العدد ١٨/ ذي الحجة / ١٤٤٦ هـ

دلائل العصر تصاعد الاهتمام بالمخلّص الموعود في وجدان شعوب العالم

دلائل العصر
تصاعد الاهتمام بالمخلّص الموعود في وجدان شعوب العالم

مجتبى السادة

↑صفحة ٠↑

المهدوية رسالة ربانية خالدة (البشرية تنتظر):...................٦٠
١ - الإسلام:...................٦١
٢ - المسيحية:...................٦٢
٣ - اليهودية:...................٦٢
دلائل تشير إلى صحوة عالمية بحثاً عن المخلِّص:...................٦٥
١ - نهاية العالم والمخلِّص الموعود، نظرة إحصائية عالمية:...................٦٦
٢ - كثرة الإصدارات الثقافية:...................٧٣
٣ - توقيت عودة المسيح:...................٧٩
الأسباب الكامنة وراء ازدياد البحث عن المخلِّص:...................٨٤
١ - الأزمات والاضطرابات السياسية:...................٨٤
٢ - الكوارث العالمية الكبرى:...................٨٥
٣ - البحث عن العدالة:...................٨٦
٤ - التحولات الاجتماعية والأخلاقية:...................٨٧
قراءة فكرية واستراتيجية لدلالات تصاعد الاهتمام بالمخلِّص الموعود:...................٨٨
التحليل الاستراتيجي:...................٨٩
١ - مؤشر على قلقٍ وجودي حقيقي:...................٨٩
٢ - فقدان الثقة بالنظم والمؤسسات الدولية القائمة:...................٩٠
٣ - مؤشر لتحوُّلات كبرى في الرأي العام العالمي:...................٩٠
٤ - بحث عن قيادة عالمية واحدة:...................٩٠
٥ - تآكل الأيديولوجيات والمعتقدات السائدة:...................٩١
٦ - بداية تحول في دورة الحضارات:...................٩١
٧ - الانعكاسات على السياسات الدولية:...................٩٢
استنتاج استراتيجي:...................٩٢
التحليل الفكري:...................٩٣
علم النفس:...................٩٣
علم الاجتماع:...................٩٤
التخطيط الاستراتيجي المستقبلي:...................٩٤
استنتاج فكري:...................٩٥
الرؤية الدينية والروحية:...................٩٥
١ - التطلُّع إلى الخلاص الروحي الشامل:...................٩٦
٢ - إحياء النبوءات والرموز الدينية الكبرى:...................٩٦
٣ - حاجة البشرية إلى مرشد رباني:...................٩٧
٤ - مؤشر على أزمة أخلاقية عالمية:...................٩٧
٥ - انعكاس لمفهوم النهاية والبداية في الأديان:...................٩٧
سرّ الانتظار:...................٩٨
ما الذي يدفع مليارات البشر للبحث عن المخلِّص حالياً؟...................٩٨
استنتاج من منظور أيديولوجي (العودة إلى الروحانية):...................٩٩
خلاصة استراتيجية:...................٩٩
جسر الحضارات:...................١٠٠
فوائد تعزيز الإيمان بالمخلِّص في وجدان الشعوب:...................١٠٠
سبل تعزيز عقيدة (المخلص الموعود) لدى الرأي العام العالمي:...................١٠٣
أبرز التحديات التي تواجه عقيدة المخلِّص في العالم المعاصر:...................١٠٥
١ - التنوع الثقافي والفكري:...................١٠٥
٢ - التحديات السياسية:...................١٠٥
٣ - المؤسسات الإعلامية:...................١٠٥
٤ - التحديات القومية:...................١٠٦
٥ - التطورات الاجتماعية:...................١٠٦
٦ - التحديات الشخصية:...................١٠٦

↑صفحة ٠↑

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه البشرية في العصر الحديث، والتي تتجسد في الصراعات والحروب والأوبئة والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والأزمات الكبرى، يتجدَّد البحث عن الأمل والخلاص، وتعتبر عقيدة المخلِّص من المفاهيم الدينية العميقة التي جذبت اهتمام البشر عبر العصور، وفي السنوات الأخيرة لوحظ ازدياد ملحوظ في الاهتمام بهذه العقيدة في شتَّى بقاع العالم، هذا الاهتمام يتجاوز الحدود الدينية والمذهبية، ليصبح ظاهرة ثقافية لها منحني متصاعد وتأثير على الرأي العام العالمي، مما يجعلها تستحق الدراسة والتحليل.
وقد تجلَّت هذه الدراسة بشكل واضح في تسليط الضوء على مدى ازدياد الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود، تلك الفكرة التي رافقت البشرية منذ القِدَم، ونهدف من هذا البحث إلى التعرُّف على الدلائل والمؤشرات لمكانة المخلِّص الموعود في وجدان شعوب العالم المعاصرة، وتحديد الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذا الاهتمام، كما يسعى البحث إلى تحليل الآثار المترتبة على انتشار شعبية المخلِّص في الأُمم ومن منظور فكري واستراتيجي.
سيتم الاعتماد في هذه الدراسة على مجموعة متنوِّعة من المصادر والمنهجيات، بما في ذلك الدراسات الاستطلاعية والإحصائيات الأكاديمية،

↑صفحة ٥٩↑

ومن المتوقع أن تساهم هذه الورقة البحثية في فهم أعمق لطبيعة العلاقة بين قضية هي في الأصل: فطرية، عقلية، سماوية (فكرة المخلِّص) وبين الرأي العام العالمي في العصر الحديث.
تشكِّل الأزمات العالمية المتتالية - كجائحة كورونا والنزاعات المستمرة - أرضية خصبة لتجدّد الحنين الإنساني العميق نحو الخلاص والمخلِّص، وأنَّ هذا الحنين المتجذِّر في أعماق الأديان والثقافات، يعكس حاجة البشرية الأساسية إلى الأمل والتغيير الإيجابي في مواجهة الظلم والمعاناة، ففكرة المخلِّص الموعود سواء في الأديان السماوية أو في الفلسفات الإنسانية تجسِّد هذا الحنين وتقدِّم رؤية لمستقبل أفضل.
اليوم نشهد تجدّد الاهتمام بهذه الفكرة على نطاق واسع، مما يدل على عمقها في النفس البشرية وقدرتها على تجاوز الحواجز الثقافية والدينية، وأنَّ هذا التصاعد الملحوظ يشير إلى أنَّ البحث عن المعنى والخلاص هو سمة جوهرية للتجربة الإنسانية.
من الملفت في الآونة الأخيرة أنَّ هناك تحوُّلاً كبيراً واهتماماً متزايداً في الثقافة الإنسانية نحو مستقبل البشرية، حيث تجاوزت النقاشات الثقافة في الإطار التقليدي، ودخلت في حوار مع الحضارات الأخرى، وفي إطارات وعناوين مختلفة كـ(المهدوية أو الخلاص أو المخلِّص أو نهاية التاريخ أو أحداث آخر الزمان أو...) وكل هذه الأفكار تتلاءم مع الفطرة الإنسانية والعقل السليم والإرشاد السماوي، وتجد صدى بارزاً عند جميع شعوب العالم، مما يجعل الموضوع خَلّاقاً ومهماً لدى الرأي العام العالمي.
المهدوية رسالة ربانية خالدة (البشرية تنتظر):
عقيدة الخلاص عبارة عن مفهوم ديني وفلسفي عميق، له جذور في كل الأديان السماوية والعديد من الثقافات الإنسانية حول العالم، وهذا الاعتقاد

↑صفحة ٦٠↑

يعني: أنَّ هناك قوة عليا قادرة (الخالق) سيخلِّص البشرية من المعاناة والظلم والشر، وسيأتي بهم إلى حالة مثالية من السعادة والعدل والسلام، أمّا المخلِّص فهو الشخصية المركزية في هذه الأيديولوجية، الذي سيقود هذا الخلاص.
إنَّ فكرة (المخلِّص الموعود) مترسِّخة في الفكر الإنساني منذ فجر التاريخ، وعلى طول وامتداد المسيرة الإنسانية، وفي السنين الأخيرة، هذا المفهوم أصبح أكثر بروزاً لدى الكثير من شعوب العالم بسبب تزايد الأزمات العالمية الكبرى، وعلاوة على ذلك فإنَّ أصل عقيدة المخلِّص هي: حاجة بشرية (الفطرة)، وفكرة واقعية (العقل)، وضرورة إلهية (الإرشاد السماوي)، وهذا يمنحنا بشارة قطعية بأنَّ البشرية ينتظرها عصر مثالي يسوده التوحيد والكمال، وتتحقق فيه جميع متطلّبات الفطرة الإنسانية بنسبة كاملة.
إنَّ فكرة الخلاص في الأساس رؤية إنسانية شاملة، وجوهرها يتعلَّق بقضية القلق الإنساني العميق حول الظلم والحروب والقتل والفساد، ومن المؤكَّد أنَّ هناك علاقة ارتباط وثيقة بين فكرة الخلاص والمخلِّص والاعتقاد بنهاية التاريخ وأحداث آخر الزمان لدى شعوب العالم.
ومن المحتَّم كفكرة قديمة وعميقة في التاريخ البشري أن نجدها متعدِّدة الأوجه وتختلف تفسيراتها باختلاف السياقات الثقافية والدينية والفلسفية، ونتيجة لذلك من المهم التعرُّف على معنى الخلاص والفلسفة القائمة عليه، وخاصةً في سياق الأطر الدينية، حيث إنَّ جميع الأديان السماوية تتشارك في فكرة الخلاص، ولكن تختلف في مفهومه وكيفية تحقيقه، وتصورهم للمخلص كالآتي:
١ - الإسلام:
- فكرة الخلاص: على الصعيد الفردي تتعلق بالنجاة من عذاب يوم القيامة، وطريقها التوبة الصادقة، أمّا على صعيد البشرية فتتعلَّق بتحرُّر

↑صفحة ٦١↑

المجتمعات من براثن الظلم، ونشر التوحيد والعدل على كافة المعمورة.
- المخلص الموعود: يؤمن المسلمون بمجيء الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه)، الذي يُعدّ مخلِّصاً سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وإقامة دولة السماء في الأرض.
٢ - المسيحية:
- فكرة الخلاص: قائمة على أساس أنَّ الإنسان متلبِّس بالخطيئة (آدم)، وأنَّ الطريق الوحيد للخلاص يتمثَّل في أنَّ ابن الله (المسيح) يتجسَّد ويُصلب ويُقتل، ومن ثم يكون قد أعاد مصالحة الإنسان مع الله.
- المخلص الموعود: هو عودة المسيح مرة ثانية إلى الأرض في آخر الزمان، وإقامة حكم الله وملكوته في المستقبل، وتحقيق العدالة النهائية للبشرية وإسعاد الناس.
٣ - اليهودية:
- فكرة الخلاص: تقتصر على الشعب اليهودي فقط، وتتعلق بالتحرر من المعاناة والوهدة السياسية التي يمر بها اليهود، يُنظر إلى الخلاص على أنَّه تحقيق لرفعة شأن ومجد بني إسرائيل في العالم.
- المخلص الموعود: يؤمن اليهود بمجيء مخلِّص (المسيّا / قائد عسكري وملك مميز) والذي سيعيد بناء الهيكل في القدس ويجمع الشتات اليهودي، ويقيم مملكة إسرائيل الكبرى ويجعل اليهود أسياداً للعالم.
واستخلاصاً لما سبق نستنتج أن الخلاص الذي يلبي مصالح شريحة معيَّنة من البشر فقط (اليهود)، فمثل هذه الرؤية للخلاص لا تتمناها الإنسانية ولا أحد ينتظر تحققه، لأنَّه يفتقد لأبسط مبادئ العدل والمساواة؛ وكذلك الخلاص القائم على عقاب غير المخطئ (المسيح) والذي يفتقد لأبسط مبادئ العدالة

↑صفحة ٦٢↑

والرحمة والمحبة، لا يطلبه الناس ولا ينتظرونه؛ أمّا حين يكون الخلاص قائماً على ثوابت العدل والمساواة ويتم تطبيقها في المجتمع البشري كافة، وينظر للناس جميعاً سواسية من دون تفاضل أو تمايز، فإنَّ هذا الخلاص (المتمثل بالمهدوية) يرسم أسمى ما تطمح إليه الإنسانية وأكمل صورة للمستقبل ونهاية التاريخ.
العلاقة بين الإيمان بالمخلِّص الموعود والاعتقاد بقرب نهاية العالم تكمن في النبوءات الدينية وتفسير البشارات التي تخبر بظهور شخصية (المخلِّص) في آخر الزمان لإنقاذ العالم من الظلم والفساد، وهكذا يتبيَّن أنَّ هذه العلاقة تتجلّى في جوانب عدَّة:
- التفسيرات العقائدية: العديد من الأديان تؤمن بأنَّ ظهور المخلِّص هو علامة على قرب نهاية العالم، وهذه الفكرة تعززها النصوص الدينية التي تشير إلى فترة من الأزمات والمشاكل تسبق ظهور المخلص، والتي تعني ضمنياً آخر الزمان.
- المفاهيم الحديثة في الثقافة الشعبية: يتم تناول فكرة المخلِّص ونهاية العالم بشكل متكرر في الأفلام والبرامج التلفزيونية والكتب، مما يعكس ويعزِّز هذه المعتقدات في الوعي الجماعي، وهذه الأعمال غالباً ما تصوِّر مجيء المخلِّص كَحَلٍّ للأزمات الكبرى التي تواجه البشرية، مما يربط بشكل مباشر بين الإيمان بالمخلِّص والاعتقاد بقرب نهاية العالم.
- الأحداث العالمية: بعض الناس يفسرون الأحداث العالمية - مثل الكوارث الطبيعية والحروب والأزمات الاقتصادية - كعلامات على قرب نهاية العالم وظهور المخلص، هذه التفسيرات تتوافق مع النبوءات الدينية التي تشير إلى ظهور المخلِّص في أوقات الأزمات الكبيرة.
- الأمل في المستقبل: الإيمان بقرب نهاية العالم يمنح الإنسانية أملاً

