (قضايا شرطية)، مثلاً: الأنسان إذا تزوج يحصل على أولاد، أما إذا لم يتزوج لا يحصل على أولاد، هذه قضية شرطية..
وقضية ظهور الإمام الحجة (عليه السلام) كما يبدو من بعض الروايات تدخل ضمن الأمور الموقوتة، وتوقيتها ليس أصلها بل ظهورها..
في رواية يقول الراوي للإمام (عليه السلام): أخاف أن يحصل البداء في أصل ظهور الإمام (عليه السلام)؟
فيقول الإمام (عليه السلام): كلا، لا يحصل البداء، لأن هذا من الميعاد، والله تعالى لا يخلف الميعاد..
أما التوقيت فيدخل ضمن القضايا الشرطية.. فإذا دعونا الله تعالى أن يعجل في ظهور الإمام، فالله سبحانه يعجله إن شاء الله..
أحد الخطباء في مجال آخر كان يمثل بمثال لطيف، قال: البيت له عمر طبيعي، مثلاً يعمر مائتي عام، ولكن بعمليات الصيانة قد يعمّر أربعمائة عام.. والشخص حسب المعادلات الطبيعية ربما يعيش ثمانين عاماً، فإذا قطع رحمه أو شتم أمه أو عقّ أباه يتحول عمره من ثمانين إلى عشرين عاماً.
ومن الممكن وطبق المسار الطبيعي، أن يظهر الإمام الحجة (عليه السلام) بعد مليون عام، ولكن إذا دعونا وتوسلنا وأصررنا فيمكن أن يظهر بعد عام واحد.

(١١٨)

الفرج عن بني إسرائيل:
هنالك رواية مروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) مذكورة في تفسير العياشي، وفي بحار الأنوار نقلاً عنه، يقول الإمام (عليه السلام):
(فَلَمَّا طَالَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَذَابُ ضَجُّوا وبَكَوْا إِلَى اللهِ تَعَالَى أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى وهَارُونَ: يُخَلِّصُهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ، فَحَطَّ عَنْهُمْ سَبْعِينَ ومِائَةَ سَنَةٍ... قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) هَكَذَا أَنْتُمْ لَوْ فَعَلْتُمْ لَفَرَّجَ اللهُ عَنَّا، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُونُوا فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهَاهُ)(١٠١).
فإذا كان الله قدر للإمام الحجة (عليه السلام) أن يظهر بعد مليون عام مثلاً، فإنه يظهر بعد مليون عام.. ولكن يلزم مثلاً عشرة مليارات دعاء لتعجيل الفرج، حتى يظهر الإمام في وقت أقرب يحدده الله (عزَّ وجلَّ)..
هذا هو الجواب الثاني: إن الدعاء للإمام (عليه السلام) يعتبر من العوامل المؤثرة في لوح المحو والإثبات..
هذا هو المحور الأول..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠١) مستدرك الوسائل: ج٥ ص٢٣٩ ب٣٦ ح٥٧٧٣.

(١١٩)

٢ - التوفيق بين الدعاء وبين النهي عن التعجيل:
المحور الثاني: كيف يمكن التوفيق بين الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) وبين الروايات الناهية عن تعجيل الظهور.
مثلاً: هنالك دعاء مروي عن الإمام المهدي (عليه السلام) نقل بواسطة النائب الأول عثمان بن سعيد: (وَثَبِّتْنِي عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ أَمْرِكَ الَّذِي سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقِكَ، وَبِإِذْنِكَ غَابَ عَنْ بَرِيَّتِكَ، وَأَمْرَكَ يَنْتَظِرُ، وَأَنْتَ الْعَالِمُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ بِالْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ أَمْرِ وَلِيِّكَ فِي الْإِذْنِ لَهُ بِإِظْهَارِ أَمْرِهِ وكَشْفِ سِرِّهِ، فَصَبِّرْنِي عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لاأُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَلا كَشْفَ مَا سَتَرْتَ، وَلا الْبَحْثَ عَمَّا كَتَمْتَ، وَلا أُنَازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ، وَلا أَقُولَ لِمَ وكَيْفَ ولا مَا بَالُ وَلِيِّ الأَمْرِ لايَظْهَرُ وَقَدِ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْجَوْرِ، وَأُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا إِلَيْكَ)(١٠٢).
وفي رواية أخرى: إن الإمام (عليه السلام) قال لرجل: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والفقر أحب إلي من الغنى، والمرض أحب إليّ من العافية.
فقال الإمام (عليه السلام): أما نحن فإن اختار الله لنا الفقر أحببنا الفقر، وإن اختار الله لنا الغنى أحببنا الغنى..
وهذا مقتضى العبودية، أن تكون إرادة العبد تابعة لإرادة مولاه.
فمعنى هذه الرواية: أن لا نحب تعجيل ما أخّره الله.. فكيف نوفق بين ذلك وبين الدعاء بالفرج؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٢) بحار الأنوار: ج٥٣ ص١٨٧ ب٣١ ح١٨.

(١٢٠)

أنواع الاستعجال:
الجواب: هو أن الاستعجال على نوعين:
أولاً: الاستعجال المذموم، وهو طلب حصول الشيء قبل حضور وقته على خلاف الحكمة..
ثانياً: الاستعجال الممدوح، وهو طلب حصول الشيء في أول أزمنة الإمكان، لأنه كما مضى البحث في هذا الموضوع: التقادير الإلهية كثير منها متحرك، لها أمد ولكنها متحركة، وهنالك أوقات مختلفة يمكن أن يقع فيها التقدير الإلهي كما قلنا في ما مضى أن اليهود كان مقدراً لهم أن يعيشوا العذاب ولكن هذه الفترة لم تكن ثابتة بل كانت متحركة، فدعوا الله وضجوا إليه تعالى فخفّف عنهم أمد العذاب..
فإذن نحن نطلب من الله تعالى أن يعجل زمن الظهور في أول أزمنة الإمكان، فهذا الدعاء وهذا الطلب لا ينافي ما ورد من ذم الاستعجال في الروايات.. هذا هو البحث الثاني: كيف نوفق بين الدعاء والروايات الناهية عن الاستعجال.

