شخصيّات محورية في الحركة المهدوية
شخصيّات محورية في الحركة المهدوية
الشيخ علي كريّم
↑صفحة ٠↑
مقدِّمة:...................١٤١
أوّلاً: الامام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأنصاره في القرآن الكريم:...................١٤٤
ثانياً: من هم الأبدال؟...................١٤٦
١ - اختلفت الآراء كثيراً حول مصطلح الأبدال...................١٤٦
٢ - الأبدال في روايات أهل السنّة:......................١٤٧
٣ - الأبدال في الأحاديث والروايات الشيعية:...................١٤٨
٤ - مصاديق الأبدال في الروايات:...................١٤٨
الأول: الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أو خواص أصحابهم:...................١٤٨
الثاني: أصحاب الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه):...................١٤٩
ثالثاً: رجالٌ حول الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):...................١٥٠
السيّد الخراساني:...................١٥٠
١ - اسمه ونسبه:...................١٥٠
٢ - حركته ودوره في الظهور:...................١٥١
اليماني:...................١٥٣
١ - اسمه ونسبه:...................١٥٣
٢ - زمان ظهوره ودوره في عملية الظهور:...................١٥٤
٣ - لماذا رايته أهدى الرايات؟...................١٥٥
النفس الزكية:...................١٥٧
ب - نسبه:...................١٥٨
٢ - زمان ومكان ظهوره، وسبب استشهاده:...................١٥٩
ب - سبب استشهاده:...................١٥٩
شعيب بن صالح:...................١٦٠
١ - اسمه ونسبه:...................١٦٠
٢ - دوره في عملية الظهور:...................١٦٠
الخاتمة:...................١٦١
↑صفحة ٠↑
مقدِّمة:
ورد عن داود بن الحصين، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون له غَيبة وحيرة حتَّى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(١).
هذه الرواية المشهورة والتأسيسية في القضية المهدوية تشير إلى عدّة نكاتٍ، فهي تحدّد اسم الإمام وكنيته وخلقَه وخُلُقه وتربطها بالمبدأ الإسلامي الأصيل وهو النبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذلك الإشارة الواضحة إلى الغيبة باعتبارها مفصلاً تاريخيّاً مركزيّاً يشكّل محور الابتلاء والامتحان لقافلة البشرية، إلّا أنَّ أهمَّ إشارةٍ تشير إليها هي أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، لا كما توهَّم البعض وبنى على ذلك الفهم الخاطئ مبانيَ خاطئة، وهي أنَّ الإمام سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، فبدأ ينظّر للانتظار السلبي وعدم الاستعداد باعتبار أنَّ امتلاء الأرض بالظلم والجور هو أمرٌ حتميّ، فبالتالي فلندع ذلك يحصل أو فلنساعد به على بعض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الشيخ الصدوق - كمال الدين وتمام النعمة: ج١، ص٣١٥.
↑صفحة ١٤١↑
المبادئ الباطلة، فالمتبادر من عبارة أنّ الإمام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً أنّ واقعةَ ظُهورِ الإمامِ المهديِّ (عجَّل الله فرجه) ليستْ مشترطةً بحصولِ هذا الظُّلمُ العامُّ والجَورُ المُستشري في كُلِّ مَكانٍ، والمُتبادرُ أنَّ خروجَ الإمامِ (عليه السلام) وإنْ كانَ لأجلِ دَفعِ هذا الظُّلمُ والجَورُ الّذي يُطبقَ الآفاقَ ويُقيمُ علَى أنقاضِهِ العدلَ والقسِطَ الشَّاملَ غيرَ أنَّ ذلكَ ليسَ هو العِلَّةُ الفاعليَّةُ المُقتضية لِقيامِهِ (عجَّل الله فرجه) وإنَّمَا هي العِلَّةُ الغائيَّةُ الّتي يكونُ ظهورهُ (عجَّل الله فرجه) مُتكفلاً بتحقيقِهَا؛ فالعبارة ليست بصدد تعليق خروج الإمام (عجَّل الله فرجه) على حصول الظلم والجور، ولكنها بصدد بيان الوظيفة التي ينهض بها الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حال خروجه المتزامن مع امتلاء الدنيا بالظلم والجور.
وأمّا نفس خروجه الشريف فإنه مسبب عن مقتضيات وشرائط وارتفاع موانع، ومن جملة مقتضياته حصول الإذن من قبل الله (عزَّ وجلَّ)، ومن جملة شرائطه اكتمال عدة أصحابه وتوفر قواعده الشعبية، ومن جملة ارتفاع موانعه سقوط بعض الأنظمة الطاغوتية.
إنَّ هذا الفهم المغلوط والخاطئ يشكِّلُ مخالفةً فاضحة لمفاهيم القرآن التي تدعو إلى رفض الظلم، وعدم الركون إلى الظالمين، قال الله تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (هود: ١١٣).
بل إنَّ ذلك يعني تعطيل أهم فرائض الإسلام وأحكامه وتشريعاته، كفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، وهي تكاليف عامة لا تختص بزمان دون زمان، أو مكانٍ دون آخر.