↑صفحة ٦٣↑

في مستقبل أفضل آخر الزمان، حيث يسود السلام والعدل في كافة الأرض المعمورة على يد المخلِّص الموعود.
- الارتباط بين الخلاص وقرب نهاية العالم: في السياق الديني السماوي، يُنظر إلى نهاية العالم كوسيلة لإحداث التغيير والخلاص النهائي، وأنَّ ظهور المخلِّص الموعود هي البوابة إلى الخلاص المنشود.
- انتظار المخلِّص وآخر الزمان: هناك الكثير من التنبؤات والتوقعات الدينية بشأن قرب نهاية العالم وظهور المخلِّص الموعود، هذه التوقعات زادت في الآونة الأخيرة، خاصةً في أوقات الأزمات السياسية والمشكلات البيئة الكبرى في العالم.
الإيمان بحتمية ظهور المصلح العالمي وإقامة دولة العدل الإلهي، من الحاجات الإنسانية المشتركة والمتَّفق عليها عند كل الأديان والحضارات، وهذه الحقيقة من المسلَّمات لمن درس عقيدة المخلِّص والتاريخ الديني، ومن ثَمّ ما ينتظره المسلمون وما ينتظره المسيحيون وما ينتظره اليهود وما تنتظره البشرية من قديم الزمان وإلى الآن، هو في الحقيقة شخص مستقبلي واحد محدَّد بعينه، وقد تناولت بشارات الأديان السماوية أبرز قضايا وخصوصيات هذا المصلح العالمي، والتي لا تنطبق إلَّا على ما يميز الأطروحة الإمامية (المهدوية) والواقع التاريخي الذي مرَّت به، وعلى أساس أنَّ المخلِّص المرتقب آخر الزمان شخص واحد فقط لدى جميع الأديان والحضارات، ووحدة الغاية والهدف والمنطلقات، ولذا تؤكد النصوص الدينية المختلفة وجود نقاط مشتركة حول شخصية المخلِّص الموعود، ووجود اتفاق واسع على أنَّه مبعوث للبشرية كافة، وفي الحقيقة لا تنطبق هذه النبوءات والبشارات إلَّا على (المهدي المنتظر)(١)، مما يوحي بوجود اعتراف ضمني واسع غير معلن على هذه الحقيقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) للتوسع أكثر في هذا الموضوع، ارجع إلى كتابنا: (تعريف المهدوية للحضارات الأخرى)، الفصل الثاني: المهدوية قاسم مشترك بين الحضارات، من ص٦٣-١١٠.

↑صفحة ٦٤↑

دلائل تشير إلى صحوة عالمية بحثاً عن المخلِّص:
شكَّلت الأحداث الدراماتيكية المتسارعة التي يمر بها العالم حالياً صدمةً عميقةً للشعوب، وأعادت إلى الواجهة مخاوف قديمة حول الأوبئة والحروب والكوارث، وتأثيرها على الاستقرار العالمي ومستقبل البشرية، وفي واقع الأمر أدَّى فشل القادة السياسيين في علاج الأزمات المعاصرة، إلى الكشف عن هشاشة النظام العالمي وتآكل الثقة في المؤسسات الدولية، وكان ذلك بمثابة منبِّه قوي دفع الكثير من الناس إلى زيادة البحث عن قيادة بديلة أو كيان آخر أو قوى عليا توفِّر الحماية والأمل، وقد بدأت شعوب العالم بالفعل بالتفكير في القيم الحقيقية وزيادة الوعي بالقيم الإنسانية الأساسية، مما أدَّى إلى تحوّلات عميقة في نظرة الشعوب للحياة والمستقبل، وزيادة الارتباط بعقيدة الخلاص والمخلِّص.
إنَّ الاهتمام المتزايد بالخلاص والمخلِّص لدى الرأي العام العالمي هو نتيجة لتفاعل معقد بين مجموعة من الأزمات: الاضطرابات السياسية، والمشكلات البيئية، والتحولات الاجتماعية، والكوارث الطبيعية، والأوبئة الصناعية، والفراغ الروحي، والانحراف الأخلاقي، والبحث عن الهوية، والتحديات العالمية المعاصرة؛ هذه الأزمات دفعت الأُمم للبحث عن شخص أو كيان ينقذهم من معاناتهم، مما يعكس تحولاً في كيفية فهم الناس وتفكيرهم للبحث عن وسيلة للخروج من هذه الحالة المزرية والتعيسة التي تعيشها البشرية الآن.
مما لا شك فيه أنَّ قياس ومعرفة مدى زيادة مشاعر انتظار المخلِّص والبحث عن الخلاص في العالم خلال الفترة الأخيرة تتجلّى من خلال عدَّة دلائل ومؤشِّرات مختلفة تتداخل فيما بينها، وتعكس رغبة المجتمع البشري في تغيير الواقع الحالي، ومن جهة أخرى تشير إلى أنَّ هذه القضية والعقيدة

↑صفحة ٦٥↑

متجذِّرة في الفكر الإنساني، ويمكن لمس هذه الزيادة في الاهتمام والاطِّلاع عليها بعوامل عدّة، منها:
١ - نهاية العالم والمخلِّص الموعود، نظرة إحصائية عالمية:
لقد شهدت السنوات الأخيرة إقبالاً متزايداً على الأفكار المرتبطة بالمخلِّص والخلاص في مختلف أنحاء العالم وبالخصوص في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، والكثير من البيانات والإحصائيات الدولية تشير إلى أنَّ فكرة انتظار المخلِّص وتوقّع قرب نهاية العالم أصبحت أكثر انتشاراً وحضوراً في الثقافة الشعبية والرأي العام العالمي، وبالتأكيد فإنَّ الدراسات الأكاديمية وبيانات استطلاعات الرأي تساعد في الكشف عن مدى انتشار هذه الأفكار، وتساعد في فهم دورها وتأثيرها على المجتمعات المختلفة، وفي هذا السياق ووفقاً لبيانات ومعلومات استطلاع(٢) رأي قام به (مركز بيو للأبحاث)(٣) في عام ٢٠٢٢، فإنَّ النتائج تؤكد أنَّ حوالي أربعة من كل عشرة بالغين في الولايات المتحدة الأمريكية يعتقدون أنَّ البشرية (تعيش في آخر الزمان)، وقد شمل الاستطلاع عيِّنة كبيرة(٤) ممثلة للبالغين في الولايات المتحدة، بالإضافة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢) https://www.pewresearch.org/short-reads/٢٠٢٢/١٢/٠٨/about-four-in-ten-u-s-adults-believe-humanity-is-living-in-the-end-times.
(٣) مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) هو مركز معلومات أمريكي غير تابع لأي حزب سياسي، يجري استطلاعات الرأي العام والبحوث الديموغرافية وأبحاث العلوم الاجتماعية الحاسوبية وغيرها من الأبحاث القائمة على البيانات، لقد تم إنشاؤه في عام ١٩٩٠ كمشروع بحثي يسمَّى (مركز تايمز ميرور للناس والصحافة)، وفي عام ٢٠٠٤ أنشأت صناديق بيو الخيرية مركز بيو للأبحاث كشركة تابعة، وهو الممول الرئيسي للمركز لدراساته التي تركز على التركيبة السكانية للأديان في العالم.
(٤) هذه الدراسة والتحليل قام به مركز بيو للأبحاث (د. جيف ديامانت Jeff Diamant حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك)، وقد شمل هذا الاستطلاع ١٠١٥٦ شخصاً بالغاً في الولايات المتحدة الأمريكية فقط (من خلال أخذ عينات ݛ ݚعشوائية وطنية من العناوين السكنية)، بالإضافة للعينات الأخرى من الدول المختلفة، وأُجريت هذه الدراسة في الفترة من ١١ إلى ١٧ أبريل ٢٠٢٢م،. تم ترجيح الاستطلاع ليكون ممثلاً لمعظم سكان الولايات المتحدة البالغين حسب الجنس والعرق والانتماء الحزبي والتعليم والانتماء الديني وفئات أخرى.

↑صفحة ٦٦↑

لاستطلاعات أخرى في الكثير من دول العالم، نستخلص من نتائجها الدلائل والمؤشرات التالية:
- ٤٠% من البالغين الأمريكيين في عام ٢٠٢٢م قالوا: إنَّهم يعتقدون أنَّ (نهاية العالم) ستأتي في حياتهم.
- هذه النسبة تمثل ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالسنوات السابقة، حيث كانت النسبة أقل من ٣٠% في استطلاعات الرأي قبل عام ٢٠٢١م.
- الاعتقاد بقرب نهاية العالم كان أكثر شيوعاً بين الإنجيليين المسيحيين والجمهوريين السياسيين.
- العوامل التي ساهمت في هذا الاعتقاد شملت الأزمات السياسية والصحية والاقتصادية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة.
واستناداً إلى ما سبق فقد قام (مركز بيو) بإجراء استطلاعات مماثلة في عدد من الدول للتعرف على مدى انتشار المعتقد بقرب نهاية العالم على المستوى الدولي، إليكم ملخصاً لبعض النتائج المقارنة:
١ - استطلاع في المملكة المتحدة (٢٠٢٢م):
- ٣٥% من البالغين في المملكة المتحدة قالوا: إنهم يعتقدون أنَّ نهاية العالم ستأتي في حياتهم.
- هذه النسبة أقل قليلاً من المعدل الأمريكي البالغ ٤٠%.
٢ - استطلاع في كندا (٢٠٢١م):
- ٢٨% من الكنديين قالوا: إنهم يؤمنون بقرب نهاية العالم.
- النسبة في كندا أقل بشكل ملحوظ مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا.

↑صفحة ٦٧↑

٣ - استطلاع في السويد (٢٠٢٠م):
- فقط ١٨% من السكان السويديين عبَّروا عن اعتقادهم بنهاية العالم القريبة.
- السويد لديها أدنى نسبة من بين الدول المشمولة في هذه الاستطلاعات.

نتائج استطلاع:
هل البشرية تعيش في آخر الزمان؟

نتائج استطلاع:
هل المسيح سيعود إلى الأرض خلال حياتنا؟

سأل (مركز بيو للأبحاث) الأمريكيين عن نهاية العالم أو آخر الزمان كجزء من استطلاع أوسع، وذلك لتقييم ما إذا كانت وجهات النظر حول آخر الزمان مرتبطة بوجهات النظر حول عودة السيد المسيح إلى الأرض، وهو مبدأ أساسي في الديانة المسيحية: الاعتقاد بأنَّ المسيح سيعود في آخر الزمان إلى الأرض، فيما يطلق عليه غالباً (المجيء الثاني).