(١٢١)

٣ - من فوائد الدعاء للإمام:
المحور الثالث: ما هي فوائد الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)؟
الفوائد كثيرة ولكن نشير إلى بعضها:
الفائدة الأولى: تعجيل الفرج للمؤمنين:
هنالك سؤال مطروح حول بعض أدعية شهر رمضان..
فنحن ندعو كما في الدعاء: (اللهُمَّ أغْنِ كُلَّ فَقِير)(١٠٣).
قيل: هذا الدعاء لا يستجاب، لأن الله لا يغني كل فقير، أي جميعهم.
وندعو أيضاً: (اللّهُمَّ أَشْبِعْ كُلَّ جَائِع)(١٠٤)، وهذا دعاء لا يستجاب أيضاً.. فهل الله يشبع كل جائع؟ كلا.. الله تعالى لا يشبع كل جائع.. حكمته لا تقتضي ذلك..
فإذن كيف ندعو بدعاء لا يستجاب؟
الجواب: هو أن هذا الدعاء في الواقع هو دعاء لتعجيل الفرج، لأن في عهد الإمام المهدي (عليه السلام) يُشبَع كل جائع ويُغنى كل فقير، فعند ما نقول: (اللَّهُمَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٣) مستدرك الوسائل: ج٧ ص٤٤٧ ب١٤ ح٨٦٢٣.
(١٠٤) مستدرك الوسائل: ج٧ ص٤٤٧ ب١٤ ح٨٦٢٣.

(١٢٢)

أَشْبِعْ كُلَّ جَائِع... اللّهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقِير) يعني اللهم عَجِّلْ لِوَلِيكَ الْفَرَجَ..
وفي الواقع عندما ندعو بتعجيل الفرج ندعو بكل خير عام، جميع الخيرات العامة منطوية في هذا الدعاء..
وهنالك حديث يذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه (الغيبة) وهو بتوقيع الإمام الحجة (عليه السلام): (وَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ بِتَعْجِيلِ الْفَرَجِ فَإِنَّ ذَلِكَ فَرَجُكُمْ)(١٠٥).
هذه الفائدة الأولى: تعجيل الفرج للمؤمنين..
الفائدة الثانية: النجاة من الهلكة:
هنالك رواية مروية في (بحار الأنوار)، وفي (كمال الدين وتمام النعمة) عن الإمام العسكري (عليه السلام): (وَاللهِ لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لَا يَنْجُو فِيهَا مِنَ التَّهْلُكَةِ إِلاّ مَنْ يُثْبِتُهُ اللهُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ ووَفَّقَهُ لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ فَرَجِهِ) (١٠٦).
هذه هي الفائدة الثانية: وهي النجاة من الهلكة..
الفائدة الثالثة: دعاء الإمام في حق الداعي له:
نحن إذا دعونا للإمام المهدي (عليه السلام) فسيدعو الإمام المهدي (عليه السلام) لنا أيضاً..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٥) بحار الأنوار: ج٥٢ ص٩٢ ب٢٠ ح٧.
(١٠٦) بحار الأنوار: ج٥٢ ص٢٣ ب١٨ ح١٦، وكمال الدين: ج٢ ص٣٨٤ ب٣٨ ح١.

(١٢٣)

يقول الله تعالى: ﴿وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها﴾(١٠٧).
وفي (تفسير القمي) يقول: التحية يعني السلام وغيره من البرّ، فإذا نحن دعونا للإمام (عليه السلام)، فالإمام (عليه السلام) قطعاً يرد لنا الدعاء..
هذه هي الفائدة الثالثة: دعاء الإمام (صلوات الله عليه) في حق الداعي له..
الفائدة الرابعة: الفوز بشفاعته يوم القيامة:
بحث الشفاعة بحث مطول ولكن نشير إليه إجمالاً:
الشفاعة يوم القيامة تتوقف على وجود رابطة بين الشافع والمشفوع له، وكلما كانت هذه الرابطة أقوى كان هذا الفرد أقرب إلى الشفاعة..
وفي حديث عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله):
قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ إِلَّا رَدَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَيْهِ مِثْلَ الَّذِي دَعَا لَهُمْ بِهِ مِنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ مَضَى مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ أَوْ هُوَ آتٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُسْحَبُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ: يَا رَبُّ هَذَا الَّذِي كَانَ يَدْعُو لَنَا فَشَفِّعْنَا فِيهِ، فَيُشَفِّعُهُمُ اللهُ (عَزَّ وجَلَّ) فِيهِ فَيَنْجُو»(١٠٨).
هذه الرواية مذكورة: في الكافي الشريف..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٧) سورة النساء: ٨٦.
(١٠٨) الكافي: ج٢ ص٥٠٧ - ٥٠٨ باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب ح٥.

(١٢٤)

مؤمن تدعو له فيشفع لك يوم القيامة.. فرابطة الدعاء من عوامل الشفاعة، فكيف بالدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)؟
هذه الفائدة الرابعة: الفوز بشفاعته (صلوات الله عليه) يوم القيامة..
الفائدة الخامسة: الرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره:
عن الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية مضمونها: ما من مؤمن يتمنى خدمته ويدعو لتعجيل فرجه إلا أتاه آتٍ على قبره وناداه باسمه: يا فلان قد ظهر صاحب الزمان فإن شئت فقُم واذهب إلى حضرة الإمام، وإن شئت فنم إلى يوم القيام، فيرجع إلى الدنيا خلق كثيرون، ويولد لهم من نسلهم بنون..
وهنالك دعاء من دعا به أربعين صباحاً كان من أنصاره (عليه السلام) وإن مات قبل ظهوره أحياه الله تعالى حتى يجاهد معه، وهو دعاء العهد..
هذه الفائدة الخامسة: الرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره..
الفائدة السادسة: طول العمر:
في مكارم الأخلاق: روي أن من دعا بهذا الدعاء عقيب كل فريضة وواظب على ذلك، عاش حتى يمل الحياة، ويتشرف بلقاء صاحب الأمر (عجل الله فرجه) وهو:

(١٢٥)

«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ إِنَّ الصَّادِقَ الأَمِينَ (عليه السلام) قَالَ إِنَّكَ قُلْتَ: مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْ‏ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ لِوَلِيِّكَ الْفَرَجَ وَالْعَافِيَةَ وَالنَّصْرَ، وَلا تَسُؤْنِي فِي نَفْسِي وَلا فِي أَحَدٍ مِنْ أَحِبَّتِي» إِنْ شِئْتَ أَنْ تُسَمِّيَهُمْ وَاحِداً وَاحِداً فَافْعَلْ، وإِنْ شِئْتَ مُتَفَرِّقِينَ وإِنْ شِئْتَ مُجْتَمِعِين، قَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ لَقَدْ عِشْتُ حَتَّى سَئِمْتُ الْحَيَاةَ»(١٠٩).
وقد اعتمدنا اعتماداً كبيراً في هذا البحث على كتاب: (مكيال المكارم) وقد ذكر تسعين فائدة، ونحن أشرنا إلى البعض منها..
نعم إحدى الأشياء التي يلزم أن نواظب عليها دائماً هي الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)..
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٩) مكارم الأخلاق: ص٢٨٤.

(١٢٦)

(١٢) وجود الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾(١١٠).
نتحدث اليوم بإذن الله تعالى حول وجود الإمام الحجة (عليه السلام)، وهل للإمام الحجة (صلوات الله عليه) وجود في التاريخ؟
وهل هنالك شخص في التاريخ يسمى (م ح م د) وهو ابن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٠) سورة هود: ٨٦.

(١٢٧)

وهل لهذه الشخصية وجود في الواقع، أم أنها شخصية خيالية لاوجود لها، وإنما نسجتها الأوهام كما يزعمه البعض؟
نحن في هذا البحث نكتفي فقط بتلاوة بعض الاعترافات والإقرارات التي تتعلق بوجود الإمام المهدي (عليه السلام)، بمعنى أن هنالك شخصاً في التاريخ يسمى بهذا الاسم، اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه وُلد للإمام العسكري (عليه السلام) هذا المولود.
أهمية هذه الإقرارات:
وقبل أن نتلو هذه الاعترافات والإقرارات، لا بأس بالإشارة إلى أن هذه الاعترافات ليست اعترافات عادية، وإنما هي اعترافات لها قيمتها الاستثنائية الكبيرة.
لأن الذي يعترف بشيء من الأشياء:
تارة: يكون له مصلحة في هذا الاعتراف.
وتارة: يعترف بشيء من الأشياء وليس له مصلحة فيه، فهذا الاعتراف يجعله أقرب الى الحقيقة.
وتارة ثالثة وهو الأهم: يعترف بشيء وله مصلحة مضادة في هذا الاعتراف، يعني يكون الاعتراف بضرره وعلى عكس مصلحته، فهذا الاعتراف له قيمة عالية جداً.
لذلك إذا يراجع كتاب الإقرار في (الفقه) أو في (القانون):
فمرة يقول الشخص: أنا أطلبك ألف دينار. فهذا إقرار لنفسه، يمكن أن يكون

(١٢٨)

في هذا الاعتراف صادقاً، ويمكن أن لا يكون صادقاً.
ومرة يقول شخص محايد: زيد يطلب عمراً ألف دينار، وهذا ليس له مصلحة في القضية، هذا اعترافه وإقراره له قيمة أكبر من الإقرار الأول.
ومرة يقول شخص له مصلحة مضادة: زيد يطلبني ألف دينار، فهذا يعترف على نفسه، واعترافه هذا تكون له قيمة جداً كبيرة.
هؤلاء الذين اعترفوا بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) بالوجود المادي، أي إنه كان شخص في التاريخ بهذا الاسم وهذه المواصفات، هؤلاء لم يكونوا من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، وكان هؤلاء من الذين لا يعترفون بإمامه أهل البيت (صلوات الله عليهم)، فإذن اعترافهم يكون له قيمة كبيرة، لأنه اعتراف شخص له مصلحة مضادة.
ونحن نذكر جملة من هذه الاعترافات والإقرارات:
إقرارات علماء العامة بوجود الإمام المهدي (عليه السلام):
الاعتراف الأول: ابن الصباغ المالكي:
ابن صباغ من علماء العامة، وليس من الشيعة، ولا الاثني عشرية، هذا رجل مالكي من أتباع مالك بن أنس، يقول في كتابه: (الفصول المهمة) في الباب الثاني عشر:
ولد أبو القاسم م ح م د ابن الحسن الخالق (الخالق: من القاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)) بسر من رأى (سامراء) في النصف من شعبان، لسنة مائتين

(١٢٩)

وخمسة وخمسين للهجرة..
إذن هذا العالم المالكي يعترف في كتابه أن لهذه الشخصية وجوداً في التاريخ..
الاعتراف الثاني: سبط ابن الجوزي:
ابن الجوزي عالم ليس من علماء الإمامية، هو حنفي من أتباع أبي حنيفة، له كتاب معروف اسمه: (تذكره الخواص) يقول في الصفحة: ثلاثمائة وثلاث وستين:
(وأولاده - يعني أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - م ح م د).
إذن هذا العالم الحنفي يعترف بأن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) له ولد يحمل هذا الاسم المبارك..
الاعتراف الثالث: ابن حجر:
ابن حجر عالم معروف بالتعصب ضد الشيعة، وكتب كتابه: (الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة) يعني بهم الشيعة بحسب زعمه،
في كتابه هذا وفي الصفحة: مائة وسبعة وعشرين، يذكر الإمام الحادي عشر ثم يقول:
(ولم يخلف) - يعني الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - (إلاّ واحداً: أبا القاسم م ح م د، وعمره عند وفاة أبيه: خمسة سنوات).