على أنَّه ليس معنى (تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً) الواردة في بعض النصوص هو أن تنعدم قيم الحق والتوحيد والعدل على وجه الأرض، ولا يبقى موضع يُعبد الله فيه، فهذا الأمر مستحيل، وهو على خلاف سنن الله، وإلّا فماذا نفعل بالروايات التي تصرّح بضرورة توفّر القادة الثلاثمائة وثلاثة
↑صفحة ١٤٢↑
عشر لحركة الإمام (عجَّل الله فرجه)، بالإضافة إلى العدد الكبير من الأنصار والجنود الموجودين عند خروجه.
كما أنَّ غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بسبب طغيان الشر والفساد والظلم، فكيف يكون طغيان الفساد والظلم شرطاً وسبباً لظهور الإمام (عجَّل الله فرجه) وخروجه؟
فالمقصود بهذه الكلمة طغيان سلطان الباطل على الحق في الصراع الدائر بين الحق والباطل، من هنا لابُدَّ للإمام (عجَّل الله فرجه) من أنصارٍ وجنودٍ وقادّة يساهمون على كلّ الصعد والمستويات في التمهيد لظهوره المبارك، وفي إنجاح هذه النهضة المهدوية، وقد تحدّثت الروايات عن هؤلاء الأنصار وصفاتهم وأوطانهم، وعددهم، إلّا أنَّ التأمّل الحثيث في الروايات الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام)، وخصوصاً في المصادر الأُم المتحدِّثة عن القضية المهدوية وحيثيّاتها المختلفة ككتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي وللشيخ النعماني وكتاب (كمال الدين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق يجد أمامه مجموعةً من الشخصيات الأساسية التي تلعب دوراً محوريّاً في عملية الظهور المبارك للإمام أو في التمهيد له، بل إنَّ بعضها قد عَدَّت حركته من العلامات الحتمية للظهور، ونتيجةً لأهمية الدور المنوط بها في هذه الحركة نجد البعض قد حاول تطبيقها على شخصيّاتٍ معاصرة لعبت وما زالت تلعب دوراً مهمّاً في مقارعة الاستكبار وفي التمهيد والانتظار الإيجابي.
في هذا المقال سوف أُسلِّط الضوء على مصطلح (الأبدال) باعتباره إحدى المصطلحات التي وردت بكثرةٍ في الروايات السنية والشيعية وكثر اللغط في تطبيقها على مصاديقها، بحيث يُعدّ أصحاب الإمام (عجَّل الله فرجه) وخصوصاً الشخصيّات الأساسية في حركته أحد أهمّ المصاديق لهذا المصطلح، بالإضافة إلى التركيز على أربع شخصيّات محورية ومهمَّة وهي:
↑صفحة ١٤٣↑
١ - الخراساني.
٢ - اليماني.
٣ - النفس الزكية.
٤ - شعيب بن صالح.
كما سأعرِّج إلى التأسيس القرآني للقضية المهدوية وخصوصاً لجهة الأنصار، بحيث يرى المتأمّل في تفاسير القرآن كثيراً من الروايات التي تؤول آياتٍ مهمّة في القرآن الكريم بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأصحابه وأنصاره.
أوّلاً: الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأنصاره في القرآن الكريم:
إنَّ القرآن الكريم لم يُشِر بشكلٍ تفصيلي إلى الأمور التفصيلية التي مرّت أو ستمرّ في حياة الإمام ومسيرته وحركته كولادته وحياته، مواصفاته الشخصية أو غيبته وتفاصيل حركة ظهوره، لأنَّ هذا ليس من وظيفة القرآن، بل من وظيفة السنّة التي تشكّل معه الثقلين اللَذَيْن لا يفترقان، فالقضية المهدوية وكأيّ قضية وظيفة القرآن فيها هي التأسيس والقواعد العامّة ووظيفة السنّة هي التبيين وإكمال الرؤية المنظومية للفكرة.
نعم نجد الروايات تشير إلى سننٍ معيّنة موجودة لدى الأنبياء وهي عنده (عجَّل الله فرجه)، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنَّ في صاحب هذا الأمر سنناً من الأنبياء: سنَّة من موسى بن عمران، وسنَّة من عيسى، وسنَّة من يوسف، وسنَّة من محمد (صلى الله عليه وعليهم)، فأمّا سنَّته من موسى فخائف يترقب، وأمّا سنَّته من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأمّا سنَّته من يوسف فالستر جعل الله بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه، وأمّا سنَّته من محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيهتدي بهداه ويسير بسيرته»(٢).
نفهم الإشارة القرآنية إلى حصول هذه السنن مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢) بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج٥١، ص٢٢٤.
↑صفحة ١٤٤↑
أمّا موضوع الظهور والاستخلاف فقد أشارت إليه آيات عدّة فسّرتها روايات أهل البيت (عليهم السلام) بدولة العدل المهدوي، منها:
أولاً: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ٥).
قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في تفسير الآية: ﴿أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ قال أبو جعفر (عليه السلام): «هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان»(٣).