↑صفحة ٦٨↑

وكانت نتائج الاستطلاع كالتالي: عند السؤال عما إذا كان المسيح (سيعود إلى الأرض يوماً ما)، قال أكثر من نصف البالغين في الولايات المتحدة (٥٥%) - بما في ذلك ثلاثة أرباع المسيحيين -: إنَّ هذا سيحدث.
كما قال أفراد العيِّنة: إنَّهم يعتقدون أنَّ المسيح سيعود إلى الأرض، وعن مدى تأكدهم أنَّ هذا سيحدث خلال حياتهم: يقول واحد من كل عشرة أمريكيين: إنَّهم يعتقدون أنَّ المجيء الثاني للمسيح سيحدث بالتأكيد وربما خلال حياتهم، و٢٧% ليسوا متأكدين مما إذا كان المسيح سيعود في حياتهم، ويقول ١٩%: إنَّ عودة المسيح ستحدث بالتأكيد ولكن ربما لن تحدث خلال حياتهم.
نسبة الأمريكيين الذين يقولون: إنَّهم يعتقدون أنَّ المسيح سيعود بالتأكيد وربما خلال حياتهم، أعلى بين البروتستانت (١٦%) وأقل بين الكاثوليك (٧%)، ونسبة الأمريكيين السود (١٩%) واللاتينيين (١٤%) الذين يعتقدون أنَّ المجيء الثاني للمسيح من المحتمل أن يحدث خلال حياتهم، وهذه النسب في المقابل أكبر من نسبة الأمريكيين البيض غير اللاتينيين (٨%).
من المرجح في الاستطلاع أن يعبِّر الناس عن عدم اليقين بشأن توقيت عودة المسيح، بدلاً من التعبير عن الشعور بأنَّ ذلك سيحدث في حياتهم، فعلى سبيل المثال: يقول حوالي سبعة من كل عشرة إنجيليين: إنَّهم غير متأكدين من أنَّ المسيح سيعود خلال حياتهم (٥٠%)، وأنَّ (٢١%) يقولون: إنَّ المسيح سيعود بالتأكيد ولكن لن يعود خلال حياتهم؛ وهناك ما يقرب من ثلثي أولئك الذين ينتمون إلى التقاليد البروتستانتية (السود تاريخياً) هم إمّا غير متأكدين من التوقيت (٤٧%) أو أنَّه ربما لن يحدث خلال حياتهم (١٧%).
بشكل عام، تظهر هذه النتائج أنَّ الاعتقاد بقرب نهاية العالم أكثر شيوعاً في الولايات المتحدة مقارنة ببعض الدول الأوروبية الأخرى، وأنَّ

↑صفحة ٦٩↑

التباينات الثقافية والسياسية هي التي تُفسِّر هذه الاختلافات بين الدول، إذن هذه النتائج والبيانات تؤكد الارتفاع الملحوظ في نسبة الأمريكيين المعتقدين بقرب نهاية العالم.
وفي هذا السياق قامت مؤسسة بحثية أخرى (أمريكية) بإجراء استطلاع رأي متعدِّد على مستوى العالم، للتعرُّف على مدى انتشار الاعتقاد بقرب نهاية العالم وخروج المخلِّص الموعود، وفيما يلي مزيد من البيانات والمقارنات الدولية:
١ - استطلاع عالمي(٥) من مؤسسة (غالوب)(٦) (٢٠٢١م):
- في المتوسط العالمي: ٢٨% من البالغين قالوا: إنَّهم يعتقدون أنَّ نهاية العالم ستأتي قريباً.
- الدول ذات الأغلبية المسيحية الإنجيلية سجَّلت أعلى نسب، مثل الولايات المتحدة (٤٠%) وبولندا (٣٥%).
- الدول الأكثر علمانية سجَّلت أدنى النسب: مثل الصين (١٦%) والدنمارك (١٣%).
٢ - استطلاع في دول أمريكا اللاتينية (٢٠٢٢م):
- في المتوسط: ٣٢% من البالغين في أمريكا اللاتينية قالوا: إنَّهم يؤمنون بنهاية العالم القريبة.
- البرازيل وكولومبيا سجَّلتا أعلى النسب في المنطقة بـ ٣٨% و٣٦% على التوالي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥) https://www.gallup.com/analytics/٣١٨٨٧٥/global-research.aspx
(٦) مؤسسة غالوب (Gallup) هي شركة تحليلات واستشارات أمريكية تتخذُ من واشنطن العاصمة مقراً لها، أسَّسَ المؤسسة جورج غالوب عام ١٩٣٥ وأصبحت الشركة معروفة باستطلاعاتِ الرأي العام التي تُجريها في جميع أنحاء العالم، من الركود الكبير، إلى الانتفاضات العربية، إلى ثورة الميدان الأوروبي، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكوفيد ١٩.

↑صفحة ٧٠↑

٣ - استطلاع في الهند (٢٠٢١م):
- ٢٩% من الهنود قالوا: إنَّهم يعتقدون أنَّ نهاية العالم ستأتي في حياتهم.
- النسبة في الهند كانت أعلى من المتوسط العالمي البالغ ٢٨%.
هذه المقارنات تؤكد أنَّ الاعتقاد بقرب نهاية العالم وقدوم أو خروج المخلِّص له انتشار عالمي ملحوظ، لكن مع اختلافات كبيرة بين الدول وفقاً للخلفيات الثقافية والدينية والسياسية؛ والولايات المتحدة وبعض دول أمريكا اللاتينية تأتي في مقدمة هذا الاعتقاد.
واستناداً إلى ما سبق نجد تفاصيل أكثر من استطلاعات الرأي الدولية (مؤسسة غالوب) المتعلقة بالاعتقاد بقرب نهاية العالم، نستخلص منها النتائج التالية:
١ - دراسة مقارنة بين الدول الأوروبية (٢٠٢٢م):
- في المتوسط: ٢٣% من البالغين في دول الاتحاد الأوروبي قالوا: إنَّهم يؤمنون بنهاية العالم القريبة.
- ولكن هناك تباينات كبيرة بين الدول: فالنسبة في بولندا بلغت ٣٥%، بينما في السويد لم تتجاوز ١٨%.
- تشير الدراسة إلى أنَّ الانتماء الديني والسياسي هما من أهم العوامل المؤثرة على هذا الاعتقاد في أوروبا.
٢ - استطلاع في دول آسيا والمحيط الهادئ (٢٠٢١م):
- في المتوسط: ٢٥% من البالغين في هذه المنطقة يعتقدون بقرب نهاية العالم.
- أعلى النسب: سُجِّلت في الفلبين (٣٥%) وإندونيسيا (٣٢%).
- أمّا في اليابان فكانت النسبة أقل من ٢٠%.
- هناك ارتباط قوي بين الانتماء الديني والمعتقدات الإسكاتولوجية (علم الأُخرويات أو علم آخر الزمان) في هذه المنطقة.

↑صفحة ٧١↑

٣ - دراسة مقارنة بين الدول الأفريقية (٢٠٢٠م):
- في المتوسط: ٣٠% من البالغين في أفريقيا قالوا: إنهم يؤمنون بقرب نهاية العالم.
- أعلى النسب كانت: في نيجيريا (٤٢%) وجنوب أفريقيا (٣٦%).
- هناك ارتباط - عند بعض الثقافات - بين ارتفاع مستويات الفقر والبطالة والتعليم وزيادة الاعتقاد بقرب نهاية العالم في بعض الدول الأفريقية.
٤ - الدول العربية والإسلامية: للأسف لا توجد أي من الأبحاث والدراسات الموثوقة في هذه البلدان. لذا نحن بحاجة ماسة لمزيد من استطلاعات الرأي لفهم هذه الظاهرة بشكل أفضل وبالخصوص في العالم الإسلامي.
٥ - تشترك مجتمعات العالم للدول الشرقية والدول الغربية في أنَّ الأزمات الكبرى تزيد من البحث عن معنى وأمل، ولكن الخلفيات الدينية والثقافية المختلفة لكل مجتمع تؤدي إلى اختلافات في كيفية تأثير هذه الأزمات على الإيمان بفكرة المخلِّص المنتظر، ففي الغرب: تفسَّر الأزمات غالباً في سياق العقاب الإلهي والنبوءات الكتابية، بينما في الشرق: التفسيرات ترتبط بصورة أكبر بالنبوءات الروحانية والقيادات الدينية المحلية.
هذه النتائج توضِّح أنَّ الاعتقاد بقرب نهاية العالم له انتشار عالمي ملحوظ، ولكن بدرجات متفاوتة بين الدول والقارات، وأنَّ العوامل الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية تلعب دوراً محورياً في تفسير هذه الاختلافات الدولية.
إنَّ ارتفاع نسبة ومعدل الذين يعتقدون بقرب نهاية العالم مقارنة بالسابق(٧)، يعكس شعوراً عاماً لدى كافة الشعوب والأُمم بعدم الاستقرار،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧) هناك العديد من التقارير والأبحاث الأكاديمية المتوفرة باللغة الإنجليزية حول الأفكار المتعلقة بنهاية العالم، إليك بعض المصادر البارزة:
أ - مجلة "Sociology of Religion":
- الموقع الإلكتروني : https://academic.oup.com/socrel
- هذه المجلة المحكَّمة تنشر أبحاثاً دقيقة حول الأبعاد الاجتماعية والثقافية للمعتقدات الدينية، بما في ذلك المتعلقة بنهاية العالم.
ب - مجلة "Journal for the Scientific Study of Religion":
- الموقع الإلكتروني : https://onlinelibrary.wiley.com/journal/١٤٦٨٥٩٠٦
- هذه المجلة الرائدة في مجال علم الاجتماع الديني تنشر أحدث الأبحاث والدراسات في هذا المجال.
يمكنك البحث في هذه المصادر الأكاديمية باستخدام كلمات رئيسية مثل (معتقدات نهاية العالم)، (توقعات الأرض الجديدة) أو (تنبؤات نهاية الزمن)، وسوف تجد العديد من الأبحاث والتحليلات المفصلة حول هذا الموضوع.

↑صفحة ٧٢↑

ويدل على إحساس قوي بالخطر والقلق بشأن المستقبل، وهذا يوحي بتفكير عميق في التحولات الكبرى التي تمر بها الإنسانية الآن، ويمكن تفسير هذا الأمر على أنَّه يشير إلى نقطة تحول محورية في التاريخ البشري، حيث بدأت البشرية بتلمس حاجتها الملحة (للمخلص الموعود) لينقذها من الأزمات الكبيرة والكثيرة التي تواجهها على كافة الجهات في الوقت الراهن، وحتماً أنَّنا أمام بداية مرحلة جديدة أو بداية حقبة زمنية تحمل في طياتها أملاً وتغييراً إيجابياً يشمل جميع البشر دون استثناء، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس أو أي اختلافات أخرى.
٢ - كثرة الإصدارات الثقافية:
إنَّ المراقب والمتتبِّع للفضاء الثقافي والفكري العالمي في الآونة الأخيرة يرى بوضوح مدى تزايد عدد المؤلفات والمقالات والبحوث حول الخلاص والمخلِّص، سواء في التراث الديني أو الأدبي أو الفلسفي، مما يعكس اهتماماً متزايداً بهذه القضية، كما أنَّنا نشهد ازدياداً في النقاشات اللاهوتية (الدينية) والمناقشات العامة حول معاني الخلاص ودور المخلِّص في حياة الإنسان والمجتمع، وفي السنوات الأخيرة تزايدت الدراسات الفكرية والأكاديمية التي

↑صفحة ٧٣↑

تتناول هذه القضية، مما يشير إلى اهتمام أوسع وتركيز أعمق في هذا المجال، ويدل على حرص الباحثين والمفكرين لفهم هذه العقيدة وتأثيرها على الرأي العام العالمي، ويعكس أيضاً تحولاً في فضاء الثقافة العالمية نحو فهم أوضح وأدق للأديان والمعتقدات، وفي هذا المقام يرى بعض المراقبين والمتخصصين أنَّ هذا الاهتمام المتزايد في الدراسات الأكاديمية والإعلام الغربي بفكرة النبوءات - بما في ذلك المهدوية والمخلِّص الموعود ونهاية الزمان كجزء من النبوءات الدينية (السماوية) - مؤشِّرٌ على رغبة بعض الأفراد في فهم وتحليل كيف يمكن أن تتفاعل هذه الأفكار مع التحديات المعاصرة والأزمات العالمية الكبرى.
لا يفوتنا أن ننوِّه بأنَّ هناك أعداداً كبيرة جداً من الكتب والبحوث والمقالات والدراسات الأكاديمية التي تناولت موضوع المهدوية والمخلِّص، ولتوضيح ذلك سنشير إلى إحصائيات أكاديمية(٨) عن الكتب والأدبيات الثقافية في هذا المجال، التي صدرت في الولايات المتحدة الأمريكية (كنموذج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨) جدول الإحصائيات من إعدادنا - كاتب هذا البحث - معتمداً على بيانات وأرقام موقع جستور (JSTOR ) وهو عبارة عن موقع مكتبة الكترونية أمريكية تابعة لجامعة ميشيغان، تساعد الطلاب والباحثين والمكتبات والناشرين في جعل مجموعة متزايدة من المحتوى الأكاديمي قابلة للاكتشاف ويمكن الوصول إليها مجاناً في جميع أنحاء العالم، وهذا يشمل المجلات ذات الوصول المفتوح والكتب الإلكترونية والصور والوسائط الأخرى والتقارير البحثية..
مصدر المعلومات والأرقام ورابط البحث لكل عنوان:
https://www.jstor.org/action/doBasicSearch?Query=End+of+world
https://www.jstor.org/action/doBasicSearch?Query=End+of+Time
https://www.jstor.org/action/doBasicSearch?Query=Savior
https://www.jstor.org/action/doBasicSearch?Query=Mahdi
https://www.jstor.org/action/doBasicSearch?Query=End+times+predictions
https://www.jstor.org/action/doBasicSearch?Query=Jesus
https://www.jstor.org/action/doBasicSearch?Query=Second+Coming

↑صفحة ٧٤↑

فقط) خلال الفترة الأخيرة، بناءً على البيانات المعتمدة في موقع جستور: (مكتبة رقمية أمريكية تحت إشراف جامعة ميشيغان):

سجلت البيانات والأرقام بتاريخ ١٥ اكتوبر ٢٠٢٤م

كلمة البحث (العنوان)

كتاب

فصل في كتاب

مقال في مجلة

تقارير بحثية

نهاية العالم

End of world

١٠.٤٢١

٩٨٤.٣٦٩

٢.١٨٩.٣٦٠

٤٧.٨٧٨

آخر الزمان

End of Time

١١.٦٦٥

١.١٣٧.٥٥٣

٣.٣١٨.٩٢١

٥٥.٨٩٨

المخلِّص Savior

٤٩١

٣٥.٥٣٠

٣٢.٥٣٠

١٧٩

المهدي Mahdi

٧٨

٥.٩٣٣

١٤.٧٤٠

١.٠٦٥

تنبؤات آخر الزمان

End times Predictions

٧٦٧

٤٥.٠٥٦

١٦١.٧٧٨

١.٩٨١

المسيح Jesus

٣.٦٥٧

١٨٤.٤٣٥

٣٣٥.٦١٣

٨٧٩

المجيء الثاني

Second Coming

٧.٤٨٥

٥٥٤.٤٢٥

٩٣١.٣٩٣

١٦.٦٥٨

ولابد من الإشارة إلى الأعداد الكبيرة والضخمة للإصدارات الأكاديمية والثقافية مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية متعلقة بمواضيع مثل: آخر الزمان ونهاية العالم والمجيء الثاني، ومن جانب آخر إلى أنَّ هذه الكتب تمثِّل منظوراً حديثاً حول الخلاص وآخر الزمان، وتحاول الجمع بين التحليل العلمي والفكري والاجتماعي وبين الفهم الديني (اللاهوتي) للأحداث المستقبلية، وهذا من أقوى المؤشِّرات على أنَّ الاهتمام بموضوع المخلِّص الموعود قد ازداد في العالم حالياً، علماً أنَّ هذا الاهتمام يعكس (حالة سليمة وصحية من الناحية الفطرية والعقلية)، حيث يوفِّر الأمل والتفاؤل والخلاص من الواقع السيئ والتطلع إلى مستقبل أفضل.