(١٣٠)

الاعتراف الرابع: سليمان القندوزي:
القندوزي عالم حنفي يقول في كتابه: (ينابيع المودة) صفحة: أربعمائه وتسعة وأربعين:
(الخبر المعلوم المحقق عند الثقاة، أن ولادة قائم كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة مائتين وخمسة وخمسين في بلدة سامراء).
الاعتراف الخامس: الشبلنكي:
وهذا عالم من علماء الشافعية، ومن أتباع الشافعي يقول في كتابه: (نور الأبصار) صفحة: مائة وخمس وثمانين: (وكانت وفاة أبي محمد الحسن بن علي في يوم الجمعة، لثمان من شهر ربيع الأول، لسنة مائتين وستين للهجرة، وخلف من الولد م ح م د).
الاعتراف السادس: ابن خلكان:
وهو من علمائهم، عنده كتاب اسمه: (وفيات الأعيان)، يقول فيه: (كانت ولادته يوم الجمعة في شهر شعبان سنة مائتين وخمسة وخمسين، ولما توفي أبوه كان عمره: خمس سنوات، واسم أمه: خمص، وقيل نرجس).

(١٣١)

هذه ستة اعترافات من كبار علماء السنة حول وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وأنه شخص في التاريخ يحمل هذا الاسم، اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولا تقتصر الاعترافات على هذه الستة فقط، فلو لم يكن لدينا إلاّ اعتراف واحد لكفانا، لأن هؤلاء ليس لهم مصلحة في ذلك، بل المصلحة مضادة وعلى خلافهم، فاعترافاتهم لها قيمة كبيرة.
وفي كتاب: (المهدي الموعود المنتظر) للشيخ نجم الدين السكري، ذكر في كتابه اسم أربعين عالماً من علماء السنة الذين أقروا بوجود الإمام الحجة (عليه السلام).
وفي كتاب: (منتخب الأثر) للشيخ لطف الله الصافي (دام ظله) يذكر اسم: ستة وعشرين عالماً من علماء السنة الذين اعترفوا بوجود الإمام الحجة (عليه السلام)..
كم اعترافاً صار عندنا؟
أربعون في كتاب (المهدي الموعود المنتظر)، وستة وعشرون في كتاب: (منتخب الأثر)، فأصبح لدينا: ستة وستون عالماً من علماء السنة وهم يعترفون بأن هذا الشخص - الإمام المهدي (عليه السلام)) له وجود في التاريخ..
هذا الجانب الأول من البحث..

(١٣٢)

حديث: الخلفاء اثنا عشر:
الجانب الثاني من البحث: هو حديث الأئمة الاثني عشر: (يأتي بعدي اثنى عشر إماماً كلهم من قريش).
هذا حديث قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله).
كم طريقاً يوجد لهذا الحديث؟
مائتان وسبعون طريقاً، وممن نقل هذا الحديث بألفاظه المختلفة: (فيكون بعدي أثني عشر إماماً)، أو (خليفةً، أو (أميراً) البخاري، الذي يكون كتابه عندهم أصح كتاب بعد كتاب الله (عزَّ وجلَّ).
وكذلك صحيح مسلم نقل هذا الحديث.
وصحيح الترمذي نقله أيضاً.
والحاكم في المستدرك.
وغيرهم(١١١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١١) روي هذا الحديث المتواتر بألفاظ متقاربة ومضمون واحد، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يكون بعدي اثنا عشر أميرا) أو (خليفة) أو (لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة) أو (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش أو من بني هاشم) أو (الخلفاء بعدي اثنا عشر) أو (الأئمة بعدي اثنا عشر)، أخرجه علماء الاسلام على اختلاف ألفاظه في كتبهم: أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، والترمذي وأبو داود في سننهما، وأحمد في مسنده بطرق كثيرة، ورواه في تيسير الوصول ومنتخب كنز العمال وتأريخ بغداد للخطيب وتأريخ الخلفاء للسيوطي وينابيع المودة والمستدرك للحاكم، نقلوه عن جابر بن سمرة وجحيفة وعبد الله بن عمر وابن مسعود وعائشة، كما نقله في منتخب الأثر: ص١٠ وبعدها، وراجع أيضا أخبار القضاة للوكيع ٣: ١٦، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: ٥١٨، والصراط المستقيم ٢: ٩٨ وما بعدها والصواعق: ٢٠ و١٨٩ وراجع البحار ٣٦: ٢٢٦ وما بعدها، وإثبات الهداة ١: ٤٣٣ وما بعدها فإنهما جمعا الحديث بألفاظه المختلفة من طرق الفريقين بما ينيف على أربعمائة حديث، وراجع مسند أحمد: ج١ ص٣٩٨ و٤٠٦ وج٥ ص٨٦ - ٨٨ و٩٠ و٩٢ بأسانيد وص: ٩٣ و٩٤ و٩٧ و٩٨ بأسانيد وص ٩٩ و١٠١ بسندين وص ١٠٦ بسندين وص ١٠٧ و١٠٨ بأسانيد.

