دروس في شرح كتاب الغيبة لشيخ الطائفة محمد بن الحسن
الطوسي (قدّس سرّه)
(الجزء الأول)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
إشراف وتقديم: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
رقم الإصدار ٢٢١
الطبعة الأولى ١٤٤٦هـ
الفهرس
مقدَّمة المركز...................٣
إهداء...................٧
شكر وامتنان...................٩
عملنا في الكتاب...................١١
الدرس (١)...................١٥
التمهيد الأوَّل: الدرس المهدوي بين
الأهمّيَّة وآليَّات التخصُّص...................١٥
القواعد العامَّة التي ينبغي الاشتغال عليها،
وآليَّات التعاطي المعرفي مع المهدويَّة في عدَّة نقاط...................٢٦
التمهيد الثاني: المؤلِّف والمؤلَّف في عدَّة
نقاط...................٣٠
النقطة الأُولى: موجز تعريفي بشيخ الطائفة
(رحمه الله)...................٣٠
النقطة الثانية: التعريف بكتاب (الغيبة) في
نقاط...................٣٣
١ - اسم الكتاب...................٣٣
٢ - موضوع الكتاب وسبب
التأليف...................٣٤
مَنْ هو الشيخ الجليل؟...................٣٤
٣ - أين ومتى تمَّ تأليف
(الغيبة)؟...................٣٦
٤ - الرجال والتوثيق:...................٣٦
الدرس (٢)...................٣٨
النقطة الثالثة: مصادر كتاب
(الغيبة)...................٣٨
أوَّلاً: المصادر التي اعتمد عليها في البحوث
الكلاميَّة والعقليَّة...................٣٨
ثانياً: المصادر التي اعتمد عليها في البحوث
الروائيَّة والتاريخيَّة...................٤٠
الصنف الأوَّل: المصادر المتداولة
والمطبوعة...................٤٠
الصنف الثاني: المصادر غير
الموجودة...................٤٠
الصنف الثالث: الروايات المتناثرة أو مجهولة
المصدر...................٤١
الدرس (٣ و٤)...................٤٣
التمهيد الثالث: منهج شيخ الطائفة (قدّس سرّه)
الكلامي والحديثي...................٤٣
أ - المنهج الكلامي...................٤٣
تعريف علم الكلام...................٤٤
ب - المنهج الحديثي...................٤٧
الدرس (٥ و٦)...................٤٩
التمهيد الرابع: أدلَّة وجوب البحث ولزوم
معرفة الإمام (عليه السلام)...................٤٩
الدليل الأوَّل: دفع
الضرر...................٤٩
الدليل الثاني: دليل
اللطف...................٤٩
الدليل الثالث: لزوم الحافظ
للشريعة...................٥٠
الدليل الرابع: دليل شكر
المنعم...................٥٠
الدليل الخامس: إذا ثبتت الشريعة ثبتت
الإمامة...................٥٠
الدليل السادس: خلود
الشريعة...................٥١
الدليل السابع: وجود المتشابه القرآني يدعو
للإمام...................٥١
الدرس (٧ و٨)...................٥٣
شرح مقدَّمة شيخ الطائفة (قدّس
سرّه)...................٥٣
الشروع في الفصل الأوَّل...................٥٤
الطريق الأوَّل: طريق السبر
والتقسيم...................٥٤
الطريق الثاني: وهو طريق
الفرعيَّة...................٥٦
تطبيق العبارة...................٥٨
الدرس (٩ و١٠)...................٦٣
بيان الغرض من كتاب
(الغيبة)...................٦٣
الدليل الذي أشار إليه (قدّس سرّه) هو دليل
اللطف...................٦٣
١ - التسالم على الدليل...................٦٤
٢ - اعتماد الدليل على المقدَّمات العقليَّة
لم يمنع من كون النتائج عقلانيَّة بل ضروريَّة...................٦٤
٣ - وجود عدَّة إشكالات على
الدليل...................٦٥
٤ - الإشكالات الموجَّهة لكلام السيِّد
المرتضى (قدّس سرّه)...................٦٥
اعتراضات ثلاث على كلام المرتضى (قدّس سرّه)
وبيانها...................٦٦
الأوَّل: لزوم القبح من
الغيبة...................٦٦
الثاني: دليل اللطف قاصر عن الدلالة على لزوم
الإمامة...................٦٧
الثالث: دليل اللطف لا يقتضي التفصيل في حالات
الإمام، ولكن الإماميَّة يُفصِّلون، فدليل اللطف لا ينفع...................٦٨
تطبيق العبارة...................٦٨
الدرس (١١)...................٧٣
الجواب عن الإشكال الأوَّل: وجوه القبح
منتفيَّة في المقام، ونقض المستشكل بلا دليل...................٧٣
إشكاليَّة أنَّ اللطف مع الغيبة لم يحصل منه
الغرض به، وجوابها...................٧٤
تنظير المقام بمسألة البحث والنظر ولزوم
المعرفة وثبوت التكليف على مَنْ لم يعرف...................٧٥
تطبيق العبارة...................٧٥
الدرس (١٢)...................٧٨
ردُّ الإشكاليَّة
الثانية...................٧٨
تطبيق العبارة...................٨٠
الدرس (١٣)...................٨٣
الدليل أخصُّ من
المدَّعى...................٨٣
النقض بأهل الحلِّ
والعقد...................٨٤
وجوب الإمامة للأُمور الدنيويَّة،
وردُّها...................٨٤
التدخُّل الإلهي المباشر في إيجاد البديل،
وجوابه...................٨٥
التنظير في الأمرين بوجوب
المعرفة...................٨٥
تطبيق العبارة...................٨٦
الدرس (١٤)...................٩١
حالات وجود الإمام من جهة مَنْ يوجده ويبسط
يده، ومناقشة الصور وردُّها...................٩١
جواب المصنِّف (قدّس سرّه) على الإشكال
المتقدِّم...................٩٢
لِمَ لا يكون الإمام (عليه السلام) معدوماً؟
وجوابه...................٩٣
قاعدة في الوظيفة تجاه الإمام (عليه
السلام)...................٩٣
تطبيق العبارة...................٩٤
الدرس (١٥)...................٩٨
تمهيد...................٩٨
التوقُّف الثلاثي في دلالة دليل اللطف، وبيان
صوره ووجه التوقُّف فيه...................٩٨
١ - أمر يتعلَّق بالله تعالى، وهو إيجاد
الإمام (عليه السلام)...................٩٨
٢ - أمر يتعلَّق بالإمام (عليه السلام) من
تحمُّله لمسؤوليَّاته...................٩٨
٣ - أمر يتعلَّق بالمكلَّفين من وجوب نصرته
ومعاضدته والانقياد له...................٩٩
فنقلة في بيان الفارق بين كون الإمام (عليه
السلام) موجوداً غائباً وبين كونه معدوماً...................٩٩
تكليفنا بنصرة الإمام (عليه السلام) على نحو
الدوام...................١٠٠
النقض مجدَّداً بوجوب البحث
والنظر...................١٠١
تطبيق العبارة...................١٠٢
الدرس (١٦)...................١٠٥
تمهيد...................١٠٥
شرح مثال البئر، ومثال الأمر
بالشراء...................١٠٥
١ - مثال البئر...................١٠٥
٢ - مثال شراء اللحم...................١٠٦
القاعدة في الوظيفة تجاه الإمام (عليه
السلام)...................١٠٦
ردُّ المثالين ودفع النقض الوارد فيهما
والمبنيُّ على التفصيل في نصرة الإمام (عليه السلام)...................١٠٦
تطبيق العبارة...................١٠٧
الدرس (١٧)...................١١١
النقض بغيبة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) ودفع التفصيل فيها...................١١١
النقض ببعث نبيٍّ يُعلَم أنَّه
سيُقتَل...................١١٢
تطبيق العبارة...................١١٤
الدرس (١٨)...................١١٨
الأصل الثاني في الدليل: لا بدَّ أنْ يكون
الإمام معصوماً...................١١٨
التنظير بمسألة الحدوث وحاجة المحدَث إلى
محدِث...................١١٨
الأصل الثالث: إنَّ الحقَّ لا يخرج عن
الأُمَّة...................١١٩
النتيجة من الأُصول
الثلاثة...................١١٩
تطبيق العبارة...................١١٩
الدرس (١٩)...................١٢٣
ردُّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) على دعوى
الكيسانيَّة في عصمة ابن الحنفيَّة...................١٢٣
استدلالات الكيسانيَّة لإثبات إمامة ابن
الحنفيَّة (رضي الله عنه)، وردُّها...................١٢٤
بيان الخبر المشهور في المنازعة بين محمّد بن
الحنفيَّة والإمام زين العابدين (عليه السلام)، وذكر بعض النكات المرتبطة بالولاية
التكوينيَّة وتحدُّث الجمادات في عالم الدنيا بحضور المعصوم...................١٢٦
تطبيق العبارة...................١٢٨
الدرس (٢٠)...................١٣٢
ردُّ دعوى وجود الكيسانيَّة وإنْ لم
نعرفهم...................١٣٢
أوَّلاً: الجواب
الحلِّي...................١٣٣
ثانياً: الجواب النقضي...................١٣٥
الإجماع الدخولي، بيانه وردُّ ما يُقال من عدم
إمكان معرفة دخول الإمام (عليه السلام) فيه...................١٣٦
ردُّ قول الناووسيَّة...................١٣٧
تطبيق العبارة...................١٣٧
الدرس (٢١)...................١٤٢
إعادة وبيان لمعنى الوقف، وشروع في الدليل
الأوَّل لردِّ الواقفة، دليل عدم التفصيل...................١٤٢
عدم الخلاف في موته (عليه السلام)، وقاعدة
الاشتهار في إثبات موت مَنْ مات...................١٤٣
الدليل الثالث: الأخبار...................١٤٤
رواية: وكشف عن وجه مولاي حتَّى رأيته
وعرفته...................١٤٤
تطبيق العبارة...................١٤٦
الدرس (٢٢)...................١٤٩
رواية: مات كما يموت
الناس...................١٤٩
رواية: وإنَّما بقي من أجلي
أُسبوع...................١٥١
قاعدة: التعامل مع دعوى تواتر أخبار أهل
الضلال على خلاف الضرورة...................١٥٥
الدرس (٢٣ و٢٤)...................١٥٦
رواية: أحداث سجن الإمام الكاظم (عليه السلام)
وسمّه برواية الأصبهاني...................١٥٦
الدرس (٢٥)...................١٦٩
شهرة موت الإمام الكاظم (عليه السلام) لا
تحتاج إلى رواية...................١٦٩
الدرس (٢٦)...................١٧٥
رواية: مَنْ ظلم الإمام الرضا (عليه السلام)
حقَّه كمَنْ ظلم الإمام عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام)
حقَّه...................١٧٥
رواية: كبر سنِّي فخذ بيدي وأنقذني من
النار...................١٧٧
رواية: هذا ابني عليٍّ (عليه
السلام)...................١٧٩
الدرس (٢٧)...................١٨٢
رواية: هذا عليٌّ (عليه السلام) سيِّد
ولدي...................١٨٢
رواية: ابني عليٍّ ينظر في الجفر ولم ينظر فيه
إلاَّ نبيٌّ أو وصيُّ نبيٍّ...................١٨٤
رواية: عهدي إلى أكبر
ولدي...................١٨٥
الدرس (٢٨)...................١٨٩
رواية: هذا ابني عليٌّ (عليه السلام) كتابه
كتابي وكلامه كلامي...................١٨٩
بحث في وثاقة القندي...................١٩٠
رواية: اشهدوا أنَّ ابني هذا
وصيٌّ...................١٩٢
رواية: أخاف أنْ لا ألقاك فأخبرني عن
الإمام...................١٩٣
رواية: ذهب الناس يميناً
وشمالاً...................١٩٥
رواية: صاحب هذا الأمر يطلبه
منك...................١٩٦
بحث في وثاقة داود بن زربي...................١٩٧
الدرس (٢٩)...................١٩٩
رواية: إنِّي أُوخذ في هذه
السنة...................١٩٩
رواية: قد نحلته كنيتي...................٢٠١
رواية: سعد امرؤ لم يمت حتَّى يرى
خَلَفه...................٢٠٢
الدرس (٣٠)...................٢٠٧
رواية: هذا موسى بن جعفر (عليه السلام) يكبر
ونُزوِّجه ويُولَد له...................٢٠٧
بحث في عليِّ بن نافع...................٢١٠
رواية: وتصفو له الدنيا...................٢١١
رواية: وهو منِّي بمنزلتي من
أبي...................٢١٢
الدرس (٣١)...................٢١٥
مناقشة شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، لكتاب (في
نصرة الواقفة)...................٢١٥
أحاديث الواقفة على مهدويَّة الإمام الكاظم
(عليه السلام) وردُّها...................٢١٦
رواية: لا ينسجني...................٢١٦
ردُّ رواية «لاَ يَنْسِجُنِي» من عدَّة
وجوه...................٢١٦
رواية الأوضاح والجواب
عنها...................٢١٩
الدرس (٣٢)...................٢٢١
رواية: استنقاذ الأمَّة بسميِّ موسى (عليه
السلام)...................٢٢١
ردُّ رواية الاستنقاذ من وجوه
أربعة...................٢٢١
حكاية عرض سيرة القائم (عجَّل الله فرجه) على
موسى (عليه السلام)...................٢٢٣
رواية الصيرفي في عرض سيرة القائم (عجَّل الله
فرجه) على موسى (عليه السلام) وردُّها...................٢٢٦
الدرس (٣٣)...................٢٢٨
رواية: سميُّ فالق
البحر...................٢٢٨
ردُّ رواية «سَمِيُّ فَالِقِ اَلْبَحْرِ» من
عدَّة وجوه...................٢٢٨
رواية: أنَّ الله تعالى مهلكهم بسميِّه
وردُّها...................٢٣٠
رواية: «اسمه اسم لحديدة الحلاَّق» وردُّ شيخ
الطائفة (قدّس سرّه) لها...................٢٣٢
رواية: «ابني هذا هو القائم (عليه السلام)»
وردُّها...................٢٣٤
الدرس (٣٤)...................٢٣٦
رواية صاحب السيف
وردُّها...................٢٣٦
رواية: «الراية السوداء صاحبة الرقعة الخضراء»
وردُّها...................٢٣٨
رواية: «أنت المرتضى»
وردُّها...................٢٤٠
فنقلة في الجزم في وضع الرواية
وردُّها...................٢٤١
الدرس (٣٥)...................٢٤٤
رواية: «هذا ابني حقًّا» ووجه الدلالة
فيها...................٢٤٤
ردُّ «رواية هذا ابني حقًّا» من عدَّة
وجوه...................٢٤٦
إشكاليَّة كلام إسماعيل ابن الإمام الصادق
(عليه السلام) بما لا ينبغي وردُّها...................٢٤٦
رواية: «ما وليها أحد قطُّ أحدث منه» وردُّها
من عدَّة وجوه...................٢٤٧
الدرس (٣٦)...................٢٤٩
رواية: «لتخرجنِّي أو
لأخرجنَّ»...................٢٤٩
حلُّ معضلة في الرواية...................٢٥٠
رواية: «ابن حميدة (عليه السلام)»
وردُّها...................٢٥٢
رواية: «صاحب البهمة»
وردُّها...................٢٥٤
رواية: «عدم وقوع البداء في ما أخرجه
الرُّسُل» وردُّها...................٢٥٥
الدرس (٣٧)...................٢٥٧
رواية: «على أعوادها»
وردُّها...................٢٥٧
رواية: «طلوع الشمس من
مغربها»...................٢٥٨
اضطراب الحديث وشباهته
بالموضوعات...................٢٥٨
رواية: «على رأس السابع منَّا الفرج»
وردُّها...................٢٦٠
رواية: «نفض التراب»
وردُّها...................٢٦١
رواية: «جبل رضوى»
وردُّها...................٢٦٢
الدرس (٣٨)...................٢٦٤
رواية: «أغمضه وغسَّله»
وردُّها...................٢٦٤
رواية: «مرَّضني وغمَّضني وغسَّلني»
وردُّها...................٢٦٥
رواية: «يُقْدَم لصاحب هذا الأمر العراق
مرَّتين» وردُّها...................٢٦٦
رواية: «صاحب هذا الأمر يُؤخَذ ويُحبَس»
وردُّها...................٢٦٨
رواية: «ليس يموت وصيٌّ حتَّى يُقيم وصيًّا»
وردُّها...................٢٦٩
رواية: «ثمّ يُفلِته الله من أيديهم»
وردُّها...................٢٧١
رواية: «صاحب الأمر يُسجَن حيناً»
وردُّها...................٢٧٢
الدرس (٣٩)...................٢٧٤
رواية: (يغيب عنهم شيخ)
وردُّها...................٢٧٤
رواية: «بليت عظامه»
وردُّها...................٢٧٥
رواية: «في صاحب هذا الأمر أربع سُنَن»
وردُّها...................٢٧٦
رواية: «وما صائحة تصيح»
وردُّها...................٢٧٧
رواية: «يأخذونني ويحبسونني»
وردُّها...................٢٧٨
رواية: «المولى الذي يلي أمره»
وردُّها...................٢٧٩
رواية: (استخرت عليه وقطعت عليه)
وردُّها...................٢٨٠
رواية: (مشيخة الشيعة)
وردُّها...................٢٨١
حكاية نفي سماع ابن رباط
وردُّها...................٢٨٢
رواية سلمى وردُّها...................٢٨٣
الدرس (٤٠)...................٢٨٤
الدرس (٤١)...................٢٩٠
ما فعله يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله) مع
الواقفة...................٢٩٠
ما فعله جماعة من الواقفة مع الإمام الرضا
(عليه السلام) بعد مراسلته...................٢٩٦
الدرس (٤٢ و٤٣)...................٣٠١
إنكار ابن حمزة لإمامة الإمام الرضا (عليه
السلام) بسبب المال...................٣٠١
ما حكاه زوج بنت أحمد بن بشير السرَّاج في
حقِّ الواقفة...................٣٠٣
رواية تشبيه الواقفة
بالحمير...................٣٠٦
بيان رواية: «لا تُنجب أنت وأصحابك
أبداً»...................٣٠٩
بحث في وثاقة ابن مسكان...................٣١٢
الدرس (٤٤)...................٣١٤
رواية: «لا يموتون غداً إلَّا على الزندقة»،
ووجه الإعجاز في إخبار الإمام (عليه السلام)...................٣١٤
قصَّة كذب الممطورة في نقل
الأخبار...................٣١٦
بحث في وثاقة القاسم بن إسماعيل
القرشي...................٣١٨
رواية إهداء رأس المهدي إلى عيسى بن
موسى...................٣١٩
رواية أنَّ ابن أبي حمزة أراد أنْ لا يعبد
الله تعالى...................٣٢١
قاعدة في كثرة الطعون على الواقفة وموقف السلف
الصالح منهم...................٣٢٢
الدرس (٤٥ و٤٦)...................٣٢٤
قصَّة البزنطي (رحمه الله) مع الإمام الرضا
(عليه السلام)...................٣٢٤
شبهة الوقف عند بعض الأجلَّاء
ودفعها...................٣٢٥
بحث في وثاقة جعفر بن محمّد بن
مالك...................٣٢٧
قصَّة حبرة ابن الوشَّاء الضائعة وإخبار
الإمام الرضا (عليه السلام) بها...................٣٢٨
رواية: «هل يجرأ أحد أنْ يقول: ابني وليس له
ولد؟»...................٣٢٩
رواية الخمس عشرة ألف
مسألة...................٣٣١
رواية: «من دون خراسان
بدرجات»...................٣٣٢
حكاية نصب الإمام الرضا (عليه السلام)
علماً...................٣٣٣
قصَّة حبابة الوالبيَّة...................٣٣٥
قصَّة أُمِّ غانم
الأعرابيَّة...................٣٣٧
الدرس (٤٧)...................٣٣٨
دليل الملازمة...................٣٣٨
ردُّ شيخ الطائفة (رحمه الله) لدليل
الملازمة...................٣٣٩
وجوه عقلائيَّة لإخفاء
الولد...................٣٣٩
الشاهد الأوَّل: فعل
الملوك...................٣٣٩
الشاهد الثاني: الناس
العاديِّين...................٣٣٩
الشاهد الثالث: دنيَّة
النَّسَب...................٣٤٠
الشاهد الرابع:
التحرُّج...................٣٤٠
الشاهد الخامس: علوُّ
النَّسَب...................٣٤٠
الشواهد والدواعي لإخفاء الإمام الحسن العسكري
(عليه السلام) لولده...................٣٤١
تطبيق العبارة...................٣٤٢
الدرس (٤٨)...................٣٤٧
إشكاليَّة تسوية العادة بين الموضعين من قِبَل
المستشكل...................٣٤٧
والجواب عن هذا الإشكال...................٣٤٨
الدرس (٤٩ و٥٠)...................٣٥٤
بيان حكم المخالف من الفِرَق الباقية ممَّن
قال بإمامة غير الحجَّة (عجَّل الله فرجه)...................٣٥٤
رواية سعد بن عبد الله
الأشعري...................٣٥٥
تحقيق في وقوع البداء في الأئمَّة (عليهم
السلام)...................٣٥٨
تتميم ردِّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) على
بقيَّة الفِرَق...................٣٦٠
وأمَّا ردُّ مقالة هذه الفِرَق
مجتمعة...................٣٦١
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدَّمة المركز:
تنبع أهمّيَّة المصادر الأُمِّ - سواء كانت في الفقه أو الحديث أو العقيدة أو غيرها
- من خلال قربها من عصر النصِّ، وتزداد أهمّيَّةً إذا كان المؤلِّف من أعلام
الطائفة المبرَزين، وقد اجتمعت كلتا الجهتين في كتابنا (الغيبة)، فهو من تأليف شيخ
الطائفة بلا منازع، والذي أُسندت إليه رئاسة الفقه والكلام في حياته، بل بعد وفاته
سنة (٤٦٠هـ) لمدَّة مائة عام، ولك أنْ تتخيَّل ما معنى الهيمنة الفكريَّة على أعلام
الطائفة وحوزتها المباركة كلَّ هذه العقود رغم بروز جهابذة العلم والفقاهة بين
أعلام الطائفة في هذا القرن من أمثال:
١ - ابن شهرآشوب السروي المازندراني ووالده (رحمهما الله).
٢ و٣ - أبي عليٍّ الحسن بن الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي (رحمه الله) من أعيان
الطائفة وفقهائها الذي عُرِفَ بالمفيد الثاني(١)، وحفيد الشيخ الطوسي (رحمه الله)
(أبي الحسن - أو أبي نصر - محمّد بن الحسن بن محمّد بن الحسن)، قال عنه ابن العماد
في أحداث سنة (٥٤٠هـ): (لو جازت على غير الأنبياء صلاة صلَّيت عليه)(٢).
٤ - السيِّد عزِّ الدِّين أبي المكارم حمزة بن عليِّ بن زهرة، المعروف بابن زهرة
(رحمه الله).
٥ - جبرائيل القمِّي وولده شاذان بن جبرائيل القمِّي (رحمه الله).
-----------------
(١) أعيان الشيعة (ج ٥/ ص ٢٤٥، وج ٩/ ص ١٦٠).
(٢) شذرات الذهب (ج ٤/ ص ١٢٧).
٦ - أبي عليٍّ الفضل بن الحسن الطبرسي (رحمه الله).
إلَّا أنَّ فكر وآراء المؤلِّف بقيت ساطعة وحاكمة، بل مهيمنة على الجميع، وهذا إنْ
دلَّ على شيء فإنَّه يدلُّ على القدرة الفكريَّة والنبوغ الفذِّ والسطوة العلميَّة
التي كان يتمتَّع بها شيخ الطائفة (محمّد بن الحسن أبو جعفر الطوسي (رحمه الله)).
ومن هنا نجد أنَّ رؤاه الفكريَّة في كثير من مؤلِّفاته بمختلف تنوُّعها الفكري ما
زالت حيَّة غضَّة تنبع بالحياة العلميَّة يتداولها الأعلام بين أخذٍ وردٍّ ونقض
وإبرام إلى يومنا هذا.
فلذا قد لا نحيد عن الواقع إذا قلنا بامتداد هيمنته الفكريَّة إلى عصرنا هذا، وليس
فقط إلى قرن من الزمن بعد وفاته.
ومن كلِّ ما تقدَّم فلا نريد التوقُّف عند بيان الترجمة العلميَّة في حياة الشيخ
الطوسي (رحمه الله)، فهو أعظم من أنْ يُعرَّف بأسطر ووريقات، إذ لا يخلو كتاب في
الفقه أو العقيدة أو الحديث إلَّا وترى ذكره ورأيه ساطعاً بين الآراء، خصوصاً أنَّ
سماحة الشيخ الشارح قد استوفى الغرض حين تعرَّض لحياة المؤلِّف ومن أبعاد مختلفة.
كما لا نريد التوقُّف حول كتابه (الغيبة)، فقد أفرغ سماحة الشارح جهده في التعرُّض
لخصوصيَّات كتاب (الغيبة) من الناحية المنهجيَّة والرجاليَّة والعقائديَّة.
وإنَّما الأمر الذي ينبغي الإلفات إليه هو طرح هذا المؤلَّف المهمِّ في الرواق
العلمي والتدريسي للحوزة المباركة.
فممَّا يُحسَب لشيخنا الفاضل (سماحة الشيخ حميد الوائلي (دام عزُّه)) أنَّه أوَّل
من فتح الباب لشرح هذا السِّفر القيِّم، بل أوَّل من شرع بتدريسه في الأروقة
العلميَّة لطلبة الحوزة في النجف الأشرف رغم انشغاله العلمي في تدريس الكُتُب
المتعارفة فقهاً وأُصولاً من المكاسب والكفاية وغيرها.
وما ذلك إلَّا للشعور بالوظيفة الشرعيَّة والإحساس
بالمسؤوليَّة العلميَّة لخدمة العقيدة المهدويَّة، ممَّا دعاه للانفتاح على كتاب
(الغيبة) شرحاً وتدريساً بمنهجيَّة جمعت بين الأصالة العلميَّة والتأسيس الروائي
والخبرة الرجاليَّة.
وما أنِ اكتمل خمسون درساً إلَّا واغتنمنا الفرصة لإصداره ونشره من قِبَل مركزنا
بجزئه الأوَّل يتبعه أجزاء أُخرى إنْ شاء الله تعالى.
نسأل الله تعالى أنْ تكون هذه الريادة في تدريس هذا الكتاب وشرحه هي تأسيساً جديداً
لتدريس العقيدة المهدويَّة في أروقة حوزة النجف الأشرف العريقة.
فنحن نستشعر الحاجة الماسَّة إلى الإلمام والتعمُّق في أُسُس وأُصول، بل تفاصيل
العقيدة المهدويَّة لأهمّيَّتها من جهة ولكثرة طروِّ الشُّبُهات والإشكالات المغرضة
عليها من جهة ثانية، ولكثرة الحركات المهدويَّة المنحرفة التي تعتاش على اقتناص
الشاذِّ من الروايات وضعيفها من جهة ثالثة، فكان لا بدَّ من التصدِّي لها وبيان
زيفها وإبطال زخرفها، وقد لا يتأتَّى ذلك إلَّا بالرجوع إلى أُمَّهات مصادر علمائنا
ومنها كتابنا هذا، فالاهتمام به شرحاً وتحقيقاً وتدريساً هو بمنزلة الحجر الأساس
لردِّ كلِّ هذه الدعاوى والحركات المنحرفة.
وختاماً فإنَّ هذا الكتاب ملأ فراغاً علميًّا مهمًّا لا يمكن أنْ يستغني عنه
الباحثون حيث يُعتبَر رافداً ضروريًّا للتعرُّف على أُسُس العقيدة المهدويَّة من
خلال شرحٍ وافٍ لكتاب الغيبة لشيخ الطائفة (رحمه الله)، وقد وفَّق الله مركز
الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لإخراجه وطباعته بهذه
الحلَّة القشيبة.
وأخيراً نسأل الله تعالى أنْ يمدَّ في عمر سماحة الشيخ المؤلِّف لإتمام دروسه الحوزويَّة لهذا الكتاب المبارك، وأنْ يزيد في توفيقه لخدمة سيِّدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) وجميع المؤمنين، كما نسأله أنْ يُعجِّل في ظهوره، ويُوفِّقنا لنكون من شيعته والمستشهَدين تحت لوائه.
مركز الدراسات التخصُّصيَّة
في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
إهداء
سيِّدي يا حجَّة الله تعالى هذه بضاعة مزجاة..
﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ
اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾.
(يوسف: ٨٨)
قال الإمام الرضا (عليه السلام): «مَنْ لَمْ
يَشْكُرِ اَلمُنْعِمَ مِنَ اَلمَخْلُوقِينَ لَمْ يَشْكُرِ اَللهَ (عزَّ وجلَّ)»(٣).
أتقدَّم بالشكر الجزيل، والثناء الجميل لكلِّ مَنْ كان عوناً في هذا العمل، سواء
بالتشجيع ورفع الهمَّة وتقوية العزيمة، أو بالدعاء والسؤال والحثِّ على المواصلة،
رغم العوائق العديدة والمشاغل الكثيرة، إلَّا أنَّهم كانوا نعم السند طيلة هذه
الفترة وهي ليست بالقليلة، راجياً الله (عزَّ وجلَّ) أنْ يشملنا جميعاً بلطيف
رعايته وجميل عنايته، وأنْ نكون مصداقاً لمن يُصنَع على عينه.
* * *
-----------------
(٣) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ٢/ ص ٢٧/ باب ٣١/ ح ٢).
عملنا في الكتاب:
قُسِّمَ العمل في شرح هذا الكتاب المبارك إلى قسمين:
القسم الأوَّل: ما يحتاج إليه الدرس والتدريس لهذه المادَّة.
القسم الثاني: ما يحتاج إليه إخراج المادَّة وطباعاتها وضبطها على شكل كتاب.
أمَّا في القسم الأوَّل فقد اختلفت طريقة تدريس هذا الكتاب بحسب المادَّة، فإذا
كانت العبارة كما في الدروس الأُولى تحمل مضامين علميَّة دقيقة ومباحث كلاميَّة
تخصُّصيَّة ومركَّزة، فيتمُّ شرح العبارة ثمّ تطبيقها بعد بيان المطالب التي
تضمَّنتها، وتمَّ الاستعانة بعدَّة مصادر يُفهَم من خلالها رأي الشيخ (قدّس سرّه)
في المسألة الكلاميَّة أو رأي مَنْ ينقل عنه أو ينقض قوله، وتمَّت مراجعة العديد من
المصادر والنُّسَخ للوقوف على عبارة الشيخ (قدّس سرّه)، لوجود صعوبة كبيرة واجهتنا
في بعض الموارد حتَّى إنَّه في بعضها عَسُر فهم مراد الشيخ (قدّس سرّه) كما ستقف
عليه في ثنايا هذا الكتاب، رغم الجهد الاستثنائي والخدمات الكبيرة التي قدَّمها
مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والذي هيَّأ جميع
السُّبُل لتسهيل هذا العمل.
قد يجد القارئ الكريم أنَّ بعض العبارات فُسِّرت بأكثر من تفسير، وقد تُحمَل بعض
العبارات على غير الظاهر منها، لعدم انسجامها مع قواعد وأُصول يعتمدها شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) أو علماء الكلام أو المسائل الكلاميَّة الواضحة عند المذهب الحقِّ،
فنضطرُّ إلى تفسيرها بما لا يوافق ظاهرها.
ثمّ إنَّه وبعد إلقاء الدرس على ثُلَّة غير قليلة ممَّن حضروا هذه المباحثة
العلميَّة يطرح بعض الإخوة الأعزَّاء جملة من
الأسئلة تستدعي بيان المطلب الكتبي بشكل يناسب التخلُّص من بعض ما لا ينبغي طرحه في
المادَّة الكتبيَّة، فمجلس الدرس يختلف عن المادَّة الكتبيَّة.
وأمَّا إذا كانت العبارة متضمِّنة لحديث أو رواية أو قصَّة يستدلُّ أو يستشهد بها
شيخ الطائفة (قدّس سرّه) فإنَّ طريقة الشرح والبيان تمنهجت بالنحو التالي:
١ - أنْ نقوم بعمليَّة تخريج الرواية أو الشاهد أو القصَّة أو غير ذلك من المصادر
التي سبقت كتاب (الغيبة) إنْ وُجِدَت، وبيان الفارق بعد إجراء عمليَّة مطابقة بحسب
الحاجة بين ما هو مكتوب في هذا الكتاب المبارك وبين ما هو موجود في تلك المصادر،
ونشير إلى الفوارق الموجودة سواء على مستوى المتن والمضمون أو السند والطريق بشكل
موجز وبما يناسب هذا الشرح.
٢ - أنْ نقوم بعمليَّة متابعة رواة الحديث أو الشاهد أو القصَّة في مرحلتين:
المرحلة الأُولى: نلاحظ فيها طريق شيخ الطائفة (قدّس سرّه) إلى الكتاب الذي روى
عنه، ولم نتطرَّق في الجزء الأوَّل من هذا الكتاب إلى موارد توثيق أو تضعيف رواة
هذه الطُّرُق، والسبب وراء ذلك لتخفيف الضغط على المادَّة الدرسيَّة، وسنشرع
بمتابعة طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) إلى الكُتُب التي نقل عنها سواء من سبق ذكرها أو
سيأتي فيما بعد الحديث (١٠٠) بحسب الترقيم المُتبع في النسخة المعتمدة في شرح هذا
الكتاب.
اعتمدنا في عمليَّة شرح عبارات شيخ الطائفة (قدّس سرّه) على الشرح المزجي حيث وضعنا
عبارته بين قوسين وبخطٍّ غامق، وأمَّا فيما يرتبط بالروايات الشريفة فسعينا جهدنا
أن لا نُضمِّن شرحها في متن الرواية، إلَّا في بعض الموارد التي نرى أنَّ فهم
الرواية عند تطبيق العبارة يتوقَّف عليها.
المرحلة الثانية: أنْ نلاحظ فيها رجال أفراد الطريق والسند واحداً بعد
واحد، ونذكر الوجوه التي يمكن من خلالها توثيق
الرجل أو بيان حسن حاله أو إمكان الاعتماد على روايته ممَّا قيل فيه أو يمكن أنْ
يُقال، وكذلك ما ذُكِرَ فيه من غمز أو تضعيف أو ما شاكله، وهذا لا يعني أنَّنا بصدد
البناء على ما ذكرنا من وجوه التوثيق أو التضعيف، إنَّما كان الغرض عرض ما يمكن أنْ
يُقال في الرجل الذي في محلِّ البحث، وكيف يتسنَّى لنا البناء على وثاقته أو حسن
حاله أو اعتماده أو ضعفه، أو حتَّى القول بكونه من طائفة الوضَّاعين والمدلِّسين أو
غير ذلك مما ستقف عليه.
٣ - شرح وتقريب الرواية، وبيان الدقائق التي اشتملت عليها، والوجوه التي يمكن أنْ
تُلتمَس لشيخ الطائفة (قدّس سرّه) في مقام الاستدلال بها، مُضافاً إلى ما صرَّح به
من وجوه دلالتها أو ما يظهر من عبارته، ثمّ نقوم بعد ذلك بتطبيق العبارة وبيان
الغوامض من عباراته (قدّس سرّه) في مرحلة لاحقة عبَّرنا عنها بـ (تطبيق العبارة).
القسم الثاني: العمل على إخراج الدروس ككتاب: فإنَّ العمل الذي قمنا به بمعيَّة
الأشخاص والجهات التي ساندتنا أثناء العمل ومنذ أوائل الشروع فيه وإلى الآن، فبيانه
بالآتي:
أوَّلاً: تتمُّ مراجعة العديد من النُّسَخ الخطّيَّة فيما يرتبط بنصِّ عبارة
الشيخ (قدّس سرّه) أو الروايات التي ضمَّنها كتابه المبارك أو الأحداث والقَصَص
التي استشهد بها، حيث تمَّت مراجعة النُّسَخ الخطّيَّة الآتية بحسب اختلاف
الموارد(٤)، وهي:
-----------------
(٤) طريقة مراجعتنا للنُّسَخ الخطّيَّة كانت بكيفيَّات مختلفة، فبعضها نكتفي بمراجعة نسخة أو نسختين، وفي بعضها الآخر تتمُّ مراجعة جميع النُّسَخ الخطّيَّة التي تحت يدنا، بل وقد نستعين في موارد أُخرى بالنُّسَخ التي أُودعت في كُتُب أُخرى كـ (بحار الأنوار) وغيره.
١ - نسخة مركز إحياء التراث الإسلامي/ رقم (٣٠٣٢).
٢ - نسخة مكتبة قدس رضوي/مشهد/ رقم الفلم (١٨٨).
٣ - نسخة مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام)/النجف الأشرف/ الرقم (٣/٣/١/٠/١٠٦٧).
٤ - نسخة مركز إحياء التراث الإسلامي/قم/ الرقم (مجهول).
٥ - نسخة مكتبة قدس رضوي/مشهد/ الرقم (٦٣٧).
٦ - نسخة مكتبة قدس رضوي/الرقم (مجهول).
ثانياً: قمنا بعمليَّة مطابقة بين الروايات المودَعة في هذا الكتاب والكُتُب الأسبق
منه.
ثالثاً: فيما يرتبط بكتاب (نصرة الواقفة)، لم نعثر على روايات هذا الكتاب في نُسَخ
أسبق من كتاب (الغيبة)، ممَّا استدعى إلغاء فقرة مطابقة النُّسَخ وتخريج الرواية من
الدروس التي تضمَّنت بيان وشرح مضامين هذا الكتاب.
رابعاً: في بعض الموارد التي تكون فيها عبارة الشيخ (قدّس سرّه) أو فقرة من رواية
ممَّا يستدعي ويترتَّب على الالتزام بظاهرها عدَّة محاذير، هنا ولأجل التثبُّت أكثر
ومناقشة تلك المحاذير ومقدار تأثيرها وما ينبغي إبرازه من بيان يناسب عبارة شيخ
الطائفة (قدّس سرّه) أو الرواية المترتِّبة عليها الإشكاليَّة الآنفة والمحاذير
المتقدِّمة، عقدنا عدَّة جلسات مع اللجنة العلميَّة في مركز الدراسات التخصُّصيَّة
في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لتدارس ما يمكن الخروج به ويليق أنْ يُنسَب إلى
ساحة شيخ الطائفة (قدّس سرّه).
النجف الأشرف على مشرِّفها آلاف التحية والسلام.
الراجي لطف مولاه
حميد عبد الجليل
محرَّم الحرام / ١٤٤٦هجريَّة
الدرس (١)(٥)
قبل الشروع في شرح مطالب هذا الكتاب الجليل، نذكر عدَّة تمهيدات:
التمهيد الأوَّل: الدرس المهدوي بين
الأهمّيَّة وآليَّات التخصُّص(٦):
نحاول في هذا الصدد التنقيب عن القواعد العامَّة والفرعيَّة للمهدويَّة والتأصيل
لبعضها والتفريع على بعض آخر، بعد عمليَّة الفرز والضبط والتبويب، ومن ثَمَّ القيام
بعمليَّة التدوين من أجل ضبط المسائل المهدويَّة، حيث وجدت من خلال متابعات طويلة
ومتواصلة ولأعوام عديدة قاربت الـ (٢٠) عاماً، أنَّ هذه القواعد مذكورة في كُتُب
أعيان الطائفة (رحمهم الله) - كما ستطَّلع عليه في بيان جملة وافرة منها في هذا
البحث - ولكنَّها متناثرة في الغالب هنا وهناك، بل ووجدت البعض منها مطويًّا
ومغلَّفاً بعبارات معقَّدة وبصياغات قديمة قد يصعب على غير المتمرِّس الالتفات
إليها بعنوان قاعديَّتها، ووجدت بعضها الآخر مدرجاً في بطون مسائل ومباحث قد تكون
ولأوَّل وهلة بعيدة عن البحث المهدوي، وهذا ما يحتاج إلى جهد مضاعف ولفترة زمنيَّة
ليست بالقليلة من أجل إخراجها من الكُتُب، وهذا هو الداعي من وراء طرح العنوان
المتقدِّم
-----------------
(٥) (٢٧/ ربيع الأوَّل/ ١٤٤٤هـ).
(٦) هذا التمهيد يُمثِّل خلاصة لبحث مفصَّل تطرَّقنا له في الدورة المهدويَّة
المكثَّفة لطلبة الحوزة في النجف الأشرف بتاريخ جمادي الأُولى (١٤٤٦هـ)، ونُشِرَ في
العدد (١٨) من مجلَّة الموعود التخصُّصيَّة الصادرة عن مركز الدراسات التخصُّصيَّة
في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ولم يكن من ضمن الدروس في شرح كتاب الغيبة
وإنَّما أُدرج بعد ذلك.
(الدرس المهدوي) بالمعنى الذي سيأتي بيانه، من أجل
تقعيد التفريعات وضبطها بضبط أُصولها، وتفتيق ما يصلح للإثراء منها وإدراج كلِّ صنف
منها وما يلحقه من تفريعات في فصله الخاصِّ به وعلى غرار علوم مقاربة كعلم القرآن
والحديث والكلام والأُصول.
لا أُبالغ في القول: إنَّ الاهتمام بالدرس المهدوي بالمعنى الآتي وبشكل تخصُّصي،
يُعطي للدارسين قدرة التغلُّب على الكثير من صعاب هذه العقيدة، وعدم الانجرار وراء
بعض المنزلقات التي وقع فيها جملة ممَّن خاضها بغير تخصُّص وضبط لقواعدها.
كما ويُعطي - بتراكم الخبرة وامتلاك القدرة على ضبط القواعد والإحاطة بها بعد
تبويبها - قابليَّة عالية للدارسين في الالتفات إلى التوسُّعات والتفريعات التي
يصحُّ الخوض فيها وإدراجها في العقيدة المهدويَّة وتلك التي تندرج في غيرها.
فكما أنَّ الاهتمام بالدرس الأُصولي أوجب توسُّعاً كبيراً في علم الأُصول، وبرزت من
خلال هذا الاهتمام الواسع الكثير من المسائل التي كانت مطويَّةً في بطون الكُتُب،
وتفرَّع على الدرس الأُصولي - والذي استغرق العمل عليه العشرات من السنين، بل
المئات، من الدرس والتدريس والمباحثة والتأليف والكتابة والاهتمام - الكثير من
المسائل العميقة والدقيقة، والتي أثرت وأثَّرت بدورها على مسائل الفقه وبيان
الأحكام الشرعيَّة، بل على مسائل علم التفسير وعلم الكلام والحديث لوجود ترابط على
مستوى الغرض بين هذه العلوم، بل وتداخل في عدد غير قليل من المسائل.
فكذا الاهتمام بالدرس المهدوي سينعكس على العقيدة المهدويَّة بشكل مؤثِّر وواضح،
كما انعكس الاهتمام بعلم الأُصول بالبيان المتقدِّم، وكما انعكس
الاهتمام بالتفسير ودراسة علوم القرآن على إثراء
هذا العلم، بل وسينعكس على الكثير من المسائل المتفرِّعة على قواعد المهدويَّة
العامَّة.
لا شكَّ في وجود صعاب، بل عقبات عديدة ومختلفة على مستوى الإثبات والثبوت في هكذا
عمل، ولكن اقتحام هذا الجانب له إيجابيَّات كثيرة - لا تكاد تخفى على مَنِ اشتغل
بالمسائل المهدويَّة، وسيأتي الإشارة إلى بعضها في طيَّات الكلام الآتي - تدعو إلى
خوض غمار هذا البحث، وكيفما كان فهي محاولة متواضعة في هذا الطريق الطويل، نسأله
تعالى التوفيق لإتمامها بلطف ورعاية مولانا (عجَّل الله فرجه).
وهنا نقاط لا بدَّ من التنبيه عليها:
النقطة الأُولى: تعريف الدرس المهدوي: المقصود من الدرس المهدوي هو تلقِّي
المعلومات المتعلِّقة بالمهدويَّة بطريقة تخصُّصيَّة، من خلال تفريع النتائج في
المسألة المهدويَّة على عدَّة قواعد مدوَّنة سلفاً ويصحُّ الرجوع إليها والاعتماد
عليها في حكم المسألة المهدويَّة، وهذا التلقِّي يتنوَّع في أساليبه وأنحائه.
النقطة الثانية: أنحاء التلقِّي للمعلومات المهدويَّة: لتلقِّي المعلومات
المهدويَّة بطريقة الدرس المهدوي عدَّة أنحاء، وهي:
النحو الأوَّل: الدرس التقليدي أو ما يقوم مقامه: هذا هو النحو المتعارف عليه في
الحوزات العلميَّة - وهو العمدة في البناء التخصُّصي في العلوم الدِّينيَّة - حيث
يجتمع الطلبة في مجلس الدرس مع أُستاذ معيَّن، ويتبعون الطريقة المعتادة من قراءة
النصوص، والاستماع إلى شرح الأُستاذ، ومن ثَمَّ المناقشة حول المادَّة المطروحة،
إلى أنْ يمتلك التلميذ القدرة العلميَّة في المادَّة المدروسة بحسب المنهج المعدِّ
مسبقاً، وبالكيفيَّة المعروفة والمتداولة في التدريس وإنِ اختلفت بعض طُرُق
تدريسها.
النحو الثاني: جلسات المباحثة: في هذا النحو يجتمع
عدد من الطلبة أهل الكفاءة والقدرة العالية على فهم النصوص والمفاهيم - خاصَّةً
ممَّن تجاوزوا مراحل متقدِّمة في الدراسة الحوزويَّة - ليناقشوا فيما بينهم مجموعة
من النصوص والمتون المتعلِّقة بالعقيدة المهدويَّة - من المصادر التي سنشير إليها -
في جلسات نقاشيَّة يتمُّ فيها تبادل الأفكار والنقاشات العميقة.
الهدف هو بناء التخصُّص في العقيدة المهدوي لدى كلِّ فردٍ من أفراد هذه المجموعة من
خلال الجهد الجماعي، ولكن مع ضرورة أنْ يكون لدى المشاركين اهتمامات مشتركة وتقارب
فكري، إلى جانب الالتزام ببذل جهد واسع للوصول إلى فهم معمَّق للمادَّة المطروحة،
وتحت إشراف ورعاية مَنْ له الخبرة في القواعد العامَّة للبحث.
النحو الثالث: الاستماع المكثَّف: تعتمد هذه الطريقة على استماع عدد كبير من
المحاضرات المهدويَّة، مع ضمِّ قراءة المتون المهدويَّة - التي سنشير إليها -، وهذا
النموذج لا يقتصر على متن معيَّن أو محاضرٍ بعينه، وإنَّما يتطلَّب الإكثار من
استماع المحاضرات لأشخاص معروفين، مع ضرورة السؤال عنهم وتمييزهم بدقَّة.
نعم، قد يمتاز بعض الأفراد بقدرات ذهنيَّة خاصَّة وهمَّة عالية، تُمكِّنهم من تحصيل
المعلومات التخصُّصيَّة بشكل أدقّ وأسرع.
على أنَّ هذه الطُّرُق والأنحاء لا بينونة بينها، فيمكن لفرد واحد أنْ يتلبَّس بها
جميعاً، أو ببعضها.
هذا فيما يرتبط ببيان معنى الدرس المهدوي وما نقصده منه، مع بيان أنحاء التلقِّي
فيه.
النقطة الثالثة: اهتمام أعلام الطائفة بالعقيدة المهدويَّة: نتحدَّث في هذه
النماذج عن الكُتُب والمصنَّفات التي برز فيها
الاهتمام بالعقيدة المهدويَّة كلّاً أو بعضاً ممَّا وصل إلينا من مصنَّفات أصحابنا،
أمَّا ما لم يصل إلينا منها فهو أضعاف مضاعفة، يَعرف ذلك مَنْ يسبر أغوار فهارسهم
ويطَّلع على ما دوَّنوه في مصنَّفاتهم.
ومن بين الواصل إلينا نذكر عدَّة نماذج:
النموذج الأوَّل: كتاب (الكافي) لثقة الإسلام الشيخ الكليني (رحمه الله)، والذي كان
في طليعة علماء الكلام لعصر الغيبة الصغرى وكبار محدِّثيها وفقهائها العظام ممَّن
وصلت كُتُبهم إلينا، وما كتبه في (الكافي) عن عقيدة الإماميَّة في الإمامة، وخصوصاً
في الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) كثير وكبير وعظيم، حيث ذكر (رحمه الله) بعد
مقدَّمة الكتاب عدَّة كُتُب وفصول، منها: كتاب التوحيد، وذكر فيه عدَّة أبواب منها:
باب البيان والتعريف ولزوم الحجَّة، باب اختلاف الحجَّة على عباده، باب حُجَج الله
على خلقه، وهكذا عدَّة أبواب من كتاب التوحيد.
ثمّ ذكر (رحمه الله) كتاب الحجَّة، وذكر فيه العديد من الأبواب أُشير إلى بعضها:
باب الاضطرار إلى الحجَّة، باب أنَّ الحجَّة لا تقوم لله على خلقه إلَّا بإمام، باب
أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة، باب معرفة الإمام والردِّ إليه، باب نادر جامع في فضل
الإمام وصفاته، باب ما فرض الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
من الكون مع الأئمَّة (عليهم السلام)، باب أنَّ الأئمَّة ورثوا علم النبيِّ وجميع
الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم، باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار (عجَّل
الله فرجه)، باب في تسمية مَنْ رآه (عجَّل الله فرجه)، باب في النهي عن الاسم، باب
نادر في حال الغيبة، وهكذا العشرات من الأبواب التي ذكرها في هذا الكتاب أي كتاب
الحجَّة ومن غيره من فصول كتاب (الكافي).
والنظر الدقيق يقتضي أنَّ جملة من هذه الأبواب هي أُصول للعديد
من القواعد للمسائل المهدويَّة الآتية، وتُعتبَر
نصوص الأبواب التي ذكرها مستندات للعديد من القواعد الآتي ذكرها.
النموذج الثاني: الشيخ ابن قبة الرازي (رحمه الله)، هذا الرجل العظيم الذي يصحُّ
لنا أنْ نُلَقِّبه بالمحامي والمدافع عن الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، وكان في
زمان الغيبة الصغرى، وقد ترجم له الشيخ النجاشي (رحمه الله)، قائلاً: (محمّد بن عبد
الرحمن بن قبة الرازي أبو جعفر، متكلِّم، عظيم القدر، حسن العقيدة، قويٌّ في
الكلام، كان قديماً من المعتزلة، وتبصَّر وانتقل. له كُتُب في الكلام)(٧).
وقد تضمَّنت كلمات الشيخ ابن قبة الرازي (رحمه الله) العديد من القواعد(٨)، ومنها:
القاعدة الأُولى: عدم صحَّة الكلام في فرع لم يُحكَم أصله، قال (رحمه الله): (أوَّل
ما يجب أنْ لا نتجاوزه وممَّا قد رضي به أهل النظر، واستعملوه، ورأوا أنَّ مَنْ حاد
عن ذلك فقد ترك سبيل العلماء، وهو أنَّا لا نتكلَّم في فرعٍ لم يثبت أصله)(٩).
هذا نصُّ عبارته في هذا الأصل الذي مشى عليه كلُّ مَنْ جاء بعده.
القاعدة الثانية: لا نزاع ولا خصومة في الأمر الواضح، ويقصد به ضرورة وجود إمام في
كلِّ زمان ولو غاب، والإمامة لا تثبت فيما هو محلُّ شبهة.
القاعدة الثالثة: صِرفُ الادِّعاء ليس من الحُجَج، إذ لو كانت كذلك لصحَّت كلُّ
دعوى.
-----------------
(٧) رجال النجاشي (ص ٣٧٥ و٣٧٦/ الرقم ١٠٢٣).
(٨) ذكرتُ هذه القواعد في عدَّة مقالات تحت عنوان (توضيح الإجابات المتضمِّنة
لتوضيح كلمات الشيخ ابن قبة الرازي (رحمه الله))، ومنشورة في مجلَّة الموعود
الصادرة عن مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في
الأعداد (١٢) و(١٤) و(١٥).
(٩) كمال الدِّين وتمام النعمة (ص ٥٤) وما بعدها.
القاعدة الرابعة: الطلب بمشاهدة الإمام (عجَّل الله
فرجه) في الغيبة لا معنى له، إذ ليس فينا مَنْ يأمر الإمام (عجَّل الله فرجه)،
وإنَّما نحن مأمورون بالوقوف عند طاعته وأوامره.
وغير ذلك ممَّا يقف عليه المتتبِّع لكلماته (رحمه الله).
النموذج الثالث: الشيخ النعماني (رحمه الله)، من تلامذة الشيخ الكليني (رحمه الله).
القواعد والمنهجيَّة في غيبة النعماني:
هذا الكتاب القيِّم يقع في (٢٦) فصلاً، ومن بين أهمّ المسائل التي بحثها الشيخ
النعماني (رحمه الله)، هي: باب الوصيَّة بالإمام، وما روي في أنَّ الأئمَّة اثنا
عشر إماماً، وأنَّهم من الله وباختياره، وأعقب ذلك بما رُوِيَ عن العامَّة.
وهذا منهج وقاعدة متَّبعة في الإثبات، والمهمُّ في هذا الجانب ملاحظة منهجيَّته في
طريقة بيان المسائل المهدويَّة، وتبويبه له.
ثمّ تحدَّث عن الرايات التي تُرفَع قبل القائم (عجَّل الله فرجه)، ومَنْ يدَّعي
الإمامة بغير وجه حقٍّ، ومَنْ يشكُّ في الإمام، وأنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة، وفي
هذا الجانب يجد المدقِّق أنَّه يقتفي أثر شيخه الكليني (رحمه الله) في التصنيف.
ثمّ ذكر ما رُوِيَ في غيبة الإمام الحجَّة من أمير المؤمنين (عليه السلام)
والأئمَّة من ولده (عليهم السلام)، ولعلَّ الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كماله في
هذه المسألة اقتفى أثر الشيخ النعماني (رحمه الله)، لأنَّه في طبقة مشايخه.
ثمّ ذكر الروايات التي تحدَّثت عن مسألة الصبر والانتظار وطلب الفرج وما يقع من
شدَّة، ووظيفة الناس فيها، وله عدَّة تعليقات قيِّمة في آخر بعض الأبواب، وإنْ كانت
هذه التعليقات لا تخلو من النظرة التشائميَّة والحدَّة في بعض الأحيان.
ثمّ ذكر مسألة صفات الإمام (عجَّل الله فرجه) وسيرته وأفعاله وفضائله وما نزل فيه
وما يُعرَف به وصفات جنوده إلى أدقّ التفاصيل، ولعلَّه (رحمه الله) أوَّل مَنْ كتب
في هذا الباب ممَّا وصل إلينا من مصنَّفات الأصحاب.
ثمّ ذكر مسألة العلامات وما يدلُّ على ظهوره
والشدَّة التي تكون قبل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه) وما جاء من العلامات
المحتومة، وفصَّل فيها في عدَّة أبواب بما لا نظير له قبله، من بيان راية الإمام
(عجَّل الله فرجه) وجيش الغضب ومقدار عمره عند خروجه ومدَّة ملكه.
ثمّ ذكر مسألة التوقيت والمنع عن التسمية، وغير ذلك ممَّا يتفرَّع عليها.
ثمّ ذكر مسألة استئناف الإمام للإسلام جديداً، وما ترتَّب على هذه المسألة من
شُبُهات وتُهَم للشيعة إلى يومنا بسبب كون رواياتها من المتشابه.
النموذج الرابع: الشيخ الصدوق (رحمه الله) وكتابه (كمال الدِّين) لا يحتاج إلى
تعريف، وهو من الكُتُب التي اختصَّت ببحث الغيبة مفصَّلاً على طريقة المحدِّثين
ونقل المقولات الكلاميَّة، والصفحات الأُولى منه وبما يقرب من (٦٠) صفحة فيها
عصارات البحث الكلامي في الإمامة، ومنهج متكامل في الردِّ على منكر الإمامة
والغيبة.
كتاب (كمال الدِّين) وتراث ابن قبة الرازي (رحمه الله):
هذا الكتاب هو الوحيد الذي نقل نصوص كلمات الشيخ ابن قبة (رحمه الله) وتضمَّن بعض
كُتُبه، وما وصل إلينا من تراث لابن قبة (رحمه الله) هو عن طريق (كمال الدِّين)
حصراً، فله (رحمه الله) الفضل في ذلك، وبذلك يُعَدُّ هذا الكتاب من الكُتُب
الكلاميَّة المختصَّة ببحث المهدويَّة، والتي مزجت بين منهجيَّة أهل الحديث والكلام
في إثبات الإمامة للحجَّة ابن الحسن والولادة والغيبة وعدَّة مسائل أُخرى.
قواعد المسائل المهدويَّة في كتاب (كمال الدِّين):
من المعلوم أنَّ عدد أبواب الكتاب بعد مقدَّمة كلاميَّة مفصَّلة هي (٥٨) باباً،
أغلبها في إثبات الغيبة، وقد تضمَّن هذا الكتاب المبارك العديد من القواعد، منها:
١ - قاعدة الأشباه والنظائر في إثبات الغيبة، بحث
الشيخ الصدوق (رحمه الله) وقوع الغيبة في الأنبياء (عليهم السلام) بما لم يتطرَّق
إليه غيره (رحمه الله)، وهذه مسألة اختصَّ بها (رحمه الله)، وهي فرع من فروع مسألة
الغيبة، وطريق من طُرُق إثباتها من خلال وقوعها في الأنبياء وجملة من الأولياء
(عليهم السلام) وغيرهم، وهذا منهج رصين وقاعدة عامَّة من قواعد الإثبات تدخل تحت
عمومات الأشباه والنظائر وحكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز.
٢ - قاعدة عدم الاستيحاش من طول العمر، ذكر (رحمه الله) فيها أخبار المعمَّرين لأجل
عدم الاستيحاش من طول العمر في الحجَّة (عجَّل الله فرجه).
٣ - قواعد لعدَّة مسائل وتفريعات، كمسألة التوقيعات، وهو أوَّل مَنْ ذكرها
بعنوانها، مسألة التشرُّف برؤية الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، مسألة العلامات، مسألة
الانتظار وثواب المنتظِرين، مسألة التسمية للحجَّة (عجَّل الله فرجه)، وغيرها.
يتبيَّن لك بمراجعة فاحصة حجم القواعد العامَّة التي تضمَّنها كتاب (كمال الدِّين)
وأهمّيَّتها، وما ذكرناه بعضها.
النموذج الخامس: الشيخ المفيد (رحمه الله)، وكُتُبه ومؤلَّفاته الفقهيَّة منها أو
الكلاميَّة أو غيرهما كثيرة جدًّا، والذي منها في الإمامة وخصوص الحجَّة (عجَّل
الله فرجه) وغيبته عديدة حيث ذكر فيها عدَّة مسائل مرتبطة بالمهدويَّة، ومن بين تلك
الكُتُب المختصَّة: كتاب المسائل العشرة في الغيبة، كتاب مختصر في الغيبة، كتاب
الغيبة الكبير، النقض على الطلحي في الغيبة، جوابات الفارقين في الغيبة، كتاب
الجوابات في خروج الإمام المهدي (عليه السلام)، كتاب الإفصاح في الإمامة، كتاب
الإيضاح، وكتاب العمدة في الإمامة.
وبملاحظة فهرست كتاب المسائل العشرة في الغيبة يتَّضح لك الجهد الكبير الذي بذله
الشيخ المفيد (رحمه الله) في ضبط العديد من قواعد المسائل المهدويَّة،
ومنها المرتبطة بمسألة الغيبة في فصول (١٠)، ونذكر
عدَّة منها على نحو التعداد ونحيل التفصيل إلى المقال المتقدِّم:
* قواعد مرتبطة بمسألة الاستتار.
* قاعدة في ذكر مسألة اختلاف الفِرَق بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام).
* قاعدة في مسألة دواعي إخفاء الإمام العسكري (عليه السلام) لولده.
* قاعدة في مسألة وجوه الغيبة، وأنَّها من القضايا العرفيَّة، وردُّ قول مَنْ أنكر
كونها خارجة عن دائرة العرف.
* قاعدة مستفادة من كلمات الشيخ الصدوق (رحمه الله) في ذكر عدَّة غيبات للأنبياء
(عليهم السلام)، إذ حذا في البحث حذو الشيخ الصدوق (رحمه الله).
* قواعد في مسألة طول العمر وكيفيَّة إثباته.
* قواعد في مسألة علامات الظهور، وكيفيَّة معرفة الإمام (عجَّل الله فرجه) إذا ظهر،
وغير ذلك من المسائل.
النموذج السادس: السيِّد المرتضى (رحمه الله)، وكُتُبه عديدة، ومن بين أبرزها كتاب
(الشافي) الذي كان ردًّا على محاولة القاضي عبد الجبَّار المعتزلي في كتابه
(المغني) تفنيد أقوال الإماميَّة وعقيدتهم في الإمامة بكلِّ ما أُوتي من قوَّة،
ممَّا دعا الشريف المرتضى (رحمه الله) إلى تأليف كتابه (الشافي في الإمامة) الذي
ردَّ فيه عليه، وأبطل حُجَجه، ونقض كتابه المذكور، ولأهمّيَّة الكتاب ودقَّته نجد
أنَّ نفس السيِّد المرتضى (رحمه الله) يشير إليه في كُتُبه الأُخرى ككتاب (تنزيه
الأنبياء (عليهم السلام))، و(الذخيرة في علم الكلام)، و(المقنع). وقد لُخِّص الكتاب
من قِبَل الشيخ الطوسي (رحمه الله) وأسماه (تلخيص الشافي)، وقام أبو الحسن البصري
بنقض الكتاب بكتاب أسماه (نقض الشافي)، وألَّف أبو يعلى سالار ابن عبد العزيز (رحمه
الله) كتاب (الردُّ على أبي الحسن البصري في نقضه كتاب الشافي في الإمامة)، نقض به
كتاب البصري، وكان هذا في حياة السيِّد المرتضى (رحمه الله).
-----------------
(١٠) اُنظر ما قدَّمه الشيخ الآغا بزرك الطهراني (رحمه الله) كترجمة لـ (التبيان في تفسير القرآن)، وكذا السيِّد حسين بحر العلوم (رحمه الله) كمقدَّمة لكتاب (تلخيص الشافي).
كتاب (المقنع في الغيبة):
ومن كُتُبه المختصَّة بالمسائل المهدويَّة كتابه (المقنع في الغيبة)، وهو من بين
أدقّ الكُتُب وأعمقها في بحث مسائل الغيبة بل وغيرها، وممَّا تعرَّض له (رحمه الله)
في هذا الكتاب:
قواعد عديدة بحث فيها (رحمه الله) الأُصول الموضوعة لإثبات الغيبة، ومنها:
* أصل وجوب الإمام والعصمة.
* فرعيَّة البحث في المسائل المهدويَّة على الأُصول.
* قواعد مسألة عِلَل الغيبة.
* قاعدة مسألة الاستتار.
* عدَّة قواعد في مسألة إقامة الحدود في الغيبة، وإمكان إقامة واستخلاف الإمام
(عجَّل الله فرجه) لغيره.
* قاعدة حسَّاسة فيما لو احتجنا إلى الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه) في بيان حكم
مسألة مهمَّة ما هو السبيل؟
* قاعدة في مسألة عدم ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه) لأوليائه.
* قاعدة في مسألة عدم منع الغيبة للإمام (عجَّل الله فرجه) من التأثير.
* قاعدة في مسألة علم الإمام (عجَّل الله فرجه) في الغيبة بما يجري وحكمه.
* قاعدة في مسألة كيفيَّة معرفة الإمام (عجَّل الله فرجه) بوقت ظهوره، وعلى أيِّ
شيء يعتمد، وفصَّل فيها تفصيلاً دقيقاً.
النموذج السابع: شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (رحمه الله)، وهو غنيٌّ عن التعريف، وله
العديد من الكُتُب والفصول في مسائل الإمامة والغيبة، مبثوثة في مصنَّفاته، وكتابه
العظيم كتاب (الغيبة) الذي يُمثِّل دورةً كلاميَّةً متكاملةً مرتبطةً بالإمام
المهدي (عجَّل الله فرجه) قلَّ نظيرها، فقد جمع في هذا الكتاب بين الاستيعاب لأغلب
مسائل المهدويَّة حيث فصَّل فيها وذكر في أغلبها
القواعد التي يصحُّ الاعتماد عليها في إثبات المسائل المهدويَّة.
القواعد العامَّة التي ينبغي الاشتغال عليها،
وآليَّات التعاطي المعرفي مع المهدويَّة في عدَّة نقاط:
النقطة الأولى: البحث العامُّ في تأسيس القواعد:
نتحدَّث في هذه النقطة من هذا الفصل عن إطلالة في كيفيَّة تخريج القواعد المهدويَّة
من خلال الاستعانة بما تمَّ تقعيده في علم الكلام والتفسير والأُصول وغيرها من
العلوم، إذ ليس المقصود من بناء القواعد في العقيدة المهدويَّة هو البناء لها بمعزل
عن القواعد العامَّة المذكورة في العلوم الدِّينيَّة وما يدخل في بناء الأُصول
والقوانين العامَّة، كلَّا وحاشا، بل المقصود هو توظيف ما هو أصيل منها، وبيان وجوه
ربطه وتحليله، والجهد يكمن في كيفيَّة توظيفه وجعله متناسباً مع محلِّ البحث، أو في
كيفيَّة تخريجه وضبطه بما يناسب البحث المهدوي بعد إجراء إصلاحات عليه، وعلى سبيل
المثال لو قُدِّر لشخص أنْ يكتب دروساً مهدويَّة ويضع منهجيَّة ويُقعِّد لبحثه
القواعد الداخلة والمؤثرة في ضبط مسائل البحث ترى كيف سيصنع؟
نجد أنَّه سينظر وعلى سبيل المثال إلى مسائل علم الكلام أو مسائل علم الأُصول أو
التفسير أو غيرهم من العلوم الدِّينيَّة، وكيف تكوَّنت، بل وإلى مسائل علم
الرياضيَّات أو علم الهندسة أو الطبِّ، وغيرها من العلوم، ومَنْ ينظر كذلك سيجد
أنَّ سيرة العقلاء بمعونة ما أعطته السماء، وبتراكم الخبرات وتلبية للحاجات
المستجدَّة والمختلفة أنَّها أوجبت تطوُّر العلوم وتفتُّق بعضها من بعض، وسيجد
المتأمِّل الفطن أنَّ في هذه العلوم جملة من القوانين العامَّة وأُخرى خاصَّة
وتطبيقيَّة، وأنَّ القواعد والقوانين ينقسم بعضها إلى بديهيَّة وضروريَّة،
وإلى أُخرى نظريَّة تحتاج إلى استدلال، وهذا هو
الحال في كلِّ صنعة وعلم وفنٍّ من الفنون والمعارف.
النقطة الثانية: القواعد في المهدويَّة:
تنقسم القواعد المهدوية إلى قسمين عام وخاص، سواء كانت متداخلة مع علوم أُخرى أو
مختصَّة بعلم المهدويَّة:
١ - القواعد العامَّة:
المسائل المهدويَّة من جهات عديدة مشابهة للمسائل الكلاميَّة والتفسيريَّة، بل وبعض
الفقهيَّة، في اعتمادها على قواعد مشتركة تُبحَث في علوم أُخرى مستقلَّة عن علمها،
كعلم الأُصول مثلاً أو علوم الحديث.
فالدارس للمسائل المهدويَّة يأخذ مسائله المرتبطة بعلوم الحديث من هناك، بعد أنْ
يكون له نظر خاصٌّ فيها ليتجنَّب الوقوع في التقليد - لمن يريد التخصُّص -، وكذلك
المسائل المرتبطة بعلم الأُصول أو غيره من علمي التفسير أو الكلام.
فمسائل المهدويَّة إنَّما يثبت جملة وافرة منها بنفس الطُّرُق التي تثبت بها
المسائل الكلاميَّة في بحث التوحيد والنبوَّة والإمامة، فمسائل المهدويَّة وإنْ
كانت واسعة إلَّا أنَّها تبقى فرعاً على بحث الإمامة، كما أنَّ مسائل الصفات
الإلهيَّة وإنْ توسَّعت تبقى فرعاً على توحيد الذات، وكذلك المسائل المرتبطة بصلاة
المسافر وإنْ توسَّعت فهي فرع من بحث الصلاة التي هي فرع من فروع الدِّين، وهكذا
مسائل بيع الفضولي وإنْ توسَّعت تبقى فرعاً من مسألة البيع التي هي فرع من فروع
مسائل المعاملات، وهكذا.
فضرورة وجود الإمام (عليه السلام) في كلِّ زمان وعصمته ونوع علمه وصفاته وخصائصه
ممَّا بُحِثَت مفصَّلاً في علم الكلام، والذي يعتمد بدوره كثيراً على علوم الحديث،
ومسائل من هذا القبيل وإنْ كانت مهدويَّة بالمعنى الأخصّ لكن
أدوات بحثها تُؤخَذ كأُصول موضوعة إمَّا من علوم
الحديث أو علم الكلام أو علم الأُصول أو غيرها من العلوم الأُخرى، ويقوم الدارس
للمسائل المهدويَّة بتطبيقها هنا، هذا بعد أنْ يكون قد امتلك النظر الخاصَّ في تلك
المسائل، وإلَّا كان مقلِّداً لغيره.
٢ - القواعد الخاصَّة:
وهي عديدة، نذكر منها جهات أربع - بحسب التصنيف الذي نعتمده -، وهذا التربيع ليس
حصريًّا، فيمكن لمتخصِّص آخر تخميسها أو تثليثها حسب ما يعتمده من منهجيَّة بحثيَّة
وقدرة في ضبط المسائل وتفريعاتها، وما يمتلكه من إحاطة فهرسيَّة في ما يدخل في كلِّ
باب، والجهات هي:
الجهة الأُولى: قواعد مسائل الإمامة الخاصَّة والولادة والغيبة:
هذه مسائل مهدويَّة ثلاثة، وهي من كبريات مسائل المهدويَّة، وهي الإمامة الخاصَّة
للإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، ومسألة ولادته وقواعدها، ومسألة غيبته وقواعدها،
وهذه الجهة تقع في فصول ثلاثة، وكلُّ فصل منها له قواعده العامَّة المشتركة مع غيره
بالمعنى المتقدِّم، وله قواعده الخاصَّة، بل بعض مسائل الفصول تختصُّ بقواعد
تخصُّها.
وفصول هذه الجهة (الثلاث) ترتبط بجملة قواعد عقليَّة وعقلائيَّة وقرآنيَّة
وحديثيَّة، وغيرها.
وممَّا يتفرَّع على فصل الإمامة بحث معناها وحدودها وأدلَّتها ودفع الشُّبُهات
المثارة حولها، هذا كلُّه في غير الزوايا العامَّة من بحث الإمامة، أمَّا فيما
يرتبط بالبحوث العامَّة للإمامة فيمكن بيان القواعد فيها بنحو الأصل الموضوعي
والإشارة إلى مواطن بحثها هناك، كما فعل السيِّد المرتضى (رحمه الله) في كتاب
(الشافي)، وشيخ الطائفة (رحمه الله) في غير واحد من كُتُبه، وعلى رأسها (الغيبة)،
على ما مرَّت الإشارة إليه.
وممَّا يتفرَّع على فصل الولادة بيان عدَّة قواعد
لعدَّة مسائل، منها: كيفيَّة الإثبات بالأدلَّة العامَّة أو الخاصَّة، ومتى وقعت،
وجملة من تفصيلاتها، ومَنْ قال بها، وردُّ شُبُهات مَنْ أنكرها، وما يرتبط بهذا
البحث من تفصيلات.
الجهة الثانية: قواعد مسائل النيابة في الغيبتين:
وهي جهة مترتِّبة على أصل الغيبة، وبعض مسائلها تقدَّم ذكرها فيما سبق لارتباطها
بأصل الغيبة، ويمكن تقسيم هذه الجهة إلى فصلين: فصل الغيبة الصغرى، وفصل الغيبة
الكبرى.
ومن العناوين العامَّة في بحث النيابة: تعريف النيابة بحسب الزمان، أقسامها، مصاديق
النيابة والسفارة في الغيبة الصغرى، أدلَّة إثبات النيابة للنائب، حدود وصلاحيَّات
النائب، مقامات النوَّاب، حدود حجّيَّة النوَّاب، دار الوكالة والنيابة، حقيقة
التوقيعات وحجّيَّتها، طُرُق وصولها وعددها، الآثار المترتِّبة عليها، وغير ذلك.
النيابة في عصر الغيبة الكبرى، الأدلَّة على النيابة العامَّة، حدود وصلاحيَّات
الفقهاء، المسائل المتفرِّعة على بحث النيابة العامَّة من حفظ النظام ومنظومة
الحقوق والنظام المالي والإداري والاجتماعي وغيرها.
وفي الفصلين العديد من المسائل التي تحوي جملة غير قليلة من القواعد.
الجهة الثالثة: قواعد مسائل العلامات وتقسيماتها وحجّيَّتها وتطبيقاتها - التطبيق
والتوقيت - وضبطها وأحكامها، وما هو دور المؤمنين تجاه هذه العلامات، ودورهم تجاه
مَنْ يُطبِّقها خطأً، وهو بحث تفرَّع عليه العديد من المسائل الابتلائيَّة، ويختصُّ
بجملة من القواعد والأُصول المتناثرة في عدَّة علوم ومسائل.
الجهة الرابعة: قواعد مسائل الدولة والرجعة:
وهو بحث في غاية السعة والأهمّيَّة، وتفرَّع عليه عدَّة مسائل وتفصيلات
مهمَّة ذُكِرَت في محلِّها، من بحث دولته ومدَّتها
وحال الناس فيها، وحال الأديان والرجعة وتفصيلاتها، وكلُّ واحدة من هذه المسائل
تخضع للعديد من القواعد والأُصول الخاصَّة أو العامَّة.
قبل الختام توصية:
بعد هذا الاطِّلاع يتَّضح لك أهمّيَّة الدرس المهدوي بما لا شكَّ فيه بالمعنى
المتقدِّم، بل المأمول والمرجوُّ أنْ ننتقل من مرحلة الدرس المهدوي إلى مرحلة علم
المهدويَّة، فهو من جهة التعريف والغرض والمسائل يكاد يكون مستقلًّا.
نسأله تعالى بحقِّ صحاب الأمر (عجَّل الله فرجه) أنْ يفتح سُبُل صيرورة هذا الأمر.
التمهيد الثاني: المؤلِّف والمؤلَّف في عدَّة
نقاط:
ونضعه في نقاط:
النقطة الأُولى: موجز تعريفي بشيخ الطائفة
(رحمه الله)(١٠):
وُلِدَ شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليِّ بن الحسن الطوسي (قدّس سرّه)
في سنة (٣٨٥هـ)، بعد أربع سنين من وفاة الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)، في بلاد طوس،
وتلقَّى فيها تعليمه إلى أنْ هاجر إلى بغداد عام (٤٠٨هـ)، وكانت الزعامة قد صارت
إلى الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (قدّس سرّه).
فنزل على مدرسته العلميَّة، وأخذ ينتهل من معين علمه ومن أساطين الحوزة الآخرين،
ومنهم شيخه الحسن بن عبد الله الغضائري (رحمه الله) وغيره، وقد شارك النجاشي (رحمه
الله) في كثير من مشايخه.
إلى أنْ تُوفِّي الشيخ المفيد (قدّس سرّه) سنة (٤١٣هـ)، فحضر عند علم الهدى
السيِّد المرتضى (قدّس سرّه) الذي آلت إليه زعامة
المذهب، ولم يألُ سيِّدنا المرتضى (قدّس سرّه) جهداً في تقدير شيخنا الطوسي (قدّس
سرّه)، وتقييم مواهبه النادرة، فقد أعلى مجلسه في مدرسته العلميَّة (دار العلم)،
ووضع تحت تصرُّفه مكتبته الضخمة، وعيَّن له مرتَّباً شهريًّا كافياً في كلِّ شهر
اثنا عشر ديناراً، وقد ذكر الشيخ البهائي (رحمه الله) في (الكشكول) ما كان يجريه
المرتضى للشيخ الطوسي (رحمهما الله)، وقال بعده: (ولابن البرَّاج كلَّ شهر ثمانية
دنانير)(١١)، وداراً للسكنى، وهيَّأ له جميع مؤهِّلات التحصيل والتدريس والتأليف.
وفي سنة (٤٣٦هـ) التي تُوفِّي فيها السيِّد المرتضى (قدّس سرّه) تقلَّد شيخ
الطائفة (قدّس سرّه) زعامة المذهب، وأُثنيت له الوسادة لرئاسته وقيادته.
فكان مجلسه على ما ذُكِرَ في وصفه (يضمُّ أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الشيعة، أمَّا
من العامَّة فالعدد الكثير)، وبلغت به العظمة أوجها، والزعامة ذروتها، حتَّى جعل له
خليفة زمانه (القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد الخليفة العبَّاسي)
كرسي الكلام والإفادة، كما كان لشيخه المفيد (قدّس سرّه) من قبل(١٢).
إلى أنْ أُثيرت الفتن (الجانبيَّة) من كلِّ صوب وحدب على عهد السفَّاح
-----------------
(١١) الكشكول (ج ٢/ ص ٧).
(١٢) هذا هو المعروف، ولكن للشيخ النجاشي (رحمه الله) كلام آخر، قال في فهرسته (ص
٤٠٤/ الرقم ١٠٧٠): (محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري أبو یعلى، خليفة الشيخ أبي عبد
الله بن النعمان والجالس مجلسه، متكلِّم، فقيه، قيِّم بالأمرين جميعاً، له
كُتُب...، مات (رحمه الله) [في] يوم السبت، سادس شهر رمضان، سنة ثلاث وستِّين
وأربعمائة، ودُفِنَ في داره).
ومعنى كونه قيِّم بالأمرين معاً أي الفقه والكلام، وصريح عبارته أنَّه جلس مجلس
الشيخ المفيد (قدّس سرّه).
ويمكن أنْ يُوجَّه كلام الشيخ النجاشي (قدّس سرّه) بعدم المنافاة باعتبار اختلاف
الأوقات أو تعدُّد المرجعيَّات، كما هو الحال في زماننا.
الأهوج (طغرلبك السلجوقي)، فأُبيحت بغداد لأيدي
المستهترين بالعلم والكرامة، وأحدق البلاء بشيخنا الطوسي (قدّس سرّه) أكثر...
وأُحرِقَت داره وكُتُبه ومؤلَّفاته التي ألَّفها في بغداد، ونُهِبَت عامَّة كُتُب
الشيعة ودورهم، وأُحرِقَت مكتبة الشيعة الضخمة (دار العلم)...
ولـمَّا رأى شيخنا (قدّس سرّه) توسُّع الفتنة في بغداد، وخشي الخطر على نفسه - بعد
أنْ ذهبت جميع أمواله وكُتُبه ضحيَّة الحقد البغيض وأكلةً لنار التعصُّب الطائفي -
خرج بأهله وولده لاجئاً إلى قبر الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) في النجف
الأشرف، وذلك سنة (٤٤٨هـ)، وبقي فيها إلى أنْ وافته المنيَّة، وتُوفِّي فيها سنة
(٤٦٠هـ) عن عمر ناهز (٧٥) عاماً.
ولو استعرضنا عمره المبارك لجاء هكذا:
١ - (٣٨٥ - ٤٠٨هـ) في طوس، وُلِدَ ونشأ، ودرس العلوم الدِّينيَّة على أيدي علمائها
المبرزين.
٢ - (٤٠٨ - ٤١٣هـ) خمسة من الأعوام قضاها في كنف أُستاذه الأعظم الشيخ المفيد (قدّس
سرّه).
٣ - (٤١٣ - ٤٣٦هـ) المدَّة التي أفاد بها في ظلِّ أُستاذه الثاني علم الهدى (قدّس
سرّه).
٤ - (٤٣٦ - ٤٤٨هـ) استقلَّ - بعد وفاة السيِّد المرتضى (قدّس سرّه) - برئاسة
المذهب.
٥ - (٤٤٨ - ٤٦٠هـ) الهجرة إلى النجف الأشرف.
* خَلَفَ الشيخ (قدّس سرّه) ولده الحسن بن محمّد بن الحسن المعروف بأبي عليٍّ
الطوسي (قدّس سرّه).
قال عنه الشيخ الحرُّ العاملي (قدّس سرّه): (الشيخ أبو عليٍّ الحسن بن محمّد بن
الحسن بن عليٍّ الطوسي، كان عالماً، فاضلاً،
فقيهاً، محدِّثاً، جليلاً، ثقةً، له كُتُب...)(١٣).
تُوفِّي في النجف الأشرف (سنة ٥١٥هـ) - تقريباً -، ودُفِنَ مع أبيه عند رجليه.
النقطة الثانية: التعريف بكتاب (الغيبة) في
نقاط:
١ - اسم الكتاب:
* ذكر الشيخ (قدّس سرّه) في (الفهرست) عندما ترجم لنفسه قائلاً: (محمّد بن الحسن بن
عليٍّ الطوسي، مصنِّف هذا الفهرست، له مصنَّفات، منها: كتاب تهذيب الأحكام، وهو
يشتمل على عدَّة كُتُب من كُتُب الفقه...، وله كتاب مختصر أخبار المختار بن أبي
عبيدة (رحمه الله)، وله كتاب الغيبة، وله كتاب المسائل الحائريَّة، نحو من ثلاثمائة
مسألة، وله كتاب هداية المسترشد وبصيرة المتعبِّد، وله كتاب اختيار الرجال، وله
كتاب المجالس في الأخبار، وله كتاب مقتل الحسين (عليه السلام)، وله كتاب في الأُصول
كبير، خرج منه الكلام في التوحيد وبعض الكلام في العدل...)(١٤).
* وكذلك عبَّر عنه الشيخ الآغا بزرك الطهراني (رحمه الله) - سواء في كتاب (الذريعة
إلى تصانيف الشيعة)(١٥)، أو في المقدَّمة القيِّمة التي وضعها لهذا الكتاب(١٦) - بـ
(الغيبة).
* ولكن بعض الكُتَّاب ادَّعى أنَّ الشيخ (قدّس سرّه) لم يضع عنواناً لهذا
الكتاب(١٧).
-----------------
(١٣) أمل الآمل (ج ٢/ ص ٧٦/ الرقم ٢٠٨).
(١٤) الفهرست (ص ٢٤٠ - ٢٤٢/ الرقم ٧١٤/١٢٩).
(١٥) الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج ١٦/ ص ٧٩/ الرقم ٣٩٩).
(١٦) الغيبة للطوسي (ص ٩/ ط مطبعة النعمان).
(١٧) راجع: مجلَّة الموعود (العدد ١/ ص ٢٥٧/ مقال: كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي
الجامع للمسائل العقليَّة والنقليَّة في موضوع الغيبة، للكاتب عبَّاس إسماعيل
زاده).
٢ - موضوع الكتاب وسبب التأليف:
قال الشيخ (قدّس سرّه) في مقدَّمة الكتاب: (... أمَّا بعد فإنِّي مجيب إلى ما رسمه
الشيخ الجليل أطال الله بقاءه من إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان، وسبب غيبته،
والعلَّة التي لأجلها طالت غيبته، وامتداد استتاره، مع شدَّة الحاجة إليه، وانتشار
الحيل، ووقوع الهرج والمرج، وكثرة الفساد في الأرض، وظهوره في البرِّ والبحر،
ولِـمَ لم يظهر، وما المانع منه، وما المحوج إليه، والجواب عن كلِّ ما يُسئَل في
ذلك من شُبَه المخالفين، ومطاعن المعاندين، وأنا مجيب إلى ما سأله، وممتثل ما
رسمه...)(١٨).
مَنْ هو الشيخ الجليل؟
وقع كلام في تحديد هويَّة هذا الشيخ:
* جاء في هامش بعض النُّسَخ المطبوعة لهذا الكتاب: (إنَّ مراد المؤلِّف من عبارة
(الشيخ الجليل) هو الشيخ المفيد (قدّس سرّه))(١٩).
ويردُّه: أنَّ وفاة الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في سنة (٤١٣هـ)، وكان تأليف هذا
الكتاب بتصريح الشيخ (قدّس سرّه) - كما سيتَّضح - في سنة (٤٤٧هـ)، خاصَّةً وأنَّ
الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) يُعقِّب على هذا (الشيخ الجليل) بالدعاء له قائلاً: (أطال
الله بقاءه)، الأمر الذي يحكي عن أنَّ هذا الشيخ كان حيًّا أثناء تأليف الشيخ
الطوسي (قدّس سرّه) لهذا الكتاب.
* قيل: (... والذي يبدو - من خلال الالتفات إلى تاريخ وفيات مشايخ الطوسي (قدّس
سرّه) - أنَّ بالإمكان تحديد المراد من عبارة (الشيخ الجليل)، فإنَّ الذي بقي على
قيد الحياة من مجموع مشايخ الطوسي (قدّس سرّه) الثمانية والثلاثين(٢٠) - على ما
-----------------
(١٨) الغيبة للطوسي (ص ١ و٢).
(١٩) اُنظر: الغيبة للطوسي (ص ٢/ ط مطبعة النعمان).
(٢٠) وقد ذكر الشيخ الآغا بزرك الطهراني (رحمه الله) أنَّ عدد شيوخ الطوسي (قدّس
سرّه) يصل إلى (٤٠) شيخاً، إلَّا أنَّه لم يذكر منهم مَنْ كان حيًّا في (حياة الشيخ
الطوسي (قدّس سرّه)) سوى (٣٧) شيخاً فقط.
ذُكِرَ - في فترة تأليف هذا الكتاب، شيخان فقط(٢١)،
وهما: القاضي أبو القاسم عليٌّ التنوخي (رحمه الله) (ت ٤٤٧هـ)، وأبو العبَّاس أحمد
بن عليٍّ النجاشي (رحمه الله) صاحب كتاب الرجال (ت ٤٥٠هـ). وعليه لا بدَّ أنْ يكون
الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) قد ألَّف هذا الكتاب نزولاً عند طلب أحد هذين الشيخين).
ولكن صاحب كتاب الرجال المعروف هو زميل الشيخ (قدّس سرّه) لا أُستاذه، نعم والد
النجاشي في طبقة مشايخ الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)، إلَّا أنَّه ليس له كتاب رجالي
معروف.
إلَّا إذا قيل: إنَّ مراد المؤلِّف من (الشيخ الجليل) شخصاً من أقرانه في العلم.
بيد أنَّ هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً أيضاً؛ وذلك لأنَّ الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) قد
تولَّى زعامة الطائفة (الشيعيَّة) سنة (٤٣٦هـ) بعد رحيل أُستاذه السيِّد المرتضى
(قدّس سرّه)، ولم يرد في بيان سيرته أنَّ شخصاً كان من أقرانه في تلك الفترة، بل
قيل في عظمته: (إنَّه بلغ مرتبة أعطاه الخليفة في حينها كرسي الكلام)(٢٢).
وإنْ كان بالإمكان أنْ يكون خطاب الشيخ (قدّس سرّه) لهذا الرجل من باب الإجلال
والتكريم سواء كان من أقرانه أو حتَّى من تلامذته، من باب التواضع وجميل الأدب، كما
هو المعهود من سيرة علمائنا نزولاً عند رغبة مَنْ يطلب منهم الكتابة في بعض
الموضوعات المهمَّة.
-----------------
(٢١) وقد تمَّ ذكر تاريخ وفاة الكثير من هؤلاء
المشايخ في المصدرين الآنفين، كما يمكن الحصول على تواريخ وفيات الآخرين من خلال
الرجوع إلى مقال (رجال عصر الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب ألفية الشيخ الطوسي
(هزاره شيخ طوسي) (ص ١١٨))، وفيما يتعلَّق بالعلماء الذين يرجع تاريخ وفاتهم إلى
عام (٤٤٧هـ) فما بعد لا نرى من شيوخه غير هذين الشيخين.
(٢٢) اُنظر: مجلَّة علوم الحديث (ج ٦/ ص ١٢٥/ مقال: حياة الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)
وسيرته، بقلم: السيِّد بحر العلوم (رحمه الله)).
* مع عدم القرينة على تحديد هويَّة (الشيخ الجليل)
يبقى اسمه مجهولاً بالنسبة لنا، وهو الأرجح.
٣ - أين ومتى تمَّ تأليف (الغيبة)؟
الراجح أنَّه تمَّ تأليف الكتاب في بغداد، وتوجد عدَّة شواهد من الكتاب تدلُّ عليه،
فإنَّ الشيخ (قدّس سرّه) هاجر إلى النجف (٤٤٨هـ) بينما تلك الشواهد تتحدَّث عن عام
(٤٤٧هـ)، منها:
* قوله (قدّس سرّه): (فإنْ قيل: ادِّعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات...،
لأنَّه على قولكم [له] في هذا الوقت - الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة - مائة
وواحد وتسعون سنة)(٢٣).
* قوله (قدّس سرّه): (قال محمّد بن الحسن - مصنِّف هذا الكتاب -: رأيت قبره في
الموضع الذي ذكره...، وهو إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة)(٢٤)، جاء
هذا في معرض حديثه عن زيارته لقبر عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) السفير الأوَّل
للإمام (عجَّل الله فرجه).
٤ - الرجال والتوثيق:
يُعَدُّ كتاب (الغيبة) لشيخ الطائفة (قدّس سرّه) من المصادر المهمَّة في التوثيق
الخاصِّ أو العامِّ، فقد تناول (قدّس سرّه) العديد من الموارد التي يُستفاد منها
التوثيق، من قبيل:
* عنوان الوكالة(٢٥):
وقد صنَّف (قدّس سرّه) فيها الوكلاء إلى صنفين:
١- أهل الصلاح والاستقامة، من قبيل: حمران بن أعين، والمفضَّل بن
-----------------
(٢٣) الغيبة للطوسي (ص ١١٢).
(٢٤) الغيبة للطوسي (ص ٣٥٨).
(٢٥) لدلالة العنوان على التوثيق أو الحسن عند بعضهم لمطلق العنوان، وإنْ أوجب
التضعيف لمن ثبت انحرافهم عند البعض.
عمر، والمعلَّى بن خُنَيس، ونصر بن قابوس اللخمي،
وصفوان بن يحيى، ومحمّد بن سنان، وعليِّ بن مهزيار الأهوازي، وأيُّوب بن نوح بن
درَّاج، وغيرهم، حيث كانوا من الوكلاء الصالحين(٢٦).
٢ - أهل الانحراف والضلال، من قبيل: صالح بن محمّد بن سهل، وفارس بن حاتم بن ماهويه
القزويني، وأحمد بن هلال العبرتائي، وأبي طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال، حيث كانوا
من المذمومين(٢٧).
* المقالات والفِرَق:
يتحدَّث شيخ الطائفة (قدّس سرّه) عن العديد من الفِرَق وعن مقالاتهم وإبطالها
كالسبئيَّة والكيسانيَّة والناووسيَّة والفطحيَّة والمحمّديَّة والواقفيَّة،
ويتحدَّث من زاوية أُخرى عن انقراض هذه الفِرَق وعدم بقائها إلى زمان تأليف هذا
الكتاب، وهذا له أهمّيَّة كبيرة - في تقسيم الرجال وتصنيفهم بحسب وقفهم - حيث
قال (قدّس سرّه): (على أنَّ هذه الفِرَق كلَّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل
يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل)(٢٨).
كما ويتحدَّث عن صنفين من الواقفة:
١ - مَنْ استمرَّ وقفهم إلى أنْ ماتوا عليه، من قبيل: زياد بن مروان القندي، وعثمان
بن عيسى الرواسي، وغيرهما على ما يأتي.
٢ - مَنْ رجعوا عنه، من قبيل: عبد الرحمن بن الحجَّاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن
يعقوب، وجميل بن درَّاج، وحمَّاد بن عيسى (٢٩).
* * *
-----------------
(٢٦) الغيبة للطوسي (ص ٣٤٦) وما بعدها.
(٢٧) الغيبة للطوسي (ص ٣٥١) وما بعدها.
(٢٨) الغيبة للطوسي (ص ٢٢٨).
(٢٩) الغيبة للطوسي (ص ٧١).
النقطة الثالثة: مصادر كتاب (الغيبة):
اعتمد شيخ الطائفة (قدّس سرّه) على عدَّة مصادر في تأليفه لكتاب (الغيبة)، ونحن
نُصنِّفها إلى صنفين:
أوَّلاً: المصادر التي اعتمد عليها في البحوث
الكلاميَّة والعقليَّة:
وهي:
١ - تلخيص الشافي(٣١)، قال (قدّس سرّه): (قد أجبنا عن هذا السؤال في التلخيص
مستوفًى، وجملته أنَّ...)(٣٢).
٢ - شرح جُمَل العلم والعمل(٣٣)، قال (قدّس سرّه): (وأجبنا عن كلِّ ما يُسئَل على
-----------------
(٣٠) (٢٨/ ربيع الأوَّل/ ١٤٤٤هـ).
(٣١) يُمثِّل كتاب شيخ الطائفة (قدّس سرّه) (تلخيص الشافي) شرحاً لكتاب أُستاذه
السيِّد المرتضى (قدّس سرّه) (الشافي في الإمامة)، وكان سبب تأليفه الردَّ على كتاب
المغني للقاضي عبد الجبَّار المعتزلي الذي أراد أنْ يُفنِّد فيه أقوال الإماميَّة
وعقيدتهم فيها، فألَّف السيِّد المرتضى (قدّس سرّه) (الشافي في الإمامة) للردِّ
عليه ونقض حُجَجه، وانتهى إلى إثبات الإمامة وضرورتها عقلاً ونقلاً، وهو من الكُتُب
المشهورة، وقد طُبِعَ عدَّة طبعات، منها ما طُبِعَ بتحقيق: السيِّد حسين بحر العلوم
(رحمه الله).
(٣٢) الغيبة للطوسي (ص ٩٦).
(٣٣) يُعَدُّ كتاب (جُمَل العلم والعمل) أو كما قيل (شرح جُمَل العلم والعمل) من
أهمّ الكُتُب الكلاميَّة والفقهيَّة التي ألَّفها السيد المرتضى (قدّس سرّه)، وهو
مع صِغَر حجمه كتاب قيِّم شائع، تلقَّته الأوساط العلميَّة منذ زمن السيِّد (قدّس
سرّه) إلى زماننا هذا بالقبول، قال عنه القاضي عبد الجبَّار إمام المعتزلة: (لو لم
يكن للسيِّد المرتضى إلَّا هذا المختصر لفُضِّل به على كلِّ مصنِّف).
والظاهر أنَّ السيِّد (قدّس سرّه) كتبه باستدعاء من الشيخ المفيد (قدّس سرّه) كما
قال في مقدَّمته؛ يُراجَع: مقدَّمة كتاب شرح جُمَل العلم والعمل، تحقيق: الشيخ
يعقوب الجعفري المراغي (ص ٢٣).
ذلك مستوفًى في تلخيص الشافي وشرح الجُمَل، لا نُطوِّل بذكره هاهنا)(٣٤).
٣ - الذخيرة في علم الكلام للسيِّد المرتضى (قدّس سرّه)(٣٥)، قال (قدّس سرّه):
(الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى (قدّس سرّه) في الذخيرة...)(٣٦).
٤ - كُتُب ابن قبة الرازي (رحمه الله) التي أورد معظمها الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)
في (كمال الدِّين)، حيث نجد التطابق التامَّ في بعض الموارد، منها: معالجة بعض
شُبُهات الغيبة، والردُّ على جماعة جعفر، وإنكار الولادة.
٥ - الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد (قدّس سرّه)، ولم يذكره صريحاً، إلَّا
أنَّه بالمقارنة بين المعلومات الواردة في (الغيبة) وبين الواردة في (الفصول) نجد
التطابق التامَّ أو التقارب الكبير، كما سيأتي مفصَّلاً، ومنها: الردُّ على فِرَق
الواقفة، وطول عمر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وذكر بعض المعمَّرين.
٦- المقنع للسيِّد المرتضى (قدّس سرّه)، أيضاً لم يذكره صريحاً، ويمكن استفادة
التطابق التامِّ أو الجزئي في بعض المباحث على ما سيأتي.
-----------------
(٣٤) الغيبة للطوسي (ص ٥).
(٣٥) يُعَدُّ كتاب (الذخيرة في علم الكلام) للسيِّد المرتضى (قدّس سرّه) من أبرز
وأهمّ الكُتُب الكلاميَّة، وقد كان كُتُبه في أوائل تأليفه كمختصر عن كتابه الذي
توقَّف عنه ولم يُكمِله وهو كتاب (الملخَّص في علم الكلام)، وقال عن ذلك (قدّس
سرّه) ما نصُّه: (وبين أوائل هذا الكتاب وأواخره تفاوت ظاهر، فإنَّ أوَّله على غاية
الاختصار، والبسط والشرح معتمدان في أواخره، والعذر في ذلك: أنَّا بدأنا باملائه
والنيَّة فيه الاختصار الشديد تعويلاً على أنَّ الاستيفاء والاستقصاء يكونان في
كتاب الملخَّص، فلمَّا وقف تمام املاء الملخَّص - لعوائق الزمان التي لا تُملَك -
تغيَّرت النيَّة في كتابنا هذا وزدنا في بسطه وشرحه، وإذا جُمِعَ بين ما خرج من
كتاب الملخَّص وجُعِلَ ما انتهى إليه كأنَّه لهذا الكتاب وُجِدَ بذلك الكلام في
جميع أبواب الأُصول مستوفًى مستقصًى)؛ يُراجَع: الذخيرة في علم الكلام، تحقيق:
السيِّد أحمد الحسيني (ص ٦٠٧).
(٣٦) الغيبة للطوسي (ص ١٢).
ثانياً: المصادر التي اعتمد عليها في البحوث
الروائيَّة والتاريخيَّة:
وهي على أصناف أيضاً:
الصنف الأوَّل: المصادر المتداولة والمطبوعة:
وهي:
١ - كتاب الكافي، للشيخ الكليني (رحمه الله).
٢ - الغيبة، للشيخ النعماني (رحمه الله).
٣ - كمال الدِّين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق (قدّس سرّه).
٤ - كتاب مسائل عليِّ بن جعفر (عليه السلام).
٥ - كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي (رحمه الله).
وسنتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) لهذه الكُتُب وعن موارد الروايات
المنقولة وعددها واختلاف النقل بينها وآثاره، كلٌّ في مورده.
الصنف الثاني: المصادر غير الموجودة:
١ و ٢ - الرجعة وكتاب القائم (عجَّل الله فرجه)، للفضل بن شاذان النيسابوري (رحمه
الله).
٣ - أخبار الأبواب، لأحمد بن عليِّ بن عبَّاس بن نوح، أبو العبَّاس السيرافي.
وطريق الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) إلى كتاب (الأبواب)، بواسطة (جماعة من
أصحابنا)(٣٧)، وهو هنا بواسطة (الحسين بن إبراهيم القمِّي)، الذي ينقل عنه عن
الكتاب.
إنْ قلتَ: إنَّ الشيخ (قدّس سرّه) بنفسه يُصرِّح أنَّ كتاب السيرافي غير موجود،
فكيف ينقل عنه؟
قلتُ: إنَّه (قدّس سرّه) قال في (الفهرست): (أحمد بن محمّد بن نوح، يُكنَّى أبا
-----------------
(٣٧) الفهرست (ص ٨٤/ الرقم ١١٧/٥٥).
العبَّاس السيرافي، سكن البصرة، واسع الرواية، ثقة في روايته، غير أنَّه حُكِيَ
عنه مذاهب فاسدة في الأُصول، مثل القول بالرؤية وغيرها، وله تصانيف، منها: كتاب
الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وزاد على ما ذكره ابن عقدة
كثيراً، وله كُتُب في الفقه على ترتيب الأُصول، وذكر الاختلاف فيها، وله كتاب أخبار
الأبواب، غير أنَّ هذه الكُتُب كانت في المسودة ولم يُوجَد منها شيء، أخبرنا عنه
جماعة من أصحابنا بجميع رواياته، ومات عن قرب، إلَّا أنَّه كان بالبصرة ولم يتَّفق
لقائي إيَّاه)(٣٨).
قلتُ: إنَّه (قدّس سرّه) له طريق إلى جميع رواياته، بل يحتمل وصول المسودَّة له ولو
متأخِّراً وبعد أنْ صار زعيماً للطائفة.
٤ و٥ - الأوصياء وكتاب الغيبة، لمحمّد بن عليِّ بن أبي العزاقر الشلمغاني.
٦ - في نصرة الواقفة، لأبي محمّد عليِّ بن أحمد العلوي الموسوي.
وقد نقل عنه الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) عدَّة روايات استدلُّوا بها على الوقف.
٧ - كُتُب سعد بن عبد الله الأشعري القُمِّي.
٨ - الغيبة، للفضل بن شاذان النيسابوري (رحمه الله).
الصنف الثالث: الروايات المتناثرة أو مجهولة
المصدر:
ومن مواردها - وهي عديدة - الرواية الأُولى والثانية والثالثة، وهكذا بقيَّة
الموارد التي سوف نشير إليها في محلِّها مفصَّلاً، ونستخرج طُرُقها.
مسألة:
تكرَّر من الشيخ (قدّس سرّه) ذكر جماعة وعدَّة في بداية الطُّرُق لبعض الروايات،
وهذا ما يأتي الحديث عنه في مورده أيضاً، وسنبحث عن عدَّة الشيخ (قدّس سرّه)
-----------------
(٣٨) الفهرست (ص ٨٤ و٨٥/ الرقم ١١٧/٥٥).
والجماعة الذين يروي عنهم، وهل هي جماعة واحدة أو تختلف باختلاف الكُتُب مع ذكر وجوه التوثيق التي قيلت في حقِّ هذه الجماعة.
* * *
التمهيد الثالث: منهج شيخ الطائفة (قدّس سرّه)
الكلامي والحديثي:
أ - المنهج الكلامي:
يُعَدُّ الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في طليعة علماء الكلام الشيعة، حيث تُمثِّل
مدرسته الكلاميَّة استمراراً وتطويراً للمدارس التي سبقته، بدءاً من أساتذته
وأساتذة أساتذته مثل: المرتضى، والمفيد، وابن قبة.
حيث تمتدُّ جذور هذه المدرسة إلى كبار المتكلِّمين الشيعة مثل: هشام بن الحَكَم
وآخرين، ومع ذلك قد يُثار بعض الجدل حول مدى دقَّة وصف هذه المدرسة بالمنهج الكلامي
وفقاً للمصطلح المتداول حاليًّا، نظراً لأنَّ المنهج الكلامي لم يكن قد تبلور بوضوح
في ذلك الزمن، بل حتَّى في عصرنا الحالي لا تزال هناك تحدّيات منهجيَّة في وضع حدود
دقيقة بين المناهج المختلفة، التي قد تتداخل أحياناً في تناول المسائل من زاوية
كلاميَّة أو فقهيَّة أو فلسفيَّة أو حديثيَّة(٤٠).