↑صفحة ٧٥↑

ومن زاوية أخرى يلاحظ بصورة جليَّة الاهتمام المتصاعد بقراءة الكتاب المقدَّس في السنوات الأخيرة، وازدياد نشر كتب تفسير الأحداث الجارية في ضوء النبوءات الكتابية والبشارات السماوية والتركيز على موضوع نهاية الزمان ومستقبل البشرية، وفي هذا السياق سنشير إلى بعض الأمثلة على الكتب التي صدرت حديثاً، والتي تعد بالمئات إن لم نقل بالآلاف، وسنذكر عنوان كتاب واحد فقط من كل سنة من السنوات الخمس الأخيرة اختصاراً للبحث، وجميعها إصدارات غربية:
١ - كتاب (إشعياء: نهاية الزمان والمسيح في اليهودية -

ISAIAH: End Times and Messiah in Judaism)(٩)

للكاتب: (إسرائيل روزنبرغ)، صدر عام ٢٠٢٠م، المؤلف يستخدم أقساماً مختارة من التوراة ليقدِّم فهماً جديداً للكتاب المقدَّس من منظور يهودي، حيث يناقش مفهوم المخلِّص في اليهودية وتوقعات نهاية الزمان بناءً على سفر إشعياء.

غلاف الكتاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩) ISAIAH: End Times and Messiah in Judaism، by: Israel Rosenberg، Publisher: ‎ Gefen Publishing House / Jerusalem - Palestine، (June ٢٨، ٢٠٢٠)، Language: English، Print length: ‎٢٧٨ pages.

↑صفحة ٧٦↑

٢ - كتاب (نهاية الزمان وألف عام من السلام

End Times and ١٠٠٠ Years of Peac)(١٠)

للكاتب: (ردبل ذا وورلد)، صدر عام ٢٠٢١م، يقدِّم المؤلف كشف عن حقيقة نهاية الزمان وذلك بفهم سفر الرؤيا، ويؤكد أنَّ هذه هي الحقيقة الرائعة، وذلك بعد أن نمرّ بمقدمات (نهاية الزمان) الغريبة جداً، سندخل حقاً ١٠٠٠ عام من السلام على الأرض.

غلاف الكتاب

٣ - كتاب (المسيح في نهاية الزمان - Messiah in the End Times)(١١) للكاتب: (سام نادلر)، صدر عام ٢٠٢٢م، الذي يقدِّم منظوراً مسيحياً حول نبوءات نهاية الزمان، يتناول الكتاب دور السيد المسيح في الخلاص وما بعده، مع التركيز على أهمية إسرائيل في الأحداث المستقبلية، والكتاب يناقش أيضاً عودة المسيح وملكوته الذي سيستمر لألف عام، والمؤلف يقدم رؤية فريدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠) End Times and ١٠٠٠ Years of Peace ، by: Redpill The World، Publisher: Franaga Mk / USA (January ٢٧، ٢٠٢١) ، Language: ‎ English ، Print length: ٢٧٣ pages.
(١١) Messiah in the End Times ، by: Sam Nadler ، Publisher: ‎ Word of Messiah Ministries / North Carolina / USA (June ١٠، ٢٠٢٢) ، Language: ‎ English ، Print length: ٢٦٤ pages.

↑صفحة ٧٧↑

من نوعها لمعالجة أحداث نهاية الزمان.

غلاف الكتاب

٤ - كتاب (نهاية العالم الكبرى من قِبَل الله: الغضب والنعمة والمجد في الأيام الأخيرة للأرض -

 God’s Grand Finale: Wrath، Grace، and Glory in Earth’s Last Days(١٢)(

للكاتب: (جيف كينلي)، صدر عام ٢٠٢٣م، والذي يركِّز على تفسير سفر الرؤيا في العهد الجديد، الكتاب يناقش أهمية هذا السفر في الكشف عن خطة الله للنهاية، ويهدف إلى مساعدة القراء في فهم الدور المحوري للمسيح في أحداث نهاية العالم، يولي المؤلف اهتماماً خاصاً بالرسائل السبع المذكورة في سفر الرؤيا والموجهة إلى الكنائس، مبيِّناً ارتباطها بالكنائس الحديثة اليوم وتوجيهها نحو التصحيح الروحي.

غلاف الكتاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢) God’s Grand Finale: Wrath، Grace، and Glory in Earth’s Last Days ، by: Jeff Kinley ، Publisher: Harvest Prophecy / USA - Oregon (June ٦، ٢٠٢٣) ، Language: ‎ English ، Print length: ٢٤٠ pages.

↑صفحة ٧٨↑

٥ - كتاب (نهاية العالم كما تعرفها -

The End of the World as You Know It(١٣)(

للكاتب: (ماثيو هالستد)، صدر عام ٢٠٢٤م، والذي يعيد النظر في بعض الافتراضات الشائعة حول نهاية العالم، ويجيب المؤلف عن سؤال: ماذا يقول الكتاب المقدس حقاً عن نهاية الزمان (ولماذا يعد هذا خبراً ساراً)، ويشير إلى أنَّ فهم الكتاب المقدَّس بشكل صحيح يساعدنا على فهم حاضرنا ويغيِّر نظرتنا للأحداث المستقبلية.

غلاف الكتاب

٣ - توقيت عودة المسيح:
في نفس سياق الفضاء الثقافي الغربي، نجد أنَّ هناك كتباً ظهرت أخيراً تتحدَّث عن أحداث آخر الزمان، وتحدِّد فيه السنة التي سيعود فيها السيد المسيح إلى الأرض، وهذا من الأمور المنهي عنها حسب تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، بل ورد التأكيد على تكذيب كل من يوقِّت، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «أبى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣)The End of the World as You Know It، by: Matthew L. Halsted ، Publisher: Lexham Press / USA - Washington (February ٧، ٢٠٢٤)، Language: ‎ English ، Print length: ٢٧٩ pages.

↑صفحة ٧٩↑

الله إلَّا أن يخالف وقت الموقتين»(١٤)، وبغض النظر عن الخطأ في هذا الأمر، إلَّا أنَّه قد يدل على تلهُّف بعضٍ إلى سرعة تحقق البشارة السماوية التي ستقلب صفحات التاريخ وتغيِّر مسار البشرية من الظلم والجور إلى العدل والقسط، نشير إلى كتابين فقط، تدور معظم أفكارهما حول التوقيت، ويكفي أن تشاهد غلاف الكتاب لتعرف ذلك، مثل: الكاتب (إلبيب نيوتن) قد وقَّت وقال: بأنَّ المجيء الثاني للمسيح سيكون في عام (٢٠٤٢م)، بينما الدكتور (كريستيان وايدنر) قد وقَّت أيضاً وقال: بأنَّ المجي الثاني للمسيح سيحدث في عام (٢٠٢٧م)، انظر إلى:
- كتاب (السنوات الأخيرة للحضارة ٢٠٢٢ إلى ٢٠٤٢ -
Final Years of Civilization ٢٠٢٢ to ((١٥)٢٠٤٢
للكاتب: (إلبيب إي نيوتن)، صدر عام ٢٠٢٣م، يقدم هذا الكتاب الحسابات لتحديد السنوات المرتبطة بالأحداث الأخيرة لنهاية الزمان أو الفترات السبع الحاسمة فيما يتعلق بالهيكل والمسيح والاختطاف، ويقول المؤلف: لا أحد يعرف يوم أو ساعة الاختطاف (باستثناء السنة حسب نبوءة دانيال السبعين أسبوعاً) ويحدِّدها بعام ٢٠٤٢م، وهي السنة التي سيأتي فيها السيد المسيح ويختطف المسيحيين المؤمنين إليه، وفكرة الاختطاف(١٦) حقيقة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤) غيبة النعماني: ص١٩٨؛ المعجم الموضوعي: ص٧٦٧.
(١٥) Final Years of Civilization ٢٠٢٢ to ٢٠٤٢: Daniel’s ٧٠ - Week Prophecy A ٢٤٨٥ - Year Duration، by: Elbib E. Newton ، Published (May ٣٠، ٢٠٢٣)، Language: ‎ English ، Print length: ٢١٦ pages.
(١٦) إنَّ أشهر نص كتابي يتحدث عن الاختطاف ‏يقول بولس: (لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. (١٧) ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ) (العهد الجديد / ١تس٤: ١٦ ـ ١٧).

↑صفحة ٨٠↑

كتابية تؤمن بها كل الطوائف والكنائس المسيحية.

غلاف الكتاب

- كتاب (الشهادة على النهاية - Witnessing the End)(١٧) للكاتب: (د. كريستيان وايدنر)، صدر عام ٢٠٢٢م، يتحدَّث الكتاب عن نبوءات الكتاب المقدس، ويؤكد المؤلف أنَّه بعد ألفي عام، فإنَّ الدليل على عودة المسيح قريبة جداً ومؤكدة، وأن الأفكار الواردة في هذا الكتاب قوية وصادمة للكثير من المسيحيين، والكتاب عبارة عن مغامرة خاصة متجذِّرة في الكتاب المقدَّس يبحث عن فهم العالم وكأنَّنا نشهد النهاية، ويؤكد المؤلف أنَّ هناك العشرات من النبوءات لم نكن نعلم أنَّها حدثت بالفعل، وأنَّ إرهاصات رئيسية حدثت أيضاً، والكتاب يحتوي على رسالة عاجلة لكل مؤمن مسيحي لا يمكنه تجاهلها: وهي أنَّ الأسبوع الأخير من الأسابيع السبعين التي تنبأ بها دانيال قد وصل، مما يعني أنَّ الضيق الذي يستمر سبع سنوات قد بدأ بالفعل، وأنَّ عدّاً تنازلياً جديداً قد بدأ من سبعين أسبوعاً سينتهي في عام (٢٠٢٧م)، وهي سنة عودة المسيح الموعودة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧) Witnessing the End: Daniel’s Seventy Sevens and the Final Decree Everyone Missed، by: Christian Widener ، Published (May ١٣، ٢٠٢٢)، Language: ‎English ، Print length: ٤٣٨ pages.

↑صفحة ٨١↑

غلاف الكتاب

بشكل عام شهدت قضية المخلِّص والخلاص وأحداث آخر الزمان اهتماماً متزايداً على المستوى العالمي، وهذه العيِّنة من الإحصائيات والكتب تسلِّط الضوء على التطورات الفكرية الحديثة حول الموضوع، وتجمع بين التحليل العلمي المعاصر والنظرة التاريخية الدينية وربطها بالأزمات الكبرى والأحداث الجارية حالياً في العالم، وفي هذا المجال نلفت النظر إلى ملاحظات عدَّة:
- الدراسات الأكاديمية: اهتمام متزايد في الأوساط الأكاديمية العالمية بدراسة الروابط بين المخلِّص المنتظر والتطورات العلمية، وفي الواقع يعبر عن ازدياد الرغبة في التعلق بالمفاهيم الدينية واستكشاف الروابط بين العلم والدين، مما يعكس تحولاً في كيفية فهم الدين والعقائد الروحية في سياقات حديثة.
- التأمل في المستقبل: هذا الاهتمام المتزايد في الفضاء الثقافي بأفكار آخر الزمان كجزء من النقاشات حول مستقبل البشرية، يعكس تحوُّلاً في الثقافة العالمية نحو فهم أعمق للبشارات الدينية السماوية، ويعتبر هذا التأمل فرصة لاستكشاف كيف يمكن أن تتفاعل الأفكار الروحية مع التحديات العلمية.