(١٣٣)

والآن يكفينا فقط رواية البخاري المتشدد جداً في نقل الأحاديث، حيث كان البخاري يحذف الحديث الذي يستشعر منه أنه ضدهم أو يحذف المقطع منه..
نقطة مهمة:
ونشير إلى نقطة مهمة وهي:
إن البخاري كان قد عاش قبل الإمام الحجة (عليه السلام)، فلا يمكن لشخص أن يقول: إن هذا الحديث متأثر بواقع قائم، يعني بعد ما صار الأئمة أثنى عشر أتى شخص واخترع هذا الحديث ثأثراً بالواقع الموجود، هذا الكلام واضح البطلان، لأن البخاري قبل الإمام الثاني عشر، البخاري كان معاصراً للأمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عليهم السلام)، البخاري كتب هذا الحديث قبل أن يكتمل عدد الأئمة ويصبحوا اثني عشر..
إذن هذا الحديث ليس متأثراً بالواقع الخارجي، بل هو سابق على الواقع

(١٣٤)

الموجود، فهذا الحديث إخبار رباني إلهي عن حقيقة سوف تتحقق وتتجسد فيما بعد.
من هم الأئمة الاثنا عشر:
وهنا نسأل علماء العامة ونقول لهم: من هؤلاء الأئمة الاثنى عشر؟
يقولون: لا نعلم، أو تكون إجاباتهم متناقضة فيما بينهم..
ولا يمكن أن يكون لهذا الحديث مصداق صحيح إلاّ إذا اعترفنا بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) وأقررنا بإمامة الإمام المنتظر ومهدويته، هذا هو الجانب الثاني من البحث..
الشمس حين يُغيبها السحاب:
الجانب الثالث: وهذا ما ورد في الأحاديث الشريفة، إن الإمام الحجة (عليه السلام) كالشمس حين يغيبها السحاب، لها وجود لكن يمكن أن لا نراها، ويمكن أن تختفي علينا.
ونحن بقدر ما عندنا من النوافذ يمكننا أن نستفيد من هذا الوجود المبارك، إذا كان للشخص شباك صغير يستفيد بهذا المقدار، وإذا كان للشخص شباك أكبر يستفيد بذلك المقدار، وإذا كان شخص في عمارة ناطحة للسحاب، فيمكن أن لا تحجب عنه هذه الغيوم، فيرى الشمس ويستفيد منها استفادة مباشرة، فعنايه الإمام

(١٣٥)

المهدي ولطف الإمام المنتظر ورحمته (عليه السلام) تشمل جميع البشر، ولكن الفرد كلما كانت قابليته أكثر وتوجهه أكثر يستفيد أكثر..
الشيخ المتقي وتوسله بالإمام:
من الأشخاص الذين استفادوا من هذه العناية المباركة: الشيخ المتقي.
هذه القضية ينقلها الشيخ مرتضى الحائري (رحمه الله) عن الشيخ المتقي، يقول:
كانت للشيخ المتقي زوجة ابتليت بالشلل، وكلما راجعوا الأطباء لم ينفعها.
يقول الشيخ: وفي ليلة من الليالي وكانت ليلة الجمعة، تذكرت أن قبل فترة طلبت مني طفلتي وقالت: أذكر لي قصص الذين توسلوا بالإمام المهدي (عليه السلام)؟ يقول: فأخذت كتاب (النجم الثاقب) للمحدث النوري (رحمه الله)، وأخذت أنقل لها بعض تلك القضايا، قصص الذين شملتهم عناية الإمام الحجة (عليه السلام).
يقول: وفي تلك الليلة، ليلة الجمعة فكرت مع نفسي: أنا الذي نقلت هذه القصص لطفلتي، فلماذا لا أتوسل بالإمام المهدي (عليه السلام) لشفاء زوجتي.
يقول: فدعوت الله تعالى وتوسلت بالإمام المهدي (عليه السلام) بتضرع وخشوع، وقد نمت وعيني مليئة بالدموع، فاستيقظت في السحر على صوت ضوضاء يأتي من الطابق السفلي، فنزلت ورأيت ابنتي فقلت لها: ما هذه الضوضاء؟
قالت: لقد شفيت أمي.
يقول: أتيت فرأيت زوجتي في عافية تامة وليس فيها أي شيء، فقلت لها: ما

(١٣٦)

القضية؟!
قالت ابنتي: كنا نائمين في الغرفة، وإذا بنا نسمع أمنا تقول: قوموا ودّعوا الإمام (عليه السلام).. قوموا ودّعوا الإمام (صلوات الله عليه)، فتقول البنت: فأبطئنا قليلاً، وإذا بأمنا وكانت مريضة لا تتمكن من النهوض، قامت من السرير وأخذت تركض نحو خارج الدار، تقول: فقمنا خلفها فرأينا والدتنا في صحن الدار، فسألناها: ما الأمر، وكيف خرجت على رجليك؟
قالت الوالدة: هل أنا في يقظة أم في منام، هل أنا في وسط الدار حقيقة؟!
قلنا: إنكِ في عالم اليقظة.
قالت: أنا كنت نائمة، وإذا بشخص نوراني عليه سيماء الصالحين يدخل الغرفة، ويقول لي: قومي فقد شافاكِ الله.
فقلت: أنا مريضة لا أتمكن أن أقوم.
فقال الرجل: قومي لقد شوفيتي.
تقول: فأخذتني مهابة ذلك الرجل وعلمت بأنه الإمام (عليه السلام) فقمت وقلت لكم: قوموا ودّعوا الإمام، فأبطأتم أنتم، فركضت لتوديع الإمام (عليه السلام)، ورأيت أني قد تشافيت من شبه الشلل...
هذه المرأة كانت مصابة بمرض الروماتيزم من قبل خمس سنوات، وكلما راجعت الأطباء لم ينفع معها، ولكنها شوفيت ببركة التوسل بالإمام الحجة (عليه السلام)..
الشيخ الحائري يقول: الطبيب الذي كان يعالج هذه المرأة قال لي: لم يمكن

(١٣٧)

لهذه المرأة من الناحية العلمية أن تعالج، والذي حدث لها كان أمراً إعجازياً خارقاً للعادة..
نعم، إن هذا الباب مفتوح، فيلزم أن نحشر أنفسنا ضمن هذه الألوف وضمن هذه الزمرة التي توسلت بالإمام (عليه السلام) وتوجهت إليه، حتى يكون شفيعاً لنا عند الله (عزَّ وجلَّ) في قضاء حوائجنا الدنيوية والأخروية.
نسأل الله تعالى أن يعجّل له الفرج، ويسهّل له المخرج، ويجعلنا من أنصاره وأعوانه، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..