-----------------
(٣٩) (١٩/ ربيع الآخر/ ١٤٤٤هـ).
(٤٠) نحن بحاجة ماسَّة إلى التمييز بين المنهج الفقهي الإخباري والأُصولي عن المنهج
الكلامي الشيعي الإمامي، وكذلك عن غيره من المعتزلي والزيدي والأشعري من جهة ثانية،
وبين المنهج التفسيري ومدارسه المختلفة من جهة ثالثة، وبين المنهج الفلسفي بمدارسه
المختلفة من جهة رابعة، والذوقي من جهة خامسة، والاعتباري القانوني من جهة سادسة.
ووجه الحاجة لذلك لاستيضاح المنهج الكلامي بعد إجراء هذه المقارنات.
وكيفما كان فمنهج شيخ الطائفة (قدّس سرّه) هو منهج كلامي في هذا الكتاب - لأنَّه
محلُّ بحثنا - في طابعه العامِّ.
تعريف علم الكلام:
علم الكلام: هو العلم الذي اضطلع بمهمَّة الاستدلال على المسائل العقائدية بمنهج
خاص عبّروا عنه بالمنهج الكلامي، حيث ينطلق المتكلِّم في إثبات معتقداته بدءاً من
التوحيد، وصولاً إلى المعاد، مروراً بكلِّ التفصيلات المرتبطة بهما.
تتمثَّل مهمَّة المتكلِّم في الدفاع عن العقائد الدِّينيَّة وإثبات صحَّتها من خلال
الأدلَّة العقليَّة والنقليَّة، كما يسعى لدحض الشُّبُهات التي تُثار حول هذه
العقائد سواء على مستوى الأُصول أو الفروع.
ولكي نستجلي الأمر - ونقف على طريقتهم في تدوين المسائل العقائدية بمنهج كلامي -
أكثر نقرأ جملة من كلمات أعيان الطائفة من المتكلِّمين:
قول الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في (أوائل المقالات)(٤١)، وهو من مشايخ شيخنا الطوسي
(قدّس سرّه)، وقد أخذ منه منهجه الكلامي، ويُعَدُّ امتداداً لمدرسته الكلاميَّة
القائلة بثنائيَّة العقل والسمع.
حيث يمكننا استكشاف منهج الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في علم الكلام من خلال ملاحظة
أُسلوبه في الاستدلال على المسائل العقائديَّة. وقد أوضح هذا المنهج في كتابه
(أوائل المقالات)، الذي يُعَدُّ من أبرز كُتُبه الكلاميَّة، فقد صرَّح بأنَّ العقل
-----------------
(٤١) أوائل المقالات (ص ٤٤)، حيث قال (قدّس سرّه) ما نصُّه: (إنَّ العقل لا ينفكُّ عن سمع...، واتَّفقت الإماميَّة على أنَّ العقل محتاجٌ في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنَّه غير منفكٍّ عن سمعٍ، يُنبِّه العاقل على كيفيَّة الاستدلال).
لا يمكن أنْ يعمل بمعزل عن السمع، وأنَّ التكليف لا يكون صحيحاً إلَّا من خلال
الرسالات السماويَّة.
وأكَّد أنَّ المنهج الإمامي الكلامي يعتمد على العقل الذي يعتمد على السمع، وأنَّ
السمع هو الذي يُوجِّه العقل نحو كيفيَّة الاستدلال الصحيح. ولهذا، لا بدَّ في
بداية التكليف من وجود رسول ليُبيِّن للناس كيفيَّة العمل بالعقل في إطار الشرع.
فهو يرسم المنهج الكلامي الذي يتَّبعه من خلال ثنائيَّة العقل والسمع.
قول الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في (الاقتصاد)(٤٢):
رسم (قدّس سرّه) منهجه بشكل أكثر وضوحاً من أُستاذه، وحدَّد الأدوات المعرفيَّة
التي يعتمد عليها في إثبات المسائل الكلاميَّة.
وزبدة قوله (قدّس سرّه) المستفاد من هذا الكتاب أنَّ هناك أمرين أساسيَّين - فيما
يتعلَّق بما يلزم المكلَّف -، وهما: العلم والعمل.
العمل يُبنى على العلم ويعتمد عليه، وللعلم هناك أمران أساسيَّان: التوحيد والعدل.
فيما يخصُّ التوحيد، فلا يكتمل العلم به إلَّا بعد معرفة خمسة أُمور: معرفة الوسائل
التي تُؤدِّي إلى معرفة الله تعالى، ومعرفة الله تعالى بصفاته جميعها، ومعرفة
كيفيَّة استحقاق الله تعالى لهذه الصفات، ومعرفة ما يجوز وما لا يجوز على الله
تعالى، ومعرفة أنَّ الله تعالى واحد لا شريك له في القِدَم.
أمَّا العدل، فلا يتمُّ العلم به إلَّا بعد معرفة أنَّ أفعال الله تعالى كلَّها
حكمة وصواب، وأنَّه لا يوجد في أفعاله قبح أو إخلال بواجب، ويترتَّب على ذلك وجوب
معرفة خمسة أُمور أُخرى: حسن التكليف وشروطه وما يتعلَّق به،
-----------------
(٤٢) راجع: الاقتصاد (ص ٥ و٦).
والنبوَّة وشروطها، والوعد والوعيد وما يتعلَّق بهما، والإمامة وشروطها، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثمّ يُبيِّن (قدّس سرّه) أنَّ معرفة هذه الأُصول لا يتمُّ إلَّا بالنظر في طُرُقها،
ولا يمكن الوصول إليها دون تأمُّل. فالطُّرُق الأربعة للوصول إلى المعرفة هي:
المعرفة الضروريَّة الثابتة في العقول، والمعرفة من خلال الإدراك الحسِّي، والمعرفة
من خلال الأخبار، والمعرفة من خلال النظر والاستدلال، حيث لا يمكن أنْ تكون معرفة
الله تعالى طريقها الضرورة أو الإدراك الحسِّي أو الخبر، بل الطريق هو النظر.
إذاً، إنَّ النظر - وهو التفكير في الأدلَّة - هو السبيل للوصول إلى معرفة الله
تعالى وعدله، وفهم نبيِّه، وصحَّة ما جاء به.
وفيما يخصُّ النبوَّة، يُوضِّح (قدّس سرّه) أنَّ النبيَّ هو الذي يُبلِّغ عن الله
تعالى دون وساطة بشريَّة. والحُجَج في ذلك تتركَّز في أنَّ البعثة ضروريَّة لتحقيق
مصلحة التكليف العقلي، وهو ما لا يمكن معرفته بالعقل وحده.
وفيما يتعلَّق بوجوب الإمامة، يُميِّز (قدّس سرّه) بين طائفتين: مَنْ يخالف في وجوب
الإمامة عقلاً، وبين مَنْ يخالف في وجوبها سمعاً.
ويشير (قدّس سرّه) إلى أنَّ المخالفين في وجوب الإمامة سمعاً هم قلَّة، ولا يُعتدُّ
بهم لشذوذهم، بينما علماء الأُمَّة المتعارف عليهم يجمعون على وجوب الإمامة سمعاً،
والخلاف القويُّ يكون حول وجوبها عقلاً.
ويقول (قدّس سرّه): إنَّ القائلين بوجوب الإمامة عقلاً هم الإماميَّة وبعض المعتزلة
والمتأخِّرين، بينما الباقون يرون أنَّ المرجع في ذلك هو السمع، ويُوضِّح (قدّس
سرّه) أنَّه يمكن إثبات وجوب الإمامة عقلاً من خلال طريقتين:
الأُولى: وجوب الإمامة عقلاً، سواء كان هناك سمع أو لم يكن.
الثانية: أنَّ وجود إمام ذي صفات معيَّنة ضروري لحفظ الشرع من الناحية العقليَّة.
والأدلَّة على ذلك تشمل أنَّ الناس إذا كانوا غير معصومين ويجوز منهم الخطأ يحتاجون
إلى رئيس مطاع يقوم بالعدل ويمنع الفساد. وفي غياب هذا الرئيس يُؤدِّي ذلك إلى
الفساد والهرج والمرج، وهو ما ثبت بالأدلَّة العقليَّة والتجريبيَّة.
هذه هي نبذة وخلاصة يُستكشَف من خلالها منهجه (قدّس سرّه) في إثبات المسائل
الكلاميَّة، والتي من عمدتها الإمامة، وما يتحدَّث عنه في كتابه العظيم هذا، وهو
(الغيبة).
ب - المنهج الحديثي(٤٣):
الحديث عن منهج شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في خبر عموماً والخبر الواحد بالخصوص، تكمن
أهمّيَّته في النظر إلى الروايات الموجودة في كتاب (الغيبة)، وعلى أيِّ أساس ومنهج
تمَّ تدوينها، خصوصاً وأنَّ التدوين لهذا الكتاب جاء متأخِّراً بالنسبة لمؤلَّفات
الشيخ (رحمه الله).
جوهر منهج شيخ الطائفة (قدّس سرّه) يتَّضح من خلال ما فصَّله في كتاب (عُدَّة
الأُصول)، ومقدَّمة (الاستبصار).
خلاصة هذا المنهج هي أنَّ خبر الواحد إذا ورد من طُرُق أصحابنا القائلين بالإمامة،
وكان مرويًّا عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو أحد الأئمَّة (عليهم
السلام)، وكان الراوي ثقة وغير مطعون فيه وسديداً في نقله، فيجوز العمل به.
ويُعبِّر (قدّس سرّه) عن هذا بإجماع الفرقة المحقَّة على العمل بهذه الأخبار التي
رووها ودوَّنوها في تصانيفهم وأُصولهم، وهي عادةً كانت متَّبعة منذ عهد
-----------------
(٤٣) راجع: عُدَّة الأُصول (ج ١/ ص ١٢٦ و١٢٧).
النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن بعده الأئمَّة (عليهم السلام)، ممَّا
يدلُّ على جواز العمل بهذه الأخبار خلافاً لما يظنُّه البعض.
ومن القرائن التي تدلُّ على حجّيَّة خبر الواحد عنده (قدّس سرّه) ما يلي: أنْ يكون
الخبر موافقاً لأدلَّة العقل، أو مطابقاً لنصِّ الكتاب، أو موافقاً للسُّنَّة
المقطوع بها، أو مُتَّفقاً مع ما اجتمعت عليه الفرقة المحقَّة، وذلك بشروط مفصَّلة
ذكرها شيخ الطائفة (قدّس سرّه)(٤٤).
* * *
التمهيد الرابع: أدلَّة وجوب البحث ولزوم
معرفة الإمام (عليه السلام):
الدليل الأوَّل: دفع الضرر:
قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في (تلخيص الشافي): (أمَّا بعد، فإنِّي رأيت أهمَّ
الأُمور وأولاها، وآكد الفرائض وأحراها للمكلَّف - بعد النظر في طريق معرفة الله
تعالى وصفاته وتوحيده وعدله - الاشتغالَ بالنظر فيما يعود الإخلال به بالضرر على ما
حصل له من المعرفة، ويرجع التفريط فيه بالنقض على ما ثبت له من التوحيد والعدل،
لأنَّه متى لم يفعل ذلك لم يكن مستكملاً لجميع شرائط التوحيد، بل يكون مخلًّا
ببعضها، ولا يأمَن - مع ذلك - من دخول الشبهة في أدلَّته، وهو الإمامة التي لا
يتمُّ التكليف عن دونها، ولا يحسن مع ارتفاعها)(٤٦).
وقاله السيِّد المرتضى (قدّس سرّه) في (الذخيرة في علم الكلام)(٤٧).
الدليل الثاني: دليل اللطف:
قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في (تلخيص الشافي): (فمتى لم يعرف المكلَّف الإمامة -
مع ما تقرَّر في عقله من كونها لطفاً - أدَّاه ذلك إلى الشكِّ في عدل الله تعالى،
وأنَّه يخلُّ بشرائط التكليف، وأنْ لا يزيح عِلَل المكلَّفين فيما يُكلِّفهم، وهذا
هو الكفر بالله تعالى)(٤٨).
-----------------
(٤٤) راجع: عُدَّة الأُصول (ج ١/ ص ١٤٣ - ١٤٥).
(٤٥) (٢٧ و٢٨/ ربيع الآخر/ ١٤٤٤هـ).
(٤٦) تلخيص الشافي (ج ١/ ص ٥٩).
(٤٧) راجع: الذخيرة في علم الكلام (ص ١٦٧).
(٤٨) تلخيص الشافي (ج ١/ ص ٦٠).
فيجب عليه البحث لأجل أنْ يعرف.
الدليل الثالث: لزوم الحافظ للشريعة:
قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في (تلخيص الشافي): (أنَّه إذا استقرَّ في الشريعة
أفعال، هي ألطاف للمكلَّفين إلى أنْ تقوم الساعة، فمتى لم يعلم أنَّ لها حافظاً من
ورائها، يحفظها ويقوم بأعبائها، لم يأمَن أنْ لم يصل إليه ما هو لطف له، فيُؤدِّيه
ذلك إلى ما قدَّمناه من الشكِّ في عدل الله تعالى - حسب ما بيَّنَّاه -)(٤٩).
فلا بدَّ من البحث عن حافظ الشريعة ومعرفته لأجل عدم الوقوع في الشكِّ.
الدليل الرابع: دليل شكر المنعم:
قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في (تلخيص الشافي): (نحن لم نوجب المعرفة على جميع
المكلَّفين من حيث كانت لطفاً فحسب، وإنَّما نوجبها: تارةً لكونها لطفاً، وتارةً
نوجبها من حيث كان لا يتمُّ شكر المنعم إلَّا بها، فالإمام لو حصلت له العصمة من
دون المعرفة لم يجب سقوط المعرفة عنه من حيث لم يسقط وجوب شكر المنعم عنه على حالٍ،
وأيضاً: فقد علمنا - ضرورةً من دين النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - أنَّ
العبادات الشرعيَّة واجبة على جميع مَنْ تكاملت شروطه، ونحن نعلم أنَّ هذه العبادات
لا يصحُّ وقوعها قربةً، وعلى الوجه الذي وجبت عليه من جاهل بالله تعالى، أو غير
عالم بالله تعالى وبصفاته وبالنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وهذا أوضح دلالةً
على وجوب المعرفة، لأنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلَّا به واجب مثله)(٥٠).
الدليل الخامس: إذا ثبتت الشريعة ثبتت
الإمامة:
قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في (تلخيص الشافي): (الطريقة الثانية في وجوب الإمامة،
وهي المبنيَّة على السمع، وأنَّ مع ثبوته لا بدَّ من إمام)(٥١).
-----------------
(٤٩) المصدر السابق.
(٥٠) تلخيص الشافي (ج ١/ ص ٨٥).
(٥١) تلخيص الشافي (ج ١/ ص ١١٣).
فمع ثبوت وجود السمع والروايات، فلا بدَّ من وجود الإمام (عليه السلام)، ومع لزوم
وجوده لا بدَّ من معرفته، وكأَنَّ هذا الدليل إشارة إلى حديث الثقلين والقرن بين
النصِّ والإمام (عليه السلام).
الدليل السادس: خلود الشريعة:
قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في (تلخيص الشافي): (وهو أنَّه قد ثبت أنَّ شريعة
نبيِّنا (عليه وآله السلام) مؤبَّدة، وأنَّ المصلحة لها ثابتة إلى قيام الساعة
لجميع المكلَّفين، وإذا ثبت هذا فلا بدَّ لها من حافظ، لأنَّ تركها بغير حافظ إهمال
لها، وتعبُّد للمكلَّفين بما لا يطيقونه ويتعذَّر عليهم الوصول إليه. وليس يخلو
الحافظ لها من أنْ يكون جميع الأُمَّة أو بعضها. وليس يجوز أنْ يكون الحافظ لها
الأُمَّة، لأنَّ الأُمَّة يجوز عليها السهو والنسيان وارتكاب الفساد والعدول عمَّا
علمته. فإذن لا بدَّ لها من حافظ معصوم يُؤمَن من جهته التغيير والتبديل والسهو،
ليتمكَّن المكلَّفون من المصير إلى قوله، وهذا الإمام الذي نذهب إليه)(٥٢).
الدليل السابع: وجود المتشابه القرآني يدعو
للإمام:
قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في (تلخيص الشافي): (وممَّا يدلُّ - أيضاً - على وجوب
إمام معصوم في كلِّ زمانٍ: أنَّا علمنا ضرورةً أنَّه ليس جميع أدلَّة الشرع ظاهرة
مطابقة لحقائق اللغة. بل نعلم أنَّ في القرآن والسُّنَّة متشابهاً ومحتملاً، وأنَّ
العلماء من أهل اللغة قد اختلفوا في المراد به، وتوقَّفوا في كثير منها، ومالوا إلى
طريقة الظنِّ في مواضع والأولى، فلا بدَّ - والحال هذه - من مبيِّن للمشكل ومترجِم
للغامض يكون قوله حجَّة كقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم))(٥٣).
-----------------
(٥٢) تلخيص الشافي (ج ١/ ص ١٣٣ و١٣٤).
(٥٣) تلخيص الشافي (ج ١/ ص ١٨٤ و١٨٥).
إنْ قلتَ: بعض الأدلَّة هي في سياق الاستدلال على وجود الإمام (عليه السلام) لا
وجوب معرفته.
قلتُ: وجوده مع عدم إيجاب معرفته والإيمان به والأخذ عنه لغو.
وللخروج عن اللغويَّة لا بدَّ من الإيمان بوجود قدر من المعرفة اللَّازمة والملازمة
لوجوده والمترتِّب عليها معرفته والإيمان به.
ويُؤيِّد هذه الأدلَّة: الاتِّفاق على المصلح دليل على وجوب البحث عنه:
حيث يُعتبَر الإيمان بحتميَّة ظهور المصلح الدِّيني العالمي من نقاط الاشتراك
البارزة بين جميع الأديان، والاختلاف بينها هو في تحديد هويَّة هذا المصلح العالمي،
فإنَّ عقيدة المصلح عقيدة عريقة في التاريخ الدِّيني وُجِدَت حتَّى في القديم من
كُتُب ديانات المصريِّين والصينيِّين والمغول والبوذيِّين والمجوس والهنود
والأحباش، فضلاً عن الديانات الكبرى الثلاث اليهوديَّة والنصرانيَّة والإسلام(٥٤).
* * *
-----------------
(٥٤) راجع: العقيدة والشريعة في الإسلام (ص ٢١٠ - ٢٢١).
شرح مقدَّمة شيخ الطائفة (قدّس سرّه):
فإنَّه (قدّس سرّه) بعد حمده لله تعالى والثناء عليه والشكر له على التمسُّك
بالدِّين والانقياد له، والصلاة على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآله
الطاهرين (عليهم السلام).
* ذكر (قدّس سرّه) سبب التأليف لهذا الكتاب العظيم:
وهو أنَّ أحد الشيوخ (رحمه الله) - وقد ذكرنا فيما سبق احتمالات التعرُّف عليه
وتمَّت مناقشتها - طلب من شيخ الطائفة (قدّس سرّه) إملاء كلام - ومصطلح الإملاء هو
أحد المصطلحات الدرائيَّة في طُرُق تحمُّل الرواية - في غيبة الإمام وسببها
والعلَّة التي من أجلها طالت هذه الغيبة، مع شدَّة الحاجة إلى ظهوره (عجَّل الله
فرجه). ثمّ ذكر شيخ الطائفة (قدّس سرّه) حال الزمان وكثرة الفساد، ومع ذلك لم يظهر
(عجَّل الله فرجه)، ولذلك يقال: ما هو المانع من ظهوره؟ وما هو الذي نفعله لأجل أنْ
يظهر(عجَّل الله فرجه)؟
مضافاً إلى الإجابة عن كلِّ شبهة تُثار حول الإمام، وهذا الكلام معقود لهذا الغرض،
وإنَّه (قدّس سرّه) قد أجاب طلب هذا الشيخ لأجل أنْ يزول الريب وتنحسم الشبهة.
وجعل المنهج في هذا الكلام ليس مطوَّلاً كي يملَّه القارئ، ولأنَّ التفاصيل فيما
يرتبط بالإمامة هي موجودة في كُتُب الشيخ (قدّس سرّه) وكُتُب غيره من العلماء.
-----------------
(٥٥) (٣ و٤/ جمادي الأُولى/ ١٤٤٤هـ).
ثمّ ذكر المنهج الذي سيتَّبعه، وهو منهج كلامي بامتياز على ما تقدَّم الحديث عنه.
ثمّ ختم المقدَّمة بالدعاء.
الشروع في الفصل الأوَّل:
فصل في الكلام في الغيبة(٥٦):
ذكر (قدّس سرّه) أنَّ لإثبات الغيبة لصاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) أكثر من طريقة،
وما ذكره في الطريق الأوَّل هو ما نُعبِّر عنه بطريق السبر والتقسيم، وأمَّا ما
سيذكره في الطريق الثاني فهو ما سنُعبِّر عنه بدليل الفرعيَّة.
الطريق الأوَّل: طريق السبر والتقسيم(٥٧):
مقدَّمات الدليل:
المقدَّمة الأُولى: وهذه المقدَّمة كلاميَّة ومبحوثة في أصل الإمامة مفصَّلاً،
-----------------
(٥٦) من المناسب مراجعة تلخيص الشافي في الإمامة (ج
١/ ص ٩٠ - ١١٢)، إذ بعد المراجعة لاحظنا أنَّ الشيخ (قدّس سرّه) يعتمده وينقل منه
كثيراً مع الاختصار، وقد اعتمدنا عليه كثيراً في الاستدلال على وجوب البحث والنظر.
(٥٧) قال الشيخ المظفَّر (رحمه الله) في أُصول الفقه (ج ٣/ ص ١٩١ و١٩٢): (وبرهان
السبر والتقسيم عبارة عن عدِّ جميع الاحتمالات الممكنة، ثمّ يقام الدليل على نفي
واحد واحد حتَّى ينحصر الأمر في واحد منها، فيتعيَّن، فيقال مثلاً: حرمة الربا في
البُرِّ: إمَّا أنْ تكون معلَّلة بالطعم، أو بالقوت، أو بالكيل. والكلُّ باطل ما
عدا الكيل، فيتعيَّن التعليل به.
أقول: من شرط برهان السبر والتقسيم ليكون برهاناً حقيقيًّا أنْ تحصر المحتملات
حصراً عقليًّا من طريق القسمة الثنائية التي تتردَّد بين النفي والإثبات. وما
يُذكَر من الاحتمالات في تعليل الحكم الشرعي لا تعدو أنْ تكون احتمالات استطاع
القايس أنْ يحتملها ولم يحتمل غيرها، لا أنَّها مبنيَّة على الحصر العقلي المردَّد
بين النفي والإثبات. وإذا كان الأمر كذلك، فكلُّ ما يفرضه من الاحتمالات يجوز أنْ
يكون وراءها احتمالات لم يتصوَّرها أصلاً).
وحاصلها: إذا ثبت وجوب الإمامة على كلِّ حالٍ، وأنَّ الناس بعد كونهم غيرَ
معصومين، فلا بدَّ من وجود إمام في كلِّ وقتٍ من الأوقات.
وشرائط الإمامة هي:
١ - أنْ يكون الإمام موجوداً، ولا يفرق في وجوده بين أنْ يكون ظاهراً معروفاً
وحاضراً بين الناس مشهوراً يُشار إليه، أو أنْ يكون الإمام غائباً مخفيًّا مستوراً
عن الناس يدير شؤونهم ويراهم ويعرفهم ولا يرونه.
٢ - أنْ يكون الإمام معصوماً، وأنْ تثبت عصمته بدليل قطعي.
المقدَّمة الثانية: إذا علمنا بمقدَّمات خارجيَّة أنَّ كلَّ مَنْ يدَّعي الإمامة من
الظاهرين أو تُدعى له هو ليس معصوماً، ولا يوجد دليل يدلُّ على عصمته، لأنَّ أفعال
من ادُّعيت فيهم العصمة تتنافى - وبالوجدان - مع دعوى عصمتهم، فنعلم من خلال ظاهر
أحوالهم المنافية للعصمة أنَّ هؤلاء ليسوا بأئمَّة، ومع عدم كونهم أئمَّة، ومع لزوم
الإمامة في كلِّ زمانٍ وفي كلِّ وقتٍ، فلا بدَّ أنْ يكون الإمام غائباً مستوراً عن
الناس.
والنتيجة: ضرورة الإمام وعصمته في كلِّ زمانٍ تقتضي وجوده وإنْ لم يكن ظاهراً
ومشاهداً.
إنْ قلتَ: إذا علمنا أنَّ كلَّ من تُدعى له الإمامة من الفِرَق الباطلة
كالكيسانيَّة والناووسيَّة والفطحيَّة والواقفيَّة ادُّعيت لهم العصمة، وأيضاً
ادُّعيت فيهم الغيبة، فما هو الفرق بيننا وبين هؤلاء الفِرَق الضالَّة؟
قلتُ: قول هؤلاء باطل، ولا دليل عليه، وسيأتي مناقشة أدلَّة بطلان هذه الفِرَق
كلِّها في فصل مستقل عبَّر عنه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بـ (الكلام على الواقفة).
والنتيجة من هذا الدليل: أنَّنا سنُثبِت صحَّة إمامة الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله
فرجه)، وصحَّة غيبته، وصحَّة ولادته، بعد بطلان دعوى هذه الفِرَق(٥٨).
الطريق الثاني: وهو طريق الفرعيَّة:
والمقدَّمات التي اعتمد عليها شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في دليل الفرعيَّة عبارة عن
مقدَّمتين:
المقدَّمة الأُولى: الكلام في غيبة الإمام الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) هو
فرع ثبوت الإمامة، فلا بدَّ من البحث مسبقاً عن أصل الإمامة، وكيف وصلت إليه،
وإثباتها بالطُّرُق المعتمدة برهانيًّا وجدليًّا، ثمّ الاستدلال بها كأصل مفروغ عنه
في مسألتنا.
لأجل هذه المقدَّمة سمَّينا هذا الطريق بالفرعيَّة، لورود كلمة (فرع) في كلام شيخ
الطائفة (قدّس سرّه).
المقدَّمة الثانية: المخالف لنا:
١ - إمَّا أنْ يُسلِّم لنا بإمامة الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) ويسأل عن سبب
غيبته، وهنا يجب علينا إجابة هذا المخالف وبيان أدلَّة غيبة الحجَّة بن الحسن
(عجَّل الله فرجه)، فتكلُّف جواب المخالف فرعٌ على تسليمه لنا بإمامة الإمام
الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) ولو جدلاً ومجاراةً لنا.
٢ - أو لا يُسلِّم لنا بإمامته، وهنا لا معنى لسؤاله لنا عن غيبته، إذ لا معنى
للبحث في أدلَّة غيبةِ مَنْ لم تثبت إمامته.
-----------------
(٥٨) نجد شيخ الطائفة (قدّس سرّه) ذكر إمامة ابن
الحسن (عجَّل الله فرجه) ولم يذكر اسم الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، وقد يقال:
إنَّه يذهب إلى حرمة تسميته، أو كراهتها، أو التوقُّف فيها على تفصيل سيأتي بحثه في
هذه المسألة.
يدَّعي شيخ الطائفة (قدّس سرّه) أنَّ إمامة الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) لا
تحتاج إلى إثبات من جهة أنَّ الحقَّ لا يخرج عن أُمَّة الإسلام، إمَّا لأجل الإجماع
كما عند أبناء العامَّة، أو لأجل المعصوم وعدم خلوِّه من الأُمَّة كما عندنا، ومع
عدم خروج الحقِّ عن الأُمَّة لا نحتاج إذا أبطلنا دعاوى الفِرَق الأُخرى إلى أدلَّة
إثبات ولادة الإمام وغيبته، وهذا أصل أصيل في مسألة الإمام الحجَّة (عجَّل الله
فرجه).
إنْ قلتَ: هل دلَّت الأدلَّة على إمامته؟
قلتُ: قد ثبت وجوب إمامته، ومعنى وجوب إمامته أنَّها ليست راجحة، بل لازمة.
والدليل على هذا الوجوب هو: بقاء التكليف على جميع الناس في جميع الأوقات والأزمان،
فأدلَّة ثبوت التكاليف سواء من العقل أو القرآن أو السُّنَّة تفيد ثبوت التكاليف
على جميع الناس مطلقاً وفي كلِّ زمانٍ أو مكانٍ، وهذا الثبوت شامل لكلِّ شخص لم
تثبت عصمته.
وحيث ثبت أيضاً أنَّ من شروط الإمام أنْ يكون معصوماً، وأنْ تثبت عصمته بالأدلَّة
القطعيَّة.
ثمّ حيث ثبت بالأدلَّة القطعيَّة أنَّ الحقَّ واحد، وأنَّه لا يخرج عن دين
الإسلام(٥٩).
فإذا ثبت كون التكليف مستمرًّا، وأنَّ الحقَّ لا يخرج عن المسلمين، وأنَّ من شروط
الإمام العصمة، تثبت لنا ضرورة بقاء الإمامة في كلِّ زمانٍ لأجل حفظ هذا الحقِّ بعد
ثبوت عدم عصمة جميع الناس.
وإذا ثبت ما تقدَّم من مقدَّمات، فإنَّنا نقول: إنَّ الأُمَّة الإسلاميَّة بين:
١ - قائل يقول: لا إمام، حيث لا يشترط وجود الإمام في كلِّ زمانٍ.
وهذا القول باطل، لأنَّ أدلَّة ضرورة وجوب الإمامة في كلِّ زمانٍ تُبطِل قول هذا
القائل بعدم الإمامة في كلِّ زمانٍ.
٢ - وقائل يقول بضرورة الإمامة، ولكنَّه لا يرى ضرورة العصمة، كما هي مقولة
العامَّة من المسلمين.
-----------------
(٥٩) وهذا ما تعرَّضنا له في الدروس الاستدلاليَّة في علم الكلام (ج ١/ ص ٢١٥/ الدرس ٤١ و٤٢)، حيث ذكرنا عند بحث حقيقة الدِّين ومناشئه والأدلَّة عليه وحقَّانيَّة الدِّين الإسلامي اختصاص مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الحقِّ دون بقيَّة المذاهب الأُخرى.
وهذا القول باطل، بما استُدِلَّ به من أدلَّة وجوب العصمة في الإمام.
٣ - وقائل يدَّعي العصمة لبعض مَنْ يقول بإمامتهم دون أنْ تدلَّ الأدلَّة على عصمة
مَنْ يدَّعون إمامته، وهم بعض الفِرَق الشيعيَّة التي سنتعرَّض لها مفصَّلاً في
الدروس القادمة كالإسماعيليَّة والفطحيَّة والناووسيَّة وأتباع جعفر الكذَّاب وغير
هؤلاء.
فهؤلاء دلَّت أفعالهم على خلاف معنى العصمة، فقد عُرِفَ عن جعفر بن الإمام الهادي
(عليه السلام) أنَّه يشرب الخمر، فكيف يكون معصوماً؟!
فلا وجه للإصرار على عصمة هؤلاء بعد وضوح بطلان عصمتهم بسبب شناعة أفعالهم وقبحها.
وعلى هذا الأساس فإنَّ الدليل الأوَّل وهو دليل السبر والتقسيم، والدليل الثاني وهو
الفرعيَّة، ولأجل تماميَّة الاستدلال بهما نحتاج إلى إثبات بطلان دعوى هذه الفِرَق.
وبالتالي نحن بحاجة إلى إثبات الأُصول الثلاثة، وهي:
١ - وجوب الرئاسة.
٢ - وجوب القطع على العصمة.
٣ - كون الحقِّ لا يخرج عن الأُمَّة.
وسنستدلُّ على كلِّ واحدٍ من هذه الأقوال بما ينتهي إلى إثباتها، ونحن نشير إلى
أنَّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) قد ذكر أنَّه استدلَّ على هذه الأُصول الثلاثة في
كلام مستوفًى في (تلخيص الشافي) وغيره.
تطبيق العبارة:
(بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، ووفَّقنا
للتمسُّك بدينه والانقياد لسبيله، ولم يجعلنا من الجاحدين لنعمته، المنكرين
لطوله وفضله، ومن الذين ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ
الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا
إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة: ١٩]، وصلَّى الله
على سيِّد أنبيائه وخاتم أصفيائه محمّد صلَّى الله عليه وعلى آله الطيِّبين، النجوم
الزاهرة، والأعلام الظاهرة، الذين نتمسَّك بولايتهم، ونتعلَّق بعرى حبلهم، ونرجو
الفوز بالتمسُّك بهم، وسلَّم تسليماً.
أمَّا بعد.. فإنِّي مجيب إلى ما رسمه الشيخ الجليل أطال الله بقاءه)، وتقدَّم في
التمهيدات محاولات لمعرفة هذا الشيخ (رحمه الله).
و(من) طلبه (إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان، وسبب غيبته، والعلَّة التي لأجلها
طالت غيبته، وامتداد استتاره، مع شدَّة الحاجة إليه، وانتشار الحيل، ووقوع الهرج
والمرج، وكثرة الفساد في الأرض، وظهوره في البرِّ والبحر، ولِـمَ لم يظهر، وما
المانع منه، وما المحوج إليه، والجواب عن كلِّ ما يُسئَل في ذلك من شُبَه
المخالفين، ومطاعن المعاندين) فهذه وغيرها من العناوين سوف يتعرَّض إليها (قدّس
سرّه) مفصَّلاً في ثنايا الكتاب، إذ قال (قدّس سرّه): (وأنا مجيب إلى ما سأله،
وممتثل ما رسمه، مع ضيق الوقت، وشعث الفكر، وعوائق الزمان، وصوارف الحَدَثان).
وعن طريقة كلامه (قدّس سرّه) في إجابة هذا الشيخ الجليل (رحمه الله) يقول:
(وأتكلَّم بجُمَل يزول معها الريب، وتنحسم به الشُّبَه، ولا أُطوِّل الكلام فيه
فيُمَلُّ، فإنَّ كُتُبي في الإمامة وكُتُب شيوخنا مبسوطة في هذا المعنى في غاية
الاستقصاء، وأتكلَّم عن كلِّ ما يُسئَل في هذا الباب من الأسئلة المختلفة، وأُردف
ذلك بطرف من الأخبار الدالَّة على صحَّة ما نذكره)، وهذا الذكر للأخبار لا (ليكون
ذلك) الذكر (تأكيداً لما نذكره، وتأنيساً للمتمسِّكين بالأخبار، والمتعلِّقين
بظواهر الأحوال، فإنَّ كثيراً من الناس يخفى عليهم الكلام اللطيف الذي يتعلَّق بهذا
الباب، وربَّما لم يتبيَّنه و) فقط، إنَّما هو لـ (أجعل للفريقين طريقاً إلى ما
نختاره
ونلتمسه، ومن الله تعالى أستمدُّ المعونة والتوفيق، فهما المرجوَّان من جهته،
والمطلوبان من قِبَله، وهو حسبي ونعم الوكيل).
ثمّ شرع (قدّس سرّه) في بيان مطالب الكتاب، فقال: (١ - فصل في الكلام في الغيبة:
اعلم أنَّ لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان (عليه السلام) طريقين. أحدهما) وهو ما
أسميناه بطريق السبر والتقسيم، وهو: (أنْ نقول: إذا ثبت وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ،
وأنَّ الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أنْ يخلو) حال من الأحوال (من رئيس في
وقتٍ من الأوقات، وأنَّ من شرط الرئيس أنْ يكون مقطوعاً على عصمته) في كلِّ حالٍ
وزمانٍ، (فلا يخلو ذلك الرئيس من أنْ يكون ظاهراً معلوماً) عند الناس، (أو) يكون
(غائباً مستوراً)، وبناءً على هذا التشقيق (فإذا علمنا أنَّ كلَّ من يُدَّعى له
الإمامة ظاهراً ليس بمقطوع) ولا بمستدلٍّ (على عصمته، بل) إنَّ (ظاهر أفعالهم
وأحوالهم ينافي) ادِّعاء (العصمة) فيهم، ومن هذا التنافي الظاهر والمعلوم (علمنا)
بعد الجزم بالتنافي بين الواقع والشروط المعتبرة في الرئيس، وأنَّه لا يوجد في
الخارج من الأشخاص مَنْ هو معصوم وظاهر معروف بين الناس، علمنا تبعاً لهذا العلم بـ
(أنَّ مَنْ يُقطَع على عصمته) هو (غائب مستور) هذه مقدَّمة.
والمقدَّمة الأُخرى، وهي بمثابة الصغرى في الدليل: (وإذا علمنا أنَّ كلَّ من
يُدَّعى له العصمة قطعاً ممَّن هو غائب من الكيسانيَّة والناووسيَّة والفطحيَّة
والواقفة وغيرهم قولهم باطل) على ما يأتي الاستدلال عليه مفصَّلاً، (علمنا بذلك
صحَّة إمامة ابن الحسن (عليه السلام)، وصحَّة غيبته وولايته، ولا نحتاج إلى تكلُّف
الكلام في إثبات ولادته، وسبب غيبته، مع ثبوت ما ذكرناه، لأنَّ الحقَّ لا يجوز
خروجه عن الأُمَّة)، هذا تمام الكلام في دليل السبر والتقسيم.
الدليل (والطريق الثاني أنْ نقول: الكلام في غيبة ابن الحسن (عليه السلام) فرع على
ثبوت إمامته)، وهذا التعبير منه (قدّس سرّه) هو وراء تسمية هذا الدليل بالفرعيَّة،
(و) بيانه أنَّ (المخالف لنا إمَّا أنْ يُسلِّم لنا إمامته ويسأل عن سبب غيبته
(عليه السلام)، فنتكلَّف جوابه)، وتكلُّفُنا والتزامنا بجوابه لأجل تسليمه إمامته
(عليه السلام)، (أو لا يُسلِّم لنا إمامته، فلا معنى لسؤاله عن غيبة مَنْ لم يثبت
إمامته)، إذ غيبته فرع على إمامته وهو يُنكِرها.
(ومتى نُوزعنا في ثبوت إمامته) بأنْ قال القائل: نحن نُسلِّم إمامته، ولكن ما هو
الدليل عليها؟
قلنا: (دللنا عليها بأنْ نقول: قد ثبت وجوب الإمامة مع بقاء التكليف على مَنْ ليس
بمعصوم في جميع الأحوال والأعصار بالأدلَّة القاهرة)، وتقدَّم بعضها في الدرس (٥)
في أدلَّة وجوب البحث والنظر عن الإمامة، (وثبت أيضاً أنَّ من شرط الإمام أنْ يكون
مقطوعاً على عصمته، وعلمنا أيضاً أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة.
فإذا ثبت ذلك وجدنا الأُمَّة بين أقوال: بين قائل يقول: لا إمام) أصلاً، (فما ثبت
من وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ يُفسِد قوله.
وقائل يقول بإمامة مَنْ ليس بمقطوع على عصمته)، فهو يرى وجوب الإمامة دون أنْ يرى
وجوب العصمة في الإمام، وعلى هذا (فقوله يبطل بما دللنا عليه من وجوب القطع على
عصمة الإمام (عليه السلام)).
فإنْ قيل: يُوجَد مَنِ ادُّعيت العصمة لهم من غير إمامكم.
قلنا: (ومَنِ ادَّعى العصمة لبعض من يذهب إلى إمامته، فالشاهد يشهد بخلاف قوله،
لأنَّ أفعالهم الظاهرة وأحوالهم تنافي العصمة، فلا وجه لتكلُّف القول فيما نعلم
ضرورةً خلافه.
ومَنِ ادُّعيت له العصمة وذهب قوم إلى إمامته كالكيسانيَّة القائلين بإمامة
محمّد بن الحنفيَّة، والناووسيَّة القائلين بإمامة جعفر بن محمّد (عليه السلام)
وأنَّه لم يمُت، والواقفيَّة الذين قالوا: إنَّ موسى بن جعفر (عليه السلام) لم
يمُت، فقولهم باطل من وجوه سنذكرها) في فصول مستقلَّة تأتي.
(فصار الطريقان) السبر والفرعيَّة (محتاجَيْن إلى فساد قول هذه الفِرَق ليتمَّ ما
قصدناه) من إثبات إمامة الإمام الحجَّة (عليه السلام) وغيبته، (و) لذلك فالدليلان
(يفتقران إلى إثبات الأُصول الثلاثة التي ذكرناها من وجوب الرئاسة، ووجوب القطع على
العصمة، وأنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة، و) عليه (نحن ندلُّ على كلِّ واحدٍ من
هذه الأقوال بموجز من القول، لأنَّ استيفاء ذلك موجود في كُتُبي) أي كُتُب المصنِّف
(قدّس سرّه) (في الإمامة على وجه لا مزيد عليه).
* * *
بيان الغرض من كتاب (الغيبة):
بيَّن (قدّس سرّه) الغرض من تأليفه مضافاً لما تقدَّم، وأنَّه يختصُّ ببحث محدَّد
من أبحاث مسألة الإمامة وفق نظر الطائفة الحقَّة، وعلى مسلك علماء الكلام.
ثمّ شرع (قدّس سرّه) بالإشارة إلى ما يدلُّ على وجوب الرئاسة، والمقصود بالرئاسة في
مصطلح علماء الكلام خصوصاً المتقدِّمين منهم، كطبقة شيخ الطائفة وطبقة أشياخه
(رحمهم الله)، هو رئاسة المعصوم بالتحديد.
الدليل الذي أشار إليه (قدّس سرّه) هو دليل
اللطف:
صرَّح (قدّس سرّه) بأنَّ الدليل الدالَّ على وجوب الإمامة هو دليل اللطف، وقد
تقدَّم مِنَّا في مسألة وجوب النظر والمعرفة في خصوص الإمامة بيان هذا الدليل،
والإشارة إلى مصادره التي يعتمد عليها في ضبط مقدَّماته، وسيُصرِّح (قدّس سرّه) بعد
قليل أنَّه استوفى شرح هذا الدليل في كتابه الكلامي المهمِّ (تلخيص الشافي)(٦١)،
-----------------
(٦٠) (١٠ و١١/ جمادى الأُولى/ ١٤٤٤هـ).
(٦١) قال (قدّس سرّه) في تلخيص الشافي (ج ١/ ص ٦٩): (الطريقة الأُولى وهي الكلام في
وجوب الإمامة - عقلاً - وإنْ لم يكن سمع، الذي يدلُّ على ذلك: ما ثبت من كونها
لطفاً في التكليف العقلي لا يتمُّ من دونها، فجرت مجرى سائر الألطاف في المعارف
وغيرها في أنَّه لا يحسن التكليف من دونها).
ثمّ شرع (قدّس سرّه) في بيان تفصيلات الدليل، وردِّ الإشكالات التي قيلت حوله.
وننقل نصَّ كلام شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في كتابه القيِّم (الاقتصاد) أيضاً
تتميماً للفائدة، قال (قدّس سرّه) في (ص ٧٧ - ٧٩): (وأمَّا الكلام في اللطف فيحتاج
أنْ نُبيِّن أوَّلاً ما اللطف وما حقيقته، واللطف في عرف المتكلِّمين عبارة عمَّا
يدعو إلى فعل واجب أو يصرف عن قبيح...، واللطف على ثلاثة أقسام:
أحدها: من فعل الله، فيجوز أنْ يكون له بدل، ولا مانع يمنع منه، فيكون مخيَّراً في
ذلك.
والثاني: أنْ يكون من فعل المكلَّف نفسه، فإنْ كان له بدل وجب إعلامه ذلك، فيكون من
باب التخيير كالكفَّارات الثلاث، ومتى لم يُعلِمه ذلك قطعنا على أنَّه لا بدل له من
فعله ولا من فعل الله تعالى، لأنَّه لو كان له بدل من فعل الله لما وجب عليه الفعل
على كلِّ حالٍ.
والثالث: ما كان من فعل غير الله وغير المكلَّف، فإنْ كان مع كونه لطفاً لغيره
لطفاً له جاز أنْ يكون واجباً أو ندباً، وإنْ لم يكن فيه له لطف أصلاً وإنَّما هو
لطف للغير كان مباحاً إلَّا أنَّه لا يحسن تكليف هذا إلَّا بعد أنْ يعلم أنَّه
فعله، فعلى هذا ذبح البهائم التي ليست نُسُكاً ولا ندباً وإنَّما هو مباح فوجه حسنه
أنَّه لطف لغير الذابح، وقيل: وجه حسنه أنَّ فيه عوضاً للمذبوح ونفعاً لغيره بأكله،
وكلاهما جائزان).
ثمّ ذكر (قدّس سرّه) في عدَّة صفحات العديد من التفاصيل في وجوب اللطف وموارد
وجوبه، فراجع.
والجدير بالتنبيه عليه أنَّ دليل اللطف من عمدة الأدلَّة الذي يُستدَلُّ بها على
عدَّة مسائل كلاميَّة.
وفيما يرتبط بموضع حاجتنا إلى دليل اللطف هنا تجدر الإشارة إلى عدَّة نقاط:
١ - التسالم على الدليل:
إنَّ دليل اللطف من الأدلَّة الكلاميَّة العقليَّة، وهو يُعَدُّ من المقدَّمات
القريبة لوجوب معرفة الإمام، بل والمعرفة الأسبق من معرفته (عليه السلام)، كلزوم
أصل المعرفة على ما تكرَّرت الإشارة إليه آنفاً.
فإذا قلنا بوجوب اللطف على الباري تعالى صارت المعرفة المتفرِّعة عليه لازمة.
٢ - اعتماد الدليل على المقدَّمات العقليَّة
لم يمنع من كون النتائج عقلانيَّة بل ضروريَّة:
إنَّ المقدَّمات التي يعتمد عليها دليل اللطف وإنْ كانت عقليَّة كما
صرَّح (قدّس سرّه) بذلك، إلَّا أنَّ النتائج المترتِّبة على هذا الدليل يلتمسها
العقلاء، ويكون العلم بها ضروريًّا، لذلك عُبِّر عن النتائج المترتِّبة على دليل
اللطف بأنَّها لا تخفى على العقلاء، وأنَّها ضروريَّة، وهذا معناه أنَّ جملة من
مقدَّمات دليل اللطف على أقلّ تقدير هي من الضرورات وممَّا يلتمسها ويلتفت إليها
العقلاء، ولذلك رتَّب (قدّس سرّه) على منكر هذا الدليل قبح الكلام معه، فهو (قدّس
سرّه) يدَّعي أنَّ المنكر لنتائج دليل اللطف في لزوم الإمامة من الأشخاص الذين لا
يحسن الكلام معهم، وعلى حدِّ عبارته: (فمَنْ دفعه لا يحسن مكالمته).
٣ - وجود عدَّة إشكالات على الدليل:
إلَّا أنَّه ومع ذلك قد اعتُرِضَ على هذا الدليل ومنذ القِدَم بالعديد من
الإشكالات، ولذلك سيشرع (قدّس سرّه) في بيان بعض الاعتراضات الموجَّهة على شيخه
وأُستاذه المرتضى (قدّس سرّه)، والتي هي إشكالات على دليل اللطف.
٤ - الإشكالات الموجَّهة لكلام السيِّد
المرتضى (قدّس سرّه):
ينقل شيخ الطائفة (قدّس سرّه) عن بعض المتأخِّرين عن أُستاذه المرتضى (قدّس سرّه)
أنَّهم أشكلوا على دليله في إثبات الغيبة.
بأنَّ الإماميَّة بمقتضى ما ساقته من أدلَّة لزوم الإمامة في كلِّ زمانٍ لأجل كون
الإمامة لطفاً في المكلَّفين، بمعنى أنَّ الإمام (عليه السلام) وُجِدَ في الخلق
لأجل أنْ يأخذ بيدهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم، وأنْ يُقيم القوانين
والتشريعات الإلهيَّة.
إلَّا أنَّه مع وجود الغيبة يمتنع على الإمام (عليه السلام) القيام بهذه الوظائف،
وبالتالي يحصل التنافي بين ضرورة الإمامة - التي وجدت لأجل القيام بهذه الوظائف -
وحصول الغيبة للإمام (عليه السلام).
اعتراضات ثلاث على كلام المرتضى (قدّس سرّه)
وبيانها:
من هنا جاءت هذه الاعتراضات الثلاث:
الأوَّل: لزوم القبح من الغيبة:
بيانه:
الشقُّ الأوَّل: يقول المعترض: نحن نُلزم الإماميَّة - على مبناهم المتقدِّم من كون
الإمام لطفاً - بلازم لا يمكن أنْ يلتزموا به، فحصول الغيبة في الإمام (عليه
السلام) يلزم منه ثبوت وجه قبح في قيامها ووجودها وفي ثبوت التكاليف على الناس،
فيلزم عليهم نفي وجه القبح هذا، لأنَّه مع ثبوت وجه القبح هذا تصير الغيبة قبيحة،
فكيف ينتهون إلى القول بالقبيح؟!
ووجه القبح هذا من جهتين:
١ - أنَّه صار قبيحاً لأنَّه رفع تكاليف الإمام (عليه السلام) تجاه رعيَّته، لأنَّ
بعض التكاليف وبسبب الغيبة قد رُفِعَت عن الإمام (عليه السلام)، ككلِّ التكاليف
المتوقِّفة على الحضور، وهذه جهة يلحظ فيها التكاليف تجاه الإمام (عليه السلام).
٢ - أنَّه صار قبيحاً لأنَّ بعض التكاليف رُفِعَت عن العباد بسبب غيبة الإمام (عليه
السلام) مع أنَّ كلَّ تكليف هو حسن، كتكليفهم بصلاة الجمعة المشروطة بحضوره على
سبيل الفرض، فإنَّ غيبته منعت هذا التكليف عن الناس وليس عنه فقط.
الشقُّ الثاني: أنَّنا نُسلِّم أنَّ في الغيبة وجه حسن وهو حفظ الإمام (عليه
السلام) من أنْ يأخذه الظالم، ولكن هذا الوجه الحسن لا يمنع الجانب القبيح من
الغيبة وهو: منع الإمام من ممارسة دوره في هداية الناس، وحيث إنَّ النتيجة تتبع
أخسَّ المقدَّمات فإنَّ وجه الحسن في الغيبة من إبقاء وجود الإمام، هذا فيه قبح وهو
المنع من ممارسة دوره، بل إنَّ وجه القبح فيها أشدّ من وجه الحسن لأنَّه منع سيِّد
القوم من أنْ يمارس دوره، فعلى الإماميَّة إذا قالوا بالغيبة أنْ يقولوا بترجيح
المرجوح على الراجح، وهو قبيح. ونظير هذا ما قلنا - وهو ما نقوله - من أنَّ التكليف
الإلهي حسن، ولكنَّ تكليف العاجز قبيح، لأنَّه بما لا يُطاق، فيُوصَف التكليف في
هذه الحالة بالقبيح ما لم نجد وجهاً في حسن تكليف العاجزين، والتكليف في زمان
الغيبة من هذا القبيل.
وصاحب الإشكال يقول: نُسلِّم للإماميَّة أنَّ في الغيبة وجه حسن بمعنى من المعاني
وهو حفظ الإمام من الأعداء، ولكن هذا اللطف بالـ (غير) لا يُمكِّننا من القول
بالحسن به بعد كون الإمام (عليه السلام) قد مُنِعَ من تأدية دوره.
هذا هو الإشكال الأوَّل.
الثاني: دليل اللطف قاصر عن الدلالة على لزوم
الإمامة:
يدَّعي المستشكل أنَّ دليل اللطف يقتضي وجود الإمام (عليه السلام) كي يتحقَّق الغرض
من وجوده وهو إبعاد الناس عن القبيح، ومع عدم وجوده سيقع الناس في القبيح.
وعليه فيجب مع عدم وجود الإمام (عليه السلام) عدم تكليف الناس، لأنَّ تكليفهم
بالتكاليف مع عدم وجود الإمام (عليه السلام) هذا إيقاع لهم في القبيح.
ومن جهة أُخرى أنَّنا نجد أنَّه حتَّى مع عدم وجود الإمام (عليه السلام) فإنَّ
تكليف الناس حسن وليس فيه قبح.
إذن دليل اللطف لا ينتهي إلى لزوم وجود الإمام (عليه السلام) في كلِّ زمانٍ لكي لا
يقع القبيح، لأنَّه لم يقع القبيح حتَّى وهو (عليه السلام) غير موجود، إذن وقوع
القبيح وعدمه لا يتوقَّف على وجود الإمام (عليه السلام) وعدمه.
وعليه فدليل اللطف لا ينتهي إلى ضرورة وجود الإمام (عليه السلام) وعاجز وقاصر عن
إثبات لزومها.
الثالث: دليل اللطف لا يقتضي التفصيل في حالات
الإمام، ولكن الإماميَّة يُفصِّلون، فدليل اللطف لا ينفع:
إنَّ مقدَّمات دليل اللطف التي ساقها الإماميَّة تقتضي وجود اللطف بوجود الإمام
(عليه السلام) ظاهراً، مع أنَّهم انتهوا إلى أنَّها تقتضي اللطف حتَّى وهو غائب.
مع أنَّ مقدَّمات الدليل لا تفصيل فيها، أو قل: لا نظر فيها إلى حالة اقتضاء دليل
اللطف إلى لزوم الإمامة حتَّى مع غيبة الإمام (عليه السلام).
وبعبارة ثانية: الفائدة المترتِّبة على القول بالإمامة هي كون المعتقد بها سيكون
بعيداً عن القبيح، وهذا البُعد عن القبيح لا يحصل مع غيبة الإمام حتَّى في حال
وجوده، مع أنَّ دليلكم - أيُّها الإماميَّة - لا يقتضي هذا التفصيل، ويمكن التعبير
عن هذا الإشكال بأجنبية الدليل عن الدعوى.
وأمَّا الجواب عن هذه الاعتراضات الثلاثة فسيأتي بيانهما في الدروس القادمة.
تطبيق العبارة:
(والغرض بهذا الكتاب) أي كتاب الغيبة (ما يختصُّ الغيبة دون غيرها) أي غير الغيبة
من أبحاث الإمامة، (والله الموفِّق لذلك بمنِّه) أي لاستقصاء أبحاث الغيبة.
(والذي يدلُّ على وجوب الرئاسة) والإمامة (ما ثبت من كونها) أي الإمامة (لطفاً في
الواجبات العقليَّة، فصارت واجبة، كـ)ـوجوب (المعرفة التي لا يعرى مكلَّف من وجوبها
عليه)، أي لا يُعذَر المكلَّف في ترك التكليف العقلي في وجوب المعرفة، (ألَا ترى
أنَّ من المعلوم) والواضح (أنَّ مَنْ ليس بمعصوم من الخلق) أي أنَّ الناس
العاديِّين (متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند، ويُؤدِّب
الجاني، ويأخذ على يد المتغلِّب، ويمنع القويَّ من الضعيف، وأمنوا ذلك، وقع
الفساد، وانتشر الحيل، وكثر الفساد، وقلَّ الصلاح، ومتى كان لهم رئيس هذه صفته كان
الأمر بالعكس من ذلك، من شمول الصلاح وكثرته، وقلَّة الفساد ونزارته، والعلم بذلك)
أي كون الآثار المترتِّبة على وجود الرئيس هو أمر (ضروري لا يخفى على العقلاء،
فمَنْ دفعه) أي دفع وجوب الحاجة إلى الرئيس (لا يحسن مكالمته).
فإنْ قيل: كيف يُقال بضرورة هذا الادِّعاء - من لزوم وجود الرئيس - مع كثرة
الإشكالات على دعوى اللطف؟
قلنا: (وأجبنا عن كلِّ ما يُسئَل على ذلك مستوفًى في تلخيص الشافي(٦٢) وشرح الجمل
لا نُطوِّل بذكره هاهنا).
(و) اعلم أنَّني (وجدت لبعض المتأخِّرين كلاماً اعترض به كلام المرتضى (رضي الله
عنه) في الغيبة، وظنَّ أنَّه) أي المستشكل قد (ظفر بطائل، فموَّه به) أي بهذا
الاعتراض (على مَنْ ليس له قريحة ولا بصر بوجوه النظر) والجدل وحسن تدبير مسائل علم
الكلام، (وأنا أتكلَّم عليه) أي على هذا الاعتراض.
بيان قول المستشكل: (فقال) بعض المتأخِّرين (الكلام في الغيبة والاعتراض عليها من
ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّا نُلزِم) أي نُثبِت على الإماميَّة - بقولهم: الإمامة لطف - لازماً لا
يمكن الالتزام به من قِبَل (الإماميَّة)، وهو (ثبوت وجه قبح فيها) أي الغيبة، (أو)
وجه قبح (في التكليف معها) أي مع الغيبة، (فيلزمهم) أي الإماميَّة (أنْ يُثبِتوا
أنَّ الغيبة ليس فيها) هذا الـ(وجه) من الـ(قبح، لأنَّـ)ـه (مع ثبوت وجه القبح)
المدَّعى (تقبح الغيبة، وإنْ) أي حتَّى وإنْ (ثبت فيها) أي في الغيبة (وجه
-----------------
(٦٢) وقد نقلنا نصَّ كلامه (قدّس سرّه) في هامش سابق، فراجع.
حسن) وهو حفظ الإمام (عليه السلام) من أنْ يصل إليه الظالم، وهذا له نظير (كما
نقول في قبح تكليف ما لا يُطاق: إنَّ فيه وجه قبح)، فإنَّ تكليف العاجز قبيح عقلاً
(وإنْ كان فيه) أي في أصل التكليف الشامل لهما - أي القادر والعاجز -(٦٣)، ففي أصل
التكليف يوجد (وجه حسن بأنْ يكون لطفاً لغيره) أي لغير العاجز، فيكون التكليف
للعاجز من وجوه القبح، وللقادر من وجوه الحسن.
(و) الإشكال (الثاني): ما ذكره المستشكل من (أنَّ الغيبة تُنقِض) وتُبطِل (طريقَ)
ودليلَ (وجوب الإمامة) عند الإماميَّة الذين يقولون بوجوبها (في كلِّ زمان)، وذلك
باعتبار أنَّ الإماميَّة تقول بكبرى وجود الإمام في كلِّ زمانٍ، ووجه الانتقاض
(لأنَّ كون الناس مع رئيس مهيب متصرِّف) وظاهر بينهم ويقوم بوظائفه (أبعد) أي كون
الناس في هذه الحالة أبعد (من القبيح)، هذا لو سُلِّم ما تقوله الإماميَّة من
اقتضاء دليل اللطف لوجود الإمام، وأنَّ اللطف واجب لذلك، قال (قدّس سرّه): (لو
اقتضى كونه لطفاً واجباً في كلِّ حالٍ)، أي سواء كان ظاهراً أم غائباً، (و) لكن على
هذا وتفريعاً على كون الإمامة لطف سيلزم (قبح التكليف) ولكن متى؟
إنَّه (مع فقده)، وعليه (لانتقض(٦٤)) الدليل وكبرى الإماميَّة بدليل اللطف، وذلك
(بزمان الغيبة)، ووجه الانتقاض في زمان الغيبة (لأنَّا) وحسب فرض الإماميَّة،
وحتَّى ولو كنا (في زمان الغيبة) فلا بدَّ من وجود الإمام حسب قاعدة اللطف الشاملة
لكلِّ زمانٍ، أي لا بدَّ أنْ (نكون مع رئيس هذه صفته) أي
-----------------
(٦٣) ولو خطاباً والناظر إلى القادر فعلاً، على
تفصيل واختلاف في الأقوال قديماً وحديثاً في هذه المسألة التي بُحِثَت في علم
الكلام والأُصول.
(٦٤) جاء في هامش النسخة المعتمدة: (في نسخة (ن): (لا ينقص)، وفي نسختي (أ، م): (لا
ينقض)).
أقول: ولكن سياق الكلام وجواب شيخ الطائفة (قدّس سرّه) يناسب ما هو ثابت في المتن،
وتبقى العبارة محلَّ تأمُّلٍ.
يأخذ بنا إلى تكاليفنا، لنكون (أبعد من القبيح، و) ذلك (هو) مفاد (دليل وجوب هذه
الرئاسة) حسب دعوى الإماميَّة في نظر المستشكل.
لكن المستشكل يقول: (ولم يجب) أي لم يتحقَّق (وجود رئيس هذه صفته في زمان الغيبة)،
ولكن مع ذلك نجد الإماميَّة لا يقولون بقبح التكليف مع غيبته، ويُصرِّحون بقولهم:
(ولا قَبُحَ التكليف مع فقده)، وعليه فإنَّ المستشكل يقول: (فقد وُجِدَ الدليل) وهو
اللطف وحصول التكليف (و) مع أنَّه (لا مدلول) أي لا وجود للإمام، إذن لا ملازمة بين
وجود التكليف وضرورة وجود الإمام حتَّى عند الإماميَّة، (وهذا نقض) على (الدليل).
(و) الإشكال (الثالث) هو (بأنْ يقال: إنَّ الفائدة) المترتِّبة على القول (بالإمامة
هي كونه مبعِّداً من القبيح على قولكم) أي الإماميَّة، (وذلك) أي البُعد عن القبيح
عند مَنْ يقول بوجوب الإمامة (لا يحصل مع وجوده) أي الإمام حال كونه (غائباً)، وعلى
هذا الأساس فلم يتميَّز عند صاحب الإشكال حالة وجود الإمام ليتحقَّق اللطف وحالة
غيبته التي أيضاً يتحقَّق فيها اللطف، فما دام اللطف متحقِّقاً على كلِّ حالٍ فلِمَ
تشترطون في تحقُّق اللطف وجود الإمام؟ لذلك قال المستشكل: (فلم ينفصل وجوده) ظاهراً
(من عدمه) غائباً.
فإنْ قلتم: إنَّ هناك تفصيل، فإنَّ لطفَ وجوده يختلف عن لطف غيبته، وفي كلٍّ من
الحالتين - حالة الوجود والغيبة - يوجد نوعٌ من اللطفِ، إنْ قالت الإماميَّة هذا،
فإنَّ المستشكل يقول: أعطونا قرينة على هذا التفصيل، لذلك قال: (وإذا لم يختصّ)
وتدلّ قرينة خاصَّة على (وجوده) أي الإمام (عليه السلام) (غائباً بوجه)، وأنْ تكون
غيبته بنحو (الوجوب الذي ذكروه) أي الإماميَّة، فإذا لم تأتوا بالقرينة (لم يقتضِ)
ويثبت (دليلكم) وهو (وجوب وجوده) أي الإمام (عليه السلام) (مع الغيبة) أي مع كونه
إماماً غائباً، وعليه فرَّع المستشكل على كلامه السابق بقوله:
(فدليلكم مع أنَّه منتقض) ووجه الانتقاض (حيث وُجِدَ) الإمام في زمانٍ من الأزمنة
كزمان وجود النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وزمان أمير المؤمنين والحسن
(عليهما السلام) (مع انبساط اليد، و) أمَّا مع اختلاف الموضوع وعدم وجود الإمام
(عليه السلام) أصلاً، فكيف تستدلُّون بنفس الدليل، مع أنَّه (لم يجب) ويحصل (انبساط
اليد مع الغيبة، فهو) أي دليل اللطف (غير متعلِّق بوجود إمام غير منبسط اليد)،
وإنَّما يختصُّ دليل اللطف بحالة واحدة وهي حالة وجود إمام منبسط اليد حتَّى يُبعِد
الناسَ عن القبيح، (ولا هو حاصل في هذه الحال) أي حالة غيبته، فإنَّه لا يحصل منه
إبعاد الناس عن القبيح، فكشف ذلك عن كون الدليل لو سلَّمناه فهو مختصٌّ بحالة
انبساط اليد لا مطلقاً ليصحَّ الاستدلال به في زمن الغيبة.
هذا تمام الكلام في إشكالات المستشكل الثلاثة.
* * *
الجواب عن الإشكال الأوَّل: وجوه القبح
منتفيَّة في المقام، ونقض المستشكل بلا دليل:
شرع شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في جواب الإشكالات الثلاثة التي أُوردت على كلام
أُستاذه المرتضى (قدّس سرّه) حول دليل اللطف، وجعل الإجابات عن هذه الإشكالات في
فصول ثلاثة:
الفصل الأوَّل في دفع الإشكال الأوَّل، وهو إشكال: لزوم لازم فاسد لا تلتزم به
الإماميَّة لو استدلَّت على ثبوت الإمامة بدليل اللطف في زمان غيبة الإمام، وهذا
اللازم هو: أنَّ الغيبة تتنافى مع وجود الإمامة في كلِّ زمانٍ، والذي هو مفاد دليل
اللطف.
وبعد بيان الإشكال فيما تقدَّم، شرع (قدّس سرّه) في بيان الجواب عنه، وتقرير جوابه
(قدّس سرّه) في نقاط:
١ - قول المستشكل: إنَّ الإماميَّة لا بدَّ أنْ تلتزم بوجود وجه قبح عند القول
بالغيبة، هذا ممَّا لا دليل عليه، وهو إشكال في غير محلِّه، فهو وعيد وتهديد علمي
بغير حجَّة، ودعوى فارغة ومعلَّقة في الهواء.
فما هو وجه القبح هذا؟ ولِـمَ لم يُبيِّنه المستشكل لننظر فيه ونرى هل هو لازم على
قولهم باللطف في كلِّ زمانٍ حتَّى مع الغيبة؟ فدليل الإماميَّة أعزَّهم الله
(٦٥) (١٨/ جمادي الأُولى/١٤٤٤هـ).
تعالى سالم وثابت، ولا يُخشى عليه من تهديد ووعيد هذا المستشكل ما دام لم يُقِم
على وعيده بالنقض بقرينة أو دليل.
وبكلمة: كلام المستشكل دعوى بلا دليل.
إشكاليَّة أنَّ اللطف مع الغيبة لم يحصل منه
الغرض به، وجوابها:
إنْ قلتَ: لِمَ تنزعجون من إشكال المستشكل ووعيده؟
فلِمَ لا يكون ولو بنحو الإمكان والاحتمال أنَّ في الغيبة وجه قبح؟ فعدم الوجدان لا
يدلُّ على عدم الوجود، واحتمال وجود وجه قبح ولو بنحو الاحتمال دعوى غير ممنوعة.
قلتُ: نحن لا نمنع من وجود القبح، ولكن الوجوه المتصوَّرة من القبح هي الكذب أو
العبثيَّة أو الجهل أو الإغراء بالمفسدة وهكذا، ولـمَّا نظرنا في دليل اللطف - وبما
يشمل حالة الغيبة - وأثبت ضرورة وجود الإمام (عليه السلام) لم ندرِ أيًّا من هذه
الوجوه القبيحة في مفاد الدليل استلزمه حصول الغيبة في الإمام (عليه السلام).
إنْ قلتَ: إنَّ وجه القبح في القول بالغيبة مع ضرورة وجود الإمام في كلِّ زمانٍ
بيِّنة، لأنَّ المكلَّف سيقع في المعصية مع عدم وجود الإمام ظاهراً كي يهديه ويمنع
من وقوعه في الفساد، فكيف يقال: إنَّ الغيبة لا فساد فيها؟ فمع الغيبة لا تنبسط يد
الإمام (عليه السلام)، ومع عدم انبساط يده لا ينتفع المكلَّف وسيقع في المعصية،
والغرض من دليل اللطف هو منع المكلَّف من الوقوع في المعصية.
قلتُ: نُسلِّم أنَّ عدم انبساط يد الإمام وخفاء وجوده يُفوِّت على المكلَّف العديد
من موارد الهداية والمنع من الوقوع في المعصية، إلَّا أنَّ هذا المنع لم يأتِ من
قِبَل دليل اللطف، ولا من قِبَل الإمام (عليه السلام)، بل جاء من قِبَل نفس
المكلَّفين، فإنَّ بسط يد الإمام مرهون ببسط الناس يدهم له كي يأخذ بهم إلى الهداية
ويمنعهم من الوقوع في القبيح والمعصية.
تنظير المقام بمسألة البحث والنظر ولزوم
المعرفة وثبوت التكليف على مَنْ لم يعرف:
ونحن نذكر نظيراً للمستشكل به يتَّضح أنَّ ما أورده على دليل اللطف ليس بتامٍّ،
فإنَّ من المتَّفق عليه والمعلوم أنَّ المعرفة واجبة، وكلُّ مَنْ لم يقم بواجب
المعرفة من المكلَّفين فإنَّه سيقع في المعصية، فهل مع وقوع بعض المكلَّفين في
المعصية نقول: إنَّ الخلل هو في دليل اللطف؟
كلَّا، دليل اللطف الذي يسوق المكلَّفين لوجوب المعرفة تامٌّ، والكافر الذي لم
يتعرَّف على منعمه هو الذي أوقع نفسه في المعصية، فما وقع فيه المكلَّف من المعصية
بسبب عدم بحثه عن خالقه والالتزام بأحكامه هو أوقع نفسه فيه، ولم يوقعه الدليل في
هذه المعصية، وليس هو بخلل في الدليل.
والمقام من هذا القبيل، وما يقال فيه من جواب على تكليف الكافر بالله تعالى نقوله
فيمن منع الإمام (عليه السلام) من بسط يده، وأوجب غيبته.
تطبيق العبارة:
ثمّ قال (قدّس سرّه) في مقام جواب الاعتراضات والإشكالات الثلاث المتقدِّمة:
(الكلام عليه أنْ نقول: أمَّا الفصل الأوَّل) أي الاعتراض الأوَّل، وهو (من قوله:
إنَّا نُلزِم الإماميَّة أنْ يكون في الغيبة وجه قبح)، وهذا القول من المستشكل هو
(وعيد منه) أي من المستشكل، على نحو الوعيد الـ(ـمحض)، والذي (لا يقترن به) أي
بالوعيد (حجَّة)، وعليه (فكان ينبغي) بالمستشكل (أنْ يتبيَّن وجه القبح الذي أراد
إلزامه) أي للإماميَّة ويُلزِمه (إيَّاهم)، وذلك (لننظر فيه) أي في وجه القبح، (و)
لكنَّه أي المستشكل (لم يفعل) ولم يُقِم على وعيده ونقضه وتهديده حجَّة وقرينة،
وعليه (فلا يتوجَّه وعيده) وتهديده لدليل الإماميَّة بالبطلان.
ثمّ قال (قدّس سرّه): (وإنْ قال ذلك سائلاً على وجه) من الوجوه، وبنحو من الإمكان
والاحتمال، فإنَّ له أنْ يقول: (ما أنكرتم أنْ يكون فيها) أي الغيبة (وجه قبح)، ولو
بنحو الاحتمال.
فإنَّه (قدّس سرّه) يجيب هذا القائل، ويقول له: (فإنَّا نقول: وجوه القبح معقولة)
ولا نمنع منها، (من) قبيل (كون الشيء ظلماً وعبثاً وكذباً ومفسدةً وجهلاً، و) لكن
(ليس شيء من ذلك) أي الوجوه التي فيها قبح (موجوداً هاهنا) في وقوع الغيبة بالإمام
(عليه السلام)، (فعلمنا بذلك) أي من عدم وجودها في الغيبة (انتفاء وجود) وجه
(القبح) فعلاً.
ثمّ قال (قدّس سرّه) على لسان المستشكل: (فإنْ قيل: وجه القبح) موجود، وهو (أنَّه
لم يزح) أي لم يزح وجود الإمام مع غيبته وعدم ظهوره، هذا لم يزح (علَّة المكلَّف
على قولكم)، فيقع المكلَّف مع وجود الإمام الغائب في المفسدة، وذلك (لأنَّ انبساط
يده) أي الإمام (عليه السلام)، و(الذي هو لطف في الحقيقة، و) بقيد الغيبة لم يرفَع
(الخوف) من الوقوع في المعصية، ولم يقم الإمام بسبب الغيبة (من تأديبه) المكلَّف
وهدايته، وبالتالي (لم يحصل) الغرض من وجود الإمام، (فصار ذلك) أي غياب الإمام
(عليه السلام) (إخلالاً بلطف المكلَّف)، وأنْ يأخذ الإمام (عليه السلام) بيد هذا
المكلَّف ويهديه، (فقبح لأجله) أي لأجل هذا الإخلال القول بدليل اللطف، لأنَّه لم
يُؤدِّ غرضه.
فإنْ قلتم هذا، (قلنا: قد بيَّنَّا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه) إلى أنَّ
المقصود بالانبساط في دليل اللطف هو (أنَّ انبساط يده (عليه السلام)) لا مطلقاً، بل
إذا مكَّنه الناس من قياد أنفسهم، (و) أنَّ (الخوف من تأديبه) أي الإمام (عليه
السلام) (إنَّما فات المكلَّفين لما يرجع إليهم) أي بسبب تقصيرهم، (لأنَّهم أحوجوه
إلى الاستتار) أي إنَّ المكلَّفين هم مَنْ فعل ذلك ولو بعضهم، وذلك (بأنْ أخافوه
ولم
يُمكِّنوه) أي الإمام، ولم يُسلِّموا له قياد أنفسهم، (فأتوا من قِبَل نفوسهم) أي
فصار النقص في تكاليفهم من قِبَل أنفسهم إلَّا ما ندر.
(وجرى ذلك) أي ما تقدَّم في دليل اللطف والغيبة (مجرى أنْ يقول قائل) في القاعدة
المعرفيَّة المشهورة في وجوب البحث والنظر: (مَنْ لم يحصل له معرفة الله تعالى)
فإنَّه (في تكليفه وجه قبح)، ووجه هذا القبح (لأنَّه) أي هذا الفرد حيث لم يأخذ
بدليل وجوب المعرفة، لذلك (لم يحصل ما هو لطف له) لهذا الفرد (من المعرفة)، وإذا لم
يحصل اللطف له (فينبغي أنْ يقبح تكليفه)، مع أنَّ القاعدة قاضية بثبوت التكليف
عليه، وأنَّ هذا القبح جاء من عند نفسه، وعليه (فما يقولونه هاهنا من أنَّ الكافر
أُتي من قِبَل نفسه) وأوقع نفسه في القبح بتركه البحث والنظر، فهو الذي لم يبحث،
(لأنَّ الله قد نصب له الدلالة على معرفته) أي معرفة الله تعالى، (ومكَّنه من
الوصول إليها) إلى المعرفة، (فإذا لم ينظر) أي هذا المكلَّف (ولم يعرف أُتي في ذلك)
وعوقب على تركه الإيمان بالله تعالى بتركه البحث والنظر (من قِبَل نفسه، ولم يقبح
ذلك تكليفه) حتَّى لو لم يعرف ولم ينظر، (فكذلك نقول: انبساط يد الإمام وإنْ فات
المكلَّف فإنَّما أُتي من قِبَل نفسه) فالتفويت جاء من قِبَل نفس المكلَّف لا من
قِبَل الإمام (عليه السلام)، (ولو مكَّنه) أي ولو مكَّن الناس الإمام من أنفسهم
(لظهر وانبسطت يده فحصل لطفه) أي الإمام يحصل لطفه بالرعيَّة تبعاً لانبساط يده،
وعليه (فلم يقبح تكليفه) أي هذا المكلَّف، (لأنَّ الحجَّة عليه لا له) على المكلَّف
وليست له.
(وقد استوفينا نظائر ذلك في الموضع الذي أشرنا إليه، وسنذكر فيما بعد إذا عرض ما
يحتاج إلى ذكره).
* * *
ردُّ الإشكاليَّة الثانية:
والكلام في ردِّ الإشكال الثاني والذي عنونَّاه في ما سبق بأنَّ دليل اللطف أجنبي
عن المدَّعى، ولأجل دفع هذا الإشكال جعل شيخ الطائفة (قدّس سرّه) الردَّ على هذا
الإشكال الثاني مبوَّباً في فصلٍ مستقلٍّ، وقال: إنَّه مبنيٌّ على المغالطة
والتمويه، وإنَّ صاحب الإشكال يفهم ما يقول ولكنَّه أراد المغالطة والتلبيس
والتمويه، فقوله: إنَّ دليل اللطف ينتقض بحالة الغيبة، لأنَّ غيبة الإمام (عجَّل
الله فرجه) تمنع من أنْ يمارس دوره في هداية الناس، ومنعه من ممارسة دوره معناه
أنَّ التكليف يسقط عن الناس في زمان الغيبة، ويصير التكليف مع الغيبة قبيحاً،
لأنَّه سيكون تكليفاً بدون نصب مَنْ يُهتدى به، وهو على حدِّ التكليف بما لا يُطاق،
وحيث نحن في زمان الغيبة، فلا بدَّ أنْ تقول الإماميَّة إمَّا بسقوط التكليف، وهذا
ما لا سبيل لهم إليه، وإمَّا بسقوط الدليل - اللطف - الذي اعتمدوا عليه في إثبات
إمامة إمامهم، وهذا إذا لم يكن مساوياً لقبح رفع التكليف فهو أشدّ منه.
ثمّ قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه): إنَّني عندما أقول: إنَّ كلام المستشكلين مغالطة
وتمويه لأنَّهم ظنُّوا أنَّ الإماميَّة تقول: إنَّ في حالة الغيبة دليل وجوب
الإمامة قائم حتَّى ولو لم يوجد الإمام، فيلزم النقض علينا، إذ كيف يدلُّ الدليل -
وهو دليل اللطف - على وجوب الإمامة في حين أنَّه لا يوجد في الخارج إمام، فيكون
مفاد دليل اللطف منقوضاً بالغيبة.
(٦٦) (١٩/ جمادي الأُولى/١٤٤٤هـ).
ثمّ يقول (قدّس سرّه): ونحن لا نقول ذلك، أي لا نقول: إنَّ دليل الإمامة العقلي
المقتضي للزوم الرئاسة ثابت حتَّى في حالة عدم وجود الإمام، بل دليلنا على وجوب
الرئيس والإمام إنَّما يكون في حالة واحدة، وهي حالة وجود الإمام بعينه، نعم لا
يُفرَّق في وجوده بين أنْ يكون ظاهراً معروفاً بين الناس أو غائباً مستوراً عنهم،
فإنَّ في الحالتين - أي حالة ظهور الإمام ووجوده بين الناس وحالة غيبته - يكون
وجوده لطفاً.
فنحن لا نقول: إنَّ زمان الغيبة خالٍ من وجود رئيس وإمام حتَّى يُنقَض علينا بما
ذكره المستشكل.
بل إنَّنا نقول: إنَّ الرئيس والإمام حاصل وموجود، وبالتالي فالدليل - وهو دليل
اللطف - تامُّ الدلالة على وجود الإمام.
نعم بسبب الغيبة ارتفع عن الناس ظهوره، وارتفعت حالة انبساط يده ومباشرته لإدارة
شؤون الناس.
وهذا الارتفاع ليس بسببه، بل بسبب المكلَّفين والناس، فإنَّ المكلَّفين هم الذين
منعوا رئيسهم وإمامهم من أنْ يمارس دوره، وليس هو الذي حجب نفسه وغاب عن ممارسة
دوره.
وهذا الكلام في غيبة الإمام حاله حال ما يجري في دليل معرفة الله تعالى، وأنَّها
لطف، ويجب معرفته والبحث عنه، مع أنَّ الكُفَّار لا يعرفون الله تعالى، لأنَّهم لم
يبحثوا عنه.
وعدم معرفتهم به عزَّ اسمه لعدم بحثهم عنه لا يمنع من تكليفهم للتكاليف الشرعيَّة
على ما هو المعروف من أنَّ التكاليف ثابتة على الكُفَّار، فهل يُنقَض على دليل
المعرفة بأنَّه غير تامِّ الدلالة؟
كلَّا لم يقل بذلك أحد، وما يُجيب به المستشكل على دليل وجوب المعرفة
وتكليف الكُفَّار وإنْ لم يبحثوا عن الله تعالى هو بنفسه جوابنا، فالكافر هو الذي
فوَّت على نفسه معرفة الله تعالى، فلا يرتفع التكليف عنه بتفويته على نفسه معرفة
الله سبحانه وتعالى، وكذلك الأمر في مسألة الغيبة.
أمَّا الكلام في الفصل الثالث، فسيأتي في الدرس القادم.
تطبيق العبارة:
قال (قدّس سرّه): (وأمَّا الكلام في الفصل الثاني، فهو) أي كلام المستشكل (مبنيٌّ
على المغالطة، و) هو (لا) يعني أنَّنا (نقول: إنَّه) أي صاحب الإشكال (لم يفهم ما
أورده)، وذلك (لأنَّ الرجل كان فوق ذلك) أي فوق مستوى أنَّه لا يفهم، و(لكن أراد
التلبيس والتمويه) عندما أشكل (في قوله: إنَّ دليل وجوب الرئاسة) وهو دليل اللطف
(ينتقض بحال الغيبة)، وذلك (لأنَّ كون الناس مع رئيس مهيب) ظاهر و(متصرِّف أبعد من
القبيح)، هذا (لو اقتضى) القول بدليل اللطف (كونه) أي لزوم وجود الإمام (عليه
السلام) في كلِّ زمانٍ (لطفاً واجباً على كلِّ حال) أي حتَّى في حال الغيبة، (وقبح
التكليف مع فقده) أي الإمام، هذا القول بلزوم وجوده في كلِّ زمانٍ (لانتقض) هذا
القول والدليل (بزمان الغيبة، لأنَّا) الآن فعلاً (في زمان الغيبة) ومع ذلك (فلم
يقبح التكليف مع فقده) أي فقد الإمام (عليه السلام)، وعلى هذا الأساس (فقد وُجِدَ
الدليل) وهو لزوم الرئيس في كلِّ زمانٍ (ولا مدلول) أي ولم يندفع الفساد، (وهذا
نقض) على الدليل، إذ مفاد الدليل أنَّه بمجرَّد وجود الإمام يتحقَّق اللطف ويمتنع
الناس عن الوقوع في الفساد، وهذا الكلام من المستشكل تقدَّم نقله وتوضيحه، ونقله من
شيخ الطائفة (قدّس سرّه) مرَّةً أُخرى مع قرب ذكره بنصِّه تطويل مخلٌّ، ولعلَّه
يُغتفَر هنا إذ لا يضرُّ في مقام شرح الكلمات تكرارها.
ثمّ قال (قدّس سرّه): (وإنَّما قلنا: إنَّه تمويه) ومغالطة (لأنَّه) أي المستشكل
حيث (ظنَّ أنَّا نقول: إنَّ في حال الغيبة دليل وجوب الإمامة قائم، و) هذا حتَّى في
الحالة التي (لا إمام) موجود، (فكان) فهمه لكلامنا في دليل اللطف مع حصول الغيبة
(نقضاً).
هذا، (و) لكنَّنا (لا نقول ذلك، بل دليلنا في حال وجود الإمام بعينه) وبنفسه (هو
دليل) لنا (حال غيبته) فهو دليلنا، و(في أنَّ في الحالين الإمام لطف فـ)ـنحن (لا
نقول: إنَّ زمان الغيبة خلا من وجوب رئيس) حتَّى ينقض علينا بعدم وجود الإمام في
هذا الزمان، وبانتقاض الدليل، (بل عندنا أنَّ الرئيس حاصل) وموجود في كلِّ زمانٍ
وحالٍ حتَّى حال غيبته، (وإنَّما ارتفع) من لطف الإمام خصوص حالة (انبساط يده) أي
الإمام (لما يرجع إلى المكلَّفين) أي من قِبَل أنفسهم وبسبب تقصيرهم (على ما
بيَّنَّاه) في الكُتُب التي تُعنى ببحث الإمامة، (لا لأنَّ انبساط يده) أي الإمام
(خرج من كونه لطفاً) فيبقى الانبساط في حدِّ نفسه لطفاً، (بل) ويبقى (وجه اللطف به)
أي بوجود الإمام (قائم، وإنَّما لم يحصل) اللطف مع عدم انبساط يده في خصوص حالة هي
(لما يرجع) أي الحالة راجعة (إلى غير الله)، والسبب في عدم بسط يد الإمام هم الناس،
وعليه (فجرى) هذا الكلام (مجرى أنْ يقول قائل (ويستشكل على ما هو واضح الثبوت،
فـ(ـكيف يكون) القول في (معرفة الله تعالى لطفاً) وعامًّا لجميع البشر (مع أنَّ
الكافر لا يعرف الله) تعالى، فكيف يُدَّعى وجود لطف مع عدم حصول المعرفة عند
الكافر؟ وهل اللطف يختصُّ ببعض دون بعض؟ وعليه (فلمَّا كان التكليف على الكافر
قائماً) لأدلَّة عديدة تثبت في علم الفقه، (و) لكن (المعرفة مرتفعة) عن الكافر،
لأنَّه لم يقم بالبحث والنظر، فالكافر لا يعرف الله تعالى، ولكن ومع عدم معرفته
دلَّت الأدلَّة على تكليفه، فـ(ـدلَّ) هذا (على أنَّ المعرفة
ليست لطفاً) في المكلَّف، وذلك لأنَّ اللطف يثبت (على كلِّ حالٍ، لأنَّها) أي
المعرفة (لو كانت كذلك) أي لو كانت تُؤدِّي إلى الطاعة (لكان ذلك نقضاً)، فالكافر
لم تحصل منه طاعة مع أنَّ دليل اللطف فيه قائم بقرينة ثبوت التكليف عليه وإنْ لم
يعرف ويؤمن.
ثمّ قال (قدّس سرّه): (وجوابنا في الإمامة كجوابهم في المعرفة)، وحيث إنَّ جوابهم
في المعرفة هو (من) جهة (أنَّ الكافر لطفه قائم بالمعرفة) ويتحقَّق فيه لطف التكليف
وإنْ لم يبحث ويعرف، (و) التفويت الحاصل (إنَّما) هو تفويت و(فوت) جاء من (نفسه) أي
المكلَّف، وذلك (بالتفريط في النظر المؤدِّي إليها) إلى المعرفة، وبتفويته للنظر
المؤدِّي إلى المعرفة (فلم يقبح تكليفه) بالتكاليف الشرعيَّة، وعلى هذا سوف يُعاقَب
على ترك الصلاة والحجِّ وإنْ لم يكن مسلماً، فما يقولونه هنا، وهم يقولون به،
(فكذلك) نحن (نقول): إنَّ (الرئاسة لطف للمكلَّف) حتَّى (في حال الغيبة، وما
يتعلَّق بالله من إيجاده) وهو اللطف من إيجاد الإمام (حاصل، وإنَّما ارتفع) بسبب
الغيبة (تصرُّفه) أي الإمام (و) ارتفع (انبساط يده) أي الإمام، وذلك (لأمر يرجع إلى
المكلَّفين) من منعهم بسط الإمام ليده عليهم وعدم تمكينه من تأدية دوره، ولأنَّ
الأمر بسببهم (فاستوى الأمران) أي أمر وجوده معهم وحضوره بينهم وأمر غيبته عنهم
بالنسبة إلى حصول اللطف فيهم وثبوت التكاليف عليهم، فالأمر في الغيبة والأمر في
وجوب البحث والنظر من وادٍ واحدٍ من هذه الجهة، (والكلام في هذه المعنى مستوفًى
أيضاً بحيث ذكرناه) في تلخيص الشافي وغيره.
* * *
الدليل أخصُّ من المدَّعى:
تقدَّم في غير هذا الموضع أنَّ من غايات الإمامة هي تقريب العبد للطاعة ومنعه عن
المعصية، وحيث إنَّ الغيبة منعت عن ذلك، فدليل اللطف قاصر عن الشمول لزمان الغيبة
وإثبات وجوب الإمامة في هذا الزمان، إذ لا يوجد غرض تُحقِّقه الإمامة كما هو حال
بسط اليد والحضور.
فلا بدَّ لمن يستدلُّ بدليل اللطف أنْ يذكر نكتة وخصوصيَّة إضافيَّة في الدليل تضمن
بقاء الغرض حتَّى في حالة الغيبة، ومع عدم وجود هذه الإضافة وعدم إثبات هذه
الخصوصيَّة يكون الدليل أخصَّ من المدَّعى، إذ المدَّعى شمول دليل اللطف لجميع
الأزمنة مع أنَّ مقدَّمات دليل اللطف تختصُّ بزمان الحضور، فيكون الدليل أخصَّ من
المدَّعى.
بل تقدَّم أنَّ دليل اللطف منتقض أساساً وغير وافٍ بإثبات وجوب الإمامة، لأنَّكم
تريدون به إثبات الإمامة حتَّى مع عدم بسط يده، مع أنَّ الدليل مختصٌّ بإمام مبسوط
اليد.
والشيخ (قدّس سرّه) يقول في جواب المستشكل: إنَّه لم يأتِ بشيء جديد سوى تعقيد
المقدَّمات وقلبها على طريقة أهل الجدل وطريقة المناطقة، لأنَّ الأمر واضح،
والإماميَّة تقول صريحاً: إنَّ الإمام يجب انبساط يده في كلِّ زمانٍ، والذي
(٦٧) (٩/ جمادى الآخرة/ ١٤٤٤هـ).
منع انبساط يده أثناء الغيبة هم الناس، وهذا لا يرفع الحجَّة عنهم ولا يُسقِط
دلالة الدليل، وتقدَّم التنظير لذلك بوجوب المعرفة، وسيُكرِّره (قدّس سرّه).
إذن متى قلنا: إنَّه لا يجب بسط يد الإمام في الغيبة، حتَّى يقول: دليلكم ليس فيه
دلالة على وجوب وجود إمام غير منبسط اليد؟
بل هو منبسط على كلِّ حالٍ، نعم في الغيبة صار الناس سبباً في المنع، فالكلام في
المانع لا المقتضي.
النقض بأهل الحلِّ والعقد:
هذا النقض موجَّه للعدليَّة من غير الإماميَّة كالمعتزلة أو غيرهم، نقول لهم: أنتم
تقولون بوجوب نصب الإمام على أهل الحلِّ والعقد، فإذا لم يقم أهل الحلِّ والعقد
بنصب الإمام الحقِّ فعلاً، فهل يسقط وجوب الإمامة؟
لم نسمع من أحد منكم ولا من غيركم ممَّن يرى وجوب الإمامة شرعاً أو عقلاً أنَّه
يقول بسقوط الوجوب، فجوابنا في غيبة الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) هو جوابكم عن
أهل الحلِّ والعقد.
وجوب الإمامة للأمور الدنيويَّة، وردُّها:
يدَّعي بعض الشيوخ وعلماء الكلام من الفِرَق الأُخرى أنَّ العقلاء ينصبون الرئيس
لمصالح دنيويَّة فقط، وبناءً على تخصيص المصالح بالدنيويَّة فإنَّ دليل اللطف لا
ينفع في إثبات الإمامة على ما تقوله الإماميَّة.
والجواب عنه:
١ - أنَّ هذا القول فاسد، إذ لو كان أمر الإمامة مختصًّا فقط بالأُمور الدنيويَّة
لما قيل بوجوب الإمامة في الدِّين بالاتِّفاق، نعم حصل خلاف في دليل وجوبها أهو من
الشرع أو العقل؟ أمَّا أصل وجوبها فممَّا لا إشكال في كونه من الأُمور الدِّينيَّة.
٢ - أنَّ جملة من الأُمور الدنيويَّة هي دينيَّة والعكس كذلك، فالجهاد وتولية
الأُمراء والقضاة وقسمة الفيء واستيفاء الحدود والقصاصات أُمور دينيَّة لا يجوز
تركها حتَّى ولو كان القيام بها لمصلحة دنيويَّة.
التدخُّل الإلهي المباشر في إيجاد البديل،
وجوابه:
قد يقال: إنَّ الله تعالى يتدخَّل في جعل بديل عن الإمام إذا لم ينصب أهل الحلِّ
والعقد الإمام والرئيس الحقَّ، وعليه فلا يجب إسقاط التكاليف لعدم تصدِّي أهل
الحلِّ والعقد لوظيفتهم.
وهذا الإشكال مردود، فإنَّه لو كان الله تعالى يتدخَّل في إيجاد البديل إذا أخفق
أهل الحلِّ والعقد للزم أنْ يكون نصب الإمام من قِبَله تعالى بنحو التخيير، إمَّا
تنصيب الإمام المُعيَّن من قِبَله أو أنْ يختاره أهل الحلِّ والعقد، أو أنْ يُوجِد
الله تعالى البديل، فلا تعيين لإمام معيَّن، ولا اختيار من أهل الحلِّ والعقد.
وهذا على خلاف الدليل القائل بأنَّ نصب الإمام على نحو العينيَّة والتعيين لا
التخيير، فالفرض في الإمامة ليس من الفروض التخييريَّة الكفائيَّة، بل من الفروض
التعيينيَّة المحدَّدة، سواء قام بها الناس أو لا.
التنظير في الأمرين بوجوب المعرفة:
بل يلزم على القول بإيجاد البديل أو أنَّ الإمامة من الأُمور الدنيويَّة أنْ يقال
ذلك في وجوب المعرفة، فأدلَّة وجوب المعرفة لا تلزم لأنَّ لها بديل، أو مرتبطة
بالأُمور الدنيويَّة وبالتالي لا تجب المعرفة.
وإذا قالوا: إنَّ المعرفة لا تسقط لأنَّه لا بديل لها، قلنا: كذلك الإمامة لا بديل
لها.
وقد ثبت في محلِّه من (تلخيص الشافي) تفصيل هذا الأمر.
تطبيق العبارة:
قال (قدّس سرّه): (وأمَّا الكلام في الفصل الثالث) أي في الاعتراض الثالث من قِبَل
المعترض، وهو (من قوله: إنَّ الفائدة بالإمامة هي كونه) أي الإمام (عليه السلام)
يتَّصف بكونه (مبعِداً من القبيح على قولكم) أي الإماميَّة، (وذلك) أي الإبعاد عن
القبيح (لم يحصل مع غيبته) أي الإمام (عليه السلام)، (فلم ينفصل) ويتميَّز (وجوده
من عدمه) أي الإمام (عليه السلام)، (فإذا لم يختصّ وجوده) أي الإمام (عليه السلام)
في حال كونه (غائباً) بميزة و(بوجه) يُثبِت (الوجوب الذي ذكروه) في دليلهم (لم
يقتضِ دليلكم) أيُّها الإماميَّة في حالة عدم التمييز (وجوب وجوده مع الغيبة)، وعلى
هذا (فدليلكم مع أنَّه منتقض) من أصله بما تقدَّم (حيث وُجِدَ) أي الدليل في حالة
واحدة، وذلك (مع انبساط اليد، و) لكنَّه (لم يجب) ولم يثبت حالة (انبساط اليد مع
الغيبة)، وعلى هذا الأساس (فهو) أي الدليل (غير متعلِّق بوجود إمام غير منبسط
اليد)، ولا يثبت وجود الإمام (عليه السلام) في حال غيبته، (ولا هو حاصل في هذه
الحال).
فأجابه شيخ الطائفة (قدّس سرّه): (فإنَّا نقول: إنَّه لم يفعل في هذا الفصل أكثر من
تعقيد القول على طريقة المنطقيِّين من قلب المقدَّمات وردِّ بعضها على بعض، ولا
شكَّ أنَّه قصد بذلك التمويه والمغالطة، وإلَّا فالأمر أوضح من أنْ يخفى).
(و) بيان كونه أوضح من أنْ يخفى أنَّه (متى قالت الإماميَّة: إنَّ انبساط يد الإمام
لا يجب) ولا يحصل (في حال الغيبة حتَّى يقول) هذا القائل: (دليلكم لا يدلُّ على
وجوب إمام غير منبسط اليد)، أي إنَّ دليلكم ليس فيه قابليَّة إثبات وجود إمام غير
منبسط اليد، (لأنَّ هذه) أي حالة عدم انبساط اليد هي حاصلة، (حال الغيبة؟).
لذلك قال (قدّس سرّه): (بل الذي صرَّحنا به دفعة) أي مرَّةً (بعد أُخرى) هو (أنَّ
انبساط يده واجب في الحالين في حال ظهوره وحال غيبته، غير أنَّ حال ظهوره مُكّن
منه) من الانبساط (فانبسطت يده، و) في (حال الغيبة لم يُمكَّن) من
الانبساط (فانقبضت يده) بسبب منع الناس له من بسطها، فغاب، فتغيَّر نوع الانبساط،
(لا أنَّ انبساط يده خرج من باب الوجوب) بسبب الغيبة.
(و) لذا قال (قدّس سرّه): (بيَّنَّا أنَّ الحجَّة بذلك قائمة على المكلَّفين من حيث
منعوه) أي الإمام (عليه السلام)، (ولم يُمكِّنوه، فأُتوا من قِبَل نفوسهم، وشبَّهنا
ذلك بالمعرفة دفعة) مرَّةً (بعد أُخرى.
وأيضاً فإنَّا نعلم أنَّ نصب الرئيس واجب بعد) ثبوته في (الشرع لما في نصبه) أي
الإمام (عليه السلام) (من اللطف، لتحمُّله) أي الإمام (عليه السلام) (للقيام بما لا
يقوم به غيره) أي غير الإمام (عليه السلام)، (ومع هذا فليس التمكين) وبسط اليد
(واقعاً) أي حاصلاً (لأهل الحلِّ والعقد من نصب مَنْ يصلح لها) للرئاسة والإمامة
(خاصَّةً على مذهب أهل العدل) كالزيديَّة والمعتزلة (الذين كلامنا معهم) أي مع
العدليَّة كالمعتزلة والزيديَّة ممَّن يقول بلزوم نصب الإمام، (ومع هذا لا يقول
أحد) من هؤلاء كالزيديَّة مثلاً من انتفاء الإمامة بعد عدم بسط أهل الحلِّ والعقد
لِيَدِ الإمام الحقِّ، إذ لا يقولون: (إنَّ وجوب نصب الرئيس سقط الآن) أي بعد
السقيفة مثلاً أو بعد الثاني أو في غيرها من الموارد (من حيث لم يقع التمكين منه)
أي من الإمام من قِبَل أهل الحلِّ والعقد.
(فجوابنا في غيبة الإمام (عليه السلام) جوابهم) أي جواب تلك الفِرَق من الأشاعرة أو
المعتزلة أو الزيديَّة (في منع أهل الحِلِّ والعقد من اختيار مَنْ يصلح للإمامة،
ولا فرق بينهما) أي بين الجوابين، (فإنَّما الخلاف بيننا أنَّا قلنا: علمنا ذلك) أي
نصب الإمام (عقلاً)، (و) الفِرَق الأُخرى (قالوا: ذلك) أي نصب الإمام (معلوم
شرعاً)، وهذا الفارق لا يوجب فرقاً في أصل لزوم الإمامة على كلِّ حالٍ، (وذلك فرق
من غير موضع الجمع) أي إنَّ هذا الفارق غير مفرِّق، بمعنى أنَّ طريقة نصب الإمام لا
تُؤثِّر على ضرورة الإمامة ولزوم الالتزام بها
على كلِّ حالٍ، فما ذُكِرَ من طريقة الالتزام بالإمامة وأنَّها عقليَّة عندنا
وشرعيَّة عندهم، هذا فارق لا يُؤثِّر على اجتماعنا في لزوم الإمامة.
إشكال للمستشكل على لسان الشيخ (قدّس سرّه): (فإنْ قيل: أهل الحِلِّ والعقد إذا لم
يُمكَّنوا) ولم يقدروا (من اختيار مَنْ يصلح للإمامة) هنا، (فإنَّ الله يفعل ما
يقوم مقام ذلك) بأنْ يُوجِد هو (عزَّ وجلَّ) (من الألطاف) ما يسدُّ الفراغ الحاصل
بعدم اختيار أهل الحِلِّ والعقد للإمام، وعليه (فلا يجب إسقاط التكليف) بسبب عدم
اختيار أهل الحِلِّ والعقد للإمام، (وفي الشيوخ مَنْ قال: إنَّ الإمام يجب نصبه في
الشرع لمصالح دنياويَّة)(٦٨) فقط، (و) بناءً على (ذلك) سيكون دليل اللطف (غير واجب
أنْ يفعل لها) للإمامة (اللطف).
(٦٨) قال (قدّس سرّه) في تلخيص الشافي (ج ١/ ص ٧٠):
(فإنْ قيل: الصلاح الذي يحصل للمكلَّفين عند وجود الرؤساء هو فيما يتعلَّق بمصالح
الدنيا ومنافعها، وذلك غير واجب على الله تعالى أنْ يفعله لأنَّه إنَّما تجب عليه
المصالح الدِّينيَّة، قلنا: في وجود الرؤساء مصالح دنياويَّة - وهي كما ذكر السؤال
-، وفيها أيضاً مصالح دينيَّة، لأنَّا نعلم - على ما بيَّنَّا - عند وجود الرؤساء
يرتفع كثير من القبائح: مثل الظلم والبغي، وذلك من مصالح الدِّين لا محالة،
فالرئاسة واجبة من هذا الوجه).
* قال السيِّد المرتضى (قدّس سرّه) في الشافي في الإمامة (ج ١/ ص ٦٩): (فليس كما
ادَّعاه من أنَّ الحاجة إلى الإمام بخصوصه في اجتلاب المنافع ودفع المضارِّ
الدنيويَّة، بل الذي ذكره إنْ كان حاصلاً فيها فقد يتعلَّق بها أمر ما يرجع إلى
الدِّين، واللطف في فعل الواجبات، والإقلاع من المقبَّحات، ألَا ترى أنَّا قد
دلَّلنا على أنَّ بوجود الرؤساء وانبساط أيديهم وقوَّة سلطانهم يرتفع كثير من الظلم
والبغي، ويخفُّ أكثر ما يجري عند فقدهم من الفساد والانتشار؟
وكلُّ ذلك يُبيِّن أنَّ للرئاسة دخولاً في الدِّين قويًّا...).
* قال القاضي عبد الجبَّار المعتزلي في المغني (ج ٢٠/ ق ١/ ص ٣٠): (واعلم أنَّ الذي
يفعله العقلاء لا مدخل له في باب الإمامة؛ لأنَّهم يفعلون ما يتَّصل باجتلاب
المنافع ودفع المضارِّ، والاستعانة بالغير عند الحاجة يدخل في هذا الباب، ولا فرق
بين الاستعانة بوكيل يقوم بأمر الدار والضيعة أو الاستعانة بأمين يقوم بحفظ البلد،
أو يقوم بدفع مضرَّة العدوِّ، فجميع هذه الأُمور ترجع إلى طريق اجتلاب المنافع ودفع
المضارِّ...).
والجواب عنه: (قلنا: أمَّا مَنْ قال: نصب الإمام لمصالح دنياويَّة) فقط، فـ(ـقوله
يفسد)، وذلك (لأنَّه لو كان) أمر الإمامة (كذلك) أي لمصالح دنيويَّة فقط (لما وجب
إمامته) أي لما وجبت إمامة الإمام في الدِّين لو كان أمر الإمامة مختصٌّ بالمصالح
الدنيويَّة، (ولا خلاف بينهم) أي علماء الكلام من الأشاعرة والمعتزلة والزيديَّة
(في أنَّه يجب إقامة الإمام مع الاختيار)، فكيف يُقال بالوجوب والإمامة مختصَّة
بالمصالح الدنيويَّة؟!