↑صفحة ٨٢↑

- شخصية المخلِّص الموعود: تظهر بشكل متزايد في الأعمال الفنية والأدبية، مما يدل على قبولها كموضوع للنقاش والحوار والتعبير في ثقافة الشعوب والرأي العام العالمي، وهذا يعكس تحوُّلاً في كيفية رؤية المعتقدات الدينية في السياقات الثقافية المعاصرة.
- البحث عن المعنى الروحي: بعض المفكرين يرون أنَّ الاهتمام المتزايد بالخلاص والمخلِّص في العالم العلماني، يعكس رغبة في البحث عن المعنى الروحي في عالم معاصر مليء بالتحديات الأخلاقية، هذا الاهتمام قد يُعتبر مؤشِّراً على تحول ثقافي نحو إعادة تقييم القيم الروحية والدينية.
فتزايد الأعمال الفكرية والثقافية يدل على أنَّ القضية أصبحت محور اهتمام متصاعد من قبل النخبة المثقفة والرأي العام العالمي بشكل ملحوظ، ويدل من جهة أخرى على أنَّ الشعوب بدأت تشهد صحوة فكرية وروحية متجدِّدة، حيث يتوقُ الناس إلى الاقتراب من الحلول السماوية للأزمات العالمية الكبرى والتحديات المعاصرة، ولهذا نلاحظ ازدياد الوعي في وجدان شعوب العالم بأهمية البحث عن المخلِّص الحقيقي.
لابد من التأكيد على أنَّ هناك الكثير من الدلائل والمؤشرات التي توضح حجم إحصاءاتها(١٨) على مدى تصاعد وتزايد الاهتمام بمسألة المخلِّص الموعود في العالم في الآونة الأخيرة، مثل كثرة: المؤتمرات الأكاديمية، والأفلام، والمسلسلات التلفزيونية، والمستندات، والصوتيات، والفيديوات، والصور، والعديد من الجوانب الأخرى، ومجمل هذه الحقائق تدل على أنَّ المخلِّص المنتظر يعتبر رمزاً للأمل والتفاؤل والتغيير الإيجابي لدى شعوب العالم في ظل الأزمات العالمية المعاصرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨) للاطلاع على بعض هذه الإحصائيات يمكن زيارة موقع جستور ( www.jstor.org)، ولم نشر إلى كثرة الإنتاج والإصدار في السنوات الأخيرة مراعاة لحجم ورقة البحث وعدم الرغبة في الإطالة.

↑صفحة ٨٣↑

الأسباب الكامنة وراء ازدياد البحث عن المخلِّص:
في الآونة الأخيرة شهدت قضية المخلِّص الموعود تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام العالمي، ويعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
١ - الأزمات والاضطرابات السياسية:
عندما تتعمَّق التوترات السياسية وتشتد الحروب وتستمر الصراعات في العديد من مناطق العالم، تخلق شعوراً بالخوف وعدم الأمان، وعندما تتلاشى الآمال في تحقيق الاستقرار والعدالة، يشعر الناس باليأس والقلق إزاء المستقبل، وحينها يميل البشر بشكل طبيعي إلى البحث عن حلول جذرية ومطلقة لمشاكلهم، هنا تبرز فكرة المخلِّص الموعود كشمعة أمل وسط الظلام، فيتطلَّع الناس إلى شخصية قوية وملهمة تقدِّم لهم الأمل والحلول، وتكون قادرة على إنهاء المعاناة وإعادة بناء العالم من جديد.
تولِّد الأزمات في الإنسان إرادة صلبة تدفعه للبحث عن أُفق جديد، أملاً في مستقبل أفضل، انطلاقاً من:
- التطلُّع إلى السلام: في خضم الحروب واليأس، يتطلَّع الناس إلى شخصية قوية قادرة على تقديم الأمل والتغيير الإيجابي، فالمخلِّص الموعود يمثِّل هذا الأمل، لما يقوم به من تحقيق الأمن والسلام وإنهاء القتال.
- الشعور بالظلم والقهر: عندما يشعر الناس بالظلم والقهر، يبحثون عن قوة قادرة على إنصافهم، والمخلِّص الموعود يمثل هذه القوة العليا الذي يحرِّر البشرية من براثن الظلم والجور وينشر القسط والعدل.
- الرغبة في الهروب من الواقع: عندما يصبح الواقع مؤلماً لدرجة أنَّ الناس يفضلون الهروب منه إلى عالم آخر يوفر لهم الأمان والسعادة، فالمخلِّص الموعود في آمالهم يمثل هذا العالم المثالي في المستقبل.

↑صفحة ٨٤↑

بالتأكيد أنَّ الأحداث السياسية والاضطرابات الكبرى تلعب دوراً مهماً في تشكيل وجدان الشعوب وتأثيرها على معتقداتهم الدينية، مما يؤدّي إلى تصاعد الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود.
٢ - الكوارث العالمية الكبرى:
تعتبر الكوارث الطبيعية الكبرى أحد الظواهر التي تهز أُسس الحياة على الأرض، محملة بتداعيات وخيمة تطال البيئة والبشرية، وهذه الكوارث بشتّى أشكالها تترك آثاراً وخسائر جسيمة لها أثرٌ طويل الأمد على الإنسانية، وتعتبر آثارها تحدِّياً جسيماً للمجتمعات والشعوب.
تبعاً لذلك يندفع الناس للبحث عن الأمل في فكرة المخلِّص الموعود الذي يمكنه إنهاء المعاناة.
الكوارث الكبرى غالباً ما تكون سبباً في زيادة الاهتمام بفكرة المخلِّص، وذلك لأسباب عدَّة، منها:
- التأثير البيئي: تسبب الكوارث الكبرى تدميراً هائلاً للبيئة، مثل الزلازل والأعاصير وحرائق الغابات والفيضانات، وتستتبع بتهديد الكائنات الحية، مما يؤدي إلى تفكير كثير من الناس في نهاية العالم.
- التأثير الاجتماعي: تؤثر الكوارث على المجتمعات والأفراد، مما يؤدي إلى خسارة المأوى أو فقدان الأرواح، فترتبط مشاعر الخوف والقلق عند الناس مع الأمنيات والرجاء والبحث عن الراحة والأمل.
- التأثير الاقتصادي: تسبب الكوارث الكبرى خسائر اقتصادية هائلة، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي، مما يجعل الناس تلجأ إلى الفطرة (الدين/المخلص) كوسيلة للتعامل مع الصدمة والبحث عن الأمل.
إنَّ الأزمات والكوارث تدفع الأفراد للبحث عن معنى أعمق للحياة، مما يجعلهم أكثر تقبلاً للأفكار الروحانية والنبوءات الدينية، وكنتيجة لذلك

↑صفحة ٨٥↑

فقد فسر كثير من الناس (جائحة كوفيد ١٩) كعلامة من علامات نهاية العالم، وأدى إلى زيادة قراءة النصوص الدينية المتعلقة بالأمراض في آخر الزمان، مما جعل فكرة المخلِّص المنتظر أكثر جاذبية.
٣ - البحث عن العدالة:
تُعتبر العدالة والمساواة من المبادئ الأساسية التي تسعى المجتمعات الإنسانية لتحقيقها، حيث تشكل حجر الزاوية لاستقرار الدول والمجتمعات، ومع ذلك يعاني العالم اليوم من تباينات شديدة في أوضاع حقوق الإنسان، مما أدَّى إلى تفشّي الظلم والجور والإرهاب والفقر والتمييز وعدم المساواة، وتتجلَّى هذه الظواهر بشكل واضح في مختلف الأصعدة وأوجه الحياة، مما يثير القلق حول مستقبل المجتمعات.
في هذا السياق، تزداد الحاجة إلى رمز للأمل والتغيير، مثل فكرة المخلِّص الموعود، والتي تُعبر عن تطلُّعات البشرية نحو العدالة والتغيير، إذ يراها الكثيرون رمزاً للإنقاذ من الأوضاع الراهنة، وفي أوقات الشدة والمحن والواقع الإنساني الرديء يعكس هذا الاهتمام المتزايد للفكرة رغبة الناس في رؤية حلول جذرية لمشاكلهم، وتطلُّعاتهم نحو تحقيق مجتمع أكثر عدلاً ومساواة، وبكل تأكيد فإنَّ ضعف العدالة والمساواة في العالم ساهم في تعزيز الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود لنواحي عدَّة:
- الحاجة إلى الأمل: عندما يفشل الواقع في توفير العدالة والمساواة في المجتمعات، يتَّجه الناس تلقائياً بفطرتهم إلى الأمل والرجاء والبحث عن قوة قادرة على تغيير الأمور.
- الخوف من المستقبل: عندما ترى الشعوب أنَّ العالم مليءٌ بالظلم يتوقون إلى عالم عادل، فيتقصون عن ضمانة لمستقبل أفضل، فيجدونها في فكرة المخلِّص الذي سيأتي ويقودهم إلى بر الأمان ويحقق الحلم.

↑صفحة ٨٦↑

- ضعف المؤسسات الدولية: عندما تفشل الحكومات والمؤسسات الدولية في تحقيق العدالة، تفقد مصداقيتها وثقة الناس، فيطلبون حلولاً خارج نطاق الواقع الملموس، مثل فكرة المخلِّص الذي سيأتي لتحقيق العدل والإنصاف.
إنَّ فكرة المخلِّص الموعود هي تعبير عن الأمل الإنساني في عالم أفضل، وهي تتجذَّر في أعماق النفس البشرية التي تتوق إلى العدل والإنصاف، فعندما تشعر الشعوب والمجتمعات بالظلم والقهر في ظروف غير عادلة مليئة بالأزمات والاضطرابات، يصبح الرأي العام أكثر استعداداً لقبول فكرةٍ تحمل في طياتها أملاً بتحقيق عالم عادل ومتساوٍ، متحرر من براثن الظلم ويعم فيه الخير.
٤ - التحولات الاجتماعية والأخلاقية:
تعتبر التحولات الأخلاقية والاجتماعية المتسارعة التي يشهدها العالم في العصر الحالي أحد العوامل الرئيسة التي تساهم في زيادة الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود، فهذه التحولات الجذرية (مثل: الجندر، المثلية، الانحراف الأخلاقي الفظيع، التلاعب بالجينات البشرية، العولمة، تغير مفهوم الأُسرة، صعود الفردانية، أخلاقيات الذكاء الصناعي وغيرها) تحديات كبيرة تؤثر على هوية المجتمعات والقيم التقليدية والمعتقدات الدينية، مما يخلق فراغاً روحياً وأخلاقياً يدفع الأفراد إلى البحث عن معانٍ جديدة وأمل في المستقبل.
كل الأديان السماوية (الإسلام، المسيحية، اليهودية) ترى: أنَّ هذه التحولات والسلوكيات هي انحراف عن القيم الأخلاقية والدينية السائدة، باعتبارها تمثل انحرافاً عن الفطرة البشرية، وعن القيم الأخلاقية التي وضعها الله تعالى للإنسان، وتربط هذه الأديان بين هذه التحوُّلات العميقة وبين نهاية العالم، معتبرة إياها من علامات آخر الزمان، وبكل تأكيد فإنَّ اتِّجاه البشرية

↑صفحة ٨٧↑

في هذا المنحى الأخلاقي الخطير يساهم في تعزيز الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود لنواحي عدَّة:
- تآكل القيم الأخلاقية: تعتبر هذه السلوكيات طارئة على المجتمع البشري ومنافية للأخلاق السوية، مما يدفع المجتمعات إلى البحث عن جهة أو كيان يوقف هذا الانحدار الخطير، ويعيد الأمور إلى نصابها السليم.
- التحديات الاجتماعية: تؤثر على المفاهيم التقليدية للأسرة والزواج، وتخلق مشاكل نفسية واجتماعية عديدة وخاصة في المجتمعات المحافظة، مما يجعل الأفراد يشعرون بفقدان الجذور والانتماء وضياع المعنى في الحياة، وهنا تبرز فكرة المخلِّص كرمز للهوية والانتماء الروحي.
- الخطر على مستقبل البشرية: إنَّ وجود هذه التوجهات يهدد الأسرة التقليدية، ويضعف الهوية الجنسية، ويشكل تهديداً كبيراً تواجهه البشرية نتيجة لهذه التحولات، تستدعي التنقيب عن جهة توقف هذا الانحراف.
إنَّ السقوط الأخلاقي الخطير والتلاعب بالطبيعة البشرية والتحولات الاجتماعية المتسارعة التي يشهدها المجتمع البشري، تؤدي إلى الشعور بالضياع والفراغ، وتسبب حالة من عدم الاستقرار والقلق، ونتيجة ذلك تلعب هذه التحولات دوراً مهماً في زيادة الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود، باعتبارها رد فعل طبيعي على التحديات التي يواجهها الإنسان المعاصر، وتوفر له الأمل والمعنى في ظل عالم متغيِّر ومتسارع، وتحفظ له شعور بالاستقرار والثبات.
قراءة فكرية واستراتيجية لدلالات تصاعد الاهتمام بالمخلِّص الموعود:
فكرة المخلِّص الموعود، رغم أنَّها قد تبدو للوهلة الأولى مجرد رمز ديني أو نبوءة مستقبلية، إلَّا أنَّها من منظور استراتيجي وفكري وأيديولوجي تعكس ديناميكيات أعمق ترتبط بتغيرات جذرية في البنية النفسية، السياسية، والاجتماعية للشعوب.