ثانياَ: قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: ٣٣).
روى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: ٣٣)، فقال: «والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتَّى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر بالله العظيم، ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه حتَّى لو كان هناك كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله»(٤).
ثالثاً: قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ (النور: ٥٥).
يروي فرات الكوفي في تفسيره: عن السدي، عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣) تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي: ج٧، ص١١٩.
(٤) الحديث في باب النوادر: ج٢، ص ٣٨٦، من كمال الدين وهكذا الأحاديث الآتية.
↑صفحة ١٤٥↑
فِي الْأَرضِ﴾ إلى آخر الآية، قال: نزلت في آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومنهم المهدي (عجَّل الله فرجه)(٥).
كما أنَّه بمبدأ الجري والتطبيق، وموضوع تفسير القرآن بالبطون، كثيرٌ من الآيات يمكن تأويلها بالإمام (عجَّل الله فرجه)، وقد تصل إلى ١٠٠ آية على بعض الآراء.
ثانياً: من هم الأبدال؟
١ - اختلفت الآراء كثيراً حول مصطلح الأبدال، فالبعض اعتبره من مخترعات الأمويين لإشغال الناس بهم بدلاً من الأئمة (عليهم السلام)، باعتبار كثرة الروايات الواردة في مصادر أهل السُنّة حولهم، كما أنَّ أغلب الروايات سواء في المصادر الشيعية أو السنية تذكر أنّهم من أهل الشام، كما نجد بعض المتصوّفة قد استخدموا هذا المصطلح كثيراً، فالأبدال عندهم في كلّ زمان يحيطون بالقطب، والقطب يكون واحداً.
من هنا كان لابدّ من بيان المعنى اللغوي للمصطلح ثمّ البحث عن مصاديقه في الروايات:
أ - الأبدال لغةً: جَمْعُ بَدَلْ وبَدِيل، وهم الزُّهاد، والعُبَّاد، والأولياء المخلصون لله، قال العلامة الطُريحي: الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر.
ب - وفي القاموس: الأبدال قوم يقيم الله بهم الأرض وهم سبعون، أربعون بالشام وثلاثون بغيرها، لا يموت أحدهم إلّا قام مقامه آخر من سائر الناس.
ج - وللعلامة الراغب الأصفهاني تفسيرٌ آخر للأبدال حيث يقول: والأبدال قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين، وقد أنكر بعض الناس وجودهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥) تفسير فرات الكوفي: ص٢٨٨-٢٨٩، ح٣ و٦.
↑صفحة ١٤٦↑
ثم يضيف قائلاً: وحقيقته هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة، وهم المشار إليهم بقوله تعالى: ﴿... فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ...﴾ (الفرقان: ٧٠)(٦).
٢ - الأبدال في روايات أهل السنّة:
إنَّ أهمّ ما تشير إليه الروايات السنية في موضوع الأبدال:
أ - حديث عبادة بن الصامت: عن عبد الوهاب بن عطاء عن الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «الأبدال في هذه الأُمَّة ثلاثون رجلاً، قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً»(٧).
ب - عبادة بن الصامت كذلك: «الأبدال في أُمَّتي ثلاثون بهم تقوم الأرض، وبهم تنصرون وبهم تمطرون»(٨).
ج - حديث عوف بن مالك مرفوعاً: «الأبدال في أهل الشام بهم ينصرون وبهم يرزقون»(٩).
د - الحديث الذي يروونه عن الإمام علي (عليه السلام): ذُكِرَ أهل الشام عند علي بن أبي طالب، وهو بالعراق، فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين، قال: «لا، إني سمعت رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] يقول: الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً، كلَّما مات رجل أبدله الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب»(١٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦) راجع: مجمع البحرين - العلامة فخر الدين بن محمد الطريحي: ج٥، ص٣١٩؛ مفردات ألفاظ القرآن - العلامة الراغب الأصفهاني: مادة (بَدَلَ).
(٧) مسند أحمد بن حنبل: ج٥، ص٣٢٢.
(٨) الطبراني، المعجم الكبير: ج١٨، ص٦٥.
(٩) م، ن، ص، ن.
(١٠) مسند أحمد بن حنبل، ج١، ص١١٢.
↑صفحة ١٤٧↑
هـ - في حديثٍ يرسله أنس بن مالك: «الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة كلَّما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، وكلَّما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة»(١١).
و - عن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الأبدال من الموالي»(١٢).
٣ - الأبدال في الأحاديث والروايات الشيعية:
أ - لقد ذُكرت مفردة (الأبدال) في الأخبار والأحاديث الشريفة في مواضع مختلفة، لكن رغم اختلاف مواردها فقد جاءت كلها في مقام المدح والثناء، بحيث يظهر منها أنَّ الأبدال هم أناسٌ يمتازون عن غيرهم بالصلاح والدرجة الإيمانية العالية والرفيعة.
رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنَّهُ قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَنْ دَعا للمؤمنين والمؤمنات في كل يوم خمساً وعشرينَ مرة، نَزَعَ اللهُ الغِلَّ من صدره، وكَتَبُه من الأبدال إن شاء الله»(١٣).