(على) أنَّه لا يعني أنَّنا عندما نقول بوجوب نصب الإمام أنَّه يُنصَب لأجل المصالح
الدِّينيَّة فقط، وإنَّما لأُمور دينيَّة ودنيويَّة، أي (أنَّ ما يقوم به الإمام من
الجهاد وتولية الأُمراء والقُضاة وقسمة الفيء واستيفاء الحدود والقصاصات أُمور
دينيَّة لا يجوز تركها.
ولو كان) القيام بهذه الأُمور (لمصلحة دنياويَّة لما وجب ذلك) النصب، (فقوله ساقط
بذلك) بالاتِّفاق على نصب الإمام، وبأنَّ بعض المصالح الدِّينيَّة لها آثار
دنيويَّة وبالعكس.
هذا، (وأمَّا من قال: يفعل الله ما يقوم مقامه) أي ما يقوم مقام الإمام بعد عدم
اختيار أهل الحلِّ والعقد له، هذا (باطل)، ووجه بطلانه (لأنَّه لو كان كذلك) أي كان
على الله تعالى أنْ يقيم مقام الإمام إذا لم يقم أهل الحلِّ والعقد بذلك (لما وجب
عليه إقامة الإمام) من البداية أصلاً، و(مطلقاً على كلِّ حالٍ، ولكان يكون ذلك) نصب
الرئيس والإمام (من باب التخيير) لأنَّه لو لم يقُم الناس بواجبهم لأقام الله تعالى
لهم البديل، فهم مخيَّرون (كما نقول) بالتخيير (في فروض الكفايات) بأنْ لو لم يقُم
به البعض وقام به غيرهم لتحقَّق الغرض، كذلك هنا لو لم يقُم به الناس وقام به الله
تعالى بإيجاد البديل لتحقَّق الغرض، (و) لكن حيث إنَّ الثابت (في علمنا) هو اللزوم
(بتعيين ذلك) أي نصب الإمام،
بمقتضى دليل اللطف، (ووجوبه على كلِّ حالٍ)، فيكون هذا العلم هو بنفسه الـ(ـدليل
على فساد ما قالوه) من أنَّ أهل الحلِّ والعقد لو لم ينصبوا إماماً للحقِّ لقام
الله تعالى بإيجاد البديل.
(على أنَّه يلزم على الوجهين) من الأُمور الدنيويَّة وفعل الله تعالى (جميعاً) يلزم
وجوب (المعرفة)، وذلك (بأنْ يقال: الكافر إذا لم يحصل له المعرفة يفعل الله له ما
يقوم مقامها) أي مقام المعرفة، وعليه (فلا يجب عليه المعرفة على كلِّ حالٍ)
وعينيًّا، بل سيكون مخيَّراً، وهذا ما لم يقل به أحد منهم، فما يُقال في وجوب
المعرفة هو بعينه ما نقوله في نصب الإمام (عليه السلام).
(أو يقال: إنَّ ما يحصل من الانزجار عن فعل الظلم عند المعرفة أمر دنياوي) كما
قالوه آنفاً في الإمامة، وإذا كان الأمر كذلك فـ(ـلا يجب لها) أي للأُمور
الدنيويَّة (المعرفة)، وإذا لم تجب المعرفة للأُمور الدنيويَّة فلا يترتَّب
الانزجار، (فيجب من ذلك إسقاط وجوب المعرفة)، لأنَّها لا تنفع في شيء إذا لم توجب
الأمر والزجر.
(ومتى قيل: إنَّه لا بدل للمعرفة) أي إذا تراجعوا وقالوا: لا نقول: إنَّ وجوب
المعرفة تخييري وله بدل، (قلنا: وكذلك لا بدل للإمام على ما مضى - وذكرناه في
(تلخيص الشافي)(٦٩) -).
ثمّ (و) إنْ قالوا: الأمر (كذلك) في الفرع الثاني، فـ(ـإنْ بيَّنوا أنَّ الانزجار
من القبيح عند المعرفة أمر ديني، قلنا) لهم: الأمر (مثل ذلك في وجود الإمام سواء).
* * *
(٦٩) تلخيص الشافي (ج ١/ ص ٨٧/ لا يقوم شيء من الألطاف مقام الإمامة).
تقدَّم الكلام في دفع الإشكالات الثلاث المتقدِّمة
من بعض مَنْ كان في طبقة السيِّد المرتضى (قدّس سرّه)، ولعلَّه يشير إلى القاضي عبد
الجبَّار المعتزلي صاحب (المغني)، وهي:
الأوَّل: الغيبة تتنافى وضرورة الإمامة في كلِّ زمانٍ، وتمَّ ردُّه مفصَّلاً.
الثاني: دليل اللطف عاجز وقاصر الدلالة على لزوم الإمامة.
الثالث: الدليل أخصُّ من المدَّعى.
حالات وجود الإمام من جهة مَنْ يوجده ويبسط
يده، ومناقشة الصور وردُّها:
شرع (قدّس سرّه) في بيان إشكال آخر مرتبط بالإشكاليَّات المتقدِّمة على دليل اللطف،
من جهة إيجاد الرئيس المُطاع في الأُمَّة على مَنْ يقع ويجب؟
فالمستشكِل يقول: إنَّ وجوب وجود الإمام بين الناس له حالات ثلاث:
١ - إمَّا أنْ يكون وجوده على كلِّ حالٍ وتقديرٍ - سواء في الغيبة أم الحضور - هو
بإيجاد الله تعالى له، وهذا ما لم يحصل حيث انتقض في الغيبة فإنَّه تعالى لم يبسط
يده، بل غيَّبه.
٢ - أو أنَّه يجب على الناس أنْ يوجدوه ويبسطوا يده، وهذا تكليف بما لا يُطاق،
لأنَّ الناس لا قدرة لهم على تشخيص المعصوم من بين ظهرانيِّهم.
(٧٠) (١٠/ جمادى الآخرة/ ١٤٤٤هـ).
٣ - أو أنَّ الله تعالى هو الذي يُوجِده، وعلى الناس
أنْ يبسطوا يده، وهذا التفصيل ممَّا لا دليل عليه، ولو تنزَّلنا وقلنا بوجود ما
يدلُّ عليه، فإنَّه يلزم منه لازم فاسد لا يُلتزَم به، من أنَّه كيف يجب تكليف من
التكاليف عليَّ ويكون لطفه وأثره على غيري؟
فلِمَ يجب عليَّ بسط يد الإمام (عليه السلام) وأثر هذا التكليف أنْ يحصل لطف على
غيري من الناس؟
هذا هو إشكالهم الجديد على دليل اللطف، الموجب لعدم تحقُّق اللطف على جميع الفروض.
جواب المصنِّف (قدّس سرّه) على الإشكال
المتقدِّم:
نحن نختار الثالث ولا يرد الإشكال، بيان ذلك:
حيث نقول: إنَّ وجود الإمام (عليه السلام) وأنَّه لطف بنا هذا ممَّا لا نشكُّ به،
على ما تقدَّم من الدلالة على كونه لطفاً، وهذا اللطف لا يتحقَّق إلَّا مع وجوده،
وحيث ليس من مقدورنا إيجاد الإمام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنَّه معصوم
والمعصوم لا يعرفه إلَّا الله تعالى، فيكون التكليف بإيجاده تكليف بغير المقدور.
فيكون إيجاده مختصًّا به تعالى، وأمَّا بسط يده حيث إنَّه مقدور لله تعالى بمقتضى
قدرته المطلقة، ومقدور لنا أيضاً من خلال مبايعته ونصرته، وحيث إنَّ الله تعالى لم
يبسط يده بالقوَّة والغلبة، وكذلك لم يثبت أنَّه تعالى أحال بينه وبين أعدائه
بإنزال الملائكة عليه لنصرته، علمنا أنَّه تعالى جعل التكليف في هذا الأمر منوطاً
بنا.
يبقى جواب إشكالهم في التمثيل في أنَّ التكليف يجب على زيد واللطف يحصل بعمرو فهو
غير صحيح، فإنَّ الأنبياء (عليهم السلام) مع كون إرسالهم هو لمصلحة الناس وهدايتهم
إلَّا أنَّ في نفس هذه الهداية مصلحة لهم.
وكذلك نُجيب بما يُجيب به المخالف لنا، من أنَّ ما
يقوم به أهل الحِلِّ والعقد مصلحة للناس، فهم ينصبون الرئيس وتنصيبه يعود بالمصلحة
للناس، فما يقولونه في هذا الأمر نقوله في الإمامة، ونصرة الإمام (عليه السلام).
لِـمَ لا يكون الإمام (عليه السلام) معدوماً؟
وجوابه:
إنْ قلتم: لِمَ لا يجوز أنْ يكون الإمام (عليه السلام) في زمان الغيبة معدوماً، ومع
هذا الاحتمال كيف تقولون بدليل اللطف؟ وهل يتعلَّق دليل اللطف بالمعدوم؟
قلنا في مقام الجواب: إنَّنا نبني على وجوده قبل الاستدلال بدليل اللطف، لأنَّ
وجوده ليس من شأننا، بل من شأن الله تعالى، فحيث يُشترَط في الرئيس العصمة، ولا
نُدرِكها، فوجود الرئيس المعصوم بيننا مفروغ عنه.
لأنَّه لو لم يُوجِده تعالى فينا مع لزوم اللطف عليه (عزَّ وجلَّ) في التكاليف
معناه أنَّه تعالى أوجد مانع وصولنا إلى اللطف اللَّائق بنا، وهو لا يناسب لطفه.
وعليه فمع الفراغ عن وجوده، ومع عدم تمكينه وكون التمكين للإمام تحت قدرتنا ومع ذلك
لم نُمكِّنه، صار الخلل من جهتنا في عدم بسط يده وتمكينه من القيام بدوره.
قاعدة في الوظيفة تجاه الإمام (عليه السلام):
إنْ قلتَ: ما هو المقصود بتمكينه؟ هل الذهاب إليه وإخراجه من الغيبة ومبايعته
ونصرته؟
قلتُ: كلَّا، فحيث إنَّه في زمان الغيبة، فإنَّ تمكينه وبسط يده إنَّما يكون بما
يناسب حال الغيبة، من عقد العزم على نصرته وعدم التواني في تأدية ما يطلبه مِنَّا
لو ظهر، وسيأتي مزيد بيان لهذه القاعدة في عدَّة موارد، فانتظر.
تطبيق العبارة:
شروع في بيان إشكاليَّة جديدة بعد أنْ تمَّ دفع الإشكالات الثلاث المتقدِّمة.
(فإنْ قيل: لا يخلو وجود رئيس مطاع منبسط اليد من أنْ يجب على الله (عزَّ وجلَّ))،
فهو الذي يُوجِده بين الناس على كلِّ حالٍ، وفي (جميع ذلك) فهو تعالى يُوجِده ويبسط
يده، (أو يجب علينا جميعه) أي يجب على الناس أنْ يُوجِدوه بينهم ويبسطوا يده، (أو
يجب على الله) تعالى (إيجاده وعلينا بسط يده.
فإنْ قلتم: يجب جميع ذلك على الله (عزَّ وجلَّ))، وهذا لم يحصل، (فإنَّه ينتقض بحال
الغيبة)، ووجه الانتقاض (لأنَّه لم يُوجَد إمام منبسط اليد، و) أمَّا في الحالة
الثانية، وهي: (إنْ وجب علينا) نحن الناس (جميعه) أي إيجاده وبسط يده، (فذلك تكليف
ما لا يُطاق)، ووجه كونه بما لا يُطاق (لأنَّا لا نقدر على إيجاده، و) تشخيصه من
بين الناس مع فرض عصمته، وأمَّا في الحالة الثالثة، وهي: (إنْ وجب عليه) تعالى
(إيجاده، و) وجب (علينا) نحن الناس (بسط يده وتمكينه)، ففي هذا الفرض يقال: (فما
دليلكم عليه؟) و (مع أنَّ فيه) أي في هذه الحالة لو تنزَّلنا عن عدم الدليل (أنَّه
يجب علينا أنْ نفعل ما هو لطف للغير، وكيف يجب على زيد بسط يد الإمام لتحصيل لطف
عمرو؟)، وهذا ممَّا لا يُقال به، (وهل ذلك إلَّا نقض الأُصول؟) من أنَّ التكليف
الواجب على أحد كيف يكون لطفاً لغيره.
وفي مقام الجواب: (قلنا: الذي نقوله: إنَّ وجود الإمام المنبسط اليد إذا ثبت أنَّه)
أي وجوده (لطف لنا على ما دلَلنا عليه) دليل اللطف، (و) حيث (لم يكن إيجاده) أي
الإمام (عليه السلام) (في مقدورنا) وتحت إمكاننا (لم يحسن أنْ نُكلَّف إيجاده)،
ووجه عدم الحسن (لأنَّه) أي التكليف بإيجاد الإمام (عليه السلام) هو (تكليف)
بـ(ـما لا يُطاق، و) إنْ كان خصوص (بسط يده) أي
الإمام (عليه السلام) (وتقوية سلطانه قد يكون في مقدورنا وفي مقدور الله) تعالى،
(فإذا لم يفعل الله تعالى) بسط اليد (علمنا أنَّه) بسبب عدم فعله تعالى مع كونه
مقدوراً له، علمنا أنَّه (غير واجب عليه) تعالى، (وأنَّه واجب علينا)، لأنَّه مقدور
لنا وله تعالى، ولم يفعله، (لأنَّه لا بدَّ من أنْ يكون منبسط اليد ليتمَّ الغرض
بالتكليف)، وإلَّا مع عدم بسطه ومع القدرة عليه فما فائدة إيجاده، (و) قد
(بيَّنَّا(٧١) بذلك) أي ويتبيَّن من كلِّ ذلك (أنَّ بسط يده لو كان من فعله تعالى)
للزم ألَّا يتخلَّف، و(لقهر) الله تعالى (الخلق عليه، و) إنْ قلتَ: لِـمَ لا نقول
بـ(ـالحيلولة بينه) أي الإمام (عليه السلام) (وبين أعدائه، و) ذلك بـ(ـتقوية أمره
بالملائكة)؟ قلتُ: هذا القول مرفوض، إذ (ربَّما أدَّى) القول به (إلى سقوط الغرض
بالتكليف، و) ذلك لأجل (حصول الإلجاء)، وقوله: ربَّما لاحتمال أنَّ الإلجاء في بعض
الموارد لا يُسقِط التكليف مطلقاً، وعليه، فالذي نقوله: إذا لم يكن البسط من الله
تعالى (فإذاً يجب علينا بسط يده على كلِّ حالٍ) سواء في الغيبة أو الحضور على ما
يأتي من معنى التمكين بعد قليل، (وإذا لم نفعله) أي التمكين (أتينا من قِبَل
نفوسنا).
يبقى جواب إشكالهم في التمثيل في أنَّ التكليف يجب على زيد واللطف يحصل لعمرو،
(فأمَّا قولهم: في ذلك إيجاب اللطف علينا للغير)، فهو (غير صحيح. لأنَّا نقول: إنَّ
كلَّ مَنْ يجب عليه نصرة الإمام وتقوية سلطانه له في ذلك مصلحة تخصُّه)، فمن وجبت
عليه النصرة كزيد مثلاً، ففي هذه النصرة مصلحة (وإنْ كانت فيه) نصره للإمام (عليه
السلام) (مصلحة يرجع) لطفها (إلى غيره) الشخص الذي نصر الإمام (عليه السلام)، وهذا
(كما نقوله في أنَّ الأنبياء يجب عليهم تحمُّل أعباء النبوَّة والأداء إلى الخلق)
بـ(ـما هو مصلحة لهم) للخلق، (لأنَّ لهم في القيام
(٧١) في نسخة أُخرى: (تبيَّنَّا)، ولعلَّها الأصحّ لانسجامها مع المطلب.
بذلك) من تحمُّل أعباء النبوَّة، ففيها مصلحة
الخلق، ومع ذلك ففيها (مصلحة تخصُّهم) أي الأنبياء (عليهم السلام)، (وإنْ كانت
فيها) عمليَّة الأداء وتحمُّل أعباء النبوَّة (مصلحة لغيرهم) من الخلق.
كما (ويلزم) على (المخالف) على ما تقدَّم والذي يرى تعيين الإمام (في أهل الحلِّ
والعقد بأنْ يقال) له في مقام الجواب: (كيف يجب عليهم) أي أهل الحلِّ والعقد
(اختيار الإمام لمصلحة ترجع إلى جميع الأُمَّة؟ وهل ذلك إلَّا إيجاب الفعل عليهم
لما يرجع إلى مصلحة غيرهم؟ فأيُّ شيء أجابوا به) عن وقوع التكليف على أهل الحلِّ
والعقد ورجوعه إلى الأُمَّة، (فهو جوابنا بعينه سواء) بدون فرق.
(فإنْ قيل: لِـمَ زعمتم أنَّه) للشأن (يجب إيجاده) أي الإمام (عليه السلام) (في حال
الغيبة؟ وهلَّا جاز) ويحتمل (أنْ يكون) الإمام (عليه السلام) (معدوماً؟).
وفي مقام الجواب (قلنا: إنَّما أوجبنا ذلك) ضرورة وجوده (من حيث إنَّ تصرُّفه) أي
الإمام (عليه السلام) (الذي هو لطفنا إذا لم يتمّ) هذا اللطف (إلَّا بعد وجوده) من
قِبَل الله تعالى، (و) أمَّا (إيجاده) على ما تقدَّم فإنَّه (لم يكن في مقدورنا.
قلنا عند ذلك: إنَّه يجب على الله ذلك) أي إيجاده، وإيصالنا إلى اللطف، (وإلَّا)
ولو لم يُوجِده لـ(ـأدَّى إلى أنْ لا نكون مزاحي العلَّة بفعل اللطف)، وعليه (فنكون
أُتينا من قِبَله تعالى لا من قِبَلنا، و) أمَّا (إذا أوجده ولم نُمكِّنه) أي
الإمام (عليه السلام) (من انبساط يده أُتينا من قِبَل نفوسنا، فـ)ـتفرَّع على هذا
أنَّه (حسن التكليف، وفي الأوَّل) لو لم يوجده (لم يحسن)، لأنَّه تعالى لم يُوجِد
الإمام (عليه السلام)، ولم يُعرِّفه لنا.
(فإنْ قيل: ما الذي تريدون بتمكيننا إيَّاه؟)، أي ما هو المطلوب مِنَّا؟ (أ) فهل
(تريدون أنْ نقصده) أي الإمام (عليه السلام) (ونشافهه، وذلك لا يتمُّ إلَّا مع
وجوده) أي وجود الإمام (عليه السلام).
(قيل لكم: لا يصحُّ جميع ذلك) أي القصد إليه
ومشافهته (إلَّا مع ظهوره) أي الإمام (عليه السلام)، (وعلمنا أو علم بعضنا بمكانه)،
ووجه عدم الصحَّة أنَّنا نقول بالغيبة، وهذه الأُمور متوقِّفة على الظهور والعلم
بمكانه.
(وإنْ قلتم: نريد بتمكيننا) للإمام (عليه السلام) (أنْ نبخع) ونخضع (لطاعته والشدِّ
على يده) ومبايعته، (و) كذلك أنْ (نكفَّ عن نصرة الظالمين، ونقوم على نصرته متى
دعانا إلى إمامته ودلَّنا عليها بمعجزته.
قلنا لكم: فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبة) حتَّى (وإنْ لم يكن الإمام موجوداً فيه)
أي لم يكن ظاهراً في زمان الغيبة، (فكيف قلتم: لا يتمُّ ما كُلِّفناه من ذلك) أي من
الطاعة والبيعة والنصرة، (إلَّا مع وجود الإمام؟
قلنا: الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى (قدّس سرّه) في (الذخيرة)(٧٢)
وذكرناه في (تلخيص الشافي)(٧٣): إنَّ الذي هو لطفنا من تصرُّف الإمام وانبساط يده
لا يتمُّ إلَّا بأُمور ثلاثة).
وهو ما يأتي الحديث والبحث عنها.
* * *
(٧٢) الذخيرة في علم الكلام (ص ٤١٥).
(٧٣) تلخيص الشافي (ج ١/ ص ١٠٦).
تمهيد:
تقدَّم الكلام في استدلال المصنِّف (قدّس سرّه) على إمامة الحجَّة (عليه السلام)
وغيبته بدليل اللطف تبعاً لأُستاذه السيِّد المرتضى (قدّس سرّه)، وتمَّ دفع العديد
من الإشكالات المثارة حول دلالة دليل اللطف وجدوائيَّة الاستدلال به على الإمامة في
الغيبة من قِبَل جملة من علماء المعتزلة وغيرهم من بقيَّة الفِرَق.
المصنِّف (قدّس سرّه) الآن بصدد تشييد الاستدلال بدليل اللطف في ضمن نقاط أشرنا
إليها قبل قليل.
والحديث في هذه الفقرة يتضمَّن النقاط التالية:
التوقُّف الثلاثي في دلالة دليل اللطف، وبيان
صوره ووجه التوقُّف فيه:
تقدَّم في الدرس السابق أنَّ دليل اللطف يتوقَّف على:
١ - أمر يتعلَّق بالله تعالى، وهو إيجاد
الإمام (عليه السلام):
وهذا الأمر مناط به تعالى، لأنَّنا لمكان العصمة لا نقدر على تشخيص الإمام المعصوم
(عليه السلام) من بيننا، وبمقتضى ما نصف الله تعالى به من صفات الكمال والجمال
واللطف، فإنَّنا لا نشكُّ في أنَّه تعالى قد أوجده فينا.
٢ - أمر يتعلَّق بالإمام (عليه السلام) من
تحمُّله لمسؤوليَّاته:
ولكي يتحمَّل هو (عليه السلام) مسؤوليَّاته لا بدَّ من وجوده، إذ لا يتعلَّق تكليف
(٧٤) (٢٣/ جمادى الآخرة/ ١٤٤٤هـ).
بالمعدوم، فما لم يُوجِده الباري تعالى ويخلقه، لا وجه لتكليفه بهداية الأُمَّة،
ومن ثَمَّ الطلب منه القيام بمهامِّه، وممَّا لا شكَّ فيه بعد الفراغ عن أصل وجوده
فإنَّه سيتحمَّل أعباء إمامته على أكمل وجه على ما دلَّت عليه الأدلَّة المفصَّلة
في بحث النبوَّة والإمامة وشرائط النبيِّ والإمام (عليه السلام)، وهذا البحث فرع
على تلك المسألة.
٣ - أمر يتعلَّق بالمكلَّفين من وجوب نصرته
ومعاضدته والانقياد له:
وهذه النقطة فرع تحقُّق إيجاده (عليه السلام) وتحمُّله لأعباء إمامته، وحيث لا شكَّ
في تحقُّقهما، فتجب علينا نصرته (عليه السلام)، لأنَّ نصرته (عليه السلام) فرع
تحقُّق الأمرين المتقدِّمين، وقد تحقَّقا.
ومع الجزم بالتحقُّق فلا وجه للقول باحتمال أنْ يكون معدوماً وليس موجوداً (عليه
السلام).
فنقلة(٧٥) في بيان الفارق بين كون الإمام
(عليه السلام) موجوداً غائباً وبين كونه معدوماً:
فإنْ قيل: فما هو الفارق بين أنْ يكون الإمام (عليه السلام) موجوداً بنحو
(٧٥) لعلَّ أوَّل من ذكر هذا المصطلح بحسب تتبُّعي
القاصر هو يحيى بن الحسين (ت ٢٩٨هـ) في كتابه التحفة العسجديَّة (ص ٧٦): (وجوابه
هذا على الفنقلة، يصلح جواباً على مَنْ يقول...).
مرجع هذا الأُسلوب إلى ما يُعرَف بالنحت في لغة العرب، قال الأزهري في تهذيب اللغة
(ج ٥/ ص ٢٤٢/ مادَّة هل): (... يقال: هَيْلَلَ الرجلُ: إذا قال: لا إله إلَّا
الله...، وهو مثل قولِهمْ: حَوْلَقَ الرجلِ وحَوْقَلَ: إذا قال: لا حول ولا قوَّة
إلَّا بالله...، وقال الخليل: حَيْعَلَ الرجل إذا قال: حيَّ على الصلاة، قال:
والعرب تفعل هكذا إذا كثُر استعمالهم الكلمتين ضمُّوا بعضَ حروف إحداهما إلى بَعْضِ
حروف الأُخرى، قولهم: لا تُبَرْقِلْ علينا...)، وممَّا ذكروه في هذا الباب:
الحوقلة، والبسملة، والسبحلة، والهيللة، وغيرها. نعم ورد ذكر الفنقلة بالحمل الشايع
الصناعي في رواية رواها الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج ١/ ص ١٢٠/ ح ٣٢٥/٢)
من طبعة دار الحديث بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام) جاء فيها: «... قَالُوا:
أَخْبِرُونَا - إِذَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَامِثْلَ لِله تَعَالَى وَلَا شِبْهَ
لَهُ - كَيْفَ شَارَكْتُمُوهُ فِي أَسْمَائِهِ اَلْحُسْنى...، قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ
اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَلْزَمَ اَلْعِبَادَ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَى
اِخْتِلَافِ اَلمَعَانِي...».
كونه (عليه السلام) غائباً مستتراً فإذا علم الله تعالى أنَّنا عقدنا العزم على
نصرته وتمكينه والقيام بواجب الطاعة تجاه إمامته يُظهِره (عزَّ وجلَّ) من غيبته.
وبين كونه معدوماً، وإذا علم الله تعالى أنَّنا سننصره ونطيعه يخلقه ويُوجِده؟
قلنا: ثبت في محلِّه عدم حسن التكليف تجاه المعدوم، لأنَّه من التكليف بما لا
يُطاق، وهو قبيح، فصار وجوده وإنْ كان بنحو الاستتار والغيبة لازماً لأجل تصحيح
تكليفنا بنصرته متى ظهر.
تكليفنا بنصرة الإمام (عليه السلام) على نحو
الدوام:
فإنْ قيل: إنَّ إيجاده (عليه السلام) لأجل تصحيح تكليفنا تجاهه (عليه السلام) لا
يتوقَّف على إظهار النصرة الخارجيَّة حتَّى يقال: إنَّ التكليف لا يتعلَّق
بالمعدوم، بل إنَّ المراد بالنصرة المستلزمة لإيجاده هي فقط على مستوى النيَّة
والقصد من المكلَّفين، وهذا أمر مقدور ويصحُّ، وإنْ كان متعلَّقه ليس بموجود،
فبمجرَّد عقد النيَّة على نصرته يُظهِره الباري تعالى، ثمّ بعد وجوده تجب النصرة
الخارجيَّة، فالتفصيل المذكور على لسان الإماميَّة - من كونه غائباً لا معدوماً -
لا فائدة تترتَّب عليه، فتحقُّق تكليفنا من النصرة لا يتوقَّف على الوجود، لأنَّنا
نُفصِّل في النصرة، ونجعلها على مرحلتين: مرحلة النيَّة ولا يُشترَط فيها الوجود في
الإمام (عليه السلام)، ومرحلة النصرة الخارجيَّة فيُشترَط فيها، وبعد تحقُّق
الأُولى يتحقَّق وجوده فتتحقَّق النصرة الثانية.
وفي مقام الجواب نقول: إنَّ تكليفنا تجاه الإمام (عليه السلام) ثابت بمقتضى أدلَّة
وجوب الطاعة وبنحو مطلق، أي سواء كان الإمام ظاهراً أو مستوراً، ووجه هذا الوجوب
المطلق لأنَّه لو كان تكليفنا تجاهه (عليه السلام) مختصًّا بحالة ظهوره أو
المقدَّمات القريبة منها كنيَّة النصرة، فلا يحسن التكليف بذلك، ووجه عدم العصمة،
أنَّ هذا غير مقدور ويقبح التكليف بما لا يكون مقدوراً.
ووجه عدم القدرة أنَّ المستشكل جعل الغائب والمعدوم على حدٍّ سواء، والتكليف تجاه
المعدوم من عدم المقدور، فلا بدَّ أنْ يكون التكليف بالمقدور، ويلازمه أنْ يكون
الإمام موجوداً وإنْ كان غائباً.
النقض مجدَّداً بوجوب البحث والنظر:
تقدَّم من المصنِّف (قدّس سرّه) نقضه على المعتزلة وغيرهم بوجوب البحث والنظر،
وكذلك الأمر هنا، فمن يقول بلزوم كون الإمام (عليه السلام) معدوماً، نقول له: هل
يصحُّ أنْ يُكلِّف الله تعالى بالمعرفة دون أنْ يضع عليها دلالةً وكاشفاً عن
وجوبها، فإذا عَلِم مِنَّا أنَّنا ننظر فيها وأنَّ نيَّتنا النظر أوجب تلك الدلالة
علينا؟
مع أنَّكم - أصحاب الإشكال - تقولون بوجوب البحث والنظر مطلقاً - سواء كان من
نيَّتنا النظر أو لا -، فما تقولونه في الجواب عن الإطلاق وعدم التفصيل في دليل
النظر نقوله في عدم التفصيل في دليل النصرة.
فإنْ قالوا: إنَّ من وجوب البحث والنظر إيجاد أدوات المعرفة وآلاتها، كالحسِّ
والعقل، ولا تتمُّ المعرفة بلا أدوات، ومع وجود الأدوات تجب.
قلنا: كذلك في الإمام (عليه السلام) فإنَّ من أدوات نصرته والعزم على تمكينه وجوده
أوَّلاً.
فما تجيبون به عن التمكين في الأدلَّة وإنْ لم يحصل مِنَّا قصد النظر فيها نقوله في
وجوده (عليه السلام) وإنْ لم تحصل النيَّة مِنَّا في تمكينه، وعليه فوجود الإمام
(عليه السلام) من قِبَل الله تعالى لا يتوقَّف على شيء من جهتنا، وقيامه بدوره من
تحمُّل أعباء إمامته كذلك.
نعم، ما يرتبط بنا من شؤون إمامته يكون حصوله مرتبطاً بنا.
تطبيق العبارة:
وهذه الأُمور الثلاثة التي يتوقَّف عليها دليل اللطف ولا يتمُّ إلَّا بها (أحدها)
أي الأُمور (يتعلَّق بالله) تعالى، (وهو إيجاده) أي إيجاد الإمام (عليه السلام)،
(والثاني) منها (يتعلَّق به) أي بالإمام (عليه السلام) (من تحمُّل أعباء الإمامة
والقيام بها، والثالث) منها (يتعلَّق بنا) نحن مَنْ نؤمن به، (من العزم على نصرته،
ومعاضدته، والانقياد له، فـ)ـعلى أساس هذا التوقُّف الثلاثي (وجوب تحمُّله) أي
تحمُّل أعباء الإمامة (عليه) أي الإمام (عليه السلام)، فما يقع عليه من التكاليف هو
(فرع على وجوده) الذي تقدَّم أنَّه من الله تعالى لأنَّنا لا نعرف المعصوم كي
نُوجِده ونُميِّزه من بين الناس، (لأنَّه لا يجوز أنْ يتناول التكليف المعدوم) وغير
الموجود، (فصار إيجاد الله) تعالى (إيَّاه) أي الإمام (عليه السلام) (أصلاً لوجوب
قيامه) أي الإمام بمهامِّه التي تتوقَّف على إيجاده، (وصار وجوب نصرته) أي الإمام
(عليه السلام) (علينا فرعاً لهذين الأصلين) أي وجوده من قِبَل الله تعالى، وتحمُّله
(عليه السلام) لمهامِّه، (لأنَّه إنَّما يجب علينا طاعته) أي الإمام (عليه السلام)
(إذا وُجِدَ، و) إذا (تحمَّل أعباء الإمامة وقام بها) بالأعباء، (فحينئذٍ يجب علينا
طاعته)، وعليه (فمع هذا التحقيق) والتفصيل الثلاثي (كيف يقال: لِـمَ لا يكون
معدوماً؟)، فإنَّ مَنْ يقول بهذا القول لا يُفرِّق بين ما علينا وما عليه (عليه
السلام) وما على الله تعالى من إيجاده.
(فإنْ قيل: فما الفرق بين أنْ يكون موجوداً) ولكن بنحو أنْ يكون (مستتراً حتَّى إذا
علم الله مِنَّا) عزمنا على (تمكينه أظهره، و) الفرق (بين أنْ يكون معدوماً حتَّى
إذا علم) الله تعالى (مِنَّا العزم على تمكينه) أي الإمام (عليه السلام) (أوجده)
(عزَّ وجلَّ)؟
(قلنا: لا يحسن من الله تعالى أنْ يوجب علينا تمكين مَنْ ليس بموجود)، ووجه عدم حسن
تكليفنا بتمكين غير الموجود (لأنَّه تكليف ما لا يُطاق)،
وحيث إنَّ التكليف بما لا يُطاق قبيح، بل مستحيل، (فإذاً لا بدَّ من وجوده)، وعليه
يجب إيجاده وإنْ لم يكن وجوده ملازماً لظهوره.
(فإنْ قيل: يُوجِده الله تعالى إذا علم أنَّا) قصدنا ونوينا، وأنَّنا (ننطوي على
تمكينه بزمانٍ واحدٍ) وهو زمان تحقُّق هذه النيَّة، (كما أنَّه) تعالى سـ(ـيُظهِره
عند مثل ذلك) أي عند حصول تلك النصرة فعلاً، فكذلك يُوجِده عند حصول نيَّة النصرة.
وفي مقام الجواب، (قلنا: وجوب تمكينه والانطواء) والنيَّة (على طاعته)، هذا أمر
(لازم في جميع أحوالنا) سواء كان وجوده ظاهريًّا أو مغيباً، (فيجب أنْ يكون التمكين
من طاعته والمصير إلى أمره ممكناً في جميع الأحوال، وإلَّا) لو كان وجوب تمكينه
علينا مختصًّا بحالة واحدة وهي حالة ظهوره (لم يحسن التكليف، وإنَّما كان يتمُّ
ذلك) أي ظهوره عند العلم بنيَّتنا تمكينه (لو لم نكن مكلَّفين في كلِّ حال) وبنحو
الدوام (لوجوب طاعته والانقياد لأمره، بل كان يجب علينا ذلك) أي نصرته (عند ظهوره)
فقط، لأنَّ المقيَّد عدم عند عدم قيده، (و) لكن (الأمر عندنا) نحن الإماميَّة
(بخلافه) أي بخلاف ما يقوله صاحب الإشكال، فتكليفنا بنصرته بنحو مطلق لا مقيَّد.
(ثمّ يقال لمن خالفنا في ذلك) أي في أمر وجود الإمام (عليه السلام) (وألزمنا عدمه)
أي عدم وجوده (عليه السلام)، مفرِّعاً هذا الإلزام (على استتاره) أي استتار الإمام
(عليه السلام) وغيبته، فلأنَّه غائب ومستتر، فهو معدوم، والتكليف نحوه مقيَّد،
فإنَّه يقال لهولاء: (لِـمَ لا يجوز أنْ يُكلِّف الله تعالى المعرفة) ويُوجِبها على
خلقه (و) مع ذلك (لا ينصب عليها) أي المعرفة (دلالةً) وكاشفاً عن وجوبها، وذلك (إذا
علم أنَّا لا ننظر فيها) أي في المعرفة (حتَّى إذا علم من حالنا أنَّا نقصد إلى
النظر ونعزم على ذلك) أي إنَّه تعالى لا ينصب دالّاً على المعرفة إلى أنْ يوجد
العزم مِنَّا في أنْ ننظر في وجوه وجوب معرفته تعالى علينا، فإذا علم تعالى مِنَّا
ذلك (أوجد الأدلَّة ونصبها) أي الأدلَّة، وبعد نصبها (فحينئذٍ ننظر) فيها.
(ونقول) نقضاً على المعتزلي وغيره: (ما الفرق بين دلالة منصوبة) على وجوب المعرفة
ونحن (لا ننظر فيها، وبين عدمها) أي عدم الدلالة أصلاً (حتَّى إذا عزمنا على النظر
فيها) في أدلَّة المعرفة (أوجدها الله تعالى.
ومتى قالوا: نصب الأدلَّة) هو نحو من أنحاء التمكين لتحقيق المعرفة و(من جملة
التمكين الذي لا يحسن التكليف من دونه) أي من دون التمكين لا يحسن التكليف، لأنَّه
تكليف بغير المقدور، وهذا (كـ)ـشرط (القدرة و) كشرط (الآلة) في المعرفة، كآلة العقل
والحواسِّ، فإذا قيل هذا (قلنا: وكذلك وجود الإمام (عليه السلام)) هو (من جملة
التمكين من وجوب طاعته، ومتى لم يكن موجوداً لم تُمكِّنَّا) الأدلَّة من (طاعته،
كما أنَّ الأدلَّة إذا لم تكن موجودة لم يمكِّنَّا النظر فيها، فاستوى الأمران)،
فما تجيبون به عن التمكين في الأدلَّة وإنْ لم يحصل مِنَّا قصد النظر فيها، نقوله
في وجوده (عليه السلام) وإنْ لم تحصل النيَّة مِنَّا في تمكينه.
(وبهذا التحقيق) من أنَّ وجود الإمام (عليه السلام) من قِبَل الله تعالى لا يتوقَّف
على شيء من جهتنا، وقيامه بدوره من تحمُّل أعباء إمامته كذلك، نعم ما يرتبط بنا من
شؤون إمامته يكون حصوله مرتبطاً بنا، و(يسقط جميع ما يُورَد في هذا الباب من عبارات
لا نرتضيها في الجواب وأسئلة المخالف عليها، وهذا المعنى مستوفًى في كُتُبي
وخاصَّةً في (تلخيص الشافي)، فلا نُطوِّل بذكره).
* * *
تمهيد:
لا زال الكلام من قِبَل المصنِّف (قدّس سرّه) في تشييد بناء دليل اللطف ودفع ما
أُثير حوله، وتقدَّم الكلام في الدرس السابق عن التوقُّف الثلاثي في دلالة دليل
اللطف، وبيان صوره وما هي وظيفة المكلَّف ودفع الفنقلة في كونه (عليه السلام)
معدوماً لا موجوداً مستوراً، وقد ذكر على لسان المستشكل عدَّة أمثلة، يريد (قدّس
سرّه) ردَّها ثمّ يعاود الحديث عن وظيفة الناس في نصرة الإمام (عليه السلام).
وهو ما سيتحدَّث عنه (قدّس سرّه) في هذا المقطع.
شرح مثال البئر، ومثال الأمر بالشراء:
قال صاحب الإشكال في النقض على دليل الإماميَّة في لزوم الرئاسة المستفاد من دليل
اللطف، ولزوم النصرة القلبيَّة، وأنَّها لا تتوقَّف على الوجود الخارجي، إنَّه:
١ - مثال البئر:
لو أوجب المولى الوضوء من بئر معيَّنة، وهذا البئر ليس فيها حبل نستخرج من خلاله
الماء، ثمّ قال المولى: إذا دنوتم من البئر خلقت لكم الحبل، فهذا القول من المولى
موجباً لفعليَّة التكليف وتنجُّزه علينا، ولا يوجد عذر في المخالفة، أو القول
بأنَّه تكليف بغير المقدور باعتبار أنَّ الحبل ليس موجوداً قبل أنْ يدنو المكلَّف
من البئر.
-----------------
(٧٦) (٢٤/ جمادى الآخرة/ ١٤٤٤هـ).
٢ - مثال شراء اللحم:
لو قال المولى أو الوالد لولده: اشترِ اللحمَ، ولم يكن عند الولد ثمن اللحم، فقال
الولد: ليس معي ثمنه فأنا غير متمكِّن من شراءه، فقال له المولى: إنْ دنوت منِّي
أعطيتك الثمن، فإنَّ قول المولى هذا يوجب تنجُّز التكليف ولا يُسوِّغ للولد أنْ
يمتنع من امتثال التكليف بحجَّة عدم القدرة.
فكذلك في مقامنا، فإنَّ التفصيل بين النصرة القلبيَّة والنصرة الخارجيَّة، وأنَّ
الإمام (عليه السلام) لا يخلقه ويُوجِده الله تعالى فينا ما لم تكن في البين نصرة
قلبيَّة، فإذا وُجِدَت هذه النصرة أوجده فينا.
القاعدة في الوظيفة تجاه الإمام (عليه
السلام):
وقد تقدَّم شرح هذه القاعدة مفصَّلاً في عدَّة دروس، منها الدرس (١٤ و١٥)(٧٧)،
فراجع.
ردُّ المثالين ودفع النقض الوارد فيهما
والمبنيُّ على التفصيل في نصرة الإمام (عليه السلام):
١ - بناءً على أنَّ تكليفنا تجاه الإمام (عليه السلام) بنحو التكليف المطلق وغير
المقيَّد، فلا نقبل المثالين المتقدِّمين، لأنَّهما قد بُنِيا على التكليف
المقيَّد.
٢ - على أنَّه يمكن أنْ نقول: في المثالين يوجد تعدُّد في التكليف لا أنَّه واحد،
فيوجد تكليف بالدنوِّ وتكليف بالاستسقاء، ويوجد تكليف بالدنوِّ من المولى وآخر
بالشراء.
في مثال البئر نلاحظ أنَّ التكليف الأوَّل هو الدنوُّ، ويكفي في تحقُّقه هو
الدنوُّ، ونحتاج فيه إلى القدرة على الدنوِّ، نعم من يدنو يصير التكليف
-----------------
(٧٧) وكذلك سيأتي من المصنِّف (قدّس سرّه) التعرُّف لها في مواطن أُخرى من كتاب (الغيبة).
بالاستسقاء فعليًّا في حقِّه، ونظير خلق الحبل في مثال البئر إيجاد الإمام (عليه
السلام) في مقامنا، فلذلك نرى المستشكِل يقول: إنَّه (عليه السلام) لا يوجد ما لم
ندن منه ونقصد نصرته حتَّى يُوجِده ويخلقه الله تعالى، وبالتالي فهو ليس بموجود.
ولكنَّه إشكال مبنيٌّ على فرض لا نقول به، على ما مرَّ من كون الأدلَّة دلَّت على
أنَّ التكليف تجاه الإمام (عليه السلام) مطلق وغير مقيَّد أو مشروط بشرط ما.
وكذا الحال في الجواب عن مثال السيِّد بالتفصيل بين أنحاء التكليف من الدنوِّ ومن
الشراء.
ولهذا نظير في تكليف الباري تعالى للعباد بالعمل ليوم القيامة، وهذا التكليف لا
يُقال: إنَّه ثابت عليهم قبل وجودهم، بل هو ثابت عليهم بعد وجودهم وتمكينهم
وإعطائهم آلة المعرفة وإزاحة الموانع عن تكليفهم، بعد هذا يثبت التكليف عليهم.
ولهذا قلنا: إنَّ تكليف الإمام (عليه السلام) بالإمامة يعني الفراغ عن وجوده، إذ لا
يصحُّ تكليف المعدوم.
وبكلمة واحدة: التكليف علينا تجاه الإمام (عليه السلام) مطلق، والإشكال مبنيٌّ على
كونه مشروطاً.
تطبيق العبارة:
(و) أمَّا (المثال الذي ذكره) صاحب الإشكال، وهو (من أنَّه لو أوجب الله) تعالى
(علينا أنْ نتوضَّأ من ماء بئر معيَّنة)، وهذه البئر (لم يكن لها حبل نستقي به)
ونُخرِج الماء بواسطته، (وقال) (عزَّ وجلَّ) (لنا: إنْ دنوتم من البئر خلقت لكم
حبلاً تستقون به [من] الماء، فإنَّه) بتعليقه (عزَّ وجلَّ) خلق الحبل على الدنوِّ
من البئر (يكون) بهذا التقييد (مزيحاً لعلَّتنا) وموجداً لأسباب الأخذ بالتكليف،
(ومتى لم ندنُ من البئر) كي يُوجِد اللهُ تعالى الحبلَ (كنَّا قد أتينا من قِبَل
نفوسنا لا من قِبَله تعالى)، هذا مثال.
(وكذلك لو قال السيِّد لعبده وهو بعيد منه: اشترِ لي لحماً من السوق، فقال) العبد:
(لا أتمكَّن من ذلك، لأنَّه ليس معي ثمنه، فقال) السيِّد لعبده: (إنْ دنوت أعطيتك
ثمنه) أي ثمن اللحم، (فإنَّه) بتقيُّد أخذ الثمن بالدنوِّ من السيِّد وتحقيق
فعليَّة التكليف (يكون) هذا النحو من التكليف (مزيحاً لعلَّته) ومحقِّقاً لفعليَّة
التكليف بهذا القيد، (ومتى لم يدنُ) العبد من السيِّد (لأخذ الثمن يكون) العبد (قد
أُتِيَ من قِبَل نفسه لا من قِبَل سيِّده.
و) ما يقال في المثالين حاله (هذه حال ظهور الإمام مع تمكيننا)، أي إنَّ وجوده
يُؤخَذ بنحو الوجود المقيَّد بقصد تمكيننا له، فمع عدم القصد منَّا بالتمكين يبقى
معدوماً، وعليه (فيجب أنْ يكون عدم تمكيننا) للإمام (عليه السلام) (هو السبب في أنْ
لم يظهر في هذه الأحوال لا عدمه) لا أنَّ هناك في البين سبب آخر، (إذ كنَّا لو
مكَّنَّاه (عليه السلام) لوُجِدَ وظهر)، هذا هو كلام المستشكِل وأمثلته التي قرَّب
بها عدم خلق الإمام (عليه السلام) وأولويَّته من وجوده غائباً.
وفي مقام الجواب، (قلنا: هذا كلام من يظنُّ أنَّه يجب علينا تمكينه) في خصوص حالة
واحدة، وهي: (إذا ظهر ولا يجب علينا ذلك) أي نصرته وتمكينه (في كلِّ حالٍ)، ولو
تنزَّلنا (ورضينا بالمثال الذي ذكره) والذي قرَّب من خلاله فكرة التمكين المقيَّد،
ولكنَّنا لا نقبل ذلك، ووجه عدم قبولنا للفكرة ولا للمثالين (لأنَّه تعالى لو أوجب
علينا الاستقاء) فهو (عزَّ وجلَّ) قد أوجب الاستقاء (في الحال)، و(لوجب) لأجل وجوب
الاستقاء الفوري، و (أنْ يكون الحبل حاصلاً في الحال) وعلى الفور والدوام، (لأنَّ
به) أي بوجود الحبل في كلٍّ حالٍ وآنٍ من الآنات (تُزاح العلَّة، لكن)، هذا ولكن
يمكن أنْ نُفصِّل ونقول: (إذا قال) المولى (عزَّ وجلَّ): (متى دنوتم من البئر خلقت
لكم الحبل)، فهنا يكون التكليف (إنَّما هو) لأجل أنَّ العبد (مكلَّف للدنوِّ)
والاقتراب، (لا) أنَّه مكلَّف (للاستقاء)،
وعليه (فيكفي) في خصوص هذا التكليف وهو الدنوُّ، يكفي فقط الدنوُّ دون الاستسقاء
(القدرة على الدنوِّ في هذه الحال، لأنَّه ليس بمكلَّف للاستقاء منها) أي من البئر
(فإذا دنا من البئر صار حينئذٍ) حين الدنوِّ (مكلَّفاً للاستقاء، فيجب عند ذلك) أي
الدنوِّ (أنْ يخلق) الله تعالى (له الحبل، فنظير ذلك أنْ لا يجب علينا في كلِّ حالٍ
طاعة الإمام وتمكينه) هذا على فرض كلام المستشكِل، وعلى فرضه (فلا يجب عند ذلك
وجوده) أي وجود الإمام (عليه السلام)، (فلمَّا كانت طاعته واجبة في الحال ولم نقف
على شرطه) أي شرط الطاعة له، (ولا) أي ولم نقف على (وقت منتظَر) لخروجه (وجب أنْ
يكون موجوداً لتُزاح العلَّة في التكليف ويحسن) إذا حصل القيد وتحقَّق الشرط، لا
مطلقاً، هذا هو الإشكال مع أمثلته، وإنْ حصل تداخل في بعض المقاطع حيث يظهر منها
إجابة المصنِّف (قدّس سرّه) في بعض الأحيان وقبل إكمال الشبهة.
يقول المصنِّف (قدّس سرّه): (والجواب: عن مثال السيِّد مع غلامه مثل ذلك) أي مثل
الإجابة عن مثال البئر والحبل بالتفصيل بين أنحاء التكليف: فهل العبد مكلَّف
بالدنوِّ أو الاستسقاء، هذان تكليفان لا أنَّه تكليف واحد، (لأنَّه) أي السيِّد
(إنَّما كلَّفه) أي كلَّف العبد (الدنوَّ منه) فقط، (لا) أنَّه كلَّفه (الشراء)،
وعليه (فإذا دنا) العبد (منه) أي من السيِّد (وكلَّفه) أي السيِّد (الشراء)، فهذا
تكليف آخر، وعلى هذا التكليف الآخر (وجب عليه) على السيِّد (إعطاء الثمن) للعبد كي
تتحقَّق بوجود الثمن فعليَّة الشراء، (ولهذا قلنا: إنَّ الله تعالى كلَّف مَنْ يأتي
إلى يوم القيامة) من عباده، (و) تكليفه لهم (لا) يعني أنَّه (يجب أنْ يكونوا
موجودين مزاحي العلَّة) حتَّى قبل وجودهم، (لأنَّه لم يُكلِّفهم الآن) وقبل وجودهم،
(فإذا أوجدهم) أوَّلاً (وأزاح علَّتهم في التكليف بالقدرة والآلة) التي تُمكِّنهم
من المعرفة والإدراك ومن ثَمَّ الامتثال كالعقل (ونصب الأدلَّة) كالإمامة
(حينئذٍ) وبعد تحقُّق هذه القيود (تناولهم) وثبت في حقِّهم (التكليف، فسقط بذلك)
الجواب عن (هذه المغالطة).
بل نقول: (على أنَّ الإمام إذا كان مكلَّفاً للقيام بالأمر) وهداية الأُمَّة
(وتحمُّل أعباء الإمامة، كيف يجوز أنْ يكون معدوماً؟ وهل يصحُّ تكليف المعدوم عند
عاقل؟ وليس لتكليفه ذلك) أي بالإمامة وهداية الناس (تعلُّق) وتقييد (بتمكيننا
أصلاً، بل وجوب التمكين علينا) هو (فرع على تحمُّله) أي الإمام(عليه السلام)
للإمامة، فكيف يجعل ما هو فرع أصلاً ويعكس الأمر (على ما مضى القول فيه) من كون
وجوده من فعل الله تعالى وغير مقيَّد بشيء؟ (وهذا واضح).
* * *
لا زال الكلام متواصلاً في بيان ردِّ شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) للنقوض التي وُجِّهت إلى دليل اللطف ودلالته على غيبة الإمام (عليه
السلام)، ووصل الكلام إلى عدَّة نقوض:
النقض بغيبة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) ودفع التفصيل فيها:
نقضه (قدّس سرّه) على المعتزلي بغيبة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واختفاءه
في شِعب أبي طالب لمدَّة ثلاث سنين، حيث مُنِعَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من
القيام بدوره في هداية الأُمَّة، مع أنَّ المعتزلي يُذعِن أنَّ النبيَّ (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) كان إماماً للأُمَّة زمان غيبته واختفاءه في الشعب، وكذلك الحال
في اختفاءه وغيبته في الغار.
وحيث إنَّ من المسلَّم به أنَّ طول الفترة أو قصرها لا يُؤثِّر فيما لو كانت الغيبة
مانعة عن الإمام (عليه السلام) أو النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أنْ
يُؤدِّي دوره في هداية الناس.
وعلى هذا الأساس فلو دار الأمر بين أنْ يُغيَّب أو يُعدَم، فلا بدَّ وفق نظر
المعتزلي أنْ يختار الله سبحانه وتعالى أنَّه يُعدَم فيما يرتبط بالإمام (عليه
السلام)، فيما هو يُذعِن للواقع في قضيَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
أنَّه غيَّبه ولم يُعدِمه.
فحيث قد غُيِّب النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأبقى التكليف على الناس في
زمان غيبته، فإذا كان الحال مع سيِّد الخلق هذا، فمن بابٍ أولى مع غيره.
إنْ قلتَ: إنَّ اختفاء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنَّما حصل بعد أنْ دعا
إلى نفسه وأظهر
-----------------
(٧٨) (٧/رجب الأصبّ/ ١٤٤٤هـ).
نبوَّته، فلمَّا أخافه قومه غاب واستتر عنهم،
فنُفصِّل بين غيبة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وغيبة إمام الشيعة.
قلنا: التفصيل بين الإمام (عليه السلام) والنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا
دليل عليه، بل الدليل على العدم حيث إنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) دلُّوا على
الإمام وبيَّنوا بما يقطع الريب والشكَّ عن الأنام من أنَّه إمام (عليه السلام)
الأُمَّة بعد والده الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، وأنَّه هو الخائف المستتر،
وسيأتي في أدلَّة ولادته أنَّ واحدة من الأدلَّة هي كون ولادته ووجوده وجود مبني
على الخفاء.
النقض ببعث نبيٍّ يُعلَم أنَّه سيُقتَل:
وكذلك ننقض على المعتزلي وغيره بأنَّه لو علم المولى أنَّ مصلحة شخص من الأشخاص
تكمن في بعث نبيٍّ له، أي بالنبوَّة الخاصَّة لأجل أنْ يُؤدِّي إليه تكاليفه، وفي
ذات الوقت يوجد علم آخر أنَّ هذا الشخص سيقوم بقتل هذا النبيِّ (عليه السلام)،
وأنَّه يقتله، ولو قام الله تعالى بمنع هذا الشخص من قتل النبيِّ (عليه السلام)
بمانع تكويني وقهري، سيكون هذا المنع مفسدة على الشخص أو على أشخاص آخرين، فهنا
نسأل: هل من الحسن أنْ يُكلَّف هذا الشخص بتكاليفه دون إرسال نبيٍّ له، أو أنَّه لا
يُكلَّف أصلاً؟
فإنْ قالوا: نختار أنَّه لا يُكلِّفه، أفضل وأحسن.
قلنا لهم: ما هو المانع أنْ يُكلِّف وتصل إليه التكاليف عن طريق هذا النبيِّ الذي
سوف يقتله؟
وإنْ قالوا: نختار أنَّ الله تعالى يُكلِّفه بتكاليفه ولا يبعث إليه نبيًّا.
قلنا: في مقام جواب قولهم: كيف يجوز أنْ يُكلِّفه الله تعالى بهذه التكاليف ولم
يفعل فيه اللطف اللَّازم له قبل تكليفه؟
فإنَّ التكليف قبل اللطف غير مقدور.
فإنْ قالوا: إنَّ عدم اللطف فيه مع لزوم تكليفه جاء
بسبب نفس هذا الشخص، وأنَّه أُوتي في ذلك من قِبَل نفسه.
قلنا: إنَّ المكلَّف لم يصدر منه شيء يوجب منع التكليف عنه سوى العلم بأنَّه سوف
يقتل النبيَّ (عليه السلام) إنْ أُرسل إليه.
ومع العلم بحسن التكليف في حقِّه، ومع وصول اللطف إليه ببعث النبيِّ له، كيف يقال:
يُكلَّف دون بعث نبيٍّ له؟
إذ لا تكليف مع فقدان اللطف وفقدان القدرة على الوصول إلى التكليف، فإنَّ التكليف
من غير لطف هو تكليف من غير حجَّة.
فلا بدَّ أنْ يُكلَّف هذا الشخص بالتكاليف، وأنْ يتمَّ بعث النبيِّ إليه، وأنْ
يُوجِب الله تعالى عليه طاعة النبيِّ (عليه السلام) والانقياد له.
وأمَّا القتل للنبيِّ (عليه السلام) فإنَّ لله تعالى طُرُقاً في حفظه تختلف باختلاف
الأزمان والأحوال والظروف وغيرها، فإمَّا أنْ يمنع من الوصول إليه كما في نار
إبراهيم (عليه السلام)، أو يمنع من الوصول إليه كما لو غيَّبه، وهذه حالنا مع
الإمام (عليه السلام).
ومع تغييب النبيِّ (عليه السلام) يكون المكلَّف قد منع هو بنفسه على نفسه لطف
الوصول إلى النبيِّ (عليه السلام).
فإنْ قال المعتزلي: يجب على الشارع المقدَّس أنْ يُعْلِم هذا الشخص عن طريق آخر
ببعث هذا النبيِّ (عليه السلام) له، وأنَّه لطفه، فإذا خالف لطفه وقتل
النبيَّ (عليه السلام) يكون قد أوقع نفسه بنفسه في رفع لطفه ومنعه عن التأثير.
قلنا في مقام الجواب: هذا نُسلِّم به، وهو الحاصل مع إمامنا (عليه السلام)، فقد
أعلمنا الله تعالى على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة من آبائه
(عليهم السلام) به، وأوجب علينا طاعته، فإذا لم يظهر لنا الإمام (عليه السلام)
علمنا أنَّا أُوتينا من قِبَل نفوسنا، فاستوى الأمران.
تطبيق العبارة:
لا زال الكلام في دفع إشكالات المعتزلي وإيرادات شيخ الطائفة (قدّس سرّه) عليه،
ومنها قوله (قدّس سرّه): (ثمّ يقال لهم): ألستم تؤمنون بالعديد من القضايا التي
أثبت التأريخ وقوعها وتضمَّنت الغيبة؟ (أليس) تؤمنون بأنَّ (النبيَّ (صلّى الله
عليه وآله وسلّم)) قد (اختفى في الشِّعب) أي شِعب أبي طالب (ثلاث سنين)، وكان في
مدَّة اختفاءه هذه (لم يصل إليه أحد) من الناس، مع أنَّه كان إماماً للأُمَّة، بل
(واختفى في الغار ثلاثة أيَّام؟)، ولا يُؤثِّر قصر المدَّة أو طولها في أصل
الاستدلال في وقوع الغيبة في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه على كلام
المعتزلي ومع إذعانه بوقوع الغيبة فيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا بدَّ أنْ
يقول: إنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معدوم، (ولم) يقل به أحد، ولم (يجز قياساً
على ذلك) أي على غيبته في الموضعين (أنْ يُعدِمه الله تعالى تلك المدَّة)، وهم
يقرُّون (مع) وقوع غيبته (بقاء التكليف على الخلق) من (الذين بعثه) أي الله تعالى
(لطفاً لهم.
ومتى قالوا) وأجابوا عمَّا قلنا، بأنَّه: (إنَّما اختفى) (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) (بعدما) قام بأعباء الرسالة ومهامِّ إمامته، و(دعا إلى نفسه، وأظهر نبوَّته)
بالمعجزات التي دلَّت على صدق كونه نبيًّا، (فلمَّا أخافوه) أي مَنْ بُعِثَ إليهم
من المشركين (استتر) في الشِّعب وفي الغار.
وفي مقام الجواب (قلنا: و) التفصيل الذي ذكره المعتزلي (كذلك) يجري في (الإمام
(عليه السلام)) حيث (لم يستتر إلَّا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته، ودلُّوا عليه) بما
لا يخفى على أحد من المكلَّفين بحيث لو فحص عنه لأمكنه التعرُّف عليه بمقتضى تعريف
آبائه له، فهو ظاهر بمقتضى ما دلَّ عليه أهل البيت (عليهم السلام) من علامات، (ثمّ
لـمَّا خاف عليه) أي على الإمام الحجَّة (عليه السلام) (أبوه الحسن بن عليٍّ
(عليهما السلام) أخفاه وستره) عن الناس بسبب الخوف عليه، ولأنَّه آخر
الأئمَّة (عليهم السلام)، وعليه (فالأمران إذاً سواء)، ولا يصحُّ تفصيل
المعتزلي في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
دون الإمام (عليه السلام)، فإمَّا التفصيل فيهما معاً كما هو مقتضى الأدلَّة، أو
إنكارها فيهما معاً.
(ثمّ يقال لهم: خبِّرونا لو علم الله) تعالى (من حال شخص أنَّه من مصلحته) أي الشخص
(أنْ يبعث الله) تعالى (إليه) أي هذا الشخص (نبيًّا معيَّناً) أي بمعنى النبوَّة
الخاصَّة حتَّى (يُؤدِّي إليه) أي إلى هذا الشخص (مصالحه، و) لكن (علم أنَّه لو
بعثه) أي بعث النبيَّ (عليه السلام) لهذا الشخص (لقتله هذا الشخص، ولو مُنِعَ) هذا
الشخص (من قتله) أي قتل النبيِّ (عليه السلام) (قهراً كان فيه) أي في المنع القهري
من القتل (مفسدة له) أي لهذا الشخص (أو لغيره) أي للأشخاص الآخرين أو للنبيِّ (عليه
السلام)، فـ(ـهل يحسن أنْ يُكلِّف هذا الشخص) بتكاليفه (ولا يبعث إليه) أي الشخص
(ذلك النبيَّ، أو لا يُكلَّف؟).
ومعنى ذلك أنَّ العلم بأنَّ هذا الشخص سيقتل النبيَّ (عليه السلام) هل يوجب على
الله سبحانه وتعالى أنْ يمنع وقوع القتل قهراً، أو يمنع البعث للنبيِّ أصلاً، أو
يمنع التكليف لهذا الشخص ابتداءً؟
(فإنْ قالوا): إنَّنا نختار أنَّه (لا يُكلَّف) أي إنَّ الله لا يُكلِّف الشخص
ابتداءً، (قلنا: وما المانع منه) أي التكليف (وله) إلى ثبوت التكليف وإناطته
بالمكلَّف مع وجود (طريق إلى معرفة مصالحه) أي مصالح المكلَّف، ومعرفة مصالحه (بأنْ
يُمكِّن) هذا (النبيَّ من الأداء إليه؟) أي إلى هذا المكلَّف.
(وإنْ قلتم): نختار أنَّه (يُكلِّفه) أي إنَّ الله سبحانه وتعالى يُكلِّف هذا
الشخص، (و) لكن (لا يبعث إليه) نبيًّا، أي إنَّه (عزَّ وجلَّ) يُكلِّف الشخص ويوصل
له تكاليفه كما في مريم وأُمِّ موسى بعث لهما تكليفاً خاصًّا دون أنْ يبعث إليه
نبيًّا(٧٩).
-----------------
(٧٩) كما في إيصال بعض التكاليف لبعض العباد كأُمِّ موسى ومريم ابنة عمران (عليها السلام).
(قلنا) في مقام جواب قولهم: (وكيف يجوز أنْ
يُكلِّفه) أي يُكلِّف الله هذا الشخص (ولم يفعل به) أي بالشخص (ما هو لطف له
مقدور؟) أي أنْ يُوجِد فيه اللطف المقدور.
(فإنْ قالوا) في مقام دفع كون التكليف من غير بعث النبيِّ، ولكن حيث إنَّه ليس
مقدوراً فلا يقع من الله سبحانه وتعالى، فجوابهم بأنَّه (أُتي في ذلك) أي في منع
إرسال النبيِّ إليه (من قِبَل نفسه) أي إنَّ سبب عدم بعث النبيِّ إليه هو نفسه،
(قلنا: هو) أي المكلَّف (لم يفعل شيئاً ) يوجب عدم بعث النبيِّ إليه، (وإنَّما علم
أنَّه) أي المكلَّف (لا يمكنه) الوصول إلى التكليف، (وبالعلم) بوجود التكاليف عليه
دون بعث نبيٍّ له (لا يحسن تكليفه) أي هذا الشخص (مع ارتفاع اللطف.
ولو جاز ذلك) أي لو جاز أنْ يُكلِّف الله سبحانه وتعالى دون إمام أو نبيٍّ (لجاز
أنْ يُكلِّف) الله تعالى بـ(ـما لا دليل عليه) من الأشياء (إذا علم أنَّه) أي
المكلَّف (لا ينظر فيه) الشيء، (وذلك) أي التكليف دون إمام ودون النظر والمعرفة
(باطل، و) عليه (لا بدَّ أنْ يقال: إنَّه) تعالى (يبعث إلى ذلك الشخص) النبيِّ
(ويُوجِب عليه) أي الشخص (الانقياد له) أي للنبيِّ (عليه السلام) (ليكون) وجوب
الانقياد (مُزيحاً) ورافعاً (لعلَّته) أي رافعاً للمانع من ثبوت التكليف عليه وحسن
تكليف المكلَّف، وعلى هذا (فإمَّا أنْ يمنع) الله تعالى (منه) أي من وصول الشخص
للنبيِّ (عليه السلام) وقتله (بما لا ينافي التكليف) كما في نار إبراهيم (عليه
السلام) وغيرها، (أو يجعله) أي يجعل الله تعالى وجود النبيِّ (عليه السلام) (بحيث
لا يتمكَّن) العبد (من قتله) أي النبيِّ، (فيكون) على هذا البيان (قد أُتي)
المكلَّف (من قِبَل نفسه)، لأنَّه هو الذي منع نفسه (في عدم الوصول إليه) أي
النبيِّ، (وهذه حالنا مع الإمام) (عليه السلام) (في حال الغيبة سواء)، أي إنَّ غيبة
الإمام (عليه السلام) لا تُشكِّل مانعاً
من أصل التكليف، ولا مانعاً من اللطف بالمكلَّف،
ولا موجباً للتدخُّل الإلهي بإظهار الإمام (عليه السلام) وحمايته بمنع الأعداء من
الوصول إليه، فكان إيجاده وتكليفه بالإمامة وتغييبه عن الناس أمثل طريقة جعلها
الشارع المقدَّس في مثل حالة الإمام.
(فإنْ قال) المعتزلي مرَّةً أُخرى: (لا بدَّ أنْ يُعلِمَه) أي يُعلِم اللهُ الشخصَ
(أنَّ له) للشخص (مصلحة في بعثة هذا الشخص) أي بعثة النبيِّ (عليه السلام) (إليه)
أي إلى الشخص (على لسان غيره) أي غير النبيٍّ، (ليعلم) الشخص (أنَّه) أي الشخص (قد
أُتي من قِبَل نفسه) إذا منع النبيَّ عن دوره.
(قلنا) في مقام الجواب: (و) هو (كذلك) ونُسلِّم به، فقد (أعلمنا الله) تعالى (على
لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة من آبائه (عليهم السلام) موضعه)
أي الإمام، (وأوجب علينا طاعته، فإذا لم يظهر لنا) أي الإمام (علمنا أنَّا أُتينا
من قِبَل نفوسنا، فاستوى الأمران) أي وجوده وغيبته بالنسبة لتكليفنا بإمامته،
فإمامته علينا لازمة وإنْ غاب عن أبصارنا.
* * *
الأصل الثاني في الدليل: لا بدَّ أنْ يكون
الإمام معصوماً:
تكمن الحاجة إلى عصمة الإمام والرئيس من بين أفراد الأُمَّة في أنَّه يتلقَّى الغيب
ويُوصِله إلى الناس، فلكي نأمن على تلقِّيه نشترط العصمة.
وحيث إنَّ الجميع من غير الإمام (عليه السلام) لم يدَّعِ أحد منهم أنَّه معصومٌ،
فلا بدَّ من ضرورة ثبوت العصمة أنْ تكون في واحدٍ من الخَلْق، إذ مع هذه الضرورة:
إمَّا أنْ نلتزم بعصمة جميع الناس وهو خلاف الضرورة، أو أنْ نتنازل عن شرط العصمة
وفي التلقِّي من عالم الغيب، وبالتالي ننقض الغرض منها في حفظ المعلومات
المتلقَّاة، ولو فُرِضَ أنَّ المعصوم قد احتاج في عصمته إلى آخر فإنَّه يلزم الدور
أو التسلسل، وكلاهما باطلان، فلم يبقَ إلَّا الإذعان بعصمة واحد من بين الأُمَّة،
وليس هو إلَّا الإمام (عليه السلام).
التنظير بمسألة الحدوث وحاجة المحدَث إلى
محدِث:
نظَّر شيخ الطائفة (قدّس سرّه) لإثبات ضرورة العصمة بمسألة الحدوث، وأنَّ الوجدان
القاضي بكون الناس بأجمعهم في فقر وحاجة وأنَّهم مُحدَثون يستدعي الحاجة إلى محدِث
موجِد لهم، وما يُقال في دليل الحدوث يُقال في ضرورة عصمة الإمام (عليه السلام)،
وقد أحكم الشيخ وشيوخ الطائفة (رضوان الله تعالى عليهم جميعاً) هذه المسألة في
كُتُبهم الكلاميَّة.
-----------------
(٨٠) (٨/ رجب الأصبّ/ ١٤٤٤هـ).
الأصل الثالث: إنَّ الحقَّ لا يـخرج عن
الأمَّة:
من الضرورات المتَّفق عليها بين جميع فِرَق المسلمين أنَّ الحقَّ من بين الأديان لا
يخرج عن أُمَّة الإسلام، وقد استُدِلَّ على هذا الأصل بعدَّة أدلَّة قرآنيَّة
وروائيَّة، بل لا يبعد أنْ يُدَّعى أنَّ هذا الأصل يصحُّ الاستدلال عليه بأدلَّة
عقليَّة أو عقلائيَّة.
نعم، وقع اختلاف في أنَّ وجه كون الحقِّ لا يخرج عن أُمَّة الإسلام هل هو لأجل وجود
المعصوم - المسدِّد للأُمَّة - بين أفرادها كما عليه الإماميَّة زادهم الله تعالى
شرفاً، أو لأنَّه لأجل إجماع أفراد الأُمَّة واجتماعهم كما عليه غيرهم، وهذا
الاختلاف لا يُوجِب فساد الأصل وتأثُّره.
النتيجة من الأصول الثلاثة:
بعد إحكام هذه الأُصول الثلاثة نصل إلى النتيجة بوضوح، وهي ضرورة وجود إمام معصوم
لهداية الأُمَّة، وحيث لا نجده ظاهراً بين ظهرانينا فيكون غائباً، هذا ما يقتضيه
دليل اللطف المتقدِّم.
نعم، حيث ادَّعى بعض الناس والفِرَق أنَّ العصمة، بل والغيبة قد انطبقت على بعض
الأشخاص استدعى أنْ يخوض شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بحثاً مستقلًّا من جهةٍ ومرتبطاً
بما سبق من جهة أُخرى، وهو المتمثِّل بردِّ الفِرَق المخالفة ممَّن ادَّعت هذه
الدعوى، وهو ما يأتي الحديث عنه في الدروس القادمة.
تطبيق العبارة:
(وأمَّا الذي يدلُّ على الأصل الثاني) أي القطع على عصمة الإمام، (وهو أنَّ من شأن
الإمام أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، فهو) أي وجه كون الإمام مقطوعاً على عصمته،
(أنَّ العلَّة التي لأجلها احتجنا إلى الإمام ارتفاع العصمة)
أي ارتفاع العصمة عن جميع الناس ما خلا الإمام (عليه السلام)، (بدلالة أنَّ الخلق)
لو فُرِضَ و(متى كانوا معصومين) فإنَّهم (لم يحتاجوا إلى إمام، و)حيث ثبت أنَّ
الناس خلو عن العصمة، فـ(إذا خلوا من كونهم معصومين) فإنَّهم (احتاجوا) بمقتضى
حاجتهم إلى الارتباط بالسماء وعدم أهليَّة أيِّ أحدٍ منهم للارتباط بالغيب إلَّا
المعصوم، بمقتضى هذا فإنَّهم محتاجون (إليه) أي إلى الإمام المعصوم، وحيث (علمنا
عند ذلك) أي عند عدم عصمة الناس، وعند علمنا (أنَّ علَّة الحاجة هي ارتفاع العصمة)
عنهم، فلا بدَّ من ثبوتها في واحدٍ منهم، وليس هو إلَّا الإمام (عليه السلام).
وهذا له نظير (كما نقوله في) ضرورة الحاجة إلى (علَّة) في الإيجاد لـ(حاجة الفعل
إلى فاعل: إنَّها) أي علَّة الحاجة هي (الحدوث) في الممكن، ووجه ذلك أنَّه (بدلالة
أنَّ ما يصحُّ حدوثه) من الموجودات ويثبت أنَّه حادث فإنَّه وبالضرورة (يحتاج إلى
فاعل في) علّيَّة وجوده و(حدوثه، و) أنَّ الذي ليس فيه سمة الحاجة و(ما لا يصحُّ
حدوثه) كالله سبحانه وتعالى فإنَّه (يستغني عن الفاعل، و) وجه (حكمنا بذلك) هو
(أنَّ كلَّ محدَث يحتاج إلى محدِث)، وما نقوله هنا هو بعينه ما نقوله في ضرورة
العصمة مع اختلاف المتعلَّق، (فبمثل ذلك يجب الحكم بحاجة كلِّ) فرد من أفراد البشر
مـ(مَّن ليس بمعصوم إلى إمام، وإلَّا) فيلزم لو لم نقُل بذلك من الحاجة إلى المعصوم
لـ(انتقضت العلَّة) من الحاجة إليه.
ومن جهة أُخرى (فلو كان) جميع الناس بما فيهم (الإمام) (عليه السلام) (غير
معصومـ)ـين (لكانت علَّة الحاجة فيه) وفيهم من باب أولى (قائمة، و) لـ(احتاج)
الإمام (إلى إمام آخر، و) هكذا فـ(الكلام في إمامه) أي إمام الإمام بناءً على عدم
عصمة الإمام هو (كالكلام فيه) أي في الإمام المفترض عصمته ولكن لم تثبت، وبعدم
ثبوتها (فيُؤدِّي إلى إيجاب أئمَّة لا نهاية لهم، أو) نقول بـ(الانتهاء إلى معصوم)
وهو قولنا بلزوم العصمة، (وهو المراد).
ثمّ قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه): (وهذه الطريقة قد أحكمناها في كُتُبنا، فلا
نُطوِّل بالأسئلة عليها)، غرضه من الأسئلة عليها هو عادته في إحكام الأدلَّة
بالفنقلة(٨١)، (لأنَّ الغرض بهذا الكتاب غير ذلك، وفي هذا القدر كفاية.
وأمَّا الأصل الثالث: وهو أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة، فهو) أصل (متَّفق عليه
بيننا وبين خصومنا وإنِ اختلفنا في علَّة ذلك).
وووجه الاختلاف بيننا وبينهم هو:
(لأنَّ عندنا أنَّ الزمان لا يخلو من إمام معصوم لا يجوز عليه الغلط على ما قلناه،
[وسيأتي في طيَّات هذا الشرح لهذا الكتاب المبارك الاستدلال مفصَّلاً على ضرورة
إمامة الإمام في كلِّ زمانٍ بما دلَّت عليه الأدلَّة العقليَّة والقرآنيَّة
والروائيَّة، وعلى هذا الأساس] فإذاً) نقول: (الحقُّ لا يخرج عن الأُمَّة)، وذلك
(لكون المعصوم فيهم) أي في الأُمَّة.
(وعند المخالف) يكون الحقُّ في الأُمَّة (لقيام أدلَّة يذكرونها دلَّت) هذه
الأدلَّة (على أنَّ الإجماع حجَّة).
-----------------
(٨١) يقول بعض المحترمين: (إنَّه لا ينبغي ذكر
الإشكالات المذكورة في بطن الكُتُب كي لا توجب الشبهة في الأذهان ويعسر بعد ذلك
إجابتها)، وهو كلام حسن ومستقيم إلى حدٍّ بعيد فيما لو كان الخطاب موجَّهاً إلى
طبقة محدودة من المجتمع، أمَّا فيما يرتبط بالمطالب العلميَّة وإحكامها فالأمر على
العكس تماماً، سواء كان في علم الأُصول أو الفقه أو الكلام، فلا بدَّ من إحكام
المسألة بإكثار الفنقلة فيها، ولكن مَنْ لا يجيدها ولا يحكم الإجابة عنها فممَّا لا
شكَّ فيه أنَّه من الضرورة بمكان أنْ يتجنَّبها، وهذا ما يجده المتتبِّع لكلام شيخ
الطائفة وشيخه وسيِّده - أي المفيد والمرتضى (قدّس سرّهما) - في كُتُبهما الفقهيَّة
أو الأُصوليَّة أو الكلاميَّة، وأوضح شاهد على ما ندَّعيه ما في كتاب الغيبة من
الكثير من الإشكالات التي بعد تتبُّعها لم نجدها مثارة في بطون كُتُب المخالفين.
ولعلَّ ما يُرجِّح ما نذهب إليه - وليست المسألة بذات بال - أنَّ ديدن القدماء ذلك
حتَّى مَنْ كان منهم من الأخباريِّين، فراجع ما نقله الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في
بداية (كمال الدِّين)، وما نقله عن الشيخ ابن قبة الرازي (رحمه الله).
وعلى هذا الأساس من كون الحقِّ لا يخرج عن أُمَّة الإسلام، (فلا وجه للتشاغل بذلك)
أي بأنَّ الحقَّ في الأُمَّة أو ليس فيها، ولا وجه للتشاغل في هذه المسألة بين
فِرَق المسلمين، بخلاف ما إذا كان التشاغل في غير المسلمين فإنَّ وجهه قائم.
(فإذا ثبتت هذه الأُصول) الثلاثة (ثبتت إمامة صاحب الزمان (عليه السلام)(٨٢))، ووجه
ثبوتها (لأنَّ كلَّ مَنْ يقطع على ثبوت العصمة للإمام) فإنَّه يكون قد (قطع على
أنَّه الإمام، و) حيث إنَّه (ليس فيهم) أي من الفِرَق المخالفة (مَنْ يقطع على عصمة
الإمام) فيُثبِت أنَّها حقٌّ بما عند الإماميَّة أعزَّهم الله تعالى.
إنْ قلتَ: يوجد مَنْ يقول بخلاف قولكم، (و) لكنَّه (يخالف في إمامته) أي صاحب
الزمان (عليه السلام)، فلا تثبت إمامته.
قلتُ: هؤلاء ليسوا (إلَّا) من الـ(قوم) الذين (دلَّ الدليل على بطلان قولهم
كالكيسانيَّة والناووسيَّة والواقفة)، على ما يأتي مفصَّلاً في إبطال هذه الفِرَق،
فـ(إذا أفسدنا أقوال هؤلاء ثبت إمامته (عليه السلام)).
* * *
-----------------
(٨٢) يظهر من شيخ الطائفة (قدّس سرّه) أنَّه يحتاط في التسمية، وتقدَّم الإشارة إلى ذلك فيما سبق في هامش سابق (ص ٥٤)، وسيأتي بحث هذه المسألة وبيان قوله (قدّس سرّه)، بل وقول غيره.
ردُّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) على دعوى
الكيسانيَّة في عصمة ابن الحنفيَّة:
بعد أنْ أتمَّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بيان الأُصول الثلاثة وإحكامها شرع في ردِّ
الفِرَق التي ادَّعت الإمامة لبعض الأشخاص من غير الأئمَّة (عليهم السلام)، وهو ما
يُعبَّر عنه بالوقف بالمعنى الأعمّ، وهو مصطلح أشرنا إلى بيانه في الدروس
الاستدلاليَّة في العقيدة المهدويَّة الجزء الثاني، فراجع.
وكأنَّه (قدّس سرّه) قدَّم ما من حقِّه التأخير، أو أنَّ الترتيب المنهجي يقتضي
شيئاً آخر باعتبار أنَّه بعد صفحتين من الآن سيُفرد فصلاً - أو فقل: بحثاً -
مستقلًّا، ويُعطيه عنواناً مستقلّاً في الكلام على الواقفة، ويُدرج الكيسانيَّة في
ضمن من يردَّ عليهم مفصَّلاً، والأمر سهل، فقد شرع (رحمه الله) في إبطال قول
الكيسانيَّة القائلين بإمامة محمّد بن الحنفيَّة وأشباهه.
والكيسانيَّة فِرقَة اعتقدت بإمامة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) بعد شهادة
الإمام الحسين (عليه السلام)، واعتقدوا غيبته على ما يأتي مفصَّلاً في شرح هذا
الكتاب المبارك.
ونُؤكِّد على ما تقدَّم بأنَّ ادِّعاء الإمامة من أيِّ شخص لا يصحُّ إلَّا إذا تمَّ
الاستدلال على عصمته، باعتبار ما تقدَّم من شرطيَّة العصمة في الإمامة، وأنْ تكون
منصوصاً عليها بالنصِّ الصريح، وتقدَّم وجه ذلك مكرَّراً في الدروس السابقة.
-----------------
(٨٣) (٢٠/شعبان/١٤٤٤هـ).
وخلاصته: أنَّ العصمة لا يعلمها إلَّا الله سبحانه
وتعالى، فلا بدَّ لإثباتها في شخص ما أنْ يدلَّ دليل وبالنصِّ الصريح على أنَّها
ثابتة فيه، في حين أنَّ الكيسانيَّة لم يدَّعوا عصمة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله
عنه)، وإنَّما ادَّعوا إمامته دون عصمته، ولو قيل: إنَّ دعواهم إمامته تتضمَّن دعوى
عصمته لأدلَّة ذكروها، فهذا ما نتعرَّض له في النقطة الثانية.
استدلالات الكيسانيَّة لإثبات إمامة ابن
الحنفيَّة (رضي الله عنه)، وردُّها:
استدلَّت الكيسانيَّة بحسب ما ذكر شيخ الطائفة (قدّس سرّه)(٨٤) في هذا المقطع على
إمامة محمّد بن الحنفيَّة بدليلين:
الدليل الأوَّل: أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أعطى محمّد بن الحنفيَّة (رضي
الله عنه) الراية يوم البصرة.
تقريب الاستدلال: أنَّ إعطاء الراية من الإمام الحقِّ وهو أمير المؤمنين (عليه
السلام) في معركة مصيريَّة بين الحقِّ والباطل كاشف إنِّي عن أنَّ مَنْ يحمل الراية
هو الإمام بعد أمير المؤمنين (عليه السلام).
ويردُّه:
أ - أنَّ الملازمة المدَّعاة غير واضحة، وقد أُعطِيَت في معركة صفِّين والنهروان
لغير الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام) كمالك الأشتر وغيره، ولم يُعهَد الاستدلال
بذلك على الإمامة إلَّا مع قرينة خاصَّة وهي مفقودة، على أنَّه قد أُعطيت الراية في
زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لغير أمير المؤمنين (عليه السلام) كما
في بعث أُسامة.
-----------------
(٨٤) في مقام بيان وشرح كلام الشيخ (قدّس سرّه) أو ردِّه في جملة من المقاطع التي تقدَّمت أو التي ستأتي قد نضيف ما نراه صالحاً ومؤثِّراً في بيان المطلب ممَّا لم يذكره الشيخ (قدّس سرّه)، وقد نعمد في بعض الأحيان إلى ذكر وجوه أُخرى لم ترد في كلامه (قدّس سرّه) في مقام تقريب الاستدلال أو الجواب عنه وردِّه، لذا اقتضى التنويه.
ب - أنَّ هذا الخبر قضيَّة معروفة تحتاج إلى مُثبِت
ليُلحظ حيثيَّات إعطاء محمّد ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه) الراية، ولم يذكر شيخ
الطائفة (رحمه الله) على لسان المستدِلِّ ذلك.
ج - لو سُلِّم تماميَّة الخبر، فمع ذلك لا نُسلِّم أنَّ إعطاء الراية يُثبِت
الإمامة لمن هو بعد أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإعطاء الراية لازم أعمّ، فكما قد
يدلُّ على الإمامة كذلك قد يدلُّ على أنَّ هذا الشخص صاحب منزلة ووجاهة وفضيلة
ويُراد إبرازها بإعطاء الراية، فيصير الخبر مُجمَلاً ولا يصحُّ الاستدلال به، لأنَّ
شرط إثبات العصمة وبالتالي الإمامة بالنصِّ الصريح لا المُجمَل.
الدليل الثاني: قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحمّد بن الحنفيَّة (رضي الله
عنه): «أَنْتَ اِبْنِي حَقًّا».
تقريب الاستدلال: حيث إنَّه (عليه السلام) وصف ابن الحنفيَّة بالبنوَّة الحقّيَّة
فهو كاشف عن تقدُّمه على إخوته، ولا يخرج عن عموم تقدُّمه سوى الإمام الحسن والحسين
(عليهما السلام) لدليل خاصٍّ يُثبِت تقدُّمهما بنصِّ رسول الله (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) على إمامتهما، من ثَمَّ بعدهما تأتي إمامة ابن الحنفيَّة (رضي الله
عنه) لهذا الخبر، وبذلك يتمُّ المطلوب.
ويردُّه:
أ - أنَّ هذا الحديث على فرض ثبوته لا دلالة فيه على الإمامة فضلاً عن العصمة، فهو
(عليه السلام) في مقام تشبيه ولده ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه) به (عليه السلام)
يقول له: «أَنْتَ اِبْنِي حَقًّا»، والاستعمال العرفي قائم على ذلك، فمن يريد أنْ
يُثبِت لولده تميُّزاً وخصوصيَّةً معيَّنةً يقول له: أنت ابني حقًّا، أي تشبهني،
ولكن في أيِّ شيء يشبهه؟
هل مطلقاً أو في خصوص الشجاعة كما يقتضيه الحال؟
فيعود الحديث مجمَلاً وبحاجة إلى قرينة لإثبات المدَّعى على دعوى الكيسانيَّة.
ب - لو تنزَّلنا عن كلِّ ذلك، فالحديث مخالف لما هو
صريح في إمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وبما يُشكِّل البيِّنة
القطعيَّة، ممَّا يوجب سقوطه، ولا يعود لديهم ما يُثبِت إمامته بخلاف ما لدى
الإماميَّة من أدلَّة متعدِّدة تُثبِت إمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام).
وسيأتي مزيد بيان في إثبات بطلان مذهب الكيسانيَّة.
بيان الخبر المشهور في المنازعة بين محمّد بن
الحنفيَّة والإمام زين العابدين (عليه السلام)، وذكر بعض النكات المرتبطة بالولاية
التكوينيَّة وتحدُّث الجمادات في عالم الدنيا بحضور المعصوم:
ممَّا دلَّ على إمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام) وردِّ قول الكيسانيَّة في
إمامة ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه) التحاكم إلى الحجر الأسود، وهي قصَّة مشهورة
حيث تحاكم الإمام (عليه السلام) وابن الحنفيَّة (رضي الله عنه) إلى الحجر
الأسود(٨٥).
-----------------
(٨٥) ولو لم يكن في الحجر الأسود قابليَّة فضِّ
المنازعة ولو بمعيَّة أنْ يُبرِز الإمام (عليه السلام) خصائص في الحجر تقتضي فضَّ
المنازعة بينهما بأنْ يُعلِمَ ابن الحنفيَّة (رضي الله عنه) وكذا الناس الذين
سيشهدون هذه الواقعة أنَّ في الحجر قدرة تكوينيَّة على بيان الحقِّ وفي أيِّ طرفٍ
هو ثمّ يترك تحقُّق هذا الأمر إلى حين وصول الواقعة، فيكون إعجاز الإمام (عليه
السلام) حاصلاً عن طريق نطق الحجر الأسود، ولذلك نجد أنَّ ابن الحنفيَّة (رضي الله
عنه) اعترض في البداية على الإمام (عليه السلام) بأنَّ الحجر لا يسمع ولا يجيب،
ولكنَّ الإمام (عليه السلام) أعلمه خلاف ذلك، وبيَّن له قدرة الحجر على الإجابة، بل
وإسماع الناس للحقِّ، وهو ما حصل فعلاً بمجرَّد أنْ كلَّمه الإمام (عليه السلام)
وطلب من الحجر أنْ ينطق باسم الإمام (عليه السلام)، فأنطقه الله سبحانه وتعالى.
وليس هذا الأمر بعزيز على ما نعتقده في الإمام (عليه السلام) من خصائص، منها قدرته
التكوينيَّة على ذلك، بل وحصلت ونطق بها القرآن الكريم كما في إحياء إبراهيم (عليه
السلام) للطير، وإحضار وزير سليمان لعرش بلقيس، وانقلاب العصا أفعى على يد موسى
(عليه السلام)، وإحياء عيسى (عليه السلام) للأموات وإشفائه للمرضى، وعلى ما نعتقده
في الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السلام) أفضل من هؤلاء الأنبياء، بل ومن غيرهم سوى
النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، فلهم ما لهم وزيادة.
تتميم: استدل الإمام (عليه السلام) بالآية الكريمة
بقوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ﴾ (الأنفال: ٧٥).
تقريب الاستدلال ودفع الاستغراب:
قد يُستغرَب استدلال الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالأولويَّة الرحميَّة
باعتبار أنَّ ابن الحنفيَّة أقرب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رحماً من الإمام
زين العابدين (عليه السلام)، ولكنَّ الذي ظهر أنَّ الشيخ (قدّس سرّه) قد أدرج بين
الحديث المشهور وبين الذي رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) في (الكافي)(٨٦) بسند
صحيح، وتضمَّن واقعة التحاكم إلى الحجر من غير الاستشهاد بآية (أُولي الأرحام)،
وإنَّما ورد ما فيه الاستدلال بآية (أُولي الأرحام) وبيان الأولويَّة في خبر آخر
رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) بسنده عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)،
قَالَ: «لَا تَعُودُ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ
وَاَلْحُسَيْنِ أَبَداً، إِنَّمَا جَرَتْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، كَمَا
قَالَ اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَأُولُوا الْأَرحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾، فَلَا تَكُونُ بَعْدَ
عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) إِلَّا فِي اَلْأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ
اَلْأَعْقَابِ»(٨٧).
فيكون استدلال الشيخ (رحمه الله) الآتي ذكره في تطبيق العبارة، هو عبارة عن إدراج
الواقعة المشهورة مع الخبر المرويِّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) والمتقدِّم
ذكره، والإدراج أمرٌ مألوف لدى قدماء الأصحاب لا يستغربه من أَلِف مراجعة مصنَّفات
قدماء الأصحاب والوقوف على كيفيَّة استفادتهم من الروايات وتقطيعهم لها وإدراج
بعضها في بعضٍ بحسب حاجتهم للاستدلال.
الحديث (١):
قال (قدّس سرّه): (على أنَّ الشيعة تروي(٨٨)...، والخبر بذلك مشهور عند الإماميَّة،
-----------------
(٨٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٤٨/ باب ما يفصل بين دعوى
المحقِّ والمبطل في أمر الإمامة/ ح ٥).
(٨٧) الكافي (ج ١/ ص ٢٨٥ و٢٨٦/ باب ثبا الإمامة في الأعقاب.../ ح ١).
(٨٨) مصطلح قد يُستفاد منه الشهرة، وقد تعرَّضنا لبحث الشهرة وكونها جابرة أو كاسرة
للسند، مع بيان حقيقتها وأقسامها وما هو الحجَّة منها، وبيان الفارق بين الإعراض
والهجران، كما وتناولنا العديد من الأقوال القائلة بحجيَّتها بما يزيد على (٢٥)
قولاً، والأقوال المنكِرة لحجّيَّتها، مع بيان أركان الشهرة ومقوِّماتها وشرائطها
والأدلَّة المعتمدة في حجّيَّتها مع مناقشات لمعظمها، وكذا بيان نسبة هذا المبنى مع
مباني التوثيق الأُخرى في الدروس الاستدلاليَّة في علوم الحديث، الدروس رقم (٨٢ -
٨٩).
لأنَّهم رووا أنَّ محمّد بن الحنفيَّة(٨٩) نازع
عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) في الإمامة وادَّعى أنَّ الأمر أُفضي إليه...).
* رجال السند: الحديث مرسَل لولا جابريَّة الشهرة.
ملحق الحديث الأوَّل:
(ومنها تواتر الشيعة الإماميَّة بالنصِّ عليه من أبيه وجدِّه...).
تطبيق العبارة:
(أقول: وأمَّا الذي يدلُّ على فساد قول الكيسانيَّة القائلين بإمامة محمّد بن
الحنفيَّة(٩٠) فأشياء، منها):
١ - (أنَّه) أي محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) (لو كان إماماً مقطوعاً على
عصمته لوجب أنْ يكون منصوصاً عليه) أي على محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) باسمه
الصريح، حيث دلَّت الأدلَّة على كون النصِّ عليه يكون (نصًّا صريحاً)، ووجه لزوم
النصِّ الصريح على المعصوم، (لأنَّ العصمة) على ما تقدَّم بيانها منه (قدّس سرّه)
(لا تُعلَم إلَّا بالنصِّ) عليها من قِبَل الله سبحانه وتعالى، (وهم) أي
الكيسانيَّة (لا يدَّعون) ولا
-----------------
(٨٩) هو محمّد بن الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه
السلام)، وأُمُّه خولة بنت جعفر الحنفيَّة، فيُنسَب إليها تمييزاً عن أخويه الحسن
والحسين (عليهما السلام)، وُلِدَ في المدينة المنوَّرة عام (٢١هـ)، كان حامل راية
أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل، تُوفِّي عام (٨١هـ)، واختُلِفَ في مكان
دفنه.
(٩٠) الكيسانيَّة فِرْقة شيعيَّة منقرضة قالت بإمامة محمّد بن الإمام عليِّ بن أبي
طالب (عليه السلام) المعروف بمحمّد بن الحنفيَّة، وسيأتي منه (قدّس سرّه) إبطال
قولهم مفصَّلاً، مضافاً إلى ما سيذكره هنا.
يُقدِّمون (نصًّا صريحاً عليه) أي محمّد بن
الحنفيَّة (رضي الله عنه)، (وإنَّما يتعلَّقون) لإثبات إمامته (بأُمور ضعيفة دخلت
عليهم فيها شبهة لا تدلُّ على النصِّ) من قبيل بعض النصوص المتشابهة والمجمَلة،
(نحو إعطاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إيَّاه) أي محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله
عنه) (الراية يوم البصرة، وقوله) أي أمير المؤمنين (عليه السلام) (له) أي محمّد بن
الحنفيَّة (رضي الله عنه): («أَنْتَ اِبْنِي حَقًّا»(٩١)، مع كون الحسن والحسين
(عليهما السلام) ابنيه)، ولم يقل بهما حقًّا، ففهموا من إعطائه الراية ومن وَصْفِ
بنوَّته بالحقّيَّة أنَّه الإمام ولو بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) للنصِّ
عليهما من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ويردُّه:
أ - (وليس في ذلك) أي الراية والحقّيَّة (دلالة على إمامته على) أيِّ (وجهٍ،
وإنَّما يدلُّ) ما ذُكِرَ (على فضيلته) أي ابن الحنفيَّة على غيره، (و) يدلُّ على
(منزلته) الكبيرة لا على إمامته.
-----------------
(٩١) سيأتي أنَّ بعض النُّسَخ المتداولة كالنسخة
المحقَّقة على يد عباد الله الطهراني وعليِّ أحمد ناصح أنَّهم يُرقِّمون الأحاديث،
ويبدؤون من: (والخبر بذلك مشهور) برقم (١)، وينتهون برقم (٥٠٥) بحديث الفضل بن
شاذان، وقد تابعت العديد من النُّسَخ الخطّيَّة ولم أجد هذا الترقيم موجوداً، وهو
أمر حسن لتنظيم أحاديث الكتاب، إلَّا أنَّه ينبغي الإشارة إلى أنَّ هذا الترقيم
اسُتحدِثَ في الكتاب متأخِّراً وليس بموجود في نُسَخه الخطّيَّة.
على أنَّه لا بدَّ أنْ يبدأ الترقيم من هذا الحديث الذي جعلنا الهامش في ذيله،
فمقتضى قول شيخ الطائفة (رحمه الله): (وقوله له: أنت ابني حقًّا) أنَّ هذا نصُّ خبر
عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلا بدَّ أنْ يُرقَّم بـ (١)، وليس: (والخبر بذلك
مشهور) هو الذي برقم (١).
على أنَّه سيأتي أنَّ بعض الأخبار رُقِّمت ولكنَّها مقطوعة من نفس الخبر الذي
يسبقها، وإنْ كان للترقيم وجه باعتبار أنَّ شيخ الطائفة (رحمه الله) كما يبدو من
عبارته أنَّه يجعل ما قطعه خبراً مستقلًّا، كما في الحديث: (٤) و(٥) وغيره.
ثمّ إنَّه وجدنا جملة ممَّا لم يُرْوَ عن أهل البيت (عليهم السلام) قد رقَّمه
محقِّق النسخة المعتمدة، وهذا ممَّا لا ينبغي إذا كان البناء على أنَّ الترقيم
يختصُّ بالروايات المرويَّة عن أهل البيت (عليهم السلام)، والأمر سهل.
ب - وزيادة على ما تقدَّم من نقضٍ على الوجه الأوَّل
المستدلِّ به على إمامة ابن الحنفيَّة يُقال أيضاً: (على أنَّ الشيعة تروي أنَّه
جرى بينه) أي محمّد بن الحنفيَّة (وبين) الإمام (عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)
كلام في استحقاق الإمامة، فتحاكما إلى الحجر) الأسود، (فشهد الحجر لـ)ـلإمام (عليِّ
بن الحسين (عليهما السلام) بالإمامة، فكان ذلك) الإشهاد (معجزاً له) أي للإمام
عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، (فسلَّم) محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه) (له)
للإمام عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) بـ(الأمر وقال بإمامته). على أنَّه سيأتي
منه (قدّس سرّه) مفصَّلاً بحث الردِّ على الكيسانيَّة مرَّةً أُخرى لينضمَّ إلى ما
ذكره هنا(٩٢).
[١] (وَاَلخَبَرُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ عِنْدَ اَلْإِمَامِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ
رَوَوْا: أَنَّ مُحَمَّدَ اِبْنَ اَلحَنَفِيَّةِ نَازَعَ عَلِيَّ بْنَ اَلحُسَيْنِ
(عليهما السلام) فِي اَلْإِمَامَةِ وَاِدَّعَى أَنَّ اَلْأَمْرَ أُفْضِيَ) ووصل
(إِلَيْهِ بَعْدَ أَخِيهِ اَلحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَنَاظَرَهُ) الإمام (عَلِيُّ
بْنُ اَلحُسَيْنِ (عليه السلام) وَاِحْتَجَّ عَلَيْهِ بِآيٍ مِنَ اَلقُرْآنِ
كَقَوْلِهِ: ﴿وَأُولُوا الْأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٥]، وَأَنَّ هَذِهِ اَلآيَةَ جَرَتْ فِي) الإمام
(عَلِيِّ بْنِ اَلحُسَيْنِ (عليهما السلام) وَوُلْدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ:
«أُحَاجُّكَ إِلَى اَلحَجَرِ اَلأَسْوَدِ».
فَقَالَ لَهُ) أي محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه): (كَيْفَ تُحَاجُّنِي إِلَى
حَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُجِيبُ؟ فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا)،
فأذعن من دون تردُّد، ولو كان لا اقتضاء فيه لَـمَا صحَّ من محمّد بن الحنفيَّة
(رضي الله عنه) أنْ يُذعِن بمجرَّد قول الإمام (عليه السلام)، ولذلك عبَّر مباشرةً
بعد قوله: فأعلمه بقوله: (فَمَضَيَا حَتَّى اِنْتَهَيَا إِلَى اَلحَجَرِ، فَقَالَ)
-----------------
(٩٢) بطبيعة الحال يمكن أنْ يُسجَّل على هذه الطريقة منه (قدّس سرّه) أنَّها ليست بالمنهجيَّة المثلى، باعتبار تكرُّر المسألة في البحث في عدَّة مواطن، وكان من المناسب جعلها في موطن واحد فيذكر أدلَّتهم والمناقشات التي يوردونها عليهم، والأمر سهل، ولا غرض لنا بذكره إلَّا التنبيه على أنَّ مسألة المنهجة تختلف باختلاف أنظار العلماء، وقد لا تُعَدُّ إشكالاً بحدِّ ذاته.
الإمام (عَلِيُّ بْنُ اَلحُسَيْنِ (عليه السلام)
لِمُحَمَّدِ بْنِ اَلحَنَفِيَّةِ: «تَقَدَّمْ فَكَلِّمْهُ»، فَتَقَدَّمَ) أي ابن
الحنفيَّة (رضي الله عنه) (إِلَيْهِ) أي إلى الحجر (وَوَقَفَ حِيَالَهُ وَتَكَلَّمَ
ثُمَّ أَمْسَكَ) أي توقَّف عن الكلام، (ثُمَّ تَقَدَّمَ) الإمام (عَلِيُّ بْنُ
اَلحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ) أي الحجر، (ثُمَّ قَالَ:
«اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ اَلمَكْتُوبِ فِي سُرَادِقِ
اَلْعَظَمَةِ»، ثُمَّ دَعَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: «لَـمَّا) أي إلَّا (أَنْطَقْتَ
هَذَا اَلحَجَرَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَسْأَلُكَ بِالَّذِي جَعَلَ فِيكَ مَوَاثِيقَ
اَلعِبَادِ وَاَلشَّهَادَةَ لِمَنْ وَافَاكَ لَـمَّا أَخْبَرْتَ لِمَنِ
اَلْإِمَامَةُ وَاَلْوَصِيَّةُ».
فَتَزَعْزَعَ اَلحَجَرُ) أي تحرَّك حركة واضحة للعيان (حَتَّى كَادَ أَنْ يَزُولَ،
ثُمَّ أَنْطَقَهُ اَللهُ تَعَالَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، سَلِّمِ اَلْإِمَامَةَ
لِعَلِيِّ بْنِ اَلحُسَيْنِ، فَرَجَعَ مُحَمَّدٌ عَنْ مُنَازَعَتِهِ وَسَلَّمَهَا
إِلَى) الإمام (عَلِيِّ بْنِ اَلحُسَيْنِ (عليهما السلام).
ومنها: تواتر الشيعة الإماميَّة بالنصِّ عليه من أبيه وجدِّه، وهي موجودة في
كُتُبهم في الأخبار لا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
ومنها: الأخبار الواردة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهة الخاصَّة
والعامَّة على ما سنذكره فيما بعد بالنصِّ على إمامة الاثني عشر، وكلُّ من قال
بإمامتهم قطع على وفاة محمّد بن الحنفيَّة وسياقة الإمامة إلى صاحب الزمان (عليه
السلام).
ومنها: انقراض هذه الفرقة فإنَّه لم يبقَ في الدنيا في وقتنا ولا قبله بزمان طويل
قائل يقول به، ولو كان ذلك حقًّا لما جاز انقراضه).
* * *
ردُّ دعوى وجود الكيسانيَّة وإنْ لم نعرفهم:
قد يقال: كيف علمتم بانقراض الكيسانيَّة؟ ألَا يُحتمَل أنَّ بعض أتباع هذه الفِرقة
موجودون في بعض البلدان التي لم نصل إليها؟ ومع هذا الاحتمال لا تصحُّ دعوى
انقراضهم، ومع عدم صحَّة هذه الدعوى لا يكون الحقُّ فيما تقولونه من إمامة ابن
الحسن (عليهما السلام).