↑صفحة ٨٨↑

إنَّ تصاعد الاهتمام بالفكرة في السنوات الأخيرة، يشير إلى أنَّ العالم يمر بمرحلة من التحوُّلات الكبرى، وأنَّ البشرية على أعتاب عصر جديد من التحولات والمخاضات الكبرى، وتتَّجه نحو البحث عن قيادات تلبي احتياجاتها العميقة في الاستقرار، والهوية، والأمل بالمستقبل.
ومن هنا فإنَّ مراقبة تصاعد هذه الفكرة وتحليل أسبابها وتداعياتها تعد خطوة ضرورية لفهم التحولات القادمة في مسارات الشعوب ووجهات الرأي العام العالمي، ومن هذا المنطلق أجرينا عصفاً ذهنياً لتحليل دقيق وتأمل عميق لقراءة هذا الاهتمام بحكمة وبصيرة، وفك شفرة ما تخفيه لنا دلالات الاهتمام المتزايد بموضوع المخلِّص، وسنركِّز على بعض النقاط الرئيسة ونتطرق إليها باختصار:
التحليل الاستراتيجي:
عندما تركِّز الشعوب على مسألة (المخلّص الموعود) أو (المنقذ المنتظر) بشكل واسع وعام، فهذا يعكس دلالات استراتيجية عميقة ترتبط بمستويات كونية وحضارية، لتشير إلى حالة شعور جماعي عالمي بالخطر أو بالتحوّل الجذري، ويمكن تحليل هذا الاتجاه للشعوب والرأي العام العالمي على مستويات استراتيجية عدَّة، منها:
١ - مؤشر على قلقٍ وجودي حقيقي:
عندما تتَّجه البشرية نحو فكرة (المنقذ الموعود)، فقد يكون ذلك ناتجاً عن قلق وجودي عميق، وأنَّ المخاوف من الفناء أو من انهيار الحضارة ربما أصبحت واقعاً ملموساً بسبب التهديدات النووية، أو التغيُّرات المناخية المتسارعة، أو الكوارث الطبيعية أو التهديدات المرتبطة بتكنولوجيا المستقبل.

↑صفحة ٨٩↑

رؤية استراتيجية: يعني أنَّ العالم يرى نفسه على حافة الهاوية، وأنَّ الشعوب لم تعد تبحث عن حلول إصلاحية تدريجية، بل تتوقَّ إلى (قفزة كبرى) تنقذ البشرية من أزمة وجودية شاملة.
٢ - فقدان الثقة بالنظم والمؤسسات الدولية القائمة:
عندما تتحوَّل فكرة المخلِّص إلى عنصر مركزي في الوعي الجماعي، فذلك يدل على تآكل الثقة بالنظم السياسية الحالية، وهذا يعني أنَّ الشعوب قد فقدت إيمانها بقدرة القادة الحاليين أو البنى المؤسساتية على تلبية احتياجاتها.
رؤية استراتيجية: تشير هذه الظاهرة إلى استعداد المجتمعات لتقبل أنماط جديدة من القيادة أو التحرك باتِّجاه تغييرات جذرية، سواء كانت إصلاحية أو ثورية.
٣ - مؤشر لتحوُّلات كبرى في الرأي العام العالمي:
من الناحية السياسية، تعكس هذه الظاهرة استعداد المجتمعات الدولية لتقبل أفكار أو قيادات جديدة، بل قبول تركيبة سلطوية تتمحور حول شخصية (مخلّص) حقيقي.
رؤية استراتيجية: ظهور مثل هذه الأفكار (تاريخياً) كان غالباً يسبق تحولات كبرى، مثل الثورات أو الصعود الحاد للحركات الراديكالية أو الحروب الدولية الكبرى.
٤ - بحث عن قيادة عالمية واحدة:
الاهتمام بفكرة المخلِّص قد يشير إلى توقٍ عالمي لظهور قيادة (كونية) أو رمز يوحد البشرية في ظل النظام العالمي الحالي المنقسم والمضطرب، ذي الأقطاب المتناحرة.

↑صفحة ٩٠↑

رؤية استراتيجية: يشير إلى وجود فراغ قيادي حقيقي، ويعني أنَّ المؤسسات الدولية الحالية (مثل: الأُمم المتحدة، ومجلس الأمن) باتت عاجزة عن أداء دورها، وأنَّ البشرية تتَّجه نحو فكرة (حكومة عالمية واحدة).
٥ - تآكل الأيديولوجيات والمعتقدات السائدة:
البحث عن (المخلِّص) وتصاعد هذه الفكرة في وجدان شعوب العالم يشير إلى أنَّ الأيديولوجيات السياسية والاقتصادية والفلسفية التي حكمت القرن العشرين (كالليبرالية، والشيوعية، والرأسمالية) قد فقدت قوتها التأثيرية، وأصبحت غير قادرة على إلهام الشعوب.
رؤية استراتيجية: إنَّ النظام القيمي والأخلاقي الذي تقوم عليه الحضارة الحديثة قد بلغ حدوده القصوى، وأنَّ هناك حاجة ماسة لنظام بديل وجديد يتجاوز هذه الأُطر التقليدية.
٦ - بداية تحول في دورة الحضارات:
هذا التصاعد والاهتمام عالمياً لفكرة (المخلِّص) يشير إلى أنَّنا نقف عند نقطة انعطاف في دورة الحضارات الكبرى(١٩)، حيث إنَّ الحضارات تمر بمراحل من الصعود والازدهار، يليها الانحدار والبحث عن قوى خارجية تعيد إحياءها.
رؤية استراتيجية: يشير إلى أنَّ البشرية بأكملها تعيش لحظة من التحوُّل الكبير، وأنَّنا نقترب من مرحلة بداية نهاية (العصر الحديث) كما نعرفه، وبداية عصر جديد يتسم بتحوُّلات جذرية كلياً وعلى كافة الأصعدة، وإعادة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩) وفقاً لنظرية (الدورات الحضارية) للمؤرخ: أرنولد جوزف توينبي: (Arnold J. Toynbee)‏ مؤرخ بريطاني ولد في ١٨٨٩ في لندن وتوفي ١٩٧٥ أهم أعماله: موسوعة دراسة للتاريخ، وهو من أشهر المؤرخين في القرن العشرين، لمزيد من التفاصيل انظر: تفسير تُوينبي لنشوء الحضارة وسقوطها، في كتاب: مختصر دراسة التاريخ (٤ أجزاء) ترجمة: فؤاد شبل.

↑صفحة ٩١↑

تشكيل للنظام العالمي الحالي، وأنَّ النظام الدولي القائم على وشك أن ينهار ويتغيَّر جذرياً.
٧ - الانعكاسات على السياسات الدولية:
من منظور السياسة الدولية، تزايد هذا الاتِّجاه يؤدي إلى بروز نماذج جديدة من التحالفات المبنية على (الأيديولوجيا المخلّصة)، حيث تبدأ الدول أو الحركات السياسية في تشكيل تحالفات عابرة للحدود تقوم على مفهوم (الخلاص والمخلِّص) المشترك، مما يغيِّر من ديناميكيات التحالفات التقليدية.
رؤية استراتيجية من الواقع المعاصر: يتجلّى بشكل خاص في حالة تحالف: الصهيونية اليهودية والمسيحيين الإنجيليين، حيث تربطهما (رؤية خلاصية)(٢٠) ذات أهداف ومصالح متقاربة، تعادي النظام العالمي، وتسعى لتغييره وفق تصور جديد، زاعمين - لتبرير أفعالهم الإرهابية والمتطرِّفة - أنَّهم يحاربون من أجل تحقيق نبوءة دينية أو تحقيق حلم بشري مشترك.
استنتاج استراتيجي:
إذا زادت الشعوب تركيزها على فكرة (المخلِّص الموعود)، فهذا يعني أنَّ المجتمع العالمي في حالة تحوُّل، وقد يكون في طور البحث عن مخرج من أزمة شاملة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠) الأهداف الأيديولوجية لهذا التحالف نلخصها بالآتي:
- الأهداف الصهيونية اليهودية: إقامة دولة (إسرائيل الكبرى) ذات أغلبية يهودية في أرض فلسطين، التي يعتبرها اليهود أرض الميعاد.
- الأهداف المسيحية الإنجيلية: تسريع عودة المسيح الثانية، حيث يعتقد المسيحيون الإنجيليون، أن قيام دولة إسرائيل وتوحيدها هو شرط أساسي للمجيء الثاني، وأنَّ هذا الحدث سيؤدي إلى نهاية العالم وبداية الألفية الجديدة.

↑صفحة ٩٢↑

من الضروري على المهتمين والمسؤولين مراقبة هذا الاتجاه بعمق لفهم التوجهات القادمة، حيث إنَّه إشارة مبكرة لتغيرات جيوسياسية كبرى.
التحليل الفكري:
تصاعد الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود في السنوات الأخيرة في وجدان الشعوب يثير العديد من الأسئلة والاستفسارات حول الدوافع وراء هذا الاهتمام، وتأثيره على الأفراد والمجتمعات، وأهميته الاستراتيجية والفكرية، وسنوضِّح تحليلاً شاملاً من الناحية الفكرية على زيادة هذا الاهتمام، ومن زوايا مختلفة عدَّة:
علم النفس:
- الحاجة إلى المعنى والأمل: إنَّ الإنسان يميل للبحث عن معنى للحياة والأمل في المستقبل، خاصة في مواجهة الأزمات والصعوبات، ولذا فإنَّ الإيمان بالمخلص يوفر إطاراً تفسيرياً للأحداث ويمنح الحياة هدفاً.
- الخوف من المجهول: الاعتقاد بفكرة (المخلِّص) وسيلة للتغلُّب على الخوف من المجهول والمستقبل الغامض، ويمكن اعتباره محاولة للعودة إلى الماضي الذهبي أو الهروب من الواقع المؤلم والصعب المعاصر.
- آليات الدفاع: هذا الاعتقاد بمثابة آلية دفاع نفسية تساعد الأفراد على التعامل مع الشعور بالضعف والعجز أمام الأحداث الكبرى.
رؤية من منظور علم النفس: البشر يميلون إلى البحث عن أمل في الأوقات الصعبة، وأنَّ الإيمان بفكرة المخلِّص يوفر شعوراً بالراحة والأمان النفسي، حيث يتم نقل العبء من الأفراد إلى شخصية قوية وقادرة على التغيير، هذا الإحساس بالخلاص الخارجي يساعد في تخفيف القلق الجماعي وتحقيق نوع من الاستقرار النفسي.

↑صفحة ٩٣↑

علم الاجتماع:
- وظائف الدين: يلعب الدين دوراً مهماً في تلبية الحاجات الاجتماعية والنفسية للأفراد، وعقيدة المخلِّص الموعود هي إحدى هذه الوظائف، وتقوية الروابط بين أفراد الجماعة.
- التغيير الاجتماعي: إنَّ الإيمان بالمخلِّص الموعود محركٌ للتغيير الاجتماعي، حيث إنَّه يدفع الناس إلى العمل من أجل تحقيق رؤية مستقبلية أفضل.
- التماسك الاجتماعي: تساهم هذه العقيدة على بناء الهوية الجماعية، وتعزيز التماسك الاجتماعي بالانتماء إلى مجموعة إنسانية كبرى، وبناء مجتمع قوي ومتماسك قادر على مواجهة التحديات المعاصرة.
رؤية من منظور علم الاجتماع: يركِّز علماء الاجتماع على العوامل الاجتماعية التي تساهم في انتشار هذا الاعتقاد، فالتغيُّرات السريعة في المجتمع، مثل المادية والتكنولوجيا والعولمة والعلمانية، قد تزيد من الشعور بالضياع والفراغ، مما يدفع الأفراد إلى البحث عن هوية مشتركة ومعتقدات توحدهم.
التخطيط الاستراتيجي المستقبلي:
- يساعد فهم (الدوافع وراء الإيمان بالمخلِّص الموعود) على الاستعداد للأزمات والاضطرابات التي قد تنجم عن هذا الاعتقاد.
- استخدام مفهوم المخلِّص الموعود في تطوير خطط وسيناريوهات مستقبلية مختلفة في المجالات الدينية والاجتماعية والثقافية، وتقييم الآثار المحتملة لكل خطة.
- يمكن للسياسيين والقادة تحليل هذا الاهتمام بالمخلص، لتحديد رؤية المجتمعات المستقبلية واتجاهها، ودراسة استراتيجيات للتأثير على هذه الاتجاهات وتوجيهها بما يخدم مصالح الشعوب.