(١٣٨)

(١٣) ولاية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
الولاية ومعانيها:
حديثنا في هذا اليوم بإذن الله تعالى حول الولاية التكوينية للإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، التي ثبتت له وثبتت لآبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).
ومقدمة لهذا البحث: يلزم أن نحدد معاني الولاية حتى يتبين أي معنى من معاني هذه الولاية ثابتة للإمام المهدي (عليه السلام)..

(١٣٩)

ومفهوم الولاية له ثلاثة معان:
١ - الولاية الاعتبارية:
المعنى الأول: الولاية الاعتبارية: وهي التي تعبّر عن وجود علاقة اعتبارية بين الولي والمولى عليه.. أي إن الذي بيده الاعتبار جعل هذه العلاقة وقررها واعتبرها، نمثل بمثال لتقريب المعنى إلى الذهن:
الأب له ولاية على أولاده غير البالغين وغير الراشدين.. من الذي جعل واعتبر هذه الولاية؟
الجواب: الله تعالى جعل هذه الولاية للأب على أولاده غير البالغين وغير الراشدين، وهذه الولاية اعتبار إلهي واعتبار شرعي محدد بزمن معين وبكيفية معينة وضمن إطار معين:
فأولاً: الأب (وليست الأم، فإن الأم لا ولاية لها على أولادها ولا على بناتها) له ولاية اعتبارية على أولاده وهذه ليست دائمية، وإنما ما قبل مرحلة البلوغ والرشد.
ثانياً: ولاية الأب الاعتبارية ليست في أي مجال، بمعنى أن الأب لا يتمكن أن يعمل كلما أراد في حق أولاده، وإنما ولايته في إطار محدد: كبعض التصرفات المالية التي هي في صالح الطفل..
هذا المعنى الأول من معاني الولاية: وهي الولاية الاعتبارية..

(١٤٠)

٢ - الولاية الحقيقية الذاتية:
المعنى الثاني: الولاية الحقيقية الذاتية، والحقيقية بمعنى أنها ليست مجعولة، بل واقعية عينية، وهذه الولاية ذاتية، بمعنى أنها نابعة من الذات وليس لها مصدر خارجي..
ثم إن هذه الولاية الحقيقية الذاتية لمن؟
هل النبي (صلى الله عليه وآله) يملك هذه الولاية؟
هل الإمام المهدي (عليه اسلام) يملك هذه الولاية؟
هل أنبياء الله تعالى (عليهم السلام) يملكون هذه الولاية؟
الجواب: كلا.. لا يوجد مخلوق من المخلوقات يملك هذه الولاية، هذه الولاية فقط لله سبحانه وتعالى.. القرآن الكريم يقول: ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسي‏ نَفْعاً ولا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ﴾(١١٢)، كل الأنبياء والأولياء والأوصياء (عليهم السلام) ليس عندهم شيء من أنفسهم، بل كل ما عندهم هو من الله (عزَّ وجلَّ)، هذا المعنى الثاني للولاية، وهي الولاية الحقيقية الذاتية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٢) سورة الأعراف: ١٨٨.

(١٤١)

٣ - الولاية الحقيقية المكتسبة:
المعنى الثالث: الولاية الحقيقية المكتسبة، فممن مكتسبة هذه الولاية؟
الجواب: إنها مكتسبة من الله سبحانه، فما المانع أن الله تعالى يعطي ولاية تكوينية لبعض صفوته من الأنبياء والأولياء؟
لماذا البعض يستوحش من هذا الأمر؟
إذا قلنا إن الإمام المهدي (عليه السلام) له ولاية تكوينية، لماذا البعض لا يهضم هذا الشيء؟! يقولون: لا!! الولاية لله.. نعم الولاية لله، ولكن هذه ولاية ذاتية مكتسبة، فالله تعالى هو الذي يعطي هذه الولاية لعبد من عباده الأخيار..
ولتقريب المعنى:
ومما يقرب المعنى أنه نحن جميعاً لنا ولاية تكوينية نسبية، وهو في إطار ضيق جداً..
والله تعالى قد أعطانا هذه الولاية التكوينية المكتسبة، ولكن في ضمن حدود ضيقة جداً..
فمثلاً: نحن عندنا ولاية تكوينية على أيدينا، بتحريكها مثلاً.
فمن الذي يحرك هذه اليد؟ نحن، نعم التحريك هو بالقوة التي أعطاها الله لنا.
وهكذا الولاية على أرجلنا، وهي بالقوة التي أعطاها الله لنا حيث نحرك

(١٤٢)

أقدامنا.
أما الإنسان المشلول فليست له ولاية على يده أو قدمه، إن الله سلب منه هذه الولاية..
إذن في الواقع حتى الإنسان العادي، قد أعطاه الله سبحانه شيئاً من الولاية التكوينية الحقيقية النسبية لكنها مكتسبة، فما المانع من أن يوسع الله تعالى دائرة هذه الولاية لصفوته وأولياءه وخيرة خلقه، فيجعل أمور الكون بيد ولي من أولياءه (عليهم السلام)؟
الدليل القرآني:
والقرآن الكريم يدل على ذلك:
قال سبحانه: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾(١١٣).
إذن ولي قبض الأرواح في هذا الكون هو ملك الموت، وليس له بوحده أعطاه الله هذه الولاية، بل له ولأعوانه أيضاً، فإن لملك الموت أعواناً، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾(١١٤).
فالله تعالى هو الذي أعطى هذه الولاية لملك الموت، وهل الإمام المهدي (عليه السلام) أقل من ملك الموت؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٣) سورة السجدة: ١١.
(١١٤) سورة الأنعام: ٦١.