ثمّ قال المستشكِل: جواز هذا كجواز وجود من يقول بمقولة الحسن البصري(٩٤) في مرتكب
الكبيرة في بعض البلدان، فكما أنَّ هذه المقولة لا تموت بموت قائلها كذلك ما يقوله
الكيسانيَّة.
ومذهب الحسن البصري هو أحد المذاهب المعروفة في مسألة مرتكب الكبيرة، حيث وقع خلاف
في وصف مرتكب الكبيرة هل هو كافر أو فاسق أو لا كافر ولا فاسق، وتمذهب الناس على
عدَّة مذاهب في هذه المسألة، إذ ذهب الخوارج إلى أنَّ مرتكب الكبيرة من أهل القبلة
كافر، فيما ذهب الحسن البصري إلى أنَّه منافق، والمعتزلة قالت: إنَّه لا مؤمن ولا
كافر.
-----------------
(٩٣) (٢١/شعبان/١٤٤٤هـ).
(٩٤) الحسن بن يسار البصري، مولى الأنصار من التابعين، وُلِدَ في المدينة المنوَّرة
عام (٢١هـ)، ونُسِبَ إليه القول بالقدر، وهو ممَّن يُكثِر التدليس، وكان يلقى كلَّ
أهل فرقة بما يهوون، ويتصنَّع للرئاسة، وقيل: هو رئيس القدريَّة، تُوفِّي في البصرة
عام (١١٠هـ).
ويقول الشهرستاني: إنَّ واصل بن عطاء(٩٥) دخل على
الحسن البصري فقال له: لقد ظهرت في زماننا جماعة يُكفِّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة
عندهم كفر يخرج به عن الملَّة...، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر ولا يحكمون عليهم
بشيء، لا بالفسق ولا بالكفر، وقبل أنْ يُجيب الحسن البصري قال واصل بن عطاء: أنا لا
أقول مؤمن ولا كافر، بل هو في منزلة بين المنزلتين(٩٦).
وصاحب الإشكال يُنظِّر في هذه المسألة المندثرة ببقاء مَنْ يقول بقول الكيسانيَّة
وإنْ قيل: إنَّه مندثر.
وحيث لا يمكن الجزم بخلوِّ الأرض منهم فلا يمكن ادِّعاء موت رأيهم.
نعم، يمكن ادِّعاء ذلك إذا كان انتشار المسلمين في البلدان قليلاً ووجود العلماء
بينهم أقل، وأمَّا مع انتشار الإسلام في أصقاع الأرض وانتشار العلماء بين المسلمين
فلا جزم بانقراض هؤلاء.
وفي مقام الجواب نقول:
أوَّلاً: الجواب الحلِّي:
احتماليَّة وجود جماعة لا نصل إليهم، واحتمال بقاء رأيهم وعدم اندثار مقالاتهم
احتمال عقلي وارد، ولكنَّه لا يوجب ترتُّب الأثر الكلامي عليه، وصِرف وجود الاحتمال
لا يمنع من الاستدلال بعد عدم العثور على جماعة تنتسب إلى الكيسانيَّة، فيصحُّ
القول بانقراضهم، إذ لو عوَّلنا على صرافة الاحتمالات في إبطال الاستدلالات لما بقي
من العلم شيء، ولماتت الإجماعات
-----------------
(٩٥) واصل بن عطاء المخزومي، أبو حذيفة، مولاهم
البصري، وُلِدَ في المدينة المنوَّرة عام (٨٠هـ)، كان تلميذاً لأبي هاشم عبد الله
بن محمّد بن الحنفيَّة (رحمه الله)، ولزم حلقة الحسن البصري، مؤسِّس فرقة المعتزلة،
وهو أوَّل مَنْ قال بالمنزلة بين المنزلتين، تُنسَب إليه الفرقة الواصليَّة من
المعتزلة، تُوفِّي في المدينة المنوَّرة عام (١٣١هـ).
(٩٦) راجع: المِلَل والنِّحَل (ج ١/ ص ٤٨).
عند الأُمَّة، إذ إنَّ كلُّ إجماع يمكن أن يقال في
مقابله يُحتمَل أنَّ هناك جماعة تذهب إلى خلاف قول المجمِعين ولم نعثر عليهم.
ونظير ذلك ما يقال في عدَّة مسائل فقهيَّة، منها:
أ - مسألة البَرَد، وهل أنَّه يُنقِض الصيام أو لا(٩٧)؟
قيل: المعروف ناقضيَّته إلَّا أنَّ أبا طلحة الأنصاري(٩٨) ذهب إلى كون البَرَد غير
ناقض.
ب - مسألة جواز أكل الصائم إلى طلوع الشمس(٩٩):
فإنَّ المعروف هو إمساك الصائم قبل طلوع الفجر، خالف في ذلك حذيفة(١٠٠)،
والأعمش(١٠١)، حيث قالا على ما نُسِبَ إليهما بجواز أكل الصائم
-----------------
(٩٧) قال الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف (ج ٢/ ص ٢١٣/
مسألة ٧٢): (مَنْ أكل البَرَد النازل من السماء أفطر، وبه قال جميع الفقهاء،
وحُكِيَ عن أبي طلحة الأنصاري أنَّه كان يقول: لا يُفطِر).
(٩٨) أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري، صحابي، وقد آخى رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) بينه وبين أبي عبيد بن الجرَّاح، قيل: إنَّه روى خمسة وعشرين حديثاً، تُوفِّي
في المدينة المنوَّرة عام (٣٤هـ)، وصلَّى عليه عثمان بن عفَّان.
(٩٩) قال الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف (ج ١/ ص ٢٦٦/ مسألة ٩): (وذهبت طائفة إلى
أنَّ ما بين طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ليس من الليل ولا من النهار، بل هو
زمان منفصل بينهما. وذهبت طائفة إلى أنَّ أوَّل النهار هو طلوع الشمس وما قبل ذلك
من الليل، فتكون صلاة الصبح من صلاة الليل، ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم إلى
طلوع الشمس، ذهب إليه الأعمش وغيره، وروي ذلك عن حذيفة).
(١٠٠) حذيفة بن اليمان الغطفاني القيسي، أبو عبد الله، وُلِدَ بمكَّة المكرَّمة،
وهو من خيرة الصحابة، وآخى النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) بينه وبين عمَّار بن
ياسر، شهد أُحُداً وما بعدها من المشاهد مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، وولي
المدائن لعمر، ومات بالمدائن سنة (٣٦هـ).
(١٠١) سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، مولاهم الكوفي، أبو محمّد، المعروف بالأعمش،
وُلِدَ عام (٦١هـ)، روى عنه أبان بن تغلب، وهو ممَّن أكثر الرواية حتَّى قال
البخاري بأنَّه روى ألف وثلاثمائة حديث، وقد وثَّقه جماعة، وقال وكيع: سمعت الأعمش
يقول: لولا الشهرة لصلَّيت الفجر ثمّ تسحَّرت، مات عام (١٤٨هـ).
إلى طلوع الشمس.
وهناك مسائل كثيرة فيها خلاف فقهي بين الصحابة والتابعين إلَّا أنَّ هذا الخلاف قد
زال فيما بعد واجتمع أهل الأعصار على رأي واحدٍ، ولا يصحُّ بعد هذا الاجتماع نسبة
الخلاف وإلَّا لا توجد مسألة لم يُشَر فيها إلى وجود خلاف ولو لواحد.
وهذا الكلام هو عين ما يقوله البعض من استحالة وجود الإجماع باعتبار أنَّ احتمال
وجود مخالف قائم، ولا اختصاص للمسألة بمحلِّ بحثنا.
وقد يُتوهَّم أنَّ الجواب الحلِّي هو نقضي أيضاً.
ولكنَّنا نقول: إنَّ ما ذكره هو تمثيل وتنظير للجواب الحلِّي لا أنَّه ينقض عليهم.
ثانياً: الجواب النقضي:
ومن الأُمور المعلومة عند كلِّ مسلم وقوع الخلاف بعد رحيل النبيِّ (صلّى الله عليه
وآله وسلّم)، فقد طالب الأنصار بالإمرة والخلافة على المسلمين، كما وطالب بها
المهاجرون ودفعوا الأنصار عنها، والحادثة مشهورة معروفة، ولا يخلو كتاب من كُتُب
السِّيَر والتأريخ(١٠٢) إلَّا وذكر أصل وقوعها وشيئاً منها.
فلو ادُّعي، وقيل: إنَّه يجوز جعل الإمامة لمن كان من الأنصار باعتبار أنَّ الخلاف
قد وقع وسبق، ولعلَّ في أطراف الأرض مَنْ يقول به، وعلى هذا الأساس لا ينعقد إجماع
الأُمَّة على مَنْ نصَّبوهم بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدعوى
الإجماع عليهم.
-----------------
(١٠٢) قال الطبري في تاريخه (ج ٢/ ص ٤٤٣): (... فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرَّاح، فقال: ما هذا؟ فقالوا: منَّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منَّا الأُمراء ومنكم الوزراء، ثمّ قال أبو بكر: إنِّي قد رضيت لكم أحد الرجلين عمر أو أبا عبيدة...).
فما يكون من جواب يُجيبون به عن كيفيَّة انعقاد
الإجماع مع احتمال وجود أشخاص يحتمل أنَّهم خرجوا عن الإجماع، فهو جوابنا بعينه على
عدم انقراض الكيسانيَّة.
الإجماع الدخولي، بيانه وردُّ ما يُقال من عدم
إمكان معرفة دخول الإمام (عليه السلام) فيه:
فإنْ قيل: إنَّ الإجماع عندكم أيُّها الإماميَّة قائم على أساس دخول الإمام في
المجمِعين بأيِّ نحوٍ من أنحاء الدخول، فإنَّ الاتِّفاق والإجماع من قِبَل علماءكم
لا يكون حجَّةً إلَّا إذا كان الإمام المعصوم من ضمن المجمِعين وفرداً من أفراد
الإجماع.
وهنا قد يُقال: من أين لكم أنْ تعلموا دخول الإمام في الإجماع؟
ألَا يُحتمَل أنْ يكون قول الإمام (عليه السلام) منفرداً عن قول المجمِعين، ولا
يكتسب الإجماع - على هذا الأساس وبعد احتمال انفراد الإمام (عليه السلام) -
الحجّيَّة.
قلنا في مقام الجواب: لا شكَّ في كون الإمام (عليه السلام) من علماء الأُمَّة، ولا
شكَّ في كون قوله موجوداً من بين أقوالهم إذا لم يتبيَّن لنا وجود مخالف مجهول
النَّسَب، فإنَّ الاحتمالات في مثل هكذا إجماع هي:
أ - أنْ لا يوجد خلاف من بين المجمِعين في المسألة، وهي الصورة الأوضح في تحقُّق
الإجماع وحجّيَّته.
ب - أنْ يوجد الخلاف من واحد أو أكثر من العلماء، ويكون المخالف معروف النَّسَب،
وهذا لا يضرُّ بالإجماع بعد معرفة نسبه.
ج - أنْ يكون المخالف مجهول النَّسَب، وهنا تأتي فكرة الإجماع
الدخولي(١٠٣)، فمع وجود المخالف ومجهوليَّة
النَّسَب يأتي وجه كون هذا المخالف للإجماع هو الإمام (عليه السلام).
وفي محلِّ بحثنا من وجود قائل يتمذهب بمذهب الكيسانيَّة أو الواقفة لم نجد مخالفاً
لإجماع الأُمَّة في انقراضهم وهو من مجهولي النَّسَب، ومَنْ قال بالخلاف - واحد أو
اثنان - فإنَّا نعلم منشأه ومولده، فلا نقيم وزناً لقوله، فتسقط هذه الشبهة،
ويتبيَّن ضعفها.
ردُّ قول الناووسيَّة:
الناووسيَّة فِرقة من الفِرَق التي أظهرت الوقف وقالت بحياة الإمام الصادق (عليه
السلام)، وهي الفرقة التي قالت: إنَّه حيٌّ لم يمُت ولا يموت حتَّى يظهر ويلي أمر
الناس، وإنَّه هو المهدي (عليه السلام).
وهذه الفِرقة سيأتي ردُّ مقولتها مفصَّلاً في بحث الكلام عن الواقفة، إلَّا أنَّنا
نقول إجمالاً وتماشياً مع عبارته (قدّس سرّه): إنَّ كلام هذه الفِرقة واضح البطلان،
لأنَّنا نعلم بموت الإمام الصادق (عليه السلام)، كما نعلم بموت أبيه وجدِّه (عليهما
السلام)، وكما نعلم بحادثة مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وموت النبيِّ (صلّى
الله عليه وآله وسلّم).
فلو جاز القول بحياته لجاز القول بحياة آبائه الطاهرين (عليهم السلام)، إذ لا تفصيل
بين القول بحياته وبين عدم القول بحياة آبائه الطاهرين (عليهم السلام)، والمصير
-----------------
(١٠٣) قُسِمَ الإجماع إلى عدَّة تقسيمات من جهة اختلاف المباني في كشفه عن متعلَّقه، وذُكِرَت له العديد من الأنواع والأصناف، منها الإجماع الدخولي: وهو الذي يكتسب الحجّيَّة إذا أحرزنا دخول المعصوم (عليه السلام) في المجمِعين من دون أنْ نعرف شخصه ونُميِّزه بأنَّه الإمام من بين المجمِعين، وإلَّا يكون رأي الإمام هو الدليل وليس الإجماع، وقد وقع خلاف في حجّيَّته، وبُحِثَ مفصَّلاً في علم الأُصول في بحث الحُجَج في حجّيَّة الإجماع.
إلى مثل هكذا قول ينتهي بنا إلى قول الغلاة
والمفوِّضة(١٠٤)، بل إنَّه ينتهي بنا إلى السفسطة، وسيأتي الكلام مفصَّلاً على هذه
الفِرقة والتي سبقتها أيضاً عند الكلام على الواقفة.
تطبيق العبارة:
لا زال الكلام في دفع جملة ممَّا يُثار حول الكيسانيَّة وردّهم بلسان (فإنْ قيل:
كيف) يحصل ما (يُعلَم) به (انقراضهم) أي الكيسانيَّة؟ (وهلَّا) احتُمِلَ و(جاز أنْ
يكون في بعض البلاد البعيدة وجزائر البحر وأطراف الأرض) وجود (أقوام يقولون بهذا
القول) أي إمامة ابن الحنفيَّة، (كما يجوز أنْ يكون) أيضاً (في أطراف الأرض من يقول
بمذهب الحسن) البصري (في أنَّ مرتكب الكبيرة منافق؟)، وعليه (فلا يمكن ادِّعاء
انقراض هذه الفرقة) أي الكيسانيَّة، لاحتمال وجود واحدٍ منهم في بعض البلدان،
(وإنَّما كان يمكن) ادِّعاء (العلم بذلك) أي خلوِّ الأرض منهم وبالتالي انقراضهم في
حالة (لو كان المسلمون فيهم) أي المسلمين (قلَّة) وعدداً محدوداً (والعلماء
محصورين، فأمَّا وقد انتشر الإسلام وكثر العلماء، فمن أين يُعلَم ذلك؟) أي
انقراضهم.
(قلنا) في مقام الجواب: (هذا يُؤدِّي إلى أنْ لا يمكن العلم بإجماع الأُمَّة) لا
(على قول) من الأقوال (ولا) على (مذهب) من المذاهب، وذلك (بأنْ يقال: لعلَّ في
أطراف الأرض مَنْ يخالف ذلك) القول، (ويلزم أنْ يجوز أنْ يكون في أطراف الأرض من
يقول) بمقولة: (إنَّ البَرَد لا يُنقِض الصوم، وإنَّه يجوز) أنْ يقول: (للصائم أنْ
يأكل إلى طلوع الشمس)، وذلك (لأنَّ الأوَّل كان مذهب أبي طلحة
-----------------
(١٠٤) من المصطلحات الكلاميَّة، وتترتَّب عليه آثار عديدة في الحديث والرجال والفقه وغير ذلك، وقد تعرَّضنا لهذين المصطلحين وغيرهما ممَّا يزيد على خمسين مصطلحاً في الدروس الاستدلاليَّة في علم الكلام، في الدرس (٥٥) وما بعده.
الأنصاري، والثاني مذهب حذيفة والأعمش، وكذلك مسائل
كثيرة من الفقه كان) الخلاف و(الخلف فيها واقعاً) وحاصلاً (بين الصحابة والتابعين،
ثمّ زال) الخلاف و(الخلف فيما بعد، و) حصل أن (اجتمع أهل الأعصار على خلافه) أي
الخلف، (فينبغي أنْ يُشَكَّ في ذلك) أي الاتِّفاق، (ولا نثق بالإجماع على مسألة
سبق) وحصل (الخلاف فيها، وهذا طعن) من طعون (مَنْ يقول: إنَّ الإجماع لا يمكن
معرفته، ولا) تحصيله، ولا يمكن (التوصُّل إليه، والكلام في ذلك لا يختصُّ) بـ(هذه
المسألة، فلا وجه لإيراده) أي الإشكال (هنا) وتخصيصه بالمسألة فقط.
(ثمّ إنَّا) نورد نقضاً بما (نعلم أنَّ الأنصار طلبت الإمرة) في سقيفة بني ساعدة،
(ودفعهم المهاجرون عنها) أي الإمرة، (ثمّ رجعت الأنصار إلى قول المهاجرين)، هذا
كلُّه (على قول المخالف، فلو أنَّ قائلاً قال: يجوز عقد الإمامة لمن كان من
الأنصار، لأنَّ الخلاف سبق فيه) في عقد الإمامة حيث قالت الأنصار: إنَّ الإمامة
فيهم، (ولعلَّـ)ـه يُوجَد (في أطراف الأرض مَنْ يقول به، فما كان) للمعترضين أنْ
(يكون جوابهم فيه؟) أي في هذا النقض عليهم من وجود مخالف في قضيَّة السقيفة، وعليه
(فأيُّ شيء قالوه) في الجواب عن انعقاد الإجماع مع احتمال وجود مخالف في السقيفة
واحتمال أنْ يكون في بلد من البلدان إلى الآن، (فهو) أي جوابهم على المخالف وعدم
القدح في وجود الإجماع هو (جوابنا بعينه، فلا نُطوِّل بذكره.
فإنْ قيل) من قِبَل المستشكِل على انقراض الكيسانيَّة: (إذا كان الإجماع عندكم
إنَّما يكون حجَّةً بكون المعصوم فيه) أي داخلاً مع المجمِعين، وهو المعروف عند
الشيعة بالإجماع الدخولي، (فمن أين تعلمون دخول قوله) أي الإمام المعصوم (عليه
السلام) (في جملة أقوال الأُمَّة؟ وهلَّا جاز أنْ يكون قوله) أي المعصوم (عليه
السلام) (منفرداً عنهم) أي عن المجمِعين، (فلا تثقون بالإجماع؟).
وفي مقام الجواب (قلنا: المعصوم إذا كان من جملة
علماء الأُمَّة فلا بدَّ من أنْ يكون قوله موجوداً في جملة أقوال العلماء، لأنَّه)
لو لم يكن موجوداً لكان له قول منفرد، و(لا يجوز أنْ يكون) القول (منفرداً) يخالف
قول إجماع العلماء، بعد فرض كونه مطابقاً للواقع، ويكون (مظهراً) للخلاف لهذا
القول، و(للكفر(١٠٥)) به وتغطيته، (فإنَّ ذلك) أي مخالفة إجماع علماء الأُمَّة مع
فرض كون قولهم مطابقاً للواقع (لا يجوز عليه) أي على الإمام (عليه السلام)، (فإذاً
لا بدَّ [من] أنْ يكون قوله) أي قول الإمام (عليه السلام) هو (في جملة الأقوال)
الداخلة في الإجماع (وإنْ شككنا في أنَّه) قول (الإمام).
وعليه (فإذا اعتبرنا أقوال الأُمَّة ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه) أي الإجماع،
(فإنْ كنَّا نعرفه) أي المخالف (ونعرف مولده ومنشأه لم نعتد بقوله)، وذلك (لعلمنا
أنَّه ليس بإمام، و) أمَّا (إنْ شككنا في نَسَبه) أي نَسَب المخالف (لم تكن المسألة
إجماعاً.
فعلى هذا) أي عدم تأثير وجود القول بالكيسانيَّة في التأثير في الإجماع فـ(أقوال
العلماء من الأُمَّة اعتبرناها) وتابعناها، (فلم نجد فيهم قائلاً بهذا المذهب الذي
هو مذهب الكيسانيَّة أو الواقفة)، ومع عدم الوجود نقول بالانقراض حتَّى (وإنْ وجدنا
فرضاً واحداً أو اثنين فإنَّا نعلم) بأنَّ هذا المخالف هو معلوم (منشأه ومولده)،
فإذا كان معلوماً (فلا يُعتَد بقوله، و) عليه (اعتبرنا أقوال الباقين الذين نقطع
على كون المعصوم فيهم، فسقطت هذه الشبهة على هذا التحرير، وبان وهنها.
-----------------
(١٠٥) المراد من الكفر هنا ليس معناه الاصطلاحي، وإنَّما ما له من المعنى اللغوي، وهو التغطية على الشيء والانحياز عنه، وبعبارة أُخرى إبداء المخالفة، وإذا كان العلماء على صواب واقعاً فلا وجه لإبداء المخالفة، وبذلك يُستكشَف من عدم وجود المخالف رضا الإمام (عليه السلام) ودخوله في ضمن الأقوال، وإنْ كان من المناسب عدم التعبير في مقام الإمام (عليه السلام) بهكذا عبارات.
فأمَّا القائلون بإمامة جعفر بن محمّد (عليه السلام)
من الناووسيَّة، وأنَّه حيٌّ لم يمت، وأنَّه المهدي، فالكلام عليهم ظاهر) ومنكشف
لنا بطلان قولهم، (لأنَّا نعلم موت جعفر بن محمّد (عليه السلام) كما نعلم موت أبيه
وجدِّه (عليهما السلام)، وقتل عليٍّ (عليه السلام)، وموت النبيِّ (صلّى الله عليه
وآله وسلّم)، فلو جاز الخلاف فيه) في موت الإمام الصادق (عليه السلام) (لجاز الخلاف
في جميع ذلك) أي في موت آبائه (عليهم السلام)، (ويُؤدِّي) هذا الخلاف في موت آبائه
(عليهم السلام) (إلى قول الغلاة والمفوِّضة الذين جحدوا قتل عليٍّ والحسين (عليهما
السلام)، وذلك سفسطة.
وسنُشبِع الكلام في ذلك عند الكلام على الواقفة والناووسيَّة إنْ شاء الله تعالى).
* * *
إعادة وبيان لمعنى الوقف، وشروع في الدليل
الأوَّل لردِّ الواقفة، دليل عدم التفصيل:
والبحث فيها في فرعين:
أ - الوقف: معناه عدم الاستمرار بالاعتقاد بالإمام اللَّاحق من أئمَّة أهل البيت
(عليهم السلام)، والوقوف على مَنْ سبق، وجاء في كلمات النوبختي (رحمه الله) في
(فِرَق الشيعة): (فلمَّا قُتِلَ عليٌّ (عليه السلام) افترقت التي ثبتت على إمامته
وأنَّها فرض من الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله (عليه السلام)، فصاروا فِرَقاً ثلاثة:
فرقة منهم قالت: إنَّ عليًّا لم يُقتَل ولم يمُت ولا يُقتَل ولا يموت حتَّى يسوق
العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وهي أوَّل فرقة
قالت في الإسلام بالوقف بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من هذه
الأُمَّة)(١٠٧)، يقصد بهم مَنْ وقف على الإمام عليٍّ (عليه السلام).
وجاء أيضاً في كلمات الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في معرض ردِّه على الإسماعيليَّة في
كتابه (كمال الدِّين) حيث قال: (فإنْ وقف واقف على بعضهم سألناه الفصل بينه وبين
مَنْ وقف على سائرهم)(١٠٨).
ب - الدليل الأوَّل لشيخ الطائفة (قدّس سرّه) في ردِّ مقولة الواقفة: دليل عدم
التفصيل:
-----------------
(١٠٦) (١٤/ ربيع الأوَّل/ ١٤٤٥هـ).
(١٠٧) فِرَق الشيعة (ص ٢١ و٢٢).
(١٠٨) كمال الدِّين (ص ١٠٥).
بيان الدليل:
إنَّ موت الإمام الكاظم (عليه السلام) من القضايا المشتهرة الذائعة الصيت عند
المخالف والمؤالف، فهي قضيَّة ظهرت للعيان كظهور موت أبيه وجدِّه ومَنْ تقدَّم من
آبائه الطاهرين (عليهم السلام)، فإنَّ موتهم (عليهم السلام) كان مشهوراً معلوماً
عند الخاصِّ والعامِّ إلى الحدِّ الذي لا يمكن إخفاؤه ولو بتدخُّل الدولة أو غيرها،
فمثل هكذا شخصيَّات قد اشتهر حضورها بين الناس ولا تستقيم مع هذا الحضور والاشتهار
دعوى إخفاء موتهم.
على أنَّه لو شُكِّك من قِبَل الواقفة في حادثة موته (عليه السلام) فإنَّ هذا
التشكيك سيسري إلى حوادث موت آبائه (عليهم السلام)، وسيستلزم سريان هذا الأمر بطلان
مذهب الواقفة.
وبكلمة واحدة: لا يوجد في البين تفصيل بين موت مَنْ سبق من الأئمَّة (عليهم السلام)
وموت الإمام الكاظم (عليه السلام)، فإمَّا أنْ نقول بموتهم جميعاً أو ببقائهم
جميعاً، وعلى الحالين لا ينفع الواقفة.
عدم الخلاف في موته (عليه السلام)، وقاعدة
الاشتهار في إثبات موت من مات:
يستدلُّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بهذا الدليل على إبطال مقولة الواقفة بأنَّ موت
الإمام الكاظم (عليه السلام) اشتهر شهرة فاقت شهرة موت آبائه الطاهرين (عليهم
السلام) حيث أُحضِرَ جسده الطاهر أمام مرأى الجمهور وحضر القضاة والشهود وكُشِفَ عن
وجهه الشريف ونُودي على جنازته على الجسر ببغداد، ومن هكذا حاله في الموت لا يمكن
أنْ يقع الخلاف فيه.
ويمكن لنا أنْ نصوغ هذا الكلام بقاعدة عرفيَّة مفادها: أنَّ اشتهار موت
إنسان ما بين أتباعه وغيرهم ينفي ويمنع وقوع الخلاف في موته، فالشهرة هنا تكشف عن
تحقُّق الدعوى، وهي قضيَّة معروفة، والوجدان يشهد بها.
الدليل الثالث: الأخبار:
وهي عديدة، وسنبحث كلَّ رواية رواية في عدَّة جهات مرتَّبة بحسب ما ذكره الشيخ
(قدّس سرّه)، وبحسب الترقيم الذي اعتمده محقِّقا النسخة التي اعتمدناها لتطبيق
العبارة رغم تحفُّظنا على الترقيم المذكور إلَّا أنَّنا سنعتمده كي تنضبط المطالب
بحسب هذا الترقيم.
وهي دالَّة بوضوح على موته (عليه السلام).
* * *
رواية: وكشف عن وجه مولاي حتَّى رأيته وعرفته:
الحديث (٢)(١٠٩):
فَرَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، قَالَ: حَضَرَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ
عَلِيٍّ اَلرَّوَّاسِيُّ جِنَازَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، فَلَمَّا
وُضِعَ عَلَى شَفِيرِ اَلْقَبْرِ، إِذَا رَسُولٌ مِنْ سِنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ قَدْ
أَتَى أَبَا اَلمَضَا خَلِيفَتَهُ - وَكَانَ مَعَ اَلْجِنَازَةِ - أَنِ اِكْشِفْ
وَجْهَهُ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ تَدْفِنَهُ حَتَّى يَرَوْهُ صَحِيحاً لَمْ يَحْدُثْ
بِهِ حَدَثٌ.
قَالَ: وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ مَوْلَايَ حَتَّى رَأَيْتُهُ وَعَرَفْتُهُ، ثُمَّ
غُطِّي وَجْهُهُ وَأُدْخِلَ قَبْرَهُ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ).
-----------------
(١٠٩) فقد روى شيخ الطائفة (قدّس سرّه) عدَّة أخبار
عبَّر عنها بأنَّها أكثر من أنْ تُحصى على ما يأتي في ذيل الخبر الرابع والعشرين
حيث قال ما نصُّه: (والأخبار في هذا المعنى أكثر من أنْ تُحصى)، ومجموع ما رواه
(٢٣) رواية.
والرواية الأُولى من هذه الروايات هي رواية يونس بن عبد الرحمن التي تحدَّثت عن كشف
وجه الإمام الكاظم (عليه السلام) أمام الناس عندما وُضِعَ على شفير قبره الطاهر.
تخريج الحديث:
تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة (قدّس
سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - يونس بن عبد الرحمن(١١٠): طبقته في الحديث السادسة، قال النجاشي (رحمه الله):
(يونس بن عبد الرحمن، مولى عليِّ بن يقطين بن موسى، مولى بني أسد، أبو محمّد، كان
وجهاً في أصحابنا متقدِّماً، عظيم المنزلة)(١١١).
ووجوه توثيقه عديدة، منها(١١٢): النصُّ على توثيقه، بل من أصحاب الإجماع، وله
الكثير من الأُصول والمصنَّفات، بل قيل بالتسالم على وثاقته، وقال عنه ابن الوليد
(رحمه الله): (كُتُب يونس بن عبد الرحمن... كلُّها صحيحة يُعتمَد عليها إلَّا ما
ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد)(١١٣)، وغير ذلك من الوجوه الكثيرة.
٢ - الحسين بن عليٍّ الرواسي طبقته في الحديث السابعة: روى عنه يونس ابن عبد الرحمن
وهو من أصحاب الإجماع، وحيث نقل عن الحسين فيمكن
-----------------
(١١٠) يونس بن عبد الرحمن، وُلِدَ في أيَّام هشام بن
عبد المَلِك، من أصحاب الإجماع، رأى الصادق (عليه السلام) ولم يروِ عنه، وروى عن
الكاظم والرضا (عليهما السلام)، وروي عن الرضا (عليه السلام) أنَّه سلمان في زمانه،
وكان ممَّن بُذِلَ له على الوقف مال جزيل فامتنع من أخذه وثبت على الحقِّ، تُوفِّي
بالمدينة المنوَّرة.
(١١١) رجال النجاشي (ص ٤٤٦/ الرقم ١٢٠٨).
(١١٢) ما نذكره من وجوه توثيق الرجال الأسانيد هو ما عثرنا عليه ممَّا يمكن عدُّه
وجهاً من وجوه التوثيق أو الحُسن في كلماتهم، وليس بالضرورة ذكر تلك الوجوه من
التبنِّي والبناء عليها.
كما وأنَّ ذكر الطبقة كان بحسب نظام المشهور من الحساب، لاختلاف طُرُقهم في طريقة
حسابها، وقد ذُكِرَت العديد من الأقوال في علم الطبقات حول كيفيَّة عدِّ الطبقة
ومبدأ ذلك.
(١١٣) الفهرست (ص ٢٦٦/ الرقم ٨١٣/١).
الاعتماد عليه، فمن جهة تصحيح الأصحاب لِما يُنقَل
عن هؤلاء يمكن لنا أنْ نعتمد الرواية سواء وثَّقنا الرجل أو لم نُوثِّقه باعتبار
وجود يونس في الرواية.
إنْ قلتَ: وما يُدرينا أنَّ الرواية التي رواها الشيخ (قدّس سرّه) في (الغيبة) قد
وصلت إليه بأحد الطُّرُق المقيَّدة.
قلتُ: إنَّ قوله (قدّس سرّه): (أخبرنا بجميع كُتُبه ورواياته) التي يُصدِّر بها
الشيخ طُرُقه إلى الكُتُب، دالٌّ على العموم والاستغراق لجميع روايات يونس التي
يرويها الشيخ (قدّس سرّه) في جميع كُتُبه، ومنها رواية يونس عن الرواسي.
تطبيق العبارة:
(الكلام على الواقفة:
وأمَّا الذي يدلُّ على فساد مذهب الواقفة)، وهم الذين لم يستمرّ اعتقادهم بالإمام
اللَّاحق من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) على ما تقدَّم بيانه، ومنهم (الذين
وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وقالوا: إنَّه) أي الإمام الكاظم
(عليه السلام) هو (المهدي).
وجوه إبطال قول الواقفة:
(فقولهم) بمهدويَّة وغيبة الإمام الكاظم (عليه السلام) قول (باطل)، وأدلَّة بطلانه:
الأوَّل: (بما ظهر من موته (عليه السلام)، واشتهر واستفاض، كما اشتهر موت أبيه
وجدِّه ومَنْ تقدَّم من آبائه (عليهم السلام)).
(و) لا وجه للتشكيك في حادثة موته (عليه السلام)، إذ (لو شككنا) فيها فـ(ـلم)
نتميَّز و(ننفصل من الناووسيَّة والكيسانيَّة والغلاة والمفوِّضة الذين خالفوا في
موت مَنْ تقدَّم من آبائه (عليهم السلام)).
الثاني: (على أنَّ موته اشتهر) بـ(ـما لم يشتهر) به
(موت أحد من آبائه (عليهم السلام))، ووجه اشتهاره (لأنَّه) أي الإمام الكاظم (عليه
السلام) (أُظهِر) بعد موته وأُبرزت جثَّته الطاهرة أمام الناس، (وأُحِضَر) جسده
الطاهر (والقضاة والشهود) حضور، (ونودي عليه ببغداد على الجسر، وقيل: هذا الذي تزعم
الرافضة أنَّه حيٌّ لا يموت مات حتف أنفه)(١١٤)، نقول: (وما جرى) ووقع على (هذا
المجرى) والحال (لا يمكن الخلاف فيه).
الثالث: (٢ - فَرَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، قَالَ: حَضَرَ اَلحُسَيْنُ
بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّوَّاسِيُّ جِنَازَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)،
فَلَمَّا وُضِعَ عَلَى شَفِيرِ(١١٥) اَلقَبْرِ، إِذَا رَسُولٌ مِنْ سِنْدِيِّ بْنِ
شَاهَكَ قَدْ أَتَى أَبَا اَلمَضَا(١١٦))، وهو (خَلِيفَتَهُ) أي خليفة السندي بن
شاهك الذي أرسله (- وَكَانَ مَعَ اَلجِنَازَةِ -)، فجاء هذا الرسول من سندي بن شاهك
وأمر أبا المضا (أَنْ) يقوم بكشف وجه الإمام (عليه السلام) للناس، فقال هذا
الرسول لأبي المضا: (اِكْشِفْ وَجْهَهُ) أي اكشف
وجه الإمام الكاظم (عليه السلام) (لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ تَدْفِنَهُ حَتَّى
يَرَوْهُ) أي يرون الإمام الكاظم (عليه السلام) (صَحِيحاً) ولم يُقتَل و(لَمْ
يَحْدُثْ بِهِ حَدَثٌ).
وقد امتثل أبو المضا قول رسول السندي، لذلك (قَالَ) أي الحسين بن عليٍّ الرواسيُّ
وهو راوي الخبر: (وَكَشَفَ) أبو المضا (عَنْ وَجْهِ مَوْلَايَ حَتَّى رَأَيْتُهُ
وَعَرَفْتُهُ، ثُمَّ غُطِّي وَجْهُهُ وَأُدْخِلَ قَبْرَهُ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ).
* * *
-----------------
(١١٤) يظهر من سياق العبارة: (الذي تزعم الرافضة
أنَّه حيٌّ لا يموت مات حتف أنفه) أنَّ الواقفة تداولوا هذه العبارة وروَّجوا لها
قبيل موت الإمام (عليه السلام) حتَّى صارت متداولة على ألسن الجند ورعيَّة الدولة.
وقد كان تدوين هذه الفقرة في يوم شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام) المصادف لـ
(٢٥/ رجب/ ١٤٤٤هـ)، وقبل إلقائها في المباحثة بفترة زمنيَّة طويلة.
(١١٥) في العين (ج ٦/ ص ٢٥٣/ مادَّة شفر): (شفير الوادي حرفه)، ويقصدون به حافَّته.
(١١٦) لم نعثر على ترجمة لأبي المضا إلَّا ما ورد في معجم رجال الحديث (ج ٢٣/ ص ٥٩
و٦٠/ الرقم ١٤٨٥٣): (أبو المضا: رجل من أهل الرقَّة يُقال له: أبو مضا، روى عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، وروى عنه صالح بن السندي الجمَّال، كامل الزيارات: الباب
(٤٧)، فيما يُكرَه اتِّخاذه لزيارة الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)، الحديث ٢،
ورواها الشيخ في التهذيب: الجزء ٦، باب حدِّ حرم الحسين (عليه السلام)، الحديث ١٥٢،
إلَّا أنَّ فيه: أبو مضا، قال: قال لي رجل: قال أبو عبد الله (عليه السلام)، ورواها
الصدوق في ثواب الأعمال مثل ما في التهذيب، وهو الموافق لما في الوافي، وفي
الوسائل: رجل من أهل الكوفة يقال له: أبو المضاعف، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه
السلام)).
رواية: مات كما يموت الناس:
الحديث (٣): (وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ اَلْعُبَيْدِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَتْنِي رَحِيمُ أُمُّ وَلَدِ اَلحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ -
وَكَانَتِ اِمْرَأَةً حُرَّةً فَاضِلَةً قَدْ حَجَّتْ نَيِّفاً وَعِشْرِينَ حِجَّةً
-، عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي اَلحَسَنِ (عليه السلام) - وَكَانَ) أي سعيد
(يَخْدُمُهُ) أي يخدم الإمام الكاظم (عليه السلام) (فِي اَلحَبْسِ، وَيَخْتَلِفُ)
أي يتردَّد إلى الإمام (عليه السلام) (فِي حَوَائِجِهِ -، أَنَّهُ) أي سعيد
(حَضَرَهُ) أي الإمام الكاظم (عليه السلام) (حِينَ مَاتَ كَمَا يَمُوتُ اَلنَّاسُ
مِنْ قُوَّةٍ إِلَى ضَعْفٍ) أي إنَّ هذا إشارة إلى ظهور علامات الموت عليه (إِلَى
أَنْ قَضَى (عليه السلام)).
توثيق رجال طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى العبيدي، وسيأتي بعد الحديث (١٠٠) بحسب
الترقيم المتبع في النسخة المعتمدة.
تخريج الحديث:
وقد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين: طبقته في الحديث السابعة، وجوه توثيقه عديدة،
منها: جليل في أصحابنا، وثَّقه الشيخ النجاشي (رحمه الله) صريحاً، وضعَّفه الشيخ
الطوسي (قدّس سرّه)، من الأعيان، كثير الرواية، حسن التصانيف.
-----------------
(١١٧) (١٢/ ربيع الأوَّل/ ١٤٤٥هـ).
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (إنَّك عرفت من النجاشي وثاقة الرجل، بل هو ممَّن
تسالم أصحابنا على وثاقته وجلالته...، هذا ولا يعارض ذلك تضعيف الشيخ إيَّاه في غير
مورد...، والوجه في ذلك أنَّ تضعيف الشيخ كما هو صريح كلامه هنا وفي فهرسته، مبنيٌّ
على استثناء الصدوق وابن الوليد إيَّاه من جملة الرجال الذين روى عنهم صاحب نوادر
الحكمة، والذي ظهر لنا من كلامهما، أنَّهما لم يناقشا في محمّد بن عيسى بن عبيد
نفسه، فإنَّما ناقشا في قسمين من رواياته...، والمتحصِّل: أنَّ ابن الوليد،
والصدوق، لم يُضعِّفا محمّد بن عيسى نفسه، ولم يناقشا فيه)(١١٨).
٢ - رحيم أُمُّ ولد الحسين بن عليِّ بن يقطين: جاء في هامش النسخة المعتمدة: (في
نسخة (ف): رحيمة).
ولم يظهر من خلال التتبُّع أنَّها من زوجات الإمام الرضا (عليه السلام)، على أنَّ
هناك تعدُّداً، فقد ذُكِرَ أنَّ رحيم ورحيمة شخصيَّتان، وهما من جواري عليِّ بن
يقطين، وقيل: إنَّ رحيم كانت امرأة فاضلة(١١٩).
وبذلك يظهر أنَّ رحيم أو رحيمة لم يرد لها ذكر في كُتُب الرجال، فهي مهملة، هذا كله
لو لم نأخذ بكلام ابن عبيد في حقها ووصفه لها بالفاضلة.
٣ - الوليد بن سعد (سعيد): طبقته في الحديث السادسة، لم يُعثَر على توثيق له، فهو
مجهول.
النتيجة: أمَّا من جهة رجال السند ففيهم المجاهيل على ما عرفت، وأمَّا من جهة
مضمونه فيمكن الأخذ به على ما مرَّ بيان منهج شيخ الطائفة (قدّس سرّه).
* * *
-----------------
(١١٨) معجم رجال الحديث (ج ١٨/ ص ١٢١ و١٢٢/ الرقم
١١٥٣٦).
(١١٩) راجع: خاتمة المستدرك (ج ٤/ هامش ص ١٤٦).
رواية: وإنَّما بقي من أجلي أُسبوع:
الحديث (٤): (وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبَّادٍ اَلمُهَلَّبِيِّ، قَالَ: لَـمَّا حَبَسَ هَارُونُ اَلرَّشِيدُ أَبَا
إِبْرَاهِيمَ مُوسَى (عليه السلام) وَأَظْهَرَ) أي الإمام (عليه السلام)
(اَلدَّلَائِلَ وَاَلمُعْجِزَاتِ وَهُوَ فِي اَلحَبْسِ تَحَيَّرَ اَلرَّشِيدُ) أي
في أمر الإمام (عليه السلام)، وكيف يصنع، (فَدَعَا يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ
اَلْبَرْمَكِيَّ(١٢٠)، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ(١٢١)، أَمَا تَرَى مَا
نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ اَلْعَجَائِبِ) والمعاجز؟ فقال هارون للبرمكي: (أَلَا
تُدَبِّرُ فِي أَمْرِ هَذَا اَلرَّجُلِ) أي الإمام (عليه السلام) (تَدْبِيراً
يُرِيحُنَا مِنْ غَمِّهِ؟ فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْمَكِيُّ:
اَلَّذِي أَرَاهُ لَكَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ أَنْ تَمُنَّنَّ عَلَيْهِ
وَتَصِلَ رَحِمَهُ، فَقَدْ - وَاَلله - أَفْسَدَ عَلَيْنَا قُلُوبَ شِيعَتِنَا.
وَكَانَ يَحْيَى يَتَوَلَّاهُ(١٢٢)) أي يتولَّى الإمام الكاظم (عليه السلام)،
(وَهَارُونُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَقَالَ هَارُونُ: اِنْطَلِقْ إِلَيْهِ،
وَأَطْلِقْ عَنْهُ اَلحَدِيدَ) أي فكَّ عنه قيود الحديد، (وَأَبْلِغْهُ عَنِّي
اَلسَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ اِبْنُ عَمِّكَ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ
مِنِّي فِيكَ يَمِينٌ أَنِّي) أي أنَّ هارون أقسم ألَّا يُخرج الإمام (عليه السلام)
من السجن، وقال له: (لَا أُخلِيكَ) يا ابن عمِّي (حَتَّى تُقِرَّ لِي
بِالْإِسَاءَةِ، وَتَسْأَلَنِي اَلْعَفْوَ عَمَّا سَلَفَ مِنْكَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ
فِي إِقْرَارِكَ عَارٌ، وَلَا فِي مَسْأَلَتِكَ إِيَّايَ مَنْقَصَةٌ، وَهَذَا
يَحْيَى بْنُ
-----------------
(١٢٠) ابن برمك الوزير الكبير، أبو عليٍّ الفارسي،
ضمَّه المهدي إلى ابنه الرشيد، وكان الرشيد يخاطبه: يا أبي، وردَّ إليه مقاليد
الوزارة، وصيَّر أولاده ملوكاً، وبالغ في تعظيمهم إلى الغاية مدَّة، إلى أنْ قتل
ولده جعفر بن يحيى، فسجنه، وذهبت دولة البرامكة، مات يحيى بن خالد في سجن الرقَّة
سنة تسعين ومائة، وله سبعون سنة، سمَّ مولانا الكاظم (عليه السلام) بأمر هارون.
(١٢١) لم نجد فيما تتبَّعنا أنَّ ليحيى بن خالد البرمكي كنيةً أو لقباً بأبي عليٍّ،
واحتمال تصحيفه فيه تردد لتكرُّره في هذه الرواية ثلاث مرَّات.
(١٢٢) ظاهر الخبر وصف يحيى بأنَّه من موالي الإمام، إلَّا أنَّ تأريخ الرجل يكشف
غير ذلك، فتكون الموالاة الواردة في النصِّ هي الموالاة بالمعنى الأعمّ من التودُّد
والعطف والمحبَّة بانتسابه لرسول الله (صلّى الله عليه وآله).
خَالِدٍ هُوَ ثِقَتِي وَوَزِيرِي وَصَاحِبُ
أَمْرِي، فَسَلْهُ) أي أجبه بما يكون فيه رفع يميني عنِّي، و(بِقَدْرِ مَا أَخْرُجُ
مِنْ يَمِينِي، وَ) ثمّ (اِنْصَرِفْ رَاشِداً).
وهنا انتهى الحديث الرابع بحسب الترقيم المتداول في النسخة المعتمدة وغيرها، إلَّا
أنَّ الظاهر أنَّ هذا الحديث متَّصل بالحديث الآتي برقم (٥)، فنحن ندمجهما معاً
ونحافظ على الترقيم المتداول.
الحديث (٥): (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: فَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ يَحْيَى
بْنِ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لِيَحْيَى: «يَا أَبَا
عَلِيٍّ، أَنَا مَيِّتٌ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أُسْبُوعٌ) فالإمام (عليه
السلام) لم يجب هارون في طلبه العفو والإقرار، وإنَّما بمعجزة ستقع بعد أُسبوع،
وأمره بكتمان هذا الأمر، حيث قال (عليه السلام) له: (اُكْتُمْ مَوْتِي وَاِئْتِنِي
يَوْمَ اَلجُمُعَةِ عِنْدَ اَلزَّوَالِ، وَصَلِّ عَلَيَّ أَنْتَ وَأَوْلِيَائِي
فُرَادَى)، وقول الإمام (عليه السلام) ليحيى بأنَّ الصلاة تكون فرادى إشارة إلى ما
نعتقده من أنَّ الذي يُصلِّي على الإمام (عليه السلام) هو الإمام، على ما يأتي في
عدَّة موارد من شرح هذا الكتاب، (وَاُنْظُرْ إِذَا سَارَ هَذَا اَلطَّاغِيَةُ) أي
هارون (إِلَى اَلرَّقَّةِ، وَعَادَ إِلَى اَلعِرَاقِ) أنْ (لَا يَرَاكَ وَلَا
تَرَاهُ) أي لا تريه (لِنَفْسِكَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي نَجْمِكَ وَنَجْمِ
وُلْدِكَ وَنَجْمِهِ أَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ، فَاحْذَرُوهُ»)، وقوله (عليه
السلام): «رَأَيْتُ فِي نَجْمِكَ» ليس هذا قراءة للطالع وكشف الأمر بالنجوم،
وإنَّما هو من علم الغيب الذي أُودِع عندهم (عليهم السلام)، وسيأتي من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) ذكر عدد من الروايات تتحدَّث عن علومهم الغيبيَّة.
(ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا عَلِيٍّ، أَبْلِغْهُ عَنِّي: يَقُولُ لَكَ مُوسَى بْنُ
جَعْفَرٍ: رَسُولِي يَأْتِيكَ يَوْمَ اَلجُمُعَةِ فَيُخْبِرُكَ بِمَا تَرَى)، أي
إنَّ الإمام (عليه السلام) يُرسِل له مَنْ يُخبره بما يُدبِّر للإمام (عليه السلام)
من أمر قتله، وهذه معجزة من معاجزه (عليه السلام)، وأنَّه يعلم بما سيقع له
ويُسلِّم أمره لله تعالى، على ما يأتي بيانه في معنى علم الإمام (عليه السلام)، ثمّ
قال له: (وَسَتَعْلَمُ غَداً إِذَا جَاثَيْتُكَ) أي وقفت أنا وأنت بالخصومة (بَيْنَ
يَدَيِ اَلله
مَنِ اَلظَّالِمُ وَاَلمُعْتَدِي عَلَى صَاحِبِهِ،
وَاَلسَّلَامُ»)، وقد استعار (عليه السلام) هذا المعنى من قول أمير المؤمنين (عليه
السلام) الذي عبَّر عنه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بما نصُّه: وقد روي من طُرُق كثيرة
أنَّه (عليه السلام) كان يقول: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ اَلله
(عزَّ وجلَّ) يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»(١٢٣).
(فَخَرَجَ يَحْيَى مِنْ عِنْدِهِ، وَاِحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ اَلبُكَاءِ حَتَّى
دَخَلَ عَلَى هَارُونَ فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ
لَهُ هَارُونُ: إِنْ لَمْ يَدَّعِ اَلنُّبُوَّةَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَمَا أَحْسَنَ
حَالَنَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ اَلجُمُعَةِ تُوُفِّيَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه
السلام)، وَقَدْ خَرَجَ هَارُونُ إِلَى اَلمَدَائِنِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأُخْرِجَ) أي
الإمام (عليه السلام) (إِلَى اَلنَّاسِ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ دُفِنَ
(عليه السلام) وَرَجَعَ اَلنَّاسُ، فَافْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ:
مَاتَ، وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَمْ يَمُتْ)، وإنَّه المهدي الغائب، على ما يأتي
تفصيله.
تخريج الحديث (٤ و٥):
وقد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي للحديث (٤ و٥)(١٢٤):
١ - محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن عليٍّ البرقي، أبو عبد الله: طبقته في
الحديث السابعة ويمكن عدُّه من الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: قول النجاشي
(رحمه الله): (وكان أديباً حَسِن المعرفة بالأخبار)(١٢٥)، وقال عنه شيخ الطائفة
(قدّس سرّه): (ثقة)(١٢٦)، ووثَّقه العلَّامة (قدّس سرّه).
-----------------
(١٢٣) تلخيص الشافي (ج ٣/ ص ٤٩)؛ ورواه (رحمه الله)
في أماليه (ص ٨٥/ ح ١٢٨/٣٧).
(١٢٤) توثيق رجال طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى محمّد بن خالد البرقي، وسيأتي بعد
الحديث (١٠٠).
(١٢٥) رجال النجاشي (ص ٣٣٥/ الرقم ٨٩٨).
(١٢٦) رجال الطوسي (ص ٣٦٣/ الرقم ٥٣٩١/٤).
ولكن ورد في حقِّه تضعيف من جماعة، ولأجل ذلك قال
السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (إنَّك قد عرفت من الشيخ توثيق محمّد بن خالد صريحاً،
ولكنَّه مع ذلك قد توقَّف بعضهم في توثيقه، بل تعجَّب بعضهم من ترجيح العلَّامة قول
الشيخ على تضعيف النجاشي مع أنَّه أضبط وأتقن، ولكنَّ الصحيح أنَّ العلَّامة لم
يُرجِّح قول الشيخ على قول النجاشي، وإنَّما ذكر اعتماده على قول الشيخ من تعديله،
لأجل أنَّ كلام النجاشي غير ظاهر في تضعيفه، وإنَّما التضعيف يرجع إلى حديثه، لأجل
أنَّ محمّد بن خالد كان يروي عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل، كما صرَّح به ابن
الغضائري، وحينئذٍ يبقى توثيق الشيخ بلا معارض)(١٢٧).
٢ - محمّد بن عبَّاد المهلَّبي: طبقته في الحديث السابعة، ورد في هامش النسخة
المعتمدة: (في نسخة (ف): (عبَّاد) (غياث خ ل)، وفي الأصل: (غياث)، ولم نجد في كُتُب
الرجال ترجمةً لمحمّد بن غياث المهلَّبي).
فإذا كان اسمه (محمّد بن غياث المهلَّبي)، فقد جاء فيه الآتي:
أ - محمّد بن غياث المهلَّبي: لم يُعثَر على توثيق له، فهو مجهول الحال.
وإذا كان اسمه (محمّد بن عبَّاد المهلَّبي)، فترجمته كالآتي:
ب - محمّد بن عبَّاد بن عبَّاد بن حبيب بن المهلَّب بن أبي صفرة: ولم يرد له ذكر في
كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه بالمهمل. وقيل عنه: (ولم يكن بصيراً
بالحديث)(١٢٨).
نعم يمكن اعتماد مضمونه على ما تقدَّم من منهج شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، فمضمونه
ليس مخالفاً للعقل أو الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع أو غيرها ممَّا ذكره في
منهجه.
-----------------
(١٢٧) معجم رجال الحديث (ج ١٧/ ص ٧٣/ الرقم ١٠٧١٥).
(١٢٨) تاريخ بغداد (ج ٣/ ص ١٧٥/ الرقم ١١٩٧).
النتيجة: أمَّا من جهة رجال السند ففيهم المجاهيل
على ما عرفت، وأمَّا من جهة مضمونه فيمكن الأخذ به على ما مرَّ بيان منهج شيخ
الطائفة (قدّس سرّه).
قاعدة: التعامل مع دعوى تواتر أخبار أهل
الضلال على خلاف الضرورة:
وهي قاعدة ذكرها شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في (تلخيص الشافي)(١٢٩) لها فائدة كبيرة.
ومضمونها: أنَّ الخبر المتواتر قد يحصل ولكنَّه لا يكشف عن الواقع لاعتماده على
مقدَّمات موضوعة كما في جملة من القضايا المتواترة عند الأديان والمذاهب الأُخرى،
ككرامات بعض الأشخاص التي يُدَّعى تواترها، بينما الأدلَّة عندنا على أنَّهم من
ألدِّ أعداء الدِّين، لذلك فإنَّ الشريعة لا تُحفَظ بالتواتر، لاحتمال الخطأ
المتسرِّب فيها من احتمال الخطأ في الأفراد.
* * *
-----------------
(١٢٩) قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في تلخيص الشافي
(ج ١/ ص ١٣٤): (فإنْ قال قائل: ما أنكرتم أنْ تكون الشريعة تصير محفوظة بالتواتر -
وهم الذين ينقطع بنقلهم العذر وتكون الحجَّة قائمة فيما نقلوه - وهؤلاء لا يجوز
عليهم السهو والنسيان، لأنَّ العادة مانعة أنْ يشتمل الخلق العظيم والجمَّ الغفير
السهو، أو يلحقهم النسيان، وإذا لم يكن هذا جائزاً عليهم بطل ما جعلتموه وجهاً
للحاجة إلى الإمام.
قيل له: السهو - وانْ لم يكن جائزاً على الخلق العظيم والجمِّ الغفير - فإنَّما لم
يجُز في حالة واحدة وفي حال اجتماعهم، وليس يمتنع حصول السهو لكلِّ واحدٍ منهم
بانفراده، وفي حال يكون الآخرون فيها ذاكرين، وكذلك يسهو الآخرون حالاً بعد حالٍ،
إلى حدٍ لا ينقطع به العذر، وتنقطع به الحجَّة وينتهي الأمر إلى حافظ لا يجوز عليه
ما جاز عليهم، وفي هذا إسقاط السؤال).
رواية: أحداث سجن الإمام الكاظم (عليه السلام)
وسمّه برواية الأصبهاني:
الحديث (٦): وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ سَمَاعاً وَقِرَاءَةً(١٣١)
عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو اَلْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ اَلحُسَيْنِ
اَلْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله بْنِ
عَمَّارٍ(١٣٢)،
-----------------
(١٣٠) (٢٨ و٥/ ربيع الأوَّل والثاني / ١٤٤٥هـ).
(١٣١) ذكرتُ في الدروس الاستدلاليَّة في علوم الحديث (الدرس ٣٧ - ٣٩)، في آليَّات
ضبط النسخة وطُرُق تحميل التوثيق أنَّ من المسائل المهمَّة في علم الحديث مسألة ضبط
النسخة وطُرُق التحمُّل للحديث، وأنَّ له عدَّة طُرُق ذكروها، منها: السماع
والقراءة على الشيخ، وللسماع عدَّة عبارات تؤدِّيه، وكذا القراءة على الشيخ، فراجع
دروس استدلاليَّة في علوم الحديث (ج ١/ص ٣٢٨).
(١٣٢) وقد عثرت في أعيان الشيعة (ج ٣/ ص ٢١/ الرقم ٦١) عن سبب تسميته بالعُزير أو
حمار العُزير: (وسبب تلقيبه بالعُزير ما حكاه ياقوت في معجم الأُدباء [ج ٣/ ص ٢٣٤
و٢٣٥]، قال: وجدت في كتاب ألَّفه أبو الحسن عليُّ بن عبيد الله بن المسيَّب الكاتب
في أخبار ابن الرومي، وكان ابن المسيَّب هذا صديقاً لابن الرومي وخليطاً له، قال:
كان أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن عمَّار - هكذا قال في نسبه بتقديم محمّد على
عبيد الله - صديقاً لابن الرومي كثير الملازمة له، وكان ابن الرومي يعمل له الأشعار
وينحله إيَّاها، يستعطف بها مَنْ يصحبه، وكان ابن عمَّار مجدوداً فقيراً وقاعة في
الأحرار، كثير السخط لما تجري به الأقدار في آناء الليل والنهار حتَّى عُرِفَ بذلك،
فقال له عليُّ بن العبَّاس بن الرومي يوماً: يا أبا العبَّاس، قد سمَّيتك العُزير،
قال له: وكيف وقعت له على هذا الاسم؟ قال: لأنَّ العُزير خاصم ربَّه بأنْ أسال من
دماء بني إسرائيل على يدي بخت نصر سبعين ألف دم، فأوحى الله إليه: «لئن لم تترك
مجادلتي في قضائي لأمحونَّك من ديوان النبوَّة»، وقال فيه ابن الرومي:
وفي ابن عمَّار عُزيريَّة * * * يخاصم الله بها
والقدر
ما كان لِم كان وما لم يكن * * * لِم لم يكن فهو وكيل البشر
لا بل فتى خاصم في نفسه * * * لِم لم يفز قدماً وفاز البقر
وكلُّ من كان له ناظر * * * ضاف فلا بدَّ له من نظر
أقوال العلماء فيه: كان كاتباً شاعراً محدِّثاً مؤرِّخاً مصنِّفاً، وفي فهرست ابن النديم [ص ١٦٦]: كان يتوكَّل للقاسم بن عبيد الله ولولده، وصحب أبا عبد الله محمّد بن الجرَّاح ويروي عنه، وله معه مجالسات وأخبار. وقال الخطيب في تاريخ بغداد [ج ٥/ ص ٦/ الرقم ٢٢٩٩]: كان يتشيَّع).
قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ اَلْأَصْبَهَانِيُّ(١٣٣): وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ [بْنُ مُحَمَّدِ](١٣٤) بْنِ
سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ اَلحَسَنِ اَلْعَلَوِيُّ، وَحَدَّثَنِي
غَيْرُهُمَا بِبَعْضِ قِصَّتِهِ، وَجَمَعْتُ [فَجَمَعْتُ] ذَلِكَ بَعْضَهُ إِلَى
بَعْضٍ(١٣٥)، قَالُوا: كَانَ اَلسَّبَبُ فِي أَخْذِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما
السلام) أَنَّ اَلرَّشِيدَ جَعَلَ اِبْنَهُ [مُحَمَّداً] فِي حِجْرِ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ(١٣٦)، فَحَسَدَهُ يَحْيَى اِبْنُ خَالِدٍ
اَلْبَرْمَكِيُّ [فَحَسَدَهُ يَحْيَى بَنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ عَلَى ذَلِكَ]،
وَقَالَ: إِنْ أَفْضَتِ اَلْخِلَافَةُ إِلَيْهِ زَالَتْ دَوْلَتِي وَدَوْلَةُ
وُلْدِي، فَاحْتَالَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ يَقُولُ
بِالْإِمَامَةِ - حَتَّى دَاخَلَهُ وَأَنِسَ إِلَيْهِ [بِهِ، وَأَسَرَّ إِلَيْهِ].
وَكَانَ يُكْثِرُ
-----------------
(١٣٣) أدرجنا ما وجدناه في (مقاتل الطالبيِّين) بين
قوسين في متن النصِّ، وما ليس في المقاتل بين معقوفتين.
(١٣٤) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
(١٣٥) تحدَّثنا في الدرس (٢٣) من الدروس الاستدلاليَّة عن تقطيع الأحاديث وضمِّ
بعضها إلى بعض وكذا عن الإدراج فيها، كما وتحدَّثنا في الدرس (٢١ و٢٢) عن النقل
بالمعنى في عدَّة مقامات، فراجع دروس استدلاليَّة في علوم الحديث (ج ١/ ص ١٢٩ -
٢٠٨).
(١٣٦) ذكر غير واحد من أهل التراجم والتاريخ أنَّ
جعفر بن الأشعث كان من وزراء هارون، وكذا ولده العبَّاس حيث ولَّاه هارون خراسان،
وقيل: إنَّ هارون أعطاه - جعفر - خاتم الخلافة، وجعل هارون ولده في حجره كناية عن
العهد إليه في تربيته، ولأجله حسده البرامكة، وقد نقل الشيخ الكليني (رضي الله عنه)
وغيره قصَّة دخول جعفر بن الأشعث في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) مع والده،
يرويها جعفر بنفسه لابن أبي عمير. (الكافي: ج ١/ باب مولد أبي عبد الله جعفر بن
محمّد (عليهما السلام)/ ص ٤٧٥/ ح ٦)، ولكن مع ذلك كلِّه لم يرد في حقِّه توثيق في
كُتُب الرجال، وهو وما يُعبَّر عنه بـ(المجهول).
راجع: تاريخ الطبري (ج ٦/ ص ٥٢٩)، وتاريخ الإسلام (ج ٩/ ص ٢٦٢)، وغيرهما.
غِشْيَانَهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَيَقِفُ عَلَى أَمْرِهِ، فَيَرْفَعُهُ
[وَيَرْفَعُهُ] إِلَى اَلرَّشِيدِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ [فِي ذَلِكَ] بِمَا يَقْدَحُ
فِي قَلْبِهِ. ثُمَّ قَالَ يَوْماً لِبَعْضِ ثِقَاتِهِ: تُعَرِّفُونَ لِي رَجُلاً
مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بِوَاسِعِ اَلحَالِ يُعَرِّفُنِي مَا أَحْتَاجُ
(إِلَيْهِ)(١٣٧)؟
فَدُلَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(١٣٨)،
فَحَمَلَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ [اَلْبَرْمَكِيُّ] مَالاً، وَكَانَ مُوسَى
(عليه السلام) يَأْنَسُ إِلَيْهِ وَيَصِلُهُ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَيْهِ
بِأَسْرَارِهِ [كُلِّهَا](١٣٩)، فَكَتَبَ [فَلَمَّا طُلِبَ] لِيُشْخِصَ بِهِ،
فَأَحَسَّ مُوسَى (عليه السلام) بِذَلِكَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: «إِلَى أَيْنَ يَا
اِبْنَ أَخِي؟»، قَالَ: إِلَى بَغْدَادَ، قَالَ: «[وَ]مَا تَصْنَعُ؟»، قَالَ:
عَلَيَّ دَيْنٌ، وَأَنَا مُمْلِقٌ، قَالَ: «فَأَنَا أَقْضِي دَيْنَكَ، وَأَفْعَلُ
بِكَ وَأَصْنَعُ»، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ.
[فَعَمَلَ عَلَى اَلخُرُوجِ، فَاسْتَدْعَاهُ أَبُو اَلحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)،
فَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ خَارِجٌ»؟ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، لَا بدَّ لِي مِنْ ذَلِكَ].
فَقَالَ لَهُ: «اُنْظُرْ يَا اِبْنَ أَخِي، [وَاِتَّقِِ اَللهَ] لَا تُؤتِمْ
أَوْلَادِي»، وَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَرْبَعَةِ آلَافِ
دِرْهَمٍ، [فَلَمَّا قَامَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، قَالَ أَبُو اَلحَسَنِ مُوسَى
(عليه السلام) لِمَنْ حَضَرَهُ: «وَاَلله لَيَسْعَيَنَّ فِي دَمِي، وَيُؤتِمَنَّ
أَوْلَادِي»، فَقَالُوا لَهُ: جَعَلَنَا اَللهُ فِدَاكَ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا
مِنْ حَالِهِ وَتُعْطِيهِ وَتَصِلُهُ؟! فَقَالَ لهُمْ: «نَعَمْ، حَدَّثَنِي أَبِي،
عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إِنَّ اَلرَّحِمَ
إِذَا قُطِعَتْ فَوُصِلَتْ قَطَعَهَا اَللهُ»(١٤٠)](١٤١).
-----------------
(١٣٧) من مقاتل الطالبيِّين.
(١٣٨) قال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج ٢/ ص ٥٤٢/ ح ٤٧٨): (وَرَوَى مُوسَى بْنُ
اَلْقَاسِمِ اَلْبَجَلِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَخِي
مُوسَى (عليه السلام) قَالَ: «قَالَ أَبِي لِعَبْدِ اَلله: أَخِي، إِلَيْكَ
اِبْنَيْ أَخِيكَ، فَقَدْ مَلَآنِي بِالسَّفَهِ، فَإِنَّهُمَا شِرْكُ شَيْطَانٍ»،
يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَلِيَّ بْنَ إِسْمَاعِيلَ،
وَكَانَ عَبْدُ اَلله أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ).
(١٣٩) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
(١٤٠) في الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٣٨): «إِنَّ اَلرَّحِمَ إِذَا قُطِعَتْ فَوُصِلَتْ
فَقُطِعَتْ قَطَعَهَا اَللهُ، وَإِنَّنِي أَرَدْتُ أَنْ أَصِلَهُ بَعْدَ قَطْعِهِ
لِي حَتَّى إِذَا قَطَعَنِي قَطَعَهُ اَللهُ».
(١٤١) من قوله: (فلمَّا قام...)، إلى قوله: (قطعها الله) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
[قَالُوا]: فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى أَتَى [إِلَى](١٤٢) يَحْيَى
بْنِ خَالِدٍ [اَلْبَرْمَكِيِّ]، فَتَعَرَّفَ مِنْهُ خَبَرَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ
(عليه السلام) وَرَفَعَهُ [فَرَفَعَهُ] إِلَى اَلرَّشِيدِ، [وَزَادَ فِيهِ، ثُمَّ
أَوْصَلَهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَسَأَلَهُ عَنْ عَمِّهِ، فَسَعَى بِهِ إِلَيْهِ،
فَعَرَفَ يَحْيَى جَمِيعَ خَبَرِهِ]، وَزَادَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ
اَلْأَمْوَالَ تُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنَ اَلمَشْرِقِ وَاَلمَغْرِبِ، وَإِنَّ لَهُ
بُيُوتَ أَمْوَالٍ، وَإِنَّهُ اِشْتَرَى ضَيْعَةً بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ
فَسَمَّاهَا: اَلْيَسِيرَةَ، وَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا وَقَدْ أَحْضَرَ [أَحْضَرَهُ]
اَلمَالَ: لَا آخُذُ هَذَا اَلنَّقْدَ، وَلَا آخُذُ إِلَّا نَقْدَ كَذَا [وَلَا
آخُذُ إِلَّا نَقْداً كَذَا وَكَذَا]، فَأَمَرَ بِذَلِكَ اَلمَالِ فَرُدَّ،
وَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ مِنَ اَلنَّقْدِ اَلَّذِي سَأَلَ
بِعَيْنِهِ.
فَرَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ [فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ اَلرَّشِيدُ]،
فَأَمَرَ [وَأَمَرَ] لَهُ بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَبَّبُ لَهُ [نُسِبَتْ
لَهُ] عَلَى بَعْضِ اَلنَّوَاحِي، فَاخْتَارَ كُوَرَ اَلمَشْرِقِ، وَمَضَتْ
رُسُلُهُ لِتَقْبِضَ [لِقَبْضِ] اَلمَالَ، وَدَخَلَ هُوَ فِي بَعْضِ اَلْأَيَّامِ
إِلَى اَلخَلَإِ فَزَحَرَ زَحْرَةً خَرَجَتْ [مِنْهَا](١٤٣) حِشْوَتُهُ
(كُلُّهَا)(١٤٤) فَسَقَطَ [فَسَقَطَتْ]، وَجَهَدُوا فِي رَدِّهَا فَلَمْ
يَقْدِرُوا، فَوَقَعَ لِمَا بِهِ، وَجَاءَهُ اَلمَالُ وَهُوَ يَنْزِعُ، فَقَالَ:
[وَ] مَا أَصْنَعُ بِهِ وَأَنَا فِي اَلمَوْتِ [أَمُوتُ]؟
وَحَجَّ اَلرَّشِيدُ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ، فَبَدَأَ بِقَبْرِ اَلنَّبِيِّ (صلّى
الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَلله، إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ
مِنْ شَيْءٍ(١٤٥) أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ، أُرِيدُ أَنْ أَحْبِسَ مُوسَى بْنَ
جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُ
-----------------
(١٤٢) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
(١٤٣) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
(١٤٤) من مقاتل الطالبيِّين.
(١٤٥) وما يمكن أنْ يُقال هنا: إنَّ هارون يريد أنْ يُسمِعَ مَنْ حوله أنَّه
مستمدٌّ شرعيَّة حكمه من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) وأنَّه امتداد له، وأنَّه
لا يفعل إلَّا بعد طلب الإذن من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، وأنَّ ما يقوم به
هو لحفظ كيان الدولة ووحدة الأُمَّة، ولأجل قرابة الإمام موسى بن جعفر (عليه
السلام) من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) يريد هذا الحاكم أنْ يستأذن في حبس
الإمام (عليه السلام) ومن ثَمَّ قتله. وهذا هو ديدن الطغاة عندما يفعلون أفعال
شنيعة، ويُحدِثون وقائعَ عظيمة يتشبَّثون بمبرِّرات يصنعونها لأنفسهم تَقيهم سخط
الناس أو على الأقلّ سخط المحيطين بهم.
ويُستفاد من النصِّ أنَّ الدولة وحاكمها وقادتها لا يرون بأساً في التحدُّث مع
الأموات وطلب الإذن منهم، ولو لخصوصيَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهذا
معناه أنَّ عقيدة الدولة آنذاك لا ترى بأساً في زيارة الأموات، والاتِّصال بهم،
ومخاطبتهم، والاستئذان منهم، وترتيب الآثار على هذا الاستئذان، واعتباره حجَّة
شرعيَّة أوَّلاً، وقانونيَّة ودستوريَّة ثانياً، إذ لا شكَّ أنَّ جملةً مِن قادة
الدولة قد حضروا هذه الواقعة، وأنَّ عقائدهم تُبنى من هذا الحدث وأشباهه، فإنَّ
الناس وبالخصوص القادة على دين ملوكهم.
ثمّ بعد هذه الواقعة أمر هارون بأخذ الإمام (عليه السلام) من المسجد، فدخلوا عليه
في بيته (عليه السلام) وقيَّدوه - وهذه هي حال الطغاة على مرِّ الزمان وستبقى مع
أهل العلم والدِّين والتقى ممَّن لا يسير على هواهم -، وأخرجوه من داره بطريقة
تُموِّه على الناس أنَّهم اعتقلوا الإمام (عليه السلام)، حيث أدخلوا إلى الدار
بَغْلَيْن، على كلِّ واحدٍ منهما قبَّة، ووضعوا الإمام (عليه السلام) في إحدى
القبَّتين، ووجَّهوا المركب الأوَّل إلى طريق البصرة، والآخر إلى الكوفة، وكان
الإمام (عليه السلام) في المركب الذي وُجِّه إلى البصرة، وبطبيعة الحال فإنَّ كلَّ
مركب كان محاطاً بمجموعة من الحرس والجند وغير ذلك، وأمروا قائد مركب البصرة أنْ
يُسلِّم الإمام (عليه السلام) إلى عيسى بن جعفر بن منصور والي البصرة لهارون وقتها،
فحُبِسَ الإمام (عليه السلام) لمدَّة سنة في البصرة.
يُرِيدُ اَلتَّشْتِيتَ بِأُمَّتِكَ [اَلتَّشَتُّتَ بَيْنَ أُمَّتِكَ] وَسَفْكَ
دِمَائِهَا.
ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ مِنَ اَلمَسْجِدِ فَأُدْخِلَ إِلَيْهِ فَقَيَّدَهُ،
وَأُخْرِجَ مِنْ دَارِهِ بَغْلَانِ عَلَيْهِمَا قُبَّتَانِ مُغَطَّاتَانِ هُوَ
(عليه السلام) فِي إِحْدَاهُمَا [إِحْدَيْهِمَا]، وَوَجَّهَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ
[وَاحِدٍ] مِنْهُمَا خَيْلاً، فَأَخَذَ [فَأَخَذُوا] بِوَاحِدَةٍ عَلَى طَرِيقِ
اَلْبَصْرَةِ، وَاَلْأُخْرَى عَلَى طَرِيقِ اَلْكُوفَةِ، لِيُعَمِّيَ [لِيُعْمَى]
عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرَهُ، وَكَانَ [مُوسَى (عليه السلام)] فِي اَلَّتِي مَضَتْ
إِلَى اَلْبَصْرَةِ، وَأَمَرَ [فَأَمَرَ] اَلرَّسُولَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَى
عِيسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ اَلمَنْصُورِ(١٤٦)، وَكَانَ عَلَى اَلْبَصْرَةِ
حِينَئِذٍ، فَمَضَى بِهِ، فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ سَنَةً.
-----------------
(١٤٦) قال الزركلي في الأعلام (ج ٥/ ص ١٠٢): (قائد من أُمراء بني العبَّاس، وهو أخو زبيدة، وابن عمِّ هارون الرشيد، بعثه الرشيد عاملاً على عُمان في ستَّة آلاف مقاتل، فلم يكَد يستقرُّ فيها حتَّى سَيَّر إليه إمامُ الأزد الوارث الخروصي جيشاً قاتله، فانهزم عيسى فأُسِرَ وسُجِنَ في صحار، ثمّ تسوَّر عليه بعضهم السجن فقتلوه فيه).
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى اَلرَّشِيدِ أَنْ خُذْهُ مِنِّي وَسَلِّمْهُ إِلَى مَنْ شِئْتَ
وَإِلَّا خَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَقَدِ اِجْتَهَدْتُ بِأَنْ أَجِدَ [آخِذُ] عَلَيْهِ
حُجَّةً، فَمَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إِنِّي لَأَتَسَمَّعُ عَلَيْهِ إِذَا
دَعَا لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَيَّ أو عَلَيْكَ، فَمَا أَسْمَعُهُ يَدْعُو إِلَّا
لِنَفْسِهِ يَسْأَلُ [اَللهَ] اَلرَّحْمَةَ وَاَلمَغْفِرَةَ.
فَوَجَّهَ مَنْ تَسَلَّمَهُ مِنْهُ، وَحَبَسَهُ عِنْدَ اَلْفَضْلِ بْنِ
اَلرَّبِيعِ(١٤٧) بِبَغْدَادَ، فَبَقِيَ عِنْدَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَأَرَادَ
[أَرَادَهُ] اَلرَّشِيدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ فَأَبَى، فَكَتَبَ [إِلَيْهِ]
بِتَسْلِيمِهِ [لِيُسَلِّمَهُ] إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى(١٤٨)، فَتَسَلَّمَهُ
مِنْهُ، وَأَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ [يَفْعَلْهُ]، وَبَلَغَهُ أَنَّهُ
عِنْدَهُ فِي رَفَاهِيَةٍ وَسَعَةٍ [وَدِعَةٍ]، وَهُوَ حِينَئِذٍ بِالرَّقَّةِ،
فَأَنْفَذَ مَسْرُورَ [مَسْرُوراً] اَلخَادِمِ(١٤٩) إِلَى بَغْدَادَ عَلَى
اَلْبَرِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى مُوسَى
-----------------
(١٤٧) قال المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج ٢/ ص
٢٤٠): (... فسُلِّم إلى الفضل بن الربيع فبقي عنده مدَّة طويلة، فأراده الرشيد على
شيء من أمره فأبى).
قال الذهبي في سِيَر أعلام النبلاء (ج ١٠/ ص ١٠٩/ الرقم ٨) في ترجمة الفضل: (حاجب
الرشيد، وكان أبوه حاجب المنصور...، قام بخلافة الأمين، وساق إليه خزائن الرشيد،
وسلَّم إليه البرد والقضيب والخاتم، جاءه بذلك من طوس، وصار هو الكلُّ لاشتغال
الأمين باللعب، فلمَّا أدبرت دولة الأمين اختفى مدَّة طويلة، ثمّ ظهر إذ بويع
إبراهيم بن المهدي، فساس نفسه، ولم يقم معه، ولذلك عفا عنه المأمون، مات سنة ثمان
ومائتين في عشر السبعين).
(١٤٨) الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي، وزير الرشيد العبَّاسي، تُوفِّي سنة (١٩٢هـ)؛
راجع: سِيَر أعلام النبلاء (ج ٩/ ص ٩١/ الرقم ٢٩).
(١٤٩) أبو هاشم مسرور الخادم، الملقَّب مسرور الكبير: كان يخدم المهديَّ، وكان
يرافقه في سفرته التي مات فيها بماسبذان سنة (١٦٩هـ)، ثمّ خدم الرشيد، وكان يرافقه
في سفرته التي مات فيها بطوس سنة (١٩٣هـ)، وكان أثيراً عند الرشيد، موضع سرِّه،
ومنفِّذ أمره، وهو الذي قتل جعفر البرمكيَّ بأمره، ولما اعتقل البرامكة أمر الرشيد
أنْ يجعل عليهم حفظة من قِبَل مسرور، وكان الرشيد يتَّهمه بأنَّه عين للمأمون عليه،
كما كان يتَّهم بختيشوع بأنَّه عين الأمين، واستمرَّت حرمته أيَّام المأمون
والمعتصم، ومات في أيَّامه. الفرج بعد الشدَّة (ج ٢/ هامش ص ١٥٩).
[اِبْنِ جَعْفَرٍ](١٥٠) (عليه السلام) فَيَعْرِفَ خَبَرَهُ، فَإِنْ كَانَ
اَلْأَمْرُ عَلَى مَا بَلَغَهُ أَوْصَلَ كِتَاباً مِنْهُ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ
مُحَمَّدٍ(١٥١) وَأَمَرَهُ بِامْتِثَالِهِ، وَأَوْصَلَ كِتَاباً مِنْهُ
[آخَرَ](١٥٢) إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ(١٥٣) يَأْمُرُهُ بِطَاعَةِ
اَلْعَبَّاسِ [بْنِ مُحَمَّدٍ]، فَقَدِمَ مَسْرُورٌ، فَنَزَلَ دَارَ اَلْفَضْلِ
بْنِ يَحْيَى لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا يُرِيدُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مُوسَى [بْنِ
جَعْفَرٍ](١٥٤) (عليه السلام)، فَوَجَدَهُ عَلَى مَا بَلَغَ اَلرَّشِيدَ، فَمَضَى
مِنْ فَوْرِهِ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاَلسِّنْدِيِّ [بْنِ شَاهَكَ]،
فَأَوْصَلَ اَلْكِتَابَيْنِ إِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَلْبَثِ اَلنَّاسُ أَنْ خَرَجَ
اَلرَّسُولُ يَرْكُضُ [رِكْضاً] إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَرَكِبَ مَعَهُ
وَخَرَجَ مَشْدُوهاً دَهِشاً حَتَّى دَخَلَ عَلَى اَلْعَبَّاسِ، فَدَعَا بِسِيَاطٍ
[بِالسِّيَاطِ] وَعُقَابَيْنِ، فَوَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ [فَوَجَّهَ
بِذَلِكَ إِلَيْهِ اَلسِّنْدِيُّ]، وَأَمَرَ [فَأَمَرَ] بِالْفَضْلِ فَجُرِّدَ
ثُمَّ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، وَخَرَجَ مُتَغَيِّرَ اَللَّوْنِ خِلَافَ
[بِخِلَافِ] مَا دَخَلَ، فَأُذْهِبَتْ نَخْوَتُهُ [فَذَهَبَتْ قُوَّتُهُ]، فَجَعَلَ
يُسَلِّمُ عَلَى اَلنَّاسِ يَمِيناً وَشِمَالاً.
وَكَتَبَ مَسْرُورٌ بِالخَبَرِ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَأَمَرَ بِتَسْلِيمِ مُوسَى
(عليه السلام) إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ
-----------------
(١٥٠) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
(١٥١) ولي إمارة الجزيرة في أيَّام الرشيد، في سنة (١٨٥هـ)، وصار إلى الرقَّة، فأمر
الرشيد ففُرِشَ له في قصر الإمارة، واتُّخِذَت له فيه الآلات، وشُحِنَ بالرقيق،
وحمل إليه خمسة آلاف ألف درهم، ثمّ دخلت سنة ستٍّ وثمانين ومائة فيها تُوفِّي
العبَّاس بن محمّد بن عليٍّ ببغداد في رجب، وكانت علَّته الماء الأصفر. راجع: تاريخ
بغداد (ج ١٢/ ص ١٢٤ و١٢٥).
(١٥٢) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
(١٥٣) قال الذهبي في تاريخ الإسلام (ج ١٤/ ص ١٨٥/ الرقم ١٨٥٥): (أبو نصر، مولى أبي
جعفر المنصور، ولي إمرة دمشق للرشيد، ثمّ وليها بعد المائتين، وكان ذميم الخُلُق،
سنديًّا...، يجعل القول قول المدَّعي، ويُروى أنَّ السندي هدم سور دمشق، وقد ضرب
مرَّةً رجلاً طويل اللحية، فجعل يقول: العفو يا ابن عمِّ رسول الله، فقال: وا لك
أهاشمي أنا؟! فقال: يا سيِّدي، تريد لحيةً وعقلاً! وقال خليفة: تُوفِّي السندي سنة
أربع ومائتين ببغداد).
(١٥٤) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
شَاهَكَ، وَجَلَسَ [اَلرَّشِيدُ] مَجْلِساً حَافِلاً، وَقَالَ: أَيُّهَا
اَلنَّاسُ، إنَّ اَلْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى قَدْ عَصَانِي، وَخَالَفَ طَاعَتِي،
وَرَأَيْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ فَالْعَنُوهُ، فَلَعَنَهُ اَلنَّاسُ مِنْ كُلِّ
نَاحِيَةٍ حَتَّى اِرْتَجَّ اَلْبَيْتُ وَاَلدَّارُ بِلَعْنِهِ.
وَبَلَغَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ [اَلخَبَرُ]، فَرَكِبَ إِلَى اَلرَّشِيدِ،
[فَدَخَلَ] وَدَخَلَ مِنْ غَيْرِ اَلْبَابِ اَلَّذِي يَدْخُلُ اَلنَّاسُ مِنْهُ
[يَدْخُلُ مِنْهُ اَلنَّاسُ] حَتَّى جَاءَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ،
ثُمَّ قَالَ لَهُ: اِلْتَفِتْ إِلَيَّ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، فَأَصْغَى
إِلَيْهِ فَزِعاً، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَلْفَضْلَ حَدَثٌ، وَأَنَا أَكْفِيكَ مَا
تُرِيدُ، فَانْطَلَقَ وَجْهُهُ وَسُرَّ، [فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَمِيرَ
اَلمُؤْمِنِينَ، قَدْ غَضَضْتُ مِنَ اَلْفَضْلِ بِلَعْنِكَ إِيَّاهُ فَشَرِّفْهُ
بِإِزَالَةِ ذَلِكَ]، وَأَقْبَلَ [فَأَقْبَلَ] عَلَى اَلنَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ
اَلْفَضْلَ كَانَ [إِنَّ اَلْفَضْلَ قَدْ] عَصَانِي فِي شَيْءٍ فَلَعَنْتُهُ،
وَقَدْ تَابَ وَأَنَابَ إِلَى طَاعَتِي فَتَوَلَّوْهُ، فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ
أَوْلِيَاءُ مَنْ وَالَيْتَ وَأَعْدَاءُ مَنْ عَادَيْتَ وَقَدْ تَوَلَّيْنَاهُ.
ثُمَّ خَرَجَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ بِنَفْسِهِ عَلَى اَلْبَرِيدِ حَتَّى أَتَى
[وَافَى] بَغْدَادَ، فَمَاجَ اَلنَّاسُ وَأَرْجَفُوا بِكُلِّ شَيْءٍ، فَأَظْهَرَ
[وَأَظْهَرَ] أَنَّهُ وَرَدَ لِتَعْدِيلِ اَلسَّوَادِ وَاَلنَّظَرِ فِي أَمْرِ
اَلْعُمَّالِ [فِي أَعْمَالِ اَلْعُمَّالِ]، وَتَشَاغَلَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَدَعَا
اَلسِّنْدِيَّ فَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ، [فَامْتَثَلَهُ](١٥٥).
وجاء في (مقاتل الطالبيِّين) بعد قوله وتشاغل بذلك: [ثُمَّ دَخَلَ وَدَعَا
بِالسِّنْدِيِّ وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ، فَلَفَّهُ عَلَى بِسَاطٍ، وَقَعَدَ
اَلْفَرَّاشُونَ اَلنَّصَارَى عَلَى وَجْهِهِ].
وَسَأَلَ مُوسَى (عليه السلام) اَلسِّنْدِيَّ عِنْدَ وَفَاتِهِ أَنْ يَحْضُرَهُ
مَوْلًى لَهُ يَنْزِلُ عِنْدَ دَارِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِ
اَلْقَصَبِ لِيُغَسِّلَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
-----------------
(١٥٥) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
وجاء في (مقاتل الطالبيِّين) بدلاً من (وَسَأَلَ مُوسَى (عليه السلام)
اَلسِّنْدِيَّ): [وَأَمَرَ اَلسِّنْدِيَّ عِنْدَ وَفَاتِهِ أَنْ يَحْضِرَ مَوْلًى
لَهُ يَنْزِلُ دَارَ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي مَشْرَعَةِ اَلْقَصَبِ
لِيُغَسِّلَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ].
قَالَ: [وَ]سَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي [فِي] أَنْ أُكَفِّنَهُ فَأَبَى، وَقَالَ:
«إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ مُهُورُ نِسَائِنَا وَحَجُّ صَرُورَتِنَا وَأَكْفَانُ
مَوْتَانَا مِنْ طُهْرَةِ [طَاهِرِ] أَمْوَالِنَا، وَعِنْدِي كَفَنِي»(١٥٦).
فَلَمَّا مَاتَ أَدْخَلَ عَلَيْهِ اَلْفُقَهَاءَ وَوُجُوهَ أَهْلِ بَغْدَادَ
وَفِيهِمُ: اَلهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ(١٥٧) وَغَيْرُهُ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ لَا
أَثَرَ بِهِ، وَشَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأُخْرِجَ فَوُضِعَ عَلَى اَلجِسْرِ
بِبَغْدَادَ وَنُودِيَ [فَنُودِيَ]: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَدْ مَاتَ
فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَتَفَرَّسُونَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ
مَيِّتٌ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ اَلطَّالِبِيِّينَ [وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ
مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ اَلطَّالِبِيِّينَ] أَنَّهُ نُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا
مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ اَلَّذِي تَزْعُمُ اَلرَّافِضَةُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ
فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، فَنَظَرُوا [إِلَيْهِ](١٥٨).
قَالُوا: وَحُمِلَ فَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ، فَوَقَعَ قَبْرُهُ إِلَى
جَانِبِ [قَبْرِ] رَجُلٍ مِنَ اَلنَّوْفَلِيِّينَ يُقَالُ لَهُ: عِيسَى بْنُ عَبْدِ
اَلله(١٥٩).
-----------------
(١٥٦) وفي الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٤٣): («إِنَّا أَهْلُ
بَيْتٍ مُهُورُ نِسَائِنَا، وَحَجُّ صَرُورَتِنَا، وَأَكْفَانُ مَوْتَانَا مِنْ
طَاهِرِ أَمْوَالِنَا، وَعِنْدِي كَفَنٌ، وَأُرِيدُ أَنْ يَتَوَلَّى غُسْلِي
وَجِهَازِي مَوْلَايَ فُلَانٌ»، فَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ).
(١٥٧) قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجم رجال الحديث (ج ٢٠/ ص ٣٥٣ و٣٥٤/
الرقم ١٣٤٢٨): (روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى، رجال الشيخ فيمن لمن يروِ عنهم
(عليهم السلام). أقول: تقدَّم عن الشيخ أنَّ ابن الوليد استثنى الهيثم بن عدي فيمن
استثناه، ممَّن يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى).
(١٥٨) ليس في مقاتل الطالبيِّين.
(١٥٩) لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال.
تخريج الحديث:
روي الحديث في عدَّة مصادر أسبق من (الغيبة)، منها:
١ - مقاتل الطالبِّيين لأبي الفرج الأصبهاني(١٦٠)، حيث أجرينا مقابلة بين ما رواه
الشيخ (قدّس سرّه) في (الغيبة) عن الأصبهاني، وما رواه الأصبهاني بنفسه، وقد وجدنا
العديد من الاختلافات قد يكون بعضها مؤثِّراً.
٢ - الإرشاد للشيخ المفيد(١٦١).
البحث السندي:
أ - رجال السند الأوَّل:
١ - أحمد بن عبد الواحد (أحمد بن عبدون): طبقته في الحديث الحادية عشرة ويمكن عده
من العاشرة، وجوه توثيقه عديدة، منها: أنَّه شيخ النجاشي (رحمه الله)(١٦٢)، أنَّه
شيخ إجازة، ترحَّم الشيخ (قدّس سرّه) عليه في ترجمة عبد الله بن أبي زيد الأنباري،
كثير السماع والرواية.
إنْ قلتَ: إنَّ الحديث يُستقرَب كونه مرسَلاً باعتبار أنَّ أحمد بن عبدون تُوفِّي
سنة (٤٢٣هـ)، وعليُّ بن الحسين أبو الفرج الأصبهاني تُوفِّي سنة (٣٥٦هـ)، ومن
البعيد أنْ يكون الراوي المباشر عن الأصبهاني ابن عبدون دون تخلُّل واسطة بينهما.
قلتُ: إنَّ تحمُّل ابن عبدون المتوفِّي (٤٢٣هـ) عن الأصبهاني مع وجود هذه الفاصلة
الكبيرة بينهما ليس بمستبعد ولا بمستغرب، إذ قد يكون تحمَّل
-----------------
(١٦٠) مقاتل الطالبيِّين (ص ٣٣٣ - ٣٣٦).
(١٦١) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٣٧ - ٢٤٣).
(١٦٢) تناولنا موردي القاعدة التي اعتمد عليها السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في دروس استدلاليَّة في علوم الحديث في الدروس (١٢٦ و١٢٧)، فراجع.
الحديث في أوائل شبابه وصباه، بل إنَّ هذا حاصل فيه على التحقيق على ما نصَّ عليه
السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) مفسِّراً عبارة الشيخ النجاشي (رحمه الله): (وكان غلواً
في الوقت)، في معرض ترجمته لأحمد بن عبد الواحد، حيث قال ما نصُّه: (ثمّ إنَّ
تحمُّل أحمد بن عبد الواحد المتوفَّى سنة (٤٢٣هـ) الرواية عن عليِّ بن محمّد بن
الزبير القرشي المتوفَّى سنة (٣٤٨هـ) - على ما يأتي في ترجمته عن النجاشي والشيخ -
لا يكون إلَّا في أوائل شبابه، وعنفوانه، وهذا معنى قول النجاشي: (وكان غلواً في
الوقت)، يعني أنَّ لقاء أحمد بن عبد الواحد لعليِّ بن محمّد بن الزبير، كان في
عنفوان شبابه، وقد ذكر في ترجمة أبان بن تغلب أنَّ رواية أحمد بن عبد الواحد، عن
عليِّ بن محمّد بن الزبير، كان في سنة موت عليِّ بن محمّد بن الزبير، وهي سنة
(٣٤٨هـ))(١٦٣).
٢ - عليُّ بن الحسين بن محمّد القرشي - الأصبهاني -: طبقته في الحديث التاسعة ويمكن
عدّه من العاشرة، وجوه توثيقه عديدة، منها: له تصانيف مليحة(١٦٤)،اهتمام الرواة
بكُتُبه كالصاحب بن عبَّاد، من شيوخ الإجازة والرواية.
٣ - أحمد بن عبيد الله بن محمّد بن عمَّار الثقفي: يظهر ممن تقدمه وتأخَّر عنه
أنَّه من رجال الطبقة التاسعة (١٦٥)، كان من رؤوس الشيعة كما ادَّعاه ابن حجر في
(لسان الميزان)(١٦٦).
-----------------
(١٦٣) معجم رجال الحديث (ج ٢/ ص ١٥٣/ الرقم ٦٥٥).
(١٦٤) تحدَّثنا في الدروس الاستدلاليَّة في علوم الحديث في بحث مفصَّل عن دور
الأئمَّة (عليهم السلام) والأصحاب في تنقية الحديث في الدرس (١٢ - ١٩) المنشورة في
دروس استدلاليَّة في علوم الحديث (ج ١/ ص ٧٩).
(١٦٥) ذكرنا قصَّة حمار عُزَير في هامش (ص ١٥٤).
(١٦٦) لسان الميزان (ج ١/ ص ٢١٩/ الرقم ٦٨٢).
٤ - عليُّ بن محمّد بن سليمان النوفلي: طبقته في الحديث الثامنة، وجه توثيقه أنَّه
من رواة (كامل الزيارات).
٥ - محمّد النوفلي والد عليٍّ المتقدِّم: طبقته في الحديث السابعة، لم يرد له ذكر
في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
وإنْ كانت بعض كُتُب التأريخ وأعيان مؤلِّفيها يعتمدون عليه وعلى كُتُبه، كالمسعودي
الذي جعل كتابه من مصادره.
ب - رجال السند الثاني:
١ - أحمد بن عبدون: تقدَّم وجوه توثيقه في السند الأوَّل.
٢ - عليُّ بن الحسين أبو الفرج الأصبهاني: تقدَّم وجوه توثيقه في السند الأوَّل.
٣ - أحمد بن محمّد بن سعيد ابن عقدة: طبقته في الحديث التاسعة، وجوه توثيقه عديدة،
منها: وصف الشيخ النجاشي (رحمه الله) له بجلالة القدر، عظيم المحلِّ بين أصحابنا،
رغم كونه زيديًّا، توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، كثير الرواية، أنَّه روى جميع كُتُب
أصحابنا، وصنَّف لهم، وذكر أُصولهم، ويحكون أنَّه قال: (أحفظ مائة وعشرين ألف حديث
بأسانيدها، وأُذاكر بثلاثمائة ألف حديث)(١٦٧)، قال عنه الشيخ النعماني (رحمه الله)
في مقدَّمة كتاب (الغيبة): (وهذا الرجل ممَّن لا يُطعَن عليه في الثقة، ولا في
العلم بالحديث والرجال الناقلين له)(١٦٨).
٤ - يحيى بن الحسن العلوي: من مشايخ ابن عقدة، طبقته في الحديث الثامنة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: صاحب كتاب، من رواة (كامل الزيارات)، وصف الشيخ النجاشي (رحمه
الله) له بالعالم الفاضل والصدوق.
-----------------
(١٦٧) رجال الطوسي (ص ٤٠٩/ الرقم ٥٩٤٩/٣٠).
(١٦٨) الغيبة للنعماني (ص ٣٢).
وقد تبيَّن أنَّ الحديث وإنْ كان مرسَلاً إلَّا أنَّه من المشهورات المتداولة، فالاعتماد على ما ورد فيه وترتيب الأثر عليه له وجه.
* * *
شهرة موت الإمام الكاظم (عليه السلام) لا
تحتاج إلى رواية:
الحديث (٧): وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ اَلحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قَطِيعَةِ اَلرَّبِيعِ مِنَ
اَلْعَامَّةِ مِمَّنْ كَانَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، قَالَ: جَمَعَنَا اَلسِّنْدِيُّ
بْنُ شَاهَكَ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنَ اَلْوُجُوهِ اَلمَنْسُوبِينَ إِلَى
اَلخَيْرِ، فَأَدْخَلَنَا عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، وَقَالَ لَنَا
اَلسِّنْدِيُّ: يَا هَؤُلَاءِ، اُنْظُرُوا إِلَى هَذَا اَلرَّجُلِ هَلْ حَدَثَ بِهِ
حَدَثٌ؟ فَإِنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ لَمْ يُرِدْ بِهِ سُوءً(١٧٠)، وَإِنَّمَا
نَنْتَظِرُ بِهِ أَنْ يَقْدَمَ لِيُنَاظِرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ
فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَسَلُوهُ، وَلَيْسَ لَنَا هَمٌّ إِلَّا اَلنَّظَرُ إِلَى
اَلرَّجُلِ فِي فَضْلِهِ وَسَمْتِهِ. فَقَالَ مُوسَى اِبْنُ جَعْفَرٍ (عليه
السلام): «أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ اَلتَّوْسِعَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا، فَهُوَ
عَلَى مَا ذَكَرَ غَيْرَ أَنِّي أُخْبِرُكُمْ أَيُّهَا اَلنَّفَرُ أَنِّي قَدْ
سُقِيتُ اَلسَّمَّ فِي سَبْعِ تَمَرَاتٍ، وَأَنَا غَداً أَخْضَرُّ، وَبَعْدَ غَدٍ
أَمُوتُ»، فَنَظَرْتُ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَضْطَرِبُ وَيَرْتَعِدُ
مِثْلَ اَلسَّعَفَةِ.
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)(١٧١): فموته (عليه السلام) أشهر من أنْ يحتاج إلى ذكر
-----------------
(١٦٩) (١٢/ ربيع الثاني/ ١٤٤٥هـ).
(١٧٠) والصحيح: سوءاً.
(١٧١) لا زال الشيخ (قدّس سرّه) في صدد الاستدلال روائيًّا لأجل إثبات وفاة الإمام
الكاظم (عليه السلام) مسموماً على يد هارون العبَّاسي، وبهذا الإثبات تنقطع دعوى
الواقفة من بقاءه حيًّا وإثبات مهدويَّته.
هذا الحديث رواه من العامَّة مَنْ يُقبَل قوله، ونقل أنَّ السندي بن شاهك جمع
ثمانين رجلاً ممَّن يُعتَدُّ لهم ويُسمَع لقولهم ومن وجهاء تلك الفترة والمنسوبين
إلى فعل الخير، وأدخلهم على الإمام الكاظم (عليه السلام)، وقال لهم: اُنظروا إليه
فإنَّ هارون لم يرد به السوء، وإنَّما جاء به إلى هنا ليناظره، وهذا هو أمامكم سليم
صحيح لا سقم فيه، موسَّع عليه في جميع أُموره، ونحن لا نريد به الشرَّ، وإنَّما
جئنا به من أجل التقرُّب إليه والوقوف على فضله وسمته.
والإمام (عليه السلام) أمضى التوسعة، وبيَّن أنَّه قد سُقِيَ السمَّ، وأنَّه ميِّت
بعد غدٍ.
الرواية به، لأنَّ المخالف في ذلك يدفع الضرورات، والشكُّ في ذلك يُؤدِّي إلى
الشكِّ في موت كلِّ واحدٍ من آبائه وغيرهم، فلا يُوثَق بموت أحد. على أنَّ المشهور
عنه (عليه السلام) أنَّه وصَّى إلى ابنه عليِّ بن موسى (عليه السلام)، وأسند إليه
أمره بعد موته، والأخبار بذلك أكثر من أنْ تُحصى، نذكر منها طرفاً، ولو كان حيًّا
باقياً لما احتاج إليه.
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في عدَّة مصادر أسبق من (الغيبة)، وهي:
١ - قرب الإسناد للحميري القمِّي(١٧٢).
٢ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(١٧٣).
٣ - أمالي الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(١٧٤).
٤ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(١٧٥).
نتائج المطابقة بين الكُتُب والنُّسَخ:
لاحظنا وجود اختلافات عديدة بين ما رواه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في كتاب (الغيبة)
وما روي في هذه المصادر بعد إجراء مطابقة دقيقة بين (الغيبة) وكلِّ مصدر مصدر منها،
وننقل نموذجاً واحداً ممَّا نقوم به عند إجراء المطابقة،
-----------------
(١٧٢) قرب الإسناد (ص ٣٣٣ و٣٣٤/ ح ١٢٣٦).
(١٧٣) الكافي (ج ١/ ص ٢٥٨ و٢٥٩/ باب أنَّ الأئمَّة يعلمون متى يموتون.../ ح ٢).
(١٧٤) أمالي الصدوق (ص ٢١٣/ ح ٢٣٧/٢١).
(١٧٥) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٩١/ باب ٨/ ح ٢).
وكشاهد على ما ينبغي القيام به عند مطابقة الأخبار مع الكُتُب والنُّسَخ ونجعله في الهامش، ونُؤكِّد على أنَّنا نقوم غالباً بهذه العمليَّة وبهذا المستوى من المطابقة(١٧٦).
(١٧٦) في الكافي بدون (عبيد)، وفي الغيبة بإضافة
(عبيد).
في الكافي بإضافة (ببغداد) بعد (العامَّة).
في الكافي: (ممَّن كان ينقل عنه، قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل
هذا البيت، فما رأيت مثله قطُّ في فضله ونُسُكه، فقلت له: مَنْ؟ وكيف رأيته؟) بدلاً
من (ممَّن كان يُقبَل قوله).
في الكافي: (جمعنا أيَّام) بدلاً من (جمعنا).
في الكافي: (فقال) بدلاً من (وقال).
في الكافي: (فإنَّ الناس يزعمون أنَّه قد فُعِلَ به ويُكثِرون في ذلك، وهذا منزله
وفراشه موسَّع عليه غير مضيَّق، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءاً) بدلاً من (فإنَّ
أمير المؤمنين لم يرد به سوء).
في الكافي: (وإنَّما ينتظر به أنْ يقدم فيناظر أمير المؤمنين وهذا هو صحيح) بدلاً
من (وإنَّما ننتظر به أنْ يقدم ليناظره وهو صحيح).
في الكافي: (قال: ونحن ليس لنا همٌّ إلَّا النظر إلى الرجل وإلى فضله) بدلاً من
(وليس لنا همٌّ إلَّا النظر إلى الرجل في فضله).
في الكافي: (ما ذَكَرَ) بدلاً من (ما ذكره).
في الكافي: (قال: فنظرتُ) بدلاً من (فنظرتُ).
يتبيَّن لك:
أوَّلاً: من خلال هذه المطابقة بين الكُتُب - والنُّسَخ المتعدِّدة للكتاب الواحد -
أنَّ الاختلاف بينها قد يكون كبيراً ومؤثِّراً ممَّا يستدعي المراجعة الدائمة
للكُتُب والنُّسُخ الراوية للخبر محلِّ البحث، خصوصاً فيما إذا ترتَّب على مضمونه
أمر عقائدي.