٤ - مصاديق الأبدال في الروايات:
لدى مراجعة الأحاديث والروايات الواردة فيما نحن بصدد بيانه، ودراستها نجد أنَّ مفردة (الأبدال) استُعملت في الروايات والأحاديث في المعاني التالية:
الأول: الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أو خواص أصحابهم:
فقد رُوِيَ عن الخالد بن الهيثم الفارسي أنَّه قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنَّ الناس يزعمون أنَّ في الأرض أبدالاً، فمن هؤلاء الأبدال؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١) الديلمي، الفردوس: ج١، ص١١٩، ح٤٠٥.
(١٢) كنز العمال - المتقي الهندي: ج١٢، ص٤١٧.
(١٣) الجعفريات - محمّد بن الأشعث الكوفي: ص٢٢٣، باب فضل الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
↑صفحة ١٤٨↑
قال: «صدقوا، الأبدال الأوصياء، جعلهم الله (عزَّ وجلَّ) في الأرض بَدَلَ الأنبياء، إذ رفع الأنبياء وختمهم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(١٤).
يعلّق العلامة المجلسي بعد ذكره للرواية السابقة قائلاً: (ظاهر الدعاء المروي من أم داود عن الصادق (عليه السلام) في النصف من رجب - حيث قال -: «اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وارحم محمداً وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنَّك حميد مجيد، اللهم صلِّ على الأوصياء والسعداء والشهداء وأئمة الهدى، اللهم صلِّ على الأبدال والأوتاد والسياح والعباد والمخلصين والزهاد وأهل الجد والاجتهاد»، - إلى آخر الدعاء - يدل على مغايرة الأبدال للأئمة (عليهم السلام)، لكن ليس بصريح فيها، فيمكن حمله على التأكيد.
ثم يضيف قائلاً: (ويحتمل أن يكون المراد به في الدعاء خواص أصحاب الأئمة (عليهم السلام))(١٥).
الثاني: أصحاب الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه):
فقد رَوى طارق بن شهاب عن حذيفة قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: «إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ من السماء أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين، وولي الأمر خير أُمَّة محمد، فالحقوا بمكة، فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق رهبان بالليل ليوث بالنهار، كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام»(١٦).
وَرُوِيَ عن جابر الجعفي أنَّه قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدَّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٧، ص ٤٨.
(١٥) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام) - محمّد باقر المجلسي: ج٢٧، ص٤٨.
(١٦) م،ن، بحار الأنوار - ج ٥٢ ،ص ٣٠٤.
↑صفحة ١٤٩↑
والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم»(١٧).
النتيجة: رغم تضارب التطبيقات والأحاديث في موضوع الأبدال، عبر تطبيقها على أهل الشام خصوصاً، وهو ما يظهر أنّه من اختراعات الأمويين، أو دعوى كون الصوفيّة هم من أدخلوا هذا المصطلح، وفي ذلك يقول محمد رشيد رضا في مجلّة المنار: (إنَّ هذه الأحاديث باطلة رواية ودراية، سندا ومتنا، وإنما راجت في الأمة بعناية المتصوفة، وقد ذكرها الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات وطعن فيها واحدا بعد واحد...)(١٨).
إلَّا أنَّه في المصادر الشيعيّة يوجد تطبيقات لهذا المصلح بعيداً عن المنهجين المذكورين، فمن هنا يمكن القول بأنَّ أصحاب الإمام (عجَّل الله فرجه) وفقاً لهذه الروايات هم من أبرز المصاديق لهذا المصطلح الشائك في الورود والاستعمال.
ثالثاً: رجالٌ حول الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
السيّد الخراساني:
١ - اسمه ونسبه:
السيّد الخراساني أو الهاشمي، أو الحسني كما تعبّر عنه الروايات هو أحد الشخصيّات التي يُعَدُّ قيامها من علامات آخر الزمان، والتي يكون ظهورها في نفس السنة بل والشهر واليوم مع اليماني والسفياني.
وقد اختلفت الروايات في نسبه فبعضها يقول إنّه من أبناء الإمام الحسن (عليه السلام) والآخر أنَّه من أبناء الإمام الحسين (عليه السلام)، أمّا اسمه ونسبه التفصيلي فلم تشِر الروايات بصراحة إليه، نعم بعض الروايات أشارت إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧) م، ن، ج٥٢، ص٣٠٤.
(١٨) محمد رشيد رضا، مجلة المنار: ع٢٧، ص ٧٤٧ – ٧٥٤.
↑صفحة ١٥٠↑
بعض العلائم والصفات الجسدية الموجودة في جسده كوجود خال في كفه اليمنى(١٩).
٢ - حركته ودوره في الظهور:
الأحاديث التي بين أيدينا تربط حركة الخراساني بقائد جيشه شعيب بن صالح وتشير إلى كون هاتين الشخصيتين من أصحاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنّهما يظهران في إيران قرب ظهوره ويشاركان في حركة ظهوره.