↑صفحة ٩٤↑

رؤية من منظور التخطيط الاستراتيجي: من المهم أن تتذكَّر الدول أنَّ التعامل مع هذه القضية يتطلَّب حساسية وفهماً عميقاً للسياق الاجتماعي والثقافي والديني، وأنَّ الحلول الأمنية وحدها لن تكون كافية، بل يجب أن تكون جزءاً من مقاربة أكثر شمولية تعالج الأسباب الجذرية، وتعزز القيم الإنسانية المشتركة لمواجهة الصعاب.
استنتاج فكري:
تصاعد الاهتمام بفكرة (المخلِّص الموعود) يعكس شعوراً جماعياً بالأزمة وعدم اليقين العالمي، مما يدفع البشر للبحث عن حلول جذرية وشخصيات قيادية استثنائية قادرة على إنقاذ المجتمعات، هذا التوجُّه هو آلية دفاعية للتعامل مع القلق والخوف، وحاجة الإنسان الأساسية للمعنى والأمان في ظل الاضطرابات المتزايدة، وينبع هذا التوجُّه من التغيُّرات الاجتماعية السريعة، وضعف المؤسسات التقليدية، والرغبة في الهوية والانتماء، كذلك يعكس أزمة روحية وإحساساً بالعجز أمام التحديات الكبرى، بالإضافة إلى أنَّه يشير إلى استعداد فكري للتحولات التاريخية والاجتماعية الكبرى.
الرؤية الدينية والروحية:
تصاعُدُ الاهتمام بفكرة (المخلِّص الموعود) عند البشرية، يشير إلى ظاهرة دينية وروحية عميقة، يمكن تفسيرها على مستويات متعدِّدة تتعلق: بالبنية الروحية للإنسانية، أو رؤية الحضارات لمصيرها، أو موقع البشرية في المسار التاريخي الممتد من الماضي إلى المستقبل.
هذه الظاهرة تتجاوز التحليل التقليدي للمجتمعات لتلامس الأسئلة الكبرى حول المصير والقيم والمآلات النهائية للوجود البشري، ومن هذا المنطلق يمكن قراءتها على النحو التالي:

↑صفحة ٩٥↑

١ - التطلُّع إلى الخلاص الروحي الشامل:
الاهتمام الشامل بفكرة (المخلِّص) يعكس توقاً جماعياً نحو نوع من الخلاص الروحي الذي يتجاوز الحدود القومية أو الثقافية أو حتَّى الدينية، هذا التوجُّه يشير إلى أنَّ البشرية تشعر بأنَّ هناك فراغاً أو انحرافاً عن المسار الروحي والديني الصحيح، وأنَّ هناك حاجة ماسة إلى قوة خارجية أو شخصية ربانية لتعيد التوازن الروحي للعالم.
رؤية وبصيرة: هذا التوجُّه يدل على اقتراب البشرية لنوع من التحول الروحي العالمي، حيث يبدأ الناس بالبحث عن حقيقة وجودية جديدة أو نظام قيمي بديل، يعيد تعريف معاني الخير والشر، ويطرح منظوراً مختلفاً لغاية الحياة والوجود.
٢ - إحياء النبوءات والرموز الدينية الكبرى:
تصاعد الاهتمام بفكرة (المخلِّص الموعود) عبارة عن مؤشر على إحياء النبوءات الدينية التقليدية، فمعظم الأديان الكبرى تتحدَّث عن شخصية المخلِّص في نهاية الزمان، سواء كان (المهدي المنتظر) في الإسلام، أو (عودة المسيح الثانية) في المسيحية، أو (المسيا) في اليهودية، أو (المايتريا) في البوذية، أو (الكالكي) في الهندوسية.
رؤية وبصيرة: أنَّ ظهور هذه الفكرة بشكل متزامن على مستوى عالمي، يعطي إشارة إلى أنَّ البشرية تعيش لحظة توحّد روحي نادرة، حيث يشعر أتباع كل دين بأننا نقترب من تحقيق بشارات أو رؤى دينية قديمة تتعلق بنهاية الزمان وبداية عصر جديد، من هذا المنطلق فإنَّ هذه الظاهرة قد تكون علامة على اقتراب أحداث كونية يتوقعها البشر عبر أجيال طويلة.

↑صفحة ٩٦↑

٣ - حاجة البشرية إلى مرشد رباني:
الاهتمام بفكرة المخلِّص يشير إلى أنَّ البشرية أصبحت تعي بشكل جمعي أنَّها تحتاج إلى (مرشد رباني) يتجاوز الأُطر الدينية التقليدية، وهناك شعور بأنَّ الإرشادات الدينية القديمة لم تعد كافية لمواجهة تعقيدات العصر الحديث، وأنَّ البشرية بحاجة إلى (مخلِّص) يمتلك رؤية وبصيرة شاملة لمستقبل البشرية.
رؤية وبصيرة: هذا المخلِّص ليس فقط قائداً روحانياً، بل هو أيضاً رمزٌ لوحدة البشرية، ومعلمٌ لحقائق ربانية تتجاوز العقائد والحدود المعروفة، من هذا المنظور فإنَّ زيادة الاهتمام بهذه الشخصية يحمل معنىً عميقاً للتحول الروحي الذي تحتاجه الإنسانية لتجاوز أزماتها.
٤ - مؤشر على أزمة أخلاقية عالمية:
تصاعد الاهتمام بفكرة المخلِّص يشير إلى إدراك عميق بأنَّ البشرية تعاني من أزمة أخلاقية وروحية، فهناك شعور بأنَّ العالم قد انحرف عن القيم الجوهرية للإنسانية، مثل العدالة، والرحمة، والتعاطف، وهذا التوق للمخلِّص بداية المحاولة لاستعادة هذه القيم في عالم يبدو أنَّه أصبح مادياً ومعزولاً من الناحية الروحية.
رؤية وبصيرة: هذا الشعور بالأزمة يؤكد على أنَّ النظام القيمي الذي حكم العالم لقرون عدَّة لم يعد قادراً على الصمود، وأنَّ البشرية تبحث عن إطار أخلاقي وروحي جديد يعيد التوازن للمعايير والقيم المجتمعية.
٥ - انعكاس لمفهوم النهاية والبداية في الأديان:
من الناحية الدينية، كل الأديان الكبرى تتحدَّث عن (نهاية الزمان) التي تترافق مع قدوم (المخلِّص) أو (المنقذ)، فهذا الاهتمام المتصاعد لفكرة المخلِّص يعكس شعوراً جمعياً بأنَّ البشرية وصلت إلى (المنعطف الأخير) وأنَّ هناك بداية جديدة قادمة.

↑صفحة ٩٧↑

رؤية وبصيرة: إنَّ شيوع فكرة المخلِّص يعتبر انعكاساً لمفهوم (نهاية التاريخ) التي تشير إلى أنَّ البشرية على وشك الدخول في مرحلة جديدة من التاريخ، حيث سيتحوَّل التركيز من الصراع المادي إلى نوع من السلام الروحي الجديد، إذاً نحن على أعتاب نقطة تحول كبرى يعاد فيها تشكيل النظام الروحي للعالم بشكل جذري.
سرّ الانتظار:
ما الذي يدفع مليارات البشر للبحث عن المخلِّص حالياً؟
تصاعد الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود في الآونة الأخيرة يعكس توجهات عميقة ومتعددة الأبعاد على المستوى الديني، السياسي، الاجتماعي، والنفسي، ويُظهر في الوقت ذاته تحولات ذات طبيعة استراتيجية يمكن أن تؤثر على المشهد العالمي، ولذا من الضروري معرفة الدوافع الدينية والاستراتيجية لكل طائفة أو جهة لقراءة صورة وإطار هذا الاهتمام الحالي بشكل منطقي وسليم:
- المسلمون: تصاعد الاهتمام بفكرة الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) يُعبر عن انعكاس لحالة الإحباط من الأنظمة السياسية الراهنة، والشعور بفقدان العدالة الاجتماعية والانحطاط الأخلاقي وانتشار الظلم والجور في كل العالم.
- المسيحيون: يعكس الاهتمام المتزايد أملاً في تدخل إلهي مباشر لإنهاء معاناة البشرية، ويعبر أيضاً عن قلق ديني من تدهور القيم الأخلاقية، مما يجعل فكرة العودة الثانية للمسيح تُفهم على أنَّها إعادة لترتيب القيم والعدالة.
- اليهود: الاهتمام المتزايد بفكرة (المسيّا - المسيح اليهودي) يشير إلى توتر متصاعد داخل المجتمع اليهودي، وإحساس بالخطر على الهوية اليهودية، فضلاً عن التوترات السياسية والخطر الوجودي المحيط بمستقبل إسرائيل.

↑صفحة ٩٨↑

زيادة الاهتمام بفكرة المخلِّص الموعود يعكس إحساساً متنامياً بين أتباع الديانات الكبرى والشعوب العالمية بضرورة تغيير الواقع الحالي والبدء في التصحيح في ظل ما تراه البشرية من انحرافات أخلاقية وظلم على الساحة الدولية، وربطها أيضاً بالأزمات العالمية الكبرى مثل الحروب والكوارث التي تُعتبر نُذُراً لنهاية الزمان.
استنتاج من منظور أيديولوجي (العودة إلى الروحانية):
يشهد العالم اليوم نهضة روحية متجدِّدة تتجلّى في الإيمان المتزايد بالمخلِّص الموعود، ففي ظل تسارع وتيرة الحياة المادية والنزعة العلمانية في العالم، يشعر كثير من الناس بفراغ روحي يدفعهم للبحث عن معنى أعمق للحياة، وهنا تأتي فكرة أو عقيدة (المخلِّص) لتلبي هذه الحاجة، حيث يمثل رمزاً للأمل والوحدة والخلاص، ويوفر إجابات للأسئلة الوجودية التي تشغل بال الإنسان.
إنَّ هذا التوجه في وجدان شعوب العالم يعكس رغبة عميقة في العودة إلى الأصول الروحية والقيم العليا، ويشير إلى تحول البشرية نحو نظام قيمي جديد (مبادئ وأخلاق قائمة على التعاليم السماوية)، يجمع ويوازن بين الحياة المادية (التطور العلمي) والجانب الروحي (التوحيد والعدالة)، مما يوفر للإنسان معنىً للحياة (عبادة الخالق وعمارة الأرض)، ويعطيه هدفاً يسعى لتحقيقه، ويمنحه أملاً في مستقبل أفضل.
خلاصة استراتيجية:
باختصار: الاهتمام المتزايد بفكرة المخلِّص الموعود ليس مجرد إيمان ديني، بل يشير إلى تحولات عميقة على المستوى الاستراتيجي العالمي، وهو انعكاس لأزمة عميقة في النظام العالمي، ومؤشر على قلق ومخاوف حقيقية

↑صفحة ٩٩↑

لدى الشعوب بشأن مستقبلها، مما يدعو إلى إعادة التفكير في الاستراتيجيات السياسية والاجتماعية.
من منظور استراتيجي، هذا يعني أنَّ السنوات القادمة قد تشهد تحولات جذرية على كافة المستويات، وأنَّ البشرية ستدخل مرحلة إعادة صياغة لهويتها ومستقبلها، والبحث بجدية عن (المنقذ المنتظر) بشكل لم يسبق له مثيل على مرِّ التاريخ الإنساني.
جسر الحضارات:
فوائد تعزيز الإيمان بالمخلِّص في وجدان الشعوب:
تعتبر عقيدة المخلِّص الموعود من أقدم وأكثر العقائد الدينية تأثيراً على البشرية، حيث تتجذَّر في معتقدات معظم الأديان والثقافات، وتحمل في طياتها الكثير من التعمق الديني والفلسفي، وهي تتحدث عن شخصية مقدسة (الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)) ستظهر في آخر الزمان لتحقيق العدالة والسلام، وحتماً زيادة الاهتمام بهذه العقيدة في العالم ستؤدي إلى مجموعة من الآثار المتشعبة التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات على حد سواء، وإنَّ تعزيز هذه الفكرة أو العقيدة في وجدان شعوب العالم يحمل العديد من الفوائد للبشرية، منها:
١ - تعزيز الأمل والتفاؤل: بسبب الرؤية الإنسانية العالمية التي تقدمها عقيدة المخلِّص، فتزرع الأمل في النفوس والتفاؤل في المستقبل، ففي أوقات الأزمات والصراعات العالمية تلعب دوراً مهماً في وجدان الشعوب، والرؤية لتحقيق عالم أفضل، مما يوجه الناس نحو بناء مجتمعات أكثر سلاماً وتعاوناً وعدالة.
٢ - تحقيق العدالة للجميع: لإيمانها العميق بالعدالة، والذي هو بمثابة البذرة التي تزرع في قلوب المجتمعات، وتنمو لتشكل مجتمعاً مزدهراً، فالعدالة