ثانياً: ترجيح روايات كتاب (الغيبة) التي رواها الشيخ (قدّس سرّه) عن الكافي على
روايات (الكافي) المتداول، باعتبار أضبطيَّة الشيخ (قدّس سرّه) وأقربيَّة نسخته من
النُّسَخ المتداولة، هذا بعد ضبط نُسَخ (الغيبة)، وهذه الطريقة في اعتبار النُّسَخ
وأنَّ نسخة كتاب ما، هي نسخة أُخرى للكتاب الأسبق تعتمد على عدَّة قرائن تظهر
للمزاول لهذا الأمر، قال السيِّد بحر العلوم (قدّس سرّه) في الفوائد الرجاليَّة (ج
٤/ ص ٨٠): (وكتاب المتأخِّر نسخة من المتقدِّم).
البحث السندي:
أوَّلاً: طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى محمّد بن يعقوب (رضي الله عنه)، وله إليه
طُرُق سيأتي بحثها بعد الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
رجال السند:
١ - محمّد بن يعقوب بن إسحاق (رضي الله عنه): طبقته في الحديث التاسعة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) والنجاشي (رحمه الله) له، شيخ أصحابنا
وفقيههم ووجههم، وأوثق الناس في الحديث، وأثبتهم، كثير الرواية، صاحب كتاب.
وغير ذلك من وجوه التوثيق كرواية الأجلَّاء عنه، أو كونه عارفاً بالأخبار، أو
غيرها.
٢ - عليُّ بن إبراهيم بن هاشم: طبقته في الحديث الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها:
توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله)، من المكثرين في الرواية، اعتماد الأجلَّاء عليه
كالكليني (رضي الله عنه)، من رواة (كامل الزيارات)، صاحب كتاب يُعَدُّ من مستندات
التوثيق العامِّ.
٣ - محمّد بن عيسى بن عبيد: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤).
٤ - الحسن بن محمّد بن بشَّار: طبقته في الحديث السابعة، ورد في هامش النسخة
المعتمدة: (كذا في الكافي وبقية المصادر والبحار والعوالم غير القرب فإنَّ فيه
(يسار)، وفي الأصل ونسخة (ح): (بشناء)، وفي نُسَخ (أ، ف، م): (سنان)).
أ - فإذا كان اسمه (الحسن بن محمّد بن بشناء)، فلم يرد له ذكر في كُتُب الرجال،
وهذا ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
ب - وإذا كان اسمه (الحسن بن محمّد بن سنان)، فترجمته كالآتي:
الحسن بن محمّد بن سنان، ترجم له الذهبي(١٧٧).
-----------------
(١٧٧) راجع: تاريخ الإسلام (ج ٢٣/ ص ٥٣٥/ الرقم ٣٠١).
وجاء في كتاب (الولاة وكُتَّاب القضاة): (وكان الحسن بن محمّد بن سنان بن أخي يزيد
بن سنان من وجوه المصريِّين...، وكان محمّد بن حسن [لعلَّه الحسن بن محمّد في
الموضعين] أميناً عند القضاة، وكانت ودائع بكَّار وغيره عنده وعند زوجته فاطمة بنت
يزيد بن سنان)(١٧٨).
لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال عندنا، وهذا ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
ج - وإذا كان اسمه (الحسن بن محمّد بن بشَّار)، فيمكن أنْ يُلتمَس لتوثيقه عدَّة
وجوه، وذُكِرَ منها: قال الشيخ (قدّس سرّه) في (رجاله): (من أصحاب الكاظم والرضا
(عليهما السلام)، ثقة صحيح، كان واقفيًّا ثمّ رجع)، ذكره ابن داود (رحمه الله) في
القسم الأوَّل من (رجاله).
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (روى عن شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامَّة،
ممَّن كان يُقبَل قوله، وروى عنه محمّد بن عيسى اليقطيني فيما ذكره الصدوق في
أماليه، المجلس ٢٩، الحديث ٢٠، ثمّ قال: قال الحسن: وكان هذا الشيخ من خيار
العامَّة، شيخ صدوق، مقبول القول، ثقة، ثقة جدًّا عند الناس، وتقدَّمت الرواية عن
الكافي في الحسن بن محمّد بن بشار. أقول: يظهر من الرواية تشيُّعه، ولا يبعد
اتِّحاده مع الحسن بن بشَّار (يسار) المتقدِّم الثقة)(١٧٩).
فمن المطمأنِّ به: أنَّ الرجل واحد، والاختلاف إنَّما نشأ من اختلاف نُسَخ الرجال،
وإنْ كان البرقي (رحمه الله) ذكر الحسن بن بشَّار والحسين بن بشَّار من أصحاب
الإمام الجواد (عليه السلام)، والحسين بن يسار من أصحاب الإمام الكاظم (عليه
السلام).
كما أنَّ من المطمأنِّ به: صحَّة كلمة (بشَّار) على ما صرَّح به ابن داود (رحمه
الله)، دون كلمة (يسار) كما يظهر من الروايات.
-----------------
(١٧٨) الولاة وكُتَّاب القضاة (ص ٥١٠).
(١٧٩) معجم رجال الحديث (ج ٦/ ص ١٤٤/ الرقم ٣١٣٤).
٥ - شيخ من أهل قطيعة الربيع: قال الحميري (رحمه الله) في (قرب الإسناد): (قال الحسن [الحسن بن محمّد بن بشَّار]: وكان هذا الشيخ من خيار العامَّة، شيخ صدق، مقبول القول، ثقة ثقة جدًّا عند الناس)(١٨٠)، ويُعَدُّ هذا توثيقاً للرجل لمن يرتضي نقل التوثيقات من قِبَل الحميري (رحمه الله) في (قرب الإسناد)، وله وجه.
* * *
-----------------
(١٨٠) قرب الإسناد (ص ٣٣٤).
رواية: مَنْ ظلم الإمام الرضا (عليه السلام)
حقَّه كمَنْ ظلم الإمام عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) حقَّه:
الحديث (٨): فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيُّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ وَعُبَيْدِ اَلله بْنِ اَلمَرْزُبَانِ، عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) - مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدَمَ
اَلْعِرَاقَ بِسَنَةٍ - وَعَلِيٌّ اِبْنُهُ جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَظَرَ
إِلَيَّ وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ
حَرَكَةٌ فَلَا تَجْزَعْ لِذَلِكَ»، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ جَعَلَنِيَ
اَللهُ فِدَاكَ، فَقَدْ أَقْلَقْتَنِي؟ قَالَ: «أُصَيَّرُ إِلَى هَذِهِ(١٨٢)
اَلطَّاغِيَةِ، أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُنِي مِنْهُ سُوءٌ، وَمِنَ اَلَّذِي
يَكُونُ بَعْدَهُ»، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟
قَالَ: ﴿يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا
يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: ٢٧]، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ جَعَلَنِيَ اَللهُ
فِدَاكَ؟ قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ اِبْنِي هَذَا حَقَّهُ وَجَحَدَهُ إِمَامَتَهُ مِنْ
بَعْدِي كَانَ كَمَنْ ظَلَمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) إِمَامَتَهُ
وَجَحَدَهُ حَقَّهُ بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»، قَالَ:
قُلْتُ: وَاَلله لَئِنْ مَدَّ اَللهُ لِي فِي اَلْعُمُرِ لَأُسَلِّمَنَّ لَهُ
حَقَّهُ، وَلَأُقِرَّنَّ بِإِمَامَتِهِ، قَالَ: «صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ، يَمُدُّ
اَللهُ فِي عُمُرِكَ، وَتُسَلِّمُ لَهُ حَقَّهُ (عليه السلام)، وَتُقِرُّ لَهُ
بِإِمَامَتِهِ، وَإِمَامَةِ مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ»، قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ
ذَاكَ(١٨٣)؟
-----------------
(١٨١) (١٩/ ربيع الثاني/ ١٤٤٥هـ).
(١٨٢) في بعض النُّسَخ: (هذا).
(١٨٣) أي مَن الذي يكون بعد الإمام الرضا (عليه السلام)، فأجابه الإمام الكاظم
(عليه السلام) أنَّ الذي تكون له الإمامة بعد الإمام الرضا (عليه السلام) هو ابنه
الإمام محمّد الجواد (عليه السلام).
قَالَ: «اِبْنُهُ مُحَمَّدٌ»، قَالَ: قُلْتُ: لَهُ اَلرِّضَا
وَاَلتَّسْلِيمُ(١٨٤).
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث المتقدِّم في عدَّة مصادر أسبق من (الغيبة)، منها:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(١٨٥).
٢ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(١٨٦).
من خلال المقارنة بين النُّسَخ والكُتُب تبيَّن وجود العديد من الاختلافات، وكذا
الحذوفات والتقطيع.
البحث السندي:
١ - محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - محمّد بن الحسن: طبقته في الحديث الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من رواة
تفسير القمِّي، إكثاره الرواية.
٣ - سهل بن زياد: طبقته في الحديث السابعة ويمكن عدّه من الثامنة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) في (رجاله)، من رواة تفسير القمِّي، كثير
الرواية، رواية الأجلَّاء عنه، كونه شيخ إجازة.
وما ورد من تضعيف له فهو معلَّل، والعلَّة غير تامَّة.
٤ - وفي هذه الواسطة رجلان:
أ - محمّد بن عليٍّ: طبقته في الحديث السابعة ويمكن عدّه من الثامنة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: كثير الرواية، ممَّن روى عنه أصحاب الإجماع كأحمد ابن محمّد بن أبي
نصر البزنطي.
-----------------
(١٨٤) والحديث ظاهر لا يحتاج إلى تقريب على
المدَّعى، وهكذا في الكثير من الأحاديث التي ستمرُّ عليك.
(١٨٥) الكافي (ج ١/ ص ٣١٩/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/
ح ١٦).
(١٨٦) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٥٢ و٢٥٣).
ب - عبيد الله بن المرزبان: ورد في هامش النسخة المعتمدة: كذا في الكافي والإرشاد،
وفي الأصل: (محمّد بن عليِّ بن عبد الله بن المرزبان).
وكلٌّ من الاسمين لم يرد لهما ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه
بـ (المهمل).
٥ - محمّد بن سنان أبو جعفر الزاهري: طبقته في الحديث السابعة ويمكن عدّه من
الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ المفيد (قدّس سرّه) وابن طاوس (رحمه
الله) له، أنَّه من أهل الورع، من خاصَّة الإمام الرضا (عليه السلام)، من الفقهاء،
وقوعه في إسناد تفسير القمِّي، مدحه الكشِّي (رحمه الله)، رواية الأجلَّاء عنه.
وأمَّا تضعيفه فإنَّما هو من ابن عقدة الزيدي، وفي قبوله نظر، وقد صرَّح النجاشي
(رحمه الله) بنقل التضعيف عنه، وكذا الشيخ (رحمه الله)، ولم يجزِما بضعفه، على
أنَّهم ذكروا وجهه، وما يُذكَر من تضعيف مع ذكر وجهه يدخل تحت عنوان التضعيفات
المعلَّلة، وهي تتبع وجه تعليلها، والمتتبِّع يلتمس من تضعيفات ابن عقدة أنَّ
الغالب فيها لوجوه من غير جهة الصدق والكذب في النقل، كالعقيدة والتلمذة وغيرها.
* * *
رواية: كبر سنِّي فخذ بيدي وأنقذني من النار:
الحديث (٩): عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ اَلْقَصْرِيِّ جَمِيعاً،
عَنْ دَاوُدَ اَلرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام):
جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي قَدْ كَبِرَ سِنِّي فَخُذْ بِيَدِي وَأَنْقِذْنِي مِنَ
اَلنَّارِ، مَنْ صَاحِبُنَا بَعْدَكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى اِبْنِهِ أَبِي اَلحَسَنِ
(عليه السلام)، فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث المتقدِّم في عدَّة مصادر أسبق من (الغيبة)، منها:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(١٨٧)،
والاختلافات بين ما رواه الشيخ (قدّس سرّه) وما رواه الشيخ الكليني (رضي الله عنه)
محدودة وقليلة.
٢ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(١٨٨)، حيث ورد في هذا
المصدر ثلاثة أحاديث يمكن استظهار أنَّها نُقِلَت بالمعنى من الحديث الأُمِّ، أو
قُطِّع بعضها وروي بعضه دون البعض الآخر، وهذا ليس بعزيز.
٣ - إثبات الوصيَّة للمسعودي(١٨٩)، بعين ما تقدَّم في تخريج المصدر السابق.
٤ - كفاية الأثر للخزَّاز القمِّي(١٩٠).
٥ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(١٩١)، بنحو ما في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - أحمد بن مهران: طبقته في الحديث الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: ترحُّم
الكليني (رضي الله عنه) عليه في عدَّة موارد، كثير الرواية، إكثار الأجلَّاء عنه.
٣ - محمّد بن عليٍّ: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٨).
٤ - محمّد بن سنان: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٨).
٥ - إسماعيل بن عبَّاد القصري: طبقته في الحديث السادسة ويمكن عدّه من السابعة، ورد
في هامش النسخة المعتمدة: كذا في الكافي وهو الصحيح، قال الشيخ (قدّس سرّه): إنَّه
من أصحاب الرضا (عليه السلام)، وذكره البرقي أيضاً كذلك، وفي الأصل ونسختي (ف، ح):
(البصري).
-----------------
(١٨٧) الكافي (ج ١/ ص ٣١٢/ باب الإشارة والنصِّ على
أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح ٣).
(١٨٨) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٣٣/ باب ٤/ ح ٧).
(١٨٩) إثبات الوصيَّة (ص ٢٠٤ و٢٠٥).
(١٩٠) كفاية الأثر (ص ٢٧٢ و٢٧٣).
(١٩١) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٤٨).
فإذا كان اسمه (إسماعيل بن عبَّاد البصري)، فهو
ممَّن لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهذا ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
وإذا كان اسمه (إسماعيل بن عبَّاد القصري)، فهو ممَّن لم يُعثَر على توثيق له، فهو
مجهول الحال.
٦ - داود بن كثير (داود الرقِّي): طبقته في الحديث السادسة وقيل غير ذلك، وجوه
توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، من رواة تفسير القمِّي، روى عنه
أصحاب الإجماع كابن أبي عمير، من رواة (كامل الزيارات)، قول الشيخ الصدوق (قدّس
سرّه) في حقِّه في المشيخة: وروي عن الصادق (عليه السلام) بأنَّه قال: «أَنْزِلُوا
دَاوُدَ اَلرِّقِيَّ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ اَلمِقْدَادِ مِنْ رَسُولِ اَلله (صلّى
الله عليه وآله وسلّم)»(١٩٢)، توثيق الكشِّي (رحمه الله) له بمثل ما ذكره الشيخ
الصدوق (قدّس سرّه)(١٩٣).
وما ورد من تضعيف له من قِبَل الشيخ النجاشي (رحمه الله) وغيره فهو معلَّل
بالغلوِّ.
* * *
رواية: هذا ابني عليٍّ (عليه السلام):
الحديث (١٠): عَنْهُ، عَنِ اَلحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلحَسَنِ،
عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي اَلحَسَنِ اَلْأَوَّلِ (عليه السلام): أَلَا تَدُلُّنِي عَلَى مَنْ
آخُذُ مِنْهُ(١٩٤) دِينِي؟ فَقَالَ: «هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ، إِنَّ أَبِي أَخَذَ
بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
وَقَالَ: يَا
-----------------
(١٩٢) من لا يحضره الفقيه (ج ٤/ ص ٤٩٥).
(١٩٣) راجع: رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٧٠٤/ الرقم ٧٥٠).
(١٩٤) في بعض النُّسَخ: (عنه).
بُنَيَّ، إِنَّ اَللهَ(١٩٥) قَالَ: ﴿إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]، وَإِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ)
إِذَا قَالَ قَوْلاً وَفَى بِهِ».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث المتقدِّم في عدَّة مصادر أسبق من (الغيبة)، منها:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(١٩٦)، باختلاف يسير.
٢ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(١٩٧)، بعين ما في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - الحسين بن محمّد: طبقته في الحديث الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من مشايخ
الكليني (رضي الله عنه)، كثير الرواية، وقع في إسناد كثير من الروايات تبلغ
ثمانمائة وتسعة وخمسين مورداً.
٣ - معلَّى بن محمّد: طبقته في الحديث السابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من رواة
(تفسير القمِّي)، كثير الرواية، من رواة (كامل الزيارات)، التعبير عنه بقرب كُتُبه
من قِبَل الشيخ النجاشي (رحمه الله).
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (الظاهر أنَّ الرجل ثقة يُعتمَد على رواياته.
وأمَّا قول النجاشي من اضطرابه في الحديث والمذهب، فلا يكون مانعاً عن وثاقته،
أمَّا اضطرابه في المذهب فلم يثبت كما ذكره بعضهم، وعلى تقدير الثبوت فهو لا ينافي
الوثاقة، وأمَّا اضطرابه في الحديث فمعناه أنَّه قد يروي ما يُعرَف، وقد يروي ما
يُنكَر، وهذا أيضاً لا ينافي الوثاقة. ويُؤكِّد ذلك قول النجاشي: (وكُتُبه قريبة).
-----------------
(١٩٥) في بعض النُّسَخ بإضافة: ((عزَّ وجلَّ)).
(١٩٦) الكافي (ج ١/ ص ٣١٢/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/
ح ٤).
(١٩٧) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٤٨ و٢٤٩).
وأمَّا روايته عن الضعفاء على ما ذكره ابن
الغضائري، فهي على تقدير ثبوتها لا تضرُّ بالعمل بما يرويه عن الثقات، فالظاهر أنَّ
الرجل معتمد عليه، والله العالم)(١٩٨).
٤ - أحمد بن محمّد بن عبد الله (أحمد بن محمّد بن عبد الله بن مروان الأنباري):
طبقته في الحديث السابعة، لم يُعثَر له على توثيق، فهو مجهول الحال.
٥ - الحسن: مشترك في هذه الرواية، وبعد التتبُّع لم نعثر له على توثيق، فهو مجهول.
٦ - محمّد بن أبي عمير زياد: طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها:
جليل القدر وعظيم المنزلة، من أصحاب الإجماع، من وجوه الطائفة، توثيق المشايخ
الثلاثة له: الطوسي (قدّس سرّه) والنجاشي والكشِّي (رحمهما الله).
٧ - محمّد بن إسحاق بن عمَّار: طبقته في الحديث السادسة وقد يُعد من الخامسة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، رواية أصحاب الإجماع عنه،
توثيق الشيخ المفيد (قدّس سرّه) له.
* * *
-----------------
(١٩٨) معجم رجال الحديث (ج ١٩/ ص ٢٨٠/ الرقم ١٢٥٣٦).
رواية: هذا عليٌّ (عليه السلام) سيِّد ولدي:
الحديث (١١): عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ اَلحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ
اَلصَّحَّافِ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهِشَامُ بْنُ اَلحَكَمِ وَعَلِيُّ بْنُ
يَقْطِينٍ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: كُنْتُ عِنْدَ اَلْعَبْدِ
اَلصَّالِحِ(عليه السلام) جَالِساً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ اِبْنُهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ
لِي: «يَا عَلِيَّ بْنِ يَقْطِينٍ، هَذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي، أَمَا إِنِّي
قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي»، فَضَرَبَ هِشَامٌ بِرَاحَتِهِ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ
قَالَ: وَيْحَكَ كَيْفَ قُلْتَ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: سَمِعْتُهُ
وَاَلله مِنْهُ كَمَا قُلْتُ، فَقَالَ هِشَامٌ: «إِنَّ اَلْأَمْرَ وَاَلله فِيهِ
مِنْ بَعْدِهِ».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢٠٠).
٢ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٠١)، بسند مختلف
واختلاف يسير.
٣ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٢٠٢)، بعين ما في (الغيبة).
-----------------
(١٩٩) (٢٦/ ربيع الثاني/ ١٤٤٥هـ).
(٢٠٠) الكافي (ج ١/ ص ٣١١/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/
ح ١).
(٢٠١) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٣١ و٣٢/ باب ٤/ ح ٣).
(٢٠٢) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٤٩).
٤ - كفاية الأثر للخزَّاز القمِّي (رحمه الله)(٢٠٣).
٥ - إثبات الوصيَّة للمسعودي(٢٠٤).
٦ - بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن بن فرُّوخ (الصفَّار (رحمه الله))(٢٠٥)، باختلاف
يسير في السند وكذا في المتن، نعم ما روي في (البصائر) هو نصوص ثلاثة يمكن استظهار
أنَّها نُقِلَت بالمعنى من الحديث الأُمِّ، أو قُطِّع بعضها ورُوِيَ بعضه دون البعض
الآخر على ما سبق ذكره.
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - محمّد بن يحيى (محمّد بن يحيى أبو جعفر): طبقته في الحديث الثامنة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: كثير الرواية جدًّا، من رواة (كامل الزيارات)، شيخ الكليني (رضي الله
عنه)، توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، من الأعيان.
٣ - أحمد بن محمّد بن عيسى: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤).
٤ - الحسن بن محبوب: طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: جليل
القدر، من الأركان الأربعة في عصره، توثيق الشيخ (رحمه الله) له، من أصحاب الإجماع،
من رواة (كامل الزيارات).
٥ - الحسين بن نعيم الصحَّاف (الحسين الصحَّاف): طبقته في الحديث السادسة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، من رواة (تفسير القمِّي)،
ممَّن روى عنه أصحاب الإجماع كابن أبي عمير.
٦ - هشام بن الحَكَم: طبقته في الحديث الخامسة، وجوه توثيقه عديدة،
-----------------
(٢٠٣) كفاية الأثر (ص ٢٧١).
(٢٠٤) إثبات الوصيَّة (ص ٢٠٢ و٢٠٣).
(٢٠٥) بصائر الدرجات (ص ١٨٤/ ج ٤/ باب ١/ ح ٧ - ٩).
منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، من خواصِّ أصحاب الإمام الكاظم (عليه
السلام)، رواية أصحاب الإجماع عنه، صاحب أصل، توثيق الشيخ المفيد (قدّس سرّه) له،
من الفقهاء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، من كبار المتكلِّمين الشيعة.
٧ - عليُّ بن يقطين: طبقته في الحديث الخامسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق
الشيخ (قدّس سرّه) له، من الفقهاء وأهل الورع ومن أصحاب الكُتُب، كثير الرواية،
جليل القدر عظيم المنزلة، توثيق الشيخ المفيد (قدّس سرّه) له، وعدَّه من خاصَّة
أصحاب الرضا (عليه السلام).
* * *
رواية: ابني عليٍّ ينظر في الجفر ولم ينظر فيه
إلاَّ نبيٌّ أو وصيُّ نبيٍّ:
الحديث (١٢): عَنْهُ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ نُعَيْمٍ
اَلْقَابُوسِيِّ، عَنْ أَبِي اَلحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ:
«اِبْنِي عَلِيٌّ أَكْبَرُ وُلْدِي، وَآثَرُهُمْ عِنْدِي، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ،
وَهُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي اَلجَفْرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ
وَصِيُّ نَبِيٍّ».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢٠٦).
٢ - بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن بن فرُّوخ (الصفَّار (رحمه الله))(٢٠٧).
٣ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٠٨)، باختلاف يسير
في السند والمتن.
-----------------
(٢٠٦) الكافي (ج ١/ ص ٣١١ و٣١٢/ باب الإشارة والنصِّ
على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح ٢).
(٢٠٧) بصائر الدرجات (ص ١٧٨ و١٧٩/ ج ٣/ باب ١٤/ ح ٢٤).
(٢٠٨) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٤٠/ باب ٤/ ح ٢٧).
٤ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٢٠٩)، بعين ما
في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - عدَّة من أصحابنا: تقدَّم في الحديث (٢).
٣ - أحمد بن محمّد بن عيسى: تقدَّم توثيقه في الحديث (٤).
٤ - معاوية بن حُكَيم بن معاوية بن عمَّار الدهني: طبقته في الحديث السابعة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: كثير الرواية، من أصحاب الأُصول، توثيق الشيخ النجاشي (رحمه
الله) له، جليل القدر ومن الفقهاء، توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، من رواة (تفسير
القمِّي)، من رواة (كامل الزيارات).
٥ - نُعَيم القابوسي: طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق
الشيخ المفيد (قدّس سرّه) له، من الفقهاء وأهل الورع، من خواصِّ أصحاب الإمام
الكاظم (عليه السلام).
* * *
رواية: عهدي إلى أكبر ولدي:
الحديث (١٣): عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَعَلِيِّ بْنِ اَلحَكَمِ جَمِيعاً، عَنِ اَلحُسَيْنِ
بْنِ اَلمُخْتَارِ، قَالَ: خَرَجَتْ إِلَيْنَا أَلْوَاحٌ مِنْ أَبِي اَلحَسَنِ
(عليه السلام) - وَهُوَ فِي اَلحَبْسِ -: «عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي أَنْ
يَفْعَلَ كَذَا وَأَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وَفُلَانٌ لَا تُنِلْهُ شَيْئاً حَتَّى
أَلْقَاكَ أَوْ يَقْضِيَ اَللهُ عَلَيَّ اَلمَوْتَ»(٢١٠).
-----------------
(٢٠٩) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٤٩ و٢٥٠).
(٢١٠) المستفاد من الحديث مضافاً إلى دلالته على إثبات الوصيَّة في الإمام الرضا
(عليه السلام) أنَّ من الطُّرُق التي كان يخاطب فيها الإمام الكاظم (عليه السلام)
شيعته هو المكاتبات، وما عبَّرت عنه الرواية بالألواح وما عُرِفَ فيما بعد
بالتوقيعات.
والجدير بالالتفات إليه أنَّ خروج الألواح من الإمام (عليه السلام) مع شدَّة
التضييق عليه في السجن من جهة ومعروفيَّة انتساب هذه الألواح إلى الإمام (عليه
السلام) وعدم جعلها أو تزويرها عليه يستدعي التأمُّل في كيفيَّة إيصال الأئمَّة
(عليهم السلام) ما يريدونه من شيعتهم في أحلك الظروف وأصعبها، حيث تُلقّيت في
موردنا الألواح الصادرة منه (عليه السلام) بالقبول، ولم يُناقَش في انتسابها إليه،
مع أنَّها تناولت أخطر قضيَّة وأبرز مصداق لإعمال التقيَّة، وهو تنصيب الإمام بعد
الإمام.
وتعبيره (عليه السلام) بأنَّ فلاناً لا تُنِله شيئاً حتَّى ألقاك لعلَّه يفيد أنَّ
بعض الأصحاب من المقرَّبين سينحرفون عن الإمام الرضا (عليه السلام)، لذلك يوصي
(عليه السلام) بعدم إعطائه شيئاً.
وفي الرواية الأُخرى من (الكافي) والتي لم ينقلها شيخ الطائفة (قدّس سرّه) أنَّ
الألواح خرجت بالبصرة، وهذا يعني أنَّها خرجت أيَّام سجن الإمام (عليه السلام)
بالبصرة، ولم يتيَّسر لنا معرفة الفاصلة بين هذا الزمان وزمان شهادته (عليه
السلام).
وتعبيره: (مَكْتُوبٌ فِيهَا بِالْعَرْضِ)، قد يُراد منه أنَّ خطَّ الإمام (عليه
السلام) في هذا اللوح كُتِبَ في عرض الصفحة لا في طولها، أو أنَّه إشارة إلى شيء
كان متداولاً بينهم ويُكنَّى به عن أمر يعرفون مغزاه ومقصده.
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢١١)، بعين ما في (الغيبة).
وجاءت في (الكافي) رواية أُخرى، وفيها تحقيق نورده هنا: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا،
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اَلله
بْنِ اَلمُغِيرَةِ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلمُخْتَارِ، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا
مِنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) بِالْبَصْرَةِ أَلْوَاحٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا
بِالْعَرْضِ(٢١٢): «عَهْدِي إلى أَكْبَرِ وُلْدِي(٢١٣): يُعْطى فُلَانٌ كَذَا،
وفُلَانٌ كَذَا، وفُلَانٌ
-----------------
(٢١١) الكافي (ج ١/ ص ٣١٢ و٣١٣/ باب الإشارة والنصِّ
على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح ٨).
(٢١٢) في هامش الكافي (ط دار الحديث): (في مرآة العقول: ويحتمل على بُعد أنْ يكون
بالتحريك، أي كتب الكتاب ظاهراً لأمر آخر، وكتب فيها هذا بالعَرَض تقيَّةً).
(٢١٣) في هامش الكافي (ط دار الحديث): في (ج): (أولادي).
كَذَا(٢١٤)، وفُلَانٌ لَا يُعْطى حَتَّى أَجِيءَ،
أو يَقْضِيَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَيَّ المَوْتَ(٢١٥)؛ إِنَّ اَللهَ يَفْعَلُ مَا
يَشَاءُ»(٢١٦).
٢ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢١٧)، باختلاف بيِّن
في السند والمتن يستدعي المراجعة، إذ قد يُستفاد منه التعويض في السند.
٣ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٢١٨)، بعين ما في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - أحمد بن مهران: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٣ - محمّد بن عليٍّ: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٤ - في هذه الطبقة جماعة، هم:
أ - محمّد بن سنان: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
ب - عليُّ بن الحَكَم بن الزبير الأنباري: طبقته في الحديث السابعة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، تلميذ ابن أبي عمير الخاصُّ، من رواة
(كامل الزيارات).
ولكن سيأتي في عليِّ بن الحَكَم في الحديث (١٩) أنَّه ورد في هامش النسخة المعتمدة:
(كذا في الأصل، ولكن في الكافي والإمامة والتبصرة وغيرهما: (أبي الحَكَم الأرمني)،
ولم نجد له ذكراً في كُتُب الرجال).
-----------------
(٢١٤) في هامش الكافي (ط دار الحديث): في الوافي:
(وفلان كذا).
(٢١٥) في هامش الكافي (ط دار الحديث): في (ب): (بالموت).
(٢١٦) الكافي (ج ١/ ص ٣١٣/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/
ح ٩).
(٢١٧) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٣٩/ باب ٤/ ح ٢٣).
(٢١٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٥٠).
٥ - الحسين بن المختار (الحسين القلانسي): طبقته في الحديث السادسة ويمكن عدّه من الخامسة، وجوه توثيق عديدة، منها: من رواة (كامل الزيارات)، توثيق الشيخ المفيد (قدّس سرّه) له، من خواصِّ الإمام الكاظم (عليه السلام)، من الفقهاء وأهل الورع.
* * *
رواية: هذا ابني عليٌّ (عليه السلام) كتابه
كتابي وكلامه كلامي:
الحديث (١٤): عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،
عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْقَنْدِيِّ - وَكَانَ مِنَ اَلْوَاقِفَةِ -، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَعِنْدَهُ أَبُو اَلحَسَنِ
اِبْنُهُ، فَقَالَ لِي: «يَا زِيَادُ، هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ، إِنَّ كِتَابَهُ
كِتَابِي، وَكَلَامَهُ كَلَامِي، وَرَسُولَهُ رَسُولِي، وَمَا قَالَ فَالْقَوْلُ
قَوْلُهُ».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢٢٠)، باختلاف يسير.
٢ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٢١)، بسند مختلف
ينتهي إلى زياد القندي، وكذا باختلاف يسير في المتن.
٣ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٢٢٢)، بعين ما في (الغيبة) وإنِ اختلف
المضمون قليلاً.
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
-----------------
(٢١٩) (٣/جمادى الأُولى/ ١٤٤٥هـ).
(٢٢٠) الكافي (ج ١/ ص ٣١٢/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/
ح ٦).
(٢٢١) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٣٩/ باب ٤/ ح ٢٥).
(٢٢٢) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٥٠).
٢ - أحمد بن مهران: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٣ - محمّد بن عليٍّ: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
بحث في وثاقة القندي:
٤ - زياد بن مروان (زياد القندي): طبقته في الحديث السادسة ويمكن عدُّه من الخامسة،
وجوه توثيقه عديدة، منها: من أصحاب الأُصول، روى الأجلَّاء عنه، روى عنه أصحاب
الإجماع، وثَّقه الشيخ المفيد (قدّس سرّه).
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (لا ريب في وقف الرجل وخبثه، وأنَّه جحد حقَّ
الإمام عليِّ بن موسى (عليه السلام) مع استيقانه في نفسه، فإنَّه بنفسه قد روى
النصَّ على الرضا (عليه السلام) كما مرَّ...، ولكنَّه مع ذلك ثقة لا لأجل أنَّ
كتابه من الأُصول...، ولا لرواية الأجلَّاء عنه كمحمّد بن أبي عمير...، فإنَّ جميع
ذلك لا يكفي في إثبات الوثاقة على ما تقدَّم. بل لأنَّ الشيخ المفيد وثَّقه، فقد
عدَّه الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في (الإرشاد) ممَّن روى النصَّ على الرضا علي بن
موسى (عليه السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك من خاصَّته وثقاته
وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته، إذاً فالرجل من الثقات وإنْ كان قد جحد حقَّ
الإمام (عليه السلام) وخانه طمعاً في مال الدنيا.
فإنْ قلتَ: إنَّ شهادة الشيخ المفيد راجعة إلى زمان روايته النصَّ على الرضا (عليه
السلام)، ولذا قد وصفه بالورع، فلا أثر لهذه الشهادة بالنسبة إلى زمان انحرافه.
قلتُ: نعم، إلَّا أنَّ المعلوم بزواله من الرجل هو ورعه، وأمَّا وثاقته فقد كانت
ثابتة ولم يُعلَم زوالها)(٢٢٣).
-----------------
(٢٢٣) معجم رجال الحديث (ج ٨/ ص ٣٢٩ و٣٣٠/ الرقم ٤٨١١).
وروى الكشِّي (رحمه الله): حَدَّثَنِي حَمْدَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ
اَلْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ اَلْفَارِسِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عِيسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اِبْنِ أَبِي
سَعِيدٍ اَلزَّيَّاتِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ زِيَادٍ اَلْقَنْدِيِّ حَاجًّا، وَلَمْ
نَكُنْ نَفْتَرِقُ لَيْلاً وَلَا نَهَاراً فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَبِمَكَّةَ وَفِي
اَلطَّوَافِ، ثُمَّ قَصَدْتُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمْ أَرَهُ حَتَّى طَلَعَ
اَلْفَجْرُ، فَقُلْتُ لَهُ: غَمَّنِي إِبْطَاؤُكَ، فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَتِ
اَلْحَالُ؟ قَالَ لِي: مَا زِلْتُ بِالْأَبْطَحِ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ - يَعْنِي
أَبَا إِبْرَاهِيمَ - وَعَلِيٌّ اِبْنُهُ (عليهما السلام) عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ:
«يَا أَبَا اَلْفَضْلِ - أَوْ يَا زِيَادُ -، هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ قَوْلُهُ
قَوْلِي وَفِعْلُهُ فِعْلِي، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَانْزِلْهَا بِهِ
وَاِقْبَلْ قَوْلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ عَلَى اَلله إِلَّا اَلْحَقَّ»، قَالَ
اِبْنُ أَبِي سَعِيدٍ: فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اَللهُ حَتَّى حَدَثَ مِنْ أَمْرِ
اَلْبَرَامِكَةِ مَا حَدَثَ، فَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ
مُوسَى اَلرِّضَا (عليهما السلام) يَسْأَلُهُ عَنْ ظُهُورِ هَذَا اَلْأَمْرِ
اَلْحَدِيثِ أَوِ اَلْاِسْتِتَارِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه
السلام): «أَظْهِرْ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ»، فَظَهَرَ زِيَادٌ، فَلَمَّا
حَدَّثَ اَلْحَدِيثَ قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا اَلْفَضْلِ، أَيُّ شَيْءٍ يَعْدِلُ
بِهَذَا اَلْأَمْرِ؟ فَقَالَ لِي: لَيْسَ هَذَا أَوَانَ اَلْكَلَامِ فِيهِ، قَالَ:
فَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ بِالْكَلَامِ بِالْكُوفَةِ وَبِبَغْدَادَ، كُلَّ ذَلِكَ
يَقُولُ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَى أَنْ قَالَ لِي فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَيْحَكَ
فَتُبْطِلُ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثَ اَلَّتِي رَوَيْنَا(٢٢٤).
ويُستفاد منه: أنَّ القندي كان يعلم بأمر الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان مأموراً
بأنْ يذيع خبر إمامته، ولكن خبثه حال دون ذلك.
إنْ قلتَ: كيف رُويت عنه روايات إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) وهو من رؤوس
الواقفة؟
قلتُ: إنَّما رُويت عنه عندما كان يُحدِّث بها أيَّام استقامته، وأُودعت الكُتُب
-----------------
(٢٢٤) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٧٦٧/ ح ٨٨٧).
حينذاك، وانتشرت تلك الكُتُب ونُسِخَت في الأقطار، فخرج الحقُّ على لسانه، وانحرف هو بسوء سريرته وخبثه.
* * *
رواية: اشهدوا أنَّ ابني هذا وصيٌّ:
الحديث (١٥): عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ، عَنِ اَلمَخْزُومِيِّ - وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ
وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -، قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُو اَلحَسَنِ
مُوسَى (عليه السلام)، فَجَمَعَنَا ثُمَّ قَالَ لَنَا: «أَتَدْرُونَ لِـمَ
جَمَعْتُكُمْ؟»، فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: «اِشْهَدُوا أَنَّ اِبْنِي هَذَا وَصِيِّي،
وَاَلْقَيِّمُ بِأَمْرِي، وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي
دَيْنٌ فَلْيَأْخُذْهُ مِنِ اِبْنِي هَذَا، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ
فَلْيَتَنَجَّزْهَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ لِقَائِي فَلَا
يَلْقَنِي إِلَّا بِكِتَابِهِ».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢٢٥)، باختلاف يسير.
٢ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٢٦)، بسند آخر،
واختلاف يسير في المتن.
٣ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٢٢٧)، بعين ما في (الغيبة) سنداً ومتناً.
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - أحمد بن مهران: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
-----------------
(٢٢٥) الكافي (ج ١/ ص ٣١٢/ باب الإشارة والنصِّ على
أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح ٧).
(٢٢٦) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٣٦/ باب ٤/ ح ١٣).
(٢٢٧) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٥٠ و٢٥١).
٣ - محمّد بن عليٍّ: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٤ - محمّد بن الفضل الأزدي: طبقته في الحديث السادسة ولعلَّه من السابعة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، توثيق ابن شهرآشوب (رحمه الله)
له، عدُّه من ثقات الإمام الرضا (عليه السلام)، توثيق ابن داود (رحمه الله) له.
٥ - المخزومي (عبد الله بن الحارث): طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة،
منها: توثيق الشيخ المفيد (قدّس سرّه) له، من أهل الورع والفقه.
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (ورواها المفيد (قدّس سرّه) في (الإرشاد) في باب
النصِّ على إمامة عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام) بسند آخر، قال: حَدَّثَنِي
أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
اَلْفُضَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلمَخْزُومِيُّ - وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وُلْدِ
جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) -، قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُو
اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) (إلى آخر الرواية)، وعَدَّ المخزومي ممَّن روى
النصَّ على الرضا عليِّ بن موسى(عليهما السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه
بذلك من خاصَّته وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته، ويظهر من رواية
(العيون) أنَّ المخزومي هو عبد الله بن الحارث)(٢٢٨).
* * *
رواية: أخاف أنْ لا ألقاك فأخبرني عن الإمام:
الحديث (١٦): عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،
عَنْ أَبِي عَلِيٍّ اَلخَزَّازِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قُلْتُ
لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَلَا
أَلْقَاكَ، فَأَخْبِرْنِي عَنِ اَلْإِمَامِ بَعْدَكَ، فَقَالَ: «اِبْنِي فُلَانٌ»
يَعْنِي أَبَا اَلحَسَنِ (عليه السلام).
-----------------
(٢٢٨) معجم رجال الحديث (ج ١١/ ص ١٦٣/ الرقم ٦٧٨١).
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢٢٩).
٢ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٣٠)، بسند آخر،
واختلاف يسير في المتن.
٣ - الإرشاد للشيخ المفيد، بعين ما في (الغيبة)(٢٣١).
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - أحمد بن مهران: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٣ - محمّد بن عليٍّ: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٤ - أبو عليٍّ الخزَّاز: طبقته في الحديث السابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من
رواة (كامل الزيارات)، يُعَدُّ من مشايخ أحمد بن محمّد بن عيسى، وقد قال البهبهاني
(رحمه الله) بتوثيقهم.
٥ - داود بن سليمان: مشترك بين جماعة، طبقته في الحديث السادسة: وجوه توثيقه عديدة،
منها: وثَّقه الشيخ المفيد (قدّس سرّه)، من خاصَّة أبي الحسن (عليه السلام)، وأهل
الورع والعلم من شيعته وقد عدّوه ممن له كتاب، قال السيد الخوئي (قدّس سرّه): (لم
يظهر لنا تعيين هذا الرجل)(٢٣٢).
* * *
-----------------
(٢٢٩) الكافي (ج ١/ ص ٣١٣/ باب الإشارة والنصِّ على
أبي الحسن (عليه السلام)/ ح ١١).
(٢٣٠) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٣٣/ باب ٤/ ح ٨).
(٢٣١) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٥١).
(٢٣٢) معجم رجال الحديث (ج ٨/ ص ١١٢/ الرقم ٤٤٠٤).
رواية: ذهب الناس يميناً وشمالاً:
الحديث (١٧): وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اِبْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي اَلجَهْمِ، عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ، قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ (عليه
السلام): مَنِ اَلَّذِي يَكُونُ بَعْدَكَ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَنْتَ هُوَ،
فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) ذَهَبَ اَلنَّاسُ يَمِيناً
وَشِمَالاً وَقُلْتُ بِكَ أَنَا وَأَصْحَابِي، فَأَخْبِرْنِي مَنِ اَلَّذِي يَكُونُ
مِنْ بَعْدِكَ مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ: «اِبْنِي فُلَانٌ».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢٣٣).
٢ - رجال الكشِّي (رضي الله عنه)(٢٣٤)، باختلاف يسير.
٣ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٣٥)، باختلاف في
السند عن سعيد بن أبي الجهم، واختلاف يسير في المتن.
٤ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٢٣٦)، بعين ما في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - وبهذا الإسناد (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في
الحديث (٧).
٢ - ابن مهران: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٣ - محمّد بن عليٍّ: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
-----------------
(٢٣٣) الكافي (ج ١/ ص ٣١٣/ باب الإشارة والنصِّ على
أبي الحسن (عليه السلام)/ ح ١٢).
(٢٣٤) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٧٤٧/ ح ٨٤٩).
(٢٣٥) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٣٩ و٤٠/ باب ٤/ ح ٢٦).
(٢٣٦) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٥١).
٤ - سعيد بن أبي الجهم: طبقته في الحديث السادسة،
وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، من وجهاء الكوفة.
وجوه توثيق ابن قابوس اللخمي:
٥ - نصر بن قابوس اللخمي: طبقته في الحديث السادسة وقيل غير ذلك، وجوه توثيقه
عديدة، منها: من أصحاب المنزلة عند الإمام الكاظم والرضا (عليهما السلام) كما عبَّر
عنه الشيخ النجاشي (رحمه الله)، عبَّر عنه الشيخ (قدّس سرّه): (أُسند عنه) وقيل:
تدلُّ على التوثيق، وصفه الشيخ المفيد (قدّس سرّه) بأنَّه من خاصَّة أبي الحسن موسى
(عليه السلام)، وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته، عدَّه الشيخ (قدّس
سرّه) من السفراء الممدوحين، ذكر الشيخ الكشِّي (رحمه الله) روايات تدلُّ على منزلة
الرجل من عقله واهتمامه بدينه.
* * *
رواية: صاحب هذا الأمر يطلبه منك:
الحديث (١٨): عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ
اَلضَّحَّاكِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى
أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) بِمَالٍ، قَالَ: فَأَخَذَ بَعْضَهُ وَتَرَكَ
بَعْضَهُ، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اَللهُ، لِأَيِّ شَيْءٍ تَرَكْتَهُ عِنْدِي؟
فَقَالَ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يَطْلُبُهُ مِنْكَ»، فَلَمَّا جَاءَ
نَعْيُهُ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو اَلحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَسَأَلَنِي
ذَلِكَ اَلمَالَ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ.
تخريج الحديث:
روي الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢٣٧)، باختلاف يسير.
٢ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٢٣٨)، بعين ما في (الغيبة).
-----------------
(٢٣٧) الكافي (ج ١/ ص ٣١٣/ باب الإشارة والنصِّ على
أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح ١٣).
(٢٣٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٥١ و٢٥٢).
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - أحمد (أحمد بن مهران): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٣ - محمّد بن عليٍّ: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٤ - الضحَّاك بن الأشعث: طبقته في الحديث السابعة وقد السادسة، لم نجد له توثيقاً
في كُتُب الرجال سوى أنَّه روى النصَّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام).
٥ - داود بن زربي: طبقته في الحديث السادسة، جاء في هامش النسخة المعتمَدة: (وفي
الأصل: داود بن رزين، ولم نجد له ذكراً في كُتُب الرجال، فلعلَّه مصحَّف: زربي).
فإنْ كان اسمه (داود بن رزين) فترجمته كالآتي:
أ - داود بن رزين: وجوه توثيقه عديدة، منها: ممَّن روى عنه أصحاب الإجماع كابن أبي
عمير، روى عنه يونس بن عبد الرحمن.
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (ولكن في الطبعة المعربة داود بن زربي بدل داود
ابن رزين، وهو الصحيح الموافق للروضة...، كذا في الطبعة القديمة والمرآة والوافي
أيضاً، ولكن في الطبعة المعربة داود بن زربي، وهو الصحيح)(٢٣٩).
وإنْ كان اسمه (داود بن زربي)، فترجمته كالآتي:
بحث في وثاقة داود بن زربي:
ب - داود بن زربي: وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه الشيخ المفيد (قدّس سرّه)، من
خواصِّ الإمام الرضا (عليه السلام) ومن أهل الورع والعلم والفقه، قال العلَّامة
(قدّس سرّه) في (الخلاصة): (داود بن زربي... كان أخصّ الناس بالرشيد، وأورد الكشِّي
ما
-----------------
(٢٣٩) معجم رجال الحديث (ج ٨/ ص ١٠٤ و١٠٥/ الرقم ٤٣٩٤).
يشهد بسلامة عقيدته، وقال النجاشي: إنَّه ثقة، ذكره
ابن عقدة)(٢٤٠)، قال ابن داود (رحمه الله): (أهمله الشيخ، ووثَّقه النجاشي)(٢٤١).
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (مقتضى ما ذكراه: سقوط كلمة (ثقة) عن نسخة النجاشي
الواصلة إلينا، وفي شهادتهما كفاية على الثبوت، وحينئذٍ لا ينبغي الإشكال في وثاقة
الرجل بشهادة المفيد وبشهادة ابن عقدة على ما ذكره النجاشي)(٢٤٢).
* * *
-----------------
(٢٤٠) خلاصة الأقوال (ص ١٤٢/ الرقم ٥).
(٢٤١) رجال ابن داود (ص ٩٠/ الرقم ٥٨٥).
(٢٤٢) معجم رجال الحديث (ج ٨/ ص ١٠٦/ الرقم ٤٣٩٦).
رواية: إنِّي أُوخذ في هذه السنة:
الحديث (١٩): عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ يَزِيدَ اِبْنِ سَلِيطٍ
فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي
اَلسَّنَةِ اَلَّتِي قُبِضَ (عليه السلام) فِيهَا: «إِنِّي أُوخَذُ فِي هَذِهِ
اَلسَّنَةِ، وَاَلْأَمْرُ هُوَ إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ، سَمِيِّ عَلِيٍّ، فَأَمَّا
عَلِيٌّ اَلْأَوَّلُ فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَلِيٌّ اَلْآخَرُ
فَعَلِيُّ بْنُ اَلحُسَيْنِ (عليهما السلام)، أُعْطِيَ فَهْمَ اَلْأَوَّلِ
وَحِلْمَهُ وَنَصْرَهُ وَوُدَّهُ وَذِمَّتَهُ وَمِحْنَتَهُ، وَمِحْنَةَ اَلْآخَرِ
وَصَبْرَهُ عَلَى مَا يَكْرَهُ...» تَمَامَ اَلخَبَرِ(٢٤٤).
-----------------
(٢٤٣) (١٠/ جمادى الأُولى/ ١٤٤٥هـ).
(٢٤٤) والحديث ظاهر الدلالة وواضح في بيان إثبات الإمامة من بعد الإمام الكاظم إلى
ولده عليٍّ الرضا (عليهما السلام)، مقرونة هذه الدلالة بمعاجز صدرت منه (عليه
السلام)، منها: قوله: «أُوخَذُ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ»، وهو مضافاً إلى دلالته على
الإعجاز، فيه بحث تأريخي ينبغي الاشتغال عليه وبيان عدد المرَّات التي سُجِنَ فيها
وتواريخ سجنه، فإنَّ تعدُّدها وكثرتها يترتَّب عليه أثر من جهة الإشكال عند البعض
في عدد ذرّيَّته ومَنِ انتسب إليه، إذ قيل بمنافاته لحبسه، فإذا ثبت كون عدد
المرَّات التي سُجِنَ فيها في فترات متقطعة سوى الأخيرة منها انتفى الإشكال من رأس.
كما ويُستفاد أيضاً إثبات بعض ما صدر منه، إذ قد يُقال بمنافاة ذلك لوضعه في السجن،
وبطريقة شُدِّد فيها عليه على ما مرَّ سابقاً، فإذا ثبت كون عدد المرَّات التي
سُجِنَ فيها كثيرة ولكنَّها متفرِّقة في الأزمان بحيث إنَّ الأخيرة منها دامت سنة
أو أقلّ ينتفي الإشكال.
ثمّ عقَّب (عليه السلام) بعد أنْ قرن تسمية ولده بمن سبقه من الأئمَّة (عليهم
السلام) المسمَّين بـ (عليٍّ)، فذكر أنَّ الإمام الرضا (عليه السلام) أُعطي فهم
الأوَّل، وحلم ونصر وودَّ وذمَّة ومحنة الآخر، وصبره على ما يكره، وهذه كلُّها
دلائل على إمامة الرضا (عليه السلام)، فكيف بعد هذا كلِّه يُقال بانقطاع إمامته
وغيبة الإمام الكاظم (عليه السلام)؟!
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الإمامة والتبصرة لابن بابويه (قدّس سرّه)(٢٤٥)، بسند فيه اختلاف يسير عمَّا في
(الغيبة)، والحديث طويل جدًّا يصل إلى ما يزيد على أكثر من ستَّة أضعاف الحديث الذي
رواه في (الغيبة)، وقد صرَّح شيخ الطائفة (قدّس سرّه) أنَّ الحديث طويل.
٢ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٢٤٦).
٣ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٤٧).
٤ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٢٤٨).
البحث السندي:
١ - عنه (محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه)): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧).
٢ - أحمد بن مهران: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٣ - محمّد بن عليٍّ: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٩).
٤ - عليُّ بن الحَكَم: تقدَّمت ترجمته في الحديث (١٣)(٢٤٩).
-----------------
(٢٤٥) الإمامة والتبصرة (ص ٧٧ - ٨١/ ح ٦٨).
(٢٤٦) الكافي (ج ١/ ص ٣١٣ - ٣١٦/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه
السلام)/ ح ١٤).
(٢٤٧) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٣٣ - ٣٥/ باب ٤/ ح ٩).
(٢٤٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٥٢).
(٢٤٩) عليُّ بن الحَكَم، ورد في هامش النسخة المعتمدة: (كذا في الأصل، ولكن في
الكافي والإمامة والتبصرة وغيرهما: (أبي الحكم الأرمني)، ولم نجد له ذكراً في كُتُب
الرجال).
ولكن قد ذكره السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجمه (ج ٢٢/ ص ١٤١/ الرقم ١٤٢١٣)،
قائلاً: (روى عن عبد الله بن عليِّ بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن
محمّد بن عمارة الجرمي، وروى عنه محمّد بن عليٍّ. الكافي: الجزء ١، كتاب الحجَّة ٤،
باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ٧٢ ، الحديث ١٤).
٥ - عبد الله بن إبراهيم بن عليٍّ، عبد الله بن إبراهيم بن محمّد: طبقته في الحديث
السابعة وقد يُعد من السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه
الله) له، ووصفه بأنَّه ثقة صدوق.
٦ - يزيد بن سليط: طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من خاصَّة
الإمام الكاظم (عليه السلام)، وثَّقه الشيخ المفيد (قدّس سرّه)، من أهل الورع
والعلم والفقه، وثَّقه ابن شهرآشوب (رحمه الله)، من أصحاب الأسرار والمكانة
الجليلة.
* * *
رواية: قد نحلته كنيتي:
الحديث (٢٠): وَرَوَى أَبُو اَلحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيُّ،
عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ:
مُحَمَّدُ بْنُ اَلحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلخَطَّابِ، وَاَلحَسَنُ بْنُ مُوسَى
اَلخَشَّابُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ،
عَنِ اَلحَسَنِ بْنِ اَلحَسَنِ - فِي حَدِيثٍ لَهُ -، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي
اَلحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام): أَسْأَلُكَ؟ فَقَالَ: «سَلْ إِمَامَكَ»، فَقُلْتُ:
مَنْ تَعْنِي؟ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ إِمَاماً غَيْرَكَ، قَالَ: «هُوَ عَلِيٌّ
اِبْنِي، قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي»، قُلْتُ: سَيِّدِي أَنْقِذْنِي مِنَ
اَلنَّارِ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) قَالَ: إِنَّكَ أَنْتَ
اَلْقَائِمُ بِهَذَا اَلْأَمْرِ، قَالَ: «أَوَ لَمْ أَكُنْ قَائِماً؟»، ثُمَّ
قَالَ: يَا حَسَنُ، مَا مِنْ إِمَامٍ يَكُونُ قَائِماً فِي أُمَّةٍ إِلَّا وَهُوَ
قَائِمُهُمْ، فَإِذَا مَضَى عَنْهُمْ فَالَّذِي يَلِيهِ هُوَ اَلْقَائِمُ
وَاَلحُجَّةُ حَتَّى يَغِيبَ عَنْهُمْ، فَكُلُّنَا قَائِمٌ، فَاصْرِفْ جَمِيعَ مَا
كُنْتَ تُعَامِلُنِي بِهِ إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ، وَاَلله وَاَلله مَا أَنَا
فَعَلْتُ ذَاكَ بِهِ، بَلِ اَللهُ فَعَلَ بِهِ ذَاكَ حُبًّا».
تخريج الحديث:
لم نجد فيما تتبَّعنا أنَّ هناك من روى الحديث أسبق من شيخ الطائفة (قدّس سرّه)،
والظاهر أنَّه أخذ هذا الحديث من كتاب محمّد بن جعفر الأسدي (رحمه الله) الذي له
إليه طريق كما يأتي في ترجمته.
البحث السندي:
١ - توثيق رجال طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى محمّد بن جعفر الأسدي (رحمه الله) يأتي
بعد الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
٢ - محمّد بن جعفر الأسدي أبو الحسين: طبقته في الحديث التاسعة، وجوه توثيقه عديدة،
منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، رواية الأجلَّاء عنه، أحد الأبواب
والسفراء الممدوحين.
٣ - سعد بن عبد الله: طبقته في الحديث الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق
الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، من شيوخ الطائفة ووجهائها، من الفقهاء، توثيق الشيخ
(قدّس سرّه) له، كثير التصانيف، واسع الأخبار.
٤ - في هذه الطبقة وهي السابعة وبعضهم السادسة جماعة، هم:
أ - محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب: وجوه توثيقه عديدة، منها: كثير الرواية، جليل
القدر، توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، حسن التصانيف، مسكون الرواية، توثيق
الشيخ (قدّس سرّه) له، توثيق الشيخ الكشِّي (رحمه الله) له.
ب - الحسن بن موسى الخشَّاب: وجوه توثيقه عديدة، منها: من وجوه أصحابنا، توثيق
الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، كثير العلم والحديث، من رواة (كامل الزيارات)، من
رواة (تفسير القمِّي).
ج - محمّد بن عيسى بن عبيد: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣).
٥ - محمّد بن سنان: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٨).
٦- الحسن بن الحسن: مشترك مع جماعة، ومَنْ هم في هذه الطبقة مجاهيل.
* * *
رواية: سعد امرؤ لم يمت حتَّى يرى خَلَفه:
الحديث (٢١): وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
قُتَيْبَةَ، عَنِ
اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَعُثْمَانَ بْنِ عِيسَى،
عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)،
فَقَالَ لِي: «إِنَّ جَعْفَراً (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: سَعِدَ اِمْرُؤٌ لَمْ
يَمُتْ حَتَّى يَرَى خَلَفَهُ مِنْ نَفْسِهِ»، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى
اِبْنِهِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: «هَذَا، وَقَدْ أَرَانِيَ اَللهُ خَلَفِي مِنْ
نَفْسِي».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - الخصال للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٥٠)، بسند يختلف عمَّا في (الغيبة) في بداية
الطريق، وكذا يوجد اختلاف يسير في المتن.
٢ - كفاية الأثر للخزَّاز القمِّي(٢٥١)، بسند مختلف، وبمتن موافق لما في (الغيبة).
البحث السندي:
ملاحظة: طريق الشيخ (قدّس سرّه) في هذه الرواية إلى أحمد بن إدريس هو طريق الكليني
(رضي الله عنه)، لأنَّ أحمد بن إدريس في الطبقة الثامنة، والشيخ (قدّس سرّه) في
الطبقة الثانية عشر، فلكي يخرج الحديث من الإرسال يكون مرويًّا بطُرُقه إليه.
١ - أحمد بن إدريس بن أحمد أبو عليٍّ الأشعري القمِّي: طبقته في الحديث الثامنة،
وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، توثيق الشيخ النجاشي (رحمه
الله) له، كثير الحديث والرواية، صحيح الرواية، من الفقهاء، كتابه كثير الفائدة، من
رواة (كامل الزيارات)، من مشايخ الكليني (رضي الله عنه) وأكثَرَ الروايةَ عنه.
-----------------
(٢٥٠) الخصال (ص ٢٦ و٢٧/ ح ٩٤).
(٢٥١) كفاية الأثر (ص ٢٧٣).
٢ - عليُّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري(٢٥٢): وجوه
توثيقه عديدة، منها: اعتماد الكشِّي (رحمه الله) في كتابه الرجالي عليه، راوي كتاب
الفضل بن شاذان وتلميذه الخاصُّ، وصف الشيخ (قدّس سرّه) له بالفاضل، توثيق
العلَّامة (قدّس سرّه) له، توثيق ابن داود (رحمه الله) له.
٣ - الفضل بن شاذان: طبقته في الحديث السابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق
الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، قال (رحمه الله) عنه: (أحد أصحابنا الفقهاء
والمتكلِّمين، وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أنْ نصفه)(٢٥٣)، قال
الشيخ (قدّس سرّه): (الفضل بن شاذان النيشابوري، فقيه، متكلِّم، جليل القدر، له كتب
ومصنَّفات)(٢٥٤)، وعدَّه الكشِّي (رحمه الله) من جملة العدول والثقات ممَّن روى عن
محمّد ابن سنان في ترجمته.
٤ - في هذه الطبقة - السابعة أو السادسة - جماعة، هم:
أ - محمّد بن سنان: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٨).
-----------------
(٢٥٢) قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجمه (ج
١٣/ ص ١٧١ و١٧٢/ الرقم ٨٤٧٥): (وقع الخلاف في اعتبار عليِّ بن محمّد القتيبي وعدمه،
فقيل باعتباره، واستُدِلَّ على ذلك بوجوه:
الأوَّل: اعتماد الكشِّي عليه، حيث إنَّه يروي عنه كثيراً، ويرد عليه ما يأتي عن
النجاشي في ترجمته من أنَّه يروي عن الضعفاء كثيراً.
الثاني: حكم العلَّامة بصحَّة روايته، وجوابه: أنَّ ذلك منه مبنيٌّ على أصالة
العدالة التي لا نقول بها، ومرَّ ذلك مراراً.
الثالث: حكم الشيخ عليه بأنَّه فاضل، فهو مدح يدخل الرجل به في الحسان، والجواب:
أنَّ الفضل لا يُعَدُّ مدحاً في الراوي بما هو راوٍ، وإنَّما هو مدح للرجل في نفسه
باعتبار اتِّصافه بالكمالات والعلوم، فما عن (المدارك) من أنَّ عليَّ بن محمّد بن
قتيبة غير موثَّق ولا ممدوح مدحاً يُعتدُّ به هو الصحيح، والله العالم).
(٢٥٣) رجال النجاشي (ص ٣٠٧/ الرقم ٨٤٠).
(٢٥٤) الفهرست (ص ١٩٧ و١٩٨/ الرقم ٥٦٣/١).
ب - صفوان بن يحيى: وجوه توثيقه عديدة، منها: قال
الشيخ النجاشي (رحمه الله): (صفوان بن يحيى أبو محمّد البجلي، بيَّاع السابري،
كوفي، ثقة ثقة، عين)(٢٥٥)، كانت له عند الإمام الرضا (عليه السلام) منزلة شريفة، قد
توكَّل للرضا وأبي جعفر (عليهما السلام)، وسلم مذهبه من الوقف، كانت له منزلة من
الزهد والعبادة، قال الشيخ (رحمه الله) عنه: (أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث
وأعبدهم)(٢٥٦)، وقال الكشِّي (رحمه الله) في تسمية الفقهاء: إنَّ صفوان من أصحاب
الإجماع، وإنَّه هو ويونس ابن عبد الرحمن أفقه هؤلاء(٢٥٧).
ج - عثمان بن عيسى(٢٥٨): وجوه توثيقه عديدة، منها: ذكر الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب
(العُدَّة): عمل الطائفة برواياته لأجل كونه موثوقاً به ومتحرِّجاً عن الكذب(٢٥٩)،
عدَّه ابن شهرآشوب (رحمه الله) من ثقات أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام)،
من رواة (تفسير القمِّي)، قيل: إنَّه من أصحاب الإجماع.
٥ - موسى بن بكر الواسطي(٢٦٠): طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه
-----------------
(٢٥٥) رجال النجاشي (ص ١٩٧/ الرقم ٥٢٤).
(٢٥٦) الفهرست (ص ١٤٥/ الرقم ٣٥٦/١).
(٢٥٧) راجع: رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٨٣٠ و٨٣١/ ح ١٠٥٠).
(٢٥٨) قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجمه (ج ١٢/ ص ١٣٢/ الرقم ٧٦٢٣): (لا
ينبغي الشكُّ في أنَّ عثمان بن عيسى كان منحرفاً عن الحقِّ ومعارضاً للرضا (عليه
السلام)، وغير معترف بإمامته، وقد استحلَّ أموال الإمام (عليه السلام)، ولم يدفعها
إليه. وأمَّا توبته وردُّه الأموال بعد ذلك فلم تثبت، فإنَّها رواية نصر بن الصباح،
وهو ليس بشيء، ولكنَّه مع ذلك كان ثقة بشهادة الشيخ وعليِّ بن إبراهيم وابن شهرآشوب
المؤيَّدة بدعوى بعضهم أنَّه من أصحاب الإجماع).
(٢٥٩) راجع: العُدَّة في الأُصول (ج ١/ ص ١٥٠).
(٢٦٠) قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجمه (ج ٢٠/ ص ٣٣ و٣٤/ الرقم ١٢٧٦٧):
(بقي الكلام في أمرين:
الأوَّل: أنَّ بعضهم توقَّف في وقف الرجل، من جهة عدم تعرُّض النجاشي والكشِّي
لوقفه، ولروايته النصَّ على إمامة الرضا (عليه السلام)، فإنَّهما تنافيان وقفه.
والجواب عن هذا ظاهر، فإنَّ عدم تعرُّض النجاشي والكشِّي لا يكشف عن عدم الوقف،
غايته أنَّه يكشف عن عدم ثبوت وقفه عندهما، وهو لا يعارض شهادة الشيخ بوقفه. وأمَّا
روايته النصَّ على الرضا (عليه السلام)، فهي أيضاً غير منافية للوقف بعد ذلك، وقد
مرَّ ذلك في زياد القندي ونظرائه.
الأمر الثاني: وقع الخلاف في وثاقة الرجل، واستُدِلَّ على وثاقته بأُمور:
الأوَّل: أنَّه كثير الرواية، والفقهاء يعملون برواياته، وتقدَّم الجواب عن ذلك
مراراً.
الثاني: رواية الأجلَّاء عنه كعبد الله بن المغيرة، وفضالة، وجعفر بن بشير، وابن
أبي عمير، وصفوان كثيراً، وقد مرَّ الجواب عن ذلك أيضاً غير مرَّة.
الثالث: أنَّ ابن طاوس حكم بصحَّة رواية هو في سندها.
والجواب: أنَّ تصحيح ابن طاوس لا تثبت به الوثاقة، ولعلَّه مبنيٌّ على أصالة
العدالة، حيث لم يثبت عنده وقفه، على أنَّ توثيق المتأخِّرين لا يُعتدُّ به على ما
تقدَّم.
نعم، الظاهر أنَّه ثقة، وذلك لأنَّ صفوان قد شهد بأنَّ كتاب موسى بن بكر ممَّا لا
يختلف فيه أصحابنا.
وقد روى محمّد بن يعقوب، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: دفع
إليَّ صفوان كتاباً لموسى بن بكر، فقال لي: هذا سماعي من موسى بن بكر وقرأته عليه،
فإذا فيه: موسى بن بكر، عن عليِّ بن سعيد، عن زرارة، قال (صفوان): هذا ممَّا ليس
فيه اختلاف عند أصحابنا).
عديدة، منها: من رواة (تفسير القمِّي)، رواية أصحاب الإجماع عنه كابن أبي عمير، له كتاب رواه صفوان، كثير الرواية، عمل الأصحاب برواياته.
* * *
رواية: هذا موسى بن جعفر (عليه السلام) يكبر
ونُزوِّجه ويُولَد له:
الحديث (٢٢): عَنْهُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى
بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلحَكَمِ وَعَلِيِّ بْنِ اَلحَسَنِ بْنِ
نَافِعٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ: قَالَ لِي هَارُونُ بْنُ سَعْدٍ
اَلْعِجْلِيُّ: قَدْ مَاتَ إِسْمَاعِيلُ اَلَّذِي كُنْتُمْ تَمُدُّونَ إِلَيْهِ
أَعْنَاقَكُمْ، وَجَعْفَرٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ يَمُوتُ غَداً أَوْ بَعْدَ غَدٍ،
فَتَبْقَوْنَ بِلَا إِمَامٍ، فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا عَبْدِ
اَلله (عليه السلام) بِمَقَالَتِهِ، فَقَالَ: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، أَبَى اَللهُ
وَاَلله أَنْ يَنْقَطِعَ هَذَا اَلْأَمْرُ حَتَّى يَنْقَطِعَ اَللَّيْلُ
وَاَلنَّهَارُ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَقُلْ لَهُ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ
يَكْبَرُ وَنُزَوِّجُهُ وَيُولَدُ لَهُ، فَيَكُونُ خَلَفاً إِنْ شَاءَ اَللهُ
تَعَالَى»(٢٦٢).
-----------------
(٢٦١) (١١/ جمادى الأُولى/ ١٤٤٥هـ).
(٢٦٢) ونكتفي في بيان دلالة هذا الحديث فيما أورده الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في
كمال الدِّين (ص ٦٥٧ - ٦٥٩/ باب ٥٨/ ذيل الحديث ٢)، قال ما نصُّه: (فهذا أبو عبد
الله الصادق (عليه السلام) يحلف بالله أنَّه لا ينقطع هذا الأمر حتَّى ينقطع الليل
والنهار، والفترات بين الرُّسُل (عليهم السلام) كانت جائزة، لأنَّ الرُّسُل مبعوثة
بشرائع الملَّة وتجديدها ونسخ بعضها بعضاً، وليس الأنبياء والأئمَّة (عليهم السلام)
كذلك، ولا لهم ذلك، لأنَّه لا يُنسَخ بهم شريعة، ولا يُجدَّد بهم ملَّة، وقد علمنا
أنَّه كان بين نوح وإبراهيم، وبين إبراهيم وموسى، وبين موسى وعيسى، وبين عيسى
ومحمّد (عليهم السلام) أنبياء وأوصياء كثيرون، وإنَّما كانوا مذكِّرين لأمر الله،
مستحفظين مستودعين لما جعل الله تعالى عندهم من الوصايا والكُتُب والعلوم وما جاءت
به الرُّسُل عن الله (عزَّ وجلَّ) إلى أُمَمهم، وكان لكلِّ نبيٍّ منهم مذكِّر عنه
ووصيٌّ يُؤدِّي ما استحفظه من علومه ووصاياه، فلمَّا ختم الله (عزَّ وجلَّ)
الرُّسُل بمحمّد (صلّى الله عليه وآله) لم يجز أنْ يخلو الأرض من وصيٍّ هادٍ مذكِّر
يقوم بأمره ويُؤدِّي عنه ما استودعه، حافظاً لما ائتمنه عليه من دين الله (عزَّ
وجلَّ)، فجعل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك سبباً لإمامة منسوقة منظومة متَّصلة ما اتَّصل
أمر الله (عزَّ وجلَّ)، لأنَّه لا يجوز أنْ تندرس آثار الأنبياء والرُّسُل وأعلام
محمّد (صلّى الله عليه وآله) وملَّته وشرائعه وفرائضه وسُنَنه وأحكامه، أو تُنسَخ
أو تُعفَى عليها آثار رسول آخر وشرائعه، إذ لا رسول بعده (صلّى الله عليه وآله) ولا
نبيَّ. والإمام ليس برسول ولا نبيٍّ ولا داعٍ إلى شريعة ولا ملَّة غير شريعة محمّد
(صلّى الله عليه وآله) وملَّته، فلا يجوز أنْ يكون بين الإمام والإمام الذي بعده
فترة، فالفترات جائزة بين الرُّسُل (عليهم السلام) وفي الإمامة غير جائزة، فلذلك
وجب أنَّه لا بدَّ من إمام محجوج به.
ولا بدَّ أيضاً أنْ يكون بين الرسول والرسول - وإنْ كان بينهما فترة - إمام وصيٌّ
يلزم الخلق حجَّته، ويُؤدِّي عن الرُّسُل ما جاؤوا به عن الله تعالى، ويُنبِّه
عباده على ما أغفلوا، ويُبيِّن لهم ما جهلوا، ليعلموا أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لم
يتركهم سدى، ولم يضرب عنهم الذِّكر صفحاً، ولم يدعهم من دينهم في شبهة، ولا من
فرائضه التي وظَّفها عليهم في حيرة، والنبوَّة والرسالة سُنَّة من الله (جلَّ
جلاله)، والإمامة فريضة، والسُّنَن تنقطع ويجوز تركها في حالات، والفرائض لا تزول
ولا تنقطع بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وأجلُّ الفرائض وأعظمها خطراً الإمامة
التي تُؤدَّى بها الفرائض والسُّنَن، وبها كمل الدِّين وتمَّت النعمة، فالأئمَّة من
آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، لأنَّه لا نبيَّ بعده، ليحملوا العباد على محجَّة
دينهم، ويلزموهم سبيل نجاتهم، ويُجنِّبوهم موارد هلكتهم، ويُبيِّنوا لهم من فرائض
الله (عزَّ وجلَّ) ما شذَّ عن أفهامهم، ويهدوهم بكتاب الله (عزَّ وجلَّ) إلى مراشد
أُمورهم، فيكون الدِّين بهم محفوظاً لا تعترض فيه الشبهة، وفرائض الله (عزَّ وجلَّ)
بهم مؤدَّاة لا يدخلها باطل، وأحكام الله ماضية لا يلحقها تبديل ولا يزيلها تغيير.
فالرسالة والنبوَّة سُنَن، والإمامة فرض، وفرائض الله (عزَّ وجلَّ) الجارية علينا
بمحمّد لازمة لنا، ثابتة لا تنقطع ولا تتغيَّر إلى يوم القيامة.
مع أنَّا لا ندفع الأخبار التي رُويت أنَّه كان بين عيسى ومحمّد (صلّى الله عليه
وآله) فترة لم يكن فيها نبيٌّ ولا وصيٌّ ولا نُنكِرها، ونقول: إنَّها أخبار صحيحة،
ولكن تأويلها غير ما ذهب إليه مخالفونا من انقطاع الأنبياء والأئمَّة والرُّسُل
(عليهم السلام).
وإنَّما معنى الفترة أنَّه لم يكن بينهما رسول، ولا نبيٌّ، ولا وصيٌّ ظاهر مشهور
كمن كان قبله، وعلى ذلك دلَّ الكتاب المنزل أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) بعث محمّداً
(صلّى الله عليه وآله) على حين فترة من الرُّسُل، لا من الأنبياء والأوصياء، ولكن
قد كان بينه وبين عيسى (عليهما السلام) أنبياء وأئمَّة مستورون خائفون، منهم خالد
بن سنان العبسي نبيٌّ لا يدفعه دافع ولا يُنكِره منكر، لتواطئ الأخبار بذلك عن
الخاصِّ والعامِّ وشهرته عندهم، وأنَّ ابنته أدركت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
ودخلت عليه، فقال النبيُّ: «هذه ابنة نبيٍّ ضيَّعه قومه خالد بن سنان العبسي»، وكان
بين مبعثه ومبعث نبينا محمّد (صلّى الله عليه وآله) خمسون سنة، وهو خالد بن سنان بن
بعيث بن مريطة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس، حدَّثني بذلك جماعة من
أهل الفقه والعلم).
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
كمال الدِّين للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٢٦٣)، بسنده عن أبيه، ثمّ يتَّفق السند بعد
ذلك إلَّا في نافع الورَّاق بعنوانه - إذ في بعض نُسَخ (الكمال) المطبوعة: عن نافع
الورَّاق - فإنَّه إذا قيل بوجود تصحيف فلا يختلف الطريق، وإلَّا فنافع الورَّاق
غير موجود في سند الشيخ -، وباختلاف يسير في المتن.
البحث السندي:
١ - عنه، ورد في هامش النسخة المعتمَدة: (الظاهر أنَّ الضمير يرجع إلى أبي الحسين
محمّد بن جعفر الأسدي).
فإنْ كان كذلك فقد تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٠).
ولكن مع وجود الفاصلة يُستبعَد الرجوع في الضمير إلى الحديث الأسبق، فالأقرب رجوعها
إلى أحمد بن إدريس، وقد تقدَّمت ترجمته في الحديث (١٢).
على أنَّ الاثنين (الأسدي وابن إدريس) من مشايخ الشيخ الكليني (رضي الله عنه)،
وتقدَّم توثيقهما، فلا مشكلة من هذه الجهة.
٢ - سعد بن عبد الله: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٠).
٣ - محمّد بن عيسى بن عبيد: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣).
٤ - في هذه الطبقة - السابعة - جماعة، هم:
أ - عليُّ بن الحَكَم: تقدَّمت ترجمته في الحديث (١٣).
-----------------
(٢٦٣) كمال الدِّين (ص ٦٥٧/ باب ٥٨/ ح ٢).
بحث في عليِّ بن نافع:
ب - عليُّ بن الحسن بن نافع: ورد في هامش النسخة المعتمدة: (في الكمال [كمال
الدِّين]: عليُّ بن الحسن بن نافع الورَّاق)، وفي إثبات الهداة ورد: (عليُّ بن
الحسين)، وكذلك في بعض نُسَخ (كمال الدِّين)، كما يوجد في المطبوع من (كمال
الدِّين): (عليُّ بن الحسن، عن نافع الورَّاق).
فإنْ كانا راويين اثنين واسم الأوَّل (عليُّ بن الحسن)، فترجمته كالآتي:
ب ١ - عليُّ بن الحسن: من الطبقة الثامنة أو السابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من
رواة (كامل الزيارات)، رواية الأجلَّاء عنه، كثير الرواية.
وإنْ كان اسم الأوَّل (عليُّ بن الحسين)، فترجمته كالآتي:
ب ٢ - عليُّ بن الحسين: من الطبقة السابعة أو الثامنة ولعلَّها تختلف، وجوه توثيقه
عديدة، منها: من رواة (تفسير القمِّي)، كثير الرواية.
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (عليُّ بن الحسين هذا مشترك بين جماعة، والتمييز
إنَّما هو بالراوي والمروي عنه)(٢٦٤).
ب ٣ - وأمَّا الراوي الذي اسمه (نافع الورَّاق): فهو ممَّن لم يرد عنه ذكر في كُتُب
الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
ب ٤ - وإذا كان هو راوٍ واحد اسمه (عليُّ بن الحسين بن نافع): فهو أيضاً ممَّن لم
يرد عنه ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
ب ٥ - وإذا كان اسمه (عليُّ بن الحسن بن نافع): فلم نعثر له على توثيق، فهو مجهول
الحال.
٥ - هارون بن خارجة: طبقته في الحديث السابعة وقد تكون السادسة،
-----------------
(٢٦٤) معجم رجال الحديث (ج ١٢/ ص ٣٨٦/ الرقم ٨٠٤٨).
وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، من رواة (كامل
الزيارات)، من رواة (تفسير القمِّي).
٦ - هارون بن سعد: لم نعثر له على توثيق، فهو مجهول الحال.
ورُوِيَ أنَّه من رؤوس العجليَّة من الزيديَّة.
نعم، يمكن الاعتماد على مضمون ما يرويه، فيما لو بُنِيَ على ما تقدَّم من منهج شيخ
الطائفة (قدّس سرّه)، من كون المضمون الذي ليس مخالفاً للعقل أو الكتاب أو
السُّنَّة أو الإجماع يُؤخَذ به.
* * *
رواية: وتصفو له الدنيا:
الحديث (٢٣): وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) فِي
حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «يَظْهَرُ صَاحِبُنَا، وَهُوَ مِنْ صُلْبِ هَذَا - وَأَوْمَأَ
بِيَدِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) -، فَيَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا
مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَتَصْفُو لَهُ اَلدُّنْيَا».
تخريج الحديث:
وقد تتبَّعنا ما نتتبَّعه في العادة من كُتُب أسبق من كتاب (الغيبة)، فلم نجد مَنْ
خرَّج هذا الحديث.
ويحتمل أنَّ الحديث في نسخة (الكافي) بقرينة قوله (قدّس سرّه): (وفي خبر آخر)،
فبقرينة النقل السابق واللَّاحق وأنَّه من (الكافي)، لعلَّ هذا أيضاً منه، ولا توجد
في المطبوع.
البحث السندي:
الحديث مرسَل.
* * *
رواية: وهو منِّي بمنزلتي من أبي:
الحديث (٢٤): وَرَوَى أَيُّوبُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ اَلحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
فَضَّالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ أَخِي
مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، كَانَ وَاَلله حُجَّةَ اَلله فِي اَلْأَرْضِ
بَعْدَ أَبِي (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ)، إِذْ طَلَعَ اِبْنُهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ
لِي: «يَا عَلِيُّ، هَذَا صَاحِبُكَ، وَهُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَتِي مِنْ أَبِي،
فَثَبَّتَكَ اَللهُ عَلَى دِينِهِ»، فَبَكَيْتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: نَعَى
وَاَلله إِلَيَّ نَفْسَهُ، فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَمْضِيَ
مَقَادِيرُ اَلله فِيَّ، وَلِي بِرَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
أُسْوَةٌ، وَبِأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَفَاطِمَةَ وَاَلحَسَنِ وَاَلحُسَيْنِ
(عليهم السلام)»، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَهُ هَارُونُ اَلرَّشِيدُ فِي
اَلمَرَّةِ اَلثَّانِيَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ... تَمَامَ اَلخَبَرِ.
تخريج الحديث:
وقد تتبَّعنا ما نتتبَّعه في العادة من كُتُب أسبق من كتاب (الغيبة)، فلم نجد مَنْ
خرَّج هذا الحديث.
البحث السندي:
١ - توثيق رجال طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى أيُّوب بن نوح يأتي بعد الحديث (١٠٠) إن
شاء الله تعالى.
٢ - أيُّوب بن نوح: طبقته في الحديث السابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ
النجاشي (رحمه الله) له، كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمّد (عليهم السلام)، عظيم
المنزلة عندهما، مأموناً، كان شديد الورع، كثير العبادة، قال أبو عمرو الكشِّي
(رحمه الله): (كان في الصالحين)(٢٦٥)، قال الشيخ (رحمه الله): (أيُّوب بن نوح بن
درَّاج، ثقة، له كتاب، وروايات)(٢٦٦)، من رواة (كامل الزيارات).
-----------------
(٢٦٥) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٨٤١/ ح ١٠٨٣).
(٢٦٦) الفهرست (ص ٥٦/ الرقم ٥٩/١).
٣ - الحسن بن عليِّ بن فضال (الحسن بن فضال): طبقته
في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) الصريح له،
من رواة (تفسير القمِّي)، من رواة (كامل الزيارات)، جليل القدر، عظيم المنزلة، ورع،
قيل في حقِّه أنَّه: (أعبد من رأينا أو سمعنا به)(٢٦٧)، من رواة كتاب (نوادر
الحكمة)، من خواصِّ تلامذة أصحاب الإجماع خصوصاً ابن أبي عمير، رواية الأجلَّاء
عنه، الترضِّي عليه من الكشِّي (رحمه الله).
٤ - عليُّ بن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) (أخو الإمام الكاظم (عليه السلام)):
طبقته في الحديث السادسة أو الخامسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس
سرّه) له، من الأجلَّاء، من رواة (كامل الزيارات)، من رواة (تفسير القمِّي)، قال
الشيخ المفيد (قدّس سرّه): (كان من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان)(٢٦٨)،
وعدَّه ابن شهرآشوب (رحمه الله) من الثقات الذين رووا النصَّ على موسى بن جعفر
(عليه السلام) بالإمامة من أبيه، وعدَّه أيضاً من ثقات أبي إبراهيم موسى بن جعفر
(عليهما السلام).
ثمّ قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه): (والأخبار في هذا المعنى أكثر من أنْ تُحصى).
وهذا ما يعني أنَّها موجودة في كُتُب الإماميَّة ومعروفة ومشهورة، لذلك قال (قدّس
سرّه): (وفي هذا القدر هاهنا كفاية إنْ شاء الله تعالى).
فإنْ قيل: كيف تُعوِّلون على هذه الأخبار وتستدلُّون بها على موته (عليه السلام)،
في حين أنَّ الواقفة تروي أخباراً كثيرة تتضمَّن عدم موته (عليه السلام) وأنَّه
القائم بالأمر الذي أشارت إليه روايات آبائه (عليهم السلام).
وهذه الروايات التي ترويها الواقفة والمتضمِّنة للمعنى المتقدِّم موجودة لا
-----------------
(٢٦٧) رجال النجاشي (ص ٣٤/ الرقم ٧٢).
(٢٦٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢١٦).
في كُتُب الواقفة فقط، بل حتَّى في كُتُب أصحابكم،
فكيف الجمع بين العلم بموته ومضامين هذه الروايات النافية لهذا العلم؟
قلنا: إنَّ ما ذُكِرَ من روايات - بلغت (٢٤) رواية - ليس للاستدلال، وإنَّما
للاستشهاد ومزيد من تثبيت القلوب، وإلَّا لسنا بعد العلم بموته (عليه السلام) بحاجة
إلى روايات تدلُّ على بطلان مذهب الواقفة(٢٦٩).
* * *
(٢٦٩) فإنْ قيل: كيف تُعوِّلون على هذه الأخبار
وتدعون العلم بموته، والواقفة تروي أخباراً كثيرة تتضمَّن أنَّه لم يمُت، وأنَّه
القائم المشار إليه، موجودة في كُتُبهم وكُتُب أصحابكم، فكيف تجمعون بينها؟ وكيف
تدَّعون العلم بموته مع ذلك؟
قلنا: لم نذكر هذه الأخبار إلَّا على جهة الاستظهار والتبرُّع، لا لأنَّا احتجنا
إليها في العلم بموته، لأنَّ العلم بموته حاصل لا يُشَكُّ فيه، كالعلم بموت آبائه
(عليهم السلام)، والمشكِّك في موته كالمشكِّك في موتهم وموت كلِّ مَنْ علمنا بموته.
وإنَّما استظهرنا بإيراد هذه الأخبار تأكيداً لهذا العلم، كما نروي أخباراً كثيرة
فيما نعلم بالعقل والشرع وظاهر القرآن والإجماع وغير ذلك، فنذكر في ذلك أخباراً على
وجه التأكيد.
مناقشة شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، لكتاب (في
نصرة الواقفة):
قال الشيخ (قدّس سرّه): (فأمَّا ما ترويه الواقفة فكلُّها أخبار آحاد لا يعضدها
حجَّة، ولا يمكن ادِّعاء العلم بصحَّتها، ومع هذا فالرواة لها مطعون عليهم، لا
يُوثَق بقولهم ورواياتهم، وبعد هذا كلِّه فهي متأوِّلة.
ونحن نذكر جُمَلاً ممَّا رووه ونُبيِّن القول فيها، فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمّد
عليُّ بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه (في نصرة الواقفة)).
بيان كلامه (قدّس سرّه):
استعرض الشيخ (قدّس سرّه) ما روته الواقفة نصرةً لمذهبها، وقد اختار (قدّس سرّه)
كتاباً كان تحت يده تضمَّن روايات نصرة الواقفة (٢٧١).
بيَّن (قدّس سرّه) أنَّ ما ترويه الواقفة في نصرة مذهبها هي أخبار آحاد وإنْ تكثَّر
عددها، هذا من جهة سندها.
كما أنَّه لا يعضدها حجَّة ولا يمكن ادِّعاء صحَّتها وهذا من جهة مضمونها.
-----------------
(٢٧٠) (١٢/ جمادى الأُولى/ ١٤٤٥هـ).
(٢٧١) لم يصلنا من هذا الكتاب أيُّ نسخة من نُسَخه، وليس بيدنا سوى ما نقله شيخ
الطائفة (قدّس سرّه) من رواياته.
ويحتمل أنَّ في الكتاب روايات أُخرى، ويشهد لها تعبير الشيخ (قدّس سرّه): (ونحن
نذكر جُمَلاً ممَّا رووه ونُبيِّن القول فيها، فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمّد عليُّ
بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه (في نصرة الواقفة))، فتعبيره (أخبار... في كتابه)
يفيد عدم نقل الكلِّ.
على أنَّ هذه الأخبار مؤوَّلة على ما ستقف عليه.
وأمَّا من جهة رواتها فمطعون عليهم ولا يُوثَق بقولهم على ما يأتي مفصَّلاً في
استعراض روايات الكتاب الآنف الذكر.
* * *
أحاديث الواقفة على مهدويَّة الإمام الكاظم
(عليه السلام) وردُّها:
رواية: لا ينسجني:
الحديث (٢٥): [كتاب في نصرة الواقفة]: [١] قَالَ [الموسوي]: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلحَسَنُ بْنُ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ
عُثْمَانَ، عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله
(عليه السلام) يَقُولُ: «لَا يَنْسِجُنِي وَاَلْقَائِمَ أَبٌ».
بهذا الحديث ينتهي نقل الشيخ (قدّس سرّه) عن (الكافي) إذا اعتبرنا أنَّ الحديث (٢٤)
منه أو نستثنيه.
وينتقل إلى الرواية عن كتاب كان متداولاً في زمانه، لكنَّه مفقود في زماننا، وهو
كتاب (في نصرة الواقفة).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على مدَّعاه من كون الإمام الكاظم (عليه السلام) هو
القائم الغائب، بقول الإمام الصادق (عليه السلام): «لَا يَنْسِجُنِي وَاَلْقَائِمَ
أَبٌ»، أي لا يجمعني ولا يولدني أنا والقائم أب، فهو ليس أخاً - والإمامة في أخوين
لم تكن إلَّا في الحسن والحسين (عليهما السلام) -، وعليه فما دام ليس بين الإمام
الصادق والإمام الكاظم (عليهما السلام) أب، فيكون هو الإمام القائم (عليهم السلام).
ردُّ رواية «لاَ يَنْسِجُنِي» من عدَّة وجوه:
والجواب عن ذلك من وجوه ذكرها شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، وأضفنا إليها أجوبة أُخرى:
١ - أجوبة الشيخ (قدّس سرّه):
أ - أنَّه خبر واحد لا يوجب علماً، وأخبار الآحاد في مثل هكذا قضايا ليست بحجة،
وتقدَّم أنَّ موت الإمام الكاظم (عليه السلام) ثابت بالعلم، على ما في الحديث من
الخدشة في السند على الأقلِّ بالموسوي وسيأتي.
ب - يحتمل أنْ يكون المقصود أنَّه: ليس بينه وبين القائم أب، أي لا فاصل، وعلى هذا
المعنى لا يدلُّ بالصراحة على كون القائم هو الإمام الكاظم (عليه السلام)، بل يكون
الحديث مجملاً، إذ يحتمل الانطباق على غير واحد ويصحُّ تطبيقه عليهم، كما طبَّقت
ذلك الفطحيَّة وجعلت عبد الله قائماً، وكذلك الإسماعيليَّة، ومع الاحتمال يسقط
الاستدلال.
ج - مرَّ في الحديث رقم (٢٠) أنَّ مصطلح القائم عامٌّ يشمل جميع الأئمَّة (عليهم
السلام)، ولا يختصُّ بالقائم (عجَّل الله فرجه) بنصِّ الإمام (عليه السلام) على
ذلك، ولعلَّ المقصود به هنا المعنى العامُّ لا الخاصُّ.
د - يحتمل أنْ يكون سياق الحديث للردِّ على الإسماعيليَّة - وليس لإثبات مَنْ يكون
القائم - حيث قالوا بإمامة محمّد بن إسماعيل بعد موت إسماعيل في حياة أبيه (عليه
السلام)، فقال الصادق (عليه السلام): «لَا يَنْسِجُنِي وَاَلْقَائِمَ أَبٌ»،
فالكاظم (عليه السلام) ليس بينه وبين الصادق (عليه السلام) أب، بخلاف محمّد بن
إسماعيل فإنَّ بينه وبين الإمام الصادق (عليه السلام) أب وهو إسماعيل الذي هو أب
لمحمّد، فقد نسج بين محمّد والإمام الصادق (عليه السلام) أب وكان هو بينهما، فلا
يقوم مقام الإمام الصادق (عليه السلام) محمّد بن إسماعيل، للفاصل بينهما، بخلاف
الإمام الكاظم (عليه السلام) فليس بينه وبين الإمام الصادق (عليه السلام) أب.
هـ - وإنْ أُريد من معنى «يَنْسِجُنِي» أنَّه لا يجتمع مع الإمام الصادق (عليه
السلام) والقائم أب - أي ليس بين القائم والإمام الصادق (عليهما السلام) أب - فهذا
مردود، إذ هي دعوى لم يقُل بها أحد، فلا يوجد مَنِ ادَّعى أنَّ القائم من إخوة
الإمام الصادق (عليه السلام).
وإنْ قيل: ولكن هذا المعنى غير تامٍّ، إذ إنَّ
النوبختي (رحمه الله) ذكر أنَّ بعد الإمام الباقر (عليه السلام) حصل اختلاف، فكيف
يقال: لم يقُل به أحد(٢٧٢)؟
قلتُ: إنَّ الذين اختلفوا بعد الإمام الباقر (عليه السلام) إنَّما اختلفوا في إمامة
محمّد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن (عليه السلام)، وهو ليس من إخوة الإمام
الصادق (عليه السلام)، فيكون ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) وجيهاً.
٢ - أنَّ الحديث مجمل لا يظهر منه أيُّ معنى، ففي مثل هكذا قضيَّة حسَّاسة لا يصحُّ
الاستدلال على حديث مجمل لا يُهتَدى إلى معناه بوجه صالح ونقي.
البحث السندي:
١ - عليُّ بن أحمد العلوي الموسوي، أبو محمّد: يحتمل أنَّ طبقته في الحديث العاشرة
أو التاسعة: لم يذكره علماء الرجال، له كتاب (في نصرة الواقفة).
٢ - محمّد بن بشر الحمدوني السوسنجردي: طبقته في الحديث الثامنة أو السابعة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: قول الشيخ النجاشي (رحمه الله): (متكلِّم، جيِّد الكلام، صحيح
الاعتقاد)(٢٧٣)، موصوف بحسن العبادة، والعلم، وكان من عيون أصحابنا وصالحيهم
المتكلِّمين، وله كتاب في الإمامة معروف به، وكان قد حجَّ على قدميه خمسين حجَّة.
٣ - الحسن بن محمّد بن سماعة: طبقته في الحديث السابعة وقيل السادسة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: أنَّه كثير الحديث، من الفقهاء لكنَّه واقفي يتعصَّب للوقف، وثَّقه
الشيخ النجاشي (رحمه الله)، قال الشيخ (قدّس سرّه): (واقفي المذهب، إلَّا أنَّه
جيِّد التصانيف، نقي الفقه، حسن الانتقاد)(٢٧٤)، وله ثلاثون كتاباً، من رواة (تفسير
القمِّي).
-----------------
(٢٧٢) راجع: فِرَق الشيعة (ص ٦٢).
(٢٧٣) رجال النجاشي (ص ٣٨١/ الرقم ١٠٣٦).
(٢٧٤) الفهرست (ص ١٠٣/ الرقم ١٩٣/٣٣).
٤ - أبان بن عثمان: طبقته في الحديث الخامسة وقيل
الرابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: له كتاب حسن كبير، من رواة (تفسير القمِّي)، من
رواة (كامل الزيارات)، قال الشيخ الكشِّي (رحمه الله): إنَّه من الفقهاء وأصحاب
الإجماع(٢٧٥).
٥ - الفضيل بن يسار: طبقته في الحديث الرابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه
الشيخ (قدّس سرّه)، توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، وُصِفَ بأنَّه صميم،
ويدلُّ على تميُّز في الثبات على الحقِّ، عدَّه الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في
(رسالته العدديَّة) من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام،
والفتيا والأحكام، الذين لا يُطعَن عليهم، ولا طريق لذمِّ واحدٍ منهم.
* * *
رواية الأوضاح والجواب عنها:
الحديث (٢٦): [كتاب في نصرة الواقفة]: [٢] قَالَ اَلمُوسَوِيُّ: وَأَخْبَرَنِي
عَلِيُّ بْنُ خَلَفٍ اَلْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ
وَضَّاحٍ، عَنْ يَزِيدَ اَلصَّائِغِ، قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ لِأَبِي عَبْدِ اَلله
(عليه السلام) أَبُو اَلحَسَنِ (عليه السلام) عَمِلْتُ لَهُ أَوْضَاحاً
وَأَهْدَيْتُهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام)
بِهَا قَالَ لِي: «يَا يَزِيدُ، أَهْدَيْتَهَا وَاَلله لِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ
(صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِم)».
فهو مع كونه خبراً واحداً رجاله غير معروفين، ولو سُلِّم لكان الوجه فيه ما قلناه
من أنَّه القائم من بعده بلا فصل على ما مضى القول فيه.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال ليزيد
الصائغ عندما أهدى للإمام الكاظم (عليه السلام) عند ولادته حُلياً من الفضَّة، قال
له: «يَا يَزِيدُ، أَهْدَيْتَهَا وَاَلله لِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اَلله
عَلَيْهِم)»، فهم يستدلُّون بلفظة (القائم)، وأنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) هو
القائم بعد أبيه، بمعنى الإمام الذي تقع فيه الغيبة.
-----------------
(٢٧٥) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٦٧٣/ ح ٧٠٥).
وردَّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) الحديث من جهتين:
الأُولى: في فرعين:
١ - أنَّ الخبر من أخبار الآحاد، وهي ليست بحجَّة.
٢ - جهالة رجال الحديث، ولو بعضهم.
الثانية: لو سلَّمنا بتماميَّة سنده وصحَّة الاحتجاج به فإنَّه بمعنى أنَّ الإمام
الكاظم (عليه السلام) هو الإمام بعد الإمام الصادق (عليه السلام) بلا فاصل بينهما.
البحث السندي:
١ - الموسوي (أبو محمّد عليُّ بن أحمد العلوي الموسوي): تقدَّمت ترجمته في الحديث
(٢٥).
٢ - عليُّ بن خلف الأنماطي: لم يرد له ذكر في كتب الرجال وهو ما يعبر عنه بالمهمل.
٣ - عبد الله بن وضَّاح: طبقته في الحديث الخامسة ويمكن عدّه من السادسة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، من رواة (كامل الزيارات)،
من رواة (تفسير القمِّي).
٤ - يزيد الصائغ: طبقته في الحديث الخامسة، ضعيف، وقيل: مشهور بالكذب.
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (وتقدَّم عن الفضل بن شاذان في ترجمة (محمّد بن
عليِّ بن إبراهيم بن موسى، أبو جعفر القرشي) أنَّه من الكذَّابين المشهورين)(٢٧٦).
* * *
-----------------
(٢٧٦) معجم رجال الحديث (ج ٢١/ ص ١٣٠/ الرقم ١٣٧١٥).
قال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج ٢/ ص ٨٢٣/ ذيل الحديث ١٠٣٣): (وذكر الفضل في
بعض كُتُبه: الكذَّابون المشهورون: أبو الخطَّاب، ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ،
ومحمّد بن سنان، وأبو سمينة أشهرهم).
رواية: استنقاذ الأمَّة بسميِّ موسى (عليه
السلام):
الحديث (٢٧): [كتاب في نصرة الواقفة]: [٣] قَالَ اَلمُوسَوِيُّ: وَحَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ اَلحَسَنِ اَلْمِيثَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
اَلمَدَائِنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ
اَللهَ اِسْتَنْقَذَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِمُوسَى بْنِ
عِمْرَانَ، وَإِنَّ اَللهَ مُسْتَنْقِذٌ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا
بِسَمِيِّهِ».
فالوجه فيه أيضاً - مع أنَّه خبر واحد - أنَّ الله استنقذهم بأنْ دلَّهم على إمامته
والإبانة عن حقِّه، بخلاف ما ذهبت إليه الواقفة.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على إمامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وأنَّه
الغائب القائم بمقايسته على لسان أبي جعفر (عليه السلام) بموسى بن عمران، وأنَّ
الله مستنقذ هذه الأُمَّة من فرعونها بسميِّه، ومعنى الاستنقاذ أنَّه يُبقيه إلى
أنْ يستنقذ الأُمَّة به، وكأنَّهم انطلقوا من وجه الشَّبَه إلى المفاد المشهور في
الروايات الشريفة من أنَّ الإمام القائم (عجَّل الله فرجه) ينشر العدل ويبسط القسط
ويستنقذ الناس من الظلمة.
ردُّ رواية الاستنقاذ من وجوه أربعة:
وهذا الاستدلال عليل من جهات، منها ما بيَّنه شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، ومنها
غيرها:
١ - أنَّه خبر واحد، ويُضاف إليه ما يأتي من ضعفه عند ترجمة رجال السند.
-----------------
(٢٧٧) (جمادى الأُولى/ ١٤٤٥هـ).
٢ - أنَّ الاستنقاذ لا يتوقَّف على غيبته، بل
يتحقَّق بإمامته، وإنْ لم تكن بمعنى إمامة القائم من أهل البيت (عليهم السلام)
والمراد بها إمامة آخرهم المظهِر للعدل والناشر له، فالاستنقاذ له مراتب، منها أصل
إمامة الإمام، وهي متحقِّقة في الإمام الكاظم (عليه السلام) وإنْ لم يغب، وإنْ لم
يكن القائم المهدي (عجَّل الله فرجه)، وإنْ مات بعد أنْ يستوفي أيَّام إمامته وينصب
للأُمَّة الخلف من بعده كما هو واقع الحال.
٣ - أنَّ هذا الحديث لو سُلِّم صدوره فهو خلاف ما ذهبوا إليه، فإنَّ الإمام الباقر
(عليه السلام) تحدَّث عن كون ما سيقوم به الإمام الكاظم (عليه السلام) من كشف أمر
الإمامة وتثبيتها في نفوس الناس وتوطيد أركانها في زمانه حتَّى إنَّ أعتى طغاة
زمانه لم يمنع من ثبوتها عند أتباعه ومَنْ يبحث عن الحقِّ، فكونه (عليه السلام) قد
استنقذ الأُمَّة بمعنى لم يدَّخر جهداً في تثبيت إمامته رغم شدَّة الظروف ومرارتها،
وكأنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) يُخبِر عن حقيقة ستقع في ولده (عليه السلام).
٤ - أنَّ الحديث ليس ظاهراً في كونه يغيب - لو سُلِّم سنده -، فموسى (عليه السلام)
وإنْ وقعت فيه غيبة إلَّا أنَّه كان معلوم الحال بالنسبة إلى بني إسرائيل، وأنَّه
سيقوم فيهم بعد فترة يسيرة، وليس بعد غيبة طويلة يمتدُّ أمدها، فالتشبيه على مبناهم
عليل، إلَّا أنْ يقولوا: إنَّه تشبيه بأصل الغيبة، كما ربَّما يظهر من دعواهم في
تسجيل الحديث كدليل من أدلَّتهم على غيبته، والتشبيه في أصل الغيبة بخصوص هذا
الحديث غير تامٍّ، لأنَّ الإمام (عليه السلام) يريد أنْ يُثبِت خصوصيَّة الاستنقاذ
على يده لا خصوصيَّة الغيبة، فموطن التشبيه في الرواية هو استنقاذ للأُمَّة لا
غيبته عنها، وفرق كبير بين الأمرين.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أحمد بن الحسن بن إسماعيل الميثمي: طبقته في الحديث السادسة
ويمكن عدُّه من غيرها، وجوه توثيقه عديدة، منها:
توثيق الشيخ (رحمه الله) له، مع وصفه بالواقفي، توثيق الشيخ الكشِّي (قدّس سرّه)
له، صحيح الحديث، معتمَد عليه.
٣ - الحسن بن إسماعيل الميثمي: طبقته في الحديث الخامسة، لم يرد له ذكر في كُتُب
الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
٤ - أبو سعيد المدائني: طبقته في الحديث الرابعة، لم نعثر على وجه توثيق له سوى
أنَّه من رواة (كامل الزيارات).