والظاهر من بعض الروايات أنَّ قوّات جيشهما لا تذهب إلى المدينة المنوّرة أو الحجاز لمساعدة قوّات الإمام في تلك البقعة، بل تدخل إلى العراق بإعلان ولائها وبيعتها للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ثمّ تحتشد القوّات في (بيضاء إصطخر)(٢٠)، حيث تحدّد روايتان مكان (بيضاء إصطخر) محلاً لتجمع قواته، وهي تعني منطقة بيضاء في إصطخر، إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح. فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر فيكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني. فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه(٢١).
أمّا الرواية الثانية: «يبث السفياني جنوده في الآفاق بعد دخوله الكوفة وبغداد، فيبلغه فزعة من وراء النهر من أهل خراسان، فيقبل أهل المشرق عليهم قتلاً فإذا بلغه ذلك بعث جيشاً عظيماً إلى إصطخر فيلتقي هو والمهدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن المعروف بالملاحم والفتن - ابن طاووس: ط١، مؤسسة صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه)، ١٤١٦هـ، ج١، ص١١٧.
(٢٠) اصطخر مدينة قديمة في جنوب إيران في منطقة الأهواز، كانت عامرة في صدر الإسلام، وما زالت آثارها قرب مدينة (مسجد سليمان) النفطية.
(٢١) مخطوطة ابن حمّاد،ص٨٤.
↑صفحة ١٥١↑
والهاشمي ببيضاء إصطخر فيكون بينهما ملحمة عظيمة حتَّى تطأ الخيل الدماء إلى أرساغها»(٢٢).
وأنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يتوجّه بعد تحريره الحجاز إلى هذا المكان ويلتقي بأنصار الخراساني وجيشه، ويخوضون بقيادته معركة هناك ضد السفياني(٢٣).
على أنَّ في النفس شيء من هذا المعنى لأنَّ الرواية وحيدة في بابها ومن مصادر غيرنا فضلاً عن ضعف سندها الظاهر.
من الروايات أيضاً التي تتحدّث عن حركة الخراساني أو الرايات السود، ما ورد في مخطوطة ابن حمّاد: (يدخل السفياني الكوفة فيسبيها ثلاثة أيام، ويقتل من أهلها ستين ألفا، ثم يمكث فيها ثمانية عشرة ليلة. وتقبل الرايات السود حتَّى تنزل على الماء فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم فيهربون)(٢٤)، حيث يُستظهَر من هذه الرواية أنّ قوات الخراساني تتأخر عن دخول العراق، حيث ورد في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «حتَّى يخرج عليهم الخراساني والسفياني يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا وهذا من هنا»(٢٥).
كما أنَّ بعض المحققين يربطون حركته بالرايات السود التي تأتي من خراسان، أو من المشرق، وأنَّه هو قائد هذه الرايات(٢٦)، نعم بعضهم اعتبر أنَّ قائد تلك الحركة شخصٌ آخر باعتبار أنَّ الوارد فيها تسمية القائد بـ(رجلٍ من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢) م، ن، ص، ن.
(٢٣) راجع عصر الظهور، الشيخ علي الكوراني، سازمان تبليغات الطبعة الثانية، ١٣٧٩، ترجمه عباس جلالي، من ص ٢٤٠ إلى ص٢٤٤.
(٢٤) مخطوطة ابن حمّاد: ص٨٤.
(٢٥) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٥٢ ص ٢٣٢.
(٢٦) راجع عصر الظهور - علي الكوراني: سازمان تبليغات الطبعة الثانية، ١٣٧٩، ترجمه عباس جلالي، ص٢٤٧.
↑صفحة ١٥٢↑
بني هاشم) أو (السيّد الهاشمي) أو (الحسني)، إلّا أنَّه لا مانع من كون كلّ تلك الألقاب والصفات راجعة إلى شخص الخراساني.
إنَّ هذه الرايات السود أو الرايات الخراسانية سوف تلعب دوراً أساسيّاً في عملية قلب الموازين لمصلحة الإمام وجيشه، وهذا ما نلحظه في الروايات الواردة في مصادر الفريقين، ومنها رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتَّى يقوموا، ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم (أي المهدي (عجَّل الله فرجه)) قتلاهم شهداء، أمّا إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»(٢٧).
اليماني:
١ - اسمه ونسبه:
اليمانيّ لقبٌ لرجلٍ يخرج في آخر الزمان ويعتبر خروجه هذا من العلائم الحتمية لظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بل إنَّ الروايات تصرِّح بكون رايته أهدى الرايات التي تسبق الظهور المبارك.
وقد شذ البعض بالقول إن المقصود من اليماني نسبةً إلى اليُمْن أي البركة، وهو خلاف النصوص الكثيرة المعتبرة في كونه من اليمن أو أنَّها مشتقّة من (أصحاب اليمين).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧) إنَّ هذا الحديث موجود في المصادر السنية والشيعية - مع الاختلاف في بعض الزيادات والنقائص - ومن أقدم المصادر السنية التي روته أو روت قسماً منه ابن ماجة في سننه: ٢/٥١٨ و٢٦٩، والحاكم: ٤/٤٦٤ و٥٥٣، وابن حماد في مخطوطته الفتن ص ٨٤ و٨٥، وابن أبي شيبة في مصنفه: ١٥/٢٣٥، والدارمي في سننه ص ٩٣، ثم رواه عنهم أكثر المتأخرين.