↑صفحة ١٠٠↑

هي القاعدة التي يبنى عليها المجتمع القوي المتماسك، وهي التي تضمن استقراره وازدهاره، علماً أنَّ تحقيقه هو تحدٍ كبير، ولكنه ليس مستحيلاً.
٣ - الحرية والاستقلال: بسبب الرؤية التي تقدمها بأنَّ الإنسانية كيان واحد ومتساوٍ، مما يخلق شعوراً قوياً بضرورة تحرر الإنسان من كل أشكال الاستبداد والاستعباد والاستغلال، وأنَّ استقلال الأوطان حق مشروع لجميع البشر، مما يشكل حافزاً قوياً للشعوب للتحرر من براثن الظلم والاستعمار والسعي نحو حياة أفضل.
٤ - تعزيز الاستقرار النفسي: توفر ملاذاً نفسياً للأفراد في الأوقات الصعبة، مما يساعد في تقليل القلق والتوتر وتخفيف الضغوط النفسية، وتشعر المجتمعات بالأمان والطمأنينة نتيجة لإيمانها بالحصول على ضمانات وتوفر شعوراً بالأمان بمعيشة أفضل في المستقبل، خاصة في مواجهة المخاطر والمجهول.
٥ - التطلُّع إلى المستقبل: تحمل العقيدة في طياتها رؤية مستقبلية للمجتمع البشري، وذلك بإيحاء ورسم صورة عن عالم مثالي خالٍ من الظلم والمعاناة حيث يحكم العدل والمساواة، والوعد بمستقبل أفضل، مما يبعث الأمل في نفوس الناس، ويلهم الشعوب الطموح والتفاؤل.
٦ - تعزيز القيم الروحية والأخلاقية: غالباً ما ترتبط فكرة المخلِّص بالتقوى والأخلاق الفاضلة، وتوفر رؤية لمجتمع مثالي رمزاً للفضيلة والقيم الإنسانية الحميدة، وأنَّ الإيمان بقدومه يدفع المؤمنين إلى السعي لتحسين أنفسهم وسلوكهم، والعمل من أجل بناء المجتمع الفاضل.
٧ - تعزيز الوحدة والتضامن الإنساني: تخلق جسراً يجمع بين الناس من مختلف الأديان والثقافات والأعراق، وترسخ القيم الإنسانية المشتركة مثل الحب والسلام، مما يخلق شعوراً بالهوية المشتركة والانتماء إلى جماعة

↑صفحة ١٠١↑

 واحدة كبيرة، هذا الشعور يكون حافزاً للتعاون والتضامن، وتجاوز الخلافات والانقسامات.
 فتحفز المجتمعات على الاهتمام بمعاناة الآخرين، مما يجعلهم أكثر اهتماماً بالقضايا الإنسانية الكبرى مثل حقوق الإنسان والفقر والمرض والعدالة، والعمل من أجل تحقيق مستقبل أفضل للجميع.
٩ - توحيد الجهود في مواجهة التحديات: توفر إطاراً مشتركاً يمكن للناس من مختلف الخلفيات الثقافية والدينية الالتقاء حوله، وتكون دافعاً قوياً للعمل من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، مما يعزِّز التعاون في مواجهة التحديات العالمية، ويزيد من الاستعداد لبذل الجهد والتضحية بشكل أكثر فعالية.
١٠ - تحقيق السلام الداخلي والخارجي: تبشِّر بعالم يسود فيه المحبة والسلام بين جميع الناس، ويسهم الإيمان بالمخلص على خلق بيئة إيجابية بين الأفراد والشعوب، مما يقلل من النزاعات ويعزز من الاستقرار، وتحقيق السلام العالمي، وحماية البشرية من مخاطر الكوارث والحروب.
١١ - التحفيز على التغيير وتحمل المسؤولية: إيمان الناس بوجود مستقبل أفضل يحفزهم على العمل من أجل تحقيقه، ويجعل الناس يشعرون بالمسؤولية وأنَّ عليهم دوراً من أجل تحسين الظروف وتحقيق هذا المستقبل الأفضل، ففكرة المخلِّص الموعود تشكل دافعاً قوياً نحو التغيير الإيجابي.
١٢ - تعزيز المساواة والكرامة الإنسانية: ترتبط بقيم سامية كالعدل والمساواة والرحمة، مما يحفز الناس على تطبيقها في حياتهم، والعمل على تغيير سلوكياتهم بما يناسب هذه القيم، إضافة إلى تكريس حقوق الإنسان واحترام كرامته باعتباره خليفة الله في الأرض، والتأكيد على أنَّ الناس سواسية كأسنان المشط.

↑صفحة ١٠٢↑

إنَّ عقيدة المخلِّص الموعود أو الأطروحة في صيغتها النهائية (المهدوية) إحدى الأمنيات الكبرى في مسيرة التاريخ البشري، وهي تعكس تطلعات إنسانية عميقة بمستقبل سعيد ونهاية تاريخ مشرق، ومن هذا المنطلق فهي تمتلك المقومات الضرورية للثورة العالمية، وتصحيح جميع جوانب الحياة الإنسانية نحو الأمثل والأكمل، فتحمل في طياتها بُعداً استراتيجياً، ورؤية واضحة للتغيير الشامل، ونظرة مستقبلية لتطور المجتمع البشري، وبناء الدولة الفاضلة لكل البشرية.
سبل تعزيز عقيدة (المخلص الموعود) لدى الرأي العام العالمي:
إنَّ تعزيز عقيدة دينية محدَّدة، كعقيدة المخلِّص الموعود (المهدوية المنتظرة) على مستوىً عالمي، هو موضوع حساس ومعقد، ويتطلب دراسة متأنية احتراماً للأديان الأخرى والحضارات المختلفة، ولابد من اتِّباع استراتيجيات مدروسة بطريقة فعالة ومقنعة واحترام الآخر، وتجنب أي شكل من أشكال التطرف أو الكراهية، وهنا نذكر بعض السبل التي يمكن اتِّباعها لتعزيز ونشر وتعريف هذه العقيدة للآخرين:
١ - الانفتاح على الآخر: علينا استكشاف عمق تنوع الثقافات والشعوب والحضارات الأخرى، وفهم تاريخها وتطورها الفكري والعلمي في سياق فكرة (المخلِّص)، ومتابعة آخر المستجدات التي وصلت إليها الفكرة أو العقيدة في منظومتهم الفكرية في العصر الحالي.
٢ - تطوير لغة مشتركة: لتحقيق حوار بنّاء بين الثقافات، يجب علينا دراسة مفهوم المخلِّص في مختلف الحضارات، وتحديد الجوانب المشتركة والاختلافات بينها، هذا التأسيس المعرفي سيساعدنا على بناء لغة مشتركة، وذلك بتأطير عقيدة المخلِّص بلمسات من القواسم المشتركة من منظومتهم الفكرية.

↑صفحة ١٠٣↑

٣ - رسالة تحمل مضموناً واضحاً: لتحقيق التواصل الفعّال مع الآخر، يجب علينا تجديد الخطاب المتعلق بالمخلِّص الموعود وتقديمه بصورة عصرية تتجاوز المفاهيم التقليدية، يجب أن نركِّز على القيم المشتركة مثل العدالة والمساواة، ونقدم رؤية شاملة لمفهوم المخلِّص تتناسب مع مجتمع أغلبه علماني النزعة.
٤ - التركيز على الرؤية الحضارية: لتحقيق حوار حضاري بنّاء، علينا تقديم مفهوم المخلِّص الموعود برؤية حضارية منفتحة، تركز على القيم الإنسانية المشتركة مثل العدل والمساواة، هذه الرؤية يمكن أن تشكِّل أساساً لشراكة حضارية جديدة تساهم في بناء عالم أفضل للجميع.
٥ - تقديم نموذج تاريخي: إنَّ الشعوب الأخرى تريد أن تعرف النموذج الذي يوضِّح لهم شخصية المخلِّص الموعود، والمثال الذي نحن بصدد طرحه هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): كنموذج إنساني عالمي يجمع بين الحكمة والشجاعة والعدل، هذا القائد العظيم يقدم لنا صورة واضحة عن الحاكم العادل والقائد الرشيد.
إنَّ تعزيز عقيدة المخلِّص الموعود لدى الرأي العام العالمي يتطلب حكمةً بالغةً وتعاوناً مثمراً، فنحن بحاجة إلى أن نعمل على بناء جسور تفاهم مع الآخرين، وأن نقدِّم رؤيتنا بطريقة حضارية تحترم معتقدات الجميع، ويكون هدفنا الأساسي هو نشر السلام والمحبة، وليس فرض عقيدة معينة، بالتأكيد إنَّ بناء منظومة فكرية حضارية حول المخلِّص الموعود، تجمعنا بروابط عقائدية مشتركة، هي القوة الدافعة التي ستنشر نور هذه العقيدة الربانية (المهدوية) في أرجاء المعمورة، والتي تمثل الأمنية الكبرى للإنسانية طوال التاريخ.

↑صفحة ١٠٤↑

أبرز التحديات التي تواجه عقيدة المخلِّص في العالم المعاصر:
تواجه عقيدة المخلِّص الموعود في عالمنا المعاصر العديد من التحديات في ترسيخها أو نشرها في المجتمعات الدولية المعاصرة، هذه التحديات تتباين في طبيعتها وشدتها باختلاف الثقافات والديانات والظروف المصاحبة، إليك بعض أهم هذه التحديات:
١ - التنوع الثقافي والفكري:
- تتباين تفسيرات عقيدة المخلِّص بشكل كبير بين الأديان والثقافات، مما يعقد جهود تعزيزها في مجتمعات متنوعة، فاختلاف الرؤى حول هوية المخلِّص يجعل من الصعب بناء فهم مشترك وتجاوز الحواجز الفكرية.
- تتعارض التيارات العلمانية مع العقائد الدينية عموماً، وتشكك في صحة أي معتقدات لا تستند إلى الأدلة المادية، ومنها فكرة وعقيدة المخلِّص الموعود.
٢ - التحديات السياسية:
- تؤدي الصراعات والاضطرابات السياسية إلى تشتيت الجهود وتقويض فرص نشر العقائد الدينية، وخاصة التي لها طابع غيبي كفكرة المخلِّص الموعود.
- يستغل بعض السياسيين أو الجماعات المتطرفة فكرة المخلِّص أو النبوءات، لخدمة أجنداتهم السياسية وتحقيق مآرب خاصة، من خلال ادعاء أنهم يمثلونه أو أنَّهم يعملون على تمهيد الطريق لِقدومه.
٣ - المؤسسات الإعلامية:
- تقوم المؤسسات الإعلامية المسيسة أو المؤدلجة بنشر معلومات مضللة

↑صفحة ١٠٥↑

عن المخلِّص الموعود، وتحاول تحريف الحقائق خدمة لأجندة خاصة، مما يؤثر على تصورات الناس حول الفكرة بشكل مشوه.
- تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار معلومات متضاربة تتعارض مع العقائد الصحيحة حول المخلِّص، مما يجعل من الصعب على الأفراد تمييز الصحيح من الخطأ وتشكيل قناعات راسخة.
٤ - التحديات القومية:
- في ظل الصراعات والانقسامات العالمية، يزداد التركيز والتشديد على الهويات القومية والعرقية، مما يجعل من الصعب توحيد الناس حول فكرة عالمية مثل المخلِّص الموعود.
- بعضٌ يربط فكرة المخلِّص الموعود بالعنف والتطرف، وذلك لاستغلال الجماعات المتطرفة لهذه الفكرة لترويج أجنداتها، مما أدّى إلى خوف واسع النطاق لتزايد أعمال العنف والتطرف المرتبطة بها.
٥ - التطورات الاجتماعية:
- أدَّت العولمة إلى تزايد الاختلاط بين الثقافات، مما يجعل من الصعب الحفاظ على خصوصية العقائد الدينية أو نشر فكرة موحدة حول المخلِّص الموعود.
- تُشكِّل العادات والتقاليد الراسخة في بعض المجتمعات عائقاً كبيراً أمام قبول فكرة المخلص، حيث تتعارض أحياناً مع المعتقدات المتوارثة عبر الأجيال، مما يجعل من الصعب تغيير هذه الأفكار المتجذرة لدى الكثيرين.
٦ - التحديات الشخصية:
- تسيطر الشهوات والماديات على اهتمامات الكثيرين في عصرنا، مما

↑صفحة ١٠٦↑

يدفعهم إلى إهمال الجانب الروحي والتوجه نحو الأمور الملموسة والواقعية، بعيداً عن التفكير في الغيبيات.
- تدفع الصعوبات الاقتصادية بالكثيرين إلى التركيز على تأمين متطلباتهم الحياتية الأساسية، مما يقلل من اهتمامهم بالشؤون الدينية والروحية، إذ تسيطر عليهم هموم المعيشة اليومية.
هكذا يتبيَّن أنَّ فكرة المخلِّص الموعود في العالم المعاصر تواجه تحديات كبيرة ومتشابكة، وتتعلق معظمها بالظروف البيئية وزمانها، ومع ذلك تستمر هذه الفكرة في التأثير على حياة الملايين من الناس حول العالم، وتظل موضوعاً مهماً مثيراً للجدل والنقاش.

↑صفحة ١٠٧↑

العدد ١٨/ ذي الحجة / ١٤٤٦ هـ : ٢٠٢٥/٠٥/٣١ : ٢٠ : ٠
: مجتبى السادة
التعليقات:
لا توجد تعليقات.