* * *
حكاية عرض سيرة القائم (عجَّل الله فرجه) على
موسى (عليه السلام):
الحديث (٢٨): [كتاب في نصرة الواقفة]: [٤] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ
بْنُ سَدِيرٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي جَالِساً وَعِنْدَهُ عَبْدُ اَلله بْنُ
سُلَيْمَانَ اَلصَّيْرَفِيُّ(٢٧٨) وَأَبُو اَلمَرَاهِفِ [اَلمُرْهِفِ](٢٧٩)
وَسَالِمٌ اَلْأَشَلُّ(٢٨٠)، فَقَالَ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ لِأَبِي: يَا
أَبَا اَلْفَضْلِ، أَعَلِمْتَ أَنَّهُ وُلِدَ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)
غُلَامٌ، فَسَمَّاهُ فُلَاناً؟ - يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ -، فَقَالَ سَالِمٌ: إِنَّ
هَذَا لَحَقٌّ، فَقَالَ عَبْدُ اَلله: نَعَمْ، فَقَالَ سَالِمٌ: وَاَلله لَأَنْ
يَكُونَ حَقًّا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِي
بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَإِنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَعُودُ
بِهَا عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ:
وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: بَلَغَنِي فِي اَلحَدِيثِ
-----------------
(٢٧٨) مجهول، قال الشيخ النجاشي (رحمه الله) في
رجاله (ص ٢٢٥/ الرقم ٥٩٢): (عبد الله بن سليمان الصيرفي، مولى، كوفي، روى عن جعفر
بن محمّد (عليه السلام)، له أصل).
(٢٧٩) مجهول، عدَّه الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في رجاله (ص ١٥١/ الرقم ١٦٩٤/٢٨) من
أصحاب أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
(٢٨٠) مجهول، عدَّه الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في رجاله (ص ١٣٧/ الرقم ١٤٣٣/٦) من
أصحاب أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قائلاً: (سالم الأشلّ، بيَّاع المصاحف)، وفي
(ص ٢١٧/ الرقم ٢٨٧٦/١١٤) من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قائلاً:
(سالم بن عبد الرحمن الأشلّ، أسند عنه).
أَنَّ اَللهَ عَرَضَ سِيرَةَ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ
عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، فَقَالَ: «اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ»، فَقَالَ لَهُ: «لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ»، فَقَالَ:
«اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ»، فَقِيلَ لَهُ: «لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ
سَبِيلٌ»، فَقَالَ: «اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ سَمِيِّي»، فَقِيلَ لَهُ: «أُعطِيتَ
ذَلِكَ».
فلا أدري ما الشبهة في هذا الخبر، لأنَّه لم يُسنِده إلى إمام، وقال: (بلغني في
الحديث كذا)، وليس كلَّما يبلغه يكون صحيحاً، وقد قلنا: إنَّ مَنْ يقوم بعد الإمام
الأوَّل يُسمَّى قائماً، أو يلزمه من السيرة مثل سيرة الأوَّل سواء، فسقط القول به.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على قائميَّة الإمام الكاظم (عليه السلام) وغيبته
بفقرة دعاء النبيِّ موسى بن عمران (عليه السلام) بأنْ يجعل الله تعالى القائم
سميًّا له، فأُعطي ذلك بعد أنْ لم يُعْطَ نصرته، وأنْ يكون من أنصاره، ولم يُعْطَ
أنْ يكون من أُمَّته ومن بني إسرائيل، وقد تحاور عبد الله بن سليمان وسالم الأشلُّ
في هذه القضيَّة، وقال سالم: إنَّ ثبوت ولد سُمِّي بهذا الاسم أحبُّ إليَّ من أنْ
أنقلب إلى أهلي بخمسمائة دينار، وإنِّي محتاج إلى خمس دراهم.
فالسياق يقتضي الظهور في أنَّ المقصود بالقائم هو الإمام الكاظم (عليه السلام).
وهذا الاستدلال عليل من جهات، منها ما بيَّنه شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، ومنها
غيرها:
١ - أنَّ هذا الخبر لا يصحُّ، إذ ليس كلُّ ما يرد إلى الراوي معناه صدور الحديث.
٢ - لم يرد هذا الخبر عن إمام من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)، بل تناقلوا ذلك،
وتناقلهم دون إسناده إلى إمام من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) لا يُصيِّر
التناقل حجَّة.
٣ - لو تنزَّلنا وقلنا بصحَّته، فإنَّ جعل القائم سميًّا لموسى بن عمران (عليهما
السلام) لا دلالة فيه على مهدويَّة الإمام الكاظم (عليه السلام) وبقائه حيًّا زمناً
طويلاً، وعلى حدِّ
عبارة شيخ الطائفة (قدّس سرّه): لا أدري ما الشبهة
في هذا الخبر من أنْ يكون في الأئمَّة (عليهم السلام) سميًّا لموسى بن عمران (عليه
السلام).
* على أنَّ في تعليق الشيخ (قدّس سرّه) على الخبر توقُّف من جهة ما ورد في النُّسَخ
المطبوعة، ومنها المعتمدة، فقوله: (أو يلزمه) لا يستقيم مع سبب تسمية القائم
بالقائم وأنَّه يكون بعد الذي قبله، فلم يتَّضح وجه الترديد بينه وبين قوله: (أو
يلزمه من السيرة...).
ممَّا دعاني إلى مراجعة عدَّة نُسَخ خطّيَّة (وهي نسختان من المكتبة الرضويَّة -
قدس رضوي -، وكذلك ثلاث نُسَخ لمركز إحياء التراث في قمّ المقدَّسة، ونسخة لمكتبة
أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف).
فتبيَّن أنَّ العطف بالواو وليس بـ (أو)، وهذا يعني أنَّ القائم (عليه السلام) هو
مَنْ يقوم بعد مَنْ سبقه من الأئمَّة (عليهم السلام)، ويقوم بسيرته، فلا ترديد بـ
(أو).
وتبقى دلالة الحديث مجملة على أقلّ تقدير، والإجمال لا يوجب الحجّيَّة.
٤ - توجد روايات لم يرد فيها: «اِجْعَلْهُ سَمِيِّي»، منها ما في (غيبة
النعماني (رحمه الله)): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ اِبْنُ
عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلتَّيْمُلِيُّ فِي صَفَرٍ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ
يُونُسَ بُزُرْجَ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ سَالِمٍ اَلْأَشَلِّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرَ (عليه السلام)
يَقُولُ: «نَظَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي اَلسِّفْرِ اَلْأَوَّلِ إِلَى مَا
يُعْطَى قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ اَلتَّمْكِينِ وَاَلْفَضْلِ، فَقَالَ مُوسَى:
رَبِّ اِجْعَلْنِي قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَاكَ مِنْ
ذُرِّيَّةِ أَحْمَدَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي اَلسِّفْرِ اَلثَّانِي، فَوَجَدَ فِيهِ
مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي
اَلسِّفْرِ اَلثَّالِثِ، فَرَأَى مِثْلَهُ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ
مِثْلُهُ»(٢٨١).
-----------------
(٢٨١) الغيبة للنعماني (ص ٢٤٦ و٢٤٧/ باب ١٣/ ح ٣٤).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّم في الحديث (٢٥).
٢ - حنان بن سدير: طبقته في الحديث الخامسة وقيل السادسة بل السابعة، من
المعمَّرين، ووجوه توثيقه عديدة، منها: كثير الرواية، توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له،
رواية بعض مشايخ الإجماع عنه، من رواة (كامل الزيارات).
٣ - سدير بن حكيم الصيرفي: طبقته في الحديث الرابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من
رواة (تفسير القمِّي)، من رواة (كامل الزيارات)، رواية الأجلَّاء عنه، رواية بعض
مشايخ الإجماع عنه.
* * *
رواية الصيرفي في عرض سيرة القائم (عجَّل الله
فرجه) على موسى (عليه السلام) وردُّها:
الحديث (٢٩): [كتاب في نصرة الواقفة]: [٥] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى زَيْدٌ
اَلشَّحَّامُ وَغَيْرُهُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِماً يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا
جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى عَرَضَ سِيرَةَ قَائِمِ
آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ...»، وَذَكَرَ اَلحَدِيثَ.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على المدَّعى بعين ما تقدَّم، وفيه لهم أنَّه رُوِيَ
عن الإمام الباقر (عليه السلام)، إلَّا أنَّه يبقى مرسَلاً، وتقريب دلالته وردِّها
بعين ما تقدَّم في الحديث السابق.
وشاهد ذلك عدم تعرُّض شيخ الطائفة (قدّس سرّه) للردِّ عليه.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - في هذه الطبقة جماعة، هم:
أ - زيد بن يونس أبو أُسامة الشحَّام: طبقته في الحديث الخامسة وقد تكون السادسة،
وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، رواية الأجلَّاء
عنه، رواية أصحاب الإجماع عنه كصفوان، توثيق
العلَّامة (قدّس سرّه) له، وعدَّه المفيد (قدّس سرّه) في (رسالته العدديَّة) من
الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا مطعن عليهم
ولا طريق إلى ذمِّ واحدٍ منهم، وقد عدَّه ابن شهرآشوب (رحمه الله) من خواصِّ أصحاب
أبي عبد الله (عليه السلام)، من رواة (كامل الزيارات).
ب - غيره: لم نعثر على ما يرفع الإبهام فيه.
٣ - سالم (سالم الأشلّ): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٨).
* * *
رواية: سميُّ فالق البحر:
الحديث (٣٠): [كتاب في نصرة الواقفة]: [٦] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي بَحْرُ
بْنُ زِيَادٍ اَلطَّحَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
(عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ
أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ بِالْكُوفَةِ عَلَى اَلْمِنْبَرِ:
«لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ
اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ رَجُلاً مِنِّي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً
كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام):
«نَعَمْ»، قَالَ: فَأَنْتَ هُوَ؟ فَقَالَ: «لَا، ذَاكَ سَمِيُّ فَالِقِ
اَلْبَحْرِ».
فالوجه فيه: بعد كونه خبراً واحداً أنَّ لسميِّ فالق البحر أنْ يقوم بالأمر ويملأها
قسطاً وعدلاً إنْ مُكِّن من ذلك، وإنَّما نفاه عن نفسه تقيَّةً من سلطان الوقت، لا
نفي استحقاقه للإمامة.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ ما ضمَّه الإمام الباقر (عليه السلام) إلى
حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) صار وجهاً لاستدلال الواقفة بأنَّ الإمام موسى بن
جعفر (عليه السلام) هو الذي يطول بقاؤه، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً، لأنَّه
سميُّ فالق البحر.
ردُّ رواية «سَمِيُّ فَالِقِ اَلْبَحْرِ» من
عدَّة وجوه:
إلَّا أنَّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) ردَّ دلالة هذا الحديث من وجوه ذكرها، ومن
غيرها:
-----------------
(٢٨٢) (جمادى الأُولى/ ١٤٤٥هـ).
١ - أنَّه خبر واحد لا يُثبِت في محلِّ كلامنا الحجّيَّة، وسيأتي الحديث في سنده،
وأنَّ فيه مَنْ لم يُوثَّق.
٢ - أنَّ كون الإمام الكاظم (عليه السلام) يقيم العدل لو مُكِّن من ذلك، وحيث إنَّه
لم يُمكَّن بإيداعه السجن ومنعه من قِبَل الظلمة، فليس هو مصداقه، ولهذا التفسير
نظائر في الأخبار، منها ما رواه النعماني (رحمه الله) في (الغيبة)، قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ. وَمُحَمَّدِ
بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ
مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ
اَلْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «يَا ثَابِتُ، إنَّ اَللهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ
وَقَّتَ هَذَا اَلْأَمْرَ فِي سَنَةِ اَلسَّبْعِينَ، فَلَمَّا قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ
(عليه السلام) اِشْتَدَّ غَضَبُ اَلله، فَأَخَّرَهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ،
فَحَدَّثْنَاكُمْ بِذَلِكَ، فَأَذَعْتُمْ وَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ اَلسِّتْرِ، فَلَمْ
يَجْعَلِ اَللهُ لِهَذَا اَلْأَمْرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتاً عِنْدَنَا، ﴿يَمْحُوا
اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٩]»،
قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ أَبَا عَبْدِ اَلله اَلصَّادِقَ (عليه
السلام)، فَقَالَ: «قَدْ كَانَ ذَلِكَ»(٢٨٣).
وفي خبر آخر: رَوَى اَلْفَضْلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى اَلتَّمْتَامِ اَلسُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ
اَلنَّوَّا، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «كَانَ
هَذَا اَلْأَمْرُ فِيَّ، فَأَخَّرَهُ اَللهُ، وَيَفْعَلُ بَعْدُ فِي ذُرِّيَّتِي
مَا يَشَاءُ»(٢٨٤).
إنْ قلتَ: لِمَ نفى الإمام الباقر (عليه السلام) أنْ يكون هو القائم الذي يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً إذا كانت الرواية تنطبق عليه وعلى بقيَّة الأئمَّة (عليهم
السلام)؟
قلنا: نفي فعليَّة ملئ الأرض عنه لاختصاص ذلك بالمهدي الغائب ابن الحسن (عليه
السلام)، ولأجل التقيَّة من سلطان العصر، ولم ينفِ عن نفسه (عليه السلام) استحقاق
الإمامة.
-----------------
(٢٨٣) الغيبة للنعماني (ص ٣٠٣ و٣٠٤/ باب ١٦/ ح ١٠).
(٢٨٤) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٨ و٤٢٩/ ح ٤١٨).
على أنَّه يمكن أنْ يقال: لو تمَّت دلالة هذا الحديث على مدَّعاهم فإنَّ ما اشتهر
من موته (عليه السلام)، وما تقدَّم من وصيَّته لولده الرضا (عليه السلام)، يكشف
بنحو من الأنحاء أنَّ الحديث قد تلاعب به هؤلاء، وليس بالضرورة أنْ يكون التلاعب في
طبقة مَنْ روى الحديث مباشرةً، ووجه ذلك احتمال أنْ يكون: (ذاك من ولد سميِّ فالق
البحر)، وليس (هو)، أي وليس القائم هو سميُّ فالق البحر.
ولو تنزَّلنا فهو معارض بغيره ممَّا تقدَّم ويأتي، فإمَّا أنْ يُأوَّل أو يُطرَح.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - بحر بن زياد الطحَّان: لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه بـ
(المهمل).
٣ - محمّد بن مروان: طبقته في الحديث السادسة وقد يقال بغيرها، وجوه توثيقه عديدة،
منها: من رواة (تفسير القمِّي)، من رواة (كامل الزيارات)، معروف وله كتاب، قال عنه
الشيخ (قدّس سرّه): (أُسند عنه)(٢٨٥).
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (وكيف كان، فهو ثقة)(٢٨٦).
* * *
رواية: أنَّ الله تعالى مهلكهم بسميِّه
وردُّها:
الحديث (٣١): [كتاب في نصرة الواقفة]: [٧] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي أَبُو
مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ، عَنِ اَلحُسَيْنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ضُرَيْسٍ
اَلْكُنَاسِيِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ اَلْكَابُلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ
اَلحُسَيْنِ (عليهما السلام) وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ يَلْبَسُ
اَلثِّيَابَ اَلحُمْرَ، وَإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَلْبَسُ اَلسُّودَ، وَيُرْخِي
اَلشُّعُورَ، فَبَعَثَ اَللهُ عَلَيْهِمْ
-----------------
(٢٨٥) رجال الطوسي (ص ٢٩٥/ الرقم ٤٣٠٩/٣٣٤).
(٢٨٦) معجم رجال الحديث (ج ١٨/ ص ٢٣٢ و٢٣٣/ الرقم ١١٧٧٧).
مُوسَى (عليه السلام)، وَإِنَّ بَنِي فُلَانٍ
لَبِسُوا اَلسَّوَادَ، وَأَرْخَوُا اَلشُّعُورَ، وَإِنَّ اَللهَ تَعَالَى
مُهْلِكُهُمْ بِسَمِيِّهِ».
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: بما ورد فيه من كون هلاك بني فلان والمقصود بهم بنو
العبَّاس على يد الإمام الكاظم (عليه السلام)، لتصريح الإمام السجَّاد (عليه
السلام) بكون الهلاك يكون بسميِّ موسى، وليس هو إلَّا الإمام الكاظم (عليه السلام).
ويردُّه:
١ - كونه خبراً واحداً لو صحَّ سنده، ومعارض بما تقدَّم ويأتي من الأخبار لو
سُلِّمت دلالته.
٢ - أنَّ الإهلاك لا يُراد به الإهلاك المستتبع لقيام القائم (عليه السلام) وبسط
العدل في كلِّ الأرض، وإنَّما هلاك أُصول دولتهم وبدء أُفول نجمهم، ومَنْ يقرأ ما
جرى على فرعون وطول فترة إهلاكه من قِبَل موسى وبني إسرائيل يلتفت إلى هذا المعنى.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
رواية الموسوي عن الصيرفي مباشرةً تشوبها شبهة الإرسال، باعتبار أنَّ الموسوي قبل
طبقة الشيخ الكليني (رضي الله عنه) ظاهراً، فكيف يروي مباشرةً عن الحسن وهو في طبقة
أصحاب الرضا (عليه السلام)؟
٢ - أبو محمّد الصيرفي الخزَّاز، الحسن بن عليِّ بن زياد: طبقته في الحديث السادسة،
وجوه توثيقه عديدة، منها: من وجوه هذه الطائفة، من أصحاب الكُتُب، وعدَّه الشيخ
(قدّس سرّه) كما سيأتي في عنوان الواقفة من جملة من كان واقفاً ثمّ رجع لما ظهر من
المعجزات على يد الإمام الرضا (عليه السلام) الدالَّة على صحَّة إمامته، فالتزم
الحجَّة وقال بإمامته وإمامة من بعده من ولده، رواية الأجلَّاء عنه.
٣ - الحسين بن سليمان: طبقته في الحديث الخامسة، وجه
توثيقه أنَّه من رواة (كامل الزيارات).
٤ - ضريس بن عبد المَلِك: طبقته في الحديث الخامسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق
الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، خيِّر فاضل، من رواة (كامل الزيارات)، من رواة
(تفسير القمِّي، مشهور معروف كثير الرواية.
٥ - أبو خالد وردان القمَّاط الكابلي المعروف بكنكر: طبقته في الحديث الرابعة
وربَّما الخامسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من رواة (كامل الزيارات)، وجود روايات
في مدحه رواها الكشِّي (رحمه الله)، من رواة (تفسير القمِّي)، من ثقات الإمام
السجَّاد (عليه السلام)، من خواصِّ أصحاب الإمام السجَّاد والإمام الباقر والإمام
الصادق (عليهم السلام)، عدَّه الإمام الكاظم (عليه السلام) من حواري الإمام
السجَّاد (عليه السلام).
* * *
رواية: «اسمه اسم لحديدة الحلاَّق» وردُّ شيخ
الطائفة (قدّس سرّه) لها:
الحديث (٣٢): [كتاب في نصرة الواقفة]: [٨] قَالَ [الموسوي]: وَبِهَذَا
اَلْإِسْنَادِ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَهُ اَلْقَائِمَ، فَقَالَ: «اِسْمُهُ
اِسْمٌ لِحَدِيدَةِ اَلحَلَّاقِ».
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: بدلالة ذكر اسم حديدة الحلَّاق حيث لا يوجد من بين
أسماء الأئمَّة (عليهم السلام) سوى الإمام موسى بن جعفر، فيكون هو القائم (عليه
السلام).
وقد ردَّه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بالآتي، مضافاً إلى ما ذكرناه:
١ - أنَّه خبر واحد فلا يوجب الحجّيَّة، هذا لو سُلِّم سنده.
٢ - لو قلنا: إنَّ المقصود به الكناية عن الاسم فإنَّ معنى قيامه بالأمر هو قيام
استحقاق لا قيام فعليَّة، على نحو ما قدَّمناه في الحديث رقم (٣٠) وكذا في الحديث
رقم (٢٠) من أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلَّهم قائمون بالأمر.
٣ - وكأنَّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) يستبق
حدث الإسماعيليَّة في دعوى الإمامة، ويُوجِّهها صوب الإمام موسى (عليه السلام) لا
صوب إسماعيل، فيصير معنى الحديث أنَّ الإمامة تكون في مَن اسمه اسم لحديدة
الحلَّاق، لا في مَن اسمه إسماعيل، نظير ما قيل: إنَّ الإمامة في قريش، فهي منفيَّة
عن غيرهم(٢٨٧).
البحث السندي:
ويقصد بقوله: (وبهذا الإسناد) الإسناد المتقدِّم في الحديث (٣١).
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أبو محمّد الصيرفي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣١).
٣ - الحسين بن سليمان: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣١).
-----------------
(٢٨٧) قال الخليل في العين (ج ٧/ ص ٣٢٣/ مادَّة
موس): (الموس: تأسيس اسم الموسى، وبعضهم يُنوِّن موسى لما يحلق به. وموسى (عليه
السلام) يقال: اشتقاق اسمه من الماء والشجر، فالمو: ماء، والسا: شجر لحال التابوت
في الماء).
قال ابن منظور في لسان العرب (ج ٦/ ص ٢٢٣ و٢٢٤/ مادَّة موس): (والمُوسَى: من آلة
الحديد فيمن جعلها فُعْلَى، ومَنْ جعلها من أَوْسَيْتُ أَي حَلَقْتُ، فهو من باب
وسى، قال الليث: المَوْس تأْسيس اسم المُوسَى الذي يُحلَق به، قال الأزهري: جعل
الليث موسى فُعْلى من المَوْس، وجعل الميم أصليَّة، ولا يجوز تنوينه على قياسه. ابن
السكِّيت: تقول: هذه موسى جَيِّدة، وهي فُعْلى، عن الكسائي، قال: وقال الأُموي: هو
مذكَّر لا غير، هذا موسى كما تَرَى، وهو مُفْعَلٌ من أَوْسَيْتُ رأسه إِذا حلقته
بالمُوسَى...، وموسى اسم النبيِّ (صلوات الله على محمّد نبيِّنا وعليه [وآله]
وسلَّم)، عربيٌّ مُعَرَّبٌ، وهو مُو أي ماء، وسا أي شجر، لأنَّ التابوت الذي فيه
وُجِدَ بين الماء والشجر، فسُمِّي به، وقيل: هو بالعبرانيَّة موسى، ومعناه الجذب،
لأنَّه جُذِبَ من الماء، قال الليث: واشتقاقه من الماء والساج، فالمُو ماءٌ، وسَا
شجر لحال التابوت في الماء...).
وقال القمص تادرس يعقوب في (تفسير سفر الخروج/ الإصحاح الثاني): (ويرى القدِّيس
إكليمنضس الإسكندري أنَّ موسى هو الاسم المصري، ويعني المُنْتَشَل من الماء، أمَّا
اسمه العبراني عند ختانه فهو يهوياقيم، وله اسم ثالث في السماء في نظر الرمزيِّين
هو ملكي).
٤ - ضريس الكناسي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣١).
٥ - أبو خالد الكابلي (كنكر): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣١).
* * *
رواية: «ابني هذا هو القائم (عليه السلام)»
وردُّها:
الحديث (٣٣): [كتاب في نصرة الواقفة]: [٩] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ
سَمَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلحَسَنِ بْنِ هَارُونَ،
قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «اِبْنِي هَذَا - يَعْنِي أَبَا
اَلحَسَنِ (عليه السلام) - هُوَ اَلْقَائِمُ، وَهُوَ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَهُوَ
اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فالوجه فيه أيضاً ما قدَّمناه في غيره.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) أشار إلى ابنه
الكاظم (عليه السلام)، وقال عنه: «هُوَ اَلْقَائِمُ، وَهُوَ مِنَ اَلمَحْتُومِ،
وَهُوَ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
ويرد عليه:
١ - ما تقدَّم مكرَّراً من عدم أهليَّته في الاحتجاج من جهة سنده وكونه خبراً
واحداً.
٢ - معنى كونه القائم وكونه من المحتوم أنَّ الإمامة ثابتة فيه حتماً، ومعنى القائم
قيامه بالإمامة، على ما تقدَّم من تفسيرها في الحديث رقم (٢٠-٣٠).
٣ - وقيامه بالقسط والعدل تعليقي لا فعلي، أي لو أُتيح له أنْ يقوم به لأقامه.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - جعفر بن سماعة: مشترك بين جماعة، وهو جعفر بن محمّد بن سماعة،
لأنَّه المشهور، فينصرف له، طبقته في الحديث
السادسة، ووجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه الشيخ النجاشي (رحمه الله) وقال عنه:
(واقف، له كتاب النوادر كبير)(٢٨٨)، مشهور.
٣ - محمّد بن الحسن بن هارون: لم يرد في حقه ذكر في كتب الرجال وهو ما يعبّر عنه
بالمهمل.
٤ - الحسن بن هارون: مجهول.
* * *
-----------------
(٢٨٨) رجال النجاشي (ص ١١٩/ الرقم ٣٠٥).
رواية صاحب السيف وردُّها:
الحديث (٣٤): [كتاب في نصرة الواقفة]: [١٠] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ
اَلله بْنُ سَلَامٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ
اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَ اَلمَحْتُومِ أَنَّ اِبْنِي هَذَا قَائِمُ
هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، وَصَاحِبُ اَلسَّيْفِ»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي
اَلحَسَنِ (عليه السلام).
فالوجه فيه أيضاً ما قدَّمنا[ه](٢٩٠) في غيره سواء من أنَّ له ذلك استحقاقاً، أو
يكون من ولده مَنْ يقوم بذلك فعلاً.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: بعين ما تقدَّم في سابقه وإنْ كان فيه دلالة على
السيف أكثر من سابقه، حيث ذكرها صريحةً بنصِّه (عليه السلام): «وَصَاحِبُ
اَلسَّيْفِ».
ويردُّه:
١ - ما تقدَّم من كونه لا يوجب علماً ولا عملاً فضلاً عن ضعف سنده.
٢ - وأنَّ كونه (عليه السلام) من المحتوم وصاحب السيف كدلالة القائم على كلِّ إمام
من الأئمَّة (عليهم السلام)، فإمامة الإمام الحسين (عليه السلام) من المحتوم،
وقيامه بالسيف كذلك، وكونه قائماً بالحقِّ ممَّا لا شكَّ فيه ولا تردُّد يعتريه،
وهكذا في الإمام الحسن (عليه السلام) وفي أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل وفي رسول
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإمامته وقيامه
-----------------
(٢٨٩) (٩/ جمادى الآخرة/ ١٤٤٥هـ).
(٢٩٠) من نُسَخ (أ، ف، م).
بالسيف، فهل يا ترى بعد صدق القيام بالسيف وكون إمامتهم بالحتم ووصفهم بالقائم لا
بدَّ أنْ تقع فيهم الغيبة وأنْ يكونوا أو واحداً منهم هو الحجَّة المعنيُّ به في
الروايات وأنَّه يُظهِر العدل وينشره في الكون؟!
إنَّ هذه الرواية وأشباهها تدلُّ على استحقاقه الإمامة بعد أبيه (عليه السلام) بلا
فصل، وأنَّه هو القائم بالحقِّ بعد أبيه، وتعبيره (عليه السلام) بأنَّه قائم هذه
الأُمَّة يشير إلى ذلك بعد وضوح كون الأئمَّة (عليهم السلام) اثني عشر إماماً.
٣ - أنَّه كناية عن أنَّ الذي يقوم بالسيف ويُظهِر الله على يديه عدله وينشره في
ربوع كونه هو الذي يكون من ولده (عليهم السلام).
٤ - بعد ثبوت العلم بموت الإمام الكاظم (عليه السلام)، بل والعلم بمَنْ أوصى له -
ولده الرضا (عليه السلام) - لا وجه لقبول هذه الروايات إذا عسُر علينا تفسيرها وحمل
معناها على وجه ينسجم مع غيرها من سائر الروايات، فالعلم بموت الإمام الكاظم (عليه
السلام) يقطع حجَّة كلِّ مشتبه أو مدلِّس أو وضَّاع يرى أنَّ له حجَّة ويتوهَّم في
أنَّه يملك دليلاً على غيبة الإمام الكاظم (عليه السلام).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - عبد الله بن سلام الكوفي أبو خديجة: مجهول.
والحديث مرسَل، لعدم ذكر الوسائط بين الموسوي وعبد الله بن سلام، والطبقة بينهما
مختلفة كثيراً.
٣ - عبد الله بن سنان، (عبد الله بن سنان بن طريف): وهو مشترك بين جماعة، طبقته في
الحديث الخامسة أو السادسة بل غيرهما، وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه الشيخ
المفيد (قدّس سرّه)، وثَّقه الشيخ (قدّس سرّه)، وثَّقه النجاشي (رحمه الله)، جليل
القدر في أصحابنا، من الفقهاء الأعلام، كثير الرواية، من رواة (كامل الزيارات)، من
رواة (تفسير القمِّي).
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (إنَّ المسمِّين بعبد الله بن سنان ثلاثة:
أحدهم: صاحب الترجمة وهو الثقة المعروف الذي له كتاب، وقد أدرك الباقر والصادق
والكاظم (عليهم السلام)...
الثاني: ... وهو عبد الله بن سنان الواسطي.
الثالث: ... من أصحاب الرضا والجواد (عليهما السلام)، والأخيران لم نظفر لهما
برواية في الكُتُب الأربعة)(٢٩١).
* * *
رواية: «الراية السوداء صاحبة الرقعة الخضراء»
وردُّها:
الحديث (٣٥): [كتاب في نصرة الواقفة]: [١١] قَالَ [الموسوي]: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ
بْنُ رِزْقِ اَلله، عَنْ أَبِي اَلْوَلِيدِ اَلطَّرَائِفِيِّ، قَالَ: كُنْتُ
لَيْلَةً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) إِذْ نَادَى غُلَامَهُ، فَقَالَ:
«اِنْطَلِقْ فَادْعُ لِي سَيِّدَ وُلْدِي»، فَقَالَ لَهُ اَلْغُلَامُ: مَنْ هُوَ؟
فَقَالَ: «فُلَانٌ»، يَعْنِي أَبَا اَلحَسَنِ (عليه السلام)، قَالَ: فَلَمْ
أَلْبَثْ حَتَّى جَاءَ بِقَمِيصٍ بِغَيْرِ رِدَاءٍ...، إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ
ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى عَضُدِي وَقَالَ: «يَا أَبَا اَلْوَلِيدِ، كَأَنِّي
بِالرَّايَةِ اَلسَّوْدَاءِ صَاحِبَةِ اَلرُّقْعَةِ اَلخَضْرَاءِ تَخْفِقُ فَوْقَ
رَأْسِ هَذَا اَلجَالِسِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ يَهُدُّونَ جِبَالَ اَلحَدِيدِ
هَدًّا، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا هَدُّوهُ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ،
هَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ هَذَا يَا أَبَا اَلْوَلِيدِ يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً
كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَعُدْوَاناً، يَسِيرُ فِي أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِسِيرَةِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اَلله حَتَّى
يَرْضَى اَللهُ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَذَا؟ قَالَ: «هَذَا»، ثُمَّ قَالَ:
«فَاتَّبِعْهُ وَأَطِعْهُ وَصَدِّقْهُ وَأَعْطِهِ اَلرِّضَا مِنْ نَفْسِكَ
فَإِنَّكَ سَتُدْرِكُهُ إِنْ شَاءَ اَللهُ».
فالوجه فيه أيضاً أنْ يكون قوله: (كأنِّي بالراية على رأس هذا) أي على رأس مَنْ
يكون من ولد هذا، بخلاف ما يقول الإسماعيليَّة وغيرهم من أصناف
-----------------
(٢٩١) معجم رجال الحديث (ج ١١/ ص ٢٢٨/ الرقم ٦٩١٩).
المِلَل الذين يزعمون أنَّ المهدي منهم، فأضافه
إليه مجازاً، على ما مضى ذكر نظائره، ويكون أمره بطاعته وتصديقه، وأنَّه يُدرِك حال
إمامته.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: من جهة ما يمكن أنْ يُقرَّب به لدعوى الواقفة، وذلك
بأنَّ الرواية نصٌّ في أنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) وأنَّه هو صاحب الراية
الخضراء، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً، ويسير بسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام)،
ومعه أصحابه يهدُّون جبال الحديد هدًّا، ولا يأتون على شيء إلَّا هدُّوه.
وهذه الأوصاف لا تنطبق إلَّا على الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنَّها من أبرز
خصائصه، وقد عقَّب الإمام (عليه السلام) في آخر الحديث لأبي الوليد الطرائفي:
«اِتَّبِعْهُ وَأَطِعْهُ وَصَدِّقْهُ وَأَعْطِهِ اَلرِّضَا مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّكَ
سَتُدْرِكُهُ إِنْ شَاءَ اَللهُ»، فحسب دعواهم أنَّها منطبقة على الإمام الكاظم
(عليه السلام) بالتعيين حيث أشار إليه وأمر بإحضاره وقال: «اَلرَّايَةُ تَخْفِقُ
فَوْقَ هَذَا» أي الإمام الكاظم (عليه السلام)، ثمّ ذكر الأوصاف التي أشرنا إليها
آنفاً، فتكون النتيجة أنَّه هو المهدي الذي يغيب، إذا لم يكن نصًّا فبالظهور.
ويردُّه:
١ - أنَّه خبر واحد لا يوجب حجَّةً، بل هو مرسَل.
٢ - أنَّ فيه كناية عن أنَّها في ولده، وما يكون في ولد الرجل هو فيه.
٣ - أنَّه في مقام الردِّ على الإسماعيليَّة على ما تقدَّم في ردِّ الحديث (٣٢)
بحسب ترقيم النسخة المعتمدة.
إنْ قلتَ: كيف يقول له: يجب عليك طاعته وأنَّك سوف تُدرِكه؟ ألَا يعني ذلك التعريف
بأنَّه الحجَّة القائم الغائب (عجَّل الله فرجه)، فكيف ساغ تأويل هذا الحديث؟
قلتُ: لا يوجد تفصيل في ما نعتقده في الإمامة بين مَنْ كان منهم قائماً بالأمر
كأمير المؤمنين (عليه السلام)، أو أقعده الناس ولم يُمكِّنوه من القيام.
فكون الراوي سيُدرِكه لا يُؤثِّر ولا ينفع
المستدلَّ، لأنَّ الرواية في مقام بيان معجزة من معاجزهم (عليهم السلام)، وهي إدراك
هذا الشخص الإمام الذي يلي الإمام الفعلي، على ما يأتي من شيخ الطائفة (قدّس سرّه)
في ذكر عدَّة شخصيَّات أدركت اللَّاحق من الأئمَّة (عليهم السلام)، بل إنَّ مِنَ
النساء مَنْ أدركت عدَّة من الأئمَّة (عليهم السلام) بنحو الإعجاز، كحبابة
الوالبيَّة صاحبة الحصى في كل ما يأتي في الحديث (٨٢)، وأُمِّ غانم الأعرابيَّة
صاحبة الحصى كذلك في الحديث الذي بعده.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - عليُّ بن رزق الله: لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه
بـ (المهمل).
٣ - أبو وليد الطرائفي: لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه
بـ (المهمل).
فضلاً عن أنَّ الحديث مرسَل، فلم تُذكَر الوسائط بين الموسوي وبين عليِّ بن رزق
الله.
* * *
رواية: «أنت المرتضى» وردُّها:
الحديث (٣٦): [كتاب في نصرة الواقفة]: [١٢] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ
اَلله بْنُ جَمِيلٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ اَلْقَمَّاطِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله اِبْنُ غَالِبٍ، قَالَ: أَنْشَدْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله
(عليه السلام) هَذِهِ اَلْقَصِيدَةَ:
فَإِنْ تَكُ أَنْتَ اَلمُرْتَجَى لِلَّذِي نَرَى * * * فَتِلْكَ اَلَّتِي مِنْ ذِي اَلْعُلَى فِيكَ نَطْلُبُ
فَقَالَ: «لَيْسَ أَنَا صَاحِبَ هَذِهِ اَلصِّفَةِ، وَلَكِنْ هَذَا صَاحِبُهَا»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي اَلحَسَنِ (عليه السلام).
فالوجه فيه أيضاً ما قلنا[ه](٢٩٢) في الخبر الأوَّل
من أنَّ صاحب هذا من ولده دون غيره ممَّن يُدَّعى له ذلك.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ الإمام (عليه السلام) يُصرِّح أنَّه ليس هو
صاحب هذه الصفة، وصاحبها هو الإمام الكاظم (عليه السلام) الذي أشار بيده إليه، وحيث
إنَّ ما ذكره الشاعر ابن غالب هو بيت يتحدَّث فيه عن الإمام الذي يخرج في آخر
الزمان، وهو المرتجى لنشر العدل في ربوع الكون، فيكون الإمام الكاظم (عليه السلام)
هو الإمام القائم الحجَّة الغائب.
ويردُّه: عينُ ما تقدَّم في الحديث السابق من ضعف سنده، وكون المعنيِّ به من ولده،
فضلاً عن بقيَّة الوجوه التي رددنا بها الأحاديث السابقة.
فنقلة في الجزم في وضع الرواية وردُّها:
إنْ قلتَ: إنَّ هذه الروايات ربَّما يقال بوضعها، والوجه في ذلك:
أ - أنَّ أصل تعيُّن الإمامة في الإمام الكاظم (عليه السلام) كانت في تقيَّة وظروف
حرجة حتَّى إنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) جعل الوصيَّة من بعده في عدَّة أشخاص.
ب - أنَّ حُكَّام الجور قد علموا أنَّ الذي يزيح سلطانهم هو من نسل رسول الله (صلّى
الله عليه وآله وسلّم)، فمن البعيد أنْ يصدر عن لسان الإمام الصادق (عليه السلام)
هذه الروايات التي تُصرِّح بأنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) هو الذي يقيم القسط
والعدل، ألَا يكون هذا إغراء بالقتل من قِبَله (عليه السلام) لولده؟
وبعبارة أُخرى: إنَّ مَنْ يتَّقي في الأمر الأدنى - أصل الإمامة -، كيف لا يتَّقي
في الأعلى وهو الملئ بالقسط والعدل؟
قلتُ:
١ - لا سبيل للجزم بالوضع في جميع هذه الروايات خصوصاً مع تعرُّض
-----------------
(٢٩٢) من نُسَخ (أ، ف، م).
شيخ الطائفة (قدّس سرّه) لها وتجشُّم عناء ردِّها
رواية رواية، ممَّا يكشف عن وجود قرائن يُستفاد منها صدورها في الجملة.
٢ - أنَّ الوضع كما هو في علم عِلَل الحديث يحتاج إلى مثبت والجزم بوجود قرائن
تدلُّ عليه، وقد لا يمكن إثباتها هنا.
وممَّا يُؤيِّد هذا، روايات أنَّ لهم من كلِّ خبر المخرج، بل سبعين مخرجاً.
٣ - لو تنزَّلنا فيمكن أنْ يقال بالوضع بمعنى أنَّهم دسُّوا فيها ما يدلُّ على
غيبته أو قيامه بالقسط والعدل، لا وضع الجميع.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - عبد الله بن جميل: لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه
بـ (المهمل)(٢٩٣).
أمَّا لو كان المعنيُّ به:
أ - جميل بن درَّاج: فوجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله)
له، من وجوه الطائفة.
ب - عبد الله بن جبلة: فوجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه الشيخ النجاشي (رحمه
الله)، نعم هو واقفي، من الفقهاء المشهورين، صاحب كُتُب.
٣ - صالح بن سعيد (صالح بن سعيد أبو سعيد القماط): طبقته في الحديث السادسة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: من رواة (تفسير القمِّي)، رواية الأجلَّاء عنه، صاحب كتاب.
-----------------
(٢٩٣) وورد في هامش النسخة المعتمدة: (لم نجد له ذكراً في كُتُب الرجال، فلعلَّ الصحيح: (عبد الله عن جميل)، والمراد من (جميل) هو جميل بن درَّاج، ومن عبد الله إمَّا عبد الله بن جبلة، أو عبد الله ابن حمَّاد، أو عبد الله بن المغيرة).
٤ - عبد الله بن غالب: طبقته في الحديث الخامسة ويمكن عدّه من الرابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، وُصِفَ بأنَّه الفقيه.
* * *
رواية: «هذا ابني حقًّا» ووجه الدلالة فيها:
الحديث (٣٧): [كتاب في نصرة الواقفة]: [١٣] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي أَبُو
عَبْدِ اَلله لذاذ، عَنْ صَارِمِ بْنِ عُلْوَانَ اَلجَوْخِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ
أَنَا وَاَلمُفَضَّلُ(٢٩٥) وَيُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ(٢٩٦) وَاَلْفَيْضُ بْنُ
اَلمُخْتَارِ(٢٩٧) وَاَلْقَاسِمُ شَرِيكُ اَلمُفَضَّلِ(٢٩٨)
-----------------
(٢٩٤) (١٦/ جمادى الآخرة/ ١٤٤٥هـ).
(٢٩٥) المفضَّل بن عمر، أبو عبد الله الجعفي، مولى، كوفي، اختُلِفَ فيه، فقد ضعَّفه
النجاشي وابن الغضائري (رحمهما الله)، ومدحه الشيخ (قدّس سرّه)، وعدَّه المفيد
(قدّس سرّه) من خاصَّة أبي عبد الله (عليه السلام) وبطانته وثقاته الفقهاء
الصالحين، وعدَّه ابن شهرآشوب (رحمه الله) من خواصِّ أصحاب الإمام الصادق (عليه
السلام)، وعدَّه من الثقات الذين رووا صريح النصِّ على الإمام موسى بن جعفر (عليه
السلام)، وروى الكشِّي(رحمه الله) عدَّة روايات في شأنه منها مادحة ومنها ذامَّة،
وهو جليل، ثقة، كما ذهب إليه السيِّد الخوئي (قدّس سرّه). راجع: معجم رجال الحديث
(ج ١٩/ ص ٣١٧ - ٣٣٠/ الرقم ١٢٦١٥).
(٢٩٦) يونس بن ظبيان الأزدي، كوفي، ضعَّفه النجاشي وابن الغضائري (رحمهما الله)،
وروى الكشِّي (رحمه الله) عدَّة روايات صحيحة تدلُّ على خبثه وضلاله، وعدَّه الفضل
بن شاذان من الكذَّابين المشهورين، ولكنه وقع في إسناد تفسير القمي، وعدَّه ابن
شهرآشوب (رحمه الله) من الثقات الذين رووا النصَّ على أبي الحسن موسى (عليه
السلام). راجع: معجم رجال الحديث (ج ٢١/ ص ٢٠٤ - ٢٠٩/ الرقم ١٣٨٦٢).
(٢٩٧) الفيض بن المختار الجعفي، مولاهم، كوفي، قال عنه النجاشي (رحمه الله): (ثقة،
عين)، وعدَّه المفيد (قدّس سرّه) من رواة النصِّ على موسى بن جعفر (عليه السلام) من
شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصَّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين.
راجع: معجم رجال الحديث (ج ١٤/ ص ٣٦٨ - ٣٧٢/ الرقم ٩٤٨٤).
(٢٩٨) القاسم بن عبد الرحمن الصيرفي، كوفي، شريك المفضَّل بن عمر، من أصحاب الصادق
(عليه السلام). راجع: معجم رجال الحديث (ج ١٥/ ص ٢٧/ الرقم ٩٥٣٤).
عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَعِنْدَهُ إِسْمَاعِيلُ اِبْنُهُ، فَقَالَ
اَلْفَيْضُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، نَتَقَبَّلُ مِنْ هَؤُلَاءِ اَلضِّيَاعَ،
فَنُقَبِّلُهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا نَتَقَبَّلُهَا، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»،
فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ اِبْنُهُ: لَمْ تَفْهَمْ يَا أَبَهْ، فَقَالَ أَبُو
عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «أَنَا لَمْ أَفْهَمْ؟ أَقُولُ لَكَ: اِلْزَمْنِي
فَلَا تَفْعَلُ»، فَقَامَ إِسْمَاعِيلُ مُغْضَباً، فَقَالَ اَلْفَيْضُ: إِنَّا
نَرَى أَنَّهُ صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ بَعْدِكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله
(عليه السلام): «لَا وَاَلله مَا هُوَ كَذَلِكَ»، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَلْزَمُ لِي
مِنْ ذَلِكَ»، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي اَلحَسَنِ (عليه السلام) وَهُوَ نَائِمٌ،
فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فَنَامَ عَلَى صَدْرِهِ، فَلَمَّا اِنْتَبَهَ أَخَذَ أَبُو
عَبْدِ اَلله (عليه السلام) بِسَاعِدِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وَاَلله اِبْنِي
حَقًّا، هُوَ وَاَلله يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً
وَجَوْراً»، فَقَالَ لَهُ قَاسِمٌ اَلثَّانِيَةَ: هَذَا، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ:
«إِي وَاَلله، اِبْنِي هَذَا لَا يَخْرُجُ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَمْلَأَ اَللهُ
اَلْأَرْضَ بِهِ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، ثَلَاثَ
أَيْمَانٍ يَحْلِفُ بِهَا.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: بما جرى بين الإمام الصادق (عليه السلام) وبين ولده
إسماعيل من الإشارة إلى ولده الكاظم (عليه السلام)، ووصفه بأنَّه هو والله يملأها
قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ثمّ سأله القاسم بن عبد الرحمن الصيرفي
مرَّةً أُخرى بقوله: هَذَا، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟! يعني الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً
هو أبو الحسن (عليه السلام)؟ فأجاب الإمام الصادق (عليه السلام): «إِي وَاَلله،
اِبْنِي هَذَا لَا يَخْرُجُ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَمْلَأَ اَللهُ اَلْأَرْضَ
بِهِ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، ثمّ عقَّب راوي الحديث:
(ثَلَاثَ أَيْمَانٍ يَحْلِفُ بِهَا)، أي إنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) يحلف
بالله ثلاث مرَّات على كون الإمام الكاظم (عليه السلام) لا يخرج من الدنيا حتَّى
يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً.
وقوله: «اِبْنِي هَذَا» نصٌّ في كون الإمام الكاظم (عليه السلام) هو المهدي القائم
بالأمر الغائب المنتظَر ظهوره لإقامة القسط والعدل.
ردُّ «رواية هذا ابني حقًّا» من عدَّة وجوه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم صلوحه للمعارضة.
٢ - لو تجاوزنا عن ضعف سنده والتزمنا بنصِّ دلالته، فهو معارض بعلم قطعي تقدَّم
إثباته من كون الإمام الكاظم (عليه السلام) مات ودُفِنَ وتولَّى الإمامة من بعده
ولده الرضا (عليه السلام)، فلا غيبة له (عليه السلام)، ولا قيام له بهذا الأمر.
٣ - هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) هو بعينه مَنْ يقوم
بالقسط والعدل لو مُكِّن من ذلك وأتاح الناس له الفرصة وثُنيت له الوسادة، فتكرير
الإمام (عليه السلام) أَيْمانه المغلَّظة وقسمه بالذات المقدَّسة يكشف عن أنَّ
الإمامة تسري في ولد الكاظم (عليه السلام) لا في إسماعيل وولده.
٤ - هذا الحديث من معضلات الأحاديث، فإنَّ إسماعيل لم يكن بهذه المثابة من الفظاظة
وسوء الخُلُق - والعياذ بالله تعالى - مع والده الإمام الصادق (عليه السلام)،
فالجزم بصدور الحديث يحتاج إلى مؤنة كبيرة، وكيفما كان وعلى فرض صدوره فإنَّ قول
إسماعيل لأبيه: (لَمْ تَفْهَمْ يَا أَبَهْ) ممَّا لا يمكن قبوله بحال، فلا بدَّ من
تأويله بوجه من الوجوه، أو الوقوف عند هذا الحديث وردِّ علمه إلى أهله.
إشكاليَّة كلام إسماعيل ابن الإمام الصادق
(عليه السلام) بما لا ينبغي وردُّها:
ووجوه التأويل المتصوَّرة:
أ - أنَّ هناك مَنْ يُخشى منه في المجلس، فتحدَّث إسماعيل بهذه الكيفيَّة ليُوهِم
على الجالسين مقام الإمام (عليه السلام).
وهو وإنْ كان وجهاً متصوَّراً إلَّا أنَّ قبوله بعيد.
ب - لعلَّ ما صدر من إسماعيل أمام الناس - رغم ما فيه من جرأة بل قد يصل إلى حدِّ
الكفر والعياذ بالله تعالى - جاء على وجه الإعجاز والتغليط لإسماعيل أمام الناس
حتَّى لا يُقال: إنَّه الإمام بعد أبيه، إذ كيف يتجرَّأ الإمام -
على فرض أنَّه إسماعيل على مبنى الإسماعيليَّة - بهذه الألفاظ على مقام الإمامة،
فقيامه بذلك كشف أمام مَنْ كان جالساً - ولعلَّ جملة منهم كان يعتقد بإمامة إسماعيل
بعد أبيه، فانكشف لهم من قوله - أنَّه ليس بإمام.
وكيفما كان فالإمام في مقام الاستدلال على الترابط بين شدَّة الملازمة للإمام
الفعلي من الإمام اللَّاحق وبين ثبوت الإمامة فيه، وهو مفقود في إسماعيل.
وعلى هذا فالحديث ردٌّ على الإسماعيليَّة، وأجنبيٌّ عن إثبات الإمامة بمعنى المهدي
القائم الغائب في الكاظم (عليه السلام)، ولذلك عبَّر الشيخ (قدّس سرّه) في مقام
ردِّه: (فالوجه فيه: أيضاً ما قلناه من أنَّ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً يكون من
ولده دون ولد إسماعيل على ما ذهب إليه قوم، فلذلك قرنه بالأَيْمان علماً منه بأنَّ
قوماً يعتقدون في ولد إسماعيل هذا، فنفاه وقرنه بالأَيْمان لتزول الشبهة والشكِّ
والريبة).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أبو عبد الله لذاذ: ورد في هامش النسخة المعتمدة: (في نُسَخ (أ، ف، م):
(لزاز)). وكلا الاسمين لم يرد عنهما ذكر في كُتُب الرجال، وهذا ما يُعبَّر عنه بـ
(المهمل).
٣ - صارم بن علوان: مجهول.
* * *
رواية: «ما وليها أحد قطُّ أحدث منه» وردُّها
من عدَّة وجوه:
الحديث (٣٨): [كتاب في نصرة الواقفة]: [١٤] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ
بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ اَلْبَزَّازِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله
(عليه السلام): «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يَلِي اَلْوَصِيَّةَ وَهُوَ اِبْنُ
عِشْرِينَ سَنَةً»، فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَوَاَلله مَا وَلِيَهَا أَحَدٌ قَطُّ
كَانَ أَحْدَثَ مِنْهُ، وَإِنَّهُ لَفِي اَلسِّنِّ اَلَّذِي قَالَ أَبُو عَبْدِ
اَلله (عليه السلام).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ الإمام (عليه
السلام) جعل الكاشف عن ثبوت الإمامة في الإمام القائم الغائب هو كونه ابن عشرين
سنة، فمن تسلَّم زمام الإمامة وهو في هذا العمر كان هو القائم الغائب، وحيث إنَّ
الإمام الكاظم (عليه السلام) تسنَّمها في هذا العمر فهو صاحب الوصيَّة، وهو الحجَّة
المهدي القائم الغائب (عجَّل الله فرجه).
هذا ما يمكن أنْ يُقرَّب به الاستدلال للواقفة على مدَّعاهم.
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم صلوحه للمعارضة.
٢ - أنَّه ليس فيه تصريح لمن يقوم بالأمر، بل هو عنوان عامٌّ له قابليَّة الانطباق
عليه وعلى غيره على ما ذكره شيخ الطائفة (قدّس سرّه).
٣ - أنَّ الذي طبَّق الحديث على الإمام الكاظم (عليه السلام) هو الراوي، وليس
الإمام (عليه السلام)، وأوَّل الكلام أنَّ كلام الراوي حجَّة.
٤ - يمكن أنْ يقوم غير إسماعيل بن زياد البزَّاز بتطبيق الرواية على غير الوجه الذي
طبَّقها هو، فتصحُّ، فقوله: «وَهُوَ اِبْنُ عِشْرِينَ» أي لا يتجاوز العشرين أو وهو
في العشرين، وهناك العديد من الأئمَّة (عليهم السلام) صارت الإمامة إليهم ولم
يتجاوزوا العشرين، فالحديث مطبَّق على غيره واقعاً فلا يختصُّ به، ولا مرجِّح
لتأويل وتطبيق إسماعيل بن زياد البزَّاز على غيره.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - حنان بن سدير: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٨).
٣ - إسماعيل بن زياد: لم نعثر له على توثيقه، وهو ممَّا يُعبَّر عنه بـ (المجهول).
* * *
رواية: «لتخرجنِّي أو لأخرجنَّ»:
الحديث (٣٩): [كتاب في نصرة الواقفة] [١٥] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ اَلْقَاسِمِ
اَلحَذَّاءِ وَغَيْرِهِ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ،
قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ (عليه السلام) - وَهُوَ فِي
اَلحَبْسِ -، فَقَالَ: «اِئْتِ هَذَا اَلرَّجُلَ - يَعْنِي يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ -،
فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبُو فُلَانٍ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟
أَخْرَجْتَنِي مِنْ بِلَادِي، وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيَالِي»،
فَأَتَيْتُهُ وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: زُبَيْدَةُ طَالِقٌ، وَعَلَيْهِ أَغْلَظُ
اَلْأَيْمَانِ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ غَرِمَ اَلسَّاعَةَ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَأَنْتَ
خَرَجْتَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَأَبْلَغْتُهُ، فَقَالَ: «اِرْجِعْ إِلَيْهِ،
فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ: وَاَلله لَتُخْرِجَنِّي أَوْ لَأَخْرُجَنَّ».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فلا أدري أيَّ تعلُّق في هذا الخبر ودلالة على
أنَّه القائم بالأمر، وإنَّما فيه إخبار بأنَّه إنْ لم يُخرِجه ليخرجنَّ - يعني من
الحبس -، ومع ذلك فقد قرنه باليمين أنَّه إنْ لم يفعل به ليفعلنَّ، وكلاهما لم
يوجد، فإذا لم يُخرِجه يحيى كان ينبغي أنْ يخرج، وإلَّا حنث في يمينه، وذلك لا يجوز
عليه).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على كون الإمام الحجَّة الغائب هو الإمام الكاظم
(عليه السلام) من جهة كونه يتحكَّم بالأُمور ويقدر على الخروج من السجن متى ما شاء،
وليس هذا إلَّا لكونه الحجَّة القائم الغائب (عجَّل الله فرجه)، وقدرته على الخروج
من سجن الطاغية تلازم بقائه غائباً وقيامه بالأمر.
-----------------
(٢٩٩) (٢٤/ جمادى الآخرة/ ١٤٤٥هـ).
وبغضِّ النظر عن تقريب الواقفي لهذا الحديث - وهذا التقريب هو ما يمكن التماسه لهم
وإلَّا فليس في كتاب (الغيبة) ولا في غيره ذكر لتقريب هذه الأحاديث المتقدِّمة عن
كتاب الموسوي والآتية إلَّا بعض الموارد المحدودة جدًّا ممَّا قرَّب به الشيخ (قدّس
سرّه) كلامه أو فُهِمَ من جوابه لهم -، فإنَّ الحديث يُخبِر عن قصَّة رواها داود بن
زربي حيث يقول: إنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) بعث إليه وهو في الحبس، وأخبره
بإيصال رسالة إلى يحيى بن خالد، وأنْ يغلظ عليه من جهة إخراج الإمام (عليه السلام)
من بلاده - أي المدينة - والتفريق بينه وبين عياله، فجاء داود وأخبر يحيى، فقال
يحيى: زبيدة طالق، وعليه أغلظ الأيمان، أي إنَّه حلف بأشد الأيمان وودَّ لو أنَّه
غرم في هذه الساعة ألفي ألف بما يعادل مليوني من العملة - ولم يذكر ديناراً أو
درهماً -، وأنْ يكون الفرج للإمام، وأنْ يخرج من سجنه، فرجع داود وأبلغ الإمام
(عليه السلام) بما قاله يحيى، فقال له (عليه السلام): «اِرْجِعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ
لَهُ: يَقُولُ لَكَ: وَاَلله لَتُخْرِجَنِّي أَوْ لَأَخْرُجَنَّ».
حلُّ معضلة في الرواية:
ملاحظة: في الرواية: «اِئْتِ هَذَا اَلرَّجُلَ»، ووُضِعَ بين شارحتين - يعني يحيى
بن خالد -، والظاهر أنَّ هذا التفسير هو من الراوي المتأخِّر عن زمان الشيخ الطوسي
(قدّس سرّه)، إذ لا معنى لكون الحديث بين داود ويحيى وأنَّ يحيى يحلف بطلاق زبيدة،
فزبيدة زوجة هارون، ولا ولاية ليحيى في طلاقها منه.
وقد يُقال: إنَّ تفسير الرجل من قِبَل مَنْ تأخَّر عن شيخ الطائفة بـ (يحيى) فيه
اشتباه، إذ لو كان المقصود به هذا لذكره الشيخ (قدّس سرّه).
ويمكن التماس قرينة أُخرى تدعم ظهور الرجل بـ (هارون) دون يحيى، قول الإمام (عليه
السلام): «وَاَلله لَتُخْرِجَنِّي أَوْ لَأَخْرُجَنَّ»، فإنَّ يحيى لا سلطة له على
إخراج الإمام (عليه السلام) من دون إذن هارون.
ويحتمل أنَّ النسخة فيها تصحيف، وأنَّ الموجود في الرواية قبل التصحيف بدل (زبيدة):
(زوجتي)، أي إنَّه يحلف بطلاق زوجته، ولعلَّ لأجل كون اسمها زبيدة أبدل النُّسَّاخ
(زوجتي) بـ (زبيدة)، أو لمحض الاشتباه.
وممَّا يُستغرَب منه أنَّ النسخة المحقَّقة التي اعتمدنا عليها لم تشر إلى ذلك،
وكيفما كان فالأمر سهل.
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم الصلوح للمعارضة.
٢ - أنَّ غاية ما يمكن أنْ يتعلَّق به الواقفي هو كون الإمام إذا امتلك القدرة على
الخروج من السجن فهو الحجَّة القائم، وهذا موجود فيهم (عليهم السلام) جميعاً.
٣ - أنَّ الحديث لا يُفهَم معناه، ومشوَّش ومضطرب، فكيف يقسم الإمام (عليه السلام)
بـ «وَاَلله لَتُخْرِجَنِّي» ومع ذلك يُصرِّح الشيخ (قدّس سرّه) أنَّ خروجه لم يحصل
حيث قال: (وكلاهما لم يوجد) أي إنَّ يحيى لم يُخرِجه بناءً على تفسير الرجل بـ
(يحيى) أو (هارون) بناءً على ما نميل إليه، ولا هو خرج بنفسه، فكلاهما أي إخراجه أو
خروجه غير واقعين، ممَّا يستلزم حنث الإمام (عليه السلام) ليمينه، وهذا لا يجوز،
لمكان عصمته (عليه السلام).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - إبراهيم بن محمّد بن حمران بن أعين الشيباني: لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال،
وهو ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
٣ - في هذه الطبقة جماعة، هم:
أ - يحيى بن أبي القاسم الحذَّاء: واقفي، مجهول.
ب - غيره: لم نعثر على ما يرفع الإبهام فيه.
٣ - جميل بن صالح: طبقته في الحديث السادسة ويمكن عدّه من الخامسة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، من وجوه الطائفة، رواية
الأجلَّاء عنه، من رواة (كامل الزيارات)، من رواة (تفسير القمِّي).
٥ - داود بن زربي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (١٨).
* * *
رواية: «ابن حميدة (عليه السلام)» وردُّها:
الحديث (٤٠): [كتاب في نصرة الواقفة] [١٦] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَنْصُورٍ
اَلزُّبَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخاً بِأَذْرِعَاتٍ - قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ
عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ -، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ
عَلَى مِنْبَرِ اَلْكُوفَةِ: «كَأَنِّي بِابْنِ حَمِيدَةَ قَدْ مَلَأَهَا عَدْلاً
وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ:
أَهُوَ مِنْكَ أَوْ مِنْ غَيْرِكَ؟ فَقَالَ: «لَا، بَلْ هُوَ رَجُلٌ مِنِّي».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فالوجه فيه: أنَّ صاحب هذا الأمر يكون من ولد
حميدة، وهي أُمُّ موسى بن جعفر (عليه السلام)، كما يقال: يكون من ولد فاطمة (عليها
السلام)، وليس فيه أنَّه يكون منها لصلبها دون نسلها، كما لا يكون كذلك إذا نُسِبَ
إلى فاطمة (عليها السلام)، وكما لا يلزم أنْ يكون ولده لصلبه، وإنْ قال: إنَّه يكون
مني، بل يكفي أنْ يكون من نسله).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ ابن حميدة هو الإمام الكاظم (عليه السلام)،
والتعبير بأنَّه هو الذي يملأها قسطاً وعدلاً تعبير آخر عن كونه هو الإمام الحجَّة
القائم الغائب.
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم الصلوح للمعارضة، ولو سُلِّم سنداً ودلالةً
فهو معارَض بما دلَّ على إمامة الإمام الرضا والجواد والهادي والعسكري والحجَّة
(عليهم السلام)، بل ولإمامة الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) المنصوص عليهم
بعدَّة روايات سيأتي ذكر الشيخ (قدّس سرّه) لطائفة منها، وجملة من هذه الطائفة ما
يرويه عن (غيبة النعماني (رحمه الله))، حيث يبدأ ذكر تلك الأخبار من الحديث (٩٠)،
بل والذي قبله إلى (١١٥)، حيث يروي فيه روايات عن العامَّة أيضاً.
٢ - أنَّ التعبير بكونه رجلاً منِّي تعبير كنائي، أي إنَّه من ولد حميدة، وإنْ لم
يكن المباشر، وقد مرَّ مكرَّراً أنَّ المراد به الردُّ على الإسماعيليَّة وإثبات
الإمامة في نسل الإمام الكاظم (عليه السلام). على أنَّ هذا التعبير متداول في
روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فإنَّ قولهم: (من ولد فاطمة) لا يعني أنَّه من
ولدها المباشرين، فلا يدلُّ على أنَّه ولدها المباشر، بل هو من نسلها ومن أولادها
بالواسطة، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «بَلْ هُوَ رَجُلٌ مِنِّي» لا يعني
المباشر، بل هو بنفسه فسَّرها بما تقدَّم من كلامه من كونه (ابن حميدة)، نظير ما
ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كون الأئمَّة (عليهم السلام)
أولاده ومن صلبه.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - إبراهيم بن محمّد بن حمران: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٩).
٣ - إسماعيل بن منصور: طبقته في الحديث السادسة، من وجوه توثيقه أنَّه من رواة
(كامل الزيارات).
٤ - شيخٌ بأذرعات: لم يرد في حقِّه ما يرفع جهالته.
* * *
رواية: «صاحب البهمة» وردُّها:
الحديث (٤١): [كتاب في نصرة الواقفة] [١٧] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ
بْنُ اَلحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ اَلْعَلَوِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَسَأَلْتُهُ
عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ: «صَاحِبُ اَلْبَهْمَةِ»،
وَأَبُو اَلحَسَنِ فِي نَاحِيَةِ اَلدَّارِ، وَمَعَهُ عَنَاقٌ مَكِّيَّةٌ،
وَيَقُولُ لَهَا: «اُسْجُدِي لِله اَلَّذِي خَلَقَكِ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ
اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فأوَّل ما فيه: أنَّه سأله عن مستحقِّ هذا الأمر
بعده فقال: «صَاحِبُ اَلْبَهْمَةِ»، وهذا نصٌّ عليه بالإمامة، وقوله: «أَمَا
إِنَّهُ يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً» لا يمتنع
أنْ يكون المراد أنَّ من ولده مَنْ يملأها قسطاً وعدلاً، وإذا احتُمِلَ ذلك سقطت
المعارضة).
واستدلال الموسوي بهذا الحديث ظاهر.
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم صلوحه للمعارضة.
٢ - في الحديث قرينة تصرف معنى ملأ الأرض قسطاً وعدلاً إلى كونه من ولده وليس هو،
لكون سؤال السائل عن صاحب هذا الأمر من بعده، فعرَّفه بأنَّه صاحب البهمة.
إنْ قلتَ: وقوله: «يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً» هذا المعنى يكشف عن كونه الحجَّة
القائم الغائب (عجَّل الله فرجه).
قلتُ: تقدَّم مراراً أنَّه لا يكشف عن ذلك على ما بيَّنَّاه من اللولائيَّة، وأنَّ
كلَّ واحدٍ من الأئمَّة (عليهم السلام) لو ثنيت له الوسادة لملأها قسطاً وعدلاً.
على أنَّه لو سلَّمنا سند الحديث ودلالته فهو معارض بغيره، فيسقط
بالمعارضة ويبقى من الروايات ما هو سليم عن
المعارضة، كحديث الاثني عشر، والنصوص الدالَّة على إمامة الإمام الرضا والجواد
والهادي والعسكري والحجَّة (عليهم السلام) بالخصوص.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أحمد بن الحسن (الميثمي): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٧).
٣ - يحيى بن إسحاق العلوي: ورد في هامش النسخة المعتمدة: (في الإثبات: أحمد بن
إسحاق العلوي)، وكلا الاسمين لم يرد فيهما ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عن
بـ (المهمل).
٤ - إسحاق العلوي: لم يرد عنه ذكر في كُتُب الرجال، فهو (مهمل).
* * *
رواية: «عدم وقوع البداء في ما أخرجه
الرُّسُل» وردُّها:
الحديث (٤٢): [كتاب في نصرة الواقفة] [١٨] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي
اَلحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ
سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَذَكَرَ اَلْبِدَاءَ
لِله، فَقَالَ: «فَمَا أَخْرَجَ اَللهُ إِلَى اَلمَلَائِكَةِ وَأَخْرَجَهُ
اَلمَلَائِكَةُ إِلَى اَلرُّسُلِ فَأَخْرَجَهُ اَلرُّسُلُ إِلَى اَلْآدَمِيِّينَ
فَلَيْسَ فِيهِ بِدَاءٌ، وَإِنَّ مِنَ اَلمَحْتُومِ أَنَّ اِبْنِي هَذَا هُوَ
اَلْقَائِمُ».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فما يتضمَّن هذا الخبر من ذكر البداء معناه الظهور
على ما بيَّنَّاه في غير موضع، وقوله: «إِنَّ اَلمَحْتُومِ أَنَّ اِبْنَه هُوَ
اَلْقَائِمُ» معناه القائم بعده في موضع الإمامة والاستحقاق لها دون القيام بالسيف،
على ما مضى القول فيه).
واستدلال الموسوي بهذا الحديث ظاهر.
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم صلوحه للمعارضة.
٢ - أنَّ معنى القيام بعده هو القيام بأمر الإمامة، وهذا لا شكَّ في كونه من
المحتوم، أمَّا كونه القائم بالسيف فممَّا لا قرينة عليه من الحديث على ما تقدَّم
من بيان معنى قيام الإمام بعد الإمام بالأمر.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - الحسين بن عليِّ بن معمر: مهمل.
٣ - عليُّ بن معمر: طبقته في الحديث السادسة ويمكن عدّه من السابعة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: أنَّه من رواة (تفسير القمِّي)، له كتاب.
٤ - عبد الله بن سنان: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٤).
* * *
رواية: «على أعوادها» وردُّها:
الحديث (٤٣): [كتاب في نصرة الواقفة] [١٩] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى بَقْبَاقَةُ -
أَخُو بَنِينَ اَلصَّيْرَفِيِّ -، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْإِصْطَخْرِيُّ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِابْنِ حَمِيدَةَ
عَلَى أَعْوَادِهَا قَدْ دَانَتْ لَهُ شَرْقُ اَلْأَرْضِ وَغَرْبُهَا».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فالوجه فيه: أيضاً أنَّه يكون من نسلها على ما مضى
القول فيه).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: بقوله (عليه السلام): «كَأَنِّي بِابْنِ حَمِيدَةَ
عَلَى أَعْوَادِهَا قَدْ دَانَتْ لَهُ شَرْقُ اَلْأَرْضِ وَغَرْبُهَا» كناية عن
تسنُّمه (عليه السلام) زمام الأمر وبسط العدل في الأرض وثني الوسادة له، فيكون هو
الحجَّة القائم الغائب (عجَّل الله فرجه).
ويردُّه: عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم صلوحه للمعارضة.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - بقباقة أخو بنين الصيرفي: طبقته في الحديث قد يقال إنهما من الخامسة أو
السادسة، هو وأخوه مهملان.
٣ - الإصطخري: مهمل.
* * *
-----------------
(٣٠٠) (٨/ رجب/ ١٤٤٥هـ).
رواية: «طلوع الشمس من مغربها»:
الحديث (٤٤): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٠] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ عَطَاءٍ ضِرْغَامَةُ، عَنْ خَلَّادٍ اَللُّؤْلُؤِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
سَعِيدٌ اَلمَكِّيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) - وَكَانَتْ لَهُ
مَنْزِلَةٌ مِنْهُ(٣٠١) -، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَا
سَعِيدُ، [اَلْأَئِمَّةُ](٣٠٢) اِثْنَا عَشَرَ، إِذَا مَضَى سِتَّةٌ فَتَحَ اَللهُ
عَلَى اَلسَّابِعِ، وَيَمْلِكُ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ خَمْسَةٌ، وَتَطْلُعُ
اَلشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا عَلَى يَدِ اَلسَّادِسِ».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فهذا الخبر: فيه تصريح بأنَّ الأئمَّة اثنا عشر،
وما قال بعد ذلك من التفصيل يكون قولَ الراوي على ما يذهب إليه الإسماعيليَّة).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ السابع منهم (عليهم السلام) يفتح الله على
يديه، ويملك من أهل البيت (عليهم السلام) من بعد السابع خمسة، وتطلع الشمس من
مغربها على يد السادس.
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف السند، وعدم صلوحه للمعارضة.
اضطراب الحديث وشباهته بالموضوعات:
٢ - أنَّ الحديث مضطرب، ووجه اضطرابه مُلك الأئمَّة (عليهم السلام) من بعد السابع
وبقاؤهم إلى طلوع الشمس من مغربها على يد السادس، والمفروض أنْ تطلع على يد الثاني
عشر، لأنَّ مفتاح مُلكهم يكون مبدؤه من السابع، إلَّا أنْ يكون مبدأ مُلك السابع
علامته طلوع الشمس من مغربها على يد السادس، وبالتالي يكون نصف الأئمَّة لا يملكون،
ونصفهم الآخر ابتداءً من السابع،
-----------------
(٣٠١) هذا يُعَدُّ توثيقاً، إلَّا أنَّ الموثِّق
والموثَّق مجهولين.
(٣٠٢) في هامش النسخة المعتمدة: (من إثبات الهداة).
وبذلك يزول الاضطراب، ولكنَّه يخالف الضرورة، من
عدم تملُّك واحد من الستَّة الثانية من الأئمَّة (عليهم السلام)، وآخرهم وهو السادس
من الستَّة الثانية - أي الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام) - مَنْ نعتقد
بغيبته.
ويبدو - والله العالم - على ما أشار الشيخ (قدّس سرّه) أنَّ هذا الحديث يشبه
موضوعات هذه الفرقة، فكأنَّه وُضِعَ ليناسب معتقدهم، أي معتقد الإسماعيليَّة.
٣ - الحديث بعد تجاوز ما مرَّ فيه يُصرِّح أنَّ الأئمَّة اثنا عشر (عليهم السلام)،
فكيف يكون الغائب منهم هو السابع؟! إلَّا أنْ يُفسَّر ذلك بالرجعة، على أنَّها إذا
وقعت تقع عند ظهور الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)، وتحصل فيهم ابتداءً من رسول الله
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين والحسن والحسين وبقيَّة الأئمَّة
(عليهم السلام)، على اختلاف في أوَّل مَنْ تنشقُّ الأرض عنه، على ما يأتي تفصيله في
الرجعة.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - محمّد بن عطاء ضرغامة: قيل: هو محمّد بن عطا(٣٠٣): مهمل، وقيل: ضرغامة بيَّاع
الغزل(٣٠٤): مجهول الحال، وقيل: ضريس بيَّاع الغزل(٣٠٥): مهمل أيضاً.
٣ - خلَّاد اللؤلؤي: مهمل.
٤ - سعيد المكِّي: طبقته في الحديث الخامسة، مشترك بين أربعة.
في (تنقيح المقال): (في أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) أربعة يوصفون بـ
(المكِّي)، وكلُّهم مجاهيل)(٣٠٦).
* * *
-----------------
(٣٠٣) مستدركات علم رجال الحديث (ج ٧/ ص ٢٠٨/ الرقم
١٣٨٩٠).
(٣٠٤) تنقيح المقال (ج ٣٦/ ص ١٨٦/ الرقم ١١٢٧٥/٣٣).
(٣٠٥) تنقيح المقال (ج ٣٦/ هامش ص ١٨٨/ الرقم ١١٢٧٨/١٥).
(٣٠٦) تنقيح المقال (ج ٣١/ ص ٣٣٦/ هامش الرقم ٩٥٨٤/٣٠٧).
رواية: «على رأس السابع منَّا الفرج» وردُّها:
الحديث (٤٥): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢١] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ
بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ اَلْأَبْرَصِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «عَلَى رَأْسِ اَلسَّابِعِ مِنَّا
اَلْفَرَجُ».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (يحتمل أنْ يكون السابع منه، لأنَّه الظاهر من قوله:
«مِنَّا» إشارة إلى نفسه، وكذلك نقول السابع منه هو القائم بالأمر، وليس في الخبر:
السابع من أوَّلنا، وإذا احتُمِلَ ما قلناه، سقطت المعارضة به).
واستدلال الموسوي بهذا الحديث ظاهر.
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم الصلوح للمعارضة.
٢ - ما صرَّح به شيخ الطائفة (قدّس سرّه) من كون: الظاهر «مِنَّا» هو من
الصادق (عليه السلام)، فيكون السابع منه، أي من ولده، فليس الخبر يقول: السابع من
أوَّلنا حتَّى يقع في أبي الحسن الكاظم (عليه السلام)، ومع الاحتمال يبطل
الاستدلال.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - حنان بن سدير: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٨).
٣ - أبو إسماعيل الأبرص: مهمل.
بحث حول يحيى بن القاسم:
٤ - أبو بصير: طبقته في الحديث الخامسة، يحيى بن القاسم أبو بصير الأسدي، وقيل أبو
محمّد، وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه الشيخ النجاشي (رحمه الله)، صاحب كتاب،
أنَّه من أصحاب الإجماع الذين قيل فيهم: لولاهم لانقطعت آثار النبوَّة واندرست، قول
الشيخ (قدّس سرّه): (أُسند عنه) بناءً على كونها من موجبات
التوثيق، توثيق ابن شهرآشوب (رحمه الله) له، ميل ابن الغضائري (رحمه الله) إلى توثيقه، وما طُعِنَ به عليه عنده راجع إلى دينه لا إلى حديثه(٣٠٧).
* * *
رواية: «نفض التراب» وردُّها:
الحديث (٤٦): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٢] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ
اَلله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ جَنَاحٍ، عَنْ حَازِمِ بْنِ حَبِيبٍ،
قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): إِنَّ أَبَوَيَّ هَلَكَا،
وَقَدْ أَنْعَمَ اَللهُ عَلَيَّ وَرَزَقَ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهُمَا وَأَحُجُّ؟
فَقَالَ: «نَعَمْ»، ثُمَّ قَالَ بِيَمِينِهِ: «يَا بَا حَازِمٍ، مَنْ جَاءَكَ
يُخْبِرُكَ عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَنَّهُ غَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ وَنَفَضَ
اَلتُّرَابَ مِنْ قَبْرِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فإنَّما فيه: أنَّ صاحب هذا الأمر لا يموت حتَّى
يقوم بالأمر، ولم يذكر مَنْ هو، والفائدة فيه أنَّ في الناس من اعتقد أنَّه يموت
ويبعثه الله ويحييه - على ما سنُبيِّنه -، فكان هذا ردًّا عليه، ولا شبهة فيه).
واستدلال الموسوي بهذا الحديث ظاهر.
ويردُّه: أنَّ هذا الحديث لا دلالة فيه على ما يدَّعون من جهة أنَّه لم يُعيِّن
مَنْ هو صاحب هذا الأمر الذي لا يُغسَّل ولا يُكفَّن ولا يُدفَن، ويحتمل - كما
صرَّح شيخ الطائفة (قدّس سرّه) - أنَّ هذا الحديث جاء كردٍّ وعلى نحو الإعجاز من
قِبَل الإمام الصادق (عليه السلام) على مَنْ يدَّعي ويعتقد أنَّ الإمام الحجَّة
القائم الغائب (عجَّل الله فرجه) يموت ثمّ يُبعَث بعد موته، وسيأتي بيان هذه الشبهة
وردِّها من قِبَل شيخ الطائفة (قدّس سرّه) فيما بعد.
على أنَّ هذا الخبر حاله كحال ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم صلوحه للمعارضة.
-----------------
(٣٠٧) على أنَّه وقع خلاف في كونه مشتركاً مع غيره وفي اسم أبيه، تحدَّثنا عنه مفصَّلاً في التطبيقات على كتاب (وسائل الشيعة) في الدرس رقم (٢٢).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - عبد الله بن جبلة: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٦).
٣ - سَلَمة بن جناح: مجهول.
٤ - حازم بن حبيب: مهمل.
* * *
رواية: «جبل رضوى» وردُّها:
الحديث (٤٧): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٣] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي أَبُو
مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَلْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:
«كَأَنِّي بِابْنِي هَذَا - يَعْنِي أَبَا اَلحَسَنِ (عليه السلام) - قَدْ أَخَذَهُ
بَنُو فُلَانٍ، فَمَكَثَ فِي أَيْدِيهِمْ حِيناً وَدَهْراً، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ
أَيْدِيهِمْ، فَيَأْخُذُ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى
جَبَلِ رَضْوَى».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فهذا الخبر: لو حُمِلَ على ظاهره لكان كذباً،
لأنَّه حُبِسَ في الأوَّلة وخرج ولم يفعل ما تضمَّنه، وفي الثانية لم يخرج. ثمّ ليس
فيه أنَّ مَنْ يأخذ بيد رجل من ولده حتَّى ينتهي إلى جبل رضوى أنَّه يكون القائم
وصاحب السيف الذي يظهر على الأرض، فلا تعلُّق بمثل ذلك).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) في هذا الحديث
يكشف عن كون سجن الإمام الكاظم (عليه السلام) علامة على كونه صاحب الأمر من جهة
أنَّ بني فلان إذا أخذوه ومكث في أيديهم حيناً ودهراً ثمّ يخرج يأوي مع ولد له إلى
جبل رضوى، وجبل رضوى كناية عن الحجَّة القائم الغائب (عجَّل الله فرجه).
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم صلوحه للمعارضة.
٢ - أنَّ حمل الخبر على ظاهره يلزم تكذيبه على ما
صرَّح به شيخ الطائفة (قدّس سرّه) من أنَّ الخبر يقول: إنَّ الإمام الكاظم (عليه
السلام) إذا سُجِنَ ثمّ خرج يأوي مع ولد له إلى جبل رضوى، في حين أنَّ أبا الحسن
(عليه السلام) سُجِنَ عدَّة مرَّات وخرج، ولم يفعل في خروجه الأوَّل ما تضمَّنه
الحديث، وفي سجنه الأخير لم يخرج حيًّا على ما مرَّ عليك من خبر سمِّه (عليه
السلام).
ثمّ مَنْ هذا الذي يأخذ بيده من ولده؟ وهل أنَّه القائم بعده أو أنَّ في البين
شيئاً لا نعلمه؟
نعم هذا الحديث مفصَّل على ذوق الإسماعيليَّة، فلا تعلُّق لهم به أو بمثله.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أبو محمّد الصيرفي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣١).
٣ - عبد الكريم بن عمرو الخثعمي: طبقته في الحديث الخامسة ويمكن عدّه من السادسة،
وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق النجاشي (رحمه الله) له، كونه صاحب كتاب، ممَّن روى
عنه أصحاب الإجماع كالبزنطي، من الأعيان.
٤ - أبو بصير: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤٥).
* * *
رواية: «أغمضه وغسَّله» وردُّها:
الحديث (٤٨): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٤] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَاوُدَ اَلصَّرْمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ،
قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «مَنْ جَاءَكَ فَقَالَ لَكَ:
إِنَّهُ مَرِضَ اِبْنِي هَذَا، وَأَغْمَضَهُ، وَغَسَّلَهُ، وَوَضَعَهُ فِي لَحدِهِ،
وَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، فَلَا تُصَدِّقْهُ».
واستدلال الموسوي بهذا الحديث ظاهر.
ويردُّه: ما تقدَّم في نظيره، وبما نصَّ عليه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بقوله: (فهذا
الخبر رواه ابن أبي حمزة، وهو مطعون عليه، وهو واقفي، وسنذكر ما دعاه إلى القول
بالوقف.
على أنَّه لا يمتنع أنْ يكون المراد به الردُّ على مَنْ ربَّما يدَّعي أنَّه تولَّى
تمريضه وغسله، ويكون في ذلك كاذباً، لأنَّه مرض في الحبس، ولم يصل إليه مَنْ يفعل
ذلك، وتولَّى بعض مواليه - على ما قدَّمناه - غسله، وعند قوم من أصحابنا تولَّاه
ابنه، فيكون قصد البيان عن بطلان قول مَنْ يدَّعي ذلك).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢- جعفر بن سليمان القمِّي: طبقته في الحديث التاسعة أو الثامنة، وجوه
-----------------
(٣٠٨) (٢٩/ رجب/ ١٤٤٥هـ).
توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، صاحب كتاب، من مشايخ ابن
الوليد (رحمه الله).
٣ - داود بن مافنة، (داود الصرمي): طبقته في الحديث السابعة ويمكن عدّه من الثامنة،
وجوه توثيقه عديدة، منها: من رواة (كامل الزيارات)، له مسائل، من مشايخ البرقي
(رحمه الله).
بحث حول عليِّ بن أبي حمزة:
٤ - عليُّ بن أبي حمزة: طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: صاحب
أصل أو كتاب، وجود طريق صحيح من الصدوق (قدّس سرّه) إليه، رواية الأجلَّاء كابن أبي
عمير وصفون والبزنطي وجعفر بن بشير عنه، قول ابن الغضائري (رحمه الله) في حقِّ
ابنه: (إنَّ أباه أوثق منه)(٣٠٩)، توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له في كتاب (العُدَّة)،
وقوله: (إنَّ الطائفة عملت بأخباره)(٣١٠)، من رواة (تفسير القمِّي).
وجوه تضعيفه عديدة، منها: أنَّه أصل الوقف، قول ابن فضَّال في حقِّه: (كذَّاب
متَّهم)(٣١١)، وُصِفَ بأنَّه من أشدّ الخلق عداوةً للوليِّ من بعد أبي
إبراهيم (عليه السلام) أي للإمام الرضا (عليه السلام)، طمَّاع وخائن، لقد سرق أموال
الخُمُس وحقَّ الإمام (عليه السلام).
* * *
رواية: «مرَّضني وغمَّضني وغسَّلني» وردُّها:
الحديث (٤٩): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٥] قَالَ [الموسوي]: وَرُوِيَ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي اَلحَسَنِ
(عليه السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا
-----------------
(٣٠٩) رجال ابن الغضائري (ص ٥١/ الرقم ٣٣/٦).
(٣١٠) العُدَّة في الأُصول (ج ١/ ص ١٥٠).
عَلِيُّ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ مَرَّضَنِي
وَغَمَّضَنِي وَغَسَّلَنِي وَوَضَعَنِي فِي لَحدِي وَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ
قَبْرِي فَلَا تُصَدِّقْهُ».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فالوجه فيه: أيضاً ما قلناه في الخبر الأوَّل
سواء).
ودلالة الحديث على مدَّعاهم كما ردُّه يتَّضح ممَّا تقدَّم.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢- سليمان بن أبي داود: ممَّن روى عن ابن أبي حمزة، ولم يذكروه، فهو مهمل.
وإنِ استظهرنا أنَّه المنقري الشاذكوني البصري، والذي طبقته في الحديث الخامسة،
فوجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، صاحب كتاب، من رواة
(تفسير القمِّي).
ووجوه تضعيفه عديدة، منها: تضعيف العلَّامة (قدّس سرّه) حيث قال: (ضعيف جدًّا، لا
يُلتفَت إليه)(٣١٢)، نسبة ابن داود (رحمه الله) تضعيفه إلى الغضائري، تضعيف المجلسي
(رحمه الله) له في (الوجيزة).
٣ - عليُّ بن أبي حمزة: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤٨).
* * *
رواية: «يُقْدَم لصاحب هذا الأمر العراق
مرَّتين» وردُّها:
الحديث (٥٠): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٦] قَالَ [الموسوي]: وَأَخْبَرَنِي أَعْيَنُ
بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ
بُكَيْرٍ إِلَى عَبْدِ اَلله اَلْكَاهِلِيِّ سَنَةَ أُخِذَ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ
(عليه السلام) زَمَنَ اَلمَهْدِيِّ، فَقَالَ: أَقْرِئْهُ اَلسَّلَامَ وَسَلْهُ
أَتَاهُ خَبَرٌ...»، إِلَى أَنْ قَالَ: أَقْرِئْهُ اَلسَّلَامَ وَقُلْ لَهُ:
حَدَّثَنِي أَبُو اَلْعَيْزَارِ فِي مَسْجِدِكُمْ مُنْذُ
ثَلَاثِينَ سَنَةً وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو
عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يُقْدَمُ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ اَلْعِرَاقَ
مَرَّتَيْنِ، فَأَمَّا اَلْأُولَى فَيُعَجَّلُ سَرَاحُهُ وَيُحْسَنُ جَائِزَتُهُ،
وَأَمَّا اَلثَّانِيَةُ فَيُحْبَسُ فَيَطُولُ حَبْسُهُ، ثُمَّ يُخْرَجُ مِنْ
أَيْدِيهِمْ عَنْوَةً».
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أعين بن عبد الرحمن بن أعين: إنْ كان هو أعين، فمهمل.
وإنْ كان عبد الرحمن بن أعين، طبقته في الحديث الخامسة وقد تكون السادسة، ووجوه
توثيقه عديدة، منها: أنَّه زراري، ومَنْ يبني على وثاقة رجال هذه الأسرة يعتمد على
هذا التوثيق، أنَّه صاحب كتاب فيه رواية تدلُّ على استقامته، كثير الرواية، رواية
الأجلَّاء كصفوان بن يحيى عنه).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ تعبير الإمام (عليه السلام) بـ «صَاحِبِ
هَذَا اَلْأَمْرِ» وما يقع فيه من السجن، وحيث قد وقع فيه (عليه السلام) ذلك، فيكون
هو الحجَّة الغائب القائم.
ويردُّه: عينُ ما تقدَّم من نظرائه من الأخبار المتقدِّمة، وأمَّا كونه صاحب الأمر
فهذا لا شكَّ فيه، ولكنَّه بعد أبيه (عليه السلام).
وقد علَّق عليه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بنصِّ قوله: (فهذا الخبر مع أنَّه خبر
واحد، يحتمل أنْ يكون الوجه فيه أنَّه يخرج من أيديهم عنوة بأنْ ينقله الله إلى دار
كرامته، ولا يبقى في أيديهم يُعذِّبونه ويؤذونه. على أنَّه ليس فيه مَنْ هو ذلك
الشخص، وصاحب الأمر مشترك بينه وبين غيره(٣١٣)، فلِمَ حُمِلَ عليه دون غيره؟!).
* * *
-----------------
(٣١١) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٧٠٥ و٧٤٢/ ح ٧٥٥ و٨٣٤).
(٣١٢) خلاصة الأقوال (ص ٣٥٢/ الرقم ٣).
(٣١٣) إذ ربَّما يشمل الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام)، لأنَّهما كانا في
سجن في العسكر، (ما يُعرَف في زماننا بالإقامة الجبريَّة).
رواية: «صاحب هذا الأمر يُؤخَذ ويُحبَس»
وردُّها:
الحديث (٥١): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٧] قَالَ [الموسوي]: وَأَخْبَرَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ وَحُمْرَانُ وَاَلهَيْثَمُ بْنُ
وَاقِدٍ اَلجَزَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَلله اَلرَّجَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ
(عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدُ، اِفْعَلْ كَذَا»، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ
فِدَاكَ، اِسْمُهُ فُلَانٌ؟ فَقَالَ: «بَلِ اِسْمُهُ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ»، ثُمَّ
قَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اَلله، إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يُؤْخَذُ فَيُحْبَسُ
فَيَطُولُ حَبْسُهُ، فَإِذَا هَمُّوا بِهِ دَعَا بِاسْمِ اَلله اَلْأَعْظَمِ
فَأَفْلَتَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (فهذا أيضاً من جنس الأوَّل يحتمل أنْ يكون أراد
بفلتة الموت دون الحياة).
ودلالة الحديث كما الردُّ عليه واضح ويظهر ممَّا تقدَّم.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - في هذه الطبقة جماعة، هم:
أ - إبراهيم بن محمّد بن حمران: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٩).
ب - حمران بن أعين الشيباني: طبقته في الحديث الرابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها:
أنَّه تابعي، عدَّه الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب (الغيبة) من الممدوحين، وقول أبي
جعفر (عليه السلام) في حقِّه: «لَا يَرْتَدُّ وَاَلله أَبَداً»(٣١٤).
ج - الهيثم بن واقد: طبقته في الحديث الرابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: صاحب كتاب،
أنَّه من رواة (تفسير القمِّي) نسبة ابن داود (رحمه الله) توثيق الكشِّي (رحمه
الله) له.
-----------------
(٣١٤) رجال الكشِّي (ج ١/ ص ٤١٢/ ح ٣٠٤).
٣ - عبد الله الرجاني بن بكر (بكير)، (عبد الله الأرجاني): طبقته في الحديث الرابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من رواة (كامل الزيارات)، قول ابن الغضائري في حقِّه: (مرتفع القول)(٣١٥)، فلو كان فيه ما يمسُّ ذاته لما تركه، فوصفه إيَّاه بارتفاع القول قد يكشف عن وثاقته ولا أقلَّ من حسنه، ذكر الكشِّي (رحمه الله) له بما قد يُستظهَر منه مدحه.
* * *
رواية: «ليس يموت وصيٌّ حتَّى يُقيم وصيًّا»
وردُّها:
الحديث (٥٢): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٨] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى بَعْضُ
أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْبَزَّازِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
مِنْهَالٍ اَلْقَمَّاطُ، عَنْ حَدِيدٍ اَلسَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله
(عليه السلام)، قَالَ: إِنَّ لِأَبِي اَلحَسَنِ (عليه السلام) غَيْبَتَيْنِ،
إِحْدَاهُمَا تَقِلُّ وَاَلْأُخْرَى تَطُولُ، حَتَّى يَجِيئَكُمْ مَنْ يَزْعُمُ
أَنَّهُ مَاتَ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ وَنَفَضَ تُرَابَ اَلْقَبْرِ مِنْ
يَدِهِ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَاذِبٌ، لَيْسَ يَمُوتُ وَصِيٌّ حَتَّى يُقِيمَ
وَصِيًّا، وَلَا يَلِي اَلْوَصِيَّ إِلَّا اَلْوَصِيُّ، فَإِنْ وَلِيَهُ غَيْرُ
وَصِيٍّ عَمِيَ».
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (وإنَّما فيه تكذيب مَنْ يدَّعي موته قبل أنْ يقيم
وصيًّا، وهذا لعمري باطل، فأمَّا إذا أوصى وأقام غيره مقامه فإنَّه ليس فيه ذكره).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ وقوع الغيبة في الإمام الكاظم (عليه السلام)
وتعدُّدها لا ينسجم إلَّا مع كونه هو الحجَّة القائم الغائب (عجَّل الله فرجه).
ويردُّه:
١ - عينُ ما تقدَّم من ضعف سنده، وعدم صلوحه للمعارضة.
٢ - لا بدَّ من تأويله بأنَّ الغيبة وتعدُّدها فيها كناية عن وقوع السجن عليه
وتغيُّبه عن أتباعه وأهل بيته، نظير ما حصل مع يوسف (عليه السلام)، ولولا القطع
-----------------
(٣١٥) رجال ابن الغضائري (ص ٧٥/ الرقم ٨٣/٨).
بإمامة الخلف من بعده وقيام البرهان على إمامة
الرضا (عليه السلام) ومن بعده من ولده (عليهم السلام) لكان لهذا الحديث وجه مقبول،
ولكن كيف لمن وقف على طريقة أهل البيت (عليهم السلام) ومنهجهم في إثبات الإمامة لمن
بعدهم أنْ يركن إلى مثل هذا الخبر؟
٣ - يحمل على ما حمله عليه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) من كونه في صدد بيان أنَّه لا
يترك الأُمَّة ما لم يقم لها وصيًّا، وقد فعل (عليه السلام).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - بعض أصحابنا، ويتداول عدَّة مصطلحات مشابهة، منها: جماعة، بعض أصحابنا، عن غير
واحد، عدَّة من أصحابنا، عن واحد.
والأصل فيها الإرسال ما لم تقم قرائن على أنَّ المراد به جماعة يرتفع بهم الإرسال.
٣ - أبو محمّد الخزَّاز، وقيل: القزَّاز: طبقته في الحديث السادسة ويمكن عدُّه من
السابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: روى عنه بعض أصحاب الإجماع كابن أبي عمير (رحمه
الله)، صاحب كُتُب بل أصل.
٤ - عمر بن منهال القمَّاط:
أ - إذا كان اسمه (عمرو بن المنهال بن مقلاص القيسي)، طبقته في الحديث الخامسة وقد
يعد من السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له في
ترجمة ابنه الحسن، صاحب كتاب، ومن أهل الحديث.
ب - وإذا كان اسمه (عمرو بن منهال القمَّاط)، فهو مهمل.
٥ - حديد الساباطي: مهمل.
* * *
رواية: «ثمّ يُفلِته الله من أيديهم» وردُّها:
الحديث (٥٣): [كتاب في نصرة الواقفة] [٢٩] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ
اَلله بْنُ سَلَامٍ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) إِذْ جَاءَهُ أَبُو
اَلحَسَنِ وَمُحَمَّدٌ وَمَعَهُمَا عَنَاقٌ يَتَجَاذَبَانِهَا، فَغَلَبَهُ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهَا، فَاسْتَحْيَا أَبُو اَلحَسَنِ فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى
جَانِبِي، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ وَقَبَّلْتُهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه
السلام): «أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُكُمْ مَعَ أَنَّ بَنِي اَلْعَبَّاسِ يَأْخُذُونَهُ
فَيَلْقَى مِنْهُمْ عَنَتاً ثُمَّ يُفْلِتُهُ اَللهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِضَرْبٍ
مِنَ اَلضُّرُوبِ، ثُمَّ يَعْمَى عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرُهُ حَتَّى تُفِيضَ عَلَيْهِ
اَلْعُيُونُ، وَتَضْطَرِبَ فِيهِ اَلْقُلُوبُ كَمَا تَضْطَرِبُ اَلسَّفِينَةُ فِي
لجَّةِ اَلْبَحْرِ وَعَوَاصِفِ اَلرِّيحِ، ثُمَّ يَأْتِي اَللهُ عَلَى يَدَيْهِ
بِفَرَجٍ لِهَذِهِ اَلْأُمَّةِ لِلدِّينِ وَاَلدُّنْيَا».
ودلالة الحديث كما الردُّ عليه واضح ويظهر ممَّا تقدَّم.
ويزيد عليها ما ذكره شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بالخصوص فيه: (فما تضمَّن هذا الخبر
من أنَّ بني العبَّاس يأخذونه صحيح، جرى الأمر فيه على ذلك، وأفلته الله منهم
بالموت، وقوله: «يَعْمَى عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرُهُ» كذلك هو، لأنَّه اختُلِفَ فيه
هذا الاختلاف، وفاضت عليه عيون عند موته، وقوله: «ثُمَّ يَأْتِي اَللهُ عَلَى
يَدَيْهِ»، يعني على يدي مَنْ يكون من ولده بفرج لهذه الأُمَّة، وهو الحجَّة (عليه
السلام)، وقد بيَّنَّا ذلك في نظائره).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - عبد الله بن سلام أبو هريرة: مهمل.
٣ - زرعة بن محمّد: طبقته في الحديث السادسة ويمكن عدّه من الخامسة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، صاحب أصل، كثير الرواية.
٤ - مفضَّل، (المفضَّل بن عمر): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٧).
* * *
رواية: «صاحب الأمر يُسجَن حيناً» وردُّها:
الحديث (٥٤): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٠] قَالَ [الموسوي]: وَحَدَّثَنِي حَنَانٌ،
عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلمَسْعُودِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْمِنْهَالُ
بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلنُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه
السلام)، قَالَ: «صَاحِبُ اَلْأَمْرِ يُسْجَنُ حِيناً، وَيَمُوتُ حِيناً،
وَيَهْرُبُ حِيناً».
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على ما فرضه الإمام الصادق (عليه السلام) من أنَّ
ولده الكاظم (عليه السلام) يُسجَن حيناً ويهرب، فهو صاحب الأمر الحجَّة القائم
الغائب (عجَّل الله فرجه).
ويردُّه: ما تقدَّم من جهة سنده ودلالته، وعدم صلوح معارضته لما هو قطعي.
وقد أوَّله شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بما نصُّه: (فأوَّلُ ما فيه: أنَّه قال:
«يَمُوتُ حِيناً»، وذلك خلاف مذهب الواقفة، فأمَّا الهرب فإنَّما صحَّ ذلك فيمن
ندَّعيه نحن دون مَنْ يذهبون إليه، لأنَّ أبا الحسن موسى (عليه السلام) ما علمنا
أنَّه هرب، وإنَّما هو شيء يدَّعونه لا يوافقهم عليه أحد، ونحن يمكننا أنْ نتأوَّل
قوله: «يَمُوتُ حِيناً» بأنْ نقول: يموت ذكره).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - حنان (حنان بن سدير): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٨).
٣ - أبو عبد الرحمن المسعودي: طبقته في الحديث الخامسة وقد يُعد من الرابعة، لم يرد
له ذكر في كُتُب الرجال، وهذا ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
٤ - المنهال بن عمرو: طبقته في الحديث الرابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: كونه من
أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد قال جماعة بوثاقتهم، من رواة (كامل
الزيارات).
٥ - أبو عبد الله النعمان: طبقته في الحديث الرابعة، لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهذا ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
* * *
رواية: (يغيب عنهم شيخ) وردُّها:
الحديث (٥٥): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣١] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى بَحْرُ بْنُ
زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله اَلْكَاهِلِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اَلله
(عليه السلام) يَقُولُ: «إِنْ جَاءَكُمْ مَنْ يُخْبِرُكُمْ بِأَنَّهُ مَرِضَ
اِبْنِي هَذَا، وَهُوَ شَهِدَهُ، وَهُوَ أَغْمَضَهُ وَغَسَّلَهُ وَأَدْرَجَهُ فِي
أَكْفَانِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ وَهُوَ حَثَا عَلَيْهِ
اَلتُّرَابَ، فَلَا تُصَدِّقُوهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَا»، فَقَالَ
لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ اَلتَّمِيمِيُّ(٣١٧) - وَكَانَ حَاضِرَ اَلْكَلَامِ -
بِمَكَّةَ: يَا أَبَا يَحْيَى، هَذِهِ وَاَلله فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، فَقَالَ لَهُ
اَلْكَاهِلِيُّ: فَسَهْمُ اَلله فِيهِ أَعْظَمُ، يَغِيبُ عَنْهُمْ شَيْخٌ،
وَيَأْتِيهِمْ شَابٌّ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ يُونُسَ.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على ما تقدَّم نظيره، وزاد التميمي فيه تطبيقه على
الحجَّة القائم الغائب (عجَّل الله فرجه).
ويردُّه: عينُ ما تقدَّم في نظائره ممَّا ذكرناه، مضافاً إلى ما نصَّ عليه شيخ
الطائفة (قدّس سرّه) بقوله: (فليس فيه أكثر من تكذيب مَنْ يدَّعي أنَّه فعل ذلك
وتولَّاه،
-----------------
(٣١٦) (٦/ شعبان / ١٤٤٥هـ).
(٣١٧) مجهول، عدَّه الشيخ (قدّس سرّه) في رجاله (ص ٣١٣/ الرقم ٤٦٤٤/٦٦٩) من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن زياد التميمي، عربي، كوفي). وقال الشيخ التستري (رحمه الله) في قاموسه (ج ٩/ ص ٢٧١/ الرقم ٦٧٣٠): (أقول: وفي الميزان: (محمّد بن زياد التميمي، عن محمّد بن كعب القرظي، ضعَّفه الأزدي)، ومن المحتمل اتِّحادهما).
لعلمه بأنَّه ربَّما ادَّعى ذلك مَنْ هو كاذب، لأنَّه لم يتولَّ أمره إلَّا ابنه
عند قوم، أو مولاه على المشهور، فأمَّا غير ذلك، فمَنِ ادَّعاه كان كاذباً. وأمَّا
ظهور صاحب هذا الأمر، فلعمري يكون في صورة شابٍّ ويظنُّ قوم أنَّه شاخ، لأنَّه في
سنِّ شيخ قد هرم).
وقوله (قدّس سرّه): إنَّ مَنْ تولَّى أمر الإمام (عليه السلام) عند قوم من الشيعة،
هذا ما يشير إلى معتقدنا بأنَّ تجهيز الإمام (عليه السلام) لا يكون إلَّا مباشرةً
من الإمام الذي يليه، أو بتوصية منه مباشرةً.
وأمَّا ما يرتبط بأمر ظهوره، فسيأتي التعرُّض له في كتاب (الغيبة)، فانتظر.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - بحر بن زياد: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٠).
٣ - عبد الله الكاهلي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٥٠).
* * *
رواية: «بليت عظامه» وردُّها:
الحديث (٥٦): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٢] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ
اَلحَارِثِ، رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ
قَدْ يَقُومُ اَلْقَائِمُ لَقَالَ اَلنَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَبَلِيَتْ
عِظَامُهُ».
هذا، ولا أدري ما الوجه في إدراجه في ضمن ما يُستدَلُّ به على ضلالهم بعد التأمُّل
في عدم وجه وجيه فيه، وهذا حال أهل الضلال إلى يوم الناس هذا، يدرجون في دعاواهم
حتَّى ما لا يكون له وجه في احتجاجهم، ليس إلَّا لأجل تكثير سواد دعاواهم.
على أنَّه يُرَدُّ عليه بعين ما تقدَّم من وجوه الردِّ على ما ذُكِرَ من أحاديث
تقدَّمت(٣١٨).
وقد علَّق عليه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بما نصُّه: (فإنَّما فيه: أنَّ قوماً
يقولون: إنَّه بُلِيَت عظامه لأنَّهم يُنكِرون أنْ يبقى هذه المدَّة الطويلة، وقد
ادَّعى قوم أنَّ صاحب الزمان مات وغيَّبه الله، فهذا ردٌّ عليهم).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أحمد بن الحارث: مشترك بين جماعة لم نستطع التمييز بينهم، فإنْ كان من أصحاب
الإمام الصادق (عليه السلام)، فمن وجوه توثيقه كونه صاحب كتاب.
ومع ذلك فالحديث مرسَل.
وقيل: هو الأنماطي الواقفي، وقيل: هو الذي من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)،
وقيل: بل الإمام الرضا (عليه السلام).
* * *
رواية: «في صاحب هذا الأمر أربع سُنَن»
وردُّها:
الحديث (٥٧): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٣] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى سُلَيْمَانُ
بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ
أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ
عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله
وسلّم). أَمَّا [مِنْ] مُوسَى فَخَائِفٌ
-----------------
(٣١٨) نعم، قد يقال: إنَّ الواقفي له أنْ يقول: حيث
عندكم أنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) قد مات وعندنا نحن الواقفة لا يزال حيًّا،
فهذا الحديث لنا لا علينا، حيث إنَّكم ستقولون عند ظهوره: أنَّى له ذلك وقد بليت
عظامه.
ولكنَّه مردود بما دلَّ على موته (عليه السلام) بنحو القطع واليقين، وأنَّ هذا
الحديث سيأتي تأويله في الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه).
يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا [مِنْ] يُوسُفَ فَالسِّجْنُ،
وَأَمَّا [مِنْ] عِيسَى فَيُقَالُ: مَاتَ وَلَمْ يَمُتْ، وَأَمَّا [مِنْ] مُحَمَّدٍ
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَالسَّيْفُ».
ودلالة الحديث كما الردُّ عليه واضح ويظهر ممَّا تقدَّم.
وزاد شيخ الطائفة (قدّس سرّه) ما نصُّه: (فما تضمَّن هذا الخبر من الخصال كلّها
حاصلة في صاحبنا.
فإنْ قيل: صاحبكم لم يُسجَن في الحبس.
قلنا: لم يُسجَن في الحبس وهو في معنى المسجون، لأنَّه بحيث لا يوصل إليه ولا
يُعرَف شخصه على التعيين فكأنَّه مسجون).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - سليمان بن داود: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤٩).
٣ - عليُّ بن أبي حمزة: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤٨).
٤ - أبو بصير: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤٥).
* * *
رواية: «وما صائحة تصيح» وردُّها:
الحديث (٥٨): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٤] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ اَلله، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُفَضَّلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي اَلْعَبَّاسِ
سَيَعْبَثُونَ بِابْنِي هَذَا، وَلَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَالَ: «وَمَا
صَائِحَةٌ تَصِيحُ، وَمَا سَاقَةٌ تُسَقُ، وَمَا مِيرَاثٌ يُقْسَمُ، وَمَا أَمَةٌ
تُبَاعُ».
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: بالتصريح بأنَّ آل العبَّاس لا يصلون إلى ولده (عليه
السلام)، وأنَّه كاشف عن كونه الحجَّة القائم الغائب (عجَّل الله فرجه)، بعد ما ذكر
من دلائله.
ويردُّه: عينُ ما تقدَّم فيما تقدَّم، ولم يُعلِّق
عليه الشيخ (قدّس سرّه) في ذيله، بل في ذيل ما يأتي بعده.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - عليُ بن عبد الله: مجهول الحال، وقيل: له كثرة في الروايات، وفيه تأمُّل.
٣ - زرعة بن محمّد (الحضرمي): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٥٣).
٤ - مفضَّل (المفضَّل بن عمر): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٧).
* * *
رواية: «يأخذونني ويحبسونني» وردُّها:
الحديث (٥٩): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٥] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ
اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلحَجَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)
يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي فُلَانٍ يَأْخُذُونَنِي وَيَحْبِسُونَنِي»، وَقَالَ:
«وَذَاكَ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى سَلَامَةٍ».
ودلالة الحديث كما الردُّ عليه واضح ويظهر ممَّا تقدَّم.
وعلَّق عليه الشيخ (قدّس سرّه) وعلى ما سبقه بما نصُّه: (فالوجه في الخبر الأوَّل:
أنَّهم ما يصلون إلى دينه وفساد أمره، دون أنْ لا يصلوا إلى جسمه بالحبس، لأنَّ
الأمر جرى على خلافه، وكذلك قوله: «وَذَاكَ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى سَلَامَةٍ» معناه
إلى سلامة من دينه).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أحمد بن عليٍّ: مردَّد بين جماعة، والتمييز إنَّما هو بلحاظ الراوي
والمروي عنه، ولم يتبيَّن لنا من خلال الراوي
والمروي عنه تمييزه، فإنْ تمَّ تمييزه فهو. على أنَّه ذُكِرَ من وجه توثيقه أنَّه:
مَنْ روى عنه ابن أبي عمير، من رواة (تفسير القمِّي).
٣ - محمّد بن الحسين بن إسماعيل: مهمل لم يذكروه.
٤ - عبد الرحمن بن الحجَّاج بيَّاع السابري: طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: أنَّه وكيل وقيِّم للإمام الكاظم (عليه السلام)، صاحب كتاب، ممَّن روى
كُتُبه ابن أبي عمير.
* * *
رواية: «المولى الذي يلي أمره» وردُّها:
الحديث (٦٠): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٦] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ
بْنُ اَلمُسْتَنِيرِ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه
السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا
أَطْوَلُ [مِنَ اَلْأُخْرَى]، حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، وَبَعْضٌ يَقُولُ: قُتِلَ،
فَلَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا
يَطَّلِعُ أَحَدٌ عَلَى مَوْضِعِهِ وَأَمْرِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا اَلمَوْلَى
اَلَّذِي يَلِي أَمْرَهُ».
ودلالة الحديث كما الردُّ عليه واضح ويظهر ممَّا تقدَّم.
وممَّا زاد فيه الشيخ (قدّس سرّه) قوله: (فهذا الخبر صريح فيما نذهب إليه في
صاحبنا، لأنَّ له غيبتين: الأُولى كان يُعرَف فيها أخباره ومكاتباته، والثانية أطول
انقطع ذلك فيها، وليس يطَّلع عليه أحد إلَّا مَنْ يختصُّه، وليس كذلك لأبي الحسن
موسى (عليه السلام)).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - إبراهيم بن المستنير: طبقته في الحديث الخامسة، رغم القول بجهالته،
إلَّا أنَّهم ذكروا له عدَّة وجوه لتوثيقه، منها:
من رواة (تفسير القمِّي)، رواية بعض الأجلَّاء عنه.
٣ - مفضَّل (المفضَّل بن عمر): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٧).
* * *
رواية: (استخرت عليه وقطعت عليه) وردُّها:
الحديث (٦١): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٧] قَالَ [الموسوي]: وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ
مُعَاذٍ، قَالَ: قُلْتُ لِصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى: بِأَيِّ شَيْءٍ قَطَعْتَ عَلَى
عَلِيٍّ؟ قَالَ: صَلَّيْتُ وَدَعَوْتُ اَللهَ وَاسْتَخَرْتُ عَلَيْهِ وَقَطَعْتُ
عَلَيْهِ.
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: بأنَّ القطع على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) من
قِبَل صفوان - مع ملاحظة مقامه - بهذه الطريقة ممَّا لا يناسب الركون إليها في
إثبات الحُجَج (عليهم السلام)، وبالملازمة بين القطع على الإمام (عليه السلام)
وكونه بهذه الطريقة يتبيَّن عدم ثبوت إمامته، وهذا ما يرومه الواقفي.
ويردُّه: عينُ ما أورده الشيخ (قدّس سرّه): (فهذا ليس فيه أكثر من التشنيع على رجل
بالتقليد، وإنْ صحَّ ذلك فليس فيه حجَّة على غيره، على أنَّ الرجل الذي ذكر ذلك عنه
فوق هذه المنزلة، لموضعه وفضله وزهده ودينه، فكيف يستحسن أنْ يقول لخصمه في مسألة
علميَّة: إنَّه قال فيها بالاستخارة، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يعتقد فيه من البله
والغفلة ما يُخرِجه عن التكليف، فيسقط المعارضة لقوله).
تنبيه: ذكرنا في مقدَّمة هذا الشرح أنَّ كتاب (الغيبة) عُدَّ من مصادر التوثيق
والتضعيف، والشاهد على ما ذكرناه قوله (قدّس سرّه): (على أنَّ الرجل الذي ذكر ذلك
عنه فوق هذه المنزلة، لموضعه وفضله وزهده ودينه).
على أنَّه سيأتي ذكر عدَّة شواهد يُستفاد منها التوثيق.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - عليُّ بن معاذ: مهمل.
* * *
رواية: (مشيخة الشيعة) وردُّها:
الحديث (٦٢): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٨] ثُمَّ قَالَ [الموسوي]: وَقَالَ عَلِيُّ
بَقْبَاقَةُ: سَأَلْتُ صَفْوَانَ بْنَ يَحْيَى وَابْنَ جُنْدَبٍ وَجَمَاعَةً مِنْ
مَشْيَخَتِهِمْ - وَكَانَ اَلَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَظِيمٌ -: بِأَيِّ
شَيْءٍ قَطَعْتُمْ عَلَى هَذَا اَلرَّجُلِ؟ أَلِشَيْءٍ بَانَ لَكُمْ فَأَقْبَلُ
قَوْلَكُمْ؟ قَالُوا كُلُّهُمْ: لَا وَاَلله إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَصَدَّقْنَاهُ،
وَأَحَالُوا جَمِيعاً عَلَى اَلْبَزَنْطِيِّ(٣١٩)، فَقُلْتُ: سَوْءَةٌ لَكُمْ
وَأَنْتُمْ مَشْيَخَةُ اَلشِّيعَةِ، أَتُرْسِلُونَنِي إِلَى ذَلِكَ اَلصَّبِيِّ
اَلْكَذَّابِ، فَأَقْبَلُ مِنْهُ وَأَدَعُكُمْ أَنْتُمْ؟
قال الشيخ (قدّس سرّه): (والكلام في هذا الخبر مثل ما قلناه في الخبر الأوَّل
سواء).
استدلَّ الموسوي بهذا الحديث: على أنَّ السائل - وهو من الواقفة - سأل من صفوان
وجماعة من أعيان الشيعة عن وجه قطعهم على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) من غير
قوله - أي الرضا (عليه السلام) -: إنَّني الإمام، فالسائل يريد حجَّة على إمامته
وليست من قوله (عليه السلام)، ولذلك نجد أنَّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) يستغرب تحامل
السائل على أعيان الشيعة، إذ كيف يكتفون بما يُقدِّمه (عليه السلام) من حُجَج ولا
يطلبون منه حجَّة أُخرى من غير قوله، ولذلك أحال الأعيان إلى البزنطي رغم تهكُّم
السائل على هذه الإحالة، لصغر سنِّه، فلعلَّ هذه الإحالة كاشفة عن وجود دليل ينبغي
أنْ يسمع به السائل، وإنْ تأبَّى عن ذلك لصغر سنِّ المسؤول.
-----------------
(٣١٩) أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، مولى السكوني، كوفي ثقة، جليل القدر، من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، لقي الإمام الرضا وأبا جعفر (عليهما السلام)، وكان عظيم المنزلة عندهما، مات (رحمه الله) سنة (٢٢١هـ) أو (٢٢٤هـ). راجع: معجم رجال الحديث (ج ٣/ ص ١٧ - ٣١/ الرقم ٨٠٣).
ويردُّه: عينُ ما تقدَّم من عبارة الشيخ (قدّس
سرّه)، مضافاً إلى أنَّ مضمون الحديث لا يمكن قبوله، فأعيان الشيعة لا يكتفون بما
لا حجّيَّة فيه ويقطع العذر أمام الله (عزَّ وجلَّ).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - عليٌّ بقباقة: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤٣).
٣ - صفوان بن يحيى: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢١).
٤ - ابن جندب (عبد الله): طبقته في الحديث الخامسة ويمكن عدّه من السادسة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، وذكره في السفراء الممدوحين في
كتاب (الغيبة) على ما يأتي، عدَّه جماعة من الأجلَّاء، وقرنه بصفوان وأخويه.
* * *
حكاية نفي سماع ابن رباط وردُّها:
الحديث (٦٣): [كتاب في نصرة الواقفة] [٣٩] قَالَ [الموسوي]: وَسَأَلَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِبَاطٍ: هَلْ سَمِعَ أَحَداً رَوَى عَنْ أَبِي
اَلحَسَنِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: عَلِيٌّ اِبْنِي وَصِيِّي، أَوْ إِمَامٌ
بَعْدِي، أَوْ بِمَنْزِلَتِي مِنْ أَبِي، أَوْ خَلِيفَتِي، أَوْ مَعْنَى هَذَا؟
قَالَ: لَا.
ودلالة الحديث كما الردُّ عليه واضح ويظهر ممَّا تقدَّم.
وزاد الشيخ (قدّس سرّه): (فليس فيه أكثر من أنَّ ابن رباط قال: إنَّه لم يسمع أحداً
يقول ذلك، وإذا لم يسمع هو لا يدلُّ على أنَّ غيره لم يسمعه، وقد قدَّمنا طرفاً من
الأخبار عمَّن سمع ذلك، فسقط الاعتراض به).
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - بعض أصحابنا: تقدَّم في الحديث (٥٢).
٣ - عليُّ بن رباط: طبقته في الحديث الخامسة ويمكن عدّه في غيرها، وجوه توثيقه
عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، صاحب كتاب.
* * *
رواية سلمى وردُّها:
الحديث (٦٤): [كتاب في نصرة الواقفة] [٤٠] قَالَ [الموسوي]: وَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ
اَلْأَرْمَنِيُّ عَبْدَ اَلله بْنَ اَلمُغَيْرَةِ: بِأَيِّ شَيْءٍ قَطَعْتَ عَلَى
عَلِيٍّ؟ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي سَلْمَى(٣٢٠) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِيهِ
أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِهِ.
ودلالة الحديث كما الردُّ عليه واضح ويظهر ممَّا تقدَّم.
البحث السندي:
١ - الموسوي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٥).
٢ - أبو بكر الأرمني: قيل: مجهول، وله مكاتبة.
٣ - عبد الله بن المغيرة: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣٦).
* * *
-----------------
(٣٢٠) هي سالمة مولاة أبي عبد الله (عليه السلام) التي عدَّها الشيخ (قدّس سرّه) في رجاله (ص ٣٢٧/ الرقم ٤٩١٠/٢) من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، وعدَّها البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص ٦٢) ممَّن روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قائلاً: (سلمى مولاة أبي عبد الله (عليه السلام)).
ويتضمَّن بيان القاعدة التي ذكرها شيخ الطائفة (قدّس
سرّه) في بيان الميزان في تلقِّي العقيدة من الأشخاص، وصحَّة الكلام في الشُّبُهات
المندثرة، وبطلان روايات نصرة الواقفة بأجمعها.
قال (قدّس سرّه): (ومن طرائف الأُمور: أنْ يتوصَّل إلى الطعن على قوم أجلَّاء في
الدِّين والعلم والورع بالحكايات عن أقوام لا يُعرَفون، ثمّ لا يقنع بذلك حتَّى
يجعل ذلك دليلاً على فساد المذهب، إنَّ هذه لعصبيَّة ظاهرة وتحامل عظيم، ولولا أنَّ
رجلاً منسوباً إلى العلم له صيت وهو من وجوه المخالفين لنا أورد هذه الأخبار
وتعلَّق بها لم يحسن إيرادها، لأنَّها كلَّها ضعيفة رواها مَنْ لا يوثق بقوله.
فأوَّل دليل على بطلانها أنَّه لم يثق قائل بها - على ما سنُبيِّنه -، ولولا صعوبة
الكلام على المتعلِّق بها في الغيبة بعد تسليم الأُصول وضيق الأمر عليه فيه وعجزه
عن الاعتراض عليه، لَـمَا التجأ إلى هذه الخرافات، فإنَّ المتعلِّق بها يعتقد
بطلانها كلَّها، وقد رُوِيَ السبب الذي دعا قوماً إلى القول بالوقف).
شرح:
يتحدَّث شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بعد استعراضه لكتاب (في نصرة الواقفة) للموسوي حيث
نقل منه (٤٠) حديثاً، وناقشها دلالةً وسنداً، وقد استعرضنا وجوه المناقشة أثناء
استعراض كلِّ حديث ورواية، وبيَّنَّا عدم جدوى الاستدلال
-----------------
(٣٢١) (٦/ شعبان/ ١٤٤٥هـ).
بها على مذهب الواقفة، فهذه الأحاديث لو سُلِّم
سندها ودلالتها لا يصير مضمونها علميًّا ليصمد أمام ما هو مقطوع به والذي لا نشكُّ
أو نتردَّد فيه من كون الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر إماماً، وأنَّ تسلسلهم
(عليهم السلام) لا يقف عند الإمام الكاظم (عليه السلام)، ولا يكون هو الحجَّة
القائم الغائب (عجَّل الله فرجه)، بل يستمرُّ تسلسلهم وإمامة مَنْ جاء من بعده
(عليه السلام) إلى أنْ تصل إلى الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه)، فهو الثاني عشر
منهم، وهو الحجَّة القائم الغائب (عجَّل الله فرجه)، على ما يأتي الاستدلال عليه
فضلاً عمَّا تقدَّم من إثباته مفصَّلاً.
وما وراء العلم شيء يُنتظَر، وما يُقال في قباله ليس إلَّا شبهة في قبال بديهة.
واستعراض شيخ الطائفة (قدّس سرّه) لهذه الروايات ومناقشتها رواية رواية - وهو بهذه
المثابة وهذا المقام العظيم من الطائفة وكون كتاب (الغيبة) من أواخر كُتُبه تأليفاً
- يكشف لنا عن عظيم ما قام به أعيان الطائفة - وهو (قدّس سرّه) منهم - في سبيل
الدفاع عن عقائد المذهب الحقِّ، ولم يكن الواحد منهم بعد أنْ تسلَّح بعلوم أهل
البيت (عليهم السلام) وأتقنها يخاف شيئاً ممَّا قيل أو يُقال، أو من استعراض شبهة
أو مقال، ومن المناسب هنا أنْ يستعرض ذوو الكفاءة والقدرة والشغف بمسائل علم الكلام
ما كتبه الأعيان الثلاثة بل الأربعة (رحمهم الله)، وهم: الشيخ الصدوق، والشيخ
المفيد، والسيِّد المرتضى، والشيخ الطوسي (رحمهم الله)، خصوصاً في مسائل الإمامة
والغيبة بالأخصِّ.
وها هو (قدّس سرّه) يُصرِّح أنَّ من طرائف الأُمور أنْ يُطعَن على الدِّين ورجالاته
الأجلَّاء من أهل العلم والورع والمعرفة بسيرة الأئمَّة (عليهم السلام) ودقائق ما
جرى في البيوت من قِبَل هؤلاء.
فأنْ يأتي الطعن من أقوام لا يُعرَفون ولو عُرِفُوا بأسمائهم فلا قيمة لهم ولا
لكلامهم أمام كلام الأعيان ورؤساء المذهب ممَّن أخذ
دينه عن الأئمَّة (عليهم السلام) يداً بيد وكابر عن كابر.
فهذه مسألة مهمَّة جدًّا، وقاعدة طوسيَّة لا بدَّ من إحكامها وتشييد أركانها بشواهد
من هنا أو هناك، وليس محلُّ تشييد أركانها هنا، وإنَّما أردنا الإشارة إلى
أهمّيَّتها ليس إلَّا.
فواحدة من أهمّ موازين تلقِّي العقيدة الصحيحة أنْ تُتلقَّى على يد أعيان الطائفة
وأجلَّائها وأهل العلم والورع، ولا يُؤخَذ بطعن مَنْ طعن فيهم، وإنْ تلبَّس وتزيَّى
بلباس العلم.
ثمّ قال (قدّس سرّه): (ولولا أنَّ رجلاً منسوباً إلى العلم له صيت وهو من وجوه
المخالفين لنا أورد هذه الأخبار وتعلَّق بها لم يحسن إيرادها، لأنَّها كلَّها ضعيفة
رواها مَنْ لا يوثق بقوله).
ولعلَّ قوله (قدّس سرّه) الآنف الذكر يقصد به شخصاً من المخالفين ممَّن تمسَّك
بروايات كتاب الموسوي، وإلَّا فنفس الموسوي ليس له صيت، وقد مرَّت عليك في ترجمته
جهالته، ولم نعثر على هذا المنسوب إلى العلم فالصيت، وهذا منه (قدّس سرّه) ذيل
للقاعدة التي تحدَّثنا عنها آنفاً، فإنَّه ليس كلُّ شبهة تطرق السمع تُورَد في
كُتُب الأعيان، وإنَّما لا بدَّ من التفصيل، فهناك شُبُهات تُؤثِّر في عقائد الناس
لا بدَّ من دفعها من قِبَل حماة العقيدة، تُبحَث في الأروقة العلميَّة الخاصَّة،
فلا بدَّ من إيرادها في مواردها كي لا تتسرَّب إلى أذهان الخاصَّة مع عوق عن
الإجابة عنها فتوجب لا سمح الله انحراف البعض على ما ذكره شيخ الطائفة (قدّس سرّه)
في مقدَّمته على (الاستبصار) التي يحسن مراجعتها والتأمُّل فيها، فإنَّه ذكر هناك
أنَّ جملة من أهل العلم انحرف عن الحقِّ بسبب تعارض الأخبار، فكيف بك وشبهة تورَد
على الإمامة؟
أمَّا التفصيل الثالث فقد تكون الشبهة ميِّتة زماناً
وخامدة قروناً إلَّا أنَّ الزمان وللأسف يتيح لبعض سقطة العلم قيمة، كما أتاح لجملة
من أدعياء المهدويَّة في زماننا أنْ يتشبَّثوا بالقديم من الشُّبُهات، ويُجدِّدوا
لباسها ويُظهِروها على أنَّها ممَّا لا يتيَّسر الإجابة عنها، في حين أنَّها
تعلُّقات مندثرة، وروايات جاءت عن مجاهيل ومهملين، وحكايات لا أصل لها، فينبغي هنا
الالتفات إلى هذا التفصيل والحذر من إيراد ما لا ينبغي إيراده في مواطن توجب
التعلُّق بالشبهة، ولذلك نجد أنَّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) نبَّه على وجه الإيراد
على هذه الأخبار مع علوِّ مقامه ونظر مَنْ بعده لكُتُبه، فقد يُقال: لا وجه لإيراد
روايات كتاب مندثر لمؤلِّف مجهول، وهذا ما تبيَّن جوابه من القاعدة الآنفة
واستثنائها.
ثمّ ذكر (قدّس سرّه) أنَّ من بين أوضح أدلَّة بطلان هذه الروايات بأجمعها أنَّ
الذين تمسَّكوا بها لم يتمسَّكوا عن عقيدة وإيمان بمضمونها - وإنْ كان هذا على
إطلاقه ليس صحيحاً ولكنَّه منطبق في مقامنا -، إنَّما جعلوها وسيلة للسيطرة على
المال الذي كان عندهم، وكان من اللَّازم عليهم إيصاله إلى الإمام الرضا (عليه
السلام)، فأغلب هؤلاء - على ما سيأتي - التجأوا إلى الخرافات على حدِّ عبارة شيخ
الطائفة (قدّس سرّه) لأجل تبرير فعلهم وأكلهم للمال بالباطل، وإلَّا فأُصول المذهب
القائمة والتي كان جملة منهم ممَّن يتناقل أخبارها ويعقد الجلسات والدروس لبيانها
عصيَّة على أنْ تُنال من قِبَل هؤلاء، وهم يعلمون أنَّ أمر الإمامة ضيِّق عليهم
ووضوحها عند أعيان الطائفة يمنع من سريان شُبُهاتهم وتأثيرها، وإنْ كانت بعض الظروف
خدمت بعضهم على ما يأتي من التعرُّض لجملة من شخوص هذه الفرقة ووجوه ترويجهم
لباطلها.
نعم، لا نُنكِر أنَّ بعض الرواة ونقلة الأخبار، بل بعض الأعيان انطلت عليهم الشبهة
في بادئ الأمر لسبب أو آخر، ولكن سرعان ما رجعوا إلى الحقِّ ومالوا عن هؤلاء
واتِّباعهم، رغم ما عرضوه عليهم من مال وجاه.
وهذا درس لنا جميعاً من أنَّ العصمة لأهلها، ولا
يغترَّنَّ أحد بعلمه أو حسن سمته وسيرته، فللشيطان - والعياذ بالله تعالى - مداخل
يخفى على الإنسان الفطن الالتفات إليها، فلا بدَّ من أنْ يستند إلى ركن وثيق من
قضايا قد يكون النقاش فيها في بعض الأواسط العلميَّة مستساغاً، فالوضوح والتسالم
والإجماع والشهرة وما يُتلقَّى يداً بيد ممَّا ينبغي الاهتمام بها والاعتماد عليها
في كثير من المسائل المرتبطة بتفصيلات العقيدة.
إنْ قلتَ: لا يُعقَل أنْ تكون فعال بعضٍ من رواة الحديث وجملة من حملة العلم بهذه
الشاكلة، ولا يُعقَل أنْ يصل طمعهم إلى هذا الحدِّ، وتكون الدنيا أكبر همِّهم بعد
أنْ عاشروا الأئمَّة (عليهم السلام)، وعرفوا الحقَّ، ونهلوا من منهل العلم،
واطَّلعوا على جملة من معاني الدِّين، وصاروا رواة الأحاديث عن الأئمَّة المعصومين،
وصار الناس يتلقَّون منهم العقيدة الحقَّة والخُلُق النبيل والمعرفة بالأحكام
العمليَّة.
قلتُ: لا وجه للاستغراب، فما حصل بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حوادث
- بدأت ولم تُختَم بالاعتداء على بيت النبوَّة واستباحة دم سيِّد الشهداء في أفجع
حادثة في تأريخ الإسلام من قِبَل مَنْ يتسمَّون بالمسلمين وفيهم صحابة وتابعون -
يرفع الاستغراب، إذ إنَّ العاقل الفطن تصير له الأحداث عبرة، فإنَّ الحقَّ لا
يُعرَف بالرجال.
وفي القرآن والسُّنَّة غنى وكفاية للمعتبِر، فقصَّة نوح (عليه السلام) وما جرى له
مع قومه وانحرافهم عنه، وكذا قصَّة موسى (عليه السلام) وما جرى لقومه بعد غيبته -
من عبادتهم للعجل دون استثناء إلَّا من نفر قليل، مع أنَّ القوم كان فيهم
هارون (عليه السلام) - تُشكِّل حالة عدم الاستغراب في أنْ يصدر من أمثال هؤلاء ما
وقع على العترة الطاهرة وبيت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إنَّ مَنْ
يطَّلع على ذلك لا يستغرب أنْ يصدر من أمثال هؤلاء ما صدر.
على أنَّ هؤلاء وإنْ ترائى في بادئ الأمر كثرتهم
وشدَّة تأثيرهم إلَّا أنَّ سرعان ما انجلت الغبرة وتبيَّن الحقُّ، ورجع المشتبهون
إلى رشدهم واستقام كثير ممَّن اعوجَّ، وبقي أهل الضلالة والفتنة طعمة لرحاها، ولا
بدَّ للرحى من طعام تطحنه، وقد ذكر شيخ الطائفة (قدّس سرّه) السبب الذي دعا قوماً
إلى القول بالوقف.
قال (قدّس سرّه): (٦٥ - فروى(٣٢٢) الثقات أنَّ أوَّل(٣٢٣) مَنْ أظهر هذا الاعتقاد
عليُّ بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا
في الدنيا، ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً ممَّا اختانوه من
الأموال، نحو حمزة بن بزيع وابن المكاري وكرَّام الخثعمي وأمثالهم).
ولا شيء نقوله بعد قوله (قدّس سرّه).
* * *
-----------------
(٣٢٢) وهذا ممَّا يُؤكِّد ما قلناه فيما تقدَّم من
الخطأ في ترقيم النسخة.
(٣٢٣) قد يقال: إنَّ هؤلاء ليسوا أوَّل مَنْ قال بالوقف، يُراجَع لذلك بحث السيِّد
محمّد القبانجي في مجلَّة الموعود الصادرة عن مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام
المهدي (عجَّل الله فرجه)/ العدد ١٦.
ما فعله يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله) مع
الواقفة:
الحديث (٦٦): فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى
اَلْعَطَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ اَلْفَضْلِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، قَالَ: مَاتَ
أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَلَيْسَ مِنْ قُوَّامِهِ أَحَدٌ إِلَّا
وَعِنْدَهُ اَلمَالُ اَلْكَثِيرُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ وَقْفِهِمْ وَجَحْدِهِمْ
مَوْتَهُ، طَمَعاً فِي اَلْأَمْوَالِ، كَانَ عِنْدَ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ
اَلْقَنْدِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ
ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنْتُ اَلحَقَّ
وَعَرَفْتُ مِنْ أَمْرِ أَبِي اَلحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا عَلِمْتُ
تَكَلَّمْتُ، وَدَعَوْتُ اَلنَّاسَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَا إِلَيَّ وَقَالَا: مَا
يَدْعُوكَ إِلَى هَذَا؟ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ اَلمَالَ فَنَحْنُ نُغْنِيكَ،
وَضَمِنَا لِي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَقَالَا [لِي](٣٢٥): كُفَّ، فَأَبَيْتُ
وَقُلْتُ لهُمَا: إِنَّا رُوِّينَا عَنِ اَلصَّادِقِينَ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ
قَالُوا: «إِذَا ظَهَرَتِ اَلْبِدَعُ فَعَلَى اَلْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ،
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نُورَ اَلْإِيمَانِ»، وَمَا كُنْتُ لِأَدَعَ
اَلْجِهَادَ وَأَمْرَ اَلله(٣٢٦) عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَنَاصَبَانِي وَأَضْمَرَا
لِيَ اَلْعَدَاوَةَ.
بيان الدلالة:
يتحدَّث يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله) عن واقع خارجي، وهو من أعيان
-----------------
(٣٢٤) (٢٠/ شعبان/ ١٤٤٥هـ).
(٣٢٥) في هامش النسخة المعتمدة: (من البحار والعوالم).
(٣٢٦) في هامش النسخة المعتمدة: (في البحار والعوالم: في أمر الله).
الطائفة وخواصِّ الإمام الرضا (عليه السلام)، وممَّن قام بجهد كبير في تنقية
الحديث(٣٢٧).
وقد حكى (رحمه الله) أنَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) مات وكان عند قوَّامه
ووكلائه مال كثير، وعلَّل (رحمه الله) سبب وقفهم وجحدهم موت الإمام إنَّما هو طمعاً
في الأموال، ثمّ ذكر ما عند كلِّ واحدٍ ممَّن ذكرهم، ثمّ قال: لـمَّا تبيَّنت
الحقَّ وعرفت أنَّ الأمر في أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قمت ودعوت الناس إليه،
ثمّ يُخبِر بإرسال عليِّ بن أبي حمزة وزياد القندي إليه وعرضهما المال عليه، وكان
مبلغاً كبيراً جدًّا لأجل أنْ يكفَّ عن دعوة الناس إلى الإمام الرضا (عليه السلام)،
ولكنَّه رفض وخاطبهما قائلاً: إِنَّا رُوينَا عَنِ اَلصَّادِقِينَ (عليهم السلام)
أَنَّهُمْ قَالُوا: «إِذَا ظَهَرَتِ اَلْبِدَعُ فَعَلَى اَلْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ
عِلْمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نُورَ اَلْإِيمَانِ»، وَمَا كُنْتُ لِأَدَعَ
اَلْجِهَادَ وَأَمْرَ اَلله عَلَى كُلِّ حَالٍ.
ثمّ أخبر (رحمه الله) بعد حوارهم هذا أنَّهما ناصباه وأضمرا له العداوة، ولك أنْ
تتصوَّر مقدار ما يصدر منهما مع مقامهما قبل وقفهما في الناس من الأذية والتسقيط،
بل والكذب على يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله).
وهذه الرواية يُستفاد منها في غير موردها من جهة أنَّ ما يُقال في حقِّ بعض الأعاظم
من فقهاء الطائفة ورواة الحديث من طعون، فهو وإنْ صحَّ سنداً بحسب اختلاف المباني
إلَّا أنَّنا بحاجة ماسَّة إلى متابعة حيثيَّات صدور المضمون، فلعلَّ بعضاً ممَّا
صدر في حقِّهم هو من هذا القبيل، أي من جهة إضمار العداوة، ولا خصوصيَّة للمورد،
فقد يكون إضمار العداوة فيما بين رواة الحديث بسبب اختلاف المباني أو الفهم، وهو
ليس بقليل، وهذا لا يعني رفض الأخبار كما
-----------------
(٣٢٧) وقد أشرنا إلى جهده مفصَّلاً في الدروس الاستدلاليَّة في علوم الحديث في مبحث تنقية الحديث في الدروس تحت الرقم (١٢ - ١٩) المنشورة في دروس استدلاليَّة في علوم الحديث (ج ١/ ص ٧٩).
لا يعني قبولها، بل يعني بذل مزيد من الجهد والتدقيق بعد التثبُّت في أجواء صدورها
وحيثيَّات بعض فقراتها، فلعلَّه دُسَّ فيها من قِبَل هؤلاء أو أتباعهم في مختلف
الطبقات بما يشين بعض الفقهاء ورواة الحديث لأجل تسقيطهم في المجتمع، وتقليل
اعتبارهم كي لا يُؤثِّروا فيه ويُبيِّنوا الحقَّ للناس، وهذه القصَّة شاهد صدق على
هذا المعنى، وأنَّهم - أي الواقفة - وفيهم جملة كبيرة من رواة الحديث كانوا على
استعداد أنْ يُزوِّروا ويكذبوا في أمر الإمامة ويدفعوا المال الكبير لاستمالة عدد
من رواة الحديث وفقهاء الطائفة إلى مذهبهم.
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - كتاب الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه): ولكنَّنا لم نجد هذه الرواية بعد
التتبُّع في كتاب (الكافي)، مع أنَّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) صرَّح كما مرَّ عليك
بقوله: (فروى محمّد بن يعقوب)، وعلى ضوء هذا يمكن أنْ يُقال:
أ - أنَّ للشيخ (قدّس سرّه) نسخة من (الكافي) كان الحديث المروي مذكوراً فيها لم
تصل إلينا، وهذا بعيد من جهة أنَّ مَنْ نقل عن (الكافي) وشرحه وطابق بين نُسَخه لم
يُعلِّق على ذلك، ولم يرد لهذا الحديث ذكر في كلماتهم من هذه الجهة.
ب - أنْ يكون الشيخ (قدّس سرّه) قد سمع الحديث عمَّن رواه عن الشيخ الكليني (رضي
الله عنه) وحذف الواسطة لسبب أو آخر، فيكون الحديث مرسَلاً.
ج - أنْ يكون الحديث منقولاً عن الشيخ الكليني (رضي الله عنه) وغير مروي في كتابه
(الكافي)، وقد رُوِيَ بطُرُق الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) إلى (الكافي)، فيكون الحديث
مُسنداً وبطُرُقه إلى (الكافي) وإنْ لم يكن مرويًّا في المتداول.
ولعلَّ هذا الوجه أوجه من سابقيه، وقد يكون الخبر مرويًّا عن رجاله أي رجال الشيخ
الكليني (رضي الله عنه) بقرينة ما سيرويه الكشِّي (رحمه الله) في (رجاله) عن هذه
الحادثة، وهي أقرب إلى كُتُب الرجال من كُتُب الحديث، وطُرُق الشيخ (قدّس سرّه)
إلى كُتُبه كلِّها ذكرها في (الفهرست) وإنْ لم يذكر كتاب (الرجال) منها، إلَّا
أنَّه يمكن اعتماد طريق الشيخ النجاشي (رحمه الله) لكتاب رجاله بالتعويض عن طريق
شيخ الطائفة (قدّس سرّه).
٢ - الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه (قدّس سرّه)(٣٢٨):
روى الحادثة بسند مختلف يتَّفق في أحمد بن الفضل ويونس بن عبد الرحمن فقط، والمضمون
مختلف أيضاً، ففيه زيادة كبيرة حتَّى في أسماء مَنْ وقف، وفي موقف يونس بن عبد
الرحمن منهم تفصيل مهمٌّ، واختلاف عمَّا رُوِيَ في (الغيبة).
٣ - عِلَل الشرائع للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٣٢٩):
روى الحادثة بسند مختلف يتَّفق في محمّد بن جمهور وأحمد بن الفضل ويونس بن عبد
الرحمن، والمضمون متَّفق إلَّا في قوله في (الغيبة): (طمعاً في الأموال)، مع اختلاف
يسير بينهما في الألفاظ، فلا يضرُّ.
٤ - رجال الكشِّي(٣٣٠) في عدَّة مواضع: منها بسند مختلف ذكر فيه محمّد بن جمهور
وأحمد بن الفضل ويونس بن عبد الرحمن، ومضمونه مختصر جدًّا يُشكِّل نسبة الثُّلُث
ممَّا رواه الشيخ (قدّس سرّه) في (الغيبة).
ومنها بسند مختلف يتَّفق في آخر أربعة روى عنهم شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، ومضمونه
يقرب من ثُلُث مضمون ما رواه شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، وبالمقارنة مع المقطع
الأوَّل يظهر أنَّ الشيخ الكشِّي (رحمه الله) قطَّع الحادثة ورواها في عدَّة مواضع،
-----------------
(٣٢٨) الإمامة والتبصرة (ص ٧٥/ باب ١٦ السبب الذي من
أجله قيل بالوقف/ ح ٦٦).
(٣٢٩) عِلَل الشرائع (ج ١/ ص ٢٣٥ و٢٣٦/ باب ١٧١ العلَّة التي من أجلها قيل بالوقف
على موسى بن جعفر (عليهما السلام)/ ح ١).
(٣٣٠) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٧٠٦ و٧٦٧ و٧٨٦ و٨٦٠/ ح ٧٥٩ و٨٨٨ و٩٤٦ و١١٢٠).
ولعلَّ المقطِّع لها والمختصِر هو شيخ الطائفة (قدّس سرّه) ذاته، باعتبار أنَّه
اختار من كتاب الكشِّي بعضه.
والمورد الثالث يقارب الثاني كثيراً.
وفي الرابع بسند فيه محمّد بن أحمد ومحمّد بن جمهور دون غيرهما، ومضمونه يقارب ما
تقدَّم.
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) إلى الشيخ الكليني (رضي الله عنه): يأتي
التعرُّض له فيما بعد الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
٢ - محمّد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه): طبقته في الحديث التاسعة، تقدَّمت
ترجمته في الحديث (٧).
٣ - محمد بن يحيى العطَّار: طبقته في الحديث الثامنة، تقدَّمت ترجمته في الحديث
(١١).
٤ - محمّد بن أحمد: مشترك بين جماعة، والتمييز بالراوي والمروي عنه، طبقته في
الحديث السابعة، ويمكن عدُّه من شيوخ الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: من رواة
(تفسير القمِّي)، كثير الرواية حيث بلغت رواياته (٣٩٧) رواية.
بحث حول محمّد بن جمهور:
٥ - محمّد بن جمهور: طبقته في الحديث السابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: صاحب كتاب،
بل كُتُب، منها: وقت خروج القائم (عليه السلام)، تفصيل الشيخ (قدّس سرّه) في
رواياته وكُتُبه، فاستثنى ما فيها من الغلوِّ والتخليط وأخذ بغيرها، تعدُّد
الطُّرُق إلى كُتُبه، فللشيخ (قدّس سرّه) عدَّة طُرُق، وللنجاشي (رحمه الله) طريق،
رواية الأجلَّاء كالحسين بن سعيد عنه، من رواة (تفسير القمِّي)، من رواة (كامل
الزيارات).
وجوه تضعيفه عديدة، منها: قال الشيخ النجاشي (رحمه الله): (ضعيف في الحديث فاسد في
المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها)(٣٣١)، قال ابن الغضائري (رحمه
الله): (غالٍ، فاسد الحديث، لا يُكتَب حديثه، رأيت له شعراً، يُحلِّل فيه محرَّمات
الله (عزَّ وجلَّ))(٣٣٢).
تحقيق السيِّد الخوئي (قدّس سرّه):
(بقي هنا جهات: الأُولى: لا شكَّ في اتِّحاد محمّد بن جمهور الذي عنونه النجاشي مع
محمّد بن الحسن بن جمهور الذي ذكره الشيخ وابن الغضائري، وذلك لأُمور:
الأوَّل: استبعاد أنْ يكونا رجلين في طبقة واحدة لكلٍّ منهما كتاب، يتعرَّض الشيخ
لأحدهما ويتعرَّض النجاشي للآخر.
الثاني: أنَّ مَنْ عنونه الشيخ لو كان مغايراً لمن عنونه النجاشي كان اللَّازم أنْ
يذكره في كتاب (الرجال) أيضاً، ولم يذكره.
الثالث: أنَّ راوي كتاب محمّد بن جمهور في أحد طريقي النجاشي أحمد بن الحسين بن
سعيد، وهو بعينه الراوي لكتابه في أحد طريقي الشيخ أيضاً.
ثمّ إنَّ الظاهر صحَّة عنوان النجاشي، فإنَّ المذكور في الروايات محمّد بن جمهور،
وأمَّا محمّد بن الحسن بن جمهور، فلم نظفر ولا برواية واحدة منه، إذن فمحمّد هذا
إمَّا أنَّه ابن جمهور بلا واسطة، أو أنَّه غير معروف بمحمّد بن الحسن.
الثانية: الظاهر أنَّ الرجل ثقة، وإنْ كان فاسد المذهب، لشهادة عليِّ بن إبراهيم بن
هاشم بوثاقته، غاية الأمر أنَّه ضعيف في الحديث، لما في رواياته من
-----------------
(٣٣١) رجال النجاشي (ص ٣٣٧/ الرقم ٩٠١).
(٣٣٢) رجال ابن الغضاري (ص ٩٢/ الرقم ١٣١/١٦).
تخليط وغلوٍّ، وقد ذكر الشيخ أنَّ ما يرويه من رواياته فهي خالية من الغلوِّ
والتخليط، وعليه فلا مانع من العمل بما رواه الشيخ من رواياته)(٣٣٣).
٦ - أحمد بن فضل: مشترك بين جماعة، والتمييز بالراوي والمروي عنه، فقيل: إنَّه من
أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، وقيل: من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)،
وقيل: من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، ولُقِّب بالخزاعي تارةً والكناسي
أُخرى، وهو من الطبقة السادسة ومن أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، وقد يكون من
المعمَّرين، وذكر الكشِّي (رحمه الله) عن حمدويه عن بعض أشياخه أنَّ ابن الفضل
الخزاعي واقفي، وله عدَّة روايات.
من وجوه توثيقه: عدُّ ابن داود (رحمه الله) له في القسم الأوَّل، ولكن هذا لو
استُظهِر أنَّه الخزاعي فإنَّه صاحب كتاب (النوادر) على ما قاله النجاشي (رحمه
الله)، وقد ضعَّفه جماعة، وتأمَّل الشيخ المامقاني (رحمه الله) في (تنقيح المقال)،
قائلاً: (ولم أفهم وجه عدِّ ابن داود إيَّاه في القسم الأوَّل، فإنِّي لم أقف على
مدح بوجه، وكونه واقفيًّا ممَّا صُرِّح به، فكيف يمكن عدُّه في المعتمدين؟! والعجب
من أنَّه مع ذلك عدَّه في القسم الثاني أيضاً مرَّتين)(٣٣٤).
٧ - يونس بن عبد الرحمن: طبقته في الحديث السادسة، تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢).
* * *
ما فعله جماعة من الواقفة مع الإمام الرضا
(عليه السلام) بعد مراسلته:
الحديث (٦٧): وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ اَلحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنِ
اَلصَّفَّارِ وَسَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيِّ جَمِيعاً، عَنْ يَعْقُوبَ
بْنِ يَزِيدَ اَلْأَنْبَارِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ،
-----------------
(٣٣٣) معجم رجال الحديث (ج ١٦/ ص ١٨٩ - ١٩٢/ الرقم
١٠٤٣٩).
(٣٣٤) تنقيح المقال (ج ٧/ ص ٩٥/ الرقم ١٣٠٠/٤٥٨).
قَالَ: مَضَى أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)
وَعِنْدَ زِيَادٍ اَلْقَنْدِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعِنْدَ عُثْمَانَ
اِبْنِ عِيسَى اَلرَّوَّاسِيِّ ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ وَخَمْسُ جَوَارٍ
وَمَسْكَنُهُ بِمِصْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو اَلحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه
السلام) أَنِ اِحْمِلُوا مَا قِبَلَكُمْ مِنَ اَلمَالِ، وَمَا كَانَ اِجْتَمَعَ
لِأَبِي عِنْدَكُمْ مِنْ أَثَاثٍ وَجَوَارٍ، فَإِنِّي وَارِثُهُ وَقَائِمٌ
مَقَامَهُ، وَقَدِ اِقْتَسَمْنَا مِيرَاثَهُ، وَلَا عُذْرَ لَكُمْ فِي حَبْسِ مَا
قَدِ اِجْتَمَعَ لِي وَلِوَارِثِهِ قِبَلَكُمْ، وَكَلَامٌ يُشْبِهُ هَذَا. فَأَمَّا
اِبْنُ أَبِي حَمْزَةَ فَإِنَّهُ أَنْكَرَهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِمَا عِنْدَهُ،
وَكَذَلِكَ زِيَادٌ اَلْقَنْدِيُّ، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى فَإِنَّهُ
كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ أَبَاكَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) لَمْ يَمُتْ، وَهُوَ
حَيٌّ قَائِمٌ، وَمَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَاتَ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَأَعْمَلُ عَلَى
أَنَّهُ قَدْ مَضَى كَمَا تَقُولُ، فَلَمْ يَأْمُرْنِي بِدَفْعِ شَيْءٍ إِلَيْكَ،
وَأَمَّا اَلجَوَارِي فَقَدْ أَعْتَقْتُهُنَّ وَتُزُوِّجَتْ بِهِنَّ(٣٣٥).
تخريج الحديث:
بعد متابعة ألفاظ الحكاية التي نقلها يعقوب بن يزيد الأنباري في المصادر
-----------------
(٣٣٥) هذا الحديث يجري فيه ما قلناه في الحديث
السابق، وإنْ كان ربَّما يُعَدُّ ولو بعضه رواية عن الإمام (عليه السلام)، حيث قال
يعقوب بن يزيد: إنَّ الإمام الرضا (عليه السلام) بعث إلى زياد وعثمان بن عيسى وابن
أبي جمهور وطلب منهم أنْ يحملوا ما عندهم من المال الذي اجتمع عندهم لأبيه (عليه
السلام)، بل وغير المال من أثاث وجوارٍ، حيث صرَّح (عليه السلام) بأنَّه وارثه
والقائم مقامه، مخاطباً إيَّاهم بأنَّه لا عذر لكم في حبس ومنع ما اجتمع عندكم بعد
موته (عليه السلام)، ولكن ذيل هذه الحكاية يُبعِد كونه بصدد رواية ما صدر من الإمام
(عليه السلام)، وإنَّما هو بصدد حكاية الواقعة لا أكثر، حيث عبَّر: (وكلام يشبه
هذا)، وهذا يُشكِّل قرينة على أنَّ مَنْ روى عنهم يعقوب بن يزيد ليس بصدد نقل حديث
عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وإنَّما نقل مضامين الواقعة بتعبيراته.
نعم على مَنْ يرى التوسعة في النقل بالمعنى يمكن عدُّ مضمون ما نُقِلَ في الخبر
حديثاً، ومع هذا الاختلاف لا ينضبط الترقيم المُعتمد في النسخة المُشار إليها.
ثمّ إنَّ مَنْ روى عن يعقوب بن يزيد يقول: إنَّ ابن أبي حمزة أنكر ولم يعترف بما
عنده من مال وأثاث وجوار، وكذا زياد القندي، وأمَّا عثمان بن عيسى فإنَّه كتب إلى
أبي الحسن (عليه السلام) يخاطبه بما نصُّه: (إنَّ أباك (صلوات الله عليه) لم يمُت،
وهو حيٌّ قائم، ومَنْ ذكر أنَّه مات فهو مبطل.
التي روتها أسبق من غيبة شيخ الطائفة (قدّس سرّه)
تبيَّن لنا أنَّها مرويَّة باختلاف يصعب ضبطه، وفي عدَّة مصادر ذكرناها في تخريج
الحديث السابق، وهي: الإمامة والتبصرة، وعِلَل الشرائع، ورجال الكشِّي.
نعم ما ذكرناه في المورد الرابع في موارد المطابقة مع (رجال الكشِّي) أكثر تطابقاً
وتقارباً مع موردنا هنا.
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) إلى محمّد بن الحسن بن الوليد: يأتي التعرُّض له
بعد الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
٢ - محمّد بن الحسن بن الوليد: طبقته في الحديث التاسعة، تقدَّمت ترجمته في الحديث
(٢).
٣ - في هذه الطبقة جماعة، هم:
أ - الصفَّار (محمّد بن الحسن بن فرُّوخ): طبقته في الحديث الثامنة، تقدَّمت ترجمته
في الحديث (٢).
ب - سعد بن عبد الله الأشعري: طبقته في الحديث الثامنة، تقدَّمت ترجمته في الحديث
(٢٠).
٤ - يعقوب بن يزيد الأنباري: طبقته في الحديث السابعة، ويمكن عدُّه من كهول
الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له، توثيق الشيخ
النجاشي (رحمه الله) له ووصفه إيَّاه بالثقة الصدوق، صاحب كتاب بل كُتُب، قال الشيخ
(قدّس سرّه) عنه: إنَّه (كثير الرواية)(٣٣٦)، توثيق الشيخ (قدّس سرّه) له في
(رجاله) في عدَّة مواضع، من رواة (كامل الزيارات)، من رواة (تفسير القمِّي)، توثيق
ابن
-----------------
(٣٣٦) الفهرست (ص ٢٦٤/ الرقم ٨٠٧/١).
شهرآشوب (رحمه الله) له، رواية الأجلَّاء عنه(٣٣٧).
٥ - بعض أصحابه: يتداول:
أ - جماعة، وقد يُستظهَر منه كما ليس ببعيد اعتبار مَنْ وقع في الطبقة وإنْ لم
نعرفهم بأسمائهم.
ب - بعض أصحابنا، وحاله كما فيما سبق.
ج - عن غير واحدٍ، وحاله كما فيما سبق.
د - عدَّة من أصحابنا، وحاله أوضح ممَّا سبق.
هـ - عن واحدٍ، استظهر جمع، بل لعلَّ المشهور إفادته الإرسال.
والأصل فيه الإرسال ما لم تقم قرائن على أنَّ المراد به جماعة يرتفع بهم الإرسال.
ولكن التعبير الوارد (عن بعض أصحابه) والذي يقرب من أنَّ يعقوب
-----------------
(٣٣٧) كالحميري عبد الله بن جعفر، وعليِّ بن الحسن
بن فضَّال، وعليِّ بن إبراهيم، وأحمد بن محمّد البرقي، وأحمد بن محمّد بن خالد،
وأحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن يحيى العطَّار، وسهل بن زياد الآدمي.
تنبيه: ممَّا يُلفِت النظر أنَّ يعقوب بن يزيد وهو بهذه المثابة من الصدق والوثاقة
يُترجَم له أنَّ له كتاباً بعنوان الطعن على يونس، والظاهر على ما استفاده جماعة
أنَّه الطعن على يونس بن عبد الرحمن، ويبدو أنَّ الأمر كذلك، وهذا يُؤيِّد ما
ذكرناه سابقاً من أنَّ الأصحاب في بعض الموارد القليلة قد طعن بعضهم في بعض، وقد
قيل: إنَّ تضعيف الأقران تقاربوا أو اختلفوا في المذهب وما شاكل لا يُؤخَذ به، أو
على الأقلِّ يُتريَّث فيه إلى أنْ يتبيَّن الحال من خلال الفحص وتقصِّي القرائن من
الترجمات والروايات وعناوين الكُتُب وغيره، والأمر ليس بمستغرَب، والروايات على ذلك
عديدة، حتَّى إنَّ بعض الأصحاب شكى الفضل بن شاذان على جلالة قدره إلى الإمام (عليه
السلام)، ممَّا استدعى أنْ يكتب في ذلك كتاباً ويُبيِّن الحال فيه، وكذا الأمر في
جملة من أجلَّاء الرواة، وقد تناولنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في عدَّة موارد
من التطبيقات على كتاب (الوسائل).
ابن يزيد يروي عن جماعة لا يقلُّون عن ثلاثة ممَّا يستدعي دراسة مشايخه، وبقراءة سريعة لمن روى عنهم يعقوب بن يزيد - وهو من المكثرين - نجد أنَّه قد روى عن عدد من الأجلَّاء، وكان يُكثِر عن ابن أبي عمير.
* * *
إنكار ابن حمزة لإمامة الإمام الرضا (عليه
السلام) بسبب المال:
الحديث (٦٨): وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ اَلتَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ حَرْبَ بْنَ
اَلحَسَنِ اَلطَّحَّانَ يُحَدِّثُ يَحْيَى بْنَ اَلحَسَنِ اَلْعَلَوِيَّ أَنَّ
يَحْيَى بْنَ اَلمُسَاوِرِ قَالَ: حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ، وَكَانَ
فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ(٣٣٩)، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: دَخَلَ عَلِيُّ
بْنُ يَقْطِينٍ(٣٤٠) عَلَى أَبِي اَلحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)، فَسَأَلَهُ عَنْ
أَشْيَاءَ، فَأَجَابَهُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو اَلحَسَنِ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ،
صَاحِبُكَ يَقْتُلُنِي»، فَبَكَى عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ، وَقَالَ: يَا سَيِّدِي،
وَأَنَا مَعَهُ؟ قَالَ: «لَا يَا عَلِيُّ، لَا تَكُونُ مَعَهُ، وَلَا تَشْهَدُ
قَتْلِي»، قَالَ عَلِيٌّ: فَمَنْ لَنَا بَعْدَكَ، يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: «عَلِيٌّ
اِبْنِي هَذَا، هُوَ خَيْرُ مَنْ أُخْلِفُ بَعْدِي، هُوَ مِنِّي [بِمَنْزِلَتِي
مِنْ أَبِي](٣٤١)، هُوَ لِشِيعَتِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ،
سَيِّدٌ فِي اَلدُّنْيَا وَسَيِّدٌ فِي اَلْآخِرَةِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ
اَلمُقَرَّبِينَ»، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ اَلحَسَنِ لِحَرْبٍ: فَمَا حَمَلَ عَلِيَّ
بْنَ أَبِي حَمْزَةَ عَلَى أَنْ بَرِئَ مِنْهُ وَحَسَدَهُ؟ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى
بْنَ اَلمُسَاوِرِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: حَمَلَهُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ
اَلَّذِي اِقْتَطَعَهُ لِيُشْقِيَهُ اَللهُ فِي اَلدُّنْيَا
-----------------
(٣٣٨) (١١/شوَّال/ ١٤٤٥هـ).
(٣٣٩) تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤٨).
(٣٤٠) تقدَّمت ترجمته في الحديث (١١).
(٣٤١) على ما مرَّ في الحديث (٥٤).
وَاَلْآخِرَةِ، ثُمَّ دَخَلَ بَعْضُ بَنِي هَاشِمٍ وَاِنْقَطَعَ اَلحَدِيثُ(٣٤٢).
تخريج الحديث:
قد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث فلم نجد من رواه أسبق من شيخ الطائفة (قدّس
سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ إلى أحمد بن سعيد بن عقدة: يأتي التعرُّض له ما بعد الحديث (١٠٠)،
عندما نتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) في كتابه إلى مَنْ يبدأ بهم
السند.
٢ - أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة: طبقته في الحديث من شيوخ العاشرة وعدُّوه من
التاسعة، بل قيل: من الثامنة، فهو من مشايخ الكليني (قدّس سرّه)، وقد روى عنه في
موارد، تقدَّمت ترجمته في الحديث (٦).
٣ - محمّد بن أحمد بن نصر التيمي أبو عبد الله التمَّار: طبقته في الحديث الثامنة،
لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
٤ - حرب بن الحسن الطحَّان: طبقته في الحديث الثامنة، وقد يُعَدُّ من السابعة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: أنَّه صاحب كتاب، قريب الأمر في الحديث، ممَّا يُشعِر من أنَّه
أهل هذا الفنِّ وينتقي من أحاديثه ولا يروي كيفما اتَّفق، أنَّه عامِّي الرواية مع
ضمِّ قربه في الحديث قد يستشمُّ منه نوع استملاح له على تأمُّلٍ فيه.
-----------------
(٣٤٢) يستشهد شيخ الطائفة (قدّس سرّه) أنَّ هؤلاء الواقفة الذين هذا حالهم كيف يُؤخَذ بأخبارهم؟! فمَنْ يُنكِر الإمامة طمعاً في المال وحسداً للإمام (عليه السلام) لا يُؤخَذ بقوله، وعلى الأقلِّ في مورد المنازعة والمخاصمة، أي في نفي إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)، وبالتالي موت الإمام الكاظم (عليه السلام) وما يترتَّب عليه من عدِّه (عليه السلام) الحجَّة القائم الغائب.
٥ - يحيى بن الحسن العلوي: طبقته في الحديث السابعة، تقدَّمت ترجمته في الحديث (٦).
٦ - يحيى بن المساور: طبقته في الحديث السادسة، لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهو
ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل).
* * *
ما حكاه زوج بنت أحمد بن بشير السرَّاج في
حقِّ الواقفة:
الحديث (٦٩): وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ حُبْشِيِّ بْنِ قُونِيٍّ، عَنِ اَلحُسَيْنِ بْنِ
أَحْمَدَ اِبْنِ اَلحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: كُنْتُ أَرَى عِنْدَ
عَمِّي عَلِيِّ بْنِ اَلحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ(٣٤٣) شَيْخاً مِنْ أَهْلِ
بَغْدَادَ(٣٤٤)، وَكَانَ يُهَازِلُ عَمِّي، فَقَالَ لَهُ يَوْماً: لَيْسَ فِي
اَلدُّنْيَا شَرٌّ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ - أَوْ قَالَ: اَلرَّافِضَةِ
-، فَقَالَ لَهُ عَمِّي: وَلِمَ لَعَنَكَ اَللهُ؟ قَالَ: أَنَا زَوْجُ بِنْتِ
أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بِشْرٍ اَلسَّرَّاجِ(٣٤٥)، قَالَ لِي لَـمَّا حَضَرَتْهُ
اَلْوَفَاةُ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدِي عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَدِيعَةً لِمُوسَى
بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، فَدَفَعْتُ اِبْنَهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ،
وَشَهِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، فَاللهَ اَللهَ
-----------------
(٣٤٣) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٥٧
و٢٥٨/ الرقم ٦٧٦): (عليُّ بن الحسن بن عليُّ بن فضَّال ابن عمر بن أيمن، مولى عكرمة
بن ربعي الفيَّاض، أبو الحسن، كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وعارفهم
بالحديث، والمسموع قوله فيه، سُمِعَ منه شيئاً كثيراً، ولم يُعثَر له على زلَّة فيه
ولا ما يشينه، وقلَّ ما روى عن ضعيف، وكان فطحيًّا...)، وقال الشيخ (قدّس سرّه) في
الفهرست (ص ١٥٦/ الرقم ٣٩١/١٨): (عليُّ بن الحسن بن فضَّال، فطحي المذهب، ثقة،
كوفي، كثير العلم، واسع الرواية والأخبار، جيِّد التصانيف، غير معاند، وكان قريب
الأمر إلى أصحابنا الإماميَّة القائلين بالاثني عشر...).
(٣٤٤) لم نعثر على ما يرفع الإبهام فيه.
(٣٤٥) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٧٥/ الرقم ١٨١)، والشيخ (قدّس سرّه) في الفهرست (ص ٦٢/ الرقم ٦٤/٢): (أحمد بن أبي بشر السرَّاج، كوفي، مولى، يُكنَّى أبا جعفر، ثقة في الحديث، واقف...)، إلَّا أنَّ الشيخ (قدّس سرّه) قال: (واقفي المذهب).
خَلِّصُونِي مِنَ اَلنَّارِ وَسَلِّمُوهَا إِلَى
اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَوَاَلله مَا أَخْرَجْنَا حَبَّةً، وَلَقَدْ تَرَكْنَاهُ
يَصْلَى بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء، كيف يُوثَق برواياتهم أو يُعوَّل عليها؟!
وأمَّا ما رُوِيَ من الطعن على رواة الواقفة، فأكثر من أنْ يُحصى، وهو موجود في
كُتُب أصحابنا، نحن نذكر طرفاً منه.
ودلالة هذه القصَّة المرويَّة عمَّا جرى مع أحمد بن أبي بشر السرَّاج عند موته جزء
من مجموعة قَصَص وحكايات كانت متداولة حول هذه الفرقة - أي الواقفة - تعكس تعاملهم
مع الأموال التي سرقوها من الإمام بعد أنْ كانوا وكلاء للإمام الكاظم (عليه
السلام)، ولم يُسلِّموا هذه الأموال للإمام الرضا (عليه السلام) بعد ثبوت إمامته
عندهم فضلاً عن وضوحها عند الطائفة وأعيانها، فيُخبِر الراوي هذا الشيخ البغدادي عن
زوج بنت السرَّاج أنَّ هذا الأخير كانت لديه وديعة وقيمتها عشرة آلاف دينار، وهي
مبلغ كبير في ذلك الزمان، ولم يُسلِّمه للإمام الرضا (عليه السلام)، ولـمَّا حضرته
الوفاة أوصى من حوله قائلاً لهم: خلِّصوني من النار وسلِّموها إلى الرضا (عليه
السلام)، ثمّ يقول زوج ابنته نقلاً عن الشيخ البغدادي أنَّهم لم يُخرِجوا من هذه
الأموال حبَّة واحدة، وتركوه يُصلى بها في النار.
ثمّ يُعلِّق شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بعد روايته القصَّة: (وإذا كان أصل هذا المذهب
أمثال هؤلاء، كيف يُوثَق برواياتهم أو يُعوَّل عليها؟!).
ووجه استدلاله (قدّس سرّه) في ردِّ روايات أمثال هؤلاء أنَّ وقفهم إنَّما كان لأجل
طمعهم في المال الذي حبسوه عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ثمّ افتُضِحَ أمرهم في
بيوتهم وخارجها، وتبيَّن حال وقفهم طمعاً في حطام الدنيا، فهل بعد هذا الخزي
والافتضاح يصحُّ الاعتماد على رواياتهم وذكر أخبارهم؟
وكأنَّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) يخاطب صاحب كتاب (في
نصرة الواقفة) أنَّ كتابك وإنْ كانت رواياته عن أمثال هؤلاء وبالتالي فهي لا قيمة
لها، ولكن الذي دعاني لروايتها ومناقشتها أنَّ بعض الفضلاء تناولها واستشهد بها،
على ما يأتي من نصِّ عبارته (قدّس سرّه) في آخر استعراضه لروايات هذا الكتاب.
ثمّ قال (قدّس سرّه): (وأمَّا ما رُوِيَ من الطعن على رواة الواقفة، فأكثر من أنْ
يُحصى، وهو موجود في كُتُب أصحابنا، نحن نذكر طرفاً منه).
وهذه هي الرواية الأُولى من روايات الطعن على الواقفة والمرقَّمة بـ (٧٠) حسب
الترقيم العامِّ لروايات هذا الكتاب.
وممَّا يجدر التنبيه عليه: أنَّ هذه الحكاية وإنْ وقع في طريقها مَنْ هو مجهول
إلَّا أنَّ التصديق بها ليس ببعيد، باعتبار أنَّها حكاية عمَّا جرى مع هؤلاء داخل
بيوتهم، فأمارات صدقها ظاهرة.
تخريج الحديث:
قد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة (قدّس
سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى عليِّ بن حبشي بن قوني: يأتي التعرُّض له ما بعد
الحديث (١٠٠)، عندما نتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) في كتابه إلى
مَنْ يبدأ بهم السند.
٢ - عليُّ بن حبشي بن قوني، أبو القاسم: من رجال الطبقة التاسعة، ويمكن عدُّه من
العاشرة أيضاً، وجوه توثيقه عديدة، منها: كونه من مشايخ أحمد ابن عبد الواحد شيخ
النجاشي (رحمه الله)، ويقع في طريقه إلى عدد كبير من الكُتُب في فهرسته، تعبير
الشيخ (قدّس سرّه) عنه بأنَّه خاصِّي، ولقَّبه بالكاتب، ترضَّى عنه أحمد بن
محمّد بن عبيد الله بن عيَّاش صريحاً على ما نقله
ابن جرير الطبري (رحمه الله) في (دلائل الإمامة)(٣٤٦)، قال الشيخ المامقاني (رحمه
الله) في (تنقيح المقال): (عليُّ بن حبشي بن قوني: حسن إنْ لم يكن ثقة)(٣٤٧)، صاحب
كتاب، رواية الشيخ المفيد والسيِّد المرتضى وشيخ الطائفة (قدّس سرّهم) عنه، قال
المامقاني: (لا يبعد عدُّ ذلك مدحاً مُلحقاً له بالحِسان)(٣٤٨)، من مشايخ الإجازة،
حيث صرَّح شيخ الطائفة (رحمه الله) بأنَّ للشيخ المفيد (رحمه الله) منه إجازة).
تحقيق السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في المقام: (والمتحصِّل أنَّ الرجل وإنْ كان
معروفاً وروى عنه الأجلَّاء إلَّا أنَّه لم تثبت وثاقته، ومجرَّد كونه شيخ إجازة لا
يكفي في إثبات وثاقته)(٣٤٩).
٣ - الحسين بن أحمد بن الحسن بن عليِّ بن فضَّال: طبقته في الحديث الثامنة، لم يرد
له ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر عنه بـ (المهمل)، كما صرَّح بذلك الشيخ
النمازي (رحمه الله)(٣٥٠).
* * *
رواية تشبيه الواقفة بالحمير:
الحديث (٧٠): رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ
عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلخَشَّابِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كُنْتُ
أَنَا وَعُيَيْنَةُ بَيَّاعُ اَلْقَصَبِ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ
اَلْبَطَائِنِيِّ(٣٥١) - وَكَانَ رَئِيسَ اَلْوَاقِفَةِ -، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): «إِنَّمَا
-----------------
(٣٤٦) دلائل الإمامة (ص ٤٣١/ ح ٣٩٦/١٣).
(٣٤٧) تنقيح المقال (ج ١/ الفهرست ص ١٠٦/ ط القديمة).
(٣٤٨) تنقيح المقال (ج ٢/ ص ٢٧٤/ الرقم ٨٢٠٤/ ط القديمة).
(٣٤٩) معجم رجال الحديث (ج ١٢/ ص ٣٢٧/ الرقم ٧٩٨٩).
(٣٥٠) مستدركات علم رجال الحديث (ج ٣/ ص ٨٦/ الرقم ٤١٥٨).
(٣٥١) تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤٨).
أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ يَا عَلِيُّ أَشْبَاهُ
اَلحَمِيرِ»، فَقَالَ لِي عُيَيْنَةُ: أَسَمِعْتَ؟ قُلْتُ: إِي وَاَلله لَقَدْ
سَمِعْتُ، فَقَالَ: لَا وَاَلله، لَا أَنْقُلُ إِلَيْهِ قَدَمِي مَا حَيِيتُ.
في هذا الحديث يروي الخشَّاب عن ابن داود وعيينة أنَّهما كانا عند البطائني عليِّ
بن أبي حمزة، ويوجد في الحديث عبارة (وَكَانَ رَئِيسَ اَلْوَاقِفَةِ)، ولعلَّها من
شيخ الطائفة (قدّس سرّه) على الإدراج، ونقل أبو داود عن البطائني قول الإمام
الكاظم (عليه السلام) له: «إِنَّمَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ يَا عَلِيُّ أَشْبَاهُ
اَلحَمِيرِ»، فخاطب عيينة أبا داود قائلاً له: سمعت قول البطائني؟ فقال أبو داود:
إي والله لقد سمعت، ثمّ قال عيينة: لا والله لا أنقل إليه قدمي ما حييت، وهو ظاهر
بل صريح في أنَّ البطائني ومَنْ سار على خطاه كانوا من زمان الإمام الكاظم (عليه
السلام) قد عُرِفُوا بأنَّهم على غير هدى ويُساقون سوقاً، ولا يعون أنَّهم قد
انحرفوا عن خطِّ الهداية الإلهيَّة، فإذا لُقِّنوا خبراً أو عقيدةً أخذوه وسلَّموا
به دون وعي ودون أنْ يرجعوا إلى أُصولهم وعقائدهم وأئمَّتهم لتمييز ما سمعوا
وتبيُّن الحال فيه.
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث المتقدِّم في مصدر أسبق من (الغيبة):
* رجال الكشِّي، في مواضع خمسة، وهي مع اختلاف يسير في السند والمتن(٣٥٢).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري: يأتي التعرُّض له
ما بعد الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
٢ - محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري: طبقته في الحديث السابعة، ويمكن عدُّه من
الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، توثيق
-----------------
(٣٥٢) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٧٠٥ و٧٠٦ و٧٤٢ و٧٤٣/ ح ٧٥٤ و٧٥٧ و٨٣٢ و٨٣٥ و٨٣٦).
الشيخ (قدّس سرّه) له، من الأجلَّاء، صاحب كتاب
(نوادر الحكمة) الذي يُعَدُّ من كُتُب التوثيق العامِّ، على غرار (كامل الزيارات)
و(تفسير عليِّ بن إبراهيم القمِّي)، كثير الرواية حيث زادت رواياته في الكُتُب
الأربعة على (١٣٠٠) رواية، رواية الأجلَّاء عنه، من رواة (كامل الزيارات).
وقيل بوجود وجه قد يُقال بكونه موجباً للتضعيف، وهو قول الشيخ النجاشي (رحمه الله):
(كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمَّن أخذ)، ولكنَّه ردَّه (رحمه
الله) بنفسه قال: (وما عليه في نفسه مطعن في شيء)(٣٥٣).
٣ - عبد الله بن محمّد: طبقته في الحديث السابعة، وهو ممَّن استُثني من كتاب (نوادر
الحكمة)، واستُظهِر بذلك ضعفه، وقد يُناقَش في اتِّحاده كما قد يُناقَش في تضعيفه،
باعتبار استناده على استثناء ابن الوليد، وجرى الصدوق (قدّس سرّه) على ذلك
الاستثناء والأخذ به، والمقصود من الاستثناء هو استثناء عدَّة رجال من كتاب (نوادر
الحكمة)، وقد عدَّه العلَّامة (قدّس سرّه) في (الخلاصة) في القسم الثاني ممَّن
ضعَّفهم أو توقَّف فيهم، وقد نصَّ ابن داود (رحمه الله) على تضعيفه بعنوان
(الشامي)، وكيف كان فيدور أمر الرجل بين كونه مجهول الحال أو ضعيفاً.
كما أنَّه مشترك بين جماعة في عدَّة طبقات، يتميَّز بالراوي والمروي عنه أو بغيرها.
٤ - الخشَّاب (الحسن بن موسى الخشَّاب): تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٠).
٥ - في هذه الطبقة جماعة، هم:
أ - أبو داود (سليمان بن سفيان) (أبو داود المسترقُّ): طبقته في الحديث الخامسة،
ويمكن عدُّه من السادسة على دعوى كونه من المعمَّرين، حيث كانت وفاته على ما نقله
الشيخ النجاشي (رحمه الله) في (٢٣١هـ).
-----------------
(٣٥٣) رجال النجاشي (ص ٣٤٨/ الرقم ٩٣٩).
وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه الكشِّي (رحمه
الله)، وقد يُقال بكونه كثير الرواية، لكون رواياته تقارب الثلاثين، رواية
الأجلَّاء عنه، كالحسين بن سعيد، وعليِّ بن مهزيار، قيل: إنَّه من المعاريف
المشهورين، وتكرَّر ذكره في الأسانيد، صاحب كتاب، يروي عنه الكليني (رضي الله عنه).
ب - (عيينة بن ميمون) وقيل: (عتيبة)، ولُقِّب ببيَّاع القصب: طبقته في الحديث
الخامسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه الشيخ النجاشي (رحمه الله) وعدّه من
الأعيان، صاحب كتاب، من رواة (كامل الزيارات)، روى عنه أصحاب الإجماع كمحمّد بن أبي
عمير.
* * *
بيان رواية: «لا تُنجب أنت وأصحابك أبداً»:
الحديث (٧١): وَرَوَى اِبْنُ عُقْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ وَعَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ جَمِيعاً،
قَالَا: قَالَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى اَلرَّوَّاسِيُّ: حَدَّثَنِي زِيَادٌ
اَلْقَنْدِيُّ وَاِبْنُ مُسْكَانَ، قَالَا: كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه
السلام) إِذْ قَالَ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ اَلسَّاعَةَ خَيْرُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ»،
فَدَخَلَ أَبُو اَلحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) وَهُوَ صَبِيٌّ، فَقُلْنَا:
خَيْرُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ؟ ثُمَّ دَنَا، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ:
«يَا بُنَيَّ، تَدْرِي مَا قَالَ ذَانِ؟»، قَالَ: «نَعَمْ يَا سَيِّدِي، هَذَانِ
يَشُكَّانِ فِيَّ»، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا اَلحَدِيثِ
اَلحَسَنَ بْنَ مَحْبُوبٍ(٣٥٤)، فَقَالَ: بَتَرَ اَلحَدِيثَ، لَا وَلَكِنْ
حَدَّثَنِي
-----------------
(٣٥٤) قال الشيخ (قدّس سرّه) في الفهرست (ص ٩٦/ الرقم ١٦٢/٢): (الحسن بن محبوب السرَّاد، ويقال له: الزرَّاد، ويُكنَّى أبا عليٍّ، مولى بجيلة، كوفي، ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عن ستِّين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان جليل القدر، ويُعَدُّ في الأركان الأربعة في عصره...)، وعدَّه الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج ٢/ ص ٨٣٠/ الرقم ١٠٥٠) من الفقهاء الذين أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحُّ عنهم وتصديقهم وأقرُّوا لهم بالفقه والعلم.
عَلِيُّ بْنُ رِئَابٍ(٣٥٥) أَنَّ أَبَا
إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لهُمَا: «إِنْ جَحَدْتُمَاهُ حَقَّهُ أَوْ
خُنْتُمَاهُ فَعَلَيْكُمَا لَعْنَةُ اَلله وَاَلمَلَائِكَةِ وَاَلنَّاسِ
أَجْمَعِينَ. يَا زِيَادُ، لَا تَنْجُبُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ أَبَداً»، قَالَ
عَلِيُّ بْنُ رِئَابٍ: فَلَقِيتُ زِيَادَ اَلْقَنْدِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي
أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لَكَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ:
أَحْسَبُكَ قَدْ خُولِطْتَ، فَمَرَّ وَتَرَكَنِي، فَلَمْ أُكَلِّمْهُ وَلَا
مَرَرْتُ بِهِ. قَالَ اَلحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ: فَلَمْ نَزَلْ نَتَوَقَّعُ
لِزِيَادٍ دَعْوَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُ
أَيَّامَ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا ظَهَرَ، وَمَاتَ زِنْدِيقاً.
يتحدَّث ابن عيسى الرواسي عن القندي وابن مسكان في أنَّهما كانا عند الإمام الكاظم
(عليه السلام)، فقال (عليه السلام) سيدخل عليكم خير أهل الأرض، فدخل عليهم الإمام
الرضا (عليه السلام) وهو صبيٌّ، فقالوا: خير أهل الأرض؟! فضمَّه إليه وقبَّله، ثمّ
قال (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، تَدْرِي مَا قَالَ ذَانِ؟»، قَالَ: «نَعَمْ يَا
سَيِّدِي، هَذَانِ يَشُكَّانِ فِيَّ»، وهنا انتهت القصَّة، ثمّ إنَّ عليَّ بن أسباط
حدَّث بهذا الحديث الحسن بن محبوب، فقال: بتر الحديث، يعني أنَّ زياد القندي بتر
الحديث، ثمّ قال (أي ابن محبوب): حدَّثني عليُّ بن رئاب أنَّ الإمام الكاظم (عليه
السلام) قال لهما: «إِنْ جَحَدْتُمَاهُ حَقَّهُ أَوْ خُنْتُمَاهُ فَعَلَيْكُمَا
لَعْنَةُ اَلله وَاَلمَلَائِكَةِ وَاَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. يَا زِيَادُ (أي
القندي)، لَا تَنْجُبُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ أَبَداً».
وفي هذه الكلمة من الإمام (عليه السلام) دلالة عظيمة واستعارة رائعة، فإنَّه (عليه
السلام) يتحدَّث عن العقائد المنحرفة، وأنَّها وإنْ بدا في أوائل نشوئها وظهورها
قابليَّة استمرارها - دون أنْ ينكشف زيفها عند أهل الحقِّ - إلَّا أنَّها عقيمة ولا
تنجبُ ولا تلد، وليس ببعيد عن أذهاننا إقصاء أهل البيت (عليهم السلام) وما جرى
عليهم، وبقاء أتباع المقصِين إلى يومنا هذا، فقوله(عليه السلام):
-----------------
(٣٥٥) قال الشيخ (قدّس سرّه) في الفهرست (ص ١٥١/ الرقم ٣٧٥/٢): (عليُّ بن رئاب الكوفي، له أصل كبير، وهو ثقة، جليل القدر).
«لَا تَنْجُبُ» حديث يستشرف فيه بمقتضى علمه الغيبي
المستقبل في انخماد وموت حركة الواقفة.
ثمّ قال عليُّ بن رئاب: فلقيت زياد القندي وأخبرته بذلك، فقال: أحسبك قد خولطت، ثمّ
مرَّ وتركني، فلم أُكلِّمه ولا مررت به.
ثمّ قال ابن محبوب: فلم نزل نتوقَّع لـ (زياد) دعوة الإمام الكاظم (عليه السلام)
فيه حتَّى ظهر منه في أيام الرضا (عليه السلام) ما ظهر، ومات زنديقاً.
ويظهر لك من الحديث أنَّهم لم يُشرِكوا ابن مسكان في ذلك، وهو ما يدفع شبهة وقفه،
ويُؤيِّد موته قبل الحادثة.
تخريج الحديث:
وقد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى ابن عقدة: يأتي التعرُّض له ما بعد الحديث (١٠٠) إن
شاء الله تعالى.
٢ - ابن عقدة: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٦٨).
٣ - عليُّ بن الحسن بن فضَّال: تقدمت ترجمته في الحديث (٦٩).
٤ - في هذه الطبقة جماعة، هم:
أ - محمّد بن عمر بن يزيد: طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: صاحب
كتاب، رواية بعض الأجلَّاء عنه، عدَّه ابن داود (رحمه الله) في الباب الأوَّل،
ولعلَّه يُشعِر بحسنه.
ب - عليُّ بن أسباط: طبقته في الحديث السادسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه
الشيخ النجاشي (رحمه الله)، وقال: (كان فطحيًّا، جرى بينه وبين عليِّ بن
مهزيار رسائل في ذلك رجعوا فيها إلى أبي جعفر
الثاني (عليه السلام)، فرجع عليُّ بن أسباط عن ذلك القول وتركه...، وكان أوثق الناس
وأصدقهم لهجةً)(٣٥٦). ولكن الكشِّي (رحمه الله) قال: (كان عليُّ بن أسباط فطحيًّا،
ولعليِّ بن مهزيار إليه رسالة في النقض عليه...، قالوا: فلم ينجع ذلك فيه، ومات على
مذهبه)(٣٥٧). قال ابن داود (رحمه الله): (والأشهر ما قاله النجاشي)(٣٥٨)، ويُؤيَّد
ذلك بترحُّم الإمام الجواد (عليه السلام) في صحيحة ابن مهزيار الحاكية كتاب ابن
أسباط إلى الإمام الجواد (عليه السلام) يسأله فيه عن أمر بناته على ما نصَّ عليه
السيِّد الخوئي (قدّس سرّه)، صاحب أصل وكُتُب، من رواة (كامل الزيارات)، رواية
الأجلَّاء عنه، من رواة (تفسير القمِّي)، كثير الرواية، رواية بني فضَّال عنه.
٥ - عثمان بن عيسى الرواسي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٦٥).
٦ - في هذه الطبقة جماعة، هم:
أ - زياد القندي: تقدَّمت ترجمته في الحديث (١٤).
بحث في وثاقة ابن مسكان:
ب - ابن مسكان: طبقته في الحديث الخامسة، وجوه توثيقه عديدة، منها: صاحب كُتُب،
توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، حيث نصَّ على ذلك بقوله: (أبو محمّد، مولى
عنزة، ثقة، عين)، ثمّ قال: (وقيل: إنَّه روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وليس
بثبت)(٣٥٩)، وسيأتي مناقشتها في وجوه التضعيف، وثَّقه الشيخ (قدّس سرّه)، ممَّن روى
عنه أصحاب الإجماع كابن أبي عمير وصفوان، رواية الأجلَّاء عنه، توثيق
-----------------
(٣٥٦) رجال النجاشي (ص ٢٥٢/ الرقم ٦٦٣).
(٣٥٧) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٨٣٥/ ح ١٠٦١).
(٣٥٨) رجال ابن داود (ص ٢٦٠/ الرقم ٣٣٣).
(٣٥٩) رجال النجاشي (ص ٢١٤/ الرقم ٥٥٩).
الشيخ المفيد (قدّس سرّه) له في (الرسالة
العدديَّة)، حيث عدَّه من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام
الذين لا يُطعَن عليهم ولا طريق لذمِّ واحدٍ منهم، وروى الكشِّي (رحمه الله) فيه
أنَّه كان لا يدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) شفقة إلَّا يُوفِّيه حقَّ
إجلاله، فكان يسمع من أصحابه ويأبى أنْ يدخل عليه إجلالاً وإعظاماً له (عليه
السلام)، من رواة (كامل الزيارات)، من رواة (تفسير القمِّي)، كثير الرواية.
وجوه تضعيفه عديدة، منها: نقل شيخ الطائفة (قدّس سرّه) لرواية يظهر منها ذمُّه وهي
التي بيدنا، وقد علَّق السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) بأنَّه لا دلالة فيها على ذمِّ
ابن مسكان، وأنَّه لم يبقَ إلى زمان إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)، ولم يذكر
أحد أنَّه أدركه.
لكن هناك بعض الروايات يظهر منها إدراكه لزمان إمامة الإمام الرضا دراكه لزمان
إمامة الإمام الرضا (عليه السلام).
ما يظهر من قول النجاشي (رحمه الله) من أنَّه ليس بثبت، إذ قد يُقال: إنَّ هذا
الوصف لذاته، ولكنَّه مردود كما هو ظاهر من أنَّه للقول، أي لرواياته لأبي عبد الله
(عليه السلام)، وقد ناقش السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) ذلك، وأثبت في عدَّة موارد
رواية العنزي عن الإمام الصادق (عليه السلام).
* * *
رواية: «لا يموتون غداً إلاَّ على الزندقة»،
ووجه الإعجاز في إخبار الإمام (عليه السلام):
الحديث (٧٢): وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ اَلحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلخَطَّابِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي اَلْبِلَادِ، قَالَ: قَالَ اَلرِّضَا
(عليه السلام): «مَا فَعَلَ اَلشَّقِيُّ حَمْزَةُ بْنُ بَزِيعٍ؟»، قُلْتُ: هُوَ
ذَا، هُوَ قَدْ قَدِمَ، فَقَالَ: «يَزْعُمُ أَنَّ أَبِي حَيٌّ، هُمُ اَلْيَوْمَ
شُكَّاكٌ، وَلَا يَمُوتُونَ غَداً إِلَّا عَلَى اَلزَّنْدَقَةِ»، قَالَ صَفْوَانُ:
فَقُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: شُكَّاكٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَكَيْفَ
يَمُوتُونَ عَلَى اَلزَّنْدَقَةِ؟! فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى
بَلَغَنَا عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ هُوَ كَافِرٌ
بِرَبٍّ أَمَاتَهُ، قَالَ صَفْوَانُ: فَقُلْتُ: هَذَا تَصْدِيقُ اَلحَدِيثِ.
في هذا الحديث ينقل ابن أبي البلاد أنَّ الإمام الرضا (عليه السلام) يبادر بالسؤال
عن حمزة بن بزيع ويصفه بـ (الشقيِّ)، فيُخبِره ابن أبي البلاد بأنَّه قادم إليهم،
وقبل أنْ يصل ابن بزيع إلى الجلسة قال الإمام (عليه السلام): «يَزْعُمُ أَنَّ أَبِي
حَيٌّ»، ثمّ قال (عليه السلام) يصفه ويصف مَنْ معه بأنَّهم وهم على هذا الحال
شكَّاكون، ثمّ يُخبِر (عليه السلام) بما أعلمه الله (عزَّ وجلَّ) أنَّه ومَنْ معه
يموتون على الزندقة(٣٦١)، أي على إنكار
-----------------
(٣٦٠) (٢/ذي القعدة/١٤٤٥هـ).
(٣٦١) إطلاق الزندقة كمفهوم كلامي على إنكار الأُلوهيَّة وما يلزمها من إنكار
النبوَّة أو الإمامة تناولناه في الفصل الثاني وفي عدَّة دروس من (دروس استدلاليَّة
في علم الكلام) بالأرقام (٥٣-٦٥)، ولم تُنشَر تقريراتها بعد، فالتوسُّع في إطلاق
الزندقة على منكر الإمام الذي استغرب منه صفوان ناشئ من أنَّ المصطلح في ذهنه منحصر
في إنكار الأُلوهيَّة أو النبوَّة فقط، لذلك جعل تصديق موتهم على الزندقة ما بلغه
عن أحدهم أنَّه كافر بربٍّ أماته، مع أنَّه لم يرد أنَّ أجمعهم قالوا ذلك.
الإمامة في الإمام الرضا (عليه السلام) ولا يجرونها فيه - بل وينكرون الربوبيَّة
-، ثمّ ينقل صفوان - وليس واضحاً أنَّ صفوان كان في المجلس أو علَّق بعد سماعه من
أبي البلاد أو غير ذلك - قائلاً: شُكَّاك أعرفها وأعرف أنَّ ابن بزيع عليها - ومن
هذا المقطع يُستشعَر حضور صفوان في المجلس(٣٦٢) -، ولكن كيف يموتون على الزندقة؟!
ثمّ قال صفوان: فما لبثنا إلَّا قليلاً من الزمان حتَّى بلغنا عن رجل منهم أنَّه
قال عند موته: (أنا كافر بالربِّ الذي أماتني)، والعياذ بالله تعالى.
قال صفوان: هذا تصديق الحديث، وهذا يكشف عن أنَّ أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام)
كانوا يراقبونهم فيما يقولون ويتحرَّون موارد انطباق ما يصدر منهم على الأفراد من
صفات يُثبِتونها لهم ويُخبِرون عن انطباقها.
وهذه من أوثق حالات تقوية الإيمان خصوصاً في الفترات الزمنيَّة العصيبة التي
تتعرَّض فيها العقيدة إلى ما يوجب التردُّد والشكَّ.
وما يريد أنْ يستفيده شيخ الطائفة (قدّس سرّه) من نقله للخبر أنَّ قوماً حالهم هذا
كيف يُؤمَن في نقلهم للأخبار التي تدعم عقيدتهم؟
تخريج الحديث:
قد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد من رواه أسبق من شيخ الطائفة (قدّس
سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى أحمد بن محمّد بن يحيى: يأتي ذكره على ما مرَّ.
-----------------
(٣٦٢) تفريع الراوي في متن الحديث عن صفوان بالقول: (قال صفوان: فقلت في ما بيني وبين نفسي...)، هذا يُشعِر أنَّ صفوان كان في المجلس.
٢ - أحمد بن محمّد بن يحيى: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧٠).
٣ - أبيه (محمّد بن يحيى العطَّار): تقدَّمت ترجمته في الحديث (١١).
٤ - محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٠).
٥ - صفوان بن يحيى: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢١).
٦ - إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد: طبقته في الحديث الخامسة(٣٦٣)، وبناءً على كونه
معمَّراً يكون من السادسة أيضاً بل وغيرها.
وجوه توثيقه عديدة، منها: كونه صاحب أصل، رواية أصحاب الإجماع عنه كصفوان بن يحيى،
من رواة (كامل الزيارات)، توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، ثناء الإمام الرضا
(عليه السلام) عليه في رسالة موجَّهة له كما صرَّح به الشيخ النجاشي (رحمه الله)،
وثَّقه الشيخ (قدّس سرّه) في (رجاله) بعد أنْ عدَّه من أصحاب الإمام الصادق والكاظم
والرضا (عليهم السلام)، روى الشيخ الكشِّي (رحمه الله) ما يدلُّ على مدحه، كثير
الرواية، رواية الأجلَّاء عنه كالحسين بن سعيد وابن محبوب.
* * *
قصَّة كذب الممطورة في نقل الأخبار:
الحديث (٧٣): وَرَوَى أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
رَبَاحٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اَلْقُرَشِيِّ - وَكَانَ
مَمْطُوراً -: أَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدِ
-----------------
(٣٦٣) وصرَّح الشيخ النجاشي (رحمه الله) بأنَّ
إبراهيم عمَّر دهراً، وهو ما ذكره الذهبي عن الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) كما يأتيك،
ونصَّ الشيخ النجاشي أنَّه روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، وللإمام
الرضا (عليه السلام) إليه رسالة، فيما عدَّه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) من أصحاب
الإمام الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام).
قال ابن حجر في لسان الميزان (ج ١/ ص ٤١/ الرقم ٨٢): (إبراهيم بن أبي البلاد، واسم
أبي البلاد يحيى بن سُلَيم الغطفاني، يُكنَّى أبا إسماعيل، ذكره الطوسي في رجال
جعفر الصادق من الشيعة، وقال: كان ثقةً فقيهاً قارياً وعمَّر دهراً طويلاً حتَّى
كاتبه عليُّ بن موسى الرضا برسالة، روى عنه ابناه يحيى ومحمّد، ومحمّد بن سهل بن
اليسع، وآخرون).
اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ(٣٦٤)؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ
مِنْهُ إِلَّا حَدِيثاً وَاحِداً. قَالَ اِبْنُ رَبَاحٍ: ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ
ذَلِكَ حَدِيثاً كَثِيراً، فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ. قَالَ
اِبْنُ رَبَاحٍ: وَسَأَلْتُ اَلْقَاسِمَ هَذَا: كَمْ سَمِعْتَ مِنْ حَنَانٍ(٣٦٥)؟
فَقَالَ: أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَوْ خَمْسَةً. قَالَ: ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ
ذَلِكَ حَدِيثاً كَثِيراً، فَرَوَاهُ عَنْهُ.
ينقل شيخ الطائفة (قدّس سرّه) عن عليِّ بن رباح ما يفيد أنَّ رجال الواقفة ممَّا لا
يُوثَق بنقلهم فيما كان نقلهم لعضد وتأييد مذهبهم، فإنَّ عليَّ بن رباح يحادث
القاسم بن إسماعيل القرشي - والذي كان ممطوراً - أنَّه أيَّ شيء سمعت من محمّد بن
أبي حمزة؟
فقال له: ما سمعت إلَّا حديثاً واحداً، ثمّ يُخرِج عنه أحاديث كثيرة، ويسأله ابن
رباح تارةً أُخرى: كم سمعت من حنان بن سدير؟
فيقول له: أربعة أو خمسة أحاديث، ثمّ يروي عنه أحاديث كثيرة، فهذا الذي يُصرِّح
بعدم سماعه إلَّا حديثاً واحداً أو بعض أحاديث ثمّ يروي الكثير منها هل يُؤمَن على
الدِّين فيما ينقله عاضداً لمذهبه؟!
قاعدة: أمثال هؤلاء لا يُوثَق في نقلهم فيما إذا كان نقلهم متَّفقاً مع ما يعتقدون.
تخريج الحديث:
قد تتبَّعنا المصادر التي روت القصَّة، فلم نجد مَنْ رواها أسبق من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) في (الغيبة).
-----------------
(٣٦٤) لم يظهر لنا مَنْ هو، لو كان التيملي أو ابن
أبي صفيَّة فالطبقة بعيدة بين القرشي وبين هذين، فلا بدَّ أنْ يكون شخصاً آخر
غيرهما، أو أنَّ القرشي يكذب على واحد منهما بقرينة نصِّ الرواية.
(٣٦٥) تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٨).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى أبي عليٍّ محمّد بن همَّام: يأتي التعرُّض له ما
بعد الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
٢ - محمّد الإسكافي بن همّام سهيل الكاتب: طبقته في الحديث التاسعة، ومن كهول
العاشرة، وجوه توثيقه عديدة، منها: كثير الحديث، من شيوخ الإجازة، توثيق الشيخ
النجاشي (رحمه الله) له، توثيق شيخ الطائفة (قدّس سرّه) له في (فهرسته) و(رجاله)،
من رواة (كامل الزيارات)، من الأجلَّاء.
٣ - عليُّ بن رباح: طبقته في الحديث التاسعة، وجوه توثيقه، منها: رواية ابن همَّام
عنه لمن يرتضي رواية الجليل عن شخص توثيقاً، وإلَّا فالرجل مجهول.
بحث في وثاقة القاسم بن إسماعيل القرشي:
٤ - القاسم بن إسماعيل القرشي: طبقته في الحديث التاسعة، وجوه توثيقه عديدة، منها:
جاء في كتاب (تعليقة على منهج المقال): (قال المحقِّق البحراني (رحمه الله): قد
يُستفاد من إكثار حميد الرواية عنه جلالته، انتهى. ويُستفاد منه أيضاً كونه معتمداً
موثوقاً، ويروي عن جعفر بن بشير، وفيه إشعار بكونه من الثقات)(٣٦٦).
ولكن روايته لكثير من الأُصول عن حميد بن زياد تجعل خبره في الحِسان.
لكن السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) لم يرتضِ كلا الوجهين، وقال ما نصُّه: (في كلا
الوجهين ما لا يخفى، فالرجل من الضعاف)(٣٦٧).
-----------------
(٣٦٦) تعليقة على منهج المقال (ص ٢٨٢ و٢٨٣).
(٣٦٧) معجم رجال الحديث (ج ١٥/ ص ١٤/ الرقم ٩٥٠٥).
وجوه تضعيفه عديدة، منها: وصف عليِّ بن رباح له أنَّه من الممطورة(٣٦٨)، قول السيِّد الخوئي (قدّس سرّه): (يظهر من الرواية أنَّ الرجل مضافاً إلى وقفه كان كاذباً، والله العالم)(٣٦٩).
* * *
رواية إهداء رأس المهدي إلى عيسى بن موسى:
الحديث (٧٤): وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ اَلرِّضَا (عليه السلام)
يَقُولُ فِي اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ: «أَلَيْسَ هُوَ اَلَّذِي يَرْوِي أَنَّ رَأْسَ
اَلمَهْدِيِّ يُهْدَى إِلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى، وَهُوَ صَاحِبُ اَلسُّفْيَانِيِّ،
وَقَالَ: إِنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) يَعُودُ إِلَى ثَمَانِيَةِ
أَشْهُرٍ، فَمَا اِسْتَبَانَ لهُمْ كَذِبُهُ؟».
شخص بمثل هذا الوضوح من الكذب وتزوير الحقائق كيف يُؤخَذ منه ويُعتمَد عليه في نقل
ما يوافق مذهبه؟!
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في عدَّة مصادر أسبق من كتاب (الغيبة)، وهي:
١ - تفسير العيَّاشي(٣٧٠).
٢ - رجال الكشِّي(٣٧١).
-----------------
(٣٦٨) مفهوم مرتبط بعلم المِلَل والنِّحَل مستقى من
قول عليِّ بن إسماعيل الميثمي عن الواقفة، على ما جاء في كتاب المقالات والفرق (ص
٩٢) ما لفظه: (وهذه الفرقة من الرافضة تُلقَّب بالممطورة، وقد غلب عليها هذا اللقب
وشاع في الناس، وكان سبب ذلك أنَّ عليَّ بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن
ناظرا بعضهم، فقال له عليُّ بن إسماعيل وقد وقع بينهم: ما أنتم من الشيعة، وإنَّما
أنتم كلاب ممطورة، أراد أنَّكم جيف أنتان، لأنَّ الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن
من الجيف، فلزمهم هذا اللَّقب، وفيه يُعرَفون اليوم...).
(٣٦٩) معجم رجال الحديث (ج ١٥/ ص ١٤/ الرقم ٩٥٠٥).
(٣٧٠) تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٣٠٣/ ح ٦٧).
(٣٧١) رجال الكشِّي (ج ٢/ ص ٧٠٦ و٧٠٧/ ح ٧٦٠).
والحديث في (رجال الكشِّي) - والسند فيه مختلف
بتمامه - مفصَّل، وقد اقتطع منه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بعض أجزاءه وقدَّم وأخَّر
فيه، وهذا من الشواهد العديدة التي ذكرناها على طريقتهم في تقطيع الأحاديث وأخذ
محلِّ الشاهد منها، وهي تظهر للممارس بجلاء، ومن المناسب مراجعة الحديث في (رجال
الكشِّي)، بل وفي (تفسير العيَّاشي)، إذ روى ما يقرب من هذا المضمون - بل ويطابقه
في بعض عباراته - عن أبي بصير لا عن أحمد بن عمر، والظاهر أنَّه يرويه إمَّا عن
الإمام الصادق أو عن الباقر (عليهما السلام)، باعتبار قوله: (عَنْ أَبِي بَصِيرٍ،
عَنْ أَحَدِهِمَا: أَنَّ رَأْسَ اَلمَهْدِيِّ يُهْدَى إِلَى مُوسَى بْنِ عِيسَى
عَلَى طَبَقٍ).
والملاحَظ تفريعاً على المقابلة الآنفة وبناءً على قبول ما رواه العيَّاشي (رحمه
الله) - والسند فيه مرسَل - في (تفسيره) يكون هذا النقل مؤيِّداً لمضمون ما نقله
شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، إلَّا أنَّه يُقال: إنَّ ما رواه العيَّاشي مكذَّب بنصِّ
الرواية عن أبي بصير، ويظهر منها أنَّ المقصود بالمهدي هو المهدي العبَّاسي، إذ
تقول الرواية: (مَاتَ هَذَا وَهَذَا...)، إلى آخر ما ذُكِرَ.
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى أحمد بن محمّد بن عيسى: يأتي التعرُّض له ما بعد
الحديث (١٠٠)، عندما نتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) في كتابه إلى
مَنْ يبدأ بهم السند.
٢ - أحمد بن محمّد بن عيسى: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٤).
٣ - سعد بن سعد بن الأحوص بن سعد بن مالك الأشعري القمِّي: طبقته في الحديث
السابعة، وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه الشيخ النجاشي (رحمه الله)، له كتاب
مبوَّب يرويه عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وكذا له مسائل، وثَّقه شيخ الطائفة
(قدّس سرّه)، نقل الكشِّي (رحمه الله) عدَّة روايات مادحة له، من رواة (كامل
الزيارات)، من رواة (تفسير القمِّي)، كثير الرواية،
رواية الأجلَّاء عنه كالبرقي وأحمد بن محمّد بن عيسى.
٤ - أحمد بن عمر: طبقته في الحديث السادسة، ويمكن عدُّه من السابعة.
مشترك بين جماعة، منهم: ابن أبي شعبة الحلبي: وقد وثَّقه الشيخ النجاشي (رحمه
الله)، بل هم أهل بيت كلُّهم ثقات(٣٧٢).
ومنهم: الحلَّال: وهو الذي يبيع الحُلَل، وهو الذي استظهرنا أنَّ الرواية عنه،
لقرينة الراوي. وجوه توثيقه عديدة، منها: وثَّقه شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، صاحب
كتاب، وله مسائل عن الإمام الرضا (عليه السلام)، رواية الأجلَّاء عنه، كسعد بن عبد
الله.
* * *
رواية أنَّ ابن أبي حمزة أراد أنْ لا يعبد
الله تعالى:
الحديث (٧٥): وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ
أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِنَانٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عِنْدَ اَلرِّضَا (عليه
السلام)، فَلَعَنَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ أَرَادَ
أَنْ لَا يُعْبَدَ اَللهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، فَأَبَى اَللهُ إِلَّا أَنْ
يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ، وَلَوْ كَرِهَ اَللَّعِينُ
اَلمُشْرِكُ»، قُلْتُ: اَلمُشْرِكُ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَاَلله وَ إِنْ رَغِمَ
أَنْفُهُ، كَذَلِكَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اَلله: ﴿يُرِيدُونَ
أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [التوبة: ٣٢]، وَقَدْ جَرَتْ
فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُطْفِئَ نُورَ اَلله».
والطعون على هذه الطائفة أكثر من أنْ تُحصى لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، فكيف يُوثَق
بروايات هؤلاء القوم وهذه أحوالهم وأقوال السلف الصالح فيهم؟
-----------------
(٣٧٢) تعرَّضنا في الدروس الاستدلاليَّة في علوم الحديث في باب التوثيقات العامَّة في التوثيق السادس الذي كان تحت عنوان التوثيقات المرتبطة بالأُسَر والبيوتات والمناطق والمُدُن إلى حال هذه الأُسرة ووجوه توثيق رجالها في الدروس (١٢٨-١٤٢).
ولولا معاندة مَنْ تعلَّق بهذه الأخبار التي ذكروها
لما كان ينبغي أنْ يُصغى إلى مَنْ يذكرها، لأنَّا قد بيَّنَّا من النصوص على الرضا
(عليه السلام) ما فيه كفاية، ويُبطِل قولهم.
ويُبطِل ذلك أيضاً ما ظهر من المعجزات على يد الرضا (عليه السلام) الدالَّة على
صحَّة إمامته، وهي مذكورة في الكُتُب، ولأجلها رجع جماعة من القول بالوقف، مثل: عبد
الرحمن بن الحجَّاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن درَّاج، وحمَّاد بن
عيسى، وغيرهم، وهؤلاء من أصحاب أبيه الذين شكُّوا فيه ثمّ رجعوا. وكذلك مَنْ كان في
عصره، مثل: أحمد بن محمّد بن أبي نصر، والحسن بن عليٍّ الوشَّاء، وغيرهم ممَّن كان
قال بالوقف، فالتزموا الحجَّة وقالوا بإمامته وإمامة مَنْ بعده من ولده.
محلُّ الشاهد الذي يريد أنْ يستشهد به شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في محلِّ البحث أنَّ
مثل ابن أبي حمزة كيف يُقبَل قوله وهو الساعي في إطفاء نور الإمامة ودفع الإمام
الرضا (عليه السلام) عنه؟
قاعدة في كثرة الطعون على الواقفة وموقف السلف
الصالح منهم:
ثمّ عقَّب شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بأنَّ الطعون على طائفة الواقفة أكثر من أنْ
تُحصى ولا نُطوِّل بها الكتاب، فكيف يُوثَق بروايات هؤلاء القوم وهذه أحوالهم
وأقوال الأئمَّة (عليهم السلام) فيهم وأقوال أعيان الطائفة وما مرَّ عليك من وصفهم،
ولولا معاندة مَنْ تعلَّق بهذه الأخبار التي تقدَّم ذكرها والتعرُّض لها في كتاب
(في نصرة الواقفة) لما ذُكِرَت هنا، ولما كان ينبغي أنْ يُصغى إلى مَنْ يذكرها،
وهذه قاعدة طوسيَّة مهمَّة، تعرَّضنا لها في الدرس (٤٠).
ووجه عدم الحاجة إلى التعرُّض أنَّ النصوص، بل والأدلَّة على إمامة الإمام الرضا
(عليه السلام) تامَّة الدلالة، ولازمها بطلان قول مَنْ يخالف مضمون هذه
الأدلَّة والنصوص، بل وإنَّ جملة من المعجزات التي
ظهرت على يد الإمام الرضا (عليه السلام) دالَّة على صحَّة إمامته، وهي مذكورة في
الكُتُب.
ولأجل هذه المعجزات وتلك الأدلَّة والنصوص رجع بعض الأصحاب ممَّن انطلت عليه الشبهة
بدواً، كعبد الرحمن بن الحجَّاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن درَّاج،
وحمَّاد بن عيسى، وغيرهم، فإنَّهم رجعوا وإنْ شكُّوا، بل وكذلك مَنْ كان في عصره
(عليه السلام) كأحمد بن أبي نصر، والحسن بن عليٍّ الوشَّاء، وغيرهم ممَّن قال
بالوقف، ولكنَّهم سرعان ما التزموا الحجَّة وقالوا بإمامة الإمام الرضا (عليه
السلام) وإمامة مَنْ بعده من ولده (عليهم السلام).
تخريج الحديث:
قد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة (قدّس
سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى محمّد بن أحمد بن يحيى: يأتي التعرُّض له ما بعد
الحديث (١٠٠)، عندما نتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) في كتابه إلى
مَنْ يبدأ بهم السند.
٢ - محمّد بن أحمد بن يحيى: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧٠).
٣ - بعض أصحابنا: تقدَّم في الحديث (١٢).
٤ - محمّد بن عيسى بن عبيد: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣).
٥ - محمّد بن سنان: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٨).
* * *
قصَّة البزنطي (رحمه الله) مع الإمام الرضا
(عليه السلام):
الحديث (٧٦): فَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
اَلحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ - وَهُوَ مِنْ آلِ مِهْرَانَ، وَكَانُوا
يَقُولُونَ بِالْوَقْفِ، وَكَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ -، فَكَاتَبَ أَبَا اَلحَسَنِ
اَلرِّضَا (عليه السلام)، وَتَعَنَّتَ فِي اَلمَسَائِلِ، فَقَالَ: كَتَبْتُ
إِلَيْهِ كِتَاباً، وَأَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي أَنِّي مَتَى دَخَلْتُ عَلَيْهِ
أَسْأَلُهُ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنَ اَلْقُرْآنِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَأَنْتَ
تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ [الزخرف: ٤٠]، وَقَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ
يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام:
١٢٥]، وَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القَصَص: ٥٦]، قَالَ أَحْمَدُ:
فَأَجَابَنِي عَنْ كِتَابِي، وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ اَلْآيَاتِ اَلَّتِي
أَضْمَرْتُهَا فِي نَفْسِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا وَلَمْ أَذْكُرْهَا فِي
كِتَابِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَ اَلجَوَابُ أُنْسِيتُ مَا كُنْتُ أَضْمَرْتُهُ،
فَقُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا مِنْ جَوَابِي؟ ثُمَّ ذَكَرْتُ أَنَّهُ مَا
أَضْمَرْتُهُ.
ودلالة الحديث أنَّ البزنطي والذي كان يقول بالوقف زماناً ما أضمر في نفسه بعد أنْ
كتب للإمام الرضا (عليه السلام) عن جملة مسائل وأنَّه يسأله عنها، وكانت عن تفسير
آيات ثلاث، فأجابه الإمام الرضا (عليه السلام) عن كتابه الذي كتبه وكتب له في آخره
الآيات التي أضمرها في نفسه ولم يسأل عنها ولم يذكرها في كتابه، فلمَّا
-----------------
(٣٧٣) (٩ و١٠/ ذي القعدة/ ١٤٤٥هـ).
وصل الكتاب إلى البزنطي نسي ما أضمره ولم يكتبه، ثمّ تذكَّر أنَّ ما ذكره الإمام
الرضا (عليه السلام) هو ما أضمره ولم يكتبه، وكان - ولأسباب نجهلها - قد تعنَّت
وتشدَّد في بادئ أمره، فكانت هذه الحادثة ممَّا أوجب رجوعه عن القول بالوقف.
شبهة الوقف عند بعض الأجلاَّء ودفعها:
إنْ قلتَ: كيف ومثل البزنطي يقف على الإمام الكاظم (عليه السلام) ولا يعتقد بإمامة
الإمام الرضا (عليه السلام)، وكذا مثل يونس بن يعقوب وجميل بن درَّاج وحمَّاد ابن
عيسى، فهؤلاء من الأعاظم ومن كبار رجال الشيعة ورواتهم؟!
ألم يسمعوا بحديث الاثني عشر وذكر الأئمَّة (عليهم السلام) بأسمائهم، وبما تقدَّم
من روايات وأدلَّة تنصُّ على الإمام الرضا (عليه السلام)؟ ألَا يوجب أنْ يكون للوقف
وجهاً من الوجوه ساغ معه القول به؟
قلتُ: والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
أوَّلاً: أنَّ وقف من يقف ابتداءً أو استمراراً وبقاءً ومهما عظم لا يضرُّ بصحَّة
العقيدة، وسيرة أصحاب الأنبياء (عليهم السلام) وأصحاب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) وما حدث بعد وفاتهم سطَّرتها الآيات القرآنيَّة والروايات المعتبرة،
فارتدادات بني إسرائيل المتكرِّرة ماثلة بين عينيك حتَّى يكاد يُخيَّل للقارئ أنْ
لم يبقَ من بني إسرائيل سوى موسى وهارون ونفر يسير معهما، والحقُّ باقٍ على ما هو
عليه، وكذا الأحداث التي أعقبت رحيل النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يبقَ
مع أمير المؤمنين (عليه السلام) سوى نفر يسير، وهكذا، فالحقُّ لا يُعرَف بالرجال،
ولا يُستوحَش منه بترك الرجال له.
ثانياً: أنَّ كون هؤلاء الأعاظم قد قالوا بالوقف لا يستدعي حقَّانيَّة الوقف،
وإنَّما كانت لديهم شبهة، فهي وإنْ كنَّا لا نعرف منشأها إلَّا أنَّ الظروف
التي كانت في ذلك الزمان وتباعد البلدان واضطراب الأحوال وغير ذلك ممَّا سطَّرته
كُتُب التأريخ وما ذُكِرَ في علم المِلَل والنِّحَل يُخفِّف من حدَّة وقفهم، خصوصاً
بعد رجوعهم عن القول به عند تبيُّن الحقِّ لهم.
على أنَّ هؤلاء الأعاظم إنَّما عرفنا عظمتهم بعد ذلك وليس قبله، فبعضهم كانوا في
أوائل حياتهم أو أواسطها، وليس من المستبعد أنْ يتزلزل المرء في بعض زوايا عقيدته
طالباً الحقَّ واليقين لطروِّ شبهة ما، فكونهم أعاظم في نظرنا لا يمنع من صدور
أفعال معيَّنة في بدايات حياتهم أو أواسطها، بل حتَّى في آخرها، وأمثلة ذلك ممَّن
هم من شيوخ الطائفة مرَّت عليك قبل قليل، وسيأتي ذكر بعض من انحرف عن الحقِّ في زمن
الغيبة الصغرى وكانت كُتُبه تملأ بيوت الشيعة، فالعصمة لأهلها.
ثالثاً: أنَّ ما يكون واضحاً عندنا ليس بالضرورة أنْ يكون واضحاً عندهم، فالوضوح
يختلف من زمان لآخر، وله أسبابه التي تُبحَث في محلِّها، وكمثال مقرِّب للفكرة:
إنَّ أصالة الاستصحاب هي من الأُصول العمليَّة المشهورة والرائج العمل بها عند
الفقهاء في هذه الأزمنة المتأخِّرة، بينما لم تكن كذلك في أوائل الغيبة الكبرى ولا
قبلها، بل ولا بعدها إلى زمان ليس بالقصير، فبداهة كون الأئمَّة (عليهم السلام)
بعدد محدَّد متسلسل إمام بعد إمام لا يمنع من الوقف عند جميع الناس، وإلَّا لما
حصل، وكذا متانة وقوَّة ووضوح أدلَّة إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) وإثبات
إمامته لا تمنع من ذلك، فقد لا تكون واضحة عند بعض الأفراد بمثل وضوحها عند آخرين
أو في زماننا أو في زمان شيخ الطائفة (قدّس سرّه).
نعم هناك بعض الأفراد ممَّن عصمهم الله تعالى وكانت الأُمور لهم منكشفة، ورغم
الإغراءات الكثيرة من قِبَل شيوخ الواقفة إلَّا أنَّهم لم يميلوا عن الحقِّ،
ودافعوا عن إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) رغم شدَّة العداء وكِبَر الإغراءات من
قِبَل الواقفة على ما مرَّ عليك في يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله).
نسأله (عزَّ وجلَّ) ألَّا يجعلنا مورداً لهذا الابتلاء العظيم، وأنْ يعصمنا ويأخذ
بيدنا إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام) على ما يريدون.
تخريج الحديث:
وقد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى جعفر بن محمّد مالك: يأتي التعرُّض له ما بعد
الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
بحث في وثاقة جعفر بن محمّد بن مالك:
٢ - جعفر بن محمّد بن مالك: طبقته في الحديث العاشرة، ويمكن عدُّه من التاسعة، وجوه
توثيقه عديدة، منها: وثَّقه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) قائلاً: (لم يروِ عنهم (عليهم
السلام)، كوفي، ثقة، ويُضعِّفه قوم)(٣٧٤)، صاحب كتب، رواية الأجلَّاء عنه كأبي
عليٍّ بن همَّام وأبي غالب الزراري (رحمهما الله) وغيرهما، من رواة (كامل
الزيارات)، من رواة (تفسير القمِّي).
وجوه تضعيفه عديدة، منها: ضعَّفه الشيخ النجاشي (رحمه الله)، وابن الغضائري (رحمه
الله) كذلك.
* قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في (المعجم) في معرض ترجمته: (وذكره النجاشي في
ترجمة أحمد بن محمّد بن يحيى أنَّه ضعَّفه ابن الوليد وابن نوح والصدوق، وحُكِيَ عن
الشيخ أيضاً تضعيفه عن أبي جعفر بن بابويه في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى)(٣٧٥).
-----------------
(٣٧٤) رجال الطوسي (ص ٤١٨/ الرقم ٦٠٣٧/٢).
(٣٧٥) معجم رجال الحديث (ج ٥/ ص ٨٨/ الرقم ٢٢٨٨).
٣ - محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٠).
٤ - محمّد بن أبي عمير: تقدَّمت ترجمته في الحديث (١٠).
٥ - أحمد بن محمّد بن أبي نصر: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٦٢).
* * *
قصَّة حبرة ابن الوشَّاء الضائعة وإخبار
الإمام الرضا (عليه السلام) بها:
الحديث (٧٧): وَكَذَلِكَ اَلحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَشَّاءُ، وَ كَانَ يَقُولُ
بِالْوَقْفِ فَرَجَعَ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى خُرَاسَانَ
فِي تِجَارَةٍ لِي، فَلَمَّا وَرَدْتُهُ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو اَلحَسَنِ اَلرِّضَا
(عليه السلام) يَطْلُبُ مِنِّي حِبَرَةً - وَكَانَتْ بَيْنَ ثِيَابِي قَدْ خَفِيَ
عَلَيَّ أَمْرُهَا -، فَقُلْتُ: مَا مَعِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَرَدَّ اَلرَّسُولَ
وَذَكَرَ عَلَامَتَهَا وَأَنَّهَا فِي سَفَطِ كَذَا، فَطَلَبْتُهَا، فَكَانَ كَمَا
قَالَ، فَبَعَثْتُ بِهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ كَتَبْتُ مَسَائِلَ أَسْأَلُهُ عَنْهَا،
فَلَمَّا وَرَدْتُ بَابَهُ خَرَجَ إِلَيَّ جَوَابُ تِلْكَ اَلمَسَائِلِ اَلَّتِي
أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ أَظْهَرْتُهَا، فَرَجَعَ عَنِ
اَلْقَوْلِ بِالْوَقْفِ إِلَى اَلْقَطْعِ عَلَى إِمَامَتِهِ.
ممَّا ينبغي الالتفات إليه: أمثال هذه الحكايات وما سيأتي ذكره في هذا الكتاب
المبارك ينبغي عدم الوقوف عند دلالتها في إثبات مضامينها والآثار المترتِّبة على
ذلك، وإنَّما لا بدَّ أنْ نلتفت إلى زاوية أُخرى قد تغيب عنَّا بسبب زحمة
انشغالاتنا، وإنَّ علاقتنا مع الإمام (عليه السلام) في زمن غيبته ليست بمعزل عن
علاقة أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) معهم، فهو موجود بيننا ورعايته الخاصَّة شاملة
لبعضنا، وكذا العامَّة لجميع المؤمنين، بل ولغيرهم، فهو إمام الأُمَّة والناس، وكم
من قضايا لو التفت إليها الإنسان سيشاهد من خلال طريقة قضاءها وإمضائها وتيسير
أُمورها أنَّ هناك يداً غيبيَّة ترعى أبنائها، فكما أنَّ رعاية الإمام لابن
الوشَّاء كانت سبباً في رجوعه إلى الحقِّ، فكذلك رعاية سيِّدنا ومولانا في كلِّ
أزمنة إمامته، ولكن رغم وجود هذه الرعاية إلَّا أنَّ بعض الأفراد لا ينتفعون
منها ولا يستثمرونها لا لعدم وجودها، بل لأنَّهم
منعوا - بسبب ما قاموا به - تأثيرَها عليهم، كما في أمثلة كثيرة مرَّت عليك، بل
وستأتي.
ثمّ إنَّ المتاجرة بهذه القضيَّة الوجدانيَّة وتسويقها على أنَّها ميزة خاصَّة
للبعض من أسوء ما يمكن أنْ يقوم به شخص ينتسب إلى الدِّين بنحو من أنحاء الانتساب،
فهذه العلاقة النقيَّة والمقدَّسة مع أهل البيت (عليهم السلام) يجب أنْ تكون بعيدة
عن أيِّ لونٍ من ألوان الاستثمار والتكسُّب على حساب الآثار المعنويَّة
والأُخرويَّة لها.
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق (قدّس سرّه)(٣٧٦)،
في موضعين بسند مختلف عن كتاب (الغيبة)، ومتن يتضمَّن تفاصيل عديدة، ويبلغ مجموع
الحديثين الضعف، بل أكثر ممَّا رواه شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، فراجع.
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى الحسن بن عليٍّ الوشَّاء: يأتي التعرُّض له ما بعد
الحديث (١٠٠)، عندما نتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) في كتابه إلى
مَنْ يبدأ بهم السند.
٢ - الحسن بن عليٍّ الوشَّاء: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٣١).
* * *
رواية: «هل يجرأ أحد أنْ يقول: ابني وليس له
ولد؟»:
الحديث (٧٨): وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ: قَالَ اِبْنُ
اَلنَّجَاشِيِّ: مَنِ اَلْإِمَامُ بَعْدَ صَاحِبِكُمْ؟ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي
اَلحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اَلْإِمَامُ بَعْدِي
اِبْنِي»، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ يَجْرَأُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ: اِبْنِي وَلَيْسَ لَهُ
وَلَدٌ؟».
-----------------
(٣٧٦) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ٢/ ص ٢٥٢ و٢٥٣/ باب ٥٥/ ح ١).
يتحدَّث البزنطي عن ابن النجاشي أنَّه سأله أنْ يسأل
الإمام الرضا (عليه السلام) عمَّن يكون إماماً بعده، فقال: «اِبْنِي»، فرجع البزنطي
وأخبر ابن النجاشي بذلك، وسياق الحديث والعطف بـ (ثمّ) يقتضي أنَّ ما ذُكِرَ بعد
ذلك وهو: «هَلْ يَجْرَأُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ: اِبْنِي وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ؟»
أنَّه من الإمام (عليه السلام)، إلَّا أنَّه يمكن أنْ يُقال: إنَّ هذا المقطع ليس
من كلامه (عليه السلام)، وإنَّما من كلام البزنطي لابن النجاشي، ومعنى ذلك أنَّ
البزنطي عندما حمل رسالة ابن النجاشي وسؤاله عمَّن يكون بعد الإمام أخبره الإمام
الرضا (عليه السلام) بالمعجزة أنَّه - ابنه مع أنَّه أي الإمام الجواد (عليه
السلام) بعدُ لم يُولَد -، وكأنَّ البزنطي يخاطب ابن النجاشي بأنَّ مَنْ يعتقد
بإمامة الرضا (عليه السلام) وأنَّه إمام منصوب من الله (عزَّ وجلَّ) يكتفي بما قاله
من أنَّ الإمام بعده هو ابنه، وإنْ لم يُولَد بعد، وهذا الحديث من البزنطي عبَّر
عنه بهذا المقطع، وهو قوله: (هَلْ يَجْرَأُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ: اِبْنِي وَلَيْسَ
لَهُ وَلَدٌ؟)، فجزم الإمام (عليه السلام) بالولد دليل على إمامته.
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث في عدَّة مصادر أسبق من (الغيبة)، منها:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٣٧٧)، باختلاف يسير.
٢ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٣٧٨).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر: يأتي التعرُّض له ما بعد
الحديث (١٠٠)، عندما نتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) في كتابه إلى
مَنْ يبدأ بهم السند.
-----------------
(٣٧٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٢٠/ باب الإشارة والنصِّ على
أبي جعفر الثاني (عليه السلام)/ ح ٥).
(٣٧٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٢٧٧).
٢ - أحمد بن محمّد بن أبي نصر: ورد في هامش النسخة
المعتمدة: (في البحار: جعفر بن محمّد بن مالك، عن ابن أبي الخطَّاب، عن البزنطي).
فأمَّا جعفر بن محمّد بن مالك، فقد تقدَّمت ترجمته في الحديث (٧٦).
وأمَّا محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب، فقد تقدَّمت ترجمته في الحديث (٢٠).
وأمَّا البزنطي، فقد تقدَّمت ترجمته في الحديث (٦٢).
٣ - ابن النجاشي، (عبد الله بن النجاشي): طبقته في الحديث الخامسة، وجوه توثيقه
عديدة، منها: أنَّه صاحب مصنَّف، توقير الإمام له وإجازة فعله، وفي رسالة الإمام
الصادق (عليه السلام) له وجه مدح إنْ تمَّ طريقها، ذكره العلَّامة وابن داود
(رحمهما الله) في القسم الأوَّل من كتابيهما.
من وجوه تضعيفه: ما نقله السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في (معجمه) في معرض ترجمته له
من تضعيف المجلسي (رحمه الله) له في (الوجيزة)، وتصحيح المجلسي لابن النجاشي.
* * *
رواية الخمس عشرة ألف مسألة:
الحديث (٧٩): وَرَوَى عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عِيسَى اَلْيَقْطِينِيِّ، قَالَ: لَـمَّا اِخْتَلَفَ اَلنَّاسُ فِي أَمْرِ
أَبِي اَلحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) جَمَعْتُ مِنْ مَسَائِلِهِ مِمَّا سُئِلَ
عَنْهُ وَ أَجَابَ عَنْهُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ.
ودلالة الحديث واضحة بيِّنة.
تخريج الحديث:
وقد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى عبد الله بن جعفر الحميري: يأتي التعرُّض له ما بعد
الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
٢ - عبد الله بن جعفر الحميري: طبقته في الحديث
الثامنة، وجوه توثيقه عديدة، منها: شيخ القمِّيِّين ووجههم، صاحب كتاب ومصنَّفات
كثيرة، منها كتاب (قرب الإسناد)، وثَّقه شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، وفي رجاله كذلك،
رواية الأجلَّاء عنه، من رواة (كامل الزيارات)، كثير الرواية.
٣ - محمّد بن عيسى اليقطيني (محمّد بن عيسى بن عبيد): تقدَّمت ترجمته في الحديث
(٣).
* * *
رواية: «من دون خراسان بدرجات»:
الحديث (٨٠): وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْأَفْطَسِ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى اَلمَأْمُونِ(٣٧٩)، فَقَرَّبَنِي وَحَيَّانِي، ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ
اَللهُ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا كَانَ أَعْلَمَهُ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِعَجَبٍ
سَأَلْتُهُ لَيْلَةً وَقَدْ بَايَعَ لَهُ اَلنَّاسُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ،
أَرَى لَكَ أَنْ تَمْضِيَ إِلَى اَلْعِرَاقِ، وَأَكُونَ خَلِيفَتَكَ بِخُرَاسَانَ،
فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «لَا لَعَمْرِي، وَلَكِنْ مِنْ دُونِ خُرَاسَانَ
بِدَرَجَاتٍ، إِنَّ لَنَا هُنَا مَكْثاً، وَلَسْتُ بِبَارِحٍ حَتَّى يَأْتِيَنِي
اَلمَوْتُ، وَمِنْهَا اَلمَحْشَرُ لَا مَحَالَةَ»، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ
فِدَاكَ، وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: «عِلْمِي بِمَكَانِي كَعِلْمِي
بِمَكَانِكَ»، قُلْتُ: وَأَيْنَ مَكَانِي أَصْلَحَكَ اَللهُ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ
بَعُدَتِ اَلشُّقَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَمُوتُ بِالمَشْرِقِ وَتَمُوتُ
بِالمَغْرِبِ»، فَقُلْتُ صَدَقْتَ،
-----------------
(٣٧٩) أبو العبَّاس عبد الله بن هارون العبَّاسي، سابع خلفاء بني العبَّاس، وُلِدَ سنة (١٧٠هـ) في الياسريَّة من العاصمة العبَّاسيَّة بغداد، وصلت إليه الخلافة بعد قتله أخيه محمّد الأمين سنة (١٩٨هـ)، اتَّخذ من مَرْو عاصمةً لدولته، عرض ولاية العهد على الإمام الرضا (عليه السلام) ليُظهِر مودَّته للعلويِّين، وحين لم يقبل (عليه السلام) بها أجبره عليها، ثمّ انتقل من مرو إلى بغداد سنة (٢٠٣هـ)، وأثناء طريقه إلى هناك أوعز باغتيال الإمام (عليه السلام)، تُوفِّي بالبدندون خارج طرسوس سنة (٢١٨هـ) وله ثمان وأربعون سنة.
وَاَللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَآلُ مُحَمَّدٍ،
فَجَهَدْتُ اَلجَهْدَ كُلَّهُ وَأَطْمَعْتُهُ فِي اَلْخِلَافَةِ وَمَا سِوَاهَا،
فَمَا أَطْمَعَنِي فِي نَفْسِهِ.
يتحدَّث نديم المأمونِ الأفطسُ في هذا الحديث - والذي بعده - أثناء منادمته للمأمون
عن أحداث سنقرأها في الحديث الآتي.
تخريج الحديث:
وقد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى محمّد بن عبد الله بن الأفطس: يأتي التعرُّض له ما
بعد الحديث (١٠٠)، عندما نتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ (قدّس سرّه) في كتابه إلى
مَنْ يبدأ بهم السند.
٢ - محمّد بن عبد الله بن الأفطس: لم يرد له ذكر في كُتُب الرجال، وهو ما يُعبَّر
عنه بـ (المهمل).
* * *
حكاية نصب الإمام الرضا (عليه السلام) علماً:
الحديث (٨١): وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلحَسَنِ اَلْأَفْطَسُ،
قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اَلمَأْمُونِ(٣٨٠) يَوْماً، وَنَحْنُ عَلَى شَرَابٍ حَتَّى
إِذَا أَخَذَ مِنْهُ اَلشَّرَابُ مَأْخَذَهُ صَرَفَ نُدَمَاءَهُ وَاِحْتَبَسَنِي،
ثُمَّ أَخْرَجَ جَوَارِيَهُ، وَضَرَبْنَ وَتَغَنَّيْنَ، فَقَالَ لِبَعْضِهِنَّ:
بِالله لَـمَّا رَثَيْتِ مَنْ بِطُوسَ قَطَناً، فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
سُقْيَا لِطُوسٍ وَمَنْ أَضْحَى بِهَا قَطَناً * * * مِنْ عِتْرَةِ اَلمُصْطَفَى أَبْقَى لَنَا حَزَناً
-----------------
(٣٨٠) تقدَّمت ترجمته في الحديث (٨٠).
أَعْنِي أَبَا حَسَنِ اَلمَأْمُونَ إِنَّ لَهُ * * * حَقًّا عَلَى كُلِّ مَنْ أَضْحَى بِهَا شَجَناً
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله: فَجَعَلَ يَبْكِي حَتَّى أَبْكَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: وَيْلَكَ يَا مُحَمَّدُ، أَيُلْزِمُنِي أَهْلُ بَيْتِي وَأَهْلُ بَيْتِكَ أَنْ أَنْصِبَ أَبَا اَلحَسَنِ عَلَماً؟ وَاَلله أَنْ لَوْ أُخْرِجْتُ مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ لَأَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي، غَيْرَ أَنَّهُ عُوجِلَ، فَلَعَنَ اَللهُ عَبْدَ اَلله وَحَمْزَةَ اِبْنَيِ اَلحَسَنِ(٣٨١)، فَإِنَّهُمَا قَتَلَاهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَلله، وَاَلله لَأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ فَاكْتُمْهُ، قُلْتُ: مَا ذَاكَ، يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لَـمَّا حَمَلَتْ زَاهِرِيَّةُ(٣٨٢) بِبَدْرٍ أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا اَلحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعَلِيَّ بْنَ اَلحُسَيْنِ، وَاَلحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهم السلام) كَانُوا يَزْجُرُونَ اَلطَّيْرَ وَلَا يُخْطِئُونَ، وَأَنْتَ وَصِيُّ اَلْقَوْمِ، وَعِنْدَكَ عِلْمُ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ، وَزَاهِرِيَّةُ حَظِيَّتِي، وَمَنْ لَا أُقَدِّمُ عَلَيْهَا أَحَداً مِنْ جَوَارِيَّ، وَقَدْ حَمَلَتْ غَيْرَ مَرَّةٍ، كُلَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ، فَهَلْ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ نَنْتَفِعُ بِهِ؟ فَقَالَ: «لَا تَخْشَ مِنْ سِقْطِهَا، فَسَتَسْلَمُ وَتَلِدُ غُلاَماً صَحِيحاً مُسْلِماً أَشْبَهَ اَلنَّاسِ بِأُمِّهِ، قَدْ زَادَهُ اَللهُ فِي خَلْقِهِ مَرْتَبَتَيْنِ، فِي يَدِهِ اَلْيُمْنَى خِنْصِرٌ، وَفِي رِجْلِهِ اَلْيُمْنَى خِنْصِرٌ»، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاَلله فُرْصَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنِ اَلْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَ خَلَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَتَوَقَّعُ أَمْرَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا اَلمَخَاضُ، فَقُلْتُ لِلْقَيِّمَةِ: إِذَا وَضَعَتْ فَجِيئِينِي بِوَلَدِهَا ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَمَا شَعُرْتُ إِلَّا بِالْقَيِّمَةِ وَقَدْ أَتَتْنِي بِالْغُلَامِ كَمَا وَصَفَهُ زَائِدَ اَلْيَدِ وَاَلرِّجْلِ، كَأَنَّهُ
-----------------
(٣٨١) قال الخطيب في تاريخه (ج ١٠/ ص ٣١٣/ الرقم
٥٤٦١): (عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العبَّاس بن عليِّ بن أبي طالب، من أهل
مدينة رسول الله [(صلّى الله عليه وآله)]، قَدِمَ بغداد غير مرَّة، وولَّاه المأمون
القضاء بالحجاز ثمّ عزله، وببغداد كانت وفاته).
ولم نجد ترجمة لحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبَّاس بن عليِّ بن أبي طالب في
كُتُب الرجال التي بأيدينا.
(٣٨٢) لم نجد لها ترجمة في كُتُب الرجال التي بأيدينا.
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ
اَلْأَمْرِ يَوْمَئِذٍ وَأُسَلِّمَ مَا فِي يَدَيَّ إِلَيْهِ، فَلَمْ تُطَاوِعْنِي
نَفْسِي، لَكِنِّي دَفَعْتُ إِلَيْهِ اَلخَاتَمَ، فَقُلْتُ: دَبِّرِ اَلْأَمْرَ،
فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنِّي خِلَافٌ، وَأَنْتَ اَلمُقَدَّمُ، وَبِالله أَنْ لَوْ
فَعَلَ لَفَعَلْتُ.
تخريج الحديث:
وقد تتبَّعنا المصادر التي روت الحديث، فلم نجد مَنْ رواه أسبق من شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى محمّد بن عبد الله بن الحسن الأفطس: يأتي التعرُّض
له ما بعد الحديث (١٠٠)، عندما نتحدَّث مفصَّلاً عن طُرُق الشيخ(قدّس سرّه) في
كتابه إلى مَنْ يبدأ بهم السند.
٢ - محمّد بن عبد الله بن الحسن الأفطس: تقدَّمت ترجمته في الحديث (٨٠).
* * *
قصَّة حبابة الوالبيَّة:
الحديث (٨٢): وَقِصَّتُهُ مَعَ حَبَابَةَ اَلْوَالِبِيَّةِ صَاحِبَةِ اَلحَصَاةِ
اَلَّتِي طَبَعَ فِيهَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَقَالَ لَهَا: «مَنْ
طَبَعَ فِيهَا فَهُوَ إِمَامٌ»، وَبَقِيَتْ إِلَى أَيَّامِ اَلرِّضَا (عليه
السلام)، فَطَبَعَ فِيهَا، وَقَدْ شَهِدَتْ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِهِ (عليهم
السلام)، وَطَبَعُوا فِيهِ، وَهُوَ (عليه السلام) آخِرُ مَنْ لَقِيَتْهُمْ،
وَمَاتَتْ بَعْدَ لِقَائِهَا إِيَّاهُ، وَكَفَّنَهَا فِي قَمِيصِهِ.
تخريج الحديث:
رُوِيَت قصَّة حبابة الوالبيَّة في عدَّة مصادر أسبق من (الغيبة)، منها: الكافي
للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٣٨٣)، باختلاف فيهما.
-----------------
(٣٨٣) الكافي (ج ١/ص ٣٤٦ و٣٤٧/باب ما يُفصَل به بين دعوى المحقِّ والمبطل في أمر الإمامة/ح ٣).
البحث السندي:
الحديث مرسَل.
قال السيِّد الخوئي (قدّس سرّه) في معرض حديثه عن حبابة الوالبيَّة: (عدَّها الشيخ
في رجاله تارةً في أصحاب الحسن (عليه السلام)، وأُخرى في أصحاب الباقر (عليه
السلام)، وعدَّها البرقي ممَّن روى عن أمير المؤمنين، وعن أبي جعفر (عليهما
السلام)، وقال الشيخ (قدّس سرّه): وقصَّته مع حبابة الوالبيَّة...
روى محمّد بن يعقوب بإسناده عَنْ عَبْدِ اَلْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو اَلْخَثْعَمِيِّ،
عَنْ حَبَابَةَ اَلْوَالِبِيَّةِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه
السلام) فِي شُرْطَةِ اَلْخَمِيسِ...، إلى أنْ قالت: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ
اَلمُؤْمِنِينَ، مَا دَلَالَةُ اَلْإِمَامَةِ يَرْحَمُكَ اَللهُ؟ قَالَتْ: فَقَالَ:
«اِئْتِينِي بِتِلْكِ اَلْحَصَاةِ»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَصَاةٍ،
فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَطَبَعَ لِي فِيهَا بِخَاتَمِهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا
حَبَابَةُ، إِذَا اِدَّعَى مُدَّعٍ اَلْإِمَامَةَ فَقَدَرَ أَنْ يَطْبَعَ كَمَا
رَأَيْتِ، فَاعْلَمِي أَنَّهُ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ اَلطَّاعَةِ، وَاَلْإِمَامُ لَا
يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ»، قَالَتْ: ثُمَّ اِنْصَرَفْتُ حَتَّى قُبِضَ
أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)...، إلى أنْ قالت: ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ
بْنَ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَقَدْ بَلَغَ بِيَ اَلْكِبَرُ إِلَى أَنْ
أُرْعِشْتُ، وَأَنَا أَعُدُّ يَوْمَئِذٍ مِائَةً وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً،
فَرَأَيْتُهُ رَاكِعاً وَسَاجِداً وَمَشْغُولاً بِالْعِبَادَةِ، فَيَئِسْتُ مِنَ
اَلدَّلَالَةِ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِالسَّبَّابَةِ، فَعَادَ إِلَيَّ شَبَابِي،
قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، كَمْ مَضَى مِنَ اَلدُّنْيَا، وَكَمْ بَقِيَ؟
فَقَالَ: «أَمَّا مَا مَضَى فَنَعَمْ، وَأَمَّا مَا بَقِيَ فَلَا»، قَالَتْ: ثُمَّ
قَالَ لِي: «هَاتِي مَا مَعَكِ»، فَأَعْطَيْتُهُ اَلْحَصَاةَ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا،
ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَطَبَعَ لِي فِيهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ
أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) فَطَبَعَ لِي فِيهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا
اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) فَطَبَعَ لِي فِيهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ اَلرِّضَا
(عليه السلام) فَطَبَعَ لِي فِيهَا. وَعَاشَتْ حَبَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تِسْعَةَ
أَشْهُرٍ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ اِبْنُ هِشَامٍ. الكافي: الجزء ١، كتاب فضل
العلم ٢، باب ما يُفصَل به بين دعوى المحقِّ والمبطل ٨١، الحديث ٣.
وروت عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وروى عنها ثابت الثمالي، الفقيه: الجزء ٤، باب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب، الحديث ٨٩٨)(٣٨٤).
* * *
قصَّة أُمِّ غانم الأعرابيَّة:
الحديث (٨٣): وَكَذَلِكَ قِصَّتُهُ مَعَ أُمِّ غَانِمٍ اَلْأَعْرَابِيَّةِ
صَاحِبَةِ اَلحَصَاةِ أَيْضاً اَلَّتِي طَبَعَ فِيهَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه
السلام)، وَطَبَعَ بَعْدَهُ سَائِرُ اَلْأَئِمَّةِ إِلَى زَمَانِ أَبِي مُحَمَّدٍ
اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام).
فلو لم يكن لمولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام) والأئمَّة من ولده (عليهم
السلام)، غير هاتين الدلالتين في نصِّه من أمير المؤمنين على إمامتهم لكان في ذلك
كفاية لمن أنصف من نفسه.
تخريج الحديث:
رُوِيَت قصَّة أُمِّ غانم في عدَّة مصادر أسبق من (الغيبة)، منها: الكافي للشيخ
الكليني (رضي الله عنه)(٣٨٥).
البحث السندي:
الحديث مرسَل.
وأُمُّ غانم الأعرابيَّة هي صاحبة الحصاة اليمانيَّة التي طبع فيها أمير
المؤمنين (عليه السلام) وبعده سائر الأئمَّة إلى زمان أبي محمّد العسكري (عليهم
السلام)، فطبع فيها العسكري (عليه السلام) فانطبع فيها بكتابة تُقرَأ: (الحسن بن
عليٍّ)، وكانت عند أحفادها إلى زمان العسكري (عليه السلام)، وهي غير أُمِّ أسلم
وحبابة.
* * *
-----------------
(٣٨٤) معجم رجال الحديث (ج ٢٤/ ص ٢١١ - ٢١٣/ الرقم ١٥٦٣٦).
(٣٨٥) الكافي (ج ١/ص ٣٤٧/باب ما يُفصَل به بين دعوى المحقِّ والمبطل في أمر الإمامة/ح ٤).
دليل الملازمة:
يتحدَّث شيخ الطائفة (قدّس سرّه) عن عدَّة إشكالات وفنقلات على لسان الخصم ممَّن
يُنكِر إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)، وبالتالي يُفرِّع عليها إنكار إمامة
الإمام الحجَّة ابن الحسن (عجَّل الله فرجه) وغيبته، والإشكال الأوَّل الذي يثيره
على لسان الخصم أنَّنا نُسلِّم لكم أيُّها الإماميَّة بالعلم بموت الإمام موسى بن
جعفر، ولكن في ذات الوقت نحن نعلم أنَّه لم يكن له ولد، فتسليمنا بموته لا ينفعكم
في إثبات إمامة مَنْ تعتقدون بعده، فإنَّ متعلَّق العلم موت الإمام الكاظم (عليه
السلام) وعدم وجود ولد له بلا تفكيك بينهما، وعلمنا بعدم الولد كعلمنا وعلمكم
بأنَّه لم يكن له عشرة أولاد وبنين، وهو مساوق لعلمنا بأنَّ النبيَّ (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) لم يكن له ولد من صلبه بقي حيًّا بعد موته، وإذا وقع خلاف في
أحدهما يقع في الآخر، وإذا لم يقع في أحدهما لا يقع في الآخر، وحيث إنَّكم تُثبِتون
بمقتضى ما تقدَّم من أدلَّة موت الإمام الكاظم (عليه السلام) فلا بدَّ أنْ تُثبِتوا
وتنتهوا إلى عدم وجود ولد له.
وهذا له نظائر كثيرة، كعلمنا بموت محمّد بن الحنفية والإمام جعفر بن محمّد والإمام
محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهم السلام)، ولا يقع خلاف في واحدٍ من هذه القضايا،
لأنَّ وقوع الخلاف في واحدٍ منها يوجب وقوع الخلاف في غيرها.
هذا هو محصَّل إشكال من استشكل، وظاهره أنَّه يستدلُّ بالملازمة بين العلم بالموت
وفرض عدم وجود ولد للإمام الكاظم (عليه السلام)، ولا تفكيك بينهما.
-----------------
(٣٨٦) (١٦/ذي القعدة/١٤٤٥هـ).
ردُّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) لدليل الملازمة:
نُسلِّم لكم أنَّ العلم بموته يلازم العلم بعدم وجود ولد له إذا كان هناك علم بعدم
وجود الولد، أمَّا إذا لم يكن لدينا العلم بعدم وجود الولد فلا يمكن لنا أنْ ننتقل
من عدم العلم بوجود الولد إلى العلم بعدم وجود الولد، الفارق بينهما كبير جدًّا،
فنُفصِّل بين أنْ تكون الملازمة مبنيَّة على الانتقال من العلم بالموت إلى نفى
الولد في ما إذا كان حدُّها الأوسط العلم، وهو صحيح، ولكنَّنا لا نُسلِّم وجود
العلم في محلِّ كلامنا، بل أقصى ما يمكن ادِّعاؤه هو عدم العلم به، وعدم العلم
بالشيء لا يساوق العلم بعدمه.
ولا يمكن لأحدٍ أنْ يدَّعي لمجرَّد عدم علمه بوجود ولد لشخص ولم يرَه أنَّه يعلم
بعدم وجوده، وينفي ولادته وانتسابه إليه.
ووجوه إخفاء الولد وعدم إظهاره من جهات عديدة تأتي في العنوان التالي.
وجوه عقلائيَّة لإخفاء الولد:
الشاهد الأوَّل: فعل الملوك:
أنَّ الملوك يعمدون إلى إخفاء أولادهم خوفاً عليهم، وقد وُجِدَ في أخبارهم الكثير
من هذه الحوادث.ن
الشاهد الثاني: الناس العاديِّين:
أنَّ الناس يخفون أولادهم إذا كان الواحد منهم قد تسرَّى(٣٨٧) بامرأة أو
-----------------
(٣٨٧) في موسوعة الفقه الإسلامي المقارن (ج ٥/ ص
١١٠): (التسرِّي لغةً: اتِّخاذ السرِّيَّة، يُقال: تسرَّى الرجل جاريته، وتسرَّى
بها واستسرَّها إذا اتَّخذها سرِّيَّة، وهي الأَمَة المملوكة يتَّخذها سيِّدها
للجماع، وهي في الأصل منسوبة إلى السرِّ بمعنى الجماع...، وقيل: هي من السرِّ بمعنى
الإخفاء، لأنَّ الرجال كثيراً ما كانوا يتَّخذون السراري سرًّا، ويخفونهنَّ عن
زوجاتهم الحرائر، وقيل: هي من السُّرِّ بمعنى السرور، وسُمّيت الجارية سُريَّة
لأنَّها موضع سرور الرجل، ولأنَّه يجعلها في حال تسُرُّها من دون سائر جواريه).
وفي كشف اللثام (ج ٩/ ص ٥٦): (والتسرِّي أصله التسرُّر، وهو اتِّخاذ السريَّة وهي
الأَمَة المتَّخذة للوطئ، من السرِّ، لاخفائها بالتحذير أو عن الزوجة، أو السرُّ هو
الجماع، أو السرور لأنَّه يسرُّ بها أو تسرُّ به، وقيل: من السرا وهو الظهر،
لأنَّها مركوبة).
تزوَّج سرًّا، خوفاً من وقوع الخصومة مع زوجته وأولاده، فيعمد إلى إخفاء ولده
ممَّن تسرَّى بها أو تزوَّجها سرًّا، وهو كثير في عادة الناس.
الشاهد الثالث: دنيَّة النَّسَب:
إنَّ عادة الناس قائمة على إخفاء الولد من الزوجة الدنيَّة النَّسَب والشرف، إذا
كان المتزوِّج بها من ذوي المنازل العالية، حيث يأنفون في تلك الأزمنة من إلحاق
الولد من ذات المنزلة الدنيَّة بذي الشرف والمنزلة العالية، فيعمدون إلى إخفاءه، بل
قد يجحدونه أصلاً.
الشاهد الرابع: التحرُّج:
وفي الناس مَنْ يتحرَّج لسبب أو آخر من إلحاق الولد به فيُعطيه شيئاً من المال ولا
يلحقه ويخفيه.
الشاهد الخامس: علوُّ النَّسَب:
وفي الناس مَنْ لا يلحق به ولده لأنَّه دنِّي النَّسَب وقد تزوَّج بامرأة ذات منزلة
وشريفة النَّسَب لهواها به، وتزوَّجته بغير علم أهلها، أو أنَّه تزوَّجها بغير إذن
وليِّه، وله وجه يجوز على بعض مذاهب الفقهاء، أو أنَّ الحاكم الشرعي زوَّجهما على
ظاهر الحال، وحاله ضعف نَسَبه، فلا يلحقون الولد به ويخفونه خوفاً من الأولياء أو
غير ذلك، بل والأسباب التي تدعو لإخفاء الولد مع وجوده كثيرة، تُطلَب من محلِّها،
وقد ذكرت كُتُب التأريخ للمِلَل والشعوب الكثير من القَصَص والحكايات عن إخفاء
الأولاد لأسباب ودواعي مختلفة، وعلى هذا فلا يمكن ادِّعاء نفي الولد من جهة عدم
العلم به، وينحصر النفي فيما
إذا توفَّر العلم بعدم ولادته، وعلمنا بعدم بقاء ابنٍ للنبيِّ (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) بعده فقد علمناه من جهات أُخرى ومن قرائن منفصلة، فمن جهة عصمته
ونبوَّته لو كان له ولد لأظهره وأبانه للناس، لعدم توفُّر داعٍ يدعوه لإخفائه فيما
نعلم، فلو كان له ثَمَّة ولد لأظهره، وأيضاً من جهة إجماع الأُمَّة الذي هو حجَّة
على أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن له ولد.
وهذا لا يمكن ادِّعائه في الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي كان شبه المحجوز
والمحبوس والذي كانت عليه إقامة جبريَّة، بل على ما قيل هو في ثكنة عسكريَّة مُنِعَ
عنه الاتِّصال بشيعته ومواليه، لأنَّه قد توفَّرت الدواعي لديه لإخفاء ولده على ما
يأتي في العنوان التالي.
ووجه الاستشهاد بما ذكره (قدّس سرّه) أنَّ العقلاء لهم أغراض تُلجئهم للإخفاء بمعزل
عن عالم الغيب، فكيف بسادة العقلاء (عليهم السلام) وهم المعلَّمون من قِبَل الله
تعالى بما في الغيب.
الشواهد والدواعي لإخفاء الإمام الحسن العسكري
(عليه السلام) لولده:
ذكر شيخ الطائفة (قدّس سرّه) عدَّة شواهد ودواعي كانت وراء إخفاء الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام) لولده الحجَّة (عليه السلام)، وسيأتي التعرُّض له منه (قدّس
سرّه) في بحثٍ مستقلٍّ يتناول فيه أسباب الغيبة وهي عديدة، ولكن حيث إنَّه في مقام
دفع هذا الإشكال ذكر الدواعي الآتية بما يناسب ودفع الإشكال، وهي التالية:
الشاهد الأوَّل: الخوف على الإمام الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) من جهة علم
المخالفين والسلطة أنَّ انتشار مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وحقَّانيَّته قائمة
على أساس الاعتقاد بالأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، وأنَّ الثاني عشر منهم هو
القائم المؤمَّل (عجَّل الله فرجه).
الشاهد الثاني: أنَّهم علموا أنَّ الحجَّة (عجَّل الله فرجه) هو المأمول لإزالة
الدول، فهو مطلوب لا محالة.
الشاهد الثالث: الخوف عليه (عجَّل الله فرجه) من أهله كجعفر، الذي طمع في الميراث
والأموال.
فهذه الوجوه وما سيأتي كانت وراء إخفائه، وأوقعت الشبهة في ولادته، وفي مثل هكذا
شخص لا يمكن ادِّعاء العلم بعدم ولادته، بل أقصى ما يُدَّعى عدم العلم به، والفرق
بينهما بيِّن.
ونظير ذلك ما يقوله الفقهاء في الأحكام الشرعيَّة من أنَّ البيِّنة إنَّما تقوم على
إثبات الحقوق لا على نفيها، لأنَّ النفي لا يستقيم بالبيِّنة، إلَّا إذا فُرِضَ
وجود إثبات فيصحُّ تقديم البيِّنة، وبهذا يتبيَّن الفرق بين الأمرين، نعم سيأتي
أنَّ الإمام العسكري (عليه السلام) لأجل ألَّا يعظم أمر شبهة خفاء ولده أراه لجملة
من أصحابه، كي يستسيغ - الشيعة - تلقِّي الخفاء دون عظيم الشبهة.
تطبيق العبارة:
(فإنْ قيل: قد مضى في كلامكم) أي كلام الإماميَّة الاثنا عشريَّة: (أنَّا نعلم موت
موسى بن جعفر (عليهما السلام) كما نعلم موت أبيه وجده (عليهما السلام)، فـ)يرد
(عليكم) أنَّه (لقائل أنْ يقول: إنَّا نعلم أنَّه لم يكن للحسن بن عليٍّ ابن كما
نعلم أنَّه لم يكن له عشرة بنين، وكما نعلم أنَّه لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) ابن لصلبه عاش بعد موته)، فهذه نقوض على من يُنكِر قولنا بالولد.
(فإنْ قلتم: لو علمنا أحدهما) أي أنَّه ليس له ولد (كما نعلم الآخر) أي موته (لما
جاز أنْ يقع فيه) أي الآخر - وهو ليس له ولد - (خلاف) أي كما لم يقع في الأوَّل
خلاف لا يقع في الثاني خلاف، (كما لا يجوز أنْ يقع الخلاف في الآخر) أي في موته.
ثمّ يستمرُّ (قدّس سرّه) في سرد إشكالهم، وهو بعدُ إلى الآن لم يتطرَّق إلى الجواب،
وهذا فنّيًّا مخلٌّ، وكان الأولى أنْ ينقل قولهم الأوَّل ثمّ يُجيب عليه، ثمّ ينقل
القول الثاني ويُجيب عليه، ثمّ ينقل الثالث ويُجيب عليه، لا أنْ يذكر العبارة
بالكيفيَّة التي صاغها.
فقوله (قدّس سرّه): (قيل: لمخالفكم أنْ يقول): أي أيُّها المستشكلون علينا (ولو
علمنا موت محمّد بن الحنفيَّة، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر (عليهم السلام) كما
نعلم موت محمّد بن عليِّ بن الحسين (عليه السلام) لما وقع الخلاف في أحدهما كما لم
يجز أنْ يقع في الآخر)، هذا أيضاً أشبه بقولهم السابق.
(قلنا: نفي ولادة الأولاد من الباب الذي لا يصحُّ أنْ يُعلَم صدوره في موضع من
المواضع) إلَّا بدلالة خاصَّة، (ولا يمكن) لأحدٍ (أحداً(٣٨٨) أنْ يدَّعي فيمن لم
يظهر له ولد أنْ يعلم أنَّه لا ولد له)، أي إنَّ نفي الولد لا يصحُّ إلَّا بالعلم
بعدمه، وليس بعدم العلم به، إذ عدم العلم بالولد لا يساوق عدم وجوده، إذ قد يكون له
ولد ولا يُعلَم به.
هذا، (وإنَّما يُرجَع في ذلك) أي في إثبات الولادة (إلى غالب الظنِّ والأمارة) أي
(بأنَّه) للشأن (لو كان له) أي للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بحسب الفرض (ولد
لظهر وعُرِفَ خبره)، وحيث لم يُعرَف فنفاه النافون، ولكنَّه لغير حجَّة، (لأنَّ
العقلاء قد تدعوهم الدواعي إلى كتمان أولادهم لأغراض مختلفة)، وهي:
أوَّلاً: فعل الملوك: (فمن الملوك مَنْ يخفيه) أي ولده (خوفاً عليه وإشفاقاً، وقد
وُجِدَ من ذلك كثير في عادة الأكاسرة والملوك الأُوَل، وأخبارهم معروفة.
-----------------
(٣٨٨) هكذا العبارة في ستِّ نُسَخ خطّيَّة راجعناها، ولم يُشِر أحد من المحقِّقين لوجود خلل فيها، ولعلَّ في ذهنهم أو القارئ شيئاً يُصحِّح ذلك، إلَّا أنَّ العبارة لم نجد لها ما يجعلها مستقيمة من وجه، فاقتضى التنبيه.
ثانياً: الناس العاديِّين: (وفي الناس مَنْ يُولَد له ولد من بعض سراياه أو ممَّن
تزوَّج بها سرًّا، فيرمي به) أي بالولد، (ويجحده خوفاً من وقوع الخصومة مع زوجته
وأولاده الباقين، وذلك أيضاً يوجد كثيراً في العادة.
ثالثاً: دنيَّة النَّسَب: (وفي الناس مَنْ يتزوَّج بامرأة دنيَّة في المنزلة
والشرف، وهو) المتزوِّج (من ذوي الأقدار والمنازل، فيُولَد له) ولد، (فيأنف من
إلحاقه به) أي الولد، (فيجحده أصلاً).
رابعاً: التحرُّج: (وفيهم مَنْ يتحرَّج، فيُعطيه) أي للولد (شيئاً من ماله) ويكتم
أمره.
خامساً: شرف النَّسَب: (وفي الناس مَنْ يكون من أدونهم نَسَباً، فيتزوَّج بامرأة
ذات شرف ومنزلة لهوى منها فيه بغير علم من أهلها، إمَّا بأنْ تُزوِّجه(٣٨٩) نفسها
بغير وليٍّ على مذهب كثير من الفقهاء(٣٩٠)، أو تُولِّي أمرها الحاكم فيُزوِّجها على
ظاهر الحال(٣٩١)، فيولد له) هذا الأدون النَّسَب، (فيكون الولد صحيحاً(٣٩٢)، و) على
هذا (تنتفي منه أنفةً وخوفاً من أوليائها وأهلها)، بل (وغير ذلك من الأسباب التي لا
نُطوِّل بذكرها الكتاب).
وعليه، (فلا يمكن ادِّعاء نفي الولادة جملةً) إذا لم نعلم به أو نشاهده،
-----------------
(٣٨٩) وفي النسخة التي اعتمدنا عليها: (يُزوِّجه)،
وما أثبتناه هو الصحيح الموجود في إحدى نُسَخ (مكتبة قدس رضوي).
(٣٩٠) جاء في كتاب فقه السُّنَّة (ج ٢/ ص ١٢٨): (ويرى أبو حنيفة وأبو يوسف أنَّ
المرأة العاقلة البالغة لها الحقُّ في مباشرة العقد لنفسها، بكراً كانت أو ثيِّباً،
ويُستحَبُّ لها أنْ تكل عقد زواجها لوليِّها).
(٣٩١) ومعنى ظاهر الحال أنَّ الحاكم هو الذي يباشر تزويجها إذا تبيَّن له أنَّها
خليَّة ولا وليَّ لها، على مَنْ يشترط على الخليَّة إذن وليِّها، دون مَنْ لا يشترط
إذن الوليِّ، على ما مرَّ في الهامش السابق.
(٣٩٢) أي إنَّ كون الولد بنكاح صحيح، وينتسب إلى أبيه صحيحاً.
(وإنَّما نعلم ما نعلمه) أي إنَّه لا يوجد ولم يُولَد (إذا كانت الأحوال سليمة)،
وحيث إنَّها في الصاحب (عجَّل الله فرجه) ليست كذلك والمانع متوفِّر من الخوف عليه
وغيره من أسباب الغيبة الآتية، فلا وجه لادِّعاء العلم بالعدم، بل (ونعلم أنَّه)
يوجد المانع، لا في مثل فرض أنْ نعلم أنَّه (لا مانع من ذلك، فحينئذٍ نعلم
انتفاءه)، هذا كلُّه في الشقِّ الأوَّل.
(فأمَّا) الشق الثاني (علمنا بأنَّه) للشأن (لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) ابن عاش بعده، فإنَّما علمناه) أي إنَّه ليس له ابن عاش بعده (لما علمنا
عصمته ونبوَّته) حيث يترتَّب عليها أنْ لو كان له ولد لأخبر به، (و) أنْ (لو كان له
ولد لأظهره)، ووجه إظهاره (لأنَّه لا مخافة عليه في إظهاره، و) لأجل (علمنا أيضاً
بإجماع الأُمَّة على أنَّه) للشأن (لم يكن له ابن عاش بعده) أي بعد النبيِّ (صلّى
الله عليه وآله وسلّم).
(ومثل ذلك لا يمكن أنْ يُدَّعى العلم به في ابن الحسن (عليه السلام)، لأنَّ
الحسن (عليه السلام) كان كالمحجور عليه) أي في إقامة جبريَّة عسكريَّة، (وفي حكم
المحبوس)، بل (وكان الولد يُخاف عليه)، ووجه الخوف عليه (لما عُلِمَ وانتشر من
مذهبهم) أي الشيعة (أنَّ الثاني عشر هو القائم بالأمر المؤمَّل لإزالة الدول، فهو)
الـ(مطلوب لا محالة).
هذا، (وخاف) أي الإمام العسكري (عليه السلام) (أيضاً من أهله كجعفر أخيه الذي طمع
في الميراث والأموال، فلذلك أخفاه ووقعت الشبهة في ولادته) على ما يأتي مفصَّلاً في
بحث الولادة.
(ومثل ذلك لا يمكن ادِّعاء العلم به) أي بموته (في موت مَنْ عُلِمَ موته، لأنَّ
الميِّت مشاهَد معلوم يُعرَف بشاهد الحال موته، وبالأمارات الدالَّة عليه يضطرُّ
مَنْ رآه إلى ذلك) أي إلى القطع بالعلم بموته، (فإذا أخبر) أي المشاهِد للميِّت
(مَنْ لم يشاهده علمه) أي المخبَر (واضطرَّ إليه وجرى الفرق بين الموضعين).
وهذا الكلام (مثل ما يقول الفقهاء في الأحكام الشرعيَّة من أنَّ البيِّنة إنَّما يمكن أنْ تقوم على إثبات الحقوق لا على نفيها(٣٩٣)، لأنَّ النفي لا يقوم عليه بيِّنة إلَّا إذا كان تحته إثبات، فبان الفرق بين الموضعين لذلك).
* * *
-----------------
(٣٩٣) القاعدة في باب القضاء أنَّ البيِّنة تقوم على إثبات الحقِّ فيُؤخَذ بها، أمَّا أنَّها تقوم على نفيه ففيه كلام.
إشكاليَّة تسوية العادة بين الموضعين من قِبَل
المستشكل:
فإنْ قيل على لسان المستشكل: إنَّ الأمر سيَّان وعلى حدٍّ سواء بحسب مقتضى العادة
بين الموت وخفاء الولادة، فالعادة قاضية بحسب الشواهد أنَّ الموردين على حدٍّ سواء،
فكيف تقولون بالفارق بينهما؟
ففي حالات الموت قد يُشاهَد الرجل المريض والناس يتردَّدون إليه ثمّ يشتدُّ به
المرض ثمّ تُسمَع الواعية في داره، فيجلس أهله للعزاء، وتبدو عليهم آثار الحزن
والجزع، ويُقسَم ميراثه، وتمرُّ الأيَّام والسنوات ولا يُرى شخصه بين الناس، ولا
يذكره ذاكر إلَّا ويترحَّم عليه.
وهكذا سبيل الولادة، فإذا كانت امرأة من حرم الرجال لا يخاف من حملها، ولا يتردَّد
في إظهار مولودها أظهره للناس عند ولادته، وهنَّأه الناس به، وأعلمهم من خلال
أمارات وعلامات عديدة على ولادة مولوده في ما لو لم يكن له غرض في إخفاءه.
والعكس بالعكس، فقد جرت العادة أنَّ بعض الأشخاص يمرض ويتردَّد إليه عُوَّاده، فإذا
اشتدَّ به الحال وتوقَّعوا موته ويئسوا من حياته نقله الله إلى قُلَّة جبل، وأبدله
بشخص آخر يشبهه، فأحيا المريض وأمات الشبيه، ثمّ يُدفَن الشخص الشبيه ويحضر الناس
جنازته فيما تنعَّم المريض المشبَّه به بالصحَّة
-----------------
(٣٩٤) (١٧/ذي القعدة/١٤٤٥هـ).
والسلامة، وقد يسكن نبض الإنسان وتنفُّسه باختلاف الحالات ويُظَنُّ موته لأسباب
وعِلَل عديدة ذكرها صاحب الإشكال مبنيَّة على الطبِّ القديم سيأتي ذكرها في
التطبيق، ولا غرض من ذكرها في الشرح.
وهكذا الحال في أمر الولادة فقد يمنع ويشغل الناس عن ولادة مولود لأسباب عديدة توجب
أن لا يطَّلع على الولادة شخص من غير أهل المولود، بل من أقرب المقرَّبين عليه،
فالأمر سيَّان في الاثنين معاً، فكيف تقولون بالفارق بينهما؟
هذا إشكال المستشكل به، وقد أطال بسرده شيخ الطائفة (قدّس سرّه) على خلاف عادته،
وربَّما قد يُقال: إنَّ عادته في كتاب (الغيبة) تخالف عادته في كُتُبه الكلاميَّة
الأُخرى التي تمتاز بنوعٍ خاصٍّ من السبك يظهر لمراجعها، ولعلَّ - والله العالم -
أنَّ جوَّ مدرسة بغداد يقتضي نحواً من السبك الخاصِّ بخلاف جوِّ مدرسة النجف في
أوائل تأسيس شيخ الطائفة (قدّس سرّه) لمدرستها، هذا إذا قلنا: إنَّ شيخ الطائفة
(قدّس سرّه) قد بيَّض كتابه (الغيبة) وأملاه على بعض تلامذته في مدرستها العظيمة.
والجواب عن هذا الإشكال:
أوَّلاً(٣٩٥): أنَّه لا يصير الكلام عن الغيبة إلى مثل هذه الخرافات إلَّا من قِبَل
مفلس من الحجَّة غير متمكِّن من الكلام عليها، فعند ذلك يلتجأ إلى مثل هذه
التمويهات والتذليقات.
ثمّ قال (قدّس سرّه): ونحن نتكلَّم على ذلك فنقول: إنَّ ما ذكره من التنظير ليس
-----------------
(٣٩٥) ذكر شيخ الطائفة (قدّس سرّه) الجواب على الإشكاليَّة المتقدِّمة ورقَّمه بـ (أوَّلاً)، ولم نجد لهذا الأوَّل ثانٍ، ولعلَّ ذلك من خطأ النُّسَّاخ.
على كلِّ حالٍ ووجهٍ، وليس الأمر على إطلاقه الذي ذكره، لأنَّه قد يتَّفق أنَّ
للإخفاء غرضاً حكميًّا، بل قد يكون إظهار المرض لا واقعاً وإنَّما هو تمارض لاختبار
حال مَنْ يطيعه ويسمع أمره، وهذا حال كثير من الملوك، وقد يدخل عليهم شبه سكتة
فيُظهِرون ذلك لرعيَّتهم، ثمّ ينكشف بطلان ذلك كلِّه، وهذا جارٍ في عادات الناس،
وهذا لا يُؤثِّر على ما هو المعلوم بالمشاهدة من موت الناس وأسباب معرفة الموت،
وحال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ظاهر، وقد ظهر أمره للخلق الكثير الذين لا
يجوز مع كثرتهم انطلاق الشبهة على مثلهم فيما لو كان أمر موته ليس بحقيقي.
وقول القائل: أنْ يُغيِّب الله (عزَّ وجلَّ) الشخص ويُبدِله بآخر هذا ليس بصحيح من
أصله، لأنَّه يُؤدِّي إلى الشكِّ في المشاهدات، ويسري إلى الشكِّ في موت مَنْ مات،
وهو من مذاهب الغلاة والمفوِّضة، من قبيل مَنْ نفى قتل أمير المؤمنين والحسين
(عليهما السلام)، وما انتهى إلى ذلك فهو باطل.
ثمّ إنَّ ما قاله من أمر الطبِّ وتنظيره بحالات ما يعتري البدن من دخول الهواء
البارد وسكون النبض والأبخرة المحترقة وما شاكل فإنَّه ضرب من هوس الطبِّ، ويُؤدِّي
إلى الشكِّ في جميع الأموات، وقانون الطبِّ معلوم معروف لأهله، ويعرفون مَنْ يموت
وممَّن يشتبه حاله، وعندهم أمارات تمييز ذلك، وليس بموقوف على التنفُّس فقط،
ويلجأون إلى النبض عند انقطاع النفس أو ضعفه، فيبطل ما قاله.
وأمَّا ما قاله في الحمل والولادة، فالأمر صحيح من أنَّه قد يكون لرجل نبيه من أهله
حمل، فتارةً يمنع المانع من إظهاره فلا يُظهِره ويكتمه، وتارةً لا يمنع من ذلك
فيُظهِره ويقيم الشواهد على ولادة مولوده، وثبوت ذلك معلوم لدى عامَّة الناس من قول
القابلة أو غير ذلك من الأمارات، فولادة الإمام (عجَّل الله فرجه) على
ما سيأتي من قول القابلة وذكر مَنْ شاهده والأخبار الدالَّة على ذلك لا يصمد
أمامها شبهة مشبِّه أو تمويه مموِّه أو خرافة مفلِّس.
وقد أجاز صاحب الإشكال أنْ يعرض عارض تقتضيه المصلحة أنْ ينقل الولد إلى قُلَّة جبل
أو موضع يُخفى فيه أمره ولا يطَّلع عليه أحد، وهذا نُجيزه بما دلَّ عليه الدليل على
ما يأتي من تفصيل، فبان الفرق من الموضعين، وانتفى الإشكال، بل الشبهة.
وحيث إنَّ عبارة شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في هذا الموضع واضحة ولا تحتاج إلى بيان
فننقلها بنصِّها من غير توضيح أو بيان.
(فإنْ قيل: العادة تُسوِّي بين الموضعين، لأنَّ الموت قد يشاهد الرجل(٣٩٦) يحتضر
كما تشاهد القوابل الولادة، وليس كلُّ أحدٍ يشاهد احتضار غيره، كما أنَّه ليس كلُّ
أحدٍ يشاهد ولادة غيره، ولكنَّ أظهر ما يمكن في علم الإنسان بموت غيره إذا لم يكن
يشاهده أنْ يكون جاره ويعلم بمرضه ويتردَّد في عيادته، ثمّ يعلم بشدَّة مرضه
ويشتدُّ الخوف من موته، ثمّ يسمع الواعية من داره ولا يكون في الدار مريض غيره،
ويجلس أهله للعزاء وآثار الحزن والجزع عليهم ظاهرة، ثمّ يُقسَم ميراثه، ثمّ يتمادى
الزمان ولا يُشاهَد ولا يُعلَم لأهله غرض في إظهار موته وهو حيٌّ.
فهذه سبيل الولادة، لأنَّ النساء يشاهدن الحمل ويتحدَّثن بذلك سيَّما إذا كانت حرمة
رجل نبيه يتحدَّث الناس بأحوال مثله، وإذا استسرَّ(٣٩٧) بجارية في بعض المواضع لم
يخفَ تردُّده إليها، ثمّ إذا ولد المولود ظهر البشر والسرور في أهل الدار، وهنَّأهم
الناس إذا كان المهنِّأ جليل القدر وانتشر ذلك، وتحدَّث على
-----------------
(٣٩٦) في عدَّة نُسَخ: (بالرجل).
(٣٩٧) من التسرِّي.
حسب جلالة قدره، ويعلم الناس أنَّه قد وُلِدَ مولود سيَّما إذا عُلِمَ أنَّه لا
غرض في أنْ يُظهِر أنَّه وُلِدَ له وَلَدٌ ولم يُولَد له.
فمتى اعتبرنا العادة وجدناها في الموضعين على سواء، وإنْ نقض الله العادة فإنَّه
يمكن في أحدهما مثل ما يمكن في الآخر، فإنَّه قد يجوز أنْ يمنع الله ببعض الشواغل
عن مشاهدة الحامل، وعن أنْ يحضر ولادتها إلَّا عدد يُؤمَن مثلهم على كتمان أمره،
ثمّ ينقله الله من مكان الولادة إلى قُلَّة جبل أو بريَّة لا أحد فيها ولا يطَّلع
على ذلك الأمر إلَّا مَنْ لا يُظهِره إلَّا على المأمون مثله.
وكما يجوز ذلك فإنَّه يجوز أنْ يمرض الإنسان ويتردَّد إليه عُوَّاده، فإذا اشتدَّ
حاله وتُوقِّع موته، وكان يُؤيَس من حياته نقله الله إلى قُلَّة جبل وصيَّر مكانه
شخصاً ميِّتاً يشبهه كثيراً من الشَّبَه، ثمّ يمنع بالشواغل وغيرها من مشاهدته
إلَّا لمن يُوثَق به، ثمّ يُدفَن الشخص ويحضر جنازته مَنْ كان يتوقَّع موته ولا
يرجو حياته، فيتوهَّم أنَّ المدفون هو ذاك العليل.
وقد يسكن نبض الإنسان وتنفُّسه، وينقض الله العادة ويُغيِّبه عنهم وهو حيٌّ، لأنَّ
الحيَّ منَّا إنَّما يحتاج إليهما لإخراج البخارات المحترقة ممَّا حول القلب بإدخال
هواءٍ باردٍ صافٍ ليُروِّح عن القلب، وقد يمكن أنْ يفعل الله من البرودة في الهواء
المحدق بالقلب ما يجري هواء بارد يُدخِلها بالتنفس، فيكون الهواء المحدق بالقلب
أبداً بارداً ولا يحترق منه شيء، لأنَّ الحرارة التي تحصل فيه تقوم بالبرودة.
والجواب أنَّا نقول: أوَّلاً: أنَّه لا يلتجئ مَنْ يتكلَّم في الغيبة إلى مثل هذه
الخرافات إلَّا مَنْ كان مفلِّساً من الحجَّة، عاجزاً عن إيراد شبهة قويَّة، غير
متمكِّن من الكلام عليها بما يرتضي مثله، فعند ذلك يلتجئ إلى مثل هذه التمويهات
والتذليقات، ونحن نتكلَّم على ذلك على ما به، فنقول:
إنَّ ما ذكر من الطريق الذي به يُعلَم موت الإنسان ليس بصحيح على كلِّ وجهٍ، لأنَّه
قد يتَّفق جميع ذلك وينكشف عن باطل بأنْ يكون لمن أظهر ذلك غرض حكمي، فيُظهِر
التمارض ويتقدَّم إلى أهله بإظهار جميع ذلك ليختبر به أحوال غيره ممَّن له عليه
طاعة أو إمرة، وقد سبق الملوك كثيراً والحكماء إلى مثل ذلك، وقد يدخل عليهم أيضاً
شبهة بأنْ يلحقه علَّة سكتة، فيُظهِرون جميع ذلك ثمّ ينكشف عن باطل، وذلك أيضاً
معلوم بالعادات، وإنَّما يُعلَم الموت بالمشاهدة وارتفاع الحسِّ وجمود النبض،
ويستمرُّ ذلك أوقاتاً كثيرةً ربَّما انضاف إلى ذلك أمارات معلومة بالعادة مَنْ
جرَّب المرضى ومارسهم يعلم ذلك.
وهذه حالة موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فإنَّه أُظهِر للخلق الكثير الذين لا يخفى
على مثلهم الحال، ولا يجوز عليهم دخول الشبهة في مثله.
وقوله بأنَّه يجوز أنْ يُغيِّب الله الشخص ويحضر شخصاً على شبهه، على أصله لا
يصحُّ، لأنَّ هذا يسدُّ باب الأدلَّة، ويُؤدِّي إلى الشكِّ في المشاهدات، وأنَّ
جميع ما نراه ليس هو الذي رأيناه بالأمس، ويلزم الشكُّ في موت جميع الأموات، ويجيء
منه مذهب الغلاة والمفوِّضة الذين نفوا القتل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن
الحسين (عليه السلام)، وما أدَّى إلى ذلك يجب أنْ يكون باطلاً.
وما قاله: إنَّ الله يفعل داخل الجوف حول القلب من البرودة ما ينوب مناب الهواء،
ضرب من هوس الطبِّ، ومع ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت جميع الأموات على ما قلناه.
على أنَّ على قانون الطبِّ حركات النبض والشريانات من القلب، وإنَّما يبطل ببطلان
الحرارة الغريزيَّة، فإذا فقد حركات النبض عُلِمَ بطلان الحرارة وعُلِمَ عند ذلك
موته، وليس ذلك بموقوف على التنفُّس، ولهذا يلتجئون إلى النبض عند انقطاع النفس أو
ضعفه، فيبطل ما قالوه.
وحمله الولادة على ذلك وما ادَّعاه من ظهور الأمر فيه صحيح متى فرضنا الأمر على ما
قاله من أنَّه يكون الحمل لرجل نبيه، وقد عُلِمَ إظهاره ولا مانع من ستره وكتمانه،
ومتى فرضنا كتمانه وستره لبعض الأغراض التي قدَّمنا بعضها لا يجب العلم به ولا
اشتهاره.
على أنَّ الولادة في الشرع قد استقرَّ أنْ يثبت بقول القابلة ويُحكَم بقولها في
كونه حيًّا أو ميِّتاً، فإذا جاز ذلك كيف لا يقبل قول جماعة نقلوا ولادة صاحب الأمر
(عليه السلام) وشاهدوه وشاهدوا مَنْ شاهده من الثقات؟!
ونحن نورد الأخبار في ذلك عمَّن رآه وحكى له.
وقد أجاز صاحب السؤال أنْ يعرض في ذلك عارض يقتضي المصلحة أنَّه إذا وُلِدَ أنْ
ينقله الله إلى قُلَّة جبل أو موضع يخفى فيه أمره ولا يطَّلع عليه أحد، وإنَّما
ألزم على ذلك عارضاً في الموت، وقد بيَّنَّا الفصل بين الموضعين).
* * *
بيان حكم المخالف من الفِرَق الباقية ممَّن
قال بإمامة غير الحجَّة (عجَّل الله فرجه):
ذكر شيخ الطائفة (قدّس سرّه) بعد استقصاءه مقالة الواقفة والردِّ عليهم من جهات
مختلفة عدَّة فِرَق أُخرى، وبدأ بالفرقة المسمَّاة بالمحمّديَّة، وهي الفرقة التي
قالت بإمامة محمّد بن الإمام الهادي (عليه السلام) المعروف بسبع الدجيل، والذي
تُوفِّي في حياة أبيه بسُرَّ مَنْ رأى، حيث زعم الجماعة أنَّه حيٌّ لم يمت، وأنَّه
القائم المهدي، ذكر ذلك الشيخ النوبختي والشيخ المفيد (رحمهما الله)(٣٩٨)، وهو
مطابق لما نقله شيخ الطائفة عن هذه الفرقة مع اختلاف لا يضرُّ في المقام.
ونردُّ على هذه الفرقة على خلاف المنهج الذي اتَّبعه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) من
ردِّه على الفِرَق التي ذكرها بعد الواقفة، حيث جمع بين الردِّ على المحمّديَّة
والفطحيَّة والجعفريَّة وثلاث فِرَق أُخرى لم يعنونها بعنوان معيَّن.
والجواب عن المسمَّيْن بالمحمّديَّة:
أوَّلاً: انقراضهم، وأخذه شيخ الطائفة (قدّس سرّه) من شيخه المفيد (قدّس سرّه) الذي
صرَّح بذلك حيث قال: (وليس من هؤلاء الفِرَق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا
هذا، وهو سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة إلَّا الإماميَّة الاثني عشريَّة القائلة
بإمامة ابن الحسن)(٣٩٩)، ولو كانت مقالاتهم حقٌّ لما انقرضت.
ثانياً: موت محمّد (سبع الدجيل (رحمه الله)) في حياة أبيه موتاً ظاهراً، والأخبار
-----------------
(٣٩٨) فِرَق الشيعة (ص ٩٤)، الفصول المختارة (ص
٣٢٠).
(٣٩٩) الفصول المختارة (ص ٣٢١).
بذلك ظاهرة معروفة، ومَنْ دفع هذه الأخبار وما تضمَّنته كان كمن دفع موت من تقدَّم
من آبائه (عليهم السلام).
ثمّ ذكر (قدّس سرّه) رواية في هذا الصدد، وهي ما رواه سعد بن عبد الله الأشعري،
والبحث حولها بحسب الطريقة المألوفة:
رواية سعد بن عبد الله الأشعري:
الحديث (٨٤): فَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ اَلجَعْفَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
أَبِي اَلحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) وَقْتَ وَفَاةِ اِبْنِهِ أَبِي
جَعْفَرٍ(٤٠٠)، وَقَدْ كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنِّي
لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ: هَذِهِ قِصَّةُ [أَبِي] إِبْرَاهِيمَ (عليه
السلام)، وَقِصَّةُ إِسْمَاعِيلَ(٤٠١)، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو اَلحَسَنِ (عليه
السلام) وَقَالَ:
-----------------
(٤٠٠) السيِّد محمّد بن الإمام عليٍّ الهادي بن
الإمام محمّد الجواد بن الإمام عليٍّ الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر
الصادق بن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام عليٍّ زين العابدين بن الإمام الحسين
السبط الشهيد بن أمير المؤمنين الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، يُكنَّى
بأبي جعفر، ويُعرَف بالبعَّاج، ومُشْتَهر بسبع الدُّجَيْل. ويُذكَر له عدَّة ألقاب
معروفة في نواحيه، منها: السيِّد، سبع الدجيل، أسد الدجيل، البعَّاج، لم تُحدِّد
المصادر تاريخ ولادته ولا مكانها، والظاهر أنَّه وُلِدَ بالحجاز، وخلَّفه أبو الحسن
(عليه السلام) بالحجاز طفلاً، فقَدِمَ عليه مشيداً، فلازم أخاه لا يفارقه على ما
وصفه الكلاني في المحكي عنه. وبالنظر إلى سنة وفاته وعمره يمكن القول بأنَّه وُلِدَ
حوالي سنة (٢٣٦هـ) أو (٢٣٨هـ). كانت وفاته في حدود سنة (٢٥٢) للهجرة، وقيل: إنَّها
في آخر جمادى الآخرة. ومرقد السيِّد محمّد مزار معروف تزوره الشيعة والسُّنَّة
زرافات، ويُعرَف عند أهالي المنطقة بسبع الدجيل، يبعد عن (بلد) خمس كيلومترات.
راجع: سبع الدجيل السيِّد محمّد بن الإمام عليٍّ الهادي عمُّ الإمام المهدي (عجَّل
الله فرجه) (قراءة في شخصيَّة الأولياء وكراماتهم) للسيِّد حسين العوَّامي.
(٤٠١) السيِّد إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب
(عليهم السلام)، أكبر أبناء الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، جليل القدر، ذو
منزلة رفيعة عند والده (عليه السلام)، وهو الإمام السابع عند الإسماعيليَّة، وُلِدَ
في المدينة المنوَّرة في أوائل القرن الثاني للهجرة، وتُوفِّي فيها، ودُفِنَ بجوار
أجداده محمّد الباقر وزين العابدين وجدِّه من جهة أُمِّه الإمام الحسن السبط (عليهم
السلام).
«نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ، بَدَا لِله فِي أَبِي جَعْفَرٍ، وَصَيَّرَ مَكَانَهُ
أَبَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ بَعْدَمَا دَلَّ عَلَيْهِ
أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَنَصَبَهُ، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ
وَإِنْ كَرِهَ اَلمُبْطِلُونَ، أَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي اَلخَلَفُ مِنْ بَعْدِي،
عِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَهُ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ آلَةُ اَلْإِمَامَةِ، وَاَلحَمْدُ
لله».
تخريج الحديث:
رُوِيَ الحديث المتقدِّم في مصادر أسبق من (الغيبة)، منها:
١ - الكافي للشيخ الكليني (رضي الله عنه)(٤٠٢): بالنص والسند الآتي(٤٠٣): عَلِيُّ
بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ
اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) بَعْدَ مَا
مَضَى اِبْنُه أَبُو جَعْفَرٍ، وَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي، أُرِيدُ أَنْ
أَقُولَ: كَأَنَّهُمَا - أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَأَبَا مُحَمَّدٍ فِي هَذَا
اَلْوَقْتِ - كَأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ اِبْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَإِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا، إِذْ كَانَ أَبُو
مُحَمَّدٍ اَلمُرْجَى بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ
أَبُو اَلْحَسَنِ قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ، فَقَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ، بَدَا
لِله فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) مَا لَمْ يَكُنْ
يُعْرَفُ لَهُ، كَمَا بَدَا لَهُ فِي مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا
كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِه
اَلمُبْطِلُونَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي، عِنْدَهُ
عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ آلَةُ اَلْإِمَامَةِ».
٢ - إثبات الوصيَّة للمسعودي(٤٠٤): رواه مختصراً، وفي آخره: «عِنْدَهُ عِلْمُ مَا
يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ آلَةُ اَلْإِمَامَةِ».
٣ - الإرشاد للشيخ المفيد (قدّس سرّه)(٤٠٥): بسند متَّصل إلى الشيخ الكليني (رضي
الله عنه).
-----------------
(٤٠٢) الكافي (ج ١/ ص ٣٢٧/ باب الإشارة والنصِّ على
أبي محمّد (عليه السلام)/ ح ١٠).
(٤٠٣) ولأجل أهمّيَّة البحث في هذه الرواية ومقابلتها مع رواية (الغيبة) ذكرناها
بطولها مع سندها لما يترتَّب عليها من البحث المذكور في الدرس.
(٤٠٤) إثبات الوصيَّة (ص ٢٤٤).
(٤٠٥) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣١٨ و٣١٩).
حيث قال: (أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب)، وباقي السند ما ذكره الشيخ
الكليني (رضي الله عنه)، ويتبيَّن من هذا أنَّ سند الشيخ المفيد (قدّس سرّه) يختلف
عن سند شيخ الطائفة (قدّس سرّه)، وأنَّ سند الشيخ المفيد (قدّس سرّه) متَّصل بمَنْ
ذكرهم، وأنَّ سند شيخ الطائفة (قدّس سرّه) إنَّما يكون بعد ملاحظة طريقه إلى سعد بن
عبد الله الأشعري، ولعلَّه أخذ الرواية من كتابه لا من كتاب (الإرشاد)، كما اعتاد
على ذلك ومرَّت الإشارة إليه، وسيأتي تفصيل هذا في البحث السندي. وبمتن يختلف في
نقل بعض الفقرات بالمعنى، وهذا المقدار لا يضرُّ إلَّا في فقرتين:
أ - يوجد في كتاب الغيبة قوله: «وَقَدْ كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ»،
وهي متعلِّقة بالسيِّد محمّد سبع الدجيل، أي إنَّ الإمام الهادي (عليه السلام) أشار
إليه ودلَّ عليه، وهذه الفقرة لا توجد في كتاب (الإرشاد) وكذا (الكافي).
ب - وفي الغيبة: «نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ، بَدَا لِله فِي أَبِي جَعْفَرٍ،
وَصَيَّرَ مَكَانَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ بَعْدَمَا
دَلَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَنَصَبَهُ»، وفي (الإرشاد)
الفقرة كالتالي: «نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ، بَدَا لِله فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ
أَبِي جَعْفَرٍ مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ، كَمَا بَدَا لَهُ فِي مُوسَى بَعْدَ
مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ».
والفقرتان مختلفتان مضموناً في بيان دلالة الحديث بملاحظة الاختلافات الموجودة بين
النصِّ الذي رُوِيَ في (الكافي)، والذي رُوِيَ في (الإرشاد)، والذي رُوِيَ في
(إثبات الوصيَّة)، مُضافاً إلى ما رُوِيَ في (الغيبة).
البحث السندي:
١ - طريق الشيخ (قدّس سرّه) إلى سعد بن عبد الله الأشعري: يأتي التعرُّض له ما بعد
الحديث (١٠٠) إن شاء الله تعالى.
٢ - سعد بن عبد الله الأشعري: طبقته في الحديث الثامنة، تقدَّمت ترجمته في الحديث
(٢٠).
٣ - أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري: طبقته الحديث السابعة، وجوه توثيقه عديدة،
منها: توثيق الشيخ النجاشي (رحمه الله) له، توثيق شيخ الطائفة (قدّس سرّه) له في
(الفهرست) و(الرجال)، وصفهم له أنَّه عظيم المنزلة عند الأئمَّة (عليهم السلام)
شريف القدر، حيث شاهد جماعة من الأئمَّة (عليهم السلام) منهم الإمام الرضا والجواد
والهادي والعسكري وصاحب الأمر (عليهم السلام)، وعدَّه السيِّد ابن طاوس (رحمه الله)
أنَّه من السفراء والأبواب المعروفين كما في كتاب (ربيع الشيعة)، ذكر الكشِّي (رحمه
الله) عدَّة روايات فيه يظهر منها مدحه، من رواة (تفسير القمِّي)، من رواة (كامل
الزيارات).
تحقيق في وقوع البداء في الأئمَّة (عليهم
السلام):
يتضمَّن الحديث بيان قضيَّة مرتبطة بإمامة الأئمَّة (عليهم السلام)، وبمقتضى ما
نعتقده في أنَّ تسلسلهم العددي ومن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحجَّة بن
الحسن(عجَّل الله فرجه) قد ثبتت أسماؤهم وصفاتهم قبل وجودهم في هذه الدنيا، وقد
دلَّ على ذلك روايات كثيرة، وسيأتي من شيخ الطائفة (قدّس سرّه) ذكر عدَّة روايات عن
الخاصَّة والعامَّة في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً بما يقرب من أربعين حديثاً.
فكيف تُقبَل فكرة وقوع البداء في إمامة واحد منهم، بمقتضى ما يظهر من هذا الحديث
وعدَّة أحاديث أُخَر(٤٠٦)، ونقول مختصراً - وبمعزل عمَّا ورد من اختلافات سيأتي
التعرُّض لها في هذا الخبر -: إنَّ البداء ليس بمعنى ظهور أمر لم يكن ثمّ ظهر،
بمعنى أنَّ إمامة الإمام العسكري (عليه السلام) لم تكن مسجَّلة ومثبتةً وأنَّه - أي
الإمام العسكري (عليه السلام) - لم يكن يعلم بإمامته، أو أنَّ الإمام الهادي (عليه
السلام) لم يكن يعلم بمَنْ يكون من بعده من ولده، ليس الأمر كذلك حتماً، ولا
يتطرَّق إلى
-----------------
(٤٠٦) وسنتعرَّض مفصَّلاً لبحث البداء وما قيل فيه ونذكر عدَّة معانٍ له وما يناسب أنْ يُعتقَد فيه في الدروس الاستدلاليَّة في علم الكلام الشيعي.
الذهن السليم هذا الاحتمال، إنَّما معنى ذلك أنَّ جملةً من الشيعة رأت ولأسباب
عديدة منها:
شدَّة محبَّة الإمام الهادي (عليه السلام) - ومن قبله الإمام الصادق (عليه السلام)
- بولده محمّد، فبنت - أي الشيعة - على أنَّه هو الإمام من بعد أبيه، ولم يقُم
الإمام (عليه السلام) بتبديد هذه الفكرة ابتداءً لأسباب قد يخفى علينا وجه الحكمة
فيها، فترسَّخ هذا الفهم في أذهان البعض، وكان الإمام الهادي (عليه السلام) يعلم
يقيناً بذلك، بل والإمام العسكري (عليه السلام) كذلك، لا وبل لا نستبعد أنَّ
السيِّد الجليل محمّد سبع الدجيل أنْ يكون مأموراً بكتمان الأمر لما أشرنا إليه من
خفاء الحكمة عنَّا، ثمّ بعد وفاته يتبيَّن للشيعة أنَّ ما اعتقدوه في هذا السيِّد
الجليل لم يكن بصحيح، فترجع الأُمور إلى نصابها، ويبتلي بهذا الامتحان جماعة ممَّن
لم يستقرّ الإيمان في قلوبهم ليتمسَّكوا بإمامته وإنْ تيقَّنوا من موته، وسيأتي
التعرُّض لبعض الفِرَق التي تشتَّتت أقوالها فيه، حيث سيذكر شيخ الطائفة (قدّس
سرّه) مرَّةً أُخرى بعضاً منها.
وكيفما ما كان وبكلمة: إنَّ البداء لا يعني خفاء أمر الإمامة من الله (عزَّ وجلَّ)
عن الأئمَّة (عليهم السلام)، وإنَّما هو ظهور الحال وتبيُّن خطأ جملة الشيعة في هذا
الاعتقاد بمعزل عن الأسباب التي أوجبت ذلك.
وأمَّا ما ورد من قوله - في الرواية التي رواها شيخ الطائفة (قدّس سرّه) -: (وَقَدْ
كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ) فهو مقيَّد بما ورد عن الكليني (قدّس
سرّه)، بمعنى أنَّ الحاكم في النصَّين هو نصُّ الكليني (رضي الله عنه) الخالي عن
هذه الزيادة، ومع تحكيمه ينتفي الإشكال.
أمَّا لو فرضنا أنَّ الزيادة صادرة ولا يمكن تجاوزها، فيحتمل أنْ يكون معنى
(أَشَارَ إِلَيْهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ) أي أنَّ الإمام (عليه السلام) أشار إلى عظيم
مقام السيِّد الجليل محمّد ودلَّ على ذلك المقام، ولا تلازم هذه الإشارة والدلالة
أنَّه الإمام
بعد الإمام الهادي (عليه السلام)، وإنْ كان الناس قد فهموا من الإشارة إليه
والدلالة عليه أنَّه هو الإمام بعد أبيه (عليه السلام).
ودليل هذا التوجيه قوله (عليه السلام) في رواية الكليني (رحمه الله): «مَا لَمْ
يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ، كَمَا بَدَا لَهُ فِي مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ
مَا كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ»، أي إنَّ الناس كانوا يفهمون أنَّ الإشارة والدلالة
هي إشارة إلى الإمامة ودلالة عليها، وليست هي من الإمام (عليه السلام).
وعلى هذا الوجه ذكرنا توجيه البداء في الرواية ودفع الإشكال والعويصة اللَّازمة من
هذا الخبر.
تتميم ردِّ شيخ الطائفة (قدّس سرّه) على
بقيَّة الفِرَق:
وبطلان سائر الفِرَق التي ذكرها شيخ الطائفة (قدّس سرّه) في المقطع الآتي تتَّضح
جليًّا بما أجبنا عنه مفصَّلاً في الدروس الاستدلاليَّة في العقيدة المهدويَّة
الحلقة الثانية (ص ٤٦) بما ملخَّصه:
قال الشيخ المفيد (قدّس سرّه): (وليس من هؤلاء الفِرَق التي ذكرناها - أي الفِرَق
المتقدِّمة - فرقة موجودة في زماننا هذا، وهو من سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة إلَّا
الإماميَّة الاثنا عشريَّة القائلة بإمامة ابن الحسن المسمَّى باسم رسول الله (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) القاطعة على حياته...، ومَنْ سواهم منقرضون لا يعلم أحد من
جملة الأربع عشرة فرقة التي قدَّمنا ذكرها ظاهراً بمقالة ولا موجوداً على هذا الوصف
من ديانته، وإنَّما الحاصل منهم حكاية عمَّن سلف وأراجيف بوجود قوم منهم لا
تثبت)(٤٠٧) انتهى كلامه.
وكلامه (قدّس سرّه) يتركَّب من مقدَّمتين:
١ - أنَّ هذه الفِرَق بأجمعها قد انقرضت سوى الإماميَّة الاثني عشريَّة أعزَّهم
الله تعالى.
-----------------
(٤٠٧) الفصول المختارة (ص ٣٢١).
٢ - لو كان الحقُّ مع واحدة من هذه الفِرَق لما قُدِّر لها الانقراض، لأنَّ
بانقراضها ينقرض الحقُّ.
النتيجة: أنَّ انقراضهم - سوى الإماميَّة الاثني عشريَّة - دليل بطلان دعواهم.
وأمَّا ردُّ مقالة هذه الفِرَق مجتمعة:
١ - أنَّه تقدَّم مفصَّلاً الردُّ على مَنِ ادَّعى حياة أمير المؤمنين (عليه
السلام) وغيره من الأئمَّة (عليهم السلام)، بل غيرهم كمحمّد بن الحنفيَّة، وأنَّ
الشكَّ في موت هؤلاء يُفضي إلى الشكِّ في موت كلِّ أحدٍ سمعنا بموته، وهو ممَّا لا
يمكن القول به، لخلافه للضرورات.
٢ - تقدَّم أنَّ في الإمامة تُشترَط العصمة، ولم يثبت بدليل أنَّ مَنْ قيلت فيهم هي
فيهم، بل ثبت عدمها، والشرط عدم عند عدم شرطه.
٣ - ما دلَّ على أنَّ الزمان لا يخلو من حجَّة ولو لحظة(٤٠٨).
وتقريبه:
أ - أنَّ موت الإمام (عليه السلام) وعدم وجود حجَّة يخلفه - بشرط العصمة - حاضراً
أم غائباً يستدعي خلوَّ الأرض.
ب - لا يفرق بين خلوِّ الأرض لحظة أم دهراً، لأنَّ المناط فيها واحد، والأدلَّة
الدالَّة على ضرورة عدم الخلوِّ مطلقة.
إنْ قيل: إنَّ الزمان السابق قد قيل فيه بالخلوِّ، وبالتالي فهناك فترة.
قلنا: لا نُسلِّم وقوع الخلوِّ حتَّى في الزمان السابق، بل إنَّ الآثار دلَّت على
ضرورة الوجود وإنْ لم يُعرَف.
-----------------
(٤٠٨) الغيبة للطوسي (ص ٢٢٠/ ح ١٨٢)، وفيه: «لَوْ بَقِيَتِ اَلْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ سَاعَةً لَسَاخَتْ».
٤ - أنَّ الإمامة لا تعود في أخوين سوى الحسن والحسين (عليهما السلام) ممَّا هو من
ضرورات مذهب الإماميَّة الاثني عشريَّة.
ونزيد على ذلك في ردِّ مَنْ قال ببقاء حياة الإمام العسكري (عليه السلام) بأنَّه قد
رُوِيَت عدَّة من الأخبار تدلُّ على أنَّ أبا محمّد الحسن (عليه السلام) قد صحَّت
وفاته، ومنها ما رواه الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) بسند صحيح عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ
اَلله، قَالَ: (حَدَّثَنَا مَنْ حَضَرَ مَوْتَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليهم السلام) وَدَفْنَهُ مِمَّنْ لَا يُوقَفُ عَلَى
إِحْصَاءِ عَدَدِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمُ اَلتَّوَاطُؤُ
بِالْكَذِبِ...) إلى آخر الخبر(٤٠٩).
إنْ قيل: إنَّ الأدلَّة دلَّت على أنَّه يقوم بعد موته(٤١٠).
قلنا:
١ - قد دلَّت الأدلَّة على موت الإمام العسكري (عليه السلام) تواتراً، ورجوعه يحتاج
إلى دليل يناسب حجم ما دلَّ على موته (عليه السلام)، وهو مفقود، بل لازمه فاسد، إذ
لو جاز فيه (عليه السلام) لجاز فيمن تقدَّمه من آبائه (عليهم السلام)ممَّن ادُّعي
فيهم ذلك، وهو باطل بما تقدَّم.
-----------------
(٤٠٩) كمال الدِّين (ص ٤٠)؛ ورواه الشيخ الطوسي
(قدّس سرّه) في الغيبة (ص ٢١٨ و٢١٩/ ح ١٨١).
(٤١٠) الغيبة للطوسي (ص ٢٢٠)، حيث روى (قدّس سرّه) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
ناقلاً الخبر عن أصحاب هذا القول أنَّه قال: «إِنَّمَا سُمِّيَ اَلْقَائِمُ
قَائِماً لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَا يَمُوتُ»؛ كما رواه الشيخ الصدوق (قدّس
سرّه) في كمال الدِّين (ص ٣٧٨/ باب ٣٦/ ح ٣)، عن الإمام الجواد (عليه السلام) وقد
سُئِلَ: لِمَ سُمِّيَ اَلْقَائِمَ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ
ذِكْرِهِ، وَاِرْتِدَادِ أَكْثَرِ اَلْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ»؛ كما رواه المجلسي
(رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٣٠/ ح ٦)، عن الغيبة للطوسي (ص ٤٢٢/ ح ٤٠٣)
عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «... وَسُمِّيَ اَلْقَائِمُ لِأَنَّهُ
يَقُومُ بَعْدَ مَا يَمُوتُ، إِنَّهُ يَقُومُ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ»؛ ورواية الشيخ
الصدوق (قدّس سرّه) قرينة وناظرة إلى غيرها، فتكون مفسِّرة لمعنى الموت. على أنَّ
ما نقله الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) عن هؤلاء يغاير ما نقله المشايخ.
٢ - على أنَّ هذا يلزم الفساد بخلوِّ الزمان من الحجَّة.
٣ - على أنَّ هذا الحديث مؤوَّل بالقيام للثاني عشر (عجَّل الله فرجه) بعد موت
ذكره(٤١١)، بل هو صريح رواية الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) التي نقلناها في الهامش، إذ
جاء فيها: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ ذِكْرِهِ»، فهي فسَّرت الموت بموت
الذكر لا الموت حتف الأنف.
قال الشيخ الصدوق (قدّس سرّه): (ثمّ ادَّعت الواقفة على الحسن بن عليِّ بن
محمّد (عليهم السلام) أنَّ الغيبة وقعت به لصحَّة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها،
وأنَّه القائم المهدي، فلمَّا صحَّت وفاته (عليه السلام) بطل قولهم فيه، وثبت
بالأخبار الصحيحة التي قد ذكرناها في هذا الكتاب أنَّ الغيبة واقعة بابنه (عليه
السلام) دونه)(٤١٢) انتهى كلامه.
أمَّا الفِرَق الأُخرى المذكورة في كلام النوبختي والشيخ المفيد وشيخ الطائفة
(رحمهم الله)، فيتَّضح بطلانها ممَّا تقدَّم.
وببطلان هذه الفِرَق كلِّها، لم يبقَ إلَّا الفرقة الإماميَّة الاثنا عشريَّة
(أعزَّهم الله تعالى) القائلة بإمامة الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) وولادته
وغيبته، والثابتة على ذلك.
والعبارة لا تحتاج إلى توضيح بعد ما تقدَّم من شرح، ونصُّها:
(وأمَّا من خالف من الفِرَق الباقية الذين قالوا بإمامة غيره كالمحمّديَّة الذين
قالوا بإمامة محمّد بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا (عليهم السلام)، والفطحيَّة
القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام)، وفي هذا الوقت
بإمامة جعفر بن عليٍّ، وكالفرقة القائلة: إنَّ صاحب الزمان حمل لم يُولَد بعد،
وكالذين قالوا: إنَّه
-----------------
(٤١١) الفصول المختارة (ص ٣٢٢).
(٤١٢) كمال الدِّين (ص ٤٠).
مات ثمّ يعيش، وكالذين قالوا بإمامة الحسن (عليه السلام) وقالوا هو اليقين، ولم
يصحّ لنا ولادة ولده، فنحن في فترة، فقولهم ظاهر البطلان من وجوه:
أحدها: انقراضهم، فإنَّه لم يبقَ قائل يقول بشيء من هذه المقالات، ولو كان حقًّا
لما انقرض.
ومنها: أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري مات في حياة أبيه موتاً ظاهراً، والأخبار في
ذلك ظاهرة معروفة، مَنْ دفعه كمَنْ دفع موت مَنْ تقدَّم من آبائه (عليهم
السلام))(٤١٣).
ثمّ قال (رحمه الله) بعد الحديث: (والأخبار بذلك كثيرة، وبالنصِّ من أبيه على أبي
محمّد (عليه السلام) لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، وربَّما نذكر طرفاً منها فيما بعد
إنْ شاء الله تعالى.
وأمَّا ما تضمَّنه الخبر من قوله: «بَدَا لِله فِيهِ»، معناه بدا من الله فيه،
وهكذا القول في جميع ما يُروى من أنَّه بدا لله في إسماعيل، معناه أنَّه بدا من
الله، فإنَّ الناس كانوا يظنُّون في إسماعيل بن جعفر أنَّه الإمام بعد أبيه، فلمَّا
مات علموا بطلان ذلك، وتحقَّقوا إمامة موسى (عليه السلام)، وهكذا كانوا يظنُّون
إمامة محمّد بن عليٍّ بعد أبيه، فلمَّا مات في حياة أبيه علموا بطلان ما ظنُّوه.
وأمَّا مَنْ قال: إنَّه لا ولد لأبي محمّد (عليه السلام) ولكن هاهنا حمل مشهور
سيُولَد، فقوله باطل، لأنَّ هذا يُؤدِّي إلى خلوِّ الزمان من إمام يُرجَع إليه، وقد
بيَّنَّا فساد ذلك، على أنَّا سندلُّ على أنَّه قد وُلِدَ له ولد معروف، ونذكر
الروايات في ذلك، فيبطل قول هؤلاء أيضاً.
وأمَّا مَنْ قال: إنَّ الأمر مشتبه، فلا يدري هل للحسن (عليه السلام) ولد أم لا؟
وهو مستمسك بالأوَّل حتَّى يتحقَّق ولادة ابنه، فقوله أيضاً يبطل بما قلناه من أنَّ
-----------------
(٤١٣) في هامش النسخة المعتمدة: (من قوله: (فإنْ قيل قد مضى في كلامكم...) إلى هنا في البحار (ج ٥١/ ص ١٨١ - ١٨٥)).
الزمان لا يخلو من إمام، لأنَّ موت الحسن (عليه السلام) قد علمناه كما علمنا موت
غيره، وسنُبيِّن ولادة ولده، فيبطل قولهم أيضاً.
وأمَّا مَنْ قال: إنَّه لا إمام بعد الحسن (عليه السلام)، فقوله باطل بما دلَّلنا
عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من حجَّة لله عقلاً وشرعاً.
وأمَّا مَنْ قال: إنَّ أبا محمّد (عليه السلام) مات ويحيى بعد موته، فقوله باطل
بمثل ما قلناه، لأنَّه يُؤدِّي إلى خلوِّ الخلق من إمام من وقت وفاته (عليه السلام)
إلى حين يحييه الله تعالى.
واحتجاجهم بما رُوِيَ من أنَّ صاحب هذا الأمر يحيى بعدما يموت، وأنَّه سُمِّي
قائماً لأنَّه يقوم بعدما يموت، باطل، لأنَّ ذلك يحتمل - لو صحَّ الخبر - أنْ يكون
أراد بعد أنْ مات ذكره حتَّى لا يذكره إلَّا مَنْ يعتقد إمامته، فيُظهِره الله
لجميع الخلق. على أنَّا قد بيَّنَّا أنَّ كلَّ إمام يقوم بعد الإمام الأوَّل
يُسمَّى قائماً.
وأمَّا القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر من الفطحيَّة وجعفر بن عليٍّ، فقولهم باطل
بما دلَّلنا عليه من وجوب عصمة الإمام، وهما لم يكونا معصومين، وأفعالهما الظاهرة
التي تنافي العصمة معروفة نقلها العلماء، وهي موجودة في الكُتُب، فلا نُطوِّل
بذكرها الكتاب.
على أنّ المشهور الذي لا مرية فيه بين الطائفة أنَّ الإمامة لا تكون في أخوين بعد
الحسن والحسين (عليهما السلام)، فالقول بإمامة جعفر بعد أخيه الحسن يبطل بذلك.
فإذا ثبت بطلان هذه الأقاويل كلِّها لم يبقَ إلَّا القول بإمامة ابن الحسن (عليه
السلام)، وإلَّا لأدَّى إلى خروج الحقِّ عن الأُمَّة، وذلك باطل.
* * *
تمَّ ولله تعالى الحمد والمنَّة الجزء الأوَّل من
هذا الشرح لهذا الكتاب العظيم.
هذا، وقد تمَّت مراجعة هذا الجزء بمعيَّة بعض الأحبَّة في عدَّة ليالٍ من أواخر شهر
صفر وأوائل شهر ربيع الأوَّل (١٤٤٦هـ) في مسجد السهلة المعظَّم، أسأله (عزَّ وجلَّ)
أنْ يديم علينا نعمة خدمة المولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه).
* * *