تمهيدنا: القراءات المنحرفة في العقيدة المهدوية
تمهيدنا
القراءات المنحرفة في العقيدة المهدوية
رئيس التحرير
* إنَّ مسألة المهدوية من بين أهم المسائل المرتبطة بالمعتقد الديني، بل والإنساني، حيث تمثل أملاً ومشروعاً إلهياً لتحقيق العدالة في الأرض.
وقد خضعت لقراءات مختلفة، بعضها نابعٌ من مناهج متقنة مستندة إلى نصوص الوحي والعقل، وبعضها الآخر وليد أهواء وتقلبات فكرية أو اجتماعية أو سياسية.
* في هذه الإطلالة، نرصد جانباً من القراءات المنحرفة في العقيدة المهدوية، ثم نفندها بالنقد المنهجي والعقدي الدقيق، حيث نقيم البرهان على خطأ هذه القراءات غير المنتجة والمنحرفة عن مسار القضية الحقيقي، لنثبت في النهاية أنَّ القراءة الشيعية الإمامية هي القراءة الرصينة المتوافقة مع القرآن الكريم والسنة الشريفة، لأنَّها مستقاة من مبادئ علم الكلام والروايات الشريفة عن العترة الطاهرة (عليهم السلام).
عوامل مختلفة تؤدي إلى التباين والافتراق عن المهدوية:
* تميل القراءات السنية في طابعها العام إلى إنكار ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، معتبرةً أنَّه سيولد في آخر الزمان، أو تجعله شخصية غير واضحة المعالم والهوية.
وهذه القراءة تتعارض مع الروايات المتواترة التي تثبت بشكل قطعي أنَّ المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام) ومن ذرية الحسين (عليه السلام)، فضلاً عن مخالفتها لقانون اللطف الإلهي، الذي يقتضي وجود الإمام فعلاً، فالإنكار يتنافى مع مقتضيات الإمامة، التي تقتضي وجود إمام في كل عصر لبيان الحق وحفظ الدين.
ولعل ذلك حصل بسبب الخلط بين مفهوم الخلافة السياسية والمهدوية، وهو أمر يؤدي إلى تحريف العقيدة المهدوية عن أصولها.
* يعد التأثر ببعض الاتجاهات الفلسفية الصرفة، بل والكلامية غير الرصينة، من المؤثرات الكبيرة في الفهم الخاطئ للعديد من المفاهيم المهدوية، حيث يكون تفسيرها موجباً لإخراجها عن سياقاتها التي وُجدت من أجلها، كالطموح نحو المدينة الفاضلة، والاعتقاد بافتقار المهدوية إلى التجربة مما أوجب الغيبة، أو الاعتماد على المهدوية العقلانية بدلاً من المهدوية المعصومة، وهكذا العشرات من المفاهيم المهلهلة أو البعيدة عن واقع المهدوية المؤسسة على يد العناية الإلهية وبيانات الوحي وخطابات العترة الطاهرة.
* كما وتعد التأثيرات السياسية والاجتماعية من بين المؤثرات التي لعبت دوراً كبيراً في بناء مفاهيم مهدوية مغلوطة، حيث دخلت بعض القراءات ضمن مشاريع سياسية تهدف إلى تطويع العقيدة المهدوية لخدمة سلطات جائرة، أو لإيجاد تفسيرات تخدم أجندات معينة.
* محاولة تقريب المفاهيم إلى العقل الحداثي، حيث عمدت بعض الاتجاهات إلى تقديم قراءة مهدوية مجازية بعيدة عن الروايات الشريفة، كالقول بأنَّ المهدوية تعني (تحقيق العدالة الإنسانية) وليس شخصاً محدداً، هذه القراءة ترفض التصورات الغيبية للعقيدة المهدوية، وترى أنَّ المهدوية ليست سوى حركة إصلاحية مستقبلية أو رمزية للعدل الاجتماعي.
وهذا مخالف لضرورة وجود الإمام المعصوم (عليه السلام)، وحيث لا يمكن أن تخلو الأرض من إمام معصوم، كما دلَّت عليه الروايات الصريحة.
بل إنَّ هذه القراءة تلغي البعد الغيبي للعقيدة المهدوية، حيث تتجاهل الروايات التي تتحدث عن الغيبة والظهور كحقيقتين واقعيتين، مما يعني الوقوف بوجه النصوص التي تثبت أنَّ الإمام شخص حقيقي يقود الأُمَّة في آخر الزمان، لا أنَّه مجرد رمز للعدالة الاجتماعية.
* القراءات التي تنظم المهدوية على أساس الطرق الصوفية والتأملات الروحانية للطرق المختلفة، والتي تجعل الإمام (عليه السلام) خارج نطاق الشخصية التاريخية المجسدة، حيث تتعارض هذه القراءة، كسابقتها، مع النصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، فالروايات الكثيرة تثبت أنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) شخص بشري حي غائب، وليس مجرد تجلٍّ معنوي.
فضلاً عن مخالفتها لأصول علم الكلام الشيعي، الذي يؤكد على أنَّ الإمامة لطفٌ إلهي، وأنَّ الإمام (عليه السلام) يجب أن يكون شخصاً حقيقياً قائماً بوظائف الإمامة، وليس مجرد مفهوم تجريدي.
بل إنها تناقض مقتضيات ما دلَّ على أنَّه (عجَّل الله فرجه) سيقوم بالسيف لإقامة دولة العدل، وليس مجرد نموذج معنوي أو روحي.
* وما ينبغي، بل ويلزم، هو اتباع المنهج الكلامي المتزن الذي يقتضيه العقل والنقل - ضمن شرائط محدّدة ومتقنة - في هذه القضية، من أنَّ الأرض لا تخلو من إمام معصوم، وهو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في زماننا، وهو موجود وغائب، وهو الإمام الثاني عشر، وغيابه لحكمة إلهية تتناسب مع سنن الامتحان والاختبار، وأنَّ ظهوره أمر حتمي، بدلالة الآيات القرآنية والروايات المتواترة.
* * *