أمّا في المصادر الشيعية فنجده السيّد ابن طاووس في الملاحم والفتن: ص٣۰ و١١٧، ورواه المجلسي في البحار، ٥١/٨٣ عن أربعين الحافظ أبي نعيم، الحديث ٢٧ في مجيئه - أي المهدي (عجَّل الله فرجه) - من قبل المشرق. وروى شبيهاً به في: ٥٢/٢٤٣.
↑صفحة ١٥٣↑
إلّا أنَّ الأرجح أنَّها نسبةٌ إلى اليَمَن خاصة مع ورود الأخبار بخروج اليماني من اليمن، وهو نص في تعيين موضع خروج اليماني.
ففي حديث طويل عن محمد بن مسلم، قال: دخلت على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (عليه السلام) فقال لي مبتدئاً: «يا محمد بن مسلم إنَّ في القائم من آل محمد شبهاً من الخمسة الرسل... - إلى أن يقول: - وإنَّ من علامات خروجه خروج السفياني من الشام وخروج اليماني من اليمن وصيحة من السماء في شهر رمضان ومنادٍ ينادي من السماء باسمه واسم أبيه...» الحديث(٢٨).
بالنسبة لاسم اليماني فلم تحدّده الروايات، نعم في بعضها غير الوارد عن أهل البيت (عليهم السلام) الترديد في كونه حسناً أو حسيناً، وكذلك نسبه فهو غير مصرَّحٍ به في الروايات بشكلٍ واضحٍ وصريح، وما نجده في الروايات هو بعض الصفات العامّة له كوصفه بكونه موالياً للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو أنَّه يدعو إلى الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه)، أو وصفه بكونه صاحب راية هدى، وكونه من أهل الحقّ ومن اليمن(٢٩).
٢ - زمان ظهوره ودوره في عملية الظهور:
إنَّ المتأمّل في الروايات الواردة في شأن اليماني يجد أنَّها لا تحدِّد بشكلٍ دقيق بالسنة والشهر زمان ظهوره والبدء بحركته، وكلُّ ما أفادته كونه سيظهر في زمن ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وفي السنة والشهر واليوم الذي سيظهر فيها الخراساني والسفياني، وعبّرت عنها بأنَّها تتوالى كنظام الخرز، ففي الرواية: في حديثٍ طويل، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) قال: «خروج السفياني واليماني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨) كمال الدين وتمام النعمة - محمد بن علي بن الحسين الصدوق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة: ١٤٠٥هـ، ج١، ص٣٢٧.
(٢٩) راجع م، ن، ج١ ص٣٢٨، باب ٣٢.
↑صفحة ١٥٤↑
والخراساني في سنةٍ واحدةٍ، في شهرٍ واحد، في يومٍ واحد، نِظَامٌ كنظام الخَرَزِ يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويلٌ لمن نَاواهم، وليس في الرايات رايةٌ أهدى من راية اليماني، هي راية هدى لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حُرّم بيع السلاح على النّاس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنَّ رايته راية هدى، ولا يحِلُّ لمسلمٍ أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنَّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم»(٣٠).
٣ - لماذا رايته أهدى الرايات؟
تشير الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) إلى أنَّ راية اليماني هي أهدى الرايات، بل أهدى من راية الخراساني نفسه ومن راياته السود مع ما مرّ من الأوصاف الهامّة لأصحابها وكونها موصوفة بأنَّها راية هدى، وبأنَّ قتلاهم شهداء، ومع أنَّ معه من يكونون من قيادات جيش الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وخاصّة أصحابه كشعيب بن صالح.
وللإجابة عن هذا التساؤل ذكر المحقِّقون عدّة أجوبة منها:
أ - أن يكون السبب في ذلك أنَّ الأسلوب الإداري الذي يستعمله اليماني في قيادته السياسية وإدارة اليمن أصح وأقرب إلى النمط الإداري الإسلامي في بساطته وحسمه، بينما لا تخلو دولة الإيرانيين من تعقيد الروتين وشوائبه، فيرجع الفرق بين التجربتين إلى طبيعة البساطة والقبيلة في المجتمع اليماني، وطبيعة الوراثة الحضارية والتركيب في المجتمع الإيراني.
ب - أن تكون ثورة اليماني أهدى بسبب سياسته الحاسمة مع جهازه التنفيذي، سواء في اختياره من النوعيات المخلصة المطيعة فقط ومحاسبته الدائمة والشديدة لهم، وهي السياسة التي يأمر الإسلام ولي الأمر أن يتبعها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠) الغيبة - ابن أبي زينب النعماني: ط١، تحقيق: فارس حسون كريم، منشورات أنوار الهدى - إيران - قم ،١٤٢٢هـ، ص٢٦٤، باب ١٤، ح١٣.