(١٤٣)

وفي آية أخرى قال سبحانه: ﴿فَالْمدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾(١١٥). المدبرات هم الملائكة، فهل الإمام المهدي (عليه السلام) أقل من الملائكة؟
إذن هذه الولاية التكوينية الحقيقية المكتسبة لا مانع من أن يعطيها الله تعالى لولي من أوليائه.
ومن يحب التفصيل أكثر في الأدلة العقلية والأدلة النقلية في هذا الجانب يمكن أن يراجع كتاب: (من فقه الزهراء عليها السلام) للسيد الوالد..
استفادة الكل على قدره:
ثم إن ببركه هذه الولاية التي هي الآن بيد الإمام المنتظر (عليه السلام) يمكن أن يستفيد كل فرد من بركات هذه الولاية بقدر قابليته..
مثلاً: الكل ينتفع من الشمس، فحياة جميع الكائنات الحية متوقفة على الشمس، ولكن إذا كان الإنسان في غرفته ينتفع منها بقدر معين، وعندما يفتح النافذة ينتفع منها بقدر أكبر، وعندما يخرج من غرفته ينتفع بقدر أكبر، فالقضية متعلقة بالإنسان نفسه..
وكلما كان الإنسان أطهر، كلما كان أبعد من التلوث بالذنوب، فينتفع بشكل أكثر من وجود المهدي المنتظر (عليه السلام)..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٥) سورة النازعات: ٥.

(١٤٤)

من آثار وجود الإمام:
وننتقل الآن إلى جانب آخر، وهو آثار وجود الإمام المهدي (عليه السلام) المبارك في حل القضايا الاجتماعية والفقهية..
وننقل قضيتين:
قصة التنباك:
القضية الأولى: نقلها سماحة الشيخ مرتضى الحائري (رحمه الله) الذي كان بطلاً من أبطال العلم والفضيلة والأخلاق، عن المرحوم السيد حسين الفشاركي (رحمه الله) في قضية التنباك، قال: إن الكفار جاءوا إلى إيران وأرادوا أن يستولوا عليها عن طريق الاقتصاد، لأنه كان هو المنفذ، وكان طريقهم التنباك والتبغ.
وكان المجدد الشيرازي الكبير (رحمه الله) متحيراً فيما يفعله في هذه القضية، وكان في كل ليلة يجلس مع الأعيان والعلماء والمجتهدين ويستشيرهم ليقرروا ما الذي يلزم أن يفعلوه، وكانوا يذكرون آراءهم ويسجلون الأضرار الممكنة التي تحصل تبعاً للفتوى، وكانوا قد اقترح ابعض على المجدد أن يحرم التنباك بالعنوان الثانوي دفعاً لضرر الأهم.
وبعد ما كان يجلس المجتهدون والعلماء ويسجلون كلماتهم وآراءهم، كان المجدد يذهب إلى الداخل ويدقق في تلك الكلمات والاقتراحات مرة ثانية بعمق

(١٤٥)

وتفكر.
يقول الشيخ مرتضى الحائري (رحمه الله): في ليلة من الليالي قال السيد حسين الفشاركي لأستاذه لمجدد الكبير: أنا أريد أن أراك بمفردك من دون أن يوجد أحد معنا.
فقال له المجدد: تفضل.
فجاء السيد الفشاركي إلى داخل البيت وقال للمجدد: أنت أستاذي ومعلّمي، ولك عليّ حقوق كثيرة، ولكن أرجو من جنابكم أن تسقط تلك الحقوق عني لدقائق، حتى أتكلم معكم بكل صراحة ومن دون ملاحظة علاقه الأستاذ والتلميذ والمعلِم والمتعلم؟
كان السيد المجدد مؤدباً جداً وذا أخلاق عالية، فقال له: تفضل.
فقال السيد الفشاركي للمجدد: مم تخاف يا سيدنا؟ هل تخاف أن يقتلك الأجانب والكفار، فما أحسن القتل في سبيل الله بعد عمر قضيته في الصلاح والتقوى وتربية التلاميذفما المانع، لماذا لا تفتي؟
فقال المجدد: نعم وأنا أعتقد بنفس الشيء، ولست خائفاً من القتل في سبيل الله، ولكن كنت أحب أن تكتب هذه الفتوى بيد أخرى، أنا أنتظر تلك العناية من الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، أريد أن يكون الإمام (صلوات الله عليه) هو المرشد والمسدد لهذه القضية، وفي هذا اليوم عندما ذهبت إلى السرداب المطهر (سرداب الإمام الحجة في سامراء) وتوسلت بالإمام.. فكُتبت هذه الفتوى بتلك اليد الأخرى، والفتوى هي (بسم الله الرحمن الرحيم، اليوم استعمال التنباك في حكم محاربة الإمام المنتظر).

(١٤٦)

وكانت هذه الكلمات قوية جداً ومؤثرة، حتى اضطر الأجانب أن يرحلوا عن بلاد المسلمين، وبقيت - كما يذكر بعض المؤرخين - مرارة تلك الفتوى منذ ذلك اليوم إلى هذا اليوم في نفوس الأجانب:
إن عالماً من علماء الشيعة الذي ليس عنده سلاح، ولا عنده قوة عسكرية، ولا عنده عشيرة مهمة، استطاع بكلمات قلائل أن يهزمهم، لماذا، لأن هذه الكلمات كان وراؤها تلك اليد الغيبية..
السيد الفشاركي والمعضلة الفقهية:
القضية الثانية: وهذه القضية ينقلها أيضاً سماحة الشيخ مرتضى الحائري (قدس سره):
يقول: استعصت على السيد محمد الفشاركي، وهو من كبار علماؤنا، قضية من القضايا العلمية المعقدة، وكلما فكّر فيها لم يتوصل إلى حل، فبحث مع أعيان الفقهاء ولكنه لم يتوصل إلى حل مقنع.
وفي يوم من الأيام ذهب إلى صحراء خارج سامراء، حيث كان يسكن سامراء المقدسة، وكانت هنالك حفرة في الصحراء، فنزل في هذه الحفرة وأخذ يفكّر، وإذا بشخص على زي الأعراب يقف عليه ويقول له: بم تفكر يا سيد؟
وعادة الرجل الذي بزي الأعراب لا يعرف تلك المسائل العلمية المعقدة التي عجز عن حلها كبار العلماء، فقال السيد: أنا أفكّر في مسألة علمية.
فقال الرجل الذي كان بزي الأعرابي: ألست تفكر في هذه القضية، على

(١٤٧)

النحو الكذائي، ووصلت إلى هذه العقدة العلمية وحللتها على هذا النحو، ثم وصلت إلى تلك العقدة وحللتها بهذا الشكل، ثم توقفت في هذه المعضلة الأخيرة؟ ثم قال له: أما حلّ هذه المعضلة فهو كذا وكذا..
وإذا بالشخص يختفي عن الأنظار، والسيد محمد الفشاركي يرى أن مشكلته العلمية قد حُلَت، وكلام الرجل الأعرابي كان صحيحاً، فأخذ ينظر ويبحث عن الرجل فلم ير له أثراً..
قصة التنباك والتبغ كانت مشكلة اجتماعية عظيمة حُلّت بعناية الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذه مشكلة علميه فقهية حُلّت بعناية الإمام (صلوات الله عليه)..
الإنسان إذا طهر روحه يصبح قابلاً لعناية الإمام..
نسأل الله تعالى أن يعجل للإمامنا المنتظر الفرج، ويسهل له المخرج، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

(١٤٨)

(١٤) كلمات مقتبسة حول الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)

اقتبست هذه الكلمات من بعض محاضرات الفقيه المقدس سماحة السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه الله):
* ينبغي أن نلجأ إلى الإمام المنتظر (عليه السلام) في حل قضايانا الدنيوية والأخروية، والفردية والاجتماعية، فهو الملاذ لنا في كل الشؤون والقضايا.
* إن الله جعل الإمام المنتظر (عليه السلام) مصدر للنور في حياتنا المعنوية، وأوكل سبحانه إليه أمورنا وقضايانا، فمن لم يتوجه إليه سوف يكون نصيبه الخسارة والحرمان.
* يلزم علينا أن نذكر الإمام المهدي (عليه السلام) ولا ننساه، كي يشملنا

(١٤٩)

لطفه ورأفته.
* كم مرة في اليوم نذكر الإمام المهدي (عليه السلام)، هل نذكره في قنوت صلواتنا، هل نقرأ كل يوم دعاء (اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن....)، وهل نبدأ ببحوثنا العلمية ونقول: يا حجة الله أدركني.
* الإمام المهدي (عليه السلام) مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية الخاصة والعامة.
* إن جميع روافد الرحمة الإلهية العامة تنتهي في عصرنا إلى منبع واحد، هو وجود خاتم الأوصياء الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
* الفاعلية العليا بعد الله تعالى في عالم الإمكان هي إرادة المهدي المنتظر (عليه السلام).
* ينبغي أن نوثق علاقتنا بالإمام المهدي (عليه السلام) ليعيننا في حل ما يواجهنا من معضلات.
* الإمام المنتظر (عليه السلام) لم يغب عنا بل نحن الذين غبنا عنه، فهو يرانا ونحن لا نراه، أو نراه ولا نعرفه.
* الإمام المهدي (عليه السلام) هو الملاذ الأول بعد الله (عزَّ وجلَّ)، ولكننا نغفل عن ذلك عادة، وبعد أن نطرق كل الأبواب ونعجز لا يبقى أمامنا إلاّ بابه، فنلجأ إليه ليحل معضلاتنا.
* والإمام المهدي (عليه السلام) هو الملاذ الأخير أيضاً، بمعنى أنه الأمل الأخير لكل الذين وصلوا إلى طريق مسدود وأعيتهم سائر الحيل.

(١٥٠)

* علينا استيعاب الثقافة المهدوية ونشرها، وإحياء الشعائر المهدوية، وإحياء العشرة المهدوية المباركة في شهر شعبان المعظم.
* علينا الاهتمام بقراءة الأدعية المرتبطة بالإمام المنتظر (عليه السلام) مثل دعاء الندبة، وليبدأ الإنسان بقراءة ذلك في بيته، وليرغب الآخرين على ذلك فإن هذه القطرات ستتجمع وتتحول إلى ظاهره اجتماعية منتشرة بإذن الله تعالى.
* علينا إحياء كل ما يرتبط بالإمام المهدي (عليه السلام)، كتسمية الأبناء باسم الإمام، وكذلك تسمية البنات باسم والدة الإمام السيدة نرجس أو عمته السيدة حكيمة (عليهم السلام).
* من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا تجاه الإمام المهدي (عليه السلام) هو أن نعرفه حق معرفته بالمقدار الممكن لأمثالنا، وأن نسعى بشكل عام لكي نجعل معرفتنا بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) بما في ذلك الإمام المهدي (عليه السلام) أكثر وأشمل وأعمق.
* يلزم تأسيس مكتبات خاصة بالعقيدة المهدوية والثقافة المهدوية ومعرفة الإمام المهدي (عليه السلام) في كل مدينة وكل قرية وكل مكان، كما ينبغي لكل أسرة تخصيص جزءاً من ميزانيتها لشراء الكتب والنتاجات الثقافية التي تعني بالإمام المهدي (عليه السلام).
* الإمام المهدي (عليه السلام) هو خير من يرعانا في هذه الحياة.
* الاهتمام بالقضية المهدوية ضرورة إيمانية.
* قضية الإمام المهدي (عليه السلام) تمثل الحلقة الأخيرة من سلسلة حلقات

(١٥١)

الإيمان بالله وبالأولياء الطاهرين.
* الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) مصداق من مصاديق شكر المنعم.
* على المرء أن يشجع أسرته على القراءة حول الإمام المهدي (عليه السلام)، وأن ينقل لهم الاحاديث والقصص التي تتعلق بالإمام.
* يلزم تأسيس مكتبات تخصصية حول الإمام المهدي (عليه السلام).
* لنجعل في كل مكتبة من كل بيت أو مسجد أو حسينية أو مركز أو دائرة أو غيرها، زاوية للكتب والأشرطة التي تتعلق بالإمام المهدي (عليه السلام).

(١٥٢)