↑صفحة ١٥٥↑
مع عماله كما في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عامله في مصر مالك الأشتر (رضوان الله عليه)(٣١).
إلّا أنَّ أبرز احتمالين في المقام:
أ - أنَّ راية اليماني رايةٌ خالصةٌ بولائها للإمام (عجَّل الله فرجه)، وأنَّ اليماني وأصحابه يرون وجوب نصرة الإمام تكليفاً خالصاً لا يشوبه شيء، أي الولاء الكامل والطاعة التامة للإمام (عجَّل الله فرجه) من قبل اليماني وجيشه، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ عقيدة اليماني الاثني عشرية وأصحابه الميامين تؤهلهم إلى أن تكون رايتهم أهدى الرايات، في حين سيكون الجيش الخراساني ذا تركيبة لخليطٍ سياسي متنوع تحمل معها توجهاتٍ سياسيةٍ مختلفة، وأكثرها خطراً هو ذلك التوجه الزيدي الذي يرى في الخراساني أنَّه إمام مفترض الطاعة، وكون كل من قام بالسيف وتصدى فهو الإمام المفترض الطاعة.
وتكون نصرتهم للخراساني بهذا الداعي البعيد عن نصرة الإمام وتأييده، معتقدين أنَّ خروجهم مع الخراساني هو لهذا الداعي وليس لغيره، لذا ورد أنَّ هؤلاء الخليط من الجيش الخراساني سيعارضون الإمام (عجَّل الله فرجه) ويعترضون عليه وهم الزيدية كما ورد في بعض الروايات.
ورد في نص رواية أبي عبد الله (عليه السلام) إلى أن قال في حال الخراساني الحسني: «ويبايعه - أي المهدي (عجَّل الله فرجه) - سائر العسكر الذي مع الحسني إلّا أربعين ألفاً أصحاب المصاحف المعروفين بالزيدية فإنهم يقولون: ما هذا إلّا سحر عظيم، فيختلط العسكر فيقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام، فلا يزدادون إلّا طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً ثمّ يقول لأصحابه: لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرّفوها ولم يعملوا بما فيها»(٣٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣١) راجع عصر الظهور: م، س، ص١٤٣.
(٣٢) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٣، ص١٦.
↑صفحة ١٥٦↑
إلّا أن هذه الرواية مضافاً إلى ضعف سندها فدلالتها ضعيفة بما هو ظاهر.
النفس الزكية:
١ - من هو ذو النفس الزكية وما هو نسبه؟
أ - إنّ المتأمّل في المصادر التاريخية يجد أنَّ مصطلح النفس الزكية يُطلَق على ثلاث شخصيّات:
الأولى: قتيل منطقة تسمّى بأحجار الزيت في المدينة المنوّرة وهو محمد بن عبد الله بن الحسن الذي ثار على الدولة العبّاسية وقد قُتل في عهد المنصور العباسي.
الثانية: هي التي تقتل ذبحاً في الحرم المكي بين الركن والمقام، حين الإعلان بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
الشخصية الثالثة: هي التي تُقتل في ظهر الكوفة (النجف) مع سبعين آخرين، قبل الإعلان بظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
الشخصية الثانية هي المرتبطة بالإمام وبعملية ظهوره المبارك حيث تحدَّثت الروايات الواردة في علائم الظهور عن خمس علامات من بين مجموعة العلامات بنحوٍ خاصٍّ ومستقلٍّ، ومن خلال التركيز على حتميتها أكثر من غيرها.
وقتل النفس الزكية من جملة هذه العلامات الخمسة، حيث يقول الإمام الصادق (عليه السلام)، في حديث معتبر: «خَمْسُ عَلَامَاتٍ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ، الصَّيْحَةُ وَالسُّفْيَانِيُّ وَالخَسْفُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِية وَالْيَمَانِي»(٣٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٣) أصول الكافي - محمد بن يعقوب الكليني: دار التعارف للمطبوعات، ج١، ص٢٤٥، ح٤٨٣.
↑صفحة ١٥٧↑
والمفهوم من الروايات أنَّه شخص بريءٌ يقتَل في زمان ومكان خاصّين، منها ما رواه الطوسي في الغيبة: «النفس الزكية غلام من آل محمّد اسمه محمّد بن الحسن يُقتَل بلا جرم ولا ذنب...»(٣٤).
أمّا اسمه فقد جاء في بعض الأحاديث أنَّ اسمه محمَّد، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية أنَّه قال: «اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ»، عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) يقول: «القائم منّا منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر تُطوى له الأرض وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله (عزَّ وجلَّ) به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلَّا قد عمّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلّي خلفه، قال: قلت [في بعض النسخ: (خلفه، فقلت)]: يا بن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال،... وقتل غلام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية»(٣٥).
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «وَقَتْلُ غُلَامٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ النَّفْسُ الزَّكِية»(٣٦).
ب - نسبه:
حسب ما تصرّح به الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته (عليهم السلام) أنَّ النفس الزكية يعود بالنسب إلى قريش وتحديداً إلى رسول الله محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه من عقب الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) - على نسخة - كما تشير الروايات، اسمه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٤) الغيبة - محمد بن الحسن الطوسي: م، س، ص٤٨٤.
(٣٥) م، ن: ص٤٦٤.
(٣٦) معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - علي الكوراني: ص٤٩٣، الرواية ١٠٦٣، ط١، انتشارات مؤسَّسة المعارف الإسلامية، ١٤١١هـ، قم؛ نقلاً عن مختصر إثبات الرجعة: الرواية ١٨.
↑صفحة ١٥٨↑
محمّد بن الحسن، يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمّد»(٣٧).
٢ - زمان ومكان ظهوره، وسبب استشهاده:
أ - تفيد الروايات أنَّ مكان ظهور النفس الزكية هو مكّة المكرَّمة، أمّا الزمان فتحدِّده الروايات بأنَّه سيسبق ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) بخمس عشرة ليلة، فرُوي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «ليس بين قيام القائم وبين قتل النّفس الزكية إلّا خمس عشرة ليلة»(٣٨).
ب - سبب استشهاده:
تشير الروايات إلى استشهاد النفس الزكية في الحرم المكّي، وبالتحديد بين ركن الكعبة ومقام إبراهيم (عليه السلام)، وأنَّه سوف يستشهد ذبحاً في بيت الله الحرام - ومن المرجَّح أنَّ الجهة القاتلة هي التي بيدها السلطة في الكعبة في وقت الظهور - والسبب في ذلك هو أداؤه لدوره في الحركة المهدوية وهو أن يكون رسولاً للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لأهل مكّة وكل المسلمين عبر قراءته لبيان إعلان ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بحيث تقول الرواية: عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديثٍ طويلٍ:
«... يقول القائم لأصحابه: يا قوم إنَّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسِل إليهم لأحتجَّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكَّة فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمّد وسلالة النبيِّين، وإنّا قد ظُلمنا واضطُهدنا وقُهرنا، ابتُزَّ منّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٧) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص٢٧١.
(٣٨) الغيبة للطوسي: م، ن، ص٤٤٥، باب علائم ظهور الحجة، حديث رقم ٤٤٠.
↑صفحة ١٥٩↑
حقّنا منذ قُبِضَ نبيُّنا إلى يومنا هذا، ونحن نستنصركم فانصرونا، فإذا تكلَّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألَا أخبرتكم أنَّ أهل مكّة لا يريدوننا...»(٣٩).
شعيب بن صالح:
١ - اسمه ونسبه:
الظاهر من التأمّل في الروايات أنَّ شعيباً بن صالح قد يكون المعني به رجلٌ من عرب إيران أو من بني تميم وهو يقود جيش الخراساني حال اقتحامه العراق لإنقاذ شيعة العراق من بطش السفياني، وقد ذكرت له الروايات بعض المواصفات الجسدية ككونه كوسج أي أكوس اللحية، وكذلك ورد في نفس الموضع أنَّه رجل ربعة أسمر مولى لبني تميم، خفيف شعر اللحية وكذلك أنَّه شاب قوي أصفر الوجه (٤٠).
٢ - دوره في عملية الظهور:
تفيد الروايات أنَّ دور شعيب بن صالح يبدأ بعد أن يبلغ السفياني الكوفة ويقتل فيها مقتلةً عظيمةً بحيث يخرج كقائد من قادة جيش الخراساني من خراسان على رأس خمسة آلاف، راياتهم سود وثيابهم بيض، فتلتقي الرايات السود بالسفياني بباب اصطخر، فيكون بينهم ملحمة عظيمة، ويهرب حينها خيل السفياني(٤١).
ولكنها رواية من مصادر غيرنا وضعيفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٩) بحار الأنوار - محمد باقر المجلسي: م، س، ج٥٢، ص٣٠٧، الرواية٨١.
(٤٠) الملاحم والفتن: م، س، ب ٩٨ ص٥٣ و٥٤.
(٤١) م، ن: ج١، ص١١٥.
↑صفحة ١٦٠↑
الخاتمة:
١ - لا شكّ أنَّ القضية المهدوية بكلّ متعلّقاتها - سواء لجهة المفاهيم المرتبطة بها أو ما يتعلّق بنفس الإمام، وولادته وحياته، ووجوده وغيبته بالإضافة إلى حركته ومرتكزاتها، وأنصارها، وأعدائها - هي من القضايا الجديرة بالبحث العلمي وتسجيل الإضاءات المعرفية حولها لما لها من دورٍ في تحديد مستقبل البشرية المتعبة وخلاصها وهمومها وآلامها وآمالها، فقد أناط الله بالإمام (عجَّل الله فرجه) أعظم مهمّة وهي أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظلماً وجوراً، وقد سلَّطتُ الضوء في هذه المقالة على هذه الشخصيّات الأربعة وبيّنت أهمّ معالمها، وهذا لا يُلغي ضرورة البحث في كلّ القضايا التي أشرت إليها والتأسيس المفاهيمي العميق والدقيق لها.
↑صفحة ١٦